كتاب صفة الجنة للحافظ ضياء المقدسي

كتاب صفة الجنة -الحافظ ضياء الدين-أأبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الحنبلي المقدسي

Translate

الأحد، 22 يناير 2023

تفسير سورة مريم من الآية 1الي11.

تفسير سورة مريم من الآية 1الي11. 

بسم الله الرحمن الرحيم

كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)

============
مريم - تفسير ابن كثير
كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)
تفسير سورة مريم [عليها السلام] (1)
وهي مكية.
وقد روى محمد بن إسحاق في السيرة من حديث أم سلمة، وأحمد بن حنبل عن ابن مسعود في قصة الهجرة إلى أرض الحبشة من مكة: أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه (2) .
بسم الله الرحمن الرحيم
{ كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) } .
أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة.
وقوله: { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ } أي: هذا ذكر رحمة الله بعبده زكريا.
وقرأ يحيى بن يعمر "ذَكَّرَ رحمة ربك عَبْدَهُ زَكَريَّا".
[و] (3) { زَكَرِيَّا } : يمد ويقصر قراءتان مشهورتان. وكان نبيًّا عظيمًا من أنبياء بني إسرائيل. وفي صحيح البخاري: أنه كان نجارًا، أي: كان يأكل من عمل يديه في النجارة.
وقوله: { إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا } : قال بعض المفسرين: إنما أخفى دعاءه، لئلا ينسب في طلب الولد إلى الرعونة لكبره. حكاه الماوردي.
وقال آخرون: إنما أخفاه لأنه أحب إلى الله. كما قال قتادة في هذه الآية { إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا } : إن الله يعلم القلب التقي (4) ، ويسمع الصوت الخفي.
وقال بعض السلف: قام من الليل، عليه السلام، وقد نام أصحابه، فجعل يهتف بربه يقول خفية: يا رب، يا رب، يا رب فقال الله: لبيك، لبيك، لبيك.
{ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي } أي: ضعفت (5) وخارت القوى، { وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا } أي
__________
(1) زيادة من ت، ف، أ.
(2) رواه الإمام أحمد من حديث أم سلمة (5/290) ومن حديث ابن مسعود (1/461).
(3) زيادة من ت، ف.
(4) في ت: "النقي".
(5) في ت ، ف : "ضعف" .
(5/211)
__  _____________
اضطرم المشيب في السواد، كما قال ابن دُرَيد في مقصورته (1) :
إمَّا (2) تَرَى رأسِي حَاكى لونُهُ ... طُرَّةَ صُْبحٍ تَحتَ أذْيَال الدُّجى ...
واشْتَعَل المُبْيَض في مُسْوَدّه ... مِثْلَ اشتِعَال النَّارِ في جمر (3) الغَضَا ...
والمراد من هذا: الإخبار عن الضعف والكبر، ودلائله الظاهرة والباطنة.
وقوله: { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا } أي: ولم أعهد منك إلا الإجابة (4) في الدعاء، ولم تردني قط فيما سألتك.
وقوله: { وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي } : قرأ الأكثرون بنصب "الياء" من { الْمَوَالِيَ } على أنه مفعول، وعن الكسائي أنه سكن الياء، كما قال الشاعر:
كَأنَّ أيْديهنّ في القَاع الفَرقْ ... أيدي جَوَارٍ يَتَعَاطَينَ الوَرقْ (5)
وقال الآخر:
فَتَى لو يُبَاري الشَّمسَ ألْقَتْ قِنَاعَها ... أو القَمَرَ السَّاري لألْقَى المقَالدَا ...
ومنه قول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي:
تَغَاير الشَّعرُ فيه (6) إذ سَهرت لَهُ ... حَتَّى ظَنَنْتُ قوافيه ستَقتتلُ (7)
وقال مجاهد، وقتادة، والسدي: أراد بالموالي العصبة. وقال أبو صالح: الكلالة.
وروي عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أنه كان يقرؤها: "وإني خَفَّت الموالي من ورائي" بتشديد الفاء بمعنى: قلت عصباتي (8) من بعدي.
وعلى القراءة الأولى، وجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا [من] (9) بعده في الناس تصرفًا سيئًا، فسأل الله ولدا، يكون نبيًّا من بعده، ليسوسهم بنبوته وما يوحى إليه. فأجيب في ذلك، لا أنه خشي من وراثتهم له ماله، فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدرًا من أن يشفق على ماله إلي ما هذا حده (10) أن يأنف (11) من وراثة عصباته (12) له، ويسأل أن يكون له ولد، فيحوز (13) ميراثه دونه دونهم. هذا وجه.
الثاني: أنه لم يذكر أنه كان ذا مال، بل كان نجارا يأكل من كسب (14) يديه، ومثل هذا لا يجمع مالا ولا سيما الأنبياء، عليهم السلام، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا.
الثالث: أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نُورَث، ما
__________
(1) انظر: شرح مقصورة ابن دريد (ص2) أ.هـ. مستفادا من حاشية ط-الشعب.
(2) في أ: "ما".
(3) في ت، ف، أ: "جزل".
(4) في أ: "إجابة".
(5) الرجز في اللسان مادة (قرق) غير منسوب.
(6) في ت: "منه".
(7) البيت في ديوان أبي تمام (227) أ.هـ. مستفادا من حاشية ط- الشعب.
(8) في أ: "عصابتي".
(9) زيادة من ت، ف.
(10) في أ: "حسده".
(11) في أ: "يأتنف".
(12) في أ: "عصابته".
(13) في ف، أ: "ليجوز".
(14) في أ: "من عمل".
 تركنا فهو صدقة" (1) وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح: "نحن معشر الأنبياء لا نورث" (2) وعلى (3) هذا فتعين حمل قوله: { فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي } على ميراث النبوة؛ ولهذا قال: { وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } ، كما قال تعالى: { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ } [ النمل : 16 ] أي: في النبوة؛ إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك، ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها، وكل هذا يقرره ويثبته (4) ما صح في الحديث: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا فهو صدقة".
قال مجاهد في قوله: { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } [قال] (5) : كان وراثته علمًا وكان زكريا من ذرية يعقوب.
وقال هشيم: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } قال: [قد] (6) يكون نبيًّا كما كانت آباؤه أنبياء.
وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن: يرث نبوته وعلمه.
وقال السُّدِّي: يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب.
وعن مالك، عن زيد بن أسلم: { وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } قال: نبوتهم.
وقال جابر بن نوح ويزيد بن هارون، كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } قال: يرث مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة.
وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا (7) معمر، عن قتادة: أن رسول الله (8) صلى الله عليه وسلم قال: "يرحم الله زكريا، وما كان عليه من ورثة، ويرحم الله لوطًا، إن كان ليأوي إلى ركن شديد" (9)
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا جابر بن نوح، عن مبارك -هو (10) ابن فضالة -عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله أخي زكريا، ما كان عليه من ورثة ماله حين يقول: { فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } (11)
__________
(1) جاء من حديث عائشة، وأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وطلحة، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام أما حديث عائشة فرواه البخاري: (6730) ومسلم برقم (1758). وأما حديث أبو بكر فرواه البخاري برقم (1/37) ومسلم برقم (1759). وأما حديث عمر بن الخطاب وعثمان وطلحة والزبير، فرواه البخاري برقم (3094، 6728، 7305) ومسلم برقم (1757).
(2) لم أجده في سنن الترمذي المطبوع بهذا اللفظ، وانظر كلام الحافظ ابن حجر عن هذه الرواية والوجوه التي تحمل عليها في الفتح (12/8).
(3) في ف: "فعلى".
(4) في أ: "ونبينه".
(5) زيادة من ف.
(6) زيادة من ف، أ.
(7) في ت: "حدثنا".
(8) في ف، أ: "أن النبي".
(9) تفسير عبد الرزاق (2/5) وقد وصل طرفه الثاني: "يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد".
الإمام أحمد في مسنده (2/350) من طريق الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(10) في ف: "وهو".
(11) تفسير الطبري (16/37).
 يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)
وهذه مرسلات لا تعارض الصحاح، والله أعلم.
وقوله: { وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا } أي مرضيا عندك وعند خلقك، تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه.
{ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) } .
هذا الكلام يتضمن محذوفًا، وهو أنه أجيب إلى ما سأل في دعائه فقيل [له] (1) : { يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى } ، كما قال تعالى: { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ } [ آل عمران : 38 ، 39 ]
وقوله: { لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا } قال قتادة، وابن جريج، وابن زيد: أي لم يسم أحد قبله بهذا الاسم، واختاره ابن جرير، رحمه الله.
وقال مجاهد: { لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا } أي: شبيهًا.
أخذه من معنى قوله: { فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [ مريم : 65 ] أي: شبيهًا.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أي لم تلد العواقر قبله مثله.
وهذا دليل على أن زكريا عليه السلام، كان لا يولد له، وكذلك امرأته كانت عاقرا من أول عمرها، بخلاف إبراهيم وسارة، عليهما السلام، فإنهما إنما تعجبا من البشارة بإسحاق على كبرهما (2) لا لعقرهما (3) ؛ ولهذا قال: { أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونِ } [ الحجر : 54 ] مع أنه كان قد ولد له قبله (4) إسماعيل بثلاث عشرة سنة. وقالت امرأته: { يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ } [ هود : 72 ، 73 ] .
{ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) } .
هذا تعجب من زكريا، عليه السلام، حين أجيب إلى ما سأل، وبُشِّر بالولد، ففرح فرحًا شديدًا، وسأل عن كيفية ما يولد له، والوجه الذي يأتيه منه الولد، مع أن امرأته [كانت] (5) عاقرًا لم تلد من أول عمرها مع كبرها، ومع أنه قد كبر وعتا، أي عسا عظمه ونحل (6) ولم يبق فيه لقاح ولا جماع.
تقول العرب للعود إذا يبس: "عَتا يَعْتو عِتيا وعُتُوا، وعَسا يَعْسو عُسوا وعِسيا".
__________
(1) زيادة من ف، أ.
(2) في أ: "لكبرهما".
(3) في أ: "لا لعقرها".
(4) في ت، أ: "أنه قد كان ولد له قبل"، وفي ف: "أنه كان ولد له قبل".
(5) زيادة من ف، أ.
(6) في أ: "وقحل".
 قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
وقال مجاهد: { عِتِيًّا } بمعنى: نحول (1) العظم.
وقال ابن عباس وغيره: { عِتِيًّا } يعني: الكبر.
والظاهر أنه أخص من الكبر.
وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب، حدثنا هُشَيْم، أخبرنا حُصَيْن، عن عِكْرمة، عن ابن عباس قال: لقد علمت السنة كلها، غير أني لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا ؟ ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف: { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا } أو "عسيا".
ورواه الإمام أحمد عن سُرَيْج (2) بن النعمان، وأبو داود، عن زياد بن أيوب، كلاهما عن هشيم، به.
{ قَالَ } أي الملك مجيبًا لزكريا عما استعجب منه: { كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } أي: إيجاد الولد منك ومن زوجتك هذه لا من غيرها { هَيِّنٌ } أي: يسير سهل على الله.
ثم ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه، فقال: { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا } كما قال تعالى: { هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } [ الإنسان : 1]
{ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) } .
يقول تعالى مخبرًا عن زكريا، عليه السلام، أنه { قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً } أي: علامة ودليلا على وجود ما وعدتني، لتستقر نفسي ويطمئن قلبي بما وعدتني كما قال إبراهيم، عليه السلام: { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } الآية [ البقرة : 260 ]. { قَالَ آيَتُكَ } أي: علامتك { أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا } أي: أن تحبس (3) لسانك عن الكلام ثلاث ليال وأنت صحيح سوي من غير مرض ولا علة (4)
قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، ووهب [بن منبه] (5) ، والسدي وقتادة وغير واحد: اعتقل لسانه من غير مرض.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان يقرأ ويسبح ولا يستطيع أن يكلم قومه إلا إشارة.
وقال العوفي، عن ابن عباس: { ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا } أي: متتابعات.
والقول الأول عنه وعن الجمهور أصح (6) كما قال تعالى في [أول] (7) آل عمران: { قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ } [ آل عمران : 41 ]
__________
(1) في أ: "يعني قحول".
(2) في ف، أ: "شريح" .
(3) في ف: "تحتبس".
(4) في أ: "وعلامة".
(5) زيادة من ت، ف، أ.
(6) في ف، أ: "واضح".
(7) زيادة من أ.
 وقال مالك، عن زيد بن أسلم: { ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا } من غير خرس.
وهذا دليل على أنه لم يكن يكلم الناس في هذه الليالي الثلاث وأيامها { إِلا رَمْزًا } أي: إشارة؛ ولهذا قال في هذه الآية الكريمة: { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ } أي: الذي بشر فيه بالولد، { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ } أي: أشار إشارة خفية سريعة: { أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا } أي: موافقة له فيما أمر به في هذه الأيام الثلاثة زيادة على أعماله، وشكرًا لله على ما أولاه.
