كتاب صفة الجنة للحافظ ضياء المقدسي

كتاب صفة الجنة -الحافظ ضياء الدين-أأبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الحنبلي المقدسي

Translate

الاثنين، 16 يناير 2023

تفسير سورة المائدة من الاية 90 الي95.

تفسير سورة المائدة من الاية 90 الي95.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)

=========== 
تفسير سورة المائدة من الاية 90 الي95. تفسير ابن كثير

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) }
يقول تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر، وهو القمار.
وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: الشَطْرَنج من الميسر. رواه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن عُبَيس بن مرحوم، عن حاتم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي، به.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي (1) حدثنا وَكِيع، عن سفيان، عن لَيْث، عن عطاء ومجاهد وطاوس -قال سفيان: أو اثنين منهم-قالوا: كل شيء من القمار فهو من الميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز.
ورُوي عن راشد بن سعد وحمزة بن حبيب (2) وقالا حتى الكعاب، والجوز، والبيض التي (3) تلعب بها الصبيان، وقال موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: الميسر هو القمار.
وقال الضحاك، عن ابن عباس قال: الميسر هو القمار، كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى مجيء الإسلام، فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة.
وقال مالك، عن داود بن الحُصَيْن: أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: كان ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين.
وقال الزهري، عن الأعرج قال: الميسر والضرب بالقداح على الأموال والثمار.
وقال القاسم بن محمد: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة، فهو من الميسر.
رواهن ابن أبي حاتم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا هذه الكِعَاب الموسومة التي يزجر بها زجرًا فإنها من الميسر". حديث غريب. (4)==
__________
(1) في أ: "الأعمشي".
(2) في أ: "حبيب مثله".
(3) في أ: "الذي".
(4) وذكره ابن أبي حاتم في العلل (2/297)، وقال: "وقال أبي: هذا حديث باطل وهو من علي بن يزيد، وعثمان لا بأس به".
(3/178)
== وكأن المراد بهذا هو النرد، الذي ورد في الحديث به في صحيح مسلم، عن بُرَيدة بن الحُصَيب الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لعب بالنَّرْدَشير فكأنما صَبَغ يده في لحم خنزير ودَمه". (1) وفي موطأ مالك ومسند أحمد، وسنني أبي داود وابن ماجه، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله". (2) وروي موقوفًا عن أبي موسى من قوله، فالله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا مكي بن إبراهيم (3) حدثنا الجُعَيْد، عن موسى بن عبد الرحمن الخطمي، أنه سمع محمد بن كعب وهو يسأل عبد الرحمن يقول: أخبرني، ما سمعت أباك يقول عن رسول الله (4) صلى الله عليه وسلم؟ فقال عبد الرحمن: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مثل الذي يلعب بالنرد، ثم يقوم فيصلي، مثل الذي يتوضأ بالقَيْح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي". (5)
وأما الشطرنج فقد قال عبد الله بن عمر: أنه شرّ من النرد. وتقدم عن علي أنه قال: هو من الميسر، ونص على تحريمه مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، وكرهه الشافعي، رحمهم الله تعالى.
وأما الأنصاب، فقال ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، والحسن، وغير واحد: هي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها.
وأما الأزلام فقالوا أيضًا: هي قداح كانوا يستقسمون بها.
وقوله: { رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أي سَخَط من عمل الشيطان. وقال سعيد بن جبير: إثم. وقال زيد بن أسلم: أي شر من عمل الشيطان.
{ فَاجْتَنِبُوهُ } الضمير عائد على الرجس، أي اتركوه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وهذا ترغيب.
ثم قال تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } وهذا تهديد وترهيب.
ذكر الأحاديث الواردة في [بيان] (6) تحريم الخمر:
قال الإمام أحمد: حدثنا سُرَيج (7) حدثنا أبو مَعْشَر، عن أبي وَهْب مولى أبي هريرة، عن أبي هريرة قال: حرمت الخمر ثلاث مرات، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما، فأنزل الله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } إلى آخر الآية [البقرة:219]. فقال الناس: ما حرم علينا، إنما قال: { فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ } وكانوا يشربون الخمر، حتى كان يوما من الأيام صلى رجل من المهاجرين، أمَّ أصحابه (8) في
__________
(1) صحيح مسلم برقم (2260).
(2) الموطأ (2/958) والمسند (4/394) وسنن أبي داود برقم (4938) وسنن ابن ماجة برقم (3762).
(3) في أ: "علي بن إبراهيم" وهو خطأ.
(4) في أ: "عن النبي".
(5) المسند (5/370) وقال الهيثمي في المجمع (8/113): "فيه موسى بن عبد الرحمن الخطمي ولم أعرفه، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح".
(6) زيادة من أ.
(7) في د، ر: "شريج".
(8) في ر: "الصحابة".
(3/179)
المغرب، خلط في قراءته، فأنزل الله [عز وجل] (1) آية أغلظ منها: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } [النساء: 43] وكان الناس يشربون، حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مفيق. ثم أنزلت آية أغلظ من ذلك: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } قالوا: انتهينا ربنا. وقال الناس: يا رسول الله، ناس قتلوا في سبيل الله، [وناس] (2) ماتوا على سرفهم (3) كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر، وقد جعله الله رجسًا من عمل الشيطان؟ فأنزل الله تعالى: { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا } إلى آخر الآية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم". انفرد به أحمد. (4)
وقال الإمام أحمد: حدثنا خَلَف بن الوليد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي مَيْسَرة، عن عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] (5) أنه قال: لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بَيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت هذه الآية التي في البقرة: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ } فَدُعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في سورة النساء: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } فكان (6) منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى: ألا يقربن الصلاة سكران. فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ: { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } قال عمر: انتهينا. (7)
وهكذا رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي من طرق، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عَمْرو بن عبد الله السَّبِيعي وعن أبي ميسرة -واسمه عمرو بن شُرَحبيل الهمداني-عن عُمَر، به. وليس له عنه سواه، قال أبو زُرْعَة: ولم يسمع منه. وصحح هذا الحديث علي بن المديني والترمذي. (8)
وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قال في خطبته على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس، إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحِنْطَة، والشعير، والخمر ما خامر العقل. (9)
وقال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن بِشْر، حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، حدثني نافع، عن ابن عمر قال: نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب. (10)
حديث آخر: قال أبو داود الطيالسي: حدثنا محمد بن أبي حميد، عن المصري -يعني أبا طعمة
__________
(1) زيادة من أ.
(2) زيادة من أ.
(3) في ر: "شربهم"، وفي أ: "فرشهم".
(4) المسند (2/351).
(5) زيادة من أ.
(6) في أ: "حتى كان".
(7) في أ: "انتهينا انتهينا".
(8) المسند (1/53) وسنن أبي داود برقم (3670) وسنن الترمذي برقم (3049) وسنن النسائي (8/286).
(9) صحيح البخاري برقم (4619) وصحيح مسلم برقم (3032).
(10) صحيح البخاري برقم (4616).
(3/180)
قارئ مصر -قال: سمعت ابن عمر يقول: نزلت في الخمر ثلاث آيات، فأول شيء نزل: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ } الآية [البقرة: 219] فقيل: حرمت الخمر. فقالوا: يا رسول الله، ننتفع بها كما قال الله تعالى. قال: فسكت عنهم ثم نزلت هذه الآية: { لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } [النساء: 43]. فقيل: حرمت الخمر، فقالوا: يا رسول الله، إنا لا نشربها قرب الصلاة، فسكت عنهم ثم نزلت: (1) { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حرمت الخمر". (2)
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا يعلى، حدثنا محمد بن إسحاق، عن القعقاع بن حكيم؛ أن عبد الرحمن بن وَعْلَة قال: سألت ابن عباس عن بيع الخمر، فقال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف -أو: من دوس-فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا فلان، أما علمت أن الله حرمها؟" فأقبل الرجل على غلامه فقال: اذهب فبعها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا فلان، بماذا أمرته؟" فقال: أمرته أن يبيعها. قال: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها". فأمر بها فأفرغت في البطحاء.
رواه مسلم من طريق ابن وَهْب، عن مالك، عن زيد بن أسلم. ومن طريق ابن وهب أيضًا، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد كلاهما -عن عبد الرحمن بن وَعْلَة، عن ابن عباس، به. ورواه النسائي، عن قتيبة، عن مالك، به. (3)
حديث آخر: قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن شَهْر بن حَوْشَب، عن تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية (4) من خمر، فلما أنزل الله تحريم الخمر جاء بها، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك وقال: "إنها قد حرمت بعدك". قال: يا رسول الله، فأبيعها وأنتفع بثمنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود، حرم عليهم شُحُوم البقر والغنم، فأذابوه، وباعوه، والله حَرّم الخمر وثمنها". (5)
وقد رواه أيضًا الإمام أحمد فقال: حدثنا رَوْح، حدثنا عبد الحميد بن بَهْرام قال: سمعت شهر بن حوشب قال: حدثني عبد الرحمن بن غَنْم: أن الداري كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمر، فلما كان عام حُرّمت جاء براوية، فلما نظر إليه ضحك فقال (6) أشعرت أنها حرمت بعدك؟" فقال: يا رسول الله، ألا (7) أبيعها وأنتفع بثمنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود، انطلقوا إلى ما حُرّم عليهم من شحم البقر والغنم فأذابوه، فباعوه به ما يأكلون، وإن الخمر حرام
__________
(1) في أ: "فنزلت".
(2) مسند الطيالسي برقم (1957).
(3) المسند (1/230) والموطأ (2/846) وصحيح مسلم برقم (1579) وسنن النسائي (7/307)
(4) في أ: "صلى الله عليه وسلم كل عام راوية".
(5) وفي إسناده انقطاع.
ورواه الطبراني في المعجم الكبير (2/57) من طريق زيد بن أخزم، عن أبي بكر الحنفي، عن عبد الحميد بن جعفر، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن تميم الداري به.
(6) في أ: "وقال".
(7) في أ: "أفلا".
(3/181)
وثمنها حرام، وإن الخمر حرام وثمنها حرام، وإن الخمر حرام وثمنها حرام". (1)
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا قُتَيْبَةُ بن سعيد، حدثنا ابن لَهِيعَة، عن سليمان بن عبد الرحمن، عن نافع بن كَيسان أن أباه أخبره (2) أنه كان يتجر في الخمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه أقبل من الشام ومعه خمر في الزقاق، يريد بها التجارة، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني جئتك بشراب طيب (3) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا كيسان، إنها قد حرمت بعدك". قال: فأبيعها يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها قد حرمت وحرم ثمنها". فانطلق كيسان إلى الزقاق، فأخذ بأرجلها ثم هراقها. (4)
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيي بن سعيد، عن حميد، عن (5) أنس قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح، وأبي بن كَعْب، وسُهَيْل بن بيضاء، ونفرًا من أصحابه عند أبي طلحة وأنا أسقيهم، حتى كاد الشراب يأخذ منهم، فأتى آت من المسلمين فقال: أما شعرتم أن الخمر قد حرمت؟ فما قالوا: حتى ننظر ونسأل، فقالوا: يا أنس اكف ما بقي في إنائك، فوالله (6) ما عادوا فيها، وما هي إلا التمر والبسر، وهي خمرهم يومئذ. (7)
أخرجاه في الصحيحين -من غير وجه-عن أنس (8) وفي رواية حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: كنتُ ساقي القوم يوم حُرّمت الخمر في بيت أبي طلحة، وما شرابهم إلا الفَضيخ البسرُ والتمرُ، فإذا مناد ينادي، قال: اخرج فانظر. فإذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حُرّمت، فَجرت في سِكَكِ المدينة، قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فَأهْرقها. فهرقتها، فقالوا -أو: قال بعضهم: قُتل فلان وفلان وهي في بطونهم. قال: فأنزل الله: { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية. (9)
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بَشَّار، حدثني عبد الكبير بن عبد المجيد (10) حدثنا عباد بن راشد، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: بينما أنا أدير الكأس على أبي طلحة، وأبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسهيل بن بيضاء، وأبي دُجَانة، حتى مالت رؤوسهم من خَليط بُسْر وتمر. فسمعت مناديًا ينادي: ألا إن الخمر قد حُرّمت! قال: فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج، حتى أهرقنا الشراب، وكسرنا القلال، وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا، وأصبنا من طيب أمّ سليم، ثم خرجنا إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
__________
(1) المسند (4/226) وقال الهيثمي في المجمع (4/88)، "فيه شهر وحديثه حسن وفيه كلام".
(2) في أ: "أن أباه قد أخبره".
(3) في أ: "جيد".
(4) المسند (4/337) وقال الهيثمي في المجمع (4/88): "فيه نافع بن كيسان وهو مستور".
(5) في ر: "بن".
(6) في أ: "فرأيته".
(7) المسند (3/181)
(8) صحيح البخاري برقم (4620) وصحيح مسلم برقم (1980).
(9) هذا لفظ مسلم في صحيحه برقم (1980).
(10) في د، ر: "عبد الحميد".
(3/182)
إلى قوله: { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } فقال رجل: يا رسول الله، فما منزلة من مات وهو يشربها؟ فأنزل الله: { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا [إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ] } (1) الآية، فقال رجل لقتادة: أنت سَمعتَه من أنس بن مالك؟ قال: نعم. وقال رجل لأنس بن مالك: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم -أو: حدثني من لم يكذب، ما كنا نكذب، ولا ندري ما الكذب. (2)
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرني يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زَحر، عن بكر بن سوادة، عن قيس بن سعد بن عبادة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن ربي تبارك وتعالى حرم عَلَيّ الخمر، والكُوبَة، والقنّين. وإياكم والغُبيراء فإنها ثلث خمر العالم". (3)
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا فرج بن فضالة، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع (4) عن أبيه، عن عبد الله بن عَمْرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم على أمتي الخمر والميسر والمزْر، والكُوبة والقِنّين. وزادني صلاة الوتر". قال يزيد: القنين: البرابط. تفرد به أحمد. (5)
وقال أحمد أيضا: حدثنا أبو عاصم -وهو النبيل-أخبرنا عبد الحميد بن جعفر، حدثنا يزيد بن أبي حبيب، عن عمرو بن الوليد، عن عبد الله بن عمرو؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من جهنم". قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء، وكل مسكر حرام". تفرد به أحمد أيضا (6)
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا وَكِيع، حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن أبي طعمة -مولاهم-وعن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أنهما سمعا ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعنت الخمر على عشرة وجوه: لعنت الخمر بعينها وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومُبتاعها، وعاصرها، ومُعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها".
ورواه أبو داود وابن ماجه، من حديث وكيع، به. (7)
وقال أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثنا أبو طِعْمة، سمعت ابن عمر يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المربد، فخرجت معه فكنت عن يمينه، وأقبل أبو بكر فتأخرت عنه، فكان عن يمينه وكنت عن يساره. ثم أقبل عمر فتنحيت له، فكان عن يساره. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المربد، فإذا بزقاق على المربد فيها خمر -قال ابن عمر-: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدية -قال ابن عمر: وما عرفت المدية إلا يومئذ -فأمر بالزقاق فشقت، ثم قال: "لعنت الخمر وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها،
__________
(1) زيادة من ر.
(2) تفسير الطبري (10/578) ورواه البزار في مسنده برقم (2922) "كشف الأستار" من طريق عباد بن راشد، عن قتادة، عن أنس بنحوه.
(3) المسند (4/422) وقال الهيثمي في المجمع (5/54): "فيه عبيد الله بن زحر وثقة أبو زرعه والنسائي وضعفه الجمهور".
(4) في ر: "نافع".
(5) المسند (2/163) وقال الهيثمي في المجمع (2/240): "فيه إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع وهو مجهول".
(6) المسند (2/171).
(7) المسند (2/25) وسنن أبي داود برقم (3674) وسنن ابن ماجة برقم (3380).
(3/183)
وحاملها، والمحمولة إليه، وعاصرها، ومعتصرها، وآكل ثمنها". (1)
وقال أحمد: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا أبو بكر بن أبي مريم، عن ضَمْرة بن حبيب قال: قال عبد الله بن عمر: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بمدية وهي الشفرة، فأتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها وقال: "اغد عليَّ بها". ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة، وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام، فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته، ثم أعطانيها وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معي وأن يعاونوني، وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته، ففعلت، فلم أترك في أسواقها زقًّا إلا شققته. (2)
حديث آخر: قال عبد الله بن وَهب: أخبرني عبد الرحمن بن شُرَيْح، وابن لَهِيعة، والليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن ثابت بن يزيد الخولاني أخبره: أنه كان له عم يبيع الخمر، وكان يتصدق، فنهيته عنها فلم ينته، فقدمت المدينة فتلقيت (3) ابن عباس، فسألته عن الخمر وثمنها، فقال: هي حرام وثمنها حرام. ثم قال ابن عباس، رضي الله عنه: يا معشر أمة محمد، إنه لو كان كتاب بعد كتابكم، ونبي بعد نبيكم، لأنزل فيكم كما أنزل فيمن قبلكم، ولكن أخر ذلك من أمركم إلى يوم القيامة، ولَعمري لهو أشد عليكم، قال ثابت: فلقيت عبد الله بن عمر فسألته عن ثمن الخمر، فقال: سأخبرك عن الخمر، إني كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فبينما هو محتب حَلّ حُبْوَته ثم قال: "من كان عنده من هذه الخمر فليأتنا بها". فجعلوا يأتونه، فيقول أحدهم: عندي راوية. ويقول الآخر: عندي زقٌّ أو: ما شاء الله أن يكون عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجمعوه ببقيع كذا وكذا ثم آذنوني". ففعلوا، ثم آذنوه فقام وقمت معه، فمشيت عن يمينه وهو متكئ عليّ، فألحقنا أبو بكر، رضي الله عنه، فأخرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلني عن شماله، وجعل أبا (4) بكر في مكاني. ثم لحقنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه فأخرني، وجعله عن يساره، فمشى بينهما. حتى إذا وقف على الخمر قال للناس: "أتعرفون هذه (5) قالوا: نعم، يا رسول الله، هذه الخمر. قال: "صدقتم". قال: "فإن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها، وشاربها وساقيها، وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها". ثم دعا بسكين فقال: "اشحذوها". ففعلوا، ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرق بها الزقاق، قال: فقال الناس: في هذه الزقاق منفعة، قال: "أجل، ولكني إنما أفعل ذلك غضبًا لله، عز وجل، لما فيها من سخطه". فقال عمر: أنا أكفيك يا رسول الله؟ قال: "لا".
قال ابن وَهْب: وبعضهم يزيد على بعض في قصة الحديث. رواه البيهقي. (6)
حديث آخر: قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو الحسين بن بِشْران، أنبأنا إسماعيل بن محمد
__________
(1) المسند (2/71).
(2) المسند (2/132) وقال الهيثمي في المجمع (5/54): "رواه أحمد بإسنادين في أحدهما أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط، وفي الآخر أبو طعمة، وقد وثقه محمد بن عمار الموصلي، وضعفه مكحول وبقية رجاله ثقات".
(3) في أ: "فلقيت".
(4) في ر: "أبو" وهو خطأ.
(5) في ر: "هذا".
(6) السنن الكبرى (8/286).
(3/184)
الصفار، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا شُعْبَة، عن سِماك، عن مصعب بن سعد، عن سعد، قال: أنزلت في الخمر أربع آيات، فذكر الحديث. قال: وضع رجل من الأنصار طعامًا، فدعانا فشربنا الخمر قبل أن تحرم حتى انتشينا، فتفاخرنا، فقالت الأنصار: نحن أفضل. وقالت قريش: نحن أفضل. فأخذ رجل من الأنصار لَحْي جَزُور، فضرب به أنف سعد ففزره، وكان أنف سعد مفزورًا. (1) فنزلت آية الخمر: { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ] } (2) إلى قوله تعالى: { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } أخرجه مسلم من حديث شعبة. (3)
حديث آخر: قال البيهقي: وأخبرنا أبو نصر بن قتادة، أنبأنا أبو علي الرفاء، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا حجاج بن مِنْهال، حدثنا ربيعة بن كلثوم، حدثني أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا فلما أن ثمل عبث بعضهم ببعض، فلما أن صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ورأسه ولحيته، فيقول: صنع هذا بي، أخي فلان -وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن (4) والله لو كان بي رؤوفًا رحيمًا ما صنع هذا بي، حتى وقعت (5) الضغائن في قلوبهم فأنزل الله هذه الآية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ [فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ] (6) فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } فقال ناس من المتكلفين: هي رجس، وهي في بطن فلان، وقد قتل يوم أحد، فأنزل الله: { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا [إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] } (7)
ورواه النسائي في التفسير عن محمد بن عبد الرحيم صاعقة، عن حجاج بن منهال. (8)
حديث آخر: قال ابن جرير: حدثني محمد بن خَلَف، حدثنا سعيد بن محمد الجرْمي، عن أبي تُمَيْلَة، عن سلام مولى حفص أبي القاسم، عن أبي بريدة، عن أبيه قال: بينا نحن قُعُود على شراب لنا، ونحن رَمْلة، ونحن ثلاثة أو أربعة، وعندنا باطية لنا، ونحن نشرب الخمر حلا إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه، إذ نزل تحريم الخمر: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ } إلى آخر الآيتين (9) { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } ؟ فجئت إلى أصحابي فقرأتها إلى قوله: { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُون } ؟ قال: وبعض القوم شَربته في يده، قد شرب بعضها وبقي بعض في الإناء، فقال بالإناء تحت شفته العليا، كما يفعل الحجام، ثم صبوا ما في باطيتهم (10) فقالوا: انتهينا ربنا. (11)
حديث آخر: قال البخاري: حدثنا صَدَقة بن الفضل، أخبرنا ابن عُيَينة، عن عمرو، عن جابر
__________
(1) في د، ر: "مفزورة".
(2) زيادة من ر، أ.
(3) السنن الكبرى (8/285) ولفظه عنده. "أنزلت في أربع آيات". وصحيح مسلم برقم (1748).
(4) في د، أ: "ضغائن فيقول".
(5) في أ: "حتى إذا وقعت".
(6) زيادة من ر ، أ ، وفي هـ إلى آخر الآية".
(7) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "إلى آخر الآية".
(8) السنن الكبرى (8/285) وسنن النسائي الكبرى برقم (11151).
(9) في أ: "الآية".
(10) في أ: "باطنهم".
(11) تفسير الطبري (10/572).
(3/185)
قال: صَبَّح ناس غداة أحد الخمر، فَقُتلوا من يومهم جميعًا شهداء، وذلك قبل تحريمها.
هكذا رواه البخاري في تفسيره من صحيحه (1) وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا أحمد بن عَبْدة، حدثنا سفيان، عن (2) عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول: اصطبح ناس الخمر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قتلوا شهداء يوم أحد، فقالت اليهود: فقد مات بعض الذين قتلوا وهي في بطونهم. فأنزل الله: { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا } ثم قال: وهذا إسناد صحيح. وهو كما قال، ولكن في سياقته غرابة.
حديث آخر: قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: لما نزل تحريم الخمر قالوا: كيف بمن كان يشربها قبل أن تحرم؟ فنزلت: { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا } الآية.
ورواه الترمذي، عن بُنْدار، غُنْدَر (3) عن شعبة، به نحو. وقال: حسن صحيح. (4)
حديث آخر: قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا جعفر بن حميد الكوفي، حدثنا يعقوب القمي، عن عيسى بن جارية، عن جابر بن عبد الله قال: كان رجل يحمل الخمر من خيبر إلى المدينة فيبيعها من المسلمين، فحمل منها بمال فقدم بها المدينة، فلقيه رجل من المسلمين فقال: يا فلان، إن الخمر قد حرمت فوضعها حيث انتهى على تَلّ، وسجى عليها بأكسية، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، بلغني أن الخمر قد حرمت؟ قال: "أجل" قال: لي أن أردها على من ابتعتها منه؟ قال: "لا يصلح (5) ردها". قال: لي أن أهديها إلى من يكافئني منها؟ قال: "لا". قال: فإن فيها مالا ليتامى في حجري؟ قال: "إذ أتانا مال البحرين فأتنا نعوّضُ أيتامك من مالهم". ثم نادى بالمدينة، فقال رجل: يا رسول الله، الأوعية ننتفع بها؟. قال: "فَحُلُّوا أوكيتها". فانصبت حتى استقرت في بطن الوادي هذا حديث غريب. (6)
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا وَكِيع، حدثنا سفيان، عن السُّدِّي، عن أبي هُبيرة -وهو يحيى بن عَبَّاد الأنصاري-عن أنس بن مالك؛ أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام في حجره ورثوا خمرا فقال: "أهرقها". قال: أفلا نجعلها خلا؟ قال: "لا".
ورواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، من حديث الثوري، به نحوه. (7)
حديث آخر: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن رَجاء، حدثنا عبد العزيز بن
__________
(1) صحيح البخاري برقم (4618).
(2) في ر: "بن".
(3) في ر، أ: "بندار عن غندر".
(4) مسند الطيالسي برقم (715) وسنن الترمذي برقم (3051).
(5) في أ: "لا يصح".
(6) مسند أبي يعلى (3/404) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (1980) "مجمع البحرين" من طريق جعفر بن حميد به.
قال الهيثمي في المجمع (4/88): "في إسنادهما يعقوب القمي، وعيسى بن جارية وفيهما كلام وقد وثقا".
(7) المسند (3/119) وصحيح مسلم برقم (1983) وسنن أبي داود برقم (3675) وسنن الترمذي برقم (1294).
(3/186)
أبي سلمة، حدثنا هلال بن أبي هلال، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو قال: إن هذه الآية التي في القرآن: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } قال: هي في التوراة: "إن الله أنزل الحق ليذهب به الباطل، ويبطل به اللعب، والمزامير، والزَّفْن، والكِبَارات -يعني البرابط--والزمارات -يعني به الدف-والطنابير-والشعر، والخمر مرة لمن طعمها. أقسم الله بيمينه وعزة حَيْله من شربها بعد ما حرمتها لأعطشنه (1) يوم القيامة، ومن تركها بعد ما حرمتها لأسقينه إياها في حظيرة القدس".
وهذا إسناد صحيح.
حديث آخر: قال عبد الله بن وَهْب: أخبرني عمرو بن الحارث؛ أن عمرو بن شُعَيب حدثهم، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك الصلاة سكرًا مرة واحدة، فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها، ومن ترك الصلاة سكرًا أربع مرات، كان حقًا على الله أن يسقيه من طينة الخبال". قيل: وما طينة الخبال؟ قال: "عصارة أهل جهنم".
ورواه أحمد، من طريق عمرو بن شعيب. (2)
حديث آخر: قال أبو داود: حدثنا محمد بن رافع، حدثنا إبراهيم بن عمر الصنعاني، قال: سمعت النعمان -هو ابن أبي شيبة الجَنَدي-يقول عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مَخمَّر خَمْر، وكل مُسْكِر حَرَام، ومن شرب مسكرًا بخست صلاته أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقًا على الله أن يُسقيه من طِينة الخَبَال". قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله قال: "صديد أهل النار، ومن سقاه صغيرًا لا يعرف حلاله من حرامه، كان حقًا على الله أن يسقيه من طينة الخبال"
تفرد أبو داود. (3)
حديث آخر: قال الشافعي، رحمه الله: أنبأنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتب منها حُرمها في الآخرة".
أخرجه البخاري ومسلم، من حديث مالك، به. (4)
وروى مسلم عن أبي الربيع، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مُسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر فمات وهو يُدْمنها ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة". (5)
حديث آخر: قال ابن وَهْب: أخبرني عمر بن محمد، عن عبد الله بن يَسار؛ أنه سمع سالم بن
__________
(1) في أ: "إلا عطشته".
(2) المسند (2/178) ورواه الحاكم في المستدرك (4/146) والبيهقي في السنن الكبرى (8/287) من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن عبد الله بن وهب به.
(3) سنن أبي داود (3680).
(4) مسند الشافعي برقم (1763) "بدائع المنن" وصحيح البخاري برقم (5575) وصحيح مسلم برقم (2003).
(5) صحيح مسلم برقم (2003).
(3/187)
عبد الله يقول: قال عبد الله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالديه، والمُدْمِن الخمر، والمنَّان بما أعطى".
ورواه النسائي، عن عمر بن علي، عن يزيد بن زُرَيْع، عن عمر بن محمد العُمَري، به. (1)
وروى أحمد، عن غُنْدَر، عن شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة منَّان ولا عاق، ولا مُدْمِن خمر". (2)
ورواه أحمد أيضًا، عن عبد الصمد، عن عبد العزيز بن مسلم (3) عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، به. وعن مروان بن شجاع، عن خَصِيف، عن مجاهد، به (4) ورواه النسائي عن القاسم بن زكريا، عن الحسين الجَعْفِي، عن زائدة، عن بن ابن أبي زياد، عن سالم بن أبي الجعد ومجاهد، كلاهما عن أبي سعيد، به. (5)
حديث آخر: قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابان، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة عاق، ولا مُدْمِن خمر، ولا منَّان، ولا ولد زنْيَة". (6)
وكذا رواه عن يزيد، عن همام، عن منصور، عن سالم، عن جابان، عن عبد الله بن عمرو، به (7) وقد رواه أيضًا عن غُنْدر وغيره، عن شعبة، عن منصور، عن سالم، عن نُبَيْط بن شُرَيط، عن جابان، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة منان، ولا عاق والديه، ولا مدمن خمر".
ورواه النسائي، من حديث شعبة كذلك، ثم قال: ولا نعلم (8) أحدًا تابع شعبة عن نبيط بن شريط. (9)
وقال البخاري: لا يعرف لجابان سماع من عبد الله، ولا لسالم من جابان ولا نبيط.
وقد روي هذا الحديث من طريق مجاهد، عن ابن عباس -ومن طريقه أيضًا، عن أبي هريرة، فالله أعلم.
وقال الزهري: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن أباه قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: اجتنبوا الخمر، فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس، فَعَلقته امرأة غَوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت: إنا ندعوك لشهادة. فدخل معها، فطفقت
__________
(1) سنن النسائي الكبرى برقم (2343) ورواه البيهقي في السنن الكبرى (8/288) من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن عبد الله بن وهب به.
(2) المسند (3/44).
(3) في ر: "أسلم".
(4) المسند (3/28).
(5) سنن النسائي الكبرى برقم (4920).
(6) المسند (2/203).
(7) المسند (2/164).
(8) في ر: "يعلم".
(9) المسند (2/201) وسنن النسائي الكبرى برقم (4914)
(3/188)
كلما دخل بابًا أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك لشهادة ولكن دعوتك لتقع عَليّ أو تقتل هذا الغلام، أو تشرب هذا الخمر. فسقته كأسًا، فقال: زيدوني، فلم يَرِم حتى وقع عليها، وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه.
رواه البيهقي (1) وهذا إسناد صحيح. وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه "ذم المسكر" عن محمد بن عبد الله بن بَزِيع، عن الفضيل بن سليمان النميري، عن عمر بن سعيد، عن الزهري، به مرفوعًا (2) والموقوف أصح، والله أعلم.
وله شاهد في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق سرقة حين يسرقها وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن". (3)
وقال أحمد بن حنبل: حدثنا أسود بن عامر، أخبرنا إسرائيل، عن سِماك، عن عِكْرِمَة، عن ابن عباس قال: لما حرمت الخمر قال أناس: يا رسول الله، أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل الله: { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا } الآية. قال: ولما حُوّلت القبلة قال أناس: يا رسول الله، أصحابنا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ (4) } [البقرة:143].
وقال الإمام أحمد: حدثنا داود بن مِهْران الدباغ، حدثنا داود -يعني العطار-عن ابن خُثَيْم، عن شَهْرِ بن حَوْشَب، عن أسماء بنت يزيد، أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من شرب الخمر لم يَرْضَ الله عنه أربعين ليلة، إن مات مات كافرًا، وإن تاب تاب الله عليه. وإن عاد كان حقًا على الله أن يسقيه من طِينة الخَبَال". قالت: قلت: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: "صديد أهل النار". (5)
وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت: { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا } فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قيل لي: أنت منهم".
وهكذا رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، من طريقه. (6)
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: قرأت على أبي، حدثنا علي بن عاصم، حدثنا إبراهيم الهجري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم وهاتان الكعبتان الموسمتان اللتان تزجران (7) زجرًا، فإنهما مَيْسِر العَجَم". (8)
__________
(1) السنن الكبرى (8/287) من طريق عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد، عن الزهري به. وقد خولف يونس بن يزيد خالفه عمر بن سعيد بن السرحة، فرواه عن الزهري مرفوعا، كما سيأتي في رواية ابن أبي الدنيا.
(2) ذم المسكر برقم (1) ورواية يونس بن يزيد أرجح من رواية عمر بن سعيد بن السرحة، فقد لينه بعض الأئمة. قالوا: "وأحاديثه عن الزهري ليست بمستقيمة".
(3) صحيح البخاري برقم (6810) وصحيح مسلم برقم (57).
(4) المسند (1/295).
(5) المسند (6/460) وقال الهيثمي في المجمع (5/69): "فيه شهر بن حوشب وهو ضعيف وقد حسن حديثه، وبقية رجاله ثقات".
(6) صحيح مسلم برقم (2459) وسنن الترمذي برقم (3053) وسنن النسائي الكبرى برقم (11153).
(7) في ر: "الموسمتان الذين يزجران" وهذا على لغة من يلزم المثنى الألف.
(8) المسند (1/446) وفي إسناده إبراهيم بن مسلم الهجري ضعيف.
(3/189)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) }
قال الوالبي، عن ابن عباس قوله: { لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } قال: هو الضعيف من الصيد وصغيره، يبتلي الله به عباده في إحرامهم، حتى لو شاؤوا يتناولونه بأيديهم. فنهاهم الله أن يقربوه.
وقال مجاهد: { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ } يعني: صغار الصيد وفراخه { وَرِمَاحِكُمْ } يعني: كباره.
وقال مُقَاتِل بن حَيَّان: أنزلت هذه الآية في عُمْرة الحُدَيْبِيَّة، فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم (1) في رحالهم، لم يروا مثله قط فيما خلا فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون.
{ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ } يعني: أنه تعالى يبتليهم بالصيد يغشاهم في رحالهم، يتمكنون من أخذه بالأيدي والرماح سرًا وجهرًا (2) ليظهر طاعة من يطيع منهم في سره وجهره، كما قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [الملك:12].
وقوله هاهنا: { فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ } قال السدي وغيره: يعني بعد هذا الإعلام والإنذار والتقدم { فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: لمخالفته أمر الله وشرعه.
ثم قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام، ونهي عن تعاطيه فيه. وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول وما يتولد منه ومن غيره، فأما غير المأكول من حيوانات البر، فعند الشافعي يجوز للمحرم قتلها. والجمهور على تحريم قتلها أيضًا، ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت في الصحيحين من طريق الزهري، عن عُرْوَة، عن عائشة أم المؤمنين؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خمس فَواسِق يُقْتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَم (3) الغُراب والحدأة، والعَقْرب، والفأرة، والكلب العَقُور". (4)
وقال مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جُنَاح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور". أخرجاه. (5)
ورواه أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، مثله. قال أيوب، قلت لنافع: فالحية؟ قال: الحية لا شك
__________
(1) في ر: "يغشاهم".
(2) في ر: "جهرًا وسرًا".
(3) في ر: "الحرام".
(4) صحيح البخاري برقم (3314) وصحيح مسلم برقم (1198).
(5) صحيح البخاري برقم (1826) وصحيح مسلم برقم (1199).
(3/190)
فيها، ولا يختلف في قتلها. (1)
ومن العلماء -كمالك وأحمد-من ألحق بالكلب العقور الذئب، والسَّبْعُ، والنِّمْر، والفَهْد؛ لأنها أشد ضررًا منه فالله أعلم. وقال سفيان بن عيينة وزيد بن أسلم: الكلب العقور يشمل هذه السباع العادية كلّها. واستأنس من قال بهذا بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا على عتبة (2) بن أبي لهب قال: "اللهم سَلِّط عليه (3) كلبك بالشام" (4) فأكله السبع بالزرقاء، قالوا: فإن قتل ما عداهن فَدَاها كالضبع والثعلب وهر البر ونحو ذلك.
قال مالك: وكذا يستثنى من ذلك صغار هذه الخمس المنصوص عليها، وصغار الملحق بها من السباع العوادي.
وقال الشافعي [رحمه الله] (5) يجوز للمحرم قتل كل ما لا يؤكل لحمه، ولا فرق بين صغاره وكباره. وجعل العلة الجامعة كونها لا تؤكل.
وقال أبو حنيفة: يقتل المحرم الكلب العقور والذئب؛ لأنه كلب بري، فإن قتل غيرهما فَدَاه، إلا أن يصول عليه سبع غيرهما فيقتله فلا فداء عليه. وهذا قول الأوزاعي، والحسن بن صالح بن حيي.
وقال زُفَر بن الهذيل: يفدي ما سوى ذلك وإن صال عليه.
وقال بعض الناس: المراد بالغراب هاهنا الأبقع (6) وهو الذي في بطنه وظهره بياض، دون الأدرع وهو الأسود، والأعصم وهو الأبيض؛ لما رواه النسائي عن عمرو بن علي الفَلاس، عن يحيى القَطَّان، عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خمس يقتلهن المحرم: الحية، والفأرة، والحدأة، والغراب الأبقع، والكلب العقور".
والجمهور على أن المراد به أعم من ذلك؛ لما ثبت في الصحيحين من إطلاق لفظه.
وقال مالك، رحمه الله: لا يقتل المحرم الغراب إلا إذا صال عليه وآذاه.
وقال مجاهد بن جَبْر وطائفة: لا يقتله بل يرميه. ويروى مثله عن علي.
وقد روى هُشَيْم: حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نُعْم، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه سئل عما يقتل المحرم، فقال: "الحية، والعقرب، والفُوَيْسِقَة، ويرمي الغراب ولا يقتله، والكلب العقور، والحدأة، والسبع العادي".
__________
(1) صحيح مسلم برقم (1199).
(2) في ر: "عتبية".
(3) في ر: "عليهم".
(4) رواه البيهقي في دلائل النبوة (2/339) من طريق زهير بن العلاء، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة به مرسلا وذكر قصة. ورواه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 163) من طريق محمد بن إسحاق، عن عثمان بن عروة بن الزبير، عن أبيه وذكر قصة. ورواه البيهقي في دلائل النبوة (2/338) من طريق عباس بن الفضل، عن الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه به وذكر قصة.
(5) زيادة من ر.
(6) في ر: "المراد بالأبقع هاهنا الغراب".
(3/191)
رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، والترمذي عن أحمد بن منيع، كلاهما عن هشيم. وابن ماجه، عن أبي كريم (1) عن محمد بن فضيل، كلاهما عن يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن. (2)
وقوله تعالى: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا ابن عُلَيَّةَ، عن أيوب قال: نبئت عن طاوس قال: لا يحكم (3) على من أصاب صيدًا خطأ، إنما يحكم (4) على من أصابه متعمدًا.
وهذا مذهب غريب عن طاوس، وهو متمسك بظاهر الآية.
وقال مجاهد بن جبير: المراد بالمتعمد هنا (5) القاصد إلى قتل الصيد، الناسي لإحرامه. فأما المتعمد لقتل الصيد مع ذكره لإحرامه، فذاك أمره أعظم من أن يكفر، وقد بطل إحرامه.
رواه ابن جرير عنه من طريق ابن أبي نَجِيح وليث بن أبي سليم وغيرهما، عنه. وهو قول غريب أيضًا. والذي عليه الجمهور أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه. قال الزهري: دل (6) الكتاب على العامد، وجرت السنة على الناسي، ومعنى هذا أن القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمد وعلى تأثيمه بقوله: { لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } وجاءت السنة من أحكام النبي صلى الله عليه وسلم وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ، كما دل الكتاب عليه في العَمْد، وأيضًا فإن قتل الصيد إتلاف، والإتلاف مضمون في العمد وفي النسيان، لكن المتعمّد مأثوم والمخطئ غير مَلُوم.
وقوله: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } وحكى ابن جرير أن ابن مسعود قرأها: "فجزاؤه مثل ما قتل من النعم".
وفي قوله: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } على كل من القراءتين دليل لما ذهب إليه مالك، والشافعي، وأحمد، والجمهور من وجوب الجزاء من مثل ما قتله المحرم، إذا كان له مثل من الحيوان الإنسي، خلافًا لأبي حنيفة، رحمه الله، حيث أوجب القيمة سواء كان الصيد المقتول مثليًا أو غير مثلي، قال: وهو مخير إن شاء تصدق بثمنه، وإن شاء اشترى به هديًا. والذي حكم به الصحابة في المثل أولى بالاتباع، فإنهم حكموا في النعامة ببدنة، وفي بقرة الوحش ببقرة، وفي الغزال بعنز وذكْرُ قضايا الصحابة وأسانيدها مقرر في كتاب "الأحكام"، وأما إذا لم يكن الصيد مثليًا فقد حكم ابن عباس فيه بثمنه، يحمل إلى مكة. رواه البيهقي. وقوله: { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } يعني أنه يحكم بالجزاء في المثل، أو بالقيمة في غير المثل، عدلان من المسلمين، واختلف العلماء في القاتل: هل يجوز أن يكون أحد الحكمين؟ على قولين:
__________
(1) في ر: "كريب".
(2) سنن أبي داود برقم (1848) وسنن الترمذي برقم (838) وسنن ابن ماجة برقم (3089).
(3) في ر: "نحكم".
(4) في ر: "نحكم".
(5) في ر: "هاهنا".
(6) في ر: "تدل".
(3/192)
أحدهما: " لا؛ لأنه قد يُتَّهم في حكمه على نفسه، وهذا مذهب مالك.
والثاني: نعم؛ لعموم الآية. وهو مذهب الشافعي، وأحمد.
واحتج الأولون بأن الحاكم لا يكون محكومًا عليه في صورة واحدة.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو نُعَيْم الفضل بن دُكَيْن، حدثنا جعفر -هو ابن بُرْقَان-عن ميمون بن مِهْران؛ أن أعرابيًا أتى أبا بكر قال: قتلت صيدًا وأنا محرم، فما ترى عليَّ من الجزاء؟ فقال أبو بكر، رضي الله عنه، لأبي بن كعب وهو جالس عنده: ما ترى فيما (1) قال؟ فقال الأعرابي: أتيتك وأنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسألك، فإذا أنت تسأل غيرك؟ فقال أبو بكر: وما تنكر؟ يقول الله تعالى: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } فشاورت صاحبي حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به.
وهذا إسناد جيد، لكنه منقطع بين ميمون وبين الصديق، ومثله يحتمل هاهنا. فبين له الصديق الحكم برفق وتُؤدَة، لما رآه أعرابيا جاهلا وإنما دواء الجهل التعليم، فأما إذا كان المعترض منسوبًا إلى العلم، فقد قال ابن جرير:
حدثنا هَنَّاد وأبو هشام الرفاعي قالا حدثنا وَكِيع بن الجراح، عن المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن قَبِيصة بن جابر قال: خرجنا حجاجًا، فكنا إذا صلينا الغداة اقتدنا رواحلنا نتماشى نتحدث، قال: فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبي -أو: برح-فرماه رجل كان معنا بحجر فما أخطأ خُشَّاءه فركب رَدْعه ميتًا، قال: فَعَظَّمْنا عليه، فلما قدمنا مكة خرجت معه حتى أتينا عمر رضي الله عنه، قال: فقص عليه القصة قال: وإلى جنبه رجل كأن وجهه قُلْب فضة -يعني عبد الرحمن بن عوف-فالتفت عمر إلى صاحبه فكلمه قال: ثم أقبل على الرجل فقال: أعمدًا قتلته أم خطأ؟ قال الرجل: لقد تعمدت رميه، وما أردت قتله. فقال عمر: ما أراك إلا قد أشركت بين العمد والخطأ، اعمد إلى شاة فاذبحها وتصدق بلحمها واستبق إهابها. قال: فقمنا من عنده، فقلت لصاحبي: أيها الرجل، عَظّم شعائر الله، فما درى أمير المؤمنين ما يفتيك حتى سأل صاحبه: اعمد إلى ناقتك فانحرها، ففعل (2) ذاك. قال قبيصة: ولا أذكر الآية من سورة المائدة: { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } قال: فبلغ عمر مقالتي، فلم يفجأنا منه إلا ومعه الدّرّة. قال: فعلا صاحبي ضربًا بالدرة، وجعل يقول: أقتلت في الحرم وسفَّهت الحكم؟ قال: ثم أقبل عليَّ فقلت: يا أمير المؤمنين، لا أحل لك اليوم شيئا يحْرُم عليك مني، قال: يا قبيصة بن جابر، إني أراك شابّ السن، فسيح الصدر، بيّن اللسان، وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة وخلق سيئ، فيفسد الخلقُ السيئ الأخلاقَ الحسنة، فإياك وعثرات الشباب.
وقد روى هُشَيْم هذه القصة، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة، بنحوه. ورواها أيضًا عن حُصَيْن، عن الشعبي، عن قبيصة، بنحوه. وذكرها مرسلة عن عُمَر: بن بكر بن عبد الله المزني، ومحمد بن سِيرين.
__________
(1) في ر: "فيها".
(2) في ر: "فلعل".
(3/193)
وقال ابن جرير: حدثنا ابن بَشَّار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي وائل، أخبرني أبو جرير البَجَلِيّ قال: أصبت ظَبْيًا وأنا محرم، فذكرت ذلك لعمر، فقال: ائت رجلين من إخوانك فليحكما عليك. فأتيت عبد الرحمن وسعدًا، فحكما عليّ بتَيْس أعفر.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا ابن عُيَيْنة، عن مُخارق، عن طارق قال: أوطأ أربد ظبيًا فقتلته (1) وهو محرم فأتى عمر؛ ليحكم عليه، فقال له عمر: احكم معي، فحكما فيه جَدْيًا، قد جمع الماء والشجر. ثم قال عمر: { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ }
وفي هذا دلالة على جواز كون القاتل أحد الحكمين، كما قاله الشافعي وأحمد، رحمهما الله.
واختلفوا: هل تستأنف (2) الحكومة في كل ما يصيبه المحرم، فيجب أن يحكم فيه ذوا عدل، وإن كان قد حكم من قبله الصحابة، أو يكتفي بأحكام الصحابة المتقدمة؟ على قولين، فقال الشافعي وأحمد: يتبع في ذلك ما حكمت به الصحابة (3) وجعلاه شرعًا مقررًا لا يعدل عنه، وما لم يحكم فيه (4) الصحابة يرجع فيه إلى عدلين. وقال مالك وأبو حنيفة: بل يجب الحكم في كل فرد فرد، سواء وجد للصحابة في مثله حكم أم لا؛ لقوله تعالى: { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ }
وقوله تعالى: { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } أي: واصلا إلى الكعبة، والمراد وصوله إلى الحرم، بأن يذبح هناك، ويفرق لحمه على مساكين الحرم. وهذا أمر متفق عليه في هذه الصورة.
وقوله: { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا } أي: إذا لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعَم أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات الأمثال، أو قلنا بالتخيير في هذا المقام من الجزاء والإطعام والصيام، كما هو قول مالك، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وأحد قولي الشافعي، والمشهور عن أحمد رحمهم الله، لظاهر الآية "أو" فإنها للتخيير. والقول الآخر: أنها على الترتيب.
فصورة ذلك أن يعدل إلى القيمة، فيُقوّم الصيد المقتول عند مالك، وأبي حنيفة وأصحابه، وحماد، وإبراهيم. وقال الشافعي: يقوم مثله من النعم لو كان موجودًا، ثم يشتري به طعام ويتصدق به، فيصرف لكل مسكين مُدٌ منه عند الشافعي، ومالك، وفقهاء الحجاز، واختاره ابن جرير.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يُطعِم كل مِسْكين مُدَّيْن، وهو قول مجاهد.
وقال أحمد: مُدّ من حنطة، أو مدان من غيره. فإن لم يجد، أو قلنا بالتخيير (5) صام عن (6) إطعام كل مسكين يومًا.
وقال ابن جرير: وقال آخرون: يصوم مكان كل صاع يومًا. كما في جزاء المترفه بالحلق ونحوه، فإن الشارع أمر كعب بن عُجْرَة أن يقسم فَرَقًا بين ستة، أو يصوم ثلاثة أيام، والفَرَقُ ثلاثة آصع.
واختلفوا في مكان هذا الإطعام، فقال الشافعي: محله الحرم، وهو قول عطاء. وقال مالك: يطعم في المكان الذي أصاب فيه الصيد، أو أقرب الأماكن إليه. وقال أبو حنيفة: إن شاء أطعم في الحرم، وإن شاء أطعم في غيره.
__________
(1) في د، ر : "فقتله".
(2) في ر: "يستأنف".
(3) في ر: "صاحبه".
(4) في ر: "به".
(5) في ر: "أو قلنا التخيير".
(6) في ر: "من".
(3/194)
ذكر أقوال السلف في هذا المقام:
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن المغيرة، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مقْسَم، عن ابن عباس في قوله: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا } قال: إذا أصاب المحرمُ الصيدَ حكم عليه جزاؤه من النعم، فإن وجد جزاءه، ذبحه فتصدق به. وإن لم يجد نظر كم ثمنه، ثم قُوّم ثمنه طعامًا، فصام مكان كل نصف صاع يومًا، قال: { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا } قال: إنما أريد بالطعام الصيام، أنه إذ وجد الطعام وجد جزاؤه.
ورواه ابن جرير، من طريق جرير.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا } إذا (1) قتل المحرم شيئًا من الصيد، حكم عليه فيه. فإن قتل ظبيًا أو نحوه، فعليه شاة تذبح بمكة. فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. فإن قتل إبِلا أو نحوه، فعليه بقرة. فإن لم يجد أطعم عشرين مسكينًا. فإن لم يجد صام عشرين يومًا. وإن قتل نعامة أو حمارَ وحش أو نحوه، فعليه بدنة من الإبل. فإن لم يجد أطعم ثلاثين مسكينًا. فإن لم يجد صام ثلاثين يومًا.
رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، وزاد: والطعام مُدٌّ مُدّ تشبَعهم. (2)
وقال جابر الجُعْفي، عن عامر الشعبي وعطاء ومجاهد: { أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا } قالوا: إنما الطعام لمن لا يبلغ الهدي. رواه ابن جرير.