قال مجاهد: { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ } أي: أشار. وبه قال وهب، وقتادة.
وقال مجاهد في رواية عنه: { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ } أي: كتب لهم في الأرض، كذا قال السدي.
==
مريم - تفسير القرطبي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير سورة مريم عليها السلام
وهي مكية بإجماع. وهي تسعون وثمان آيات
ولما كانت وقعة بدر، وقتل الله فيها صناديد الكفار، قال كفار قريش: إن ثأركم بأرض الحبشة، فأهدوا إلى النجاشي، وابعثوا إليه رجلين من ذوي رأيكم لعله يعطيكم من عنده من قريش، فتقتلونهم بمن قتل منكم ببدر؛ فبعث كفار قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعثهما، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
 وسلم عمرو بن أمية الضمري، وكتب معه إلى النجاشي، فقدم على النجاشي، فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين، وأرسل إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم، ثم أمر جعفر أن يقرأ عليهم القرآن، فقرأ سورة مريم {كهيعص} وقاموا تفيض أعينهم من الدمع، فهم الذين أنزل الله تعالى فيهم {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} وقرأ إلى قوله: {الشَّاهِدِينَ} . ذكره أبو داود. وفي السيرة؛ فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله شيء؟ قال جعفر: نعم؛ فقال له النجاشي: اقرأه علي. قال: فقرأ {كهيعص} فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفتهم حتى أخضلوا لحاهم حين سمعوا ما يتلى عليهم؛ فقال النجاشي: هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكما أبدا؛ وذكر تمام الخبر.
[1] {كهيعص}
[2] {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عبد هُ زَكَرِيَّا}
[3] {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً}
[4] {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً}
[5] {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً}
[6] {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً}
[7] {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً}
[8] {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً}
[9] {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً}
 [10] {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً}
[11] {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً}
===
مريم - تفسير الطبري
كهيعص (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة مريم عليها السلام
القول في تأويل قوله تعالى : { كهيعص (1) }
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى ذكره: كاف من( كهيعص ) فقال بعضهم: تأويل ذلك أنها حرف من اسمه الذي هو كبير، دلّ به عليه، واستغنى بذكره عن ذكر باقي الاسم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذه الآية( كهيعص ) قال: كبير، يعني بالكبير: الكاف من( كهيعص ).
حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، مثله.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، كان يقول( كهيعص ) قال: كاف: كبير.
حدثني أبو السائب، قال: أخبرنا ابن إدريس، عن حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير في( كهيعص ) قال: كاف: كبير.
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن حصين، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، نحوه.
وقال آخرون: بل الكاف من ذلك حرف من حروفه اسمه الذي هو كاف.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: أخبرنا شريك، عن سالم، عن سعيد، في قوله( كهيعص ) قال: كاف: كافٍ.
 حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: أخبرنا أبو روق، عن الضحاك بن مزاحم في قوله:( كهيعص ) قال: كاف: كافٍ.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام عن عنبسة، عن الكلبي مثله.
وقال آخرون: بل هو حرف من حروف اسمه الذي هو كريم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير( كهيعص ) قال: كاف من كريم.
وقال الذين فسروا ذلك هذا التفسير الهاء من كهيعص: حرف من حروف اسمه الذي هو هاد.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا أبو حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان يقول في الهاء من( كهيعص ) : هاد.
حدثنا أبو حصين، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن إسماعيل، عن سعيد، مثله.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير نحوه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حصين، عن إسماعيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
حدثني يحيى بن طلحة، قال: ثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا أبو روق، عن الضحاك بن مزاحم في قوله( كهيعص ) ، قال: ها: هاد.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة، عن الكلبي، مثله.
واختلفوا في تأويل الياء من ذلك، فقال بعضهم: هو حرف من حروف اسمه الذي هو يمين.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو حصين، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال:
 "يا" من( كهيعص ) ياء يمين.
حدثني أبو حصين، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: "يا" من( كهيعص ) ياء يمين.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس ، قال: أخبرنا حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير مثله.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن حصين، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ياء: يمين.
وقال آخرون: بل هو حرف من حروف اسمه الذي هو حكيم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير( كهيعص ) قال: يا: من حكيم.
وقال آخرون: بل هي حروف من قول القائل: يا من يجير.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا إبراهيم بن الضريس، قال: سمعت الربيع بن أنس في قوله( كهيعص ) قال: يا من يجير ولا يجار عليه.
واختلف متأوّلو ذلك كذلك في معنى العين، فقال بعضهم: هي حرف من حروف اسمه الذي هو عالم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد( كهيعص ) قال: عين من عالم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن الكلبي، مثله.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
 حدثنا عمرو، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن العلاء بن المسيب بن رافع، عن أبيه، في قوله( كهيعص ) قال: عين: من عالم.
وقال آخرون: بل هي حرف من حروف اسمه الذي هو عزيز.
ذكر من قال ذلك:
* حدثني أبو حصين، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس( كهيعص ) عين: عزيز.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حصين، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير مثله.
حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير مثله.
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير، في قوله( كهيعص ) قال: عين عزيز.
وقال آخرون: بل هي حرف من حروف اسمه الذي هو عدل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: أخبرنا أبو روق، عن الضحاك بن مزاحم، في قوله(كهيعص) قال: عين: عدل.
وقال الذين تأولوا ذلك هذا التأويل: الصاد من قوله(كهيعص) : حرف من حروف اسمه الذي هو صادق.
* ذكر الرواية بذلك: حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان يقول في( كهيعص ) صاد : صادق.
حدثني أبو حصين، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حصين، عن
 إسماعيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير مثله.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، مثله.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: أخبرنا أبو روق، عن الضحاك بن مزاحم، قال: صاد: صادق.
حدثني يحيى بن طلحة، قال: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد، قال: صادق، يعني الصاد من( كهيعص )
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد( كهيعص ) قال: صاد صادق.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة، عن الكلبي، قال: صادق.
وقال آخرون: بل هذه الكلمة كلها اسم من أسماء الله تعالى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن خالد بن خداش، قال: ثني سالم بن قتيبة، عن أبي بكر الهُذَليّ، عن عاتكة، عن فاطمة ابنة عليّ قالت: كان عليّ يقول: يا( كهيعص ) : اغفر لي.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله:( كهيعص ) قال: فإنه قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله.
وقال آخرون: كلّ حرف من ذلك اسم من أسماء الله عزّ وجل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني مطر بن محمد الضبي، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد العزيز بن مسلم القسملي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال:( كهيعص ) ليس منها حرف إلا وهو اسم.