وكذا روى ابن جُرَيْج عن مجاهد، وأسباط عن السُّدِّي أنها على الترتيب.
وقال عطاء، وعكرمة، ومجاهد -في رواية الضحاك-وإبراهيم النَّخَعِي: هي على الخيار. وهو رواية الليث، عن مجاهد، عن ابن عباس. واختار ذلك ابن جرير، رحمه الله تعالى.
وقوله: { لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } أي: أوجبنا عليه الكفارة ليذوق عقوبة فعله الذي ارتكب فيه المخالفة { عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ } أي: في زمان الجاهلية، لمن أحسن في الإسلام واتبع شرع الله، ولم يرتكب المعصية.
ثم قال: { َ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } أي: ومن فعل ذلك بعد تحريمه في الإسلام وبلوغ الحكم الشرعي إليه فينتقم الله منه وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
قال ابن جُرَيْج، قلت لعطاء: ما { عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ } قال: عما كان في الجاهلية. قال: قلت: وما { َ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } ؟ قال: ومن عاد في الإسلام، فينتقم الله منه، وعليه مع ذلك الكفارة قال: قلت: فهل في العود حَدُّ تعلمه؟ قال: لا. قال: قلت: فترى حقًا على الإمام أن يعاقبه؟ قال:
__________
(1) في ر: "فإذا".
(2) في ر: "شبعهم".
(3/195)
لا هو ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله، عز وجل، ولكن يفتدي. رواه ابن جرير. (1)
وقيل معناه: فينتقم الله منه بالكفارة. قاله سعيد بن جبير، وعطاء.
ثم الجمهور من السلف والخلف، على أنه متى قتل المحرم الصيد وجب الجزاء، ولا فرق بين الأولى والثانية (2) وإن تكرر ما تكرر، سواء الخطأ في ذلك والعمد.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: من قتل شيئًا من الصيد خطأ، وهو محرم، يحكم عليه فيه كلما قتله، وإن قتله عمدا يحكم عليه فيه مرة واحدة، فإن عاد يقال له: ينتقم الله منك كما قال الله، عز وجل.
وقال ابن جرير: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي جميعًا، عن هشام -هو ابن حسان-عن عِكْرِمَة، عن ابن عباس فيمن أصاب صيدًا فحُكم (3) عليه ثم عاد، قال: لا يحكم عليه، ينتقم الله منه.
وهكذا قال شُرَيْح، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وإبراهيم النَّخَعِي. رواهن ابن جرير، ثم اختار القول الأول.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا العباس بن يزيد العبدي، حدثنا المُعْتَمِر بن سليمان، عن زيد أبي المعلى، عن الحسن البصري؛ أن رجلا أصاب صيدًا، فتجوز عنه، ثم عاد فأصاب صيدًا آخر، فنزلت نار من السماء فأحرقته فهو قوله: { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ }
وقال ابن جرير في قوله: { وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } يقول عَزَّ ذكره: والله منيع في سلطانه لا يقهره قاهر، ولا يمنعه من الانتقام ممن انتقم منه، ولا من عقوبة من أراد عقوبته مانع؛ لأن الخلق خلقه، والأمر أمره، له العزة والمنعة.
وقوله: { ذُو انْتِقَامٍ } يعني: أنه ذو معاقبة لمن عصاه على معصيته إياه.
__________
(1) تفسير الطبري (11/48).
(2) في ر: "والثانية والثالثة".
(3) في د، ر: "يحكم".
=============

المائدة - تفسير القرطبي
90- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
91- {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}
92- {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}
فيه عشرة مسألة:
الأولى- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} خطاب لجميع المؤمنين بترك هذه الأشياء؛ إذا كانت شهوات وعادات تلبسوا بها في الجاهلية وغلبت على النفوس، فكان نَفِيُّ منها في نفوس كثير من المؤمنين. قال ابن عطية: ومن هذا القبيل هوى الزجر بالطير، وأخذ الفأل في الكتب ونحوه مما يصنعه الناس اليوم. وأما الخمر فكانت لم تحرم بعد، وإنما نزل تحريمها في سنة ثلاث بعد وقعة أحد، وكانت وقعة أحد في شوال سنة ثلاث من الهجرة.
(6/285)
وتقدم اشتقاقها. وأما {الْمَيْسِرُ} فقد مضى في {البقرة} القول فيه. وأما الأنصاب فقيل: هي الأصنام. وقيل: هي النرد والشطرنج؛ ويأتي بيانهما في سورة {يونس} عند قوله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ} وأما الأزلام فهي القداح، وقد مضى في أول السورة القول فيها. ويقال كانت في البيت عند سدنة البيت وخدام الأصنام؛ يأتي الرجل إذا أراد حاجة فيقبض منها شيئا؛ فإن كان عليه أمرني ربي خرج إلى حاجته على ما أحب أو كره.
الثانية- تحريم الخمر كان بتدريج ونوازل كثيرة؛ فإنهم كانوا مولعين بشربها، وأول ما نزل في شأنها {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} أي في تجارتهم؛ فلما نزلت هذه الآية تركها بعض الناس وقالوا: لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير، ولم يتركها بعض الناس وقالوا: نأخذ منفعتها ونترك إثمها فنزلت هذه الآية {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} فتركها بعض الناس وقالوا: لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة، وشربها بعض الناس في غير أوقات الصلاة حتى نزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ} الآية - فصارت حراما عليهم حتى صار يقول بعضهم: ما حرم الله شيئا أشد من الخمر. وقال أبو ميسرة: نزلت بسبب عمر بن الخطاب؛ فإنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم عيوب الخمر، وما ينزل بالناس من أجلها، ودعا الله في تحريمها وقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت هذه الآيات، فقال عمر: انتهينا انتهينا. وقد مضى في {البقرة} و{النساء}. وروى أبو داود عن ابن عباس قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} و {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} نسختها التي في المائدة. {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ} . وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: نزلت في آيات من القرآن؛ وفيه قال: وأتيت على نفر من الأنصار؛ فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمرا،
(6/286)
وذلك قبل أن تحرم الخمر؛ قال: فأتيتهم في حش - والحش البستان - فإذا رأس جزور مشوي عندهم وزق من خمر؛ قال: فأكلت وشربت معهم؛ قال: فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم فقلت: المهاجرون خير من الأنصار؛ قال: فأخذ رجل لحيي جمل فضربني به فجرح أنفي - وفى رواية ففزره وكان أنف سعد مفزورا فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته؛ فأنزل الله تعالى في - يعني نفسه شأن الخمر – {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} .
الثالثة- هذه الأحاديث تدل على أن شرب الخمر كان إذ ذاك مباحا معمولا به معروفا عندهم بحيث لا ينكر ولا يغير، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عليه، وهذا ما لا خلاف فيه؛ يدل عليه آية النساء {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} على ما تقدم. وهل كان يباح لهم شرب القدر الذي يسكر؟ حديث حمزة ظاهر فيه حين بقر خواصر ناقتي علي رضي الله عنهما وجب أسنمتهما، فأخبر علي بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى حمزة فصدر عن حمزة للنبي صلى الله عليه وسلم من القول الجافي المخالف لما يجب عليه من احترام النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتعزيره، ما يدل على أن حمزة كان قد ذهب عقله بما يسكر؛ ولذلك قال الراوي: فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ثمل؛ ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على حمزة ولا عنفه، لا في حال سكره ولا بعد ذلك، بل رجع لما قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي على عقبيه القهقري وخرج عنه. وهذا خلاف ما قاله الأصوليون وحكوه فإنهم قالوا: إن السكر حرام في كل شريعة؛ لأن الشرائع مصالح العباد لا مفاسدهم، وأصل المصالح العقل، كما أن أصل المفاسد ذهابه، فيجب المنع من كل ما يذهبه أو يشوشه، إلا أنه يحتمل حديث حمزة أنه لم يقصد بشربه السكر لكنه أسرع فيه فغلبه. والله أعلم.
الرابعة- قوله تعالى: {رِجْسٌ} قال ابن عباس في هذه الآية: {رِجْسٌ} سخط وقد يقال للنتن والعذرة والأقذار رجس. والرجز بالزاي العذاب لا غير، والركس العذرة
(6/287)
لا غير. والرجس يقال للأمرين. ومعنى {مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} أي بحمله عليه وتزيينه. وقيل: هو الذي كان عمل مبادئ هذه الأمور بنفسه حتى اقتدى به فيها.
الخامسة- قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوهُ} يريد ابعدوه واجعلوه ناحية؛ فأمر الله تعالى باجتناب هذه الأمور، واقترنت بصيغة الأمر مع نصوص الأحاديث وإجماع الأمة، فحصل الاجتناب في جهة التحريم؛ فبهذا حرمت الخمر. ولا خلاف بين علماء المسلمين أن سورة {المائدة} نزلت بتحريم الخمر، وهي مدنية من آخر ما نزل، وورد التحريم في الميتة والدم ولحم الخنزير في قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ} وغيرها من الآي خبرا، وفي الخمر نهيا وزجرا، وهو أقوى التحريم وأوكده. روى ابن عباس قال: لما نزل تحريم الخمر، مشى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعض، وقالوا حرمت الخمر، وجعلت عدلا للشرك؛ يعني أنه قرنها بالذبح للأنصاب وذلك شرك. ثم علق {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فعلق الفلاح بالأمر، وذلك يدل على تأكيد الوجوب. والله أعلم.
السادسة- فهم الجمهور من تحريم الخمر، واستخباث الشرع لها، وإطلاق الرجس عليها، والأمر باجتنابها، الحكم بنجاستها. وخالفهم في ذلك ربيعة والليث بن سعد والمزني صاحب الشافعي، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين فرأوا أنها طاهرة، وأن المحرم إنما هو شربها. وقد استدل سعيد بن الحداد القروي على طهارتها بسفكها في طرق المدينة؛ قال: ولو كانت نجسة لما فعل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم، ولنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه كما نهى عن التخلي في الطرق. والجواب؛ أن الصحابة فعلت ذلك؛ لأنه لم يكن لهم سروب ولا آبار يريقونها فيها، إذ الغالب من أحوالهم أنهم لم يكن لهم كنف في بيوتهم. وقالت عائشة رضي الله عنها إنهم كانوا يتقذرون من اتخاذ الكنف في البيوت، ونقلها إلى خارج المدينة فيه كلفة ومشقة، ويلزم منه تأخير ما وجب على الفور. وأيضا فإنه يمكن التحرز منها؛ فإن طرق المدينة كانت واسعة، ولم تكن الخمر من الكثرة بحيث تصير نهرا
(6/288)
يعم الطريق كلها، بل إنما جرت في مواضع يسيرة يمكن التحرز عنها - هذا - مع ما يحصل في ذلك من فائدة شهرة إراقتها في طرق المدينة، ليشيع العمل على مقتضى تحريمها من إتلافها، وأنه لا ينتفع بها، وتتابع الناس وتوافقوا على ذلك. والله أعلم.
فإن قيل: التنجيس حكم شرعي ولا نص فيه، ولا يلزم من كون الشيء محرما أن يكون نجسا؛ فكم من محرم في الشرع ليس بنجس؛ قلنا: قوله تعالى: {رِجْسٌ} يدل على نجاستها؛ فإن الرجس في اللسان النجاسة، ثم لو التزمنا ألا نحكم بحكم حتى نجد فيه نصا لتعطلت الشريعة؛ فإن النصوص فيها قليلة؛ فأي نص يوجد على تنجيس البول والعذرة والدم والميتة وغير ذلك؟ وإنما هي الظواهر والعمومات والأقيسة. وسيأتي في سورة {الحج} ما يوضح هذا المعنى إن شاء الله تعالى.
السابعة- قوله: {فَاجْتَنِبُوهُ} يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء بوجه من الوجوه؛ لا بشرب ولا بيع ولا تخليل ولا مداواة ولا غير ذلك. وعلى هذا تدل الأحاديث الواردة في الباب. وروى مسلم عن ابن عباس أن رجلا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل علمت أن الله حرمها" قال: لا، قال: فسار رجلا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بم ساررته" ؟ قال: أمرته ببيعها؛ فقال: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها" ، قال: ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها؛ فهذا حديث يدل على ما ذكرناه؛ إذ لو كان فيها منفعة من المنافع الجائزة لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال في الشاة الميتة. "هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به" الحديث.
الثامنة- أجمع المسلمون على تحريم بيع الخمر والدم، وفي ذلك دليل على تحريم بيع العذرات وسائر النجاسات وما لا يحل أكله؛ ولذلك - والله أعلم - كره مالك بيع زبل الدواب، ورخص فيه ابن القاسم لما فيه من المنفعة؛ والقياس ما قاله مالك، وهو مذهب الشافعي، وهذا الحديث شاهد بصحة ذلك.
(6/289)
التاسعة- ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخمر لا يجوز تخليلها لأحد، ولو جاز تخليلها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع الرجل أن يفتح المزادة حتى يذهب ما فيها؛ لأن الخل مال وقد نهى عن إضاعة المال، ولا يقول أحد فيمن أراق خمرا على مسلم أنه أتلف له مالا. وقد أراق عثمان بن أبي العاص خمرا ليتيم، واستؤذن صلى الله عليه وسلم في تخليلها فقال: "لا" ونهى عن ذلك. ذهب إلى هذا طائفة من العلماء من أهل الحديث والرأي، وإليه مال سحنون بن سعيد. وقال آخرون: لا بأس بتخليل الخمر ولا بأس بأكل ما تخلل منها بمعالجة آدمي أو غيرها؛ وهو قول الثوري والأوزاعي والليث بن مسعد والكوفيين. وقال أبو حنيفة: إن طرح فيها المسك والملح فصارت مربى وتحولت عن حال الخمر جاز. وخالفه محمد بن الحسن في المربى وقال: لا تعالج الخمر بغير تحويلها إلى الخل وحده. قال أبو عمر: احتج العراقيون في تخليل الخمر بأبي الدرداء؛ وهو يروي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء من وجه ليس بالقوي أنه كان يأكل المربى منه، ويقول: دبغته الشمس والملح. وخالفه عمر بن الخطاب وعثمان بن أبي العاص في تخليل الخمر؛ وليس في رأي أحد حجة مع السنة. وبالله التوفيق. وقد يحتمل أن يكون المنع من تخليلها كان في بدء الإسلام عند نزول تحريمها؛ لئلا يستدام حبسها لقرب العهد بشربها، إرادة لقطع العادة في ذلك. وإذا كان كذلك لم يكن في النهي عن تخليلها حينئذ، والأمر بإراقتها ما يمنع من أكلها إذا خللت. وروى أشهب عن مالك قال: إذا خلل النصراني خمرا فلا بأس بأكله، وكذلك إن خللها مسلم واستغفر الله؛ وهذه الرواية ذكرها ابن عبدالحكم في كتابه. والصحيح ما قاله مالك في رواية ابن القاسم وابن وهب أنه لا يحل لمسلم أن يعالج الخمر حتى يجعلها خلا ولا يبيعها، ولكن ليهريقها.
العاشرة- لم يختلف قول مالك وأصحابه أن الخمر إذا تخللت بذاتها أن أكل ذلك الخل حلال. وهو قول عمر بن الخطاب وقبيصة وابن شهاب، وربيعة وأحد قولي الشافعي، وهو تحصيل مذهبه عند أكثر أصحابه.
(6/290)
الحادية عشرة- ذكر ابن خويز منداد أنها تملك، ونزع إلى ذلك بأنه يمكن أن يزال بها الغصص، ويطفأ بها حريق؛ وهذا نقل لا يعرف لمالك، بل يخرج هذا على قول من يرى أنها طاهرة. ولو جاز ملكها لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقتها. وأيضا فإن الملك نوع نفع وقد بطل بإراقتها. والحمد لله.
الثانية عشرة- هذه الآية تدل على تحريم اللعب بالنرد والشطرنج قمارا أو غير قمار؛ لأن الله تعالى لما حرم الخمر أخبر بالمعنى الذي فيها فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الآية. ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} الآية. فكل لهو دعا قليله إلى كثير، وأوقع العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه، وصد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو كشرب الخمر، وأوجب أن يكون حراما مثله. فإن قيل: إن شرب الخمر يورث السكر فلا يقدر معه على الصلاة وليس في اللعب بالنرد والشطرنج هذا المعنى؛ قيل له: قد جمع الله تعالى بين الخمر والميسر في التحريم، ووصفهما جميعا بأنهما يوقعان العداوة والبغضاء بين الناس ويصدان عن ذكر الله وعن الصلاة؛ ومعلوم أن الخمر إن أسكرت فالميسر لا يسكر، ثم لم يكن عند الله افتراقهما في ذلك يمنع من التسوية بينهما في التحريم لأجل ما اشتركا فيه من المعاني. وأيضا فإن قليل الخمر لا يسكر كما أن اللعب بالنرد والشطرنج لا يسكر، ثم كان حراما مثل الكثير، فلا ينكر أن يكون اللعب بالنرد والشطرنج حراما مثل الخمر وإن كان لا يسكر. وأيضا فإن ابتداء اللعب يورث الغفلة، فتقوم تلك الغفلة المستولية على القلب مكان السكر؛ فإن كانت الخمر إنما حرمت لأنها تسكر فتصد بالإسكار عن الصلاة، فليحرم اللعب بالنرد والشطرنج لأنه يغفل ويلهي فيصد بذلك عن الصلاة. والله أعلم.
الثالثة عشرة- مُهدي الراوية يدل على أنه كان لم يبلغه الناسخ، وكان متمسكا بالإباحة المتقدمة، فكان ذلك دليلا على أن الحكم لا يرتفع بوجود الناسخ - كما يقول بعض الأصوليين - بل ببلوغه كما دل عليه هذا الحديث، وهو الصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوبخه،
(6/291)
بل بين له الحكم؛ ولأنه مخاطب بالعمل بالأول بحيث لو تركه عصى بلا خلاف، وإن كان الناسخ قد حصل في الوجود، وذلك كما وقع لأهل قباء؛ إذ كانوا يصلون إلى بيت المقدس إلى أن أتاهم الآتي فأخبرهم بالناسخ، فمالوا نحو الكعبة. وقد تقدم في سورة {البقرة} والحمد لله؛ وتقدم فيها ذكر الخمر واشتقاقها والميسر. وقد مضى في صدر هذه السورة القول، في الأنصاب والأزلام. والحمد لله.
الرابعة عشرة- قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} الآية. أعلم الله تعالى عباده أن الشيطان إنما يريد أن يوقع العداوة والبغضاء بيننا بسبب الخمر وغيره، فحذرنا منها، ونهانا عنها. روي أن قبيلتين من الأنصار شربوا الخمر وانتشوا، فعبث بعضهم ببعض، فلما صحوا رأى بعضهم في وجه بعض آثار ما فعلوا، وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن، فجعل بعضهم يقول: لو كان أخي بي رحيما ما فعل بي هذا، فحدثت بينهم الضغائن؛ فأنزل الله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} الآية.
الخامسة عشرة- قوله تعالى: {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} يقول: إذا سكرتم لم تذكروا الله ولم تصلوا، وإن صليتم خلط عليكم كما فعل بعلي، وروي: بعبدالرحمن كما تقدم في {النساء}. وقال عبيدالله بن عمر: سئل القاسم بن محمد عن الشطرنج أهي ميسر؟ وعن النرد أهو ميسر؟ فقال: كل ما صد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر. قال أبو عبيد: تأول قوله تعالى: {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} .
السادسة عشرة- قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} لما علم عمر رضي الله عنه أن هذا وعيد شديد زائد على معنى انتهوا قال: انتهينا. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن ينادي في سكك المدينة، ألا إن الخمر قد حرمت؛ فكسرت الدنان، وأريقت الخمر حتى جرت في سكاك المدينة.
(6/292)
السابعة عشرة- قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} تأكيد للتحريم، وتشديد في الوعيد، وامتثال للأمر، وكف عن المنهي عنه، وحسن عطف {وَأَطِيعُوا اللَّهَ} لما كان في الكلام المتقدم معنى انتهوا. وكرر {وَأَطِيعُوا} في ذكر الرسول تأكيدا. ثم حذر في مخالفة الأمر، وتوعد من تولى بعذاب الآخرة؛ فقال: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ} أي خالفتم {فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} في تحريم ما أمر بتحريمه وعلى المرسل أن يعاقب أو يثيب بحسب ما يُعصى أو يُطاع.
93- {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
فيه تسع مسائل:
الأولى- قال ابن عباس والبراء بن عازب وأنس بن مالك إنه لما نزل تحريم الخمر قال قوم من الصحابة: كيف بمن مات منا وهو يشربها ويأكل الميسر؟ - ونحو هذا - فنزلت الآية. روى البخاري عن أنس قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة فنزل تحريم الحمر، فأمر مناديا ينادي، فقال أبو طلحة: اخرج فانظر ما هذا الصوت قال: فخرجت فقلت: هذا مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرمت؛ فقال: اذهب فاهرقها - وكان الخمر من الفضيخ - قال: فجرت في سكك المدينة؛ فقال بعض القوم: قتل قوم وهي في بطونهم فأنزل الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية.
الثانية- هذه الآية وهذا الحديث نظير سؤالهم عمن مات إلى القبلة الأولى فنزلت {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} ومن فعل ما أبيح له حتى مات على فعله لم يكن له ولا عليه
(6/293)
شيء؛ لا إثم ولا مؤاخذة ولا ذم ولا أجر ولا مدح؛ لأن المباح مستوي الطرفين بالنسبة إلى الشرع؛ وعلى هذا فما كان ينبغي أن يتخوف ولا يسأل عن حال من مات والخمر في بطنه وقت إباحتها، فإما أن يكون ذلك القائل غفل عن دليل الإباحة فلم يخطر له، أو يكون لغلبة خوفه من الله تعالى، وشفقته على إخوانه المؤمنين توهم مؤاخذة ومعاقبة لأجل شرب الخمر المتقدم؛ فرفع الله ذلك التوهم بقوله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية.
الثالثة- هذا الحديث في نزول الآية فيه دليل واضح على أن نبيذ التمر إذا أسكر خمر؛ وهو نص ولا يجوز الاعتراض عليه؛ لأن الصحابة رحمهم الله هم أهل اللسان، وقد عقلوا أن شرابهم ذلك خمر إذ لم يكن لهم شراب ذلك الوقت بالمدينة غيره؛ وقد قال الحكمي:
لنا خمر وليست خمر كرم ... ولكن من نتاج الباسقات
كرام في السماء ذهبن طولا ... وفات ثمارها أيدي الجناة
ومن الدليل الواضح على ذلك ما رواه النسائي: أخبرنا القاسم بن زكريا، أخبرنا عبيدالله عن شيبان عن الأعمش عن محارب بن دثار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الزبيب والتمر هو الخمر" وثبت بالنقل الصحيح أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه - وحسبك به عالما باللسان والشرع - خطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس؛ ألا إنه قد نزل تحريم الخمر يوم نزل، وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير؛ والخمر ما خامر العقل" . وهذا أبين ما يكون في معنى الخمر؛ يخطب به عمر بالمدينة على المنبر بمحضر جماعة الصحابة، وهم أهل اللسان ولم يفهموا من الخمر إلا ما ذكرناه. وإذا ثبت هذا بطل مذهب أبي حنيفة والكوفيين القائلين بأن الخمر لا تكون إلا من العنب، وما كان من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناوله اسم الخمر، وإنما يسمى نبيذا؛ وقال الشاعر:
تركت النبيذ لأهل النبيذ ... وصرت حليفا لمن عابه
شراب يدنس عرض الفتى ... ويفتح للشر أبوابه
(6/294)
الرابعة- قال الإمام أبو عبدالله المازري: ذهب جمهور العلماء من السلف وغيرهم إلى أن كل ما يسكر نوعه حرم شربه، قليلا كان أو كثيرا، نيئا كان أو مطبوخا، ولا فرق بين المستخرج من العنب أو غيره، وأن من شرب شيئا من ذلك حُدّ؛ فأما المستخرج من العنب المسكر النيئ فهو الذي انعقد الإجماع على تحريم قليله وكثيره ولو نقطة منه. وأما ما عدا ذلك فالجمهور على تحريمه. وخالف الكوفيون في القليل مما عدا ما ذكر، وهو الذي لا يبلغ الإسكار؛ وفي المطبوخ المستخرج من العنب؛ فذهب قوم من أهل البصرة إلى قصر التحريم على عصير العنب، ونقيع الزبيب النيئ؛ فأما المطبوخ منهما، والنيئ والمطبوخ مما سواهما فحلال ما لم يقع الإسكار. وذهب أبو حنيفة إلى قصر التحريم على المعتصر من ثمرات النخيل والأعناب على تفصيل؛ فيرى أن سلافة العنب يحرم قليلها وكثيرها إلا أن تطبخ حتى ينقص ثلثاها، وأما نقيع الزبيب والتمر فيحل مطبوخهما وإن مسته النار مسا قليلا من غير اعتبار بحد؛ وأما النيئ منه فحرام، ولكنه مع تحريمه إياه لا يوجب الحد فيه؛ وهذا كله ما لم يقع الإسكار، فإن وقع الإسكار استوى الجميع. قال شيخنا الفقيه الإمام أبو العباس أحمد رضي الله عنه: العجب من المخالفين في هذه المسألة؛ فإنهم قالوا: إن القليل من الخمر المعتصر من العنب حرام ككثيره، وهو مجمع عليه؛ فإذا قيل لهم: فلم حرم القليل من الخمر وليس مذهبا للعقل؟ فلا بد أن يقال: لأنه داعية إلى الكثير، أو للتعبد؛ فحينئذ يقال لهم: كل ما قدرتموه في قليل الخمر هو بعينه موجود في قليل النبيذ فيحرم أيضا، إذ لا فارق بينهما إلا مجرد الاسم إذا سلم ذلك. وهذا القياس هو أرفع أنواع القياس؛ لأن الفرع فيه مساو للأصل في جميع أوصافه؛ وهذا كما يقول في قياس الأمة على العبد في سراية العتق. ثم العجب، من أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله! فإنهم يتوغلون في القياس ويرجحونه على أخبار الآحاد، ومع ذلك فقد تركوا هذا القياس الجلي المعضود بالكتاب والسنة وإجماع صدور الأمة، لأحاديث لا يصح شيء منها على ما قد بين عللها المحدثون في كتبهم، وليس في الصحيح شيء منها. وسيأتي في سورة {النحل} تمام هذه المسألة إن شاء الله تعالى.
(6/295)
الخامسة- قوله تعالى: {طَعِمُوا} أصل هذه اللفظة في الأكل؛ يقال: طعم الطعام وشرب الشراب، لكن قد تجوز في ذلك فيقال: لم أطعم خبزا ولا ماء ولا نوما؛ قال الشاعر:
نعاما بوجرة صعر الخدود ... لا تطعم النوم إلا صياما
وقد تقدم القول في {البقرة} في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} بما فيه الكفاية.
السادسة- قال ابن خويز منداد: تضمنت هذه الآية تناول المباح والشهوات، والانتفاع بكل لذيذ من مطعم ومشرب ومنكح وإن بولغ فيه وتنوهي في ثمنه. وهذه الآية نظير قوله تعالى: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} ونظير قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} السابعة- قوله تعالى: {إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فيه أربعة أقوال: الأول: أنه ليس في ذكر التقوى تكرار؛ والمعنى اتقوا شربها، وآمنوا بتحريمها؛ والمعنى الثاني دام اتقاؤهم وإيمانهم؛ والثالث على معنى الإحسان إلى الاتقاء. والثاني: اتقوا قبل التحريم في غيرها من المحرمات، ثم اتقوا بعد تحريمها شربها، ثم اتقوا فيما بقي من أعمالهم، وأحسنوا العمل. الثالث: اتقوا الشرك وآمنوا بالله ورسوله، والمعنى الثاني ثم اتقوا الكبائر، وازدادوا إيمانا، ومعنى الثالث ثم اتقوا الصغائر وأحسنوا أي تنفلوا. وقال محمد بن جرير: الاتقاء الأول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول، والتصديق والدينونة به والعمل، والاتقاء الثاني، الاتقاء بالثبات على التصديق، والثالث الاتقاء بالإحسان، والتقرب بالنوافل.
(6/296)
الثامنة- قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} دليل على أن المتقي المحسن أفضل من المتقي المؤمن الذي عمل الصالحات؛ فضله بأجر الإحسان
التاسعة- قد تأول هذه الآية قدامة بن مظعون الجمحي من الصحابة رضى الله عنهم، وهو ممن هاجر إلى أرض الحبشة مع أخويه عثمان وعبدالله، ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وعُمِّر. وكان ختن عمر بن الخطاب، خال عبدالله وحفصة، وولاه عمر بن الخطاب على البحرين، ثم عزله بشهادة الجارود - سيد عبدالقيس - عليه بشرب الخمر. روى الدارقطني قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد المصري، حدثنا يحيى بن أيوب العلاف، حدثني سعيد بن عفير، حدثني يحيى بن فليح بن سليمان، قال: حدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس: أن الشُرّاب كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي، رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي، ثم كان عمر من بعده يجلدهم كذلك أربعين حتى أتي برجل من المهاجرين الأولين وقد شرب فأمر به أن يجلد؛ قال: ليم تجلدني؟ بيني وبينك كتاب الله! فقال عمر: وفي أي كتاب الله تجد ألا أجلدك؟ فقال له: إن الله تعالى يقول في كتابه: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية. فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا؛ شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها؛ فقال عمر: ألا تردون عليه ما يقول؛ فقال ابن عباس: إن هؤلاء الآيات أنزلت عذرا لمن غبر وحجة على الناس؛ لأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الآية؛ ثم قرأ حتى أنفذ الآية الأخرى؛ فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، الآية؛ فإن الله قد نهاه أن يشرب الخمر؛ فقال عمر: صدقت ماذا ترون؟ فقال علي رضي الله عنه: إنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى، وإذا
(6/297)
هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون جلدة؛ فأمر به عمر فجلد ثمانين جلدة.
وذكر الحميدي عن أبي بكر البرقاني عن ابن عباس قال: لما قدم الجارود من البحرين قال: يا أمير المؤمنين إن قدامة بن مظعون قد شرب مسكرا، وإني إذا رأيت حقا من حقوق الله حق علي أن أرفعه إليك؛ فقال عمر: من يشهد على ما تقول؟ فقال: أبو هريرة؛ فدعا عمر أبا هريرة فقال: علام تشهد يا أبا هريرة؟ فقال: لم أره حين شرب، ورأيته سكران يقيء، فقال عمر: لقد تنطعت في الشهادة؛ ثم كتب عمر إلى قدامة وهو بالبحرين يأمره بالقدوم عليه، فلما قدم قدامة والجارود بالمدينة كلم الجارود عمر؛ فقال: أقم على هذا كتاب الله؛ فقال عمر للجارود: أشهيد أنت أم خصم؟ فقال الجارود: أنا شهيد؛ قال: قد كنت أديت الشهادة؛ ثم قال لعمر: إني أنشدك الله! فقال عمر: أما والله لتملكن لسانك أو لأسوءنك؛ فقال الجارود: أما والله ما ذلك بالحق، أن يشرب ابن عمك وتسوءني! فأوعده عمر؛ فقال أبو هريرة وهو جالس: يا أمير المؤمنين إن كنت في شك من شهادتنا فسل بنت الوليد امرأة ابن مظعون، فأرسل عمر إلى هند ينشدها بالله، فأقامت هند على زوجها الشهادة؛ فقال عمر: يا قدامة إني جالدك؛ فقال قدامة: والله لو شربت - كما يقولون - ما كان لك أن تجلدني يا عمر. قال: ولم يا قدامة؟ قال: لأن الله سبحانه يقول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية إلى {الْمُحْسِنِينَ} . فقال عمر: أخطأت التأويل يا قدامة؛ إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله، ثم أقبل عمر على القوم فقال: ما ترون في جلد قدامة؟ فقال القوم: لا نرى أن تجلده ما دام وجعا؛ فسكت عمر عن جلده ثم أصبح يوما فقال لأصحابه: ما ترون في جلد قدامة؟ فقال القوم: لا نرى أن تجلده ما دام وجعا، فقال عمر: إنه والله لأن يلقى الله تحت السوط، أحب إلي أن ألقى الله وهو في عنقي! والله لأجلدنه؛ ائتوني بسوط، فجاءه مولاه أسلم بسوط رقيق صغير، فأخذه عمر فمسحه بيده ثم قال لأسلم: أخذتك دقرارة أهلك؛ ائتوني بسوط غير هذا. قال: فجاءه أسلم بسوط تام؛ فأمر عمر بقدامة فجلد؛
(6/298)
فغاضب قدامة عمر وهجره؛ فحجا وقدامة مهاجر لعمر حتى قفلوا عن حجهم ونزل عمر بالسقيا ونام بها فلما استيقظ عمر قال: عجلوا علي بقدامة، انطلقوا فأتوني به، فوالله لأرى في النوم أنه جاءني آت فقال: سالم قدامة فإنه أخوك، فلما جاؤوا قدامة أبى أن يأتيه، فأمر عمر بقدامة أن يجر إليه جرا حتى كلمه عمر واستغفر له، فكان أول صلحهما. قال أيوب بن أبي تميمة: لم يحد أحد من أهل بدر في الخمر غيره. قال ابن العربي: فهذا يدلك على تأويل الآية، وما ذكر فيه عن ابن عباس من حديث الدارقطني، وعمر في حديث البرقاني وهو صحيح؛ وبسطه أنه لو كان من شرب الخمر واتقى الله في غيره ما حد على الخمر أحد، فكان هذا من أفسد تأويل؛ وقد خفي على قدامة؛ وعرفه من وفقه الله كعمر وابن عباس رضي الله عنهما؛ قال الشاعر:
وإن حراما لا أرى الدهر باكيا ... على شجوه إلا بكيت على عمر
وروي عن علي رضي الله عنه أن قوما شربوا بالشام وقالوا: هي لنا حلال وتأولوا هذه الآية، فأجمع علي وعمر على أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا قتلوا؛ ذكره الكيا الطبري.
94- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
فيه ثمان مسائل:
الأولى- قوله تعالى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ} أي ليختبرنكم، والابتلاء الاختبار. وكان الصيد أحد معايش العرب العاربة، وشائعا عند الجميع منهم، مستعملا جدا، فابتلاهم الله فيه مع الإحرام والحرم، كما ابتلى بني إسرائيل في ألا يعتدوا في السبت. وقيل: إنها نزلت عام الحديبية؛ أحرم بعض الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحرم بعضهم، فكان إذا عرض
(6/299)
صيد اختلف فيه أحوالهم وأفعالهم، واشتبهت أحكامه عليهم، فأنزل الله هذه الآية بيانا لأحكام أحوالهم وأفعالهم، ومحظورات حجهم وعمرتهم.
الثانية- اختلف العلماء من المخاطب بهذه الآية على قولين: أحدهما: أنهم المحلون؛ قاله مالك. الثاني: أنهم المحرمون قال ابن عباس؛ وتعلق بقوله تعالى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ} فإن تكليف الامتناع الذي يتحقق به الابتلاء هو مع الإحرام. قال ابن العربي: وهذا لا يلزم؛ فإن التكليف يتحقق في المحل بما شرط له من أمور الصيد، وما شرع له من وصفه في كيفية الاصطياد. والصحيح أن الخطاب في الآية لجميع الناس مُحلِهم ومُحرِمهم؛ لقوله تعالى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ} أي: ليكلفنكم، والتكليف كله ابتلاء وإن تفاضل في الكثرة والقلة، وتباين في الضعف والشدة.
الثالثة- قوله تعالى: {بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} يريد ببعض الصيد، فمن للتبعيض، وهو صيد البر خاصة؛ ولم يعم الصيد كله لأن للبحر صيدا، قال الطبري وغيره. وأراد بالصيد المصيد؛ لقوله: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ} .
الرابعة- قوله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} بيان لحكم صغار الصيد وكباره.
وقرأ ابن وثاب والنخعي: {ينَالُهُ} بالياء منقوطة من تحت. قال مجاهد: الأيدي تنال الفراخ والبيض وما لا يستطيع أن يفر، والرماح تنال كبار الصيد. وقال ابن وهب قال مالك قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} وكل شيء يناله الإنسان بيده أو برمحه أو بشيء من سلاحه فقتله فهو صيد كما قال الله تعالى.
الخامسة- خص الله تعالى الأيدي بالذكر لأنها عظم التصرف في الاصطياد؛ وفيها تدخل الجوارح والحبالات، وما عمل باليد من فخاخ وشباك؛ وخص الرماح بالذكر لأنها عظم ما يجرح به الصيد، وفيها يدخل السهم ونحوه؛ وقد مضى القول فيما يصاد به من الجوارح والسهام في أول السورة بما فيه الكفاية والحمد لله.
(6/300)
السادسة- ما وقع في الفخ والحبالة فلربها، فإن ألجأ الصيد إليها أحد ولولاها لم يتهيأ له أخذه فربها فيه شريكه. وما وقع في الجبح المنصوب في الجبل من ذباب النحل فهو كالحبالة والفخ، وحمام الأبرجة ترد على أربابها إن استطيع ذلك، وكذلك نحل الجباح؛ وقد روي عن مالك. وقال بعض أصحابه: إنه ليس على من حصل الحمام أو النحل عنده أن يرد. ولو ألجأت الكلاب صيدا فدخل في بيت أحد أو داره فهو للصائد مرسل الكلاب دون صاحب البيت، ولو دخل في البيت من غير اضطرار الكلاب له فهو لرب البيت.
السابعة- احتج بعض الناس على أن الصيد للآخذ لا للمثير بهذه الآية؛ لأن المثير لم تنل يده ولا رمحه بعدُ شيئا، وهو قول أبي حنيفة.
الثامنة- كره مالك صيد أهل الكتاب ولم يحرمه، لقوله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} يعني أهل الإيمان، لقوله تعالى في صدر الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فخرج عنهم أهل الكتاب. وخالفه جمهور أهل العلم، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وهو عندهم مثل ذبائحهم. وأجاب علماؤنا بأن الآية إنما تضمنت أكل طعامهم، والصيد باب آخر فلا يدخل في عموم الطعام، ولا يتناوله مطلق لفظه.
قلت: هذا بناء على أن الصيد ليس مشروعا عندهم فلا يكون من طعامهم، فيسقط عنا هذا الإلزام؛ فأما إن كان مشروعا عندهم في دينهم فيلزمنا أكله لتناول اللفظ له، فإنه من طعامهم. والله أعلم.
95- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}
(6/301)
فيه ثلاثون مسألة:
الأولى- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} هذا خطاب عام لكل مسلم ذكر وأنثى، وهذا النهي هو الابتلاء المذكور في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} الآية. وروي أن أبا اليسر واسمه عمرو بن مالك الأنصاري كان محرما عام الحديبية بعمرة فقتل حمار وحش فنزلت فيه {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} .
الثانية- قوله تعالى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} القتل هو كل فعل يميت الروح، وهو أنواع: منها النحر والذبح والخنق والرضخ وشبهه؛ فحرم الله تعالى على المحرم في الصيد كل فعل يكون مقيتا للروح.
الثالثة- من قتل صيدا أو ذبحه فأكل منه فعليه جزاء واحد لقتله دون أكله؛ وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: عليه جزاء ما أكل؛ يعني قيمته، وخالفه صاحباه فقالا: لا شيء عليه سوى الاستغفار؛ لأنه تناول الميتة كما لو تناول ميتة أخرى؛ ولهذا لو أكلها محرم آخر لا يلزمه إلا الاستغفار. وحجة أبي حنيفة أنه تناول محظور إحرامه؛ لأن قتله كان من محظورات الإحرام، ومعلوم أن المقصود من القتل هو التناول، فإذا كان ما يتوصل به إلى المقصود - محظور إحرامه - موجبا عليه الجزاء فما هو المقصود كان أولى.
الرابعة- لا يجوز عندنا ذبح المحرم للصيد، لنهي الله سبحانه المحرم عن قتله؛ وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: ذبح المحرم للصيد ذكاة؛ وتعلق بأنه ذبح صدر من أهله وهو المسلم، مضاف إلى محله وهو الأنعام؛ فأفاد مقصوده من حل الأكل؛ أصله ذبح الحلال. قلنا: قولكم ذبح صدر من أهله فالمحرم ليس بأهل لذبح الصيد؛ إذ الأهلية لا تستفاد
(6/302)
عقلا، وإنما يفيدها الشرع؛ وذلك بإذنه في الذبح، أو بنفيها وذلك بنهيه عن الذبح، والمحرم منهي عن ذبح الصيد؛ لقوله: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} فقد انتفت الأهلية بالنهي. وقولكم أفاد مقصوده فقد اتفقنا على أن المحرم إذا ذبح الصيد لا يحل له أكله، وإنما يأكل منه غيره عندكم؛ فإذا كان الذبح لا يفيد الحل للذابح فأولى وأحرى ألا يفيده لغيره، لأن الفرع تبع للأصل في أحكامه؛ فلا يصح أن يثبت له ما لا يثبت لأصله.
الخامسة- قوله تعالى: {الصَّيْدَ} مصدر عومل معاملة الأسماء، فأوقع على الحيوان المصيد؛ ولفظ الصيد هنا عام في كل صيد بري وبحري حتى جاء قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} فأباح صيد البحر إباحة مطلقة؛ على ما يأتي بيانه في الآية بعد هذا إن شاء الله تعالى.
السادسة- اختلف العلماء في خروج السباع من صيد البر وتخصيصها منه؛ فقال مالك: كل شيء لا يعدو من السباع مثل الهر والثعلب والضبع وما أشبهها فلا يقتله المحرم، وإن قتله فداه. قال: وصغار الذئاب لا أرى أن يقتلها المحرم، فإن قتلها فداها؛ وهي مثل فراخ الغربان. ولا بأس بقتل كل ما عدا على الناس في الأغلب؛ مثل الأسد والذئب والنمر والفهد؛ وكذلك لا بأس عليه بقتل الحيات والعقارب والفأرة والغراب والحدأة. قال إسماعيل: إنما ذلك لقوله عليه السلام: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم" الحديث؛ فسماهن فساقا؛ ووصفهن بأفعالهن؛ لأن الفاسق فاعل للفسق، والصغار لا فعل لهن، ووصف الكلب بالعقور وأولاده لا تعقر؛ فلا تدخل في هذا النعت. قال القاضي إسماعيل: الكلب العقور مما يعظم ضرره على الناس. قال: ومن ذلك الحية والعقرب؛ لأنه يخاف منهما، وكذلك الحدأة والغراب؛ لأنهما يخطفان اللحم من أيدي الناس. قال ابن بكير: إنما أذن في قتل العقرب لأنها ذات حمة؛ وفي الفأرة لقرضها السقاء والحذاء اللذين بهما قوام المسافر. وفي الغراب
(6/303)
لوقوعه على الظهر ونقبه عن لحومها؛ وقد روي عن مالك أنه قال: لا يقتل الغراب ولا الحدأة إلا أن يضرا. قال القاضي إسماعيل: واختلف في الزنبور؛ فشبهه بعضهم بالحية والعقرب، قال: ولولا أن الزنبور لا يبتدئ لكان أغلظ على الناس من الحية والعقرب، ولكنه ليس في طبعه من العداء ما في الحية والعقرب، وإنما يحمي الزنبور إذا أوذي. قال: فإذا عرض الزنبور لأحد فدفعه عن نفسه لم يكن عليه شيء في قتله؛ وثبت عن عمر بن الخطاب إباحة قتل الزنبور. وقال مالك: يطعم قاتله شيئا؛ وكذلك قال مالك فيمن قتل البرغوث والذباب والنمل ونحوه. وقال أصحاب الرأي: لا شيء على قاتل هذه كلها. وقال أبو حنيفة: لا يقتل المحرم من السباع إلا الكلب، العقور والذئب خاصة، سواء ابتدأه أو ابتدأهما؛ وإن قتل غيره من السباع فداه. قال: فإن ابتدأه غيرهما من السباع فقتله فلا شيء عليه؛ قال: ولا شيء عليه في قتل الحية والعقرب والغراب والحدأة، هذه جملة قول أبي حنيفة وأصحابه إلا زفر؛ وبه قال الأوزاعي والثوري والحسن؛ واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم خص دواب بأعيانها وأرخص للمحرم في قتلها من أجل ضررها؛ فلا وجه أن يزاد عليها إلا أن يجمعوا على شيء فيدخل في معناها.
قلت: العجب من أبي حنيفة رحمه الله يحمل التراب على البر بعلة الكيل، ولا يحمل السباع العادية على الكلب بعلة الفسق والعقر، كما فعل مالك والشافعي رحمهما الله! وقال زفر بن الهذيل: لا يقتل إلا الذئب وحده، ومن قتل غيره وهو محرم فعليه الفدية، سواء ابتدأه أو لم يبتدئه؛ لأنه عجماء فكان فعله هدرا؛ وهذا رد للحديث ومخالفة له. وقال الشافعي: كل ما لا يؤكل لحمه فللمحرم أن يقتله؛ وصغار ذلك وكباره سواء، إلا السّمْع وهو المتولد بين الذئب والضبع، قال: وليس في الرخمة والخنافس والقردان والحلم وما لا يؤكل لحمه شيء؛ لأن هذا ليس من الصيد، لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} فدل أن الصيد
(6/304)
الذي حرم عليهم ما كان لهم قبل الإحرام حلالا؛ حكى عنه هذه الجملة المزني والربيع؛ فإن قيل: فلم تفدى القملة وهي تؤذي ولا تؤكل؟ قيل له: ليس تفدى إلا على ما يفدى به الشعر والظفر ولبس ما ليس له لبسه؛ لأن في طرح القملة إماطة الأذى عن نفسه إذا كانت في رأسه ولحيته، فكأنه أماط بعض شعره؛ فأما إذا ظهرت فقتلت فإنها لا تؤذي. وقول أبي ثور في هذا الباب كقول الشافعي؛ قاله أبو عمر.
السابعة- روى الأئمة عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور" . اللفظ للبخاري؛ وبه قال أحمد وإسحاق. وفي كتاب مسلم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديا" . وبه قالت طائفة من أهل العلم قالوا: لا يقتل من الغربان إلا الأبقع خاصة؛ لأنه تقييد مطلق. وفي كتاب أبي داود عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ويرمي الغراب ولا يقتله" . وبه قال مجاهد. وجمهور العلماء على القول بحديث ابن عمر، والله أعلم. وعند أبي داود والترمذي: والسبع العادي؛ وهذا تنبيه على العلة.
الثامنة- قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} عام في النوعين من الرجال والنساء، الأحرار والعبيد؛ يقال: رجل حرام وامرأة حرام، وجمع ذلك حُرُم؛ كقولهم: قذال وقذل. وأحرم الرجل دخل في الحرم؛ كما يقال: أسهل دخل في السهل. وهذا اللفظ يتناول الزمان والمكان وحالة الإحرام بالاشتراك لا بالعموم. يقال: رجل حرام إذا دخل في الأشهر الحرم أو في الحرم، أو تلبس بالإحرام؛ إلا أن تحريم الزمان خرج بالإجماع عن أن يكون معتبرا، وبقي تحريم المكان وحالة الإحرام على أصل التكليف؛ قاله ابن العربي.
التاسعة- حرم المكان حرمان، حرم المدينة وحرم مكة وزاد الشافعي الطائف، فلا يجوز عنده قطع شجره، ولا صيد صيده، ومن فعل ذلك فلا جزاء عليه فأما حرم
(6/305)
المدينة فلا يجوز فيه الاصطياد لأحد ولا قطع الشجر كحرم مكة، فإن فعل أثم ولا جزاء عليه عند مالك والشافعي وأصحابهما. وقال ابن أبي ذئب: عليه الجزاء. وقال سعد: جزاؤه أخذ سلبه، وروي عن الشافعي. وقال أبو حنيفة: صيد المدينة غير مُحرّم، وكذلك قطع شجرها. واحتج له بعض من ذهب مذهبه بحديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من وجدتموه يصيد في حدود المدينة أو يقطع شجرها فخذوا سلبه" . وأخذ سعد سلب من فعل ذلك. قال: وقد اتفق الفقهاء على أنه لا يؤخذ سلب من صاد في المدينة، فدل ذلك على أنه منسوخ. واحتج لهم الطحاوي أيضا بحديث أنس - ما فعل النفير؛ فلم ينكر صيده وإمساكه - وهذا كله لا حجة فيه. أما الحديث الأول فليس بالقوي، ولو صح لم يكن في نسخ أحد السلب ما يسقط ما صح من تحريم المدينة، فكم من محرم ليس عليه عقوبة في الدنيا. وأما الحديث الثاني فيجوز أن يكون صيد في غير الحرم. وكذلك حديث عائشة؛ أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فإذا خرج لعب واشتد وأقبل وأدبر، فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم ربض، فلم يترمرم كراهية أن يؤذيه. ودليلنا عليهم ما رواه مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين لابتيها حرام" فقول أبي هريرة ما ذعرتها دليل على أنه لا يجوز ترويع الصيد في حرم المدينة، كما لا يجوز ترويعه في حرم مكة. وكذلك نزع زيد بن ثابت النهس - وهو طائر - من يد شرحبيل بن سعد كان صاده بالمدينة؛ دليل على أن الصحابة فهموا مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم صيد المدينة، فلم يجيزوا فيها الاصطياد ولا تملك ما يصطاد.
ومتعلق ابن أبي ذئب قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: "اللهم إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم المدينة مثل ما حرم به مكة ومثله معه لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها" ولأنه حرم منع الاصطياد فيه فتعلق الجزاء به كحرم مكة. قال القاضي عبدالوهاب: وهذا قول أقيس عندي
(6/306)
على أصولنا، لا سيما أن المدينة عند أصحابنا أفضل من مكة، وأن الصلاة فيها أفضل من الصلاة في المسجد الحرام. ومن حجة مالك والشافعي في ألا يحكم عليه بجزاء ولا أخذ سلب - في المشهور من قول الشافعي - عموم قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: "المدينة حرم ما بين عَيْر إلى ثَوْر فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا" فأرسل صلى الله عليه وسلم الوعيد الشديد ولم يذكر كفارة. وأما ما ذكر عن سعد فذلك مذهب له مخصوص به؛ لما روي عنه في الصحيح أنه ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد عبدا يقطع شجرا - أو يخبطه - فسلبه، فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم؛ فقال: معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يرد عليهم؛ فقوله: "نفلنيه" ظاهره الخصوص. والله أعلم.