وقال آخرون: هذه الكلمة اسم من أسماء القرآن.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا
 ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)
عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله( كهيعص ) قال: اسم من أسماء القرآن.
قال أبو جعفر: والقول في ذلك عندنا نظير القول في(الم) وسائر فواتح سور القرآن التي افتتحت أوائلها بحروف المعجم، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى قبل، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.
القول في تأويل قوله تعالى : { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) }
اختلف أهل العربية في الرافع للذكر، والناصب للعبد، فقال بعض نحويي البصرة في معنى ذلك كأنه قال: مما نقصّ عليك ذكر رحمة ربك عبده، وانتصب العبد بالرحمة كما تقول: ذكر ضرب زيد عمرا. وقال بعض نحويي الكوفة: رفعت الذكر بكهيعص، وإن شئت أضمرت هذا ذكر رحمة ربك، قال: والمعنى ذكر ربك عبده برحمته تقديم وتأخير.
قال أبو جعفر: والقول الذي هو الصواب عندي في ذلك أن يقال: الذكر مرفوع بمضمر محذوف، وهو هذا كما فعل ذلك في غيرها من السور، وذلك كقول الله:( بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) وكقوله:( سُورَةٌ أَنزلْنَاهَا ) ونحو ذلك. والعبد منصوب بالرحمة، وزكريا في موضع نصب، لأنه بيان عن العبد، فتأويل الكلام: هذا ذكر رحمة ربك عبده زكريا.
وقوله:( إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ) يقول حين دعا ربه، وسأله بنداء خفي، يعنى: وهو مستسرّ بدعائه ومسألته إياه ما سأل ، كراهة منه للرياء.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:( إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ) أي سرّا، وإن الله يعلم القلب النقيّ، ويسمع الصوت الخفيّ.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج،
 وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)
قوله( إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ) قال: لا يريد رياء.
حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: رغب زكريا في الولد، فقام فصلى، ثم دعا ربه سرّا ، فقال:( رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ).... إلى( وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) وقوله:( قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ) يقول تعالى ذكره، فكان نداؤه الخفي الذي نادى به ربه أن قال:( رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ) يعني بقوله(وَهَنَ) ضعف ورقّ من الكبر.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ) أي ضعف العظم مني.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله:( وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ) قال: نحل العظم. قال عبد الرزاق، قال: الثوري: وبلغني أن زكريا كان ابن سبعين سنة.
وقد اختلف أهل العربية في وجه النصب في الشَّيْب، فقال بعض نحويي البصرة: نصب على المصدر من معنى الكلام، كأنه حين قال: اشتعل، قال: شاب، فقال: شَيْبا على المصدر. قال: وليس هو في معنى: تفقأت شحما وامتلأت ماء، لأن ذلك ليس بمصدر. وقال غيره : نصب الشيب على التفسير، لأنه يقال: اشتعل شيب رأسي، واشتعل رأسي شيبا، كما يقال: تفقأت شحما، وتفقأ شحمي.
وقوله:( وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ) يقول: ولم أشق يا رب بدعائك، لأنك لم تخيب دعائي قبل إذ كنت أدعوك في حاجتي إليك، بل كنت تجيب وتقضي حاجتي قبلك.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج عن ابن جريج، قوله:( وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ) يقول: قد كنت تعرّفني الإجابة فيما مضى.
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ
 يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)
يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) }
يقول: وإني خفت بني عمي وعصبتي من ورائي: يقول: من بعدى أن يرثوني، وقيل: عنى بقوله( مِنْ وَرَائِي ) من قدّامي ومن بين يديّ ؛ وقد بيَّنت جواز ذلك فيما مضى قبل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ) يعني بالموالي: الكلالة الأولياء أن يرثوه، فوهب الله له يحيى.
حدثنا يحيى بن داود الواسطي، قال: ثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن أبي صالح في قوله:( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ) قال: العصبة.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل، عن أبي صالح في قوله( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ) قال: خاف موالي الكلالة.
حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح بنحوه.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ) قال: يعني الكلالة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث، قال : ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله( خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ) قال: العصبة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ) قال: العصبة.
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ) والموالي: هنّ العصبة ، والموالي: جمع مولى، والمولى
 والوليّ في كلام العرب واحد. وقرأت قراء الأمصار( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ ) بمعنى: الخوف الذي هو خوف الأمن. وروي عن عثمان بن عفان أنه قرأه :( وإنّي خَفَّتِ المَوَالي) بتشديد الفاء وفتح الخاء من الخفة، كأنه وجه تأويل الكلام: وإني ذهبت عصبتي ومن يرثني من بني أعمامي. وإذا قرئ ذلك كذلك كانت الياء من الموالي مسكنة غير متحركة، لأنها تكون في موضع رفع بخفت.
وقوله( وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ) يقول: وكانت زوجتي لا تلد، يقال منه: رجل عاقر، وامرأة عاقر بلفظ واحد، كما قال الشاعر:
لَبِئسَ الفَتى أنْ كُنْتُ أعْوَرَ عاقِرً ا... جبَانا فَمَا عُذْرِي لَدَى كُلّ مَحْضَرِ (1)
وقوله( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ) يقول: فارزقني من عندك ولدا وارثا ومعينا.
وقوله:( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) يقول: يرثني من بعد وفاتي مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة، وذلك أن زكريا كان من ولد يعقوب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل، عن أبي صالح، قوله( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) يقول: يرث مالي، ويرث من آل يعقوب النبوّة.
حدثنا مجاهد، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا إسماعيل، عن أبي صالح في قوله( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: يرث مالي، ويرث من آل يعقوب النبوّة.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: يرثني مالي، ويرث من آل يعقوب النبوّة.
__________
(1) البيت في ديوان عامر بن الطفيل ، طبعة ليدن سنة 1913 . والرواية فيه " فبئس " في مكان : " لبئس " وفي اللسان : العاقر التي لا تحمل ، ورجل عاقر : لا يولد له ، ونساء عقر ، بضم العين وتشديد القاف المفتوحة . وقد استشهد به المؤلف على معنى العاقر ، في سورة آل عمران ( 3 : 257 ) وأعاده في هذا الموضع ، ومحل الاستشهاد في الموضعين واحد .
 حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: يكون نبيا كما كانت آباؤه أنبياء.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: وكان وراثته علما، وكان زكريا من ذرّية يعقوب.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال : كان وراثته علما، وكان زكريا من ذرية يعقوب.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الحسن، في قوله( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: نبوّته وعلمه.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن مبارك، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللهُ أخِي زَكَرِيَّا، ما كانَ عَلَيْهِ مِنْ وَرَثَةِ مالِهِ حِينَ يَقُولُ فَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي وَيَرِثْ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ".