العاشرة- قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً} ذكر الله سبحانه المتعمد ولم يذكر المخطئ والناسي؛ والمتعمد هنا هو القاصد للشيء مع العلم بالإحرام. والمخطئ هو الذي يقصد شيئا فيصيب صيدا، والناسي هو الذي يتعمد الصيد ولا يذكر إحرامه. واختلف العلماء في ذلك على خمسة أقوال:
الأول: ما أسنده الدارقطني عن ابن عباس قال: إنما التكفير في العمد، وإنما غلظوا في الخطأ لئلا يعودوا. الثاني: أن قوله: {مُتَعَمِّداً} خرج على الغالب، فألحق به النادر كأصول الشريعة. الثالث: أنه لا شيء على المخطئ والناسي؛ وبه قال الطبري وأحمد بن حنبل في إحدى روايتيه، وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير، وبه قال طاوس وأبو ثور، وهو قول داود. وتعلق أحمد بأن قال: لما خص الله سبحانه المتعمد بالذكر، دل عل أن غيره بخلافه. وزاد بأن قال: الأصل براءة الذمة فمن
(6/307)
ادعى شغلها فعليه الدليل. الرابع: أنه يحكم عليه في العمد والخطأ والنسيان؛ قاله ابن عباس، وروي عن عمر وطاوس والحسن وإبراهيم وإبراهيم، وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم. قال الزهري: وجب الجزاء في العمد بالقرآن، وفي الخطأ والنسيان بالسنة؛ قال ابن العربي: إن كان يريد بالسنة الآثار التي وردت عن ابن عباس وعمر فنعما هي، وما أحسنها أسوة. الخامس: أن يقتله متعمدا لقتله ناسيا لإحرامه - وهو قول مجاهد - لقوله تعالى بعد ذلك: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} . قال: ولو كان ذاكرا لإحرامه لوجبت عليه العقوبة لأول مرة، قال: فدل على أنه أراد متعمدا لقتله ناسيا لإحرامه؛ قال مجاهد: فإن كان ذاكرا لإحرامه فقد حل ولا حج له لارتكابه محظور إحرامه، فبطل عليه كما لو تكلم في الصلاة، أو أحدث فيها؛ قال: ومن أخطأ فذلك الذي يجزئه. ودليلنا على مجاهد أن الله سبحانه أوجب الجزاء ولم يذكر الفساد، ولا فرق بين أن يكون ذاكرا للإحرام أو ناسيا له، ولا يصح اعتبار الحج بالصلاة فإنهما مختلفان؛ وقد روي عنه أنه لا حكم عليه في قتله متعمدا، ويستغفر الله، وحجه تام؛ وبه قال ابن زيد. ودليلنا على داود أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الضبع فقال: "هي صيد" وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشا، ولم يقل عمدا ولا خطأ. وقال ابن بكير من علمائنا: قول سبحانه: {مُتَعَمِّداً} لم يرد به التجاوز عن الخطأ، وإنما أراد {مُتَعَمِّداً} ليبين أنه ليس كابن آدم الذي لم يجعل في قتله متعمدا كفارة، وأن الصيد فيه كفارة، ولم يرد به إسقاط الجزاء في قتل الخطأ. والله أعلم.
الحادية عشرة- فإن قتله في إحرامه مرة بعد مرة حكم عليه كلما قتله في قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم؛ لقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فالنهي دائم مستمر عليه ما دام محرما فمتى قتله فالجزاء لأجل ذلك لازم له. وروي عن ابن عباس قال: لا يحكم عليه مرتين في الإسلام، ولا يحكم عليه إلا مرة واحدة، فإن عاد ثانية فلا يحكم عليه، ويقال له: ينتقم الله منك؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} . وبه قال الحسن وإبراهيم ومجاهد
(6/308)
وشريح. ودليلنا عليهم ما ذكرناه من تمادي التحريم في الإحرام، وتوجُهُ الخطاب عليه في دين الإسلام.
الثانية عشرة- قوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فيه أربعة قراءات؛ {فَجَزَاءٌ مِثْلُ} برفع جزاء وتنوينه، و {مِثْلُ} على الصفة، والخبر مضمر، التقدير فعليه جزاء مماثل واجب أو لازم من النعم. وهذه القراءة تقتضي أن يكون المثل هو الجزاء بعينه. و {فَجَزَاءُ} بالرفع غير منون و {مِثْلُ} بالإضافة أي فعليه جزاء مثل ما قتل، و {مِثْلُ} مقحمة كقولك أنا أكرم مثلك، وأنت تقصد أنا أكرمك. ونظير هذا قوله تعالى: {أو من كان ميتا أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} التقدير كمن هو في الظلمات؛ وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أي ليس كهو شيء. وهذه القراءة تقتضي أن يكون الجزاء غير المثل؛ إذ الشيء لا يضاف إلى نفسه. وقال أبو علي: إنما يجب عليه جزاء المقتول، لا جزاء مثل المقتول، والإضافة توجب جزاء المثل لا جزاء المقتول. وهو قول الشافعي على ما يأتي. وقوله: {مِنَ النَّعَمِ} صفة لجزاء على القراءتين جميعا. وقرأ الحسن {مِنَ النَّعْمِ} بإسكان العين وهي لغة. وقرأ عبدالرحمن {فَجَزَاءٌ} بالرفع والتنوين {مِثْلَ} النصب؛ قال أبو الفتح: {مِثْلَ} منصوبة بنفس الجزاء؛ والمعنى أن يجزى مثل ما قتل. وقرأ ابن مسعود والأعمش "فجزاؤه مثل" بإظهار {هاء}؛ ويحتمل أن يعود على الصيد أو على الصائد القاتل.
الثالثة عشرة- الجزاء إنما يجب بقتل الصيد لا بنفس أخذه كما قال تعالى. وفي "المدونة": من اصطاد طائرا فنتف ريشه ثم حبسه حتى نسل ريشه فطار، قال: لا جزاء عليه. قال وكذلك لو قطع يد صيد أو رجله أو شيئا من أعضائه وسلمت نفسه وصح ولحق بالصيد فلا شيء عليه. وقيل: عليه من الجزاء بقدر ما نقصه. ولو ذهب ولم يدر ما فعل فعليه جزاؤه. ولو زمن الصيد ولم يلحق الصيد، أو تركه محوفا عليه فعليه جزاؤه كاملا.
(6/309)
الرابعة عشرة- ما يُجزَى من الصيد شيئان: دواب وطير؛ فيُجزَى ما كان من الدواب بنظيره في الخلقة والصورة، ففي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش وبقرة الوحش بقرة، وفي الظبي شاة؛ وبه قال الشافعي. وأقل ما يجزي عند مالك ما استيسر من الهدي وكان أضحية؛ وذلك كالجذع من الضأن والثني مما سواه، وما لم يبلغ جزاؤه ذلك ففيه إطعام أو صيام. وفي الحمام كله قيمته إلا حمام مكة؛ فإن في الحمامة منه شاة اتباعا للسلف في ذلك. والدبسي والفواخت والقمري وذوات الأطواق كله حمام. وحكى ابن عبدالحكم عن مالك أن في حمام مكة وفراخها شاة؛ قال: وكذلك حمام الحرم؛ قال: وفي حمام الحل حكومة. وقال أبو حنيفة: إنما يعتبر المثل في القيمة دون الخلقة، فيقوم الصيد دراهم في المكان الذي قتله فيه، أو في أقرب موضع إليه إن كان لا يباع الصيد في موضع قتله؛ فيشتري بتلك القيمة هديا إن شاء، أو يشتري بها طعاما ويطعم المساكين كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر. وأما الشافعي فإنه يرى المثل من النعم ثم يقوم المثل كما في المتلفات يقوم المثل، وتؤخذ قيمة المثل كقيمة الشيء؛ فإن المثل هو الأصل في الوجوب؛ وهذا بين وعليه تخرج قراءة الإضافة {فَجَزَاءٌ مِثْلُ}. احتج أبو حنيفة فقال: لو كان الشبه من طريق الخلقة معتبرا، في النعامة بدنة، وفي الحمار بقرة، وفي الظبي شاة، لما أوقفه على عدلين يحكمان به؛ لأن ذلك قد علم فلا يحتاج إلى الارتياء والنظر؛ وإنما يفتقر إلى العدول والنظر ما تشكل الحال فيه، ويضطرب وجه النظر عليه. ودليلنا عليه قول الله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} الآية. فالمثل يقتضي بظاهرة المثل الخلقي الصوري دون المعنى، ثم قال: {مِنَ النَّعَمِ} فبين جنس المثل؛ ثم قال: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} وهذا ضمير راجع إلى مثل من النعم؛ لأنه لم يتقدم ذكر لسواه يرجع الضمير عليه؛ ثم قال: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} والذي يتصور فيه الهدي مثل المقتول من النعم، فأما القيمة فلا يتصور أن تكون هديا، ولا جرى لها ذكر في نفس الآية؛ فصح ما ذكرناه. والحمد لله. وقولهم: لو كان الشبه معتبرا لما أوقفه على عدلين؛ فالجواب أن اعتبار العدلين إنما وجب للنظر في حال الصيد من صغر وكبر، وما لا جنس له مما له جنس، وإلحاق ما لم يقع عليه نص بما وقع عليه النص.
(6/310)
الخامسة عشرة- من أحرم من مكة فأغلق باب بيته على فراخ حمام فماتت فعليه في كل فرخ شاة. قال مالك: وفي صغار الصيد مثل ما في كباره؛ وهو قول عطاء. ولا يفدى عند مالك شيء بعناق ولا جفرة؛ قال مالك: وذلك مثل الدية؛ الصغير والكبير فيها سواء. وفي الضب عنده واليربوع قيمتهما طعاما. ومن أهل المدينة من يخالفه في صغار الصيد، وفي اعتبار الجذع والثني، ويقول بقول عمر: في الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة؛ رواه مالك موقوفا. وروى أبو الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الضبع إذا أصابه المحرم كبش وفي الظبي شاة وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة" قال: والجفرة التي قد ارتعت. وفي طريق آخر قلت لأبي الزبير: وما الجفرة؟ قال: التي قد فطمت ورعت. خرجه الدارقطني. وقال الشافعي: في النعامة بدنة، وفي فرخها فصيل، وفي حمار الوحش بقرة، وفي سخله عجل؛ لأن الله تعالى حكم بالمثلية في الخلقة، والصغر والكبر متفاوتان فيجب اعتبار الصغير فيه والكبير كسائر المتلفات. قال ابن العربي: وهذا صحيح وهو اختيار علمائنا؛ قالوا: ولو كان الصيد أعور أو أعرج أو كسيرا لكان المثل على صفته لتتحقق المثلية، فلا يلزم المتلف فوق ما أتلف. ودليلنا قوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} ولم يفصل بين صغير وكبير. وقوله: {هَدْياً} يقتضي ما يتناوله اسم الهدي لحق الإطلاق. وذلك يقتضي الهدي التام. والله أعلم.
السادسة عشرة- في بيض النعامة عشر ثمن البدنة عند مالك. وفي بيض الحمامة المكية عنده عشر ثمن الشاة. قال ابن القاسم: وسواء كان فيها فرخ أو لم يكن ما لم يستهل الفرخ بعد الكسر؛ فان استهل فعليه الجزاء كاملا كجزاء الكبير من ذلك الطير. قال ابن المواز: بحكومة عدلين. وأكثر العلماء يرون في بيض كل طائر القيمة. روى عكرمة عن ابن عباس عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بيض نعام أصابه محرم بقدر ثمنه؛ خرجه الدارقطني. وروي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في كل بيضة نعام صيام يوم أو إطعام مسكين" .
(6/311)
السابعة عشرة- وأما ما لا مثل له كالعصافير والفيلة فقيمة لحمه أو عدله من الطعام، دون ما يراد له من الأغراض؛ لأن المراعى فيما له مثل وجوب مثله، فإن عدم المثل فالقيمة قائمة مقامه كالغصب وغيره. ولأن الناس قائلان - أي على مذهبين - معتبر للقيمة في جميع الصيد؛ ومقتصر بها على ما لا مثل له من النعم؛ فقد تضمن ذلك الإجماع على اعتبار القيمة فيما لا مثل له. وأما الفيل فقيل: فيه بدنة من الهجان العظام التي لها سنامان؛ وهي بيض خراسانية، فإذا لم يوجد شيء من هذه الإبل فينظر إلى قيمته طعاما، فيكون عليه ذلك، والعمل فيه أن يجعل الفيل في مركب، وينظر إلى منتهى ما ينزل المركب في الماء، ثم يخرج الفيل ويجعل في المركب طعام حتى ينزل إلى الحد الذي نزل والفيل فيه، وهذا عدله من الطعام. وأما أن ينظر إلى قيمته فهو يكون له ثمن عظيم لأجل عظامه وأنيابه فيكثر الطعام وذلك ضرر.
الثامنة عشرة- قوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} روى مالك عن عبدالملك بن قريب عن محمد بن سيرين أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية، فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فماذا ترى؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه: تعال حتى أحكم أنا وأنت؛ فحكما عليه بعنز؛ فولى الرجل وهو يقول: هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي حتى دعا رجلا يحكم معه، فسمع عمر بن الخطاب قول الرجل فدعاه فسأله، هل تقرأ سورة {المائدة}؟ فقال: لا؛ قال: هل تعرف الرجل الذي حكم معي؟ فقال: لا، فقال عمر رضي الله عنه: لو أخبرتني أنك تقرأ سورة {المائدة} لأوجعتك ضربا، ثم قال: إن الله سبحانه يقول في كتابه: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} وهذا عبدالرحمن بن عوف.
التاسعة عشرة- إذا اتفق الحَكَمان لزم الحكم؛ وبه قال الحسن والشافعي. وإن اختلفا نظر في غيرهما. وقال محمد بن المواز: لا يأخذ بأرفع من قوليهما؛ لأنه عمل بغير تحكيم. وكذلك
(6/312)
لا ينتقل عن المثل الخلقي إذا حكما به إلى الطعام؛ لأنه أمر قد لزم؛ قال ابن شعبان. وقال ابن القاسم: إن أمرهما أن يحكما بالجزاء من المثل ففعلا، فأراد أن ينتقل إلى الطعام جاز. وقال ابن وهب رحمه الله في "العتبية": من السنة أن يخير الحكمان من أصاب الصيد، كما خيره الله في أن يخرج {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} فإن اختار الهدي حكما عليه بما يريانه نظيرا لما أصاب ما بينهما وبين أن يكون عدل ذلك شاة لأنها أدنى الهدي؛ وما لم يبلغ شاة حكما فيه بالطعام ثم خير في أن يطعمه، أو يصوم مكان كل مد يوما؛ وكذلك قال مالك في "المدونة"
الموفية عشرين- ويستأنف الحكم في كل ما مضت فيه حكومة أو لم تمض، ولو اجتزأ بحكومة الصحابة رضي الله عنهم فيما حكموا به من جزاء الصيد كان حسنا. وقد روي عن مالك أنه ما عدا حمام مكة وحمار الوحش والظبي والنعامة لا بد فيه من الحكومة، ويجتزأ في هذه الأربعة بحكومة من مضى من السلف رضي الله عنهم.
الحادية والعشرون- لا يجوز أن يكون الجاني أحد الحكمين، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي في أحد قوليه: يكون الجاني أحد الحكمين؛ وهذا تسامح منه؛ فإن ظاهر الآية يقتضي جانيا وحكمين فحذف بعض العدد إسقاط للظاهر، وإفساد للمعنى؛ لأن حكم المرء لنفسه لا يجوز، ولو كان ذلك جائزا لاستغنى بنفسه عن غيره؛ لأنه حكم بينه وبين الله تعالى فزيادة ثان إليه دليل على استئناف الحكم برجلين.
الثانية والعشرون- إذا اشترك جماعة محرمون في قتل صيد فقال مالك وأبو حنيفة: على كل واحد جزاء كامل. وقال الشافعي: عليهم كلهم كفارة واحدة لقضاء عمر وعبدالرحمن. وروى الدارقطني أن موالي لابن الزبير أحرموا إذ مرت بهم ضبع فحذفوها بعصيهم فأصابوها، فوقع في أنفسهم، فأتوا ابن عمر فذكروا له فقال: عليكم كلكم كبش؛ قالوا: أو على كل واحد منا كبش؛ قال: إنكم لمعزز بكم، عليكم كلكم كبش. قال اللغويون: لمعزز بكم أي لمشدد
(6/313)
عليكم. وروي عن ابن عباس في قوم أصابوا ضبعا قال: عليهم كبش يتخارجونه بينهم. ودليلنا قول الله سبحانه: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} وهذا خطاب لكل قاتل. وكل واحد من القاتلين للصيد قاتل نفسا على التمام والكمال، بدليل قتل الجماعة بالواحد، ولولا ذلك ما وجب عليهم القصاص، وقد قلنا بوجوبه إجماعا منا ومنهم؛ فثبت ما قلناه.
الثالثة والعشرون- قال أبو حنيفة: إذا قتل جماعة صيدا في الحرم وكلهم محلون، عليهم جزاء واحد، بخلاف ما لو قتله المحرمون في الحل والحرم؛ فإن ذلك لا يختلف. وقال مالك: على كل واحد منهم جزاء كامل، بناء على أن الرجل يكون محرما بدخوله الحرم، كما يكون محرما بتلبيته بالإحرام، وكل واحد من الفعلين قد أكسبه صفة تعلق بها نهي، فهو هاتك لها في الحالتين.وحجة أبي حنيفة ما ذكره القاضي أبو زيد الدبوسي قال: السر فيه أن الجناية في الإحرام على العبادة، وقد ارتكب كل واحد منهم محظور إحرامه. وإذا قتل المحلون "صيدا" في الحرم فإنما أتلفوا دابة محرمة بمنزلة ما لو أتلف جماعة دابة؛ فإن كل واحد منهم قاتل دابة، ويشتركون في القيمة. قال ابن العربي: وأبو حنيفة أقوى منا، وهذا الدليل يستهين به علماؤنا وهو عسير الانفصال علينا.
الرابعة والعشرون- قوله تعالى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} المعنى أنهما إذا حكما بالهدي فإنه يفعل به ما يفعل بالهدي من الإشعار والتقليد، ويرسل من الحل إلى مكة، وينحر ويتصدق به فيها؛ لقوله: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} ولم يرد الكعبة بعينها فإن الهدي لا يبلغها، إذ هي في المسجد، وإنما أراد الحرم ولا خلاف في هذا. وقال الشافعي: لا يحتاج الهدي إلى الحل بناء على أن الصغير من الهدي يجب في الصغير من الصيد، فإنه يبتاع في الحرم ويهدى فيه.
(6/314)
الخامسة والعشرون- قوله تعالى: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} الكفارة إنما هي عن الصيد لا عن الهدي. قال ابن وهب قال مالك: أحسن ما سمعت في الذي يقتل الصيد فيحكم عليه فيه، أنه يقوم الصيد الذي أصاب، فينظركم ثمنه من الطعام، فيطعم لكل مسكين مدا، أو يصوم مكان كل مد يوما. وقال ابن القاسم عنه: إن قوم الصيد دراهم ثم قومها طعاما أجزأه؛ والصواب الأول. وقال عبدالله بن عبدالحكم مثله قال عنه: وهو في هذه الثلاثة بالخيار؛ أي ذلك فعل أجزأه موسرا كان أو معسرا. وبه قال عطاء وجمهور الفقهاء؛ لأن {أَوْ} للتخيير قال مالك: كل شيء في كتاب الله في الكفارات كذا أو كذا فصاحبه مخير في ذلك أي ذلك أحب أن يفعل فعل. وروي عن ابن عباس أنه قال: إذا قتل المحرم ظبيا أو نحوه فعليه شاة تذبح بمكة؛ فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين، فإن لم يجد فعليه صيام ثلاثة أيام؛ وإن قتل إيلا أو نحوه فعليه بقرة، فإن لم يجد أطعم عشرين مسكينا، فإن لم يجد صام عشرين يوما؛ وإن قتل نعامة أو حمارا فعليه بدنة، فإن لم يجد فإطعام ثلاثين مسكينا، فإن لم يجد فصيام ثلاثين يوما. والطعام مد مد لشبعهم. وقال إبراهيم النخعي وحماد بن سلمة، قالوا: والمعنى {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ} إن لم يجد الهدي. وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال: إذا أصاب المحرم الصيد حكم عليه بجزائه، فإن وجد جزاءه ذبحه وتصدق به، وإن لم يكن عنده جزاؤه قوم جزاؤه بدراهم، ثم قومت الدراهم حنطة، ثم صام مكان كل نصف صاع يوما؛ وقال: إنما أريد بالطعام تبيين أمر الصيام، فمن لم يجد طعاما، فإنه يجد جزاءه. وأسنده أيضا عن السدي. ويعترض هذا القول بظاهر الآية فإنه ينافره.
السادسة والعشرون- اختلف العلماء في الوقت الذي يعتبر فيه المتلف؛ فقال قوم: يوم الإتلاف. وقال آخرون: يوم القضاء. وقال آخرون: يلزم المتلف أكثر القيمتين، من يوم الإتلاف إلى يوم الحكم. قال ابن العربي: واختلف علماؤنا كاختلافهم، والصحيح أنه تلزمه القيمة يوم الإتلاف؛ والدليل على ذلك أن الوجود كان حقا للمتلف عليه، فإذا أعدمه المتلف لزمه إيجاده بمثله، وذلك في وقت العدم.
(6/315)
السابعة والعشرون- أما الهدي فلا خلاف أنه لا بد له من مكة؛ لقوله تعالى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} . وأما الإطعام فاختلف فيه قول مالك هل يكون بمكة أو بموضع الإصابة؛ وإلى كونه بمكة ذهب الشافعي. وقال عطاء: ما كان من دم أو طعام فبمكة ويصوم حيث يشاء؛ وهو قول مالك في الصوم، ولا خلاف فيه. قال القاضي أبو محمد عبدالوهاب: ولا يجوز إخراج شيء من جزاء الصيد بغير الحرم إلا الصيام. وقال حماد وأبو حنيفة: يكفر بموضع الإصابة مطلقا. وقال الطبري: يكفر حيث شاء مطلقا، فأما قول أبي حنيفة فلا وجه له في النظر، ولا أثر فيه. وأما من قال يصوم حيث شاء؛ فلأن الصوم عبادة تختص بالصائم فتكون في كل موضع كصيام سائر الكفارات وغيرها. وأما وجه القول بأن الطعام يكون بمكة؛ فلأنه بدل عن الهدي أو نظير له، والهدي حق لمساكين مكة، فلذلك يكون بمكة بدله أو نظيره. وأما من قاله إنه يكون بكل موضع؛ فاعتبار بكل طعام وفدية، فإنها تجوز بكل موضع. والله أعلم.
الثامنة والعشرون- قوله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} العدل والعدل بفتح العين وكسرها لغتان وهما المثل؛ قاله الكسائي. وقاله الفراء: عدل الشيء بكسر العين مثله من جنسه، وبفتح العين مثله من غير جنسه، ويؤثر هذا القول عن الكسائي، تقول: عندي عدل دراهمك من الدراهم، وعندي عدل دراهمك من الثياب؛ والصحيح عن الكسائي أنهما لغتان، وهو قول البصريين. ولا يصح أن يماثل الصيام الطعام في وجه أقرب من العدد قال مالك: يصوم عن كل مد يوما، وإن زاد على شهرين أو ثلاثة؛ وبه قاله الشافعي. وقال يحيى بن عمر من أصحابنا: إنما يقال كم من رجل يشبع من هذا الصيد فيعرف العدد، ثم يقال: كم من الطعام يشبع هذا العدد؛ فإن شاء أخرج ذلك الطعام، وإن شاء صام عدد أمداده. وهذا قول حسن احتاط فيه لأنه قد تكون قيمة الصيد من الطعام قليلة؛ فبهذا النظر يكثر الإطعام. ومن أهله العلم من لا يرى أن يتجاوز في صيام الجزاء شهرين؛ قالوا: لأنها أعلى الكفارات. واختاره ابن العربي. وقاله أبو حنيفة رحمه الله: يصوم عن كل مدين يوما اعتبارا بفدية الأذى.
(6/316)
التاسعة والعشرون- قوله تعالى: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} الذوق هنا مستعار كقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} وقال: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} وحقيقة الذوق إنما هي في حاسة اللسان، وهي في هذا كله مستعارة ومنه الحديث "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا" . الحديث والوبال سوء العاقبة. والمرعى الوبيل هو الذي يتأذى به بغد أكله. وطعام وبيله إذا كان ثقيلا؛ ومنه قوله:
عقيلة شيخ كالوبيل يلندد
وعبر بأمره عن جميع حاله.
الموفية ثلاثين- قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} بمعنى في جاهليتكم من قتلكم الصيد؛ قاله عطاء بن أبي رباح وجماعة معه. وقيل: قبل نزول الكفارة. {وَمَنْ عَادَ} يعني للمنهي {فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} أي بالكفارة. وقيل: المعنى {فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} يعني في الآخرة إن كان مستحلا؛ ويكفر في ظاهر الحكم. وقال شريح وسعيد بن جبير: يحكم عليه في أول مرة، فإذا عاد لم يحكم عليه، وقيله له: اذهب ينتقم الله منك، أي ذنبك أعظم من أن يكفر، كما أن اليمين الفاجرة لا كفارة لها عند أكثر أهله العلم لعظم إثمها. والمتورعون يتقون النقمة بالتكفير. وقد روي عن ابن عباس: يملأ ظهره سوطا حتى يموت وروي عن زيد بن أبي المعلى: أن رجلا أصاب صيدا وهو محرم فتجوز عنه، ثم عاد فأنزل الله عز وجل نارا من السماء فأحرقته؛ وهذه عبرة للأمة وكف للمعتدين عن المعصية.
قوله تعالى: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} {عَزِيزٌ} أي منيع في ملكه، ولا يمتنع عليه ما يريده. {ذُو انْتِقَامٍ} ممن عصاه إن شاء.
=======

المائدة - تفسير الطبري
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)
القول في تأويل قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) }
قال أبو جعفر: وهذا بيانٌ من الله تعالى ذكره للذين حرَّموا على أنفسهم النساءَ والنومَ واللحمَ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، تشبُّهَا منهم بالقسيسين والرهبان، فأنزل الله فيهم على نبيِّه صلى الله عليه وسلم كتابَه يَنْهاهم عن ذلك فقال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ )، [سورة المائدة: 87].
(10/563)
فنهاهم بذلك عن تحريم ما أحلّ الله لهم من الطيبات. ثم قال: ولا تعتدوا أيضًا في حدودي، فتحلُّوا ما حرَّمت عليكم، فإن ذلك لكم غير جائز، كما غيرُ جائزٍ لكم تحريم ما حلّلت، وإنيّ لا أحبُّ المعتدين. ثم أخبرهم عن الذي حرّم عليهم مما إذا استحلوه وتقدَّموا عليه، كانوا من المعتدين في حدوده = فقال لهم: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، إن الخمر التي تشربونها، والميسِرَ الذي تَتَياسرونه، والأنصاب التي تذبحُون عندها، والأزلام التي تستقسمون بها ="رجْس"، يقول: إثم ونَتْنٌ سَخِطه الله وكرهه لكم ="من عمل الشيطان"، يقول: شربكم الخمر، وقماركم على الجُزُر، وذبحكم للأنصاب، واستقسامكم بالأزلام، من تزيين الشيطانِ لكم، ودعائه إياكم إليه، وتحسينه لكم، لا من الأعمال التي ندبكم إليها ربُّكم، ولا مما يرضاه لكم، بل هو مما يسخطه لكم ="فاجتنبوه"، يقول: فاتركوه وارفضوه ولا تعملوه (1) ="لعلكم تفلحون"، يقول: لكي تنجَحُوا فتدركوا الفلاحَ عند ربكم بترككم ذلك. (2)
* * *
وقد بينا معنى"الخمر"، و"الميسر"، و"الأزلام" فيما مضى، فكرهنا إعادته. (3)
* * *
وأما"الأنصاب"، فإنها جمع"نُصُب"، وقد بينا معنى"النُّصُب" بشواهده فيما مضى. (4)
* * *
__________
(1) انظر تفسير"الفلاح" فيما سلف 10 : 292 ، تعليق: 3. والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير"اجتنب" فيما سلف 8 : 233 ، وهي هناك غير مفسرة ، ثم 8 : 340.
(3) انظر تفسير"الخمر" فيما سلف 4 : 320 ، 321.
= وتفسير"الميسر" فيما سلف 4 : 321 ، 322 - 325.
= وتفسير"الأزلام" فيما سلف 9 : 510 - 515.
(4) انظر تفسير"النصب" 9 : 507 - 509.
(10/564)
إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)
وروي عن ابن عباس في معنى"الرجس" في هذا الموضع، ما:-
12510 - حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"رجس من عمل الشيطان"، يقول: سَخَطٌ.
* * *
وقال ابن زيد في ذلك، ما:-
12511 - حدثني به يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"رجس من عمل الشيطان"، قال:"الرجس"، الشرُّ.
* * *
القول في تأويل قوله : { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنما يُريد لكم الشيطانُ شربَ الخمر والمياسرةَ بالقِدَاح، ويحسِّن ذلك لكم، إرادةً منه أن يوقع بينكم العَداوَة والبغضاءَ في شربكم الخمر ومياسرتكم بالقداح، (1) ليعادي بعضكم بعضًا، ويبغِّض بعضَكم إلى بعض، فيشتِّت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان، وجمعه بينكم بأخوّة الإسلام ="ويصدّكم عن ذكر الله"، يقول: ويصرفكم بغلبة هذه الخمر بسكرها إياكم عليكم، (2) وباشتغالكم بهذا الميسر، عن ذكر الله الذي به صلاح دنياكم وآخرتكم ="وعن الصلاة"، التي فرضها عليكم ربكم ="فهل أنتم منتهون"،
__________
(1) انظر تفسير"البغضاء" فيما سلف 7: 145/10: 136.
(2) انظر تفسير"الصد" فيما سلف 9: 489 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(10/565)
يقول: فهل أنتم منتهون عن شرب هذه، والمياسرة بهذا، (1) وعاملون بما أمركم به ربُّكم من أداء ما فرَض عليكم من الصلاة لأوقاتها، ولزوم ذكره الذي به نُجْح طلباتكم في عاجل دنياكم وآخرتكم؟.
* * *
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية.
فقال بعضهم: نزلت بسبب كان من عمر بن الخطاب، وهو أنه ذكر مكروهَ عاقبة شربها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأل الله تحر يمَها. (2)
ذكر من قال ذلك:
12512 - حدثنا هناد بن السريّ، قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال، قال عمر: اللهمّ بيِّنْ لنا في الخمر بيانًا شافيًا! قال: فنزلت الآية التي في"البقرة":( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) ، [سورة البقرة: 219]. قال: فدُعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا! فنزلت الآية التي في"النساء":( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) [سورة النساء: 43]. قال: وكان مُنَادِي النبي صلى الله عليه وسلم يُنادي إذا حضرت الصلاة: لا يقربنّ الصلاة السكران! قال: فدُعِي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا! قال: فنزلت الآية التي في"المائدة":"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ" إلى قوله:"فهل أنتم منتهون". فلما انتهى إلى قوله:"فهل أنتم منتهون" قال عمر: انتهينا انتهينا !! (3)
__________
(1) انظر تفسير"الانتهاء" فيما سلف 482 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
(2) انظر ما سلف في تحريم الخمر 4: 330-336/8: 376 ، 377.
(3) الأثر: 12512 -"أبو ميسرة" هو: "عمرو بن شرحبيل الهمداني" ، سمع عمر ، وعبد الله بن مسعود ، وغيرهما من الصحابة. مضى برقم: 2839 ، 2840 ، 9228. وهذا الخبر رواه أبو جعفر من خمس طرق ، عن أبي إسحق ، عن أبي ميسرة.
ورواه أحمد في مسنده رقم: 378 من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحق ، بمثله ، وأبو داود في سننه 3 : 444 رقم: 3670 ، بمثله ، وفيه: "بيانًا شفاء". والنسائي في سننه 8 : 286 ، 287 ، بمثله. والترمذي في سننه في كتاب التفسير من طريق محمد بن يوسف ، عن إسرائيل ، مرفوعًا ، ثم من طريق أبي كريب محمد بن العلاء ، عن وكيع. عن إسرائيل ، مرسلا. ولكن جاء هنا في رواية هناد بن السري ، عن وكيع ، مرفوعًا. وقال الترمذي بعد ذكر رواية أبي كريب: "وهذا أصح من حديث محمد بن يوسف" ، يعني أنه أصح مرسلا. وانظر ما سيأتي في باقي التخريج.
ورواه الحاكم في المستدرك 2 : 278 ، من طريق عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل بمثله ، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي.
ورواه البيهقي في السنن 8 : 285 ، من طريق عبيد الله بن موسى أيضًا ، ومن طريق إسمعيل بن جعفر ، عن إسرائيل ، بمثله.
ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 39 ، من طريق محمد بن يوسف ، عن إسرائيل ، (كطريق الترمذي) وفيه زيادة: "فإنها تذهب العقل والمال" ، الآتية في رقم: 12513 ، وليس في رواية الترمذي.
ورواه الواحدي في أسباب النزول: 154 ، من طريق أحمد بن حنبل ، عن خلف بن وليد ، عن إسرائيل ، بمثل ما في المسند.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 1 : 499 ، 500/ ثم 3 : 225 ، وقد صحح أخي السيد أحمد هذا الحديث في المسند رقم: 378 ، ثم قال: "وذكره ابن كثير في التفسير 1 : 499 ، 500/3: 226 وقال: هكذا رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، من طرق عن أبي إسحق. وكذا رواه ابن أبي حاتم ، وابن مردويه من طريق الثوري ، عن أبي إسحق ، عن أبي ميسرة ، واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي ، عن عمر ، وليس له عنه سواه. ولكن قال أبو زرعة: لم يسمع منه. والله أعلم. وقال علي بن المديني: "هذا إسناد صالح صحيح. وصححه الترمذي. وزاد ابن أبي حاتم بعد قوله: انتهينا - إنها تذهب المال وتذهب العقل".
قال أخي السيد أحمد: "وقول أبي زرعة أن أبا ميسرة لم يسمع من عمر ، لا أجد له وجهًا. فإن أبا ميسرة لم يذكر بتدليس ، وهو تابعي قديم مخضرم ، مات سنة 63. وفي طبقات ابن سعد 6 : 73 ، عن أبي إسحق قال: أوصى أبو ميسرة أخاه الأرقم: لا تؤذن بي أحدًا من الناس ، وليصل علي شريح قاضي المسلمين وإمامهم = وشريح الكندي ، استقضاه عمر على الكوفة ، وأقام على القضاء ستين سنة ، فأبو ميسرة أقدم منه".
أقول: ولم يذكر أحد غير أبي زرعة فيما بحثت ، أن أبا ميسرة لم يسمع من عمر ، بل كلهم ذكر سماعه من عمر.
(10/566)
12513 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، حدثنا أبى، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال، قال عمر: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فإنها تَذْهب بالعقل والمال! = ثم ذكر نحو حديث وكيع. (1)
__________
(1) الأثر: 12513 - هذه الزيادة: "فإنها تذهب العقل والمال" ، أشرت إليها في التعليق السالف في رواية أبي جعفر النحاس ، وذكرها ابن كثير ، من رواية ابن أبي حاتم.
(10/567)
12514 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال، قال عمر بن الخطاب: اللهم بيِّن لنا، فذكر نحوه.
12515 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبيه = وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطاب، مثله.
12516 - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير، قال، حدثنا زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطاب، مثله. (1)
12517 - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثني أبو معشر المدني، عن محمد بن قيس، قال: لما قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أتاه الناس وقد كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسِر، فسألوه عن ذلك، فأنزل الله تعالى:( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمها أكبر من نفعهما ) [سورة البقرة: 219]، فقالوا: هذا شيء قد جاء فيه رخْصة، نأكل الميسر ونشرَب الخمر، ونستغفر من ذلك!. حتى أتى رجلٌ صلاةَ المغرب، فجعل يقرأ:( قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ) [سورة الكافرون]. فجعل لا يجوز ذلك، (2)
ولا يدري ما يقرأ، فأنزل الله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ) [سورة النساء: 43]. فكان الناس يشربون الخمرَ، حتى يجيء وقت الصلاة فيدعون شربها، فيأتون الصلاة وهم يعلمون ما يقولون. فلم يزالوا كذلك حتى أنزل الله تعالى ذكره:"إنما
__________
(1) الآثار : 12514 - 12516 - انظر التخريج في رقم: 12512.
(2) في المطبوعة ، والدر المنثور: "لا يجود ذلك" (بتشديد الواو المكسورة) ، وفي المخطوطة كما أثبته غير منقوطة ، وهو الصواب إن شاء الله.
(10/568)
الخمر والميسر والأنصاب والأزلام" إلى قوله:"فهل أنتم منتهون"، فقالوا: انتهينا يا رب ! (1)
* * *
وقال آخرون: نزلت هذه الآية بسبب سعد بن أبي وقاص. وذلك أنه كان لاحَى رجلا على شراب لهما، فضربه صاحبه بلَحْيَىْ جمل، ففَزَر أنفه، فنزلت فيهما. (2)
ذكر الرواية بذلك:
12518 - حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه سعد أنه قال: صنع رجلٌ من الأنصار طعامًا، فَدَعانا. قال: فشربنا الخمرَ حتى انتشينا، فتفاخرت الأنصار وقريش، فقالت الأنصار: نحن أفضلُ منكم! قال: فأخذ رجل من الأنصار لَحْيَى جملٍ فضرب به أنف سعد ففَزَره، فكان سعد أفزَرَ الأنف. قال: فنزلت هذه الآية:"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر" إلى آخر الآية. (3)
__________
(1) الأثر: 15217 - ذكره السيوطي في الدر المنثور 2 : 318 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير.
(2) "لاحاه يلاحيه ملاحاة ولحاء": إذا نازعه وشاتمه = و"لحي الجمل" (بفتح اللام وسكون الحاء): وهما"لحيان": وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان من داخل الفم. يقال: لحي الجمل ، ولحي الإنسان ، وغيرهما. وكان في المطبوعة: "لحي" بالإفراد ، وأثبت ما في المخطوطة بالتثنية: "لحيي" = و"فزر الشيء": صدعه. و" فزر أنفه": شقه.
(3) الأثر: 12518 - رواه أبو جعفر بثلاثة أسانيد. كلها صحيح.
فرواه من هذه الطريق الأولى أحمد في مسنده رقم: 1567 ، 1614 ، مطولا. ورواه أبو داود الطيالسي ، عن شعبة في مسنده: 28 ، رقم: 208.
ورواه مسلم من طريق أبي جعفر هذه ، عن محمد بن المثنى نفسه (15 : 186 ، 187) وفيه"وكان أنف سعد مفزورًا" ، بخلاف رواية أبي جعفر"أفزر الأنف". ورواه مطولا بغير هذا اللفظ من طريق"الحسن بن موسى ، عن زهير ، عن سماك".
ورواه البيهقي في السنن 8 : 285 ، من طريق وهب بن جرير ، عن شعبة.
ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 40 ، من طريق زهير ، عن سماك.
ورواه الواحدي في أسباب النزول: 154.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 230 ، والسيوطي في الدر المنثور 2 : 315 ، وقصر في نسبته ، وزاد أيضًا نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.
وكان في المخطوطة: "صنع رجل من الأنصار فدعانا" ، أسقط"طعامًا" ، وهي ثابتة في المطبوعة ، وفي جميع روايات الخبر. ولذلك أثبتها.
وقوله: "فكان سعد أفرز الأنف" ، في جميع الروايات: "مفزور الأنف" ، أي مشقوقه ، كما سلف في التعليق: 2 ، ص569 ولم تقيد كتب اللغة: "أفزر الأنف" ، على"أفعل". وهذا مما يثبت صحته ، وهو جائز في العربية.
(10/569)
12519 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، قال حدثنا شعبة، عن سماك، عن مصعب بن سعد قال، قال سعد: شربتُ مع قوم من الأنصار، فضربت رجلا منهم = أظنّ بفكّ جمل = فكسرته، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فلم ألبث أن نزل تحريم الخمر:"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر"، إلى آخر الآية. (1)
12520 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: شربت الخمر مع قوم من الأنصار، فذكر نحوه. (2)
12521 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث، أن ابن شهاب أخبره، أن سالم بن عبد الله حدَّثه: أن أول ما حُرِّمت الخمر، أن سعد بن أبي وقاص وأصحابًا له شربوا فاقتتلوا، فكسروا أنف سعدٍ، فأنزل الله:"إنما الخمر والميسر"، الآية. (3)
* * *
__________
(1) الأثر: 12519 - في المطبوعة: "قال حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك" ، وهو خطأ لا شك فيه وكان في المخطوطة في آخر الصفحة: "قال حدثنا أبو الأحوص قال" ثم بدأ في الصفحة التالية: "عن سماك..." ، فنسى الناسخ في نسخة فأسقط"حدثنا شعبة" ، وبدأ: "عن سماك".
(2) الأثر: 12520 - هذا الأثر والذي قبلها طريقان أخريان للأثر رقم: 12518 ، انظر التخريج في التعليق عليه.
(3) الأثر: 12521 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 315 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير.
(10/570)
وقال آخرون: نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار.
ذكر من قال ذلك:
12522 - حدثنا الحسين بن علي الصدائي قال، حدثنا حجاج بن المنهال قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم عن جبر، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شرِبوا. حتى إذا ثملوا، عبث بعضهم على بعض. (1) فلما أن صَحوْا جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول: فعل بي هذا أخي فلان! = وكانوا إخوة، ليس في قلوبهم ضغائن = والله لو كان بي رءوفًا رحيمًا ما فعل بي هذا! حتى وقعت في قلوبهم ضغائن، (2) فأنزل الله:"إنما الخمر والميسر" إلى قوله:"فهل أنتم منتهون"! فقال ناس من المتكلِّفين: رجْسٌ في بطن فلانُ قتل يوم بدر، (3) وقتل فلان يوم أحُدٍ! فأنزل الله:( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ) [سورة المائدة: 93]، . الآية. (4)
__________
(1) في المطبوعة: "عبث بعضهم ببعض" ، وهكذا جاء في جمبع روايات الأثر ، فيما بين يدي من الكتب ، ولكنها في المخطوطة كما أثبتها ، وهي صحيحة إن شاء الله.
(2) في المطبوعة: "في قلوبهم الضغائن" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(3) في المطبوعة: "هي رجس ، وهي في بطن فلان" ، وهكذا في سائر المراجع ، وأثبت ما في المخطوطة ، وكأنه صواب أيضا.
(4) الأثر: 12522 -"ربيعة بن كلثوم بن جبر الديلي البصري" ، روى له مسلم والنسائي ، متكلم فيه ، وهو ثقة. مضى برقم: 6240. وكان في المطبوعة: "ربيعة بن كلثوم عن جبير ، عن أبيه" ، وهو خطأ. وفي المخطوطة"ربيعة بن كلثوم عن جبر ، عن أبيه" ، وهو خطأ أيضًا ، وإن كان فيها"جبر" على الصواب. وجاء في المستدرك خطأ"جبير" وهو خطأ يصحح. مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/266 ، ولم يذكر فيه جرحًا ، وابن أبي حاتم 1/2/477 ، 478 ، وثقه يحيى بن معين. وفيه عن علي بن المديني ، قال: "سمعت يحيى بن سعيد يقول ، قلت: "لربيعة بن كلثوم في حديث ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، هو: عن ابن عباس؟ قال: وهل كان يروي سعيد بن جبير إلا عن ابن عباس؟".
وأبوه"كلثوم بن جبر بن مؤمل الديلي" ، ثقة ، وثقه أحمد مضى برقم: 6240 ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4/1/227 ، وابن أبي حاتم 3/2/164.
وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن 8 : 285 ، 286 ، والحاكم في المستدرك 4 : 141 ، ولم يذكر فيه شيئًا ، ولكن قال الذهبي في تعليقه على المستدرك: "قلت: صحيح على شرط مسلم". وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 18 ، وقال: "رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح". ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 40 مختصرًا ، بغير إسناد.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 230 ، من رواية البيهقي في السنن ، وقال: "ورواه النسائي في التفسير ، عن محمد بن عبد الرحيم صاعقة ، عن حجاج بن منهال".
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 315. وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.
(10/571)
12523 - حدثنا محمد بن خلف قال، حدثنا سعيد بن محمد الجرمي، عن أبي تميلة، عن سلام مولى حفص بن أبي القاسم، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: بينما نحن قعود على شرابٍ لنا، [ونحن على رَمْلة، ونحن ثلاثة أو أربعة، وعندنا باطِيةٌ لنا]، ونحن نشرب الخمر حِلا إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه، وقد نزل تحريم الخمر:"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصابُ والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان"، إلى آخر الآيتين،"فهل أنتم منتهون"، فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله:"فهل أنتم منتهون"؟ قال: وبعض القوم شربته في يده، قد شرب بعضًا وبقي بعضٌ في الإناء، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجّام. ثم صبوا ما في باطيهتهم، فقالوا: انتهينا ربّنا! انتهينا ربَّنا! (1)
* * *
__________
(1) الأثر: 12523 -"محمد بن خلف بن عمار العسقلاني" ، شيخ الطبري ، مضى برقم: 126 ، 6534.
"سعيد بن محمد بن سعيد الجرمي". كوفي ثقة. روى عنه البخاري ومسلم. قال أبو زرعة: "ذاكرت عنه أحمد بأحاديث ، فعرفه" وقال: صدوق ، وكان يطلب معنا الحديث". مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/471 ، وابن أبي حاتم 2/1/59.
و"أبو تميلة" ، هو: "يحيى بن واضح الأنصاري" مضى مرارًا ، آخرها رقم: 9009.
و"سلام ، مولى حفص ، أبو القاسم الليثي" ، مروزي ، مترجم في الكبير 2/2/134 ، وابن أبي حاتم 2/1/262. وقال البخاري في الكبير: "سمع عبد الله بن بريدة ، عن أبيه: نزلت في تحريم الخمر" ، قاله سعيد الجرمي: سمع يحيى بن واضح ، سمع سلاما" ، إشارة إلى هذا الخبر. ولم يذكر البخاري فيه جرحًا. وقال المعلق على الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: "وفي الثقات: سلام الليثي ، والد أبي عبيد القاسم بن سلام". وكان في المطبوعة هنا: "مولى حفص بن أبي قيس" لا أدري كيف استحل لنفسه تغيير ما كان في المخطوطة صوابًا ، إلى خطأ لا ندري ما هو.
و"ابن بريدة" ، هو"عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي" قاضي مرو ، أخوه: "سليمان بريدة" ، كانا توأمين. روى عن أبيه ، وابن عباس ، وابن عمرو ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وغيرهم من الصحابة. تكلم فيه أحمد بن حنبل. قال الجوزجاني: "قلت لأبي عبد الله: سمع عبد الله من أبيه شيئًا؟ قال: ما أدري ، عامة ما يروى عن بريدة عنه. وضعف حديثه". ووثقه ابن معين وأبو حاتم. مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 13. وكان في المطبوعة"أبي بريدة" ، وهو خطأ محض ، صوابه في المخطوطة.
وأبوه"بريدة بن الحصيب الأسلمي" ، صحابي قديم الإسلام ، قبل بدر. استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه.
وهذا الخبر ذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 230 ، من رواية أبي جعفر ، وفيه"عن أبي بريدة" كخطأ المطبوعة. والسيوطي في الدر المنثور 2 : 315.
والزيادة التي بين القوسين من تفسير ابن كثير ، وهو لم ينقل هذا عن غير الطبري ، فلذلك زدتها ، والظاهر أنها سقطت من ناسخ نسختنا. وإن كان السيوطي قد ذكر الأثر بغير هذه الزيادة.
وقوله: "ونحن على رملة" ، يعني ، في رملة منبتة مريعة. و"الباطية": ناجود الخمر ، وهي إناء عظيم من زجاج ، تملأ من الشراب ، وتوضع بين الشرب يغرفون منها ويشربون. وقوله: "قال بالإناء" ، يعني: أماله ثم نزعه ، كفعل الحجام وهو ينزع كأس الحجامة.
(10/572)
وقال آخرون: إنما كانت العداوة والبغضاء، كانت تكون بين الذين نزلت فيهم هذه الآية بسبب الميسر، لا بسبب السُّكر الذي يحدث لهم من شرب الخمر. فلذلك نهاهم الله عن الميسر.
ذكر من قال ذلك:
12524 - حدثنا بشر قال، حدثنا جامع بن حماد قال، حدثنا يزيد بن زريع = قال بشر: وقد سمعته من يزيد وحدثنيه = قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الرجل في الجاهلية يقامِر على أهله وماله، فيقعد حَرِيبًا سليبًا ينظر إلى ماله في يَدَي غيره، (1) فكانت تُورِث بينهم عداوة وبغضاءَ، فنهى الله عن ذلك وقدَّم فيه. والله أعلم بالذي يصلح خلقه. (2)
* * *
__________
(1) في المطبوعة: "حزينًا سليبًا" ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت."حرب الرجل ماله ، فهو محروب وحريب": إذا أخذ حريبته ، وهو ماله الذي يعيش به ، وتركه بلا شيء.
(2) الأثر: 12524-"جامع بن حماد" ، انظر ما علقته على الأثر رقم: 12344.
واذكر أن هذا الأثر قد مضى قبل ، ولكن خفي علي مكانه.
(10/573)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92)
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال، إنّ الله تعالى قد سمَّى هذه الأشياء التي سمّاها في هذه الآية"رجسًا"، وأمر باجتنابها.
وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية، وجائز أن يكون نزولها كان بسبب دُعاء عمر رضى الله عنه في أمر الخمر = وجائز أن يكون ذلك كان بسبب ما نالَ سعدًا من الأنصاري عند انتِشائهما من الشراب = وجائز أن يكون كان من أجل ما كان يلحق أحدَهم عند ذهاب ماله بالقمار من عداوة من يَسَرَه وبغضِه، (1) وليس عندنا بأيِّ ذلك كان، خيرٌ قاطع للعذر. غير أنه أيّ ذلك كان، فقد لزم حكم الآية جميعَ أهل التكليف، وغيرُ ضائرهم الجهل بالسبب الذي له نزلت هذه الآية. فالخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان، فرضٌ على جميع من بلغته الآية من التكليفُ اجتنابُ جميع ذلك، كما قال تعالى:"فاجتنبوه لعلكم تفلحون".