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: كان الحسن يقول: يرث نبوّته وعلمه. قال قتادة: ذُكر لنا " أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية، وأتى على( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: رحم الله زكريا ما كان عليه من ورثته".
حدثنا الحسن، قال أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " يَرْحَمُ اللهُ زكَرِيَّا ومَا عَلَيْهِ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَيَرْحَمُ اللهُ لُوطا إنْ كانَ لَيَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ".
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( فَهَبْ
 يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)
لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: يرث نبوّتي ونبوّة آل يعقوب.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله:( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) فقرأت ذلك عامَّة قرّاء المدينة ومكة وجماعة من أهل الكوفة:
( يَرِثُنِي وَيَرِثُ ) برفع الحرفين كليهما، بمعنى فهب الذي يرثني ويرث من آل يعقوب، على أن يرثني ويرث من آل يعقوب، من صله الوليّ. وقرأ ذلك جماعة من قرّاء أهل الكوفة والبصرة:( يَرِثُنِي وَيَرِثْ ) بجزم الحرفين على الجزاء والشرط، بمعنى: فهب لي من لدنك وليا فإنه يرثني إذا وهبته لي. وقال الذين قرءوا ذلك كذلك: إنما حسن ذلك في هذا الموضع، لأن يرثني من آية غير التي قيلها. قالوا وإنما يحسنُ أن يكون مثل هذا صلة، إذا كان غير منقطع عما هو له صلة، كقوله:( رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ) .
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب قراءة من قرأه برفع الحرفين على الصلة للوليّ، لأنّ الوليّ نكرة، وأن زكريا إنما سأل ربه أن يهب له وليا يكون بهذه الصفة، كما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أنه سأله وليا، ثم أخبر أنه إذا وهب له ذلك كانت هذه صفته، لأن ذلك لو كان كذلك، كان ذلك من زكريا دخولا في علم الغيب الذي قد حجبه الله عن خلقه.
وقوله( وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) يقول: واجعل يا ربّ الولي الذي تهبه لي مرضيا ترضاه أنت ويرضاه عبادك دينا وخُلُقا وخَلْقا. والرضي: فعيل صرف من مفعول إليه.
القول في تأويل قوله تعالى : { يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) }
يقول تعالى ذكره: فاستجاب له ربه، فقال له: يا زكريا إنا نبشرك بهبتنا لك غلاما اسمه يحيى.
كان قتادة يقول: إنما سماه الله يحيى لإحيائه إياه بالإيمان.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله( يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى ) عبد أحياه الله للإيمان.
 وقوله( لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم معناه لم تلد مثله عاقر قط.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ليحيى( لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) يقول: لم تلد العواقر مثله ولدا قط.
وقال آخرون: بل معناه: لم نجعل له من قبله مثلا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو الربيع ، قالا ثنا سالم بن قتيبة، قال: أخبرنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، في قوله( لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) قال: شبيها.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله( لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) قال: مثلا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك، أنه لم يسمّ باسمه أحد قبله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله( لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) لم يسمّ به أحد قبله.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله( لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) قال: لم يسمّ يحيى أحد قبله.
- حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، مثله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قول الله( لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) قال: لم يسمّ أحد قبله بهذا الاسم.
حدثنا موسى، قال : ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) لم يسمّ أحد قبله يحيى.
 قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)
قال أبو جعفر: وهذا القول أعني قول من قال: لم يكن ليحيى قبل يحيى أحد سمي باسمه أشبه بتأويل ذلك، وإنما معنى الكلام: لم نجعل للغلام الذي نهب لك الذي اسمه يحيى من قبله أحدا مسمى باسمه، والسميّ: فعيل صرف من مفعول إليه.
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) }
يقول تعالى ذكره: قال زكريا لما بشره الله بيحيى:( رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ) ومن أيّ وجه يكون لي ذلك، وامرأتي عاقر لا تحبل، وقد ضعُفت من الكبر عن مباضعة النساء بأن تقوّيني على ما ضعفت عنه من ذلك، وتجعل زوجتي ولودا، فإنك القادر على ذلك وعلى ما تشاء، أم بأن أن أنكح زوجة غير زوجتي العاقر، يستثبت ربه الخبر، عن الوجه الذي يكون من قبله له الولد، الذي بشره الله به، لا إنكارا منه صلى الله عليه وسلم حقيقة كون ما وعده الله من الولد، وكيف يكون ذلك منه إنكارا لأن يرزقه الولد الذي بشَّره به، وهو المبتدئ مسألة ربه ذلك بقوله( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) بعد قوله( إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ) .
وقال السديّ في ذلك: ما حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: نادى جبرائيل زكريا( إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) فلما سمع النداء، جاءه الشيطان فقال: يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس من الله، إنما هو من الشيطان يسخر بك، ولو كان من الله أوحاه إليك كما يوحي إليك غيره من الأمر، فشك وقال( أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ) يقول: من أين يكون( وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ).
وقوله( وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ) يقول: وقد عتوت من الكبر فصرت نحل العظام يابسها، يقال منه للعود اليابس، عوت عاتٍ وعاسٍ، وقد عتا يعتو عَتِيًّا وعُتُوّا، وعسى يعسو عِسِيا وعسوّا، وكلّ متناه إلى غايته في كبر أو فساد، أو كفر، فهو عات وعاس.
 قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب ، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قد علمتُ السنة كلها، غير أني لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف( وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ) أو(عِسِيًّا).
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله( وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ) قال: يعني بالعِتيّ: الكبر. .
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ؛ قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله(عِتِيًّا) قال: نحول العظم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله( مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ) قال: سنًّا، وكان ابن بضع وسبعين سنة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله( وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ) قال: العتيّ: الذي قد عتا عن الولد فيما يرى نفسه لا يولد له.
- حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله( وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ) قال: هو الكبر.
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) }
 يقول تعالى ذكره: قال الله لزكريا مجيبا له( قَالَ كَذَلِكَ ) يقول: هكذا الأمر كما تقول من أنّ امرأتك عاقر، وإنك قد بلغت من الكبر العتيّ، ولكن ربك يقول: خلْق ما بشَّرتك به من الغلام الذي ذكرت لك أن اسمه يحيى عليّ هين، فهو إذن من قوله( قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ) كناية عن الخلق.