* * *
القول في تأويل قوله : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه" ="وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول"، في اجتنابكم
__________
(1) "يسره" ، يعني: غلبه في الميسر ، وأخذ ماله. قال الزمخشري: "من المجاز: أسروه ، ويسروا ماله. وتياسرت الأهواء قلبه ، قال ذو الرمة: بِتَفْرِيقِ أَظْعَانٍ تيايَسَرْنَ قَلْبَهُ ... وَخَانَ العَصَا مِنْ عَاجِلِ البَيْنِ قَادِحُ
وهذا اللفظ كما استعمله أبو جعفر ، لم تقيده كتب اللغة ، ولكن مقالة الزمخشري دالة على صوابه ، كما قالوا من"القمار": "قمره".
(10/574)
ذلك، واتباعكم أمره فيما أمركم به من الانزجار عما زجَركم عنه من هذه المعانِي التي بيَّنها لكم في هذه الآية وغيرها، وخالِفوا الشيطان في أمره إيّاكم بمعصية الله في ذلك وفي غيره، فإنه إنما يبغي لكم العداوةَ والبغضاءَ بينكم بالخمر والميسر=
"واحذروا"، يقول: واتقوا الله وراقبوه أن يراكم عند ما نهاكم عنه من هذه الأمور التي حرّمها عليكم في هذه الآية وغيرها، أو يفقِدَكم عند ما أمركم به، فتُوبقوا أنفسكم وتهلكوها="فإن توليتم"، يقول: فإن أنتم لم تعملوا بما أمرناكم به، وتنتهوا عما نهيناكم عنه، ورجعتم مدبرين عما أنتم عليه من الإيمان والتصديق بالله وبرسوله، واتباع ما جاءكم به نبيكم (1) ="فاعملوا أنما على رسولنا البلاغُ المبين"، يقول: فاعلموا أنه ليس على من أرسلناه إليكم بالنِّذَارة غير إبلاغكم الرسالة التي أرسل بها إليكم، (2) مبينةً لكم بيانًا يُوضِّح لكم سبيل الحقّ، والطريقَ الذي أمرتم أن تسلكوه. (3) وأما العقاب على التولية والانتقام بالمعصية، فعلى المُرْسَل إليه دون الرسل.
وهذا من الله تعالى وعيد لمن تولَّى عن أمره ونهيه. يقول لهم تعالى ذكره: فإن توليتم عن أمري ونهيي، فتوقّعوا عقابي، واحذَرُوا سَخَطي.
* * *
__________
(1) انظر تفسير"التولي" فيما سلف: 393 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(2) "النذارة" (بكسر النون) قال صاحب القاموس: "النذير: الإنذار كالنذارة ، بالكسر. وهذه عن الإمام الشافعي رضي الله عنه". انظر رسالة الشافعي ص: 14 ، الفقرة: 35 ، وتعليق أخي السيد أحمد عليها.
(3) انظر تفسير"مبين" فيما سلف 9: 428 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(10/575)
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)
القول في تأويل قوله : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للقوم الذين قالوا= إذْ أنزل الله تحريم الخمر بقوله:"إنما الخمرُ والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه": كيفَ بمن هلك من إخواننا وهم يشربونها؟ وبنا وقد كنّا نشربها؟ = ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات منكم حرج فيما شربوا من ذلك، في الحال التي لم يكن الله تعالى حرَّمه عليهم (1) ="إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات"، يقول: إذا ما اتقى الله الأحياءُ منهم فخافوه، وراقبوه في اجتنابهم ما حرَّم عليهم منه، (2) وصدَّقوا الله ورسوله فيما أمراهم ونهياهم، فأطاعوهما في ذلك كله="وعملوا الصالحات"، يقول: واكتسبوا من الأعمال ما يرضاه الله في ذلك مما كلفهم بذلك ربُّهم (3) ="ثم اتقوا وآمنوا"، يقول: ثم خافوا الله وراقبوه باجتنابهم محارِمه بعد ذلك التكليف أيضًا، فثبتوا على اتقاء الله في ذلك والإيمان به، ولم يغيِّروا ولم يبدِّلوا="ثم اتقوا وأحسنوا"، يقول: ثم خافوا الله، فدعاهم خوفُهم الله إلى الإحسان، وذلك"الإحسان"، هو العمل بما لم يفرضه عليهم من الأعمال، ولكنه نوافلُ تقرَّبوا بها إلى رّبهم طلبَ رِضاه، وهربًا من عقابه (4) ="والله يحب المحسنين"، يقول: والله يحب المتقرِّبين إليه بنوافل الأعمال التي يرضاها.
__________
(1) انظر تفسير"الجناح" 9 : 268 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك= وتفسير"طعم" فيما سلف 5 : 342.
(2) انظر تفسير"اتقى" فيما سلف من فهارس اللغة (وقى).
(3) انظر تفسير"الصالحات" فيما سلف من فهارس اللغة (صلح).
(4) انظر تفسير"الإحسان" فيما سلف: 512 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(10/576)
فالاتقاء الأوّل: هو الاتقاء بتلقِّي أمر الله بالقَبُول والتصديق، والدينونة به والعمَل= والاتقاء الثاني: الاتقاء بالثبات على التصديق، وترك التبديل والتغيير= والاتقاء الثالث: هو الاتقاء بالإحسان، والتقرُّب بنوافل الأعمال.
* * *
فإن قال قائل: ما الدليل على أنّ"الاتقاء" الثالث، هو الاتقاء بالنوافل، دون أن يكون ذلك بالفرائضِ؟
قيل: إنه تعالى ذكره قد أخبر عن وضعه الجناح عن شاربي الخمر التي شربوها قبل تحريمه إيّاها، إذا هم اتقوا الله في شربها بعد تحريمِها، وصدّقوا الله ورسوله في تحريمها، وعملوا الصالحات من الفرائض. ولا وجه لتكرير ذلك وقد مضى ذكرُه في آيةٍ واحدة.
* * *
وبنحو الذي قلنا من أن هذه الآية نزلت فيما ذكرنا أنها نزلت فيه، جاءت الأخبار عن الصَّحابة والتابعين.
* ذكر من قال ذلك:
12525 - حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما نزل تحريم الخمر قالوا: يا رسول الله، فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟ فنزلت:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح"، الآية. (1)
__________
(1) الأثران: 12525 ، 12526- إسنادهما صحيح.
رواه أحمد في مسنده: 2088 ، 2452 ، 2691 مطولا ، 2775.
ورواه الترمذي في السنن (كتاب التفسير) ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
ورواه الحاكم في المستدرك 4 : 143 ، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي ، وقال: "صحيح".
وذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 233 ، من حديث أحمد في المسند.
وذكره السيوطي في الدر المنثور 2 : 320 ، وزاد نسبته إلى الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان.
(10/577)
12526 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله، عن إسرائيل بإسناده، نحوه.
12527- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثني عبد الكبير بن عبد المجيد قال، أخبرنا عباد بن راشد، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: بينَا أنا أدير الكأس على أبي طلحة، وأبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسهيل بن بيضاء، وأبي دجانة، حتى مالت رءوسهم من خَليط بُسْرٍ وتمر. (1) فسمعنا مناديًا ينادي: ألا إنّ الخمر قد حُرِّمت! قال: فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج، حتى أهرقنا الشراب، وكسرنا القِلال، (2) وتوضأ بعضنا، واغتسل بعضنا، فأصبْنَا من طِيب أمِّ سليم، ثم خرجنا إلى المسجد، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ:"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون"، إلى قوله:"فهل أنتم منتهون". فقال رجل: يا رسول الله، فما منزلةُ من مات منا وهو يشربها؟ فأنزل الله تعالى ذكره:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" الآية، فقال رجل لقتادة: سمعتَه من أنس بن مالك؟ قال: نعم! قال رجل لأنس بن مالك: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم! وحدّثني من لم يكذب، والله ما كنا نكذب، ولا ندري ما الكذب! (3)
__________
(1) "البسر" (بضم الباء وسكون السين): التمر قبل أن يرطب ، وهو ما لون منه ولم ينضج ، فإذا نضج فقد أرطب.
(2) "القلال" جمع"قلة" (بضم القاف): وهي الجرة الكبيرة.
(3) الأثر: 12527-"عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي البصري" ، ثقة. مضى برقم: 6822 ، 10317.
و"عباد بن راشد التميمي" ، قال أحمد: "ثقة صدوق" ، وضعفه يحيى بن معين ، وتركه يحيى القطان. روى له البخاري مقرونًا بغيره. ومضى برقم 11060.
و"أم سليم" المذكورة في الخبر ، هي: "أم سليم بنت ملحان الأنصارية" ، لها صحبة ، وهي والدة أنس بن مالك ، وزوج أبي طلحة الأنصاري ، خطبها أبو طلحة وهو مشرك ، فأبت عليه إلا أن يسلم ، فأسلم.
وذكر هذا الخبر ابن كثير في تفسيره 3 : 228 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير ، وكذلك السيوطي في الدر المنثور 2 : 320.
وخبر أنس هذا ، رواه البخاري من طريق أخرى بغير هذا اللفظ (الفتح 8 : 209). ومسلم في صحيحه بغير هذا اللفظ من طرق 13 : 148-151. والنسائي في السنن 8 : 287 ، 288.
(10/578)
12528 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لما حرمت الخمر قالوا: كيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟ فنزلت:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا"، الآية. (1)
12529- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال، قال البراء: مات ناسٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر، فلما نزل تحريمها، قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فنزلت هذه الآية:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات"، الآية. (2)
12530- حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا داود، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: نزلت:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات
__________
(1) الأثران: 12528 ، 12529- رواه أبو داود الطيالسي في مسنده: 97 ، رقم: 715 ، من طريق شعبة ، به.
ورواه الترمذي في السنن (كتاب التفسير) من طريق عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحق (طريق أبي جعفر رقم: 12528) ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح". ثم رواه من طريق: "محمد بن بشار ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة" (طريق أبي جعفر رقم: 12529) ، ثم قال: "هذا حديث حسن صحيح".
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 231 ، من مسند أبي داود الطيالسي.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 320 ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.
(2) الأثران: 12528 ، 12529- رواه أبو داود الطيالسي في مسنده: 97 ، رقم: 715 ، من طريق شعبة ، به.
ورواه الترمذي في السنن (كتاب التفسير) من طريق عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحق (طريق أبي جعفر رقم: 12528) ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح". ثم رواه من طريق: "محمد بن بشار ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة" (طريق أبي جعفر رقم: 12529) ، ثم قال: "هذا حديث حسن صحيح".
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 231 ، من مسند أبي داود الطيالسي.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 320 ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.
(10/579)
جناح فيما طعموا"، فيمن قُتِل ببدر وأحُدٍ مع محمد صلى الله عليه وسلم.
12531- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا خالد بن مخلد قال، حدثنا علي ابن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قيل لي: أنت منهم. (1)
12532 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا جامع بن حماد قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا"، إلى قوله:"والله يحب المحسنين"، لما أنزل الله تعالى ذكره تحريم الخمر في"سورة المائدة"، بعد"سورة الأحزاب"، (2) قال في ذلك
__________
(1) الأثر: 12531-"خالد بن مخلد القطواني" ثقة ، مضى برقم 2206 ، 4577 ، 8166 ، 8397.
و"علي بن مسهر القرشي" ، ثقة ، مضى برقم: 4453 ، 5777.
وهذا الخبر ، رواه مسلم في صحيحه (16 : 14) من طرق ، عن علي بن مسهر ، عن الأعمش ، بمثله.
ورواه الترمذي من طريق سفيان بن وكيع ، عن خالد بن مخلد ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
ورواه الحاكم في المستدرك 4 : 143 ، 144 ، من طريق سليمان بن قرم ، عن الأعمش ، بزيادة في لفظه ، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وإنما اتفقا على حديث شعبة ، عن أبي إسحق ، عن البراء ، مختصر هذا المعنى" ، ولم أجده حديث البراء في الصحيحين ، كما قال الحاكم. وأما الذهبي فلم يزد في تعليقه على المستدرك إلا أن قال: "صحيح". ولم أجد من نسب حديث البراء إلى الشيخين ، وهو الذي مضى برقم: 12528 ، 12529. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 18 ، بمثل لفظ الحاكم في المستدرك ، ثم قال: "في الصحيح بعضه ، رواه الطبراني ، ورجاله ثقات". وهذا هو الصحيح لا ما قال الحاكم.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 233 وقال: "رواه مسلم ، والترمذي ، والنسائي من طريقه".
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 321 ، في موضعين ، قال في مثل لفظ الحاكم: "أخرجه الطبراني ، وابن مردويه ، والحاكم وصححه". ثم رواه مختصرًا كرواية أبي جعفر ، ونسبه إلى مسلم ، والترمذي والنسائي ، وابن مردويه ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(2) قوله: "بعد سورة الأحزاب" ، كأنه يعني بعد نزول سورة الأحزاب ، وليس في سورة الأحزاب ذكر تحريم الخمر ، وكأنه عنى بذلك"بعد غزوة الأحزاب" ، وأخشى أن يكون قوله: "سورة الأحزاب" ، سهوا من الناسخ ، والصواب"غزوة الأحزاب" ، ولكن هكذا جاء في الدر المنثور أيضًا 2 : 321 ، ونسب الخبر ، لعبد بن حميد ، وابن جرير.
(10/580)
رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصيب فلانٌ يوم بدر، وفلانٌ يوم أحد، وهم يشربونها! فنحن نشهد أنهم من أهل الجنة! فأنزل الله تعالى ذكره:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين"، يقول: شربها القومُ على تقوى من الله وإحسانٍ، وهي لهم يومئذ حلال، ثم حرِّمت بعدهم، فلا جناح عليهم في ذلك.
12533- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا"، قالوا: يا رسول الله، ما نقول لإخواننا الذين مضوا؟ كانوا يشربون الخمر، ويأكلون الميسر! فأنزل الله:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا"، يعني قبل التحريم، إذا كانوا محسنين متقين= وقال مرة أخرى:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" من الحرام قبل أن يحرَّم عليهم="إذا ما اتقوا وأحسنوا"، بعد ما حُرِّم، وهو قوله:( فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ )، [سورة البقرة: 275].
12534- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا"، يعني بذلك رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماتوا وهم يشربون الخمر قبل أن تحرَّم الخمر، فلم يكن عليهم فيها جناح قبلَ أن تحرَّم. فلما حرِّمت قالوا: كيف تكون علينا حرامًا، وقد مات إخواننا وهم يشربونها؟ فأنزل الله تعالى ذكره:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا
(10/581)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)
ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات"، يقول: ليس عليهم حرج فيما كانوا يشربون قبل أن أحرِّمها، إذا كانوا محسنين متقين="والله يحب المحسنين".
12535 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا"، لمن كان يشرب الخمرَ ممن قتل مع محمد صلى الله عليه وسلم ببدرٍ وأحُدٍ.
12536 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح"، الآية، هذا في شأن الخمر حين حرِّمت، سألوا نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إخواننا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية.
* * *
القول في تأويل قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله="ليبلونّكم الله بشيء من الصيد"، يقول: ليختبرنكم الله (1) ="بشيء من الصيد"، يعني: ببعض الصيد.
وإنما أخبرهم تعالى ذكره أنه يبلوهم بشيء، لأنه لم يبلُهم بصيد البحر، وإنما ابتلاهم بصيد البرّ، فالابتلاء ببعض لا بجميع. (2)
* * *
__________
(1) انظر تفسير"بلا" فيما سلف: 389 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(2) في المطبوعة: "فالابتلاء ببعض لم يمتنع" ، وهو كلام فارغ من كل معنى. وفي المخطوطة: "فالابتلاء ببعض لا يخشع" ، أساء الناسخ ، الكتابة ، فأساء الناشر التصرف. وصواب العبارة ما أثبت ، لأن أبا جعفر أراد أن يقول إن قوله تعالى: "بشيء من الصيد" ، هو صيد البر خاصة ، دون صيد البحر ، ولم يعم الصيد جميعه بالتحريم. وهذا بين جدًا فيما سيأتي بعد في تفسير هذه الآيات. فصح ما أثبته من قراءة المخطوطة السيئة الكتابة.
(10/582)
وقوله:"تناله أيديكم"، فإنه يعني: إما باليد، كالبيض والفراخ= وإما بإصابة النَّبْل والرماح، وذلك كالحمر والبقر والظباء، فيمتحنكم به في حال إحرامكم بعمرتكم أو بحجّكم.
* * *
وبنحو ذلك قالت جماعة من أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
12537 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم"، قال:"أيديكم"، صغارُ الصَّيد، أخذ الفراخ والبيض= و"الرماح" قال: كبارُ الصيد.
12538 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن داود، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
12539- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"تناله أيديكم ورماحكم"، قال: النَّبْل="رماحكم"، تنال كبير الصيد، (1) ="وأيديكم"، تنال صغير الصيد، أخذ الفرخ والبيض.
12540 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن سفيان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد في قوله:"ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم"، قال: ما لا يستطيع أن يفرَّ من الصيد.
__________
(1) في المطبوعة: "قال: النبل ، ورماحكم تنال..." بزيادة "واو" للعطف ، والصواب ما في المخطوطة ، بحذف"الواو".
(10/583)
12541 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد. وعبد الرحمن قالا حدثنا سفيان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد، مثله.
12542 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"أيديكم ورماحكم"، قال: هو الضعيف من الصيد وصغيره، يبتلي الله تعالى ذكره به عباده في إحرامهم، حتى لو شاءوا نالوه بأيديهم. فنهاهم الله أن يقرَبوه.
12543 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان الثوري، عن حميد الأعرج، وليث، عن مجاهد في قوله:"يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم"، قال: الفراخ والبيض، وما لا يستطيع أن يفّر.
* * *
القول في تأويل قوله : { لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: ليختبرنكم الله، أيها المؤمنون، ببعض الصيد في حال إحرامكم، كي يعلم أهلَ طاعة الله والإيمان به، والمنتهين إلى حدوده وأمره ونهيه، (1) ومن الذي يخاف الله فيتقي ما نهاه عنه، (2) ويجتنبه خوف عقابه="بالغيب"، بمعنى: في الدنيا، بحيث لا يراه. (3) .
* * *
وقد بينا أن"الغيب"، إنما هو مصدر قول القائل:"غاب عنّى هذا الأمر
__________
(1) في المطبوعة: "والمنتهون إلى حدوده" ، وهو خطأ ، صوابه من المخطوطة.
(2) انظر تفسير"الخوف" فيما سلف من فهارس اللغة.
(3) يعني أبو جعفر ، بحيث لا يرى العقاب عيانًا في الدنيا ، كما يراه عيانًا في الآخرة.
(10/584)
فهو يغيب غَيْبًا وغَيْبَةً"، وأنّ ما لم يُعَاين، فإن العرب تسميه"غَيْبًا". (1)
* * *
فتأويل الكلام إذًا: ليعلم أولياء الله من يخافُ الله فيتقي محارمَه التي حرمها عليه من الصيد وغيره، بحيث لا يراه ولا يُعاينه.
* * *
وأما قوله:"فمن اعتدى بعد ذلك"، فإنه يعني: فمن تجاوز حدَّ الله الذي حدّه له، (2) بعد ابتلائه بتحريم الصيد عليه وهو حرام، فاستحلَّ ما حرَّم الله عليه منه بأخذِه وقتله="فله عذابٌ، من الله="أليم"، يعني: مؤلم موجع. (3)
* * *
__________
(1) انظر تفسير"الغيب" فيما سلف 1 : 236 ، 237 / 6 : 405.
(2) انظر تفسير"اعتدى" فيما سلف من فهارس اللغة (عدا).
(3) انظر تفسير"أليم" فيما سلف من فهارس اللغة (ألم).
(10/585)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)
القول في تأويل قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله="لا تقتلوا الصيد"، الذي بينت لكم، وهو صيد البر دون صيد البحر="وأنتم حرم"، يقول: وأنتم محرمون بحج أو عمرة.
* * *
و"الحرم"، جمع"حَرَام"، والذكر والأنثى فيه بلفظ واحد. تقول:"هذا رجل حرام" و"هذه امرأة حرَام". فإذا قيل:"محرم"، قيل للمرأة:"محرمة". و"الإحرام"، هو الدخول فيه، يقال:"أحرَم القوم"، إذا دخلوا في الشهر الحرام، أو في الحَرَم.
* * *
فتأويل الكلام: لا تقتلوا الصيدَ وأنتم محرمون بحجّ أو عمرة.
* * *
وقوله:"ومن قتله منكم متعمدًا"، فإن هذا إعلام من الله تعالى ذكره عبادَه حكمَ القاتل من المحرمين الصيدَ الذي نهاه عن قتله متعمدًا. (1)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في صفة"العَمْد" الذي أوجب الله على صاحبه به الكفارةَ والجزاء في قتله الصيد.
__________
(1) انظر تفسير"التعمد" فيما سلف 9: 57.
(10/7)
فقال بعضهم: هو العمد لقتل الصيد، مع نسيان قاتله إحرامَه في حال قتله. وقال: إن قتله وهو ذاكر إحرامه متعمدًا قتله، فلا حكم عليه، وأمره إلى الله.
قالوا: وهذا أجلُّ أمرًا من أن يحكم عليه، أو يكونَ له كفارة.
* ذكر من قال ذلك:
12544 - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"ومن قتله منكم متعمدًا فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم"، من قتله منكم ناسيًا لإحرامه، متعمدًا لقتله، فذلك الذي يحكم عليه. فإن قتله ذاكرًا لحُرْمه، (1) متعمدًا لقتله، لم يحكم عليه.
12545 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، في الذي يقتل الصيد متعمدًا وهو يعلم أنه محرم، ويتعمد قتله، (2) قال: لا يحكم عليه، ولا حج له. وقوله:"ومن قتله منكم متعمدًا"، قال: هو العمد المكفر، وفيه الكفارة والخطأ، أن يصيبَه وهو ناس لإحرامه، متعمدًا لقتله = أو يصيبه وهو يريد غيره. فذلك يحكم عليه مرة. (3)
12546 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدًا"، غير ناس لحُرْمه (4) ولا مريدٍ غيرَه، فقد حلّ، وليست له رخصة. ومن قتله ناسيًا، أو أراد غيره فأخطأ به، فذلك العمدُ المكفَّر.
12547 - حدثنا يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن ليث، عن مجاهد في قوله:"ومن قتله منكم متعمدًا"، قال: متعمدًا لقتله، ناسيًا لإحرامه.
__________
(1) في المخطوطة"ذاكرا" في آخر السطر وفي أوله: "الحرمه" وصواب قراءتها ما في المطبوعة. و"الحرم" (بضم الحاء وسكون الراء): الإحرام بالحج.
(2) في المطبوعة: "ومتعمد قتله" والصواب من المخطوطة.
(3) قوله: "مرة" يعني مرة واحدة فإن عاد لم يحكم عليه ، ومن عاد فينتقم الله منه.
(4) "الحرم" (بضم فسكون) مضى تفسيره في التعليق رقم: 1.
(10/8)
12548- حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا الفضيل بن عياض، عن ليث، عن مجاهد قال: العمد هو الخطأ المكفَّر.
12549 - حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثنا يونس بن محمد قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد قال، حدثنا ليث قال، قال مجاهد: قول الله:"ومن قتله منكم متعمدًا فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم"، قال: فالعمد الذي ذكر الله تعالى ذكره: أن يصيب الصيدَ وهو يريد غيره فيصيبه، فهذا العمد المكفَّر، فأما الذي يصيبه غيرَ ناس ولا مريد لغيره، فهذا لا يحكم عليه. هذا أجلُّ من أن يحكم عليه. (1)
12550- حدثنا ابن وكيع، ومحمد بن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الهيثم، عن الحكم، عن مجاهد: أنه قال في هذه الآية:"ومن قتله منكم متعمدًا"، قال: يقتله متعمدًا لقتله، ناسيًا لإحرامه.
12551- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي قال، حدثنا شعبة، عن الهيثم، عن الحكم، عن مجاهد، مثله.
12552 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، قال ابن جريج"ومن قتله منكم متعمدًا"، غير ناس لحُرْمه ولا مريدٍ غيرَه، فقد حلَّ، وليست له رخصة. ومن قتله ناسيًا لحرمه، أو أراد غيره فأخطأ به، فذلك العمد المكفَّر.
12553 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن الحسن:"ومن قتله منكم متعمدًا"، للصيد ، ناسيًا لإحرامه ="فمن اعتدى بعد ذلك"، متعمدًا للصيد يذكرُ إحرامه. (2)
12554 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا محمد بن أبي عدي قال، حدثنا إسماعيل بن مسلم قال: كان الحسن يفتي فيمن قتل الصيد متعمدًا ذاكرًا
__________
(1) الأثر: 12549-"يونس بن محمد بن مسلم البغدادي" الحافظ مضى برقم: 5090.
(2) الأثر: 12553-"سهل بن يوسف الأنماطي" مضى في مثل هذا الإسناد رقم: 10648.
(10/9)
لإحرامه: لم يحكم عليه = قال إسماعيل: وقال حماد، عن إبراهيم، مثل ذلك.