وقوله( وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ) يقول تعالى ذكره وليس خلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الذي ذكرت لك أمره منك مع كبر سنك، وعقم زوجتك بأعجب من خلقك، فإني قد خلقتك، فأنشأتك بشرا سويا من قبل خلقي ما بشرتك بأني واهب لك من الولد، ولم تك شيئا، فكذلك أخلق لك الولد الذي بشرتك به من زوجتك العاقر، مع عِتيك ووهن عظامك، واشتعال شيب رأسك.
وقوله:( قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ) يقول تعالى ذكره: قال زكريا: يا ربّ اجعل لي علما ودليلا على ما بشَّرَتني به ملائكتك من هذا الغلام عن أمرك ورسالتك، ليطمئنّ إلى ذلك قلبي.
كما حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله( قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ) قال: قال ربّ اجعل لي آية أن هذا منك.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: قال رب، فإن كان هذا الصوت منك فاجعل لي آية(قال) الله(آيَتُكَ) لذلك( أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ) يقول جلّ ثناؤه: علامتك لذلك، ودليلك عليه أن لا تكلم الناس ثلاث ليال وأنت سويّ صحيح، لا علة بك من خرس ولا مرض يمنعك من الكلام.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد، عن ابن عباس( ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ) قال: اعتقل لسانه من غير مرض.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله( ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ) يقول: من غير خرس.
 حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله( ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ) قال: لا يمنعك من الكلام مرض.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد( أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ) قال: صحيحا لا يمنعك من الكلام مرض.
حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ) من غير بأس ولا خرس، وإنما عوقب بذلك لأنه سأل آية بعد ما شافهته الملائكة مشافهة، أخذ بلسانه حتى ما كان يفيض الكلام إلا أومأ إيماء.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن عكرمة، في قوله( ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ) قال: سويا من غير خرس.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله( قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ) وأنت صحيح، قال: فحبس لسانه، فكان لا يستطيع أن يكلم أحدا، وهو في ذلك يسبح، ويقرأ التوراة ويقرأ الإنجيل، فإذا أراد كلام الناس لم يستطع أن يكلمهم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه اليماني، قال: أخذ الله بلسانه من غير سوء، فجعل لا يطيق الكلام، وإنما كلامه لقومه بالإشارة، حتى مضت الثلاثة الأيام التي جعلها الله آية لمصداق ما وعده من هبته له.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدّي( قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ) يقول: من غير خرس إلا رمزا، فاعتقل لسانه ثلاثة أيام وثلاث ليال.
وقال آخرون: السويّ من صفة الأيام، قالوا: ومعنى الكلام: قال: آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال متتابعات.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال:
 فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
ثني عمي، قال : ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله( قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ) قال: ثلاث ليال متتابعات.
القول في تأويل قوله تعالى : { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) }
يقول تعالى ذكره: فخرج زكريا على قومه من مصلاه حين حُبس لسانه عن كلام الناس، آية من الله له على حقيقة وعده إياه ما وعد. فكان ابن جريج يقول في معنى خروجه من محرابه، ما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ ) قال: أشرف على قومه من المحراب.
قال أبو جعفر: وقد بيَّنا معنى المحراب فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ ) قال: المحراب: مصلاه، وقرأ:( فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ )
وقوله:( فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ ) يقول: أشار إليهم، وقد تكون تلك الإشارة باليد وبالكتاب وبغير ذلك، مما يفهم به عنه ما يريد. وللعرب في ذلك لغتان: وَحَى، وأوحى فمن قال: وَحَى، قال في يفعل: يَحِي; ومن قال: أوحى، قال : يُوحي، وكذلك أوَمَى وَوَمَى، فمن قال: وَمَى، قال في يفعل يَمِي; ومن قال أوَمَى، قال يُومِي.
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي به أوحى إلى قومه، فقال بعضهم: أوحى إليهم إشارة باليد.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد(فَأَوْحَى) : فأشار زكريا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
 حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه( فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ ) قال: الوحي: الإشارة.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة( فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ ) قال: أومى إليهم.
وقال آخرون: معنى أوحى: كتب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمود بن خداش، قال: ثنا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مجاهد، في قول الله تعالى( فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) قال: كتب لهم في الأرض.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم( فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ ) قال: كتب لهم.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدّي( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ ) فكتب لهم في كتاب( أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) ، وذلك قوله( فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ )
وقال آخرون: معنى ذلك: أمرهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله( فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) قال: ما أدري كتابا كتبه لهم، أو إشارة أشارها، والله أعلم، قال: أمرهم أن سَبِّحوا بكرة وعشيا، وهو لا يكلمهم.
وقوله( أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) قد بيَّنت فيما مضى الوجوه التي ينصرف فيها التسبيح، وقد يجوز في هذا الموضع أن يكون عنى به التسبيح الذي هو ذكر الله، فيكون أمرهم بالفراغ لذكر الله في طرفي النهار بالتسبيح، ويجوز أن يكون عنى به الصلاة، فيكون أمرهم بالصلاة في هذين الوقتين.
وكان قتادة يقول في قوله( فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) قال: أومى إليهم أن صلوا بكرة وعشيا.
(18/154) )
=======
مريم - تفسير الدر المنثور
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
19 -
سُورَة مَرْيَم
مَكِّيَّة وآياتها ثَمَان وَتسْعُونَ
مُقَدّمَة سُورَة مَرْيَم أخرج النّحاس وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير قَالَ: نزلت سُورَة مَرْيَم بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: نزلت سُورَة مَرْيَم بِمَكَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم والديلمي من طَرِيق أبي بكر بن عبد الله بن أبي مَرْيَم الغساني عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: ولدت لي اللَّيْلَة جَارِيَة
فَقَالَ: وَاللَّيْلَة أنزلت عَليّ سُورَة مَرْيَم سمها مَرْيَم
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أم سَلمَة: أَن النَّجَاشِيّ قَالَ لجَعْفَر بن أبي طَالب: هَل مَعَك مِمَّا جَاءَ بِهِ - يَعْنِي رَسُول الله - من الله من شَيْء قَالَ: نعم
فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدرا من {كهيعص} فَبكى النَّجَاشِيّ حَتَّى أخضل لحيته وبكت أساقفته حَتَّى أخضلوا مصاحفهم حِين سمعُوا مَا تلِي عَلَيْهِم ثمَّ قَالَ النَّجَاشِيّ: إِن هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى ليخرج من مشكاة وَاحِدَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُورق الْعجلِيّ قَالَ: صليت خلف ابْن عمر الظّهْر فَقَرَأَ بِسُورَة مَرْيَم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: سَمِعت عبد الله بن عمر يقْرَأ فِي الظّهْر بكهيعص
وَأخرج ابْن سعد عَن هَاشم بن عَاصِم الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه قَالَ: لما هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مكه إِلَى الْمَدِينَة فَانْتهى إِلَى الغميم أَتَاهُ بُرَيْدَة بن الخصيب فَأسلم
 قَالَ هَاشم: فَحَدثني الْمُنْذر بن جَهْضَم قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد علم بُرَيْدَة ليلتئذ صَدرا من سُورَة مَرْيَم
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قدمت الْمَدِينَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر فَوجدت رجلا من غفار يؤم النَّاس فِي صَلَاة الْفجْر فَسَمعته يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى سُورَة مَرْيَم وَفِي الثَّانِيَة ويل لِلْمُطَفِّفِينَ
الْآيَة 1 - 11
 كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كهيعص} قَالَ: كَبِير هاد أَمِين عَزِيز صَادِق
وَفِي لفظ: كَاف بدل كَبِير
 وَأخرج عبد الرَّزَّاق وآدَم بن أبي إِيَاس وَعُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي التَّوْحِيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس {كهيعص} قَالَ: كَاف من كريم وهاء من هاد وياء من حَكِيم وَعين من عليم وصاد من صَادِق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة {كهيعص} هُوَ الهجاء المقطع الْكَاف من الْملك وَالْهَاء من الله وَالْيَاء وَالْعين من الْعَزِيز وَالصَّاد من المصوّر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْكَلْبِيّ أَنه سُئِلَ عَن {كهيعص} فَحدث عَن أبي صَالح عَن أم هَانِئ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَاف هاد عَالم صَادِق
وَأخرج عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير عَن فَاطِمَة بنت عَليّ قَالَت: كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول فِي {كهيعص} و (حم) و (يس) وَأَشْبَاه هَذَا هُوَ اسْم الله الْأَعْظَم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كهيعص} قسم أقسم الله بِهِ وَهُوَ من أَسمَاء الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {كهيعص} قَالَ: يَقُول: أَنا الْكَبِير الْهَادِي عليّ أَمِين صَادِق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله: {كهيعص} قَالَ: الْكَاف من الْملك وَالْهَاء من الله وَالْعين من الْعَزِيز وَالصَّاد من الصَّمد
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {كهيعص} قَالَ: الْكَاف مِفْتَاح اسْمه كَافِي وَالْهَاء مِفْتَاح اسْمه هادي وَالْعين مِفْتَاح اسْمه عَالم وَالصَّاد مِفْتَاح اسْمه صَادِق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {كهيعص} قَالَ: يَا من يجير وَلَا يجار عَلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {كهيعص} قَالَ: اسْم من أَسمَاء الْقُرْآن
وَالله أعلم
 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى بن يعمر أَنه كَانَ يقْرَأ {ذكر رَحْمَة رَبك عَبده زَكَرِيَّا} بِنَقْل يَقُول: لما دخل عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب وجد عِنْدهَا فَاكِهَة الشتَاء فِي الصَّيف وَفَاكِهَة الصَّيف فِي الشتَاء
فَقَالَ: {ذكر رَحْمَة رَبك}
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَ زَكَرِيَّا نجاراً
وَأخرج إِسْحَق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن زَكَرِيَّا بن دَان أَبَا يحيى كَانَ من أَبنَاء الْأَنْبِيَاء الَّذين كَانُوا يَكْتُبُونَ الْوَحْي بِبَيْت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {إِذْ نَادَى ربه نِدَاء خفِيا} قَالَ: لَا يُرِيد رِيَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِذْ نَادَى ربه نِدَاء خفِيا} أَي بِقَلْبِه سرا
قَالَ قَتَادَة: إِن الله يحب الصَّوْت الْخَفي وَالْقلب النقي
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَ آخر أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل زَكَرِيَّا بن إِدْرِيس من ذُرِّيَّة يَعْقُوب دَعَا ربه سرا قَالَ: {رب إِنِّي وَهن الْعظم مني} إِلَى قَوْله: {خفت الموَالِي من ورائي} وهم الْعصبَة {يَرِثنِي وَيَرِث} نبوة (آل يَعْقُوب {فنادته الْمَلَائِكَة} وَهُوَ جِبْرِيل {إِنَّا نبشرك بِغُلَام اسْمه يحيى} فَلَمَّا سمع النداء جَاءَهُ الشَّيْطَان فَقَالَ: يَا زَكَرِيَّا إِن الصَّوْت الَّذِي سَمِعت لَيْسَ من الله إِنَّمَا هُوَ من الشَّيْطَان يسخر بك فَشك وَقَالَ: {أَنى يكون لي غُلَام} يَقُول: من أَيْن يكون {وَقد بَلغنِي الْكبر وامرأتي عَاقِر} قَالَ الله: {وَقد خلقتك من قبل وَلم تَكُ شَيْئا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَهن الْعظم مني} يَقُول: ضعف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَهن الْعظم مني} قَالَ: نحول الْعظم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلم أكن بدعائك رب شقياً} قَالَ: قد كنت تُعَودني الْإِجَابَة فِيمَا مضى
 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عُيَيْنَة فِي قَوْله: {وَلم أكن بدعائك رب شقياً} يَقُول: سعدت بدعائك وَإِن لم تعطني
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْعَاصِ قَالَ: أمْلى عليّ عُثْمَان بن عَفَّان من فِيهِ {وَإِنِّي خفت الموَالِي} بنقلها يَعْنِي بِنصب الْخَاء وَالْفَاء وَكسر التَّاء يَقُول قلت: {الموَالِي}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي} قَالَ: الْوَرَثَة وهم عصبَة الرجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي} قَالَ: الْعصبَة من آل يَعْقُوب وَكَانَ من وَرَائه غُلَام وَكَانَ زَكَرِيَّا من ذُرِّيَّة يَعْقُوب وَفِي لفظ: أَيُّوب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ زَكَرِيَّا لَا يُولد لَهُ فَسَأَلَ ربه فَقَالَ: {فَهَب لي من لَدُنْك وليا يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} قَالَ: يَرِثنِي مَالِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب النُّبُوَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} قَالَ: نبوته وَعلمه
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يرحم الله أخي زَكَرِيَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ من وَرَثَة وَيرْحَم الله لوطاً إِن كَانَ ليأوي إِلَى ركن شَدِيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} فَيَقُول: يَرث نبوتي ونبوة آل يَعْقُوب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن صَالح فِي قَوْله: {وَيَرِث من آل يَعْقُوب} قَالَ: السّنة وَالْعلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن يحيى بن يعمر أَنه قَرَأَهَا: {وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي} مُشَدّدَة بِنصب الْخَاء وَكسر التَّاء وَقرأَهَا: {يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب}
 وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {يَرِثنِي} مثقل مَرْفُوع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب هَب لي ابْنا فولد لَهُ ابْن خرج عَلَيْهِ فَبعث إِلَيْهِ دَاوُد جَيْشًا فَقَالَ: إِن أخذتموه سليما فَابْعَثُوا إِلَيّ رجلا أعرف السرُور فِي وَجهه وَإِن قَتَلْتُمُوهُ فَابْعَثُوا إِلَيّ رجلا أعرف الشرّ فِي وَجهه فَقَتَلُوهُ فبعثوا إِلَيْهِ رجلا أسود فَلَمَّا رَآهُ علم أَنه قتل فَقَالَ: رب سَأَلت أَن تهب لي ابْنا فَخرج عَليّ فَقَالَ: إِنَّك لم تستثن
قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب: لم يقل كَمَا قَالَ زَكَرِيَّا: {واجعله رب رَضِيا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: لما دَعَا زَكَرِيَّا ربه أَن يهب لَهُ غُلَاما هَبَط جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام - فبشره بِيَحْيَى
فَقَالَ زَكَرِيَّا عِنْدهَا: {أَنى يكون لي غُلَام} وَأخْبر بكبر سنه وَعلة زَوجته فَأخذ جِبْرِيل عوداً يَابسا فَجعله بَين كفي زَكَرِيَّا فَقَالَ: ادرجه بَين كفيك فَفعل فَإِذا فِي رَأسه عود بَين ورقتين يقطر مِنْهُمَا المَاء
فَقَالَ جِبْرِيل: إِن الَّذِي أخرج هَذَا الْوَرق من هَذَا العمود قَادر أَن يخرج من صلبك وَمن امْرَأَتك العاقر غُلَاما
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لم نجْعَل لَهُ من قبل سميا} قَالَ: لم يسم أحد يحيى قبله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لم نجْعَل لَهُ من قبل سميا} قَالَ: لم يسم أحد يحيى قبله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لم نجْعَل لَهُ من قبل سميا} قَالَ: لم تَلد العواقر مثله ولدا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لم نجْعَل لَهُ من قبل سميا} قَالَ: مثلا
 وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {لم نجْعَل لَهُ من قبل سميا} قَالَ: شَبِيها
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء مثله
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن يحيى بن خَلاد الزرقي أَنه لما ولد أَتَى بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحنكه وَقَالَ: لأسمينه اسْما لم يسم بعد يحيى بن زَكَرِيَّا فَسَماهُ يحيى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا أَدْرِي كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ هَذَا الْحَرْف {عتياً} أَو عييا
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء وَالْحَاكِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان: أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَ ابْن عَبَّاس فَقَالَ: أَخْبرنِي عَن قَول الله: {وَقد بلغت من الْكبر عتيا} مَا العتي قَالَ: الْبُؤْس من الْكبر قَالَ الشَّاعِر: إِنَّمَا يعْذر الْوَلِيد وَلَا يعْذر من كَانَ فِي الزَّمَان عتيا وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَقد بلغت من الْكبر عتيا} قَالَ: نحول الْعظم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَقد بلغت من الْكبر عتيا} يَقُول: هرماً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {وَقد بلغت من الْكبر عتيا} قَالَ: العتي الَّذِي عتا من الْوَلَد فِيمَا يرى فِي نَفسه لَا ولادَة فِيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن الثَّوْريّ قَالَ: بَلغنِي أَن زَكَرِيَّا كَانَ ابْن سبعين سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن الْمُبَارك {وَقد بلغت من الْكبر عتيا} قَالَ: سِتِّينَ سنة
وَأخرج الرامَهُرْمُزِي فِي الْإِسْنَاد عَن وهب بن مُنَبّه {وَقد بلغت من الْكبر عتيا} قَالَ: هَذِه الْمقَالة وَهُوَ ابْن سِتِّينَ أَو خمس وَسِتِّينَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ عتيا بِرَفْع الْعين
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى بن وثاب أَنه قَرَأَهَا {عتيا} وصليا بِكَسْر الْعين وَالصَّاد
 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عقيل أَنه قَرَأَ وَقد بلغت من الْكبر عسيا بِالسِّين وَرفع الْعين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم عَن نوف فِي قَوْله: {قَالَ رب اجْعَل لي آيَة} قَالَ: أَعْطِنِي آيَة أَنَّك قد استجبت لي
فَقَالَ: {آيتك أَلا تكلم النَّاس ثَلَاث لَيَال سوياً} قَالَ ختم على لِسَانه وَهُوَ صَحِيح سوي لَيْسَ بِهِ من مرض فَلم يتَكَلَّم ثَلَاثَة أَيَّام
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَلا تكلم النَّاس ثَلَاث لَيَال سوياً} قَالَ: اعتقل لِسَانه من غير مرض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ثَلَاث لَيَال سويا} قَالَ: من غير خرس
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَالضَّحَّاك مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ثَلَاث لَيَال سويا} قَالَ: صَحِيحا لَا يمنعك الْكَلَام مرض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: حبس لِسَانه فَكَانَ لَا يَسْتَطِيع أَن يكلم أحدا وَهُوَ فِي ذَلِك يسبح وَيقْرَأ التَّوْرَاة فَإِذا أَرَادَ كَلَام النَّاس لم يسْتَطع أَن يكلمهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {فَخرج على قومه من الْمِحْرَاب} قَالَ: الْمِحْرَاب مُصَلَّاهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَأوحى إِلَيْهِم} قَالَ: كتب لَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الحكم {فَأوحى إِلَيْهِم} قَالَ: كتب لَهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَأوحى إِلَيْهِم} قَالَ فَأَشَارَ زَكَرِيَّا
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب {فَأوحى إِلَيْهِم أَن سبحوا} قَالَ: أَشَارَ إِلَيْهِم إِشَارَة
 وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير {فَأوحى إِلَيْهِم} قَالَ: أَوْمَأ إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَأوحى إِلَيْهِم أَن سبحوا} قَالَ: صلوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله: {بكرَة وعشيا} قَالَ: أَمرهم بِالصَّلَاةِ بكرَة وعشيا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {فَأوحى إِلَيْهِم أَن سبحوا بكرَة وعشيا} قَالَ: البكرة صَلَاة الْفجْر وعشيا صَلَاة الْعَصْر
( معلومات الكتاب - عودة إلى القرآن - فهرس القرآن )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام لمحمد رشيد رضا

  حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح  المحمدي العام لمحمد رشيد رضا تعليق: محمد ناصر الدين الألباني  ( صحيح ) عن عائشة رضي الله ...