12555 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عفان بن مسلم قال، حدثنا حماد بن سلمة قال: أمرني جعفر بن أبي وحشية أن أسأل عمرو بن دينار عن هذه الآية:"ومن قتله منكم متعمدًا فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم"، الآية، فسألته، فقال: كان عطاء يقول: هو بالخيار، أيَّ ذلك شاء فعل، إن شاء أهدى، وإن شاء أطعم، وإن شاء صام. فأخبرت به جعفرًا وقلت: ما سمعت فيه؟ فتلكأ ساعة، ثم جعل يضحك ولا يخبرني، ثم قال: كان سعيد بن جبير يقول: يحكم عليه من النعم هديًا بالغ الكعبة، وإنما جُعل الطعام والصيام [كفارة]، فهذا لا يبلغُ ثمن الهدي، (1) والصيام فيه من ثلاثة أيام إلى عشرة.
12556 - حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال ، أخبرنا نافع بن يزيد قال ، أخبرني ابن جريج قال ، قال مجاهد:"ومن قتله منكم متعمدًا"، غير ناس لحُرْمه، ولا مريدٍ غيره، فقد حلّ، وليست له رخصة. ومن قتله ناسيًا، أو أراد غيره فأخطأ به، فذلك العمد المكفَّر.
12557- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: أما الذي يتعمد فيه للصيد وهو ناس لحرمه، أو جاهل أنّ قتله غيرُ محرَّم، فهؤلاء الذين يحكم عليهم. فأما من قتله متعمدًا بعد نهي الله، وهو يعرف أنه مُحْرِم، وأنه حرام، فذلك يوكَل إلى نقمة الله، وذلك الذي جعل الله عليه النقمة.
12558- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن ليث، عن مجاهد في قوله:"ومن قتله منكم متعمدًا"، قال: متعمدًا لقتله، ناسيًا لإحرامه.
* * *
__________
(1) في المطبوعة: "... هديًا بالغ الكعبة فإن لم يجد يحكم عليه ثمنه ، فقوم طعامًا ، فتصدق به ، فإن لم يجد حكم عليه الصيام فيه من ثلاثة أيام إلى عشرة" غير ما كان في المخطوطة كل التغيير. والذي كان في المخطوطة هو ما أثبته حاشى الزيادة التي بين القوسين زدتها استظهارا من سياق الآية ليستقيم الكلام. وقوله: "فهذا لا يبلغ ثمن الهدي" كأنه يعني إطعام المساكين. والجملة بعد ذلك تحتاج إلى فضل تأمل ، ولم أجد الخبر في مكان غير هذا المكان.
(10/10)
وقال آخرون: بل ذلك هو العمد من المحرِم لقتل الصيد، ذاكرًا لحُرْمه.
* ذكر من قال ذلك:
12559 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: يحكم عليه في العمد والخطأ والنسيان.
12560- حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، حدثنا ابن جريج = وحدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو عاصم عن ، ابن جريج قال ، قال طاوس: والله ما قال الله إلا"ومن قتله منكم متعمدًا" .
12561 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرني بعض أصحابنا، عن الزهري أنه قال: نزل القرآن بالعَمْد، وجرت السنة في الخطأ= يعني: في المحرم يصيب الصيدَ.
12562- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم"، قال: إن قتله متعمدًا أو ناسيًا، حكم عليه. وإن عاد متعمدًا عُجِّلت له العقوبة، إلا أن يعفو الله.
12563 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير قال : إنما جعلت الكفارة في العمد، ولكن غُلِّظ عليهم في الخطأ كي يتقوا.
12564 - حدثنا عمرو بن على قال، حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، نحوه.
12565 - حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، أخبرنا نافع بن يزيد قال، خبرنا ابن جريج قال: كان طاوس يقول: والله ما قال الله إلا"ومن قتله منكم متعمدًا" .
* * *
(10/11)
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره حرّم قتل صيد البر على كل محرِم في حال إحرامه ما دام حرامًا بقوله:"يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد" ثم بيَّن حكم من قتل ما قتل من ذلك في حال إحرامه متعمدًا لقتله، ولم يخصص به المتعمِّد قتلَه في حال نسيانه إحرامَه، ولا المخطئَ في قتله في حال ذكره إحرامَه، بل عمَّ في التنزيل بإيجاب الجزاء، كلَّ قاتل صيد في حال إحرامه متعمدًا. (1) وغير جائز إحالة ظاهر التنزيل إلى باطن من التأويل لا دلالة عليه من نصّ كتاب، ولا خبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، (2) ولا إجماع من الأمة. ولا دلالةَ من بعض هذه الوجوه.
فإذْ كان ذلك كذلك، فسواءٌ كان قاتل الصيد من المحرمين عامدًا قتلَه ذاكرًا لإحرامه، أو عامدًا قتله ناسيًا لإحرامه، أو قاصدًا غيره فقتله ذاكرًا لإحرامه = في أن على جميعهم من الجزاء ما قال ربنا تعالى ذكره، وهو: مثلُ ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل من المسلمين، أو كفارة طعامُ مساكين، أو عدل ذلك صيامًا.
* * *
وهذا قول عطاء والزهري الذي ذكرناه عنهما، (3) دون القول الذي قاله مجاهد. (4)
وأما ما يلزم بالخطأ قاتله، فقد بيّنا القول فيه في كتابنا:(كتاب لطيف القول في أحكام الشرائع ) ، بما أغنى عن ذكره في هذا الموضع. وليس هذا الموضع موضع ذكره، لأن قصدنا في هذا الكتاب الإبانة عن تأويل التنزيل، وليس في التنزيل للخطإ ذكر، فنذكر أحكامه.
* * *
__________
(1) السياق: "بل عم... كل قاتل صيد""كل" مفعول: "عم".
(2) في المخطوطة: "من كتاب نص ولا خبر الرسول صلى الله عليه وسلم". وما في المطبوعة أحسن في السياق.
(3) يعني رقم: 12559 ، 12561.
(4) يعني رقم: 12544- 12551 ورقم: 12556 ، 12558.
(10/12)
وأما قوله:"فجزاء مثلُ ما قتل من النعم"، فإنه يقول: وعليه كِفاءٌ وبَدل، (1) يعني بذلك: جزاء الصيد المقتول. يقول تعالى ذكره: فعلى قاتل الصيد جزاء الصيد المقتول، مثل ما قتل من النعم. (2)
* * *
وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله:(فَجَزَاؤُهُ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَم) .
* * *
وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة المدينة وبعض البصريين:(فَجَزَاءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَم) ، بإضافة"الجزاء" إلى"المثل" وخفض"المثل".
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين:( فجزاء مثل ما قتل ) بتنوين"الجزاء" ورفع"المثل"، بتأويل: فعليه جزاءٌ مثلُ ما قتل.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك بالصواب، قراءة من قرأ:( فجزاء مثل ما قتل ) بتنوين"الجزاء" ورفع"المثل"، لأن الجزاء هو المثل، فلا وجه لإضافة الشيء إلى نفسه.
وأحسب أن الذين قرءوا ذلك بالإضافة، رأوا أن الواجبَ على قاتل الصيد أن يَجْزِي مثله من الصيد بمثلٍ من النعم. وليس ذلك كالذي ذهبوا إليه، بل الواجب على قاتله أن يجزي المقتولَ نظيره من النعم. وإذ كان ذلك كذلك، فالمثل هو الجزاء الذي أوجبه الله تعالى ذكره على قاتل الصيد، ولن يضاف الشيء إلى نفسه. (3)
__________
(1) في المطبوعة: "كفارة وبدل" والصواب من المخطوطة. و"كفاء الشيء" (بكسر الكاف): مثله ونظيره من قولهم: "كافأه على الشيء مكافأة وكفاء": جزاه.
(2) انظر تفسير"الجزاء" فيما سلف 2: 27 ، 28 ، 314/6: 576/7: 2279: 57.
(3) في المطبوعة: "ولن يضاف..." وهو غير جيد ، وفي المخطوطة: "فإن يضاف" ورجحت أن يكون صوابها ما أثبت.
(10/13)
ولذلك لم يقرأ ذلك قارئ علمناه، بالتنوين ونصب"المثل". (1) ولو كان"المثل" غير"الجزاء" لجاز في المثل النصب إذا نوِّن"الجزاء"، كما نصب"اليتيم" إذ كان غير"الإطعام" في قوله: أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ [سورة البلد: 14، 15] وكما نصب"الأموات""والأحياء"، ونون"الكِفَات" في قوله: أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا [سورة المرسلات: 25، 26]، إذ كان"الكفات" غير"الأحياء""والأموات". وكذلك الجزاء لو كان غير"المثل"، لاتسعت القراءة في"المثل" بالنصب إذا نون"الجزاء". ولكن ذلك ضاق، فلم يقرأه أحد بتنوين"الجزاء" ونصب"المثل"، إذ كان"المثل" هو"الجزاء"، وكان معنى الكلام: ومن قتله منكم متعمدًا فعليه جزاءٌ هو مثلُ ما قتل من النعم. (2)
* * *
ثم اختلف أهل العلم في صفة"الجزاء"، وكيف يجزي قاتلُ الصيد من المحرمين ما قتل بمثله من النعم. (3) .
فقال بعضهم: ينظر إلى أشبه الأشياء به شبهًا من النعم، فيجزيه به، ويهديه إلى الكعبة.
* ذكر من قال ذلك:
12566 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم" ، قال: أما"جزاء مثل ما قتل من النعم" فإن قتل نعامة أو حمارًا
__________
(1) بل روى ذلك أبو الفتح ابن جني في كتابه"المحتسب" ونسبها لأبي عبد الرحمن يعني السلمي فيما أرجح. وذكرها ابن خالويه في شواذ القراءات ص: 34 ونسبها إلى محمد بن مقاتل وإن كان ما في المطبوع: "فجزاء مث" بنصب"جزاء" والصواب بنصب"مثل".
(2) في المخطوطة: "هو ما قتل من النعم" والصواب ما في المطبوعة.
(3) في المطبوعة: "بمثله من النعم" وفي المخطوطة: "مثل من النعم" فرأيت قراءتها كما أثبتها.
(10/14)
فعليه بَدَنة. وإن قتل بقرة أو أيِّلا أو أرْوَى (1) فعليه بقرة. أو قتل غزالا أو أرنبًا فعليه شاة. وإن قتل ضبًّا أو حرباءَ أو يَرْبوعًا، فعليه سَخْلة قد أكلت العُشب وشربت اللبن. (2)
12567 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون بن المغيرة، عن ابن مجاهد قال، سئل عطاء: أيغَرم في صغير الصيد كما يغرم في كبيره؟ قال: أليس يقول الله تعالى ذكره :"فجزاء مثل ما قتل من النعم"؟ (3)
12568 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا ابن جريج قال، قال مجاهد:"ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم"، قال: عليه من النعم مثله.
12569 - حدثنا هناد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس في قوله:"فجزاء مثل ما قتل من النعم"، قال: إذا أصاب المحرم الصيدَ ، وجب عليه جزاؤه من النعم. فإن وجد جزاءه ذبَحه فتصدق به، فإن لم يجد جزاءه قوَّم الجزاء دراهم، ثم قوم الدراهمَ حِنطة، ثم صام مكان كل نصف صاع يومًا. قال: وإنما أريد بالطعام الصوم، فإذا وجد طعامًا وجد جزاءً.
12570 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس:"فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به
__________
(1) "الأيل" (بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة): وهو ذكر الوعول. و"الأروى" إناث الوعول وهو اسم لجمعها واحدتها"أروية" (بضم الهمزة وسكون الراء والواو مكسورة والياء مشددة مفتوحة). وجاء بها هنا وهو يعني"الأروية".
(2) "السخلة" (بفتح فسكون): ولد الشاة من المعز والضأن ذكرا كان أو أنثى.
(3) الأثر: 12567-"هرون بن المغيرة بن حكيم البجلي" مضى برقم: 3356 ، 5526.
وأما "ابن مجاهد" فلم أستطع أن أعرف من هو ، وكان في المطبوعة: "أبي مجاهد" وأثبت ما في المخطوطة وكأنه الصواب ، وإن أعياني أن أعرف صدر اسمه.
(10/15)
ذوا عدل منكم هديًا بالغَ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا"، قال: إذا أصاب المحرم الصيد ، حكم عليه جزاؤه من النعم. فإن لم يجد، نظر كم ثمنه = قال ابن حميد: نظر كم قيمته = فقوّم عليه ثمنه طعامًا، فصام مكان كل نصف صاع يومًا="أو كفارة طعام مساكين، أو عدلُ ذلك صيامًا"، قال: إنما أريد بالطعام الصيام، فإذا وجد الطعام وَجد جزاءه.
12571 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس:"ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم" فإن لم يجد هديًا، قُوِّم الهدي عليه طعامًا، وصام عن كل صاع يومين.
12572- حدثنا هناد قال، حدثنا عبد بن حميد، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس في هذه الآية:"ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديًا بالغ الكعبة"، قال: إذا أصاب الرجل الصيد حكم عليه، فإن لم يكن عنده قوم عليه ثمنه طعامًا، ثم صام لكل نصف صاع يومًا.
12573 - حدثنا أبو كريب ويعقوب قالا حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال: ابتدرت وصاحبٌ لي ظبيًا في العقبة، فأصبته، فأتيت عمر بن الخطاب فذكرت ذلك له، فأقبل علي رجل إلى جنبه، فنظرا في ذلك قال فقال: اذبح كبشًا. (1)
__________
(1) الأثر: 12573-"عبد الملك بن عمير بن سويد القرشي" المعروف بالقبطي و"ابن القبطية". رأى عليا وأبا موسى. مترجم في التهذيب.
و"قبيصة بن جابر بن وهب الأسدي" روى عن عمر وشهد خطبته بالجابية ثقة في فقهاء الطبقة الأولى من فقهاء أهل الكوفة بعد الصحابة. مترجم في التهذيب.
هذا وخبر قبيصة بن جابر سيرويه أبو جعفر من طرق من رقم: 12573- 12577ن ثم: 12586- 15288 بألفاظ مختلفة. ورواه البيهقي في السنن الكبرى 5: 181 من طريق سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الملك.
ونقله ابن كثير في تفسيره 3: 237 ، 238 وهو رقم: 12588 عن هذا الموضع من تفسير أبي جعفر وأشار إلى بعض طرقه هنا. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 329 بنحو من لفظ رقم: 12588 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم قال: "وصححه" ولم أجده في مظنته من المستدرك للحاكم.
(10/16)
12574 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن الشعبي قال : أخبرني قبيصة بن جابر، نحوا مما حدَّث به عبد الملك.
12575 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال : قتل صاحب لي ظبيًا وهو محرم، فأمره عمر أن يذبح شاة فيتصدق بلحمها ويُسْقي إهابها. (1)
12576 - حدثني هناد قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن داود بن أبي هند، عن بكر بن عبد الله المزني قال : قتل رجلٌ من الأعراب وهو محرم ظبيًا، فسأل عمر، فقال له عمر: اهدِ شاة. (2)
12577 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو الأحوص، عن حصين= وحدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا ابن فضيل قال ، حدثنا حصين= عن الشعبي قال ، قال قبيصة بن جابر: أصبت ظبيًا وأنا محرم، فأتيت عمر فسألته عن ذلك، فأرسل إلى عبد الرحمن بن عوف. فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ أمرَه أهون من ذلك! قال: فضربني بالدِّرّة حتى سابقته عدوًا! (3) قال: ثم قال: قتلتَ الصيد وأنتَ محرم، ثم تَغْمِص الفُتيا! (4) قال: فجاء عبد الرحمن، فحكما شاة.
__________
(1) الأثر: 12575- هو مختصر الأثر رقم: 12588 وسيأتي تفسير"يسقى إهابها" في التعليق عليه هناك.
(2) الأثر: 12576- هذا خبر مرسل عن عمر"بكر بن عبد الله المزني" لم يسمع من عمر. ولكنها قصة قبيصة بن جابر التي ذكرها قبل.
(3) "الدرة" (بكسر الدال): عصا قصيرة يحملها السلطان او غيره يدب بها. ودرة أمير المؤمنين عمر أشهر درة في التاريخ.
(4) "غمص الشيء يغمصه غمصا": حقره واستصغره واستهان به. يعني: اتحتقر الفتيا وتستهين بها وتزدريها؟
(10/17)
12578 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"ومن قتله منكم متعمدًا فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم" ، قال: إذا قتل المحرم شيئًا من الصيد حكم عليه فيه. فإن قتل ظبيًا أو نحوه، فعليه شاة تذبح بمكة. فإن لم يجد، فإطعام ستة مساكين. فإن لم يجد، فصيام ثلاثة أيام. فإن قتل أيِّلا أو نحوه، فعليه بقرة. وإن قتل نعامة أو حمارَ وحش أو نحوه، فعليه بدنة من الإبل.
12579 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : أخبرنا ابن جريج قال ، قلت لعطاء: أرأيت إن قتلتُ صيدًا فإذا هو أعور، أو أعرج، أو منقوص، أغرم مثله؟ قال: نعم، إن شئت. قلت: أوْفَي أحبُّ إليك؟ قال: نعم. وقال عطاء: وإن قتلت ولدَ الظبي، ففيه ولد شاة. وإن قتلت ولد بقرة وحشية، ففيه ولد بقرة إنسية مثله، فكلّ ذلك على ذلك.
12580 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، أخبرنا عبيد بن سليمان الباهلي قال ، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول:"فجزاء مثل ما قتل من النعم" ما كان من صيد البر مما ليس له قرن = الحمار أوالنعامة= فعليه مثله من الإبل. وما كان ذا قرن من صيد البر من وعِلٍ أو أيِّل، فجزاؤه من البقر. وما كان من ظبي فمن الغنم مثله. وما كان من أرنب، ففيها ثَنِيَّة. (1) وما كان من يربوع وشبهه، ففيه حَمَلٌ صغير. وما كان من جرادة أو نحوها، ففيه قبضة من طعام. وما كان من طير البر، ففيه أن يقوَّم ويتصدق بثمنه، وإن شاء صام لكل نصف صاع يومًا. وإن أصاب فرخ طير برِّية أو بيضها، فالقيمة فيها طعامٌ أو صوم على الذي يكون في الطير. غير أنه قد ذكر في بيض النعام إذا إصابها المحرم، أن يحمل الفحل على عدة من أصاب من البيض على
__________
(1) "الثنية" يعني الثنية من المعز ، وهو ما دخل في السنة الثانية أو الثالثة.
(10/18)
بِكارة الإبل، (1) فما لَقِح منها أهداه إلى البيت، وما فسد منها فلا شيء فيه.
12581 - حدثنا ابن البرقي قال ، حدثنا ابن أبي مريم قال ، أخبرنا نافع قال ، أخبرني ابن جريج قال ، قال مجاهد: من قتله = يعني الصيد = ناسيًا، أو أراد غيره فأخطأ به، فذلك العمد المكفَّر، فعليه مثله هديًا بالغ الكعبة. فإن لم يجد، ابتاع بثمنه طعامًا. فإن لم يجد، صام عن كل مُدٍّ يومًا. وقال عطاء: فإن أصاب إنسان نعامة، كان له= إن كان ذا يسار= مُوَسَّعًا (2) إن شاء يهدي جزورًا أو عَدْلَها طعامًا أو عدلها صيامًا، أيّتهن شاء، (3) من أجل قوله: فجزاء، أو كذا أو كذا (4) قال: فكل شيء في القران:"أو""أو"، فليختر منه صاحبه ما شاء.
12582 - حدثنا ابن البرقي قال ، حدثنا ابن أبي مريم قال ، أخبرنا نافع قال ، أخبرني ابن جريج قال ، أخبرني الحسن بن مسلم قال : من أصاب من الصيد ما يبلغ أن يكون شاة فصاعدًا، فذلك الذي قال الله تعالى ذكره:"فجزاء مثل ما قتل من النعم". وأما"كفارة طعام مساكين"، فذلك الذي لا يبلغ أن يكون فيه هدي، العصفورَ يقتل، فلا يكون فيه. قال:"أو عدل ذلك صيامًا"، عدل النعامة، أو عدل العصفور، أو عدل ذلك كله.
* * *
وقال آخرون: بل يقوَّم الصيد المقتول قيمتَه من الدراهم، ثم يشتري القاتل بقيمته نِدًّا من النعم، ثم يهديه إلى الكعبة.
__________
(1) "البكارة" (بكسر الباء) جمع"بكر" و"بكرة" (بفتح الباء): وهو الفتى من الإبل بمنزلة الغلام من اللناس.
(2) في المطبوعة: "كان له إن كان ذا يسار ما شاء" بحذف"الواو من قوله"وإن كان" وهو لا معنى له ، وفي المخطوطة: "كان له وإن كان ذا يسار من سا" فرأيت أن أقرأها كما أثبتها فهو حق المعنى. لأنه يريد أن يقول: إن الله وسع له ورخص في هذا النخيير الذي ذكره بعد.
(3) في المطبوعة: "أيهن شاء" وأثبت ما في المخطوطة وهو الصواب.
(4) في المطبوعة: "أو كذا" مرة واحدة وأثبت ما في المخطوطة وهو الصواب.
(10/19)
* ذكر من قال ذلك:
12583 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عبدة، عن إبراهيم قال : ما أصاب المحرم من شيء، حكم فيه قيمته.
12584 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن حماد قال : سمعت إبراهيم يقول: في كل شيء من الصيد ثمنه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في تأويل الآية، ما قال عمر وابن عباس، ومن قال بقولهما: أن المقتول من الصيد يُجْزَي بمثله من النعم، كما قال الله تعالى ذكره:"فجزاء مثل ما قتل من النعم". وغير جائز أن يكون مثل الذي قتل من الصيد دراهم، وقد قال الله تعالى:"من النعم"، لأن الدراهم ليست من النعم في شيء.
* * *
فإن قال قائل: فإن الدراهمَ وإن لم تكن مثلا للمقتول من الصيد، فإنه يشتري بها المثل من النعم، فيهديه القاتل، فيكون بفعله ذلك كذلك جازيًا بما قتل من الصيد مثلا من النعم!
قيل له: أفرأيت إن كان المقتول من الصيد صغيرًا [ أو معيبا، ولا يصاب بقيمته من النعم إلا] (1) كبيرًا أو سليمًا = أو كان المقتول من الصيد كبيرًا أو سليمًا بقيمته من النعم إلا صغيرًا أو معيبًا= (2) أيجوز له أن يشتريَ بقيمته خلافه وخلافَ صفته فيهديه، أم لا يجوز ذلك له، وهو لا يجوز إلا خلافه؟ فإن زعم أنه لا يجوز له أن يشتري بقيمته إلا مثله، ترك قوله في ذلك. لأنّ أهل هذه المقالة يزعمون أنه لا يجوز له أن يشتري بقيمة ذلك فيهديه، (3) إلا ما
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة: "أفرأيت إن كان المقتول من الصيد صغيرا أو كبيرا او سليما أو كان المقتول من الصيد..." وهو كلام لا يستقيم إلا بهذه الزيادة التي زدتها بين القوسين وتصحيح"أو كبيرا" بما أثبته"إلا كبيرا" وهو ما اسظهرته من سياق كلام أبي جعفر.
(2) في المطبوعة: "ولا يصيب بقيمته..." والصواب ما في المخطوطة.
(3) في المطبوعة: "بقيمته ذلك" وهو خطأ صوابه في المخطوطة.
(10/20)
يجوز في الضحايا. وإذا أجاز شراءَ مثل المقتول من الصيد بقيمته وإهداءها وقد يكون المقتول صغيرًا معيبًا، (1) أجاز في الهدي ما لا يجوز في الأضاحي. (2)
وإن زعم أنه لا يجوز أن يشتري بقيمته فيهديه إلا ما يجوز في الضحايا أوضح بذلك من قوله الخلافَ لظاهر التنزيل. وذلك أنّ الله تعالى ذكره، أوجب على قاتل الصيد من المحرِمين عمدًا، المثلَ من النعم إذا وجده. وقد زعم قائل هذه المقالة أنه لا يجب عليه المثل من النعم، وهو إلى ذلك واجدٌ سبيلا.
ويقال لقائل ذلك: أرأيت إن قال قائل آخر:"ما على قاتل ما لا تبلغُ من الصيد قيمته ما يصاب به من النَّعم ما يجوز في الأضاحي من إطعام ولا صيام. (3) لأن الله تعالى إنما خيَّر قاتل الصيد من المحرمين في أحد الثلاثة الأشياء التي سماها في كتابه، فإذا لم يكن له إلى واحد من ذلك سبيل، سقط عنه فرض الآخرَيْن. لأن الخيار إنما كان له، وله إلى الثلاثة سبيل. فإذا لم يكن له إلى بعض ذلك سبيل، بطل فرض الجزاء عنه، لأنه ليس ممن عُني بالآية= نظيرَ الذي قلت أنت:"إنه إذا لم يكن المقتول من الصيد يبلغ قيمته ما يصاب من النعم مما يجوز في الضحايا، فقد سقط فرض الجزاء بالمثل من النعم عنه، وإنما عليه الجزاء بالإطعام أو الصيام"،= هل بينك وبينه فرق من أصل أو نظير؟ فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
* * *
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة: "وإذا أجازوا شرى مثل المقتول" وصواب كل ذلك ما أثبت وإنما وهم الناسخ في"أجازوا" فإن جواب"إذا" يدل على خلافه وصواب ما أثبت.
(2) في المطبوعة: "أجازوا في الهدي" غير ما في المخطوطة لوهم الناسخ كما قلت في التعليق السالف.
(3) في المطبوعة: "ما لا يبلغ" وهو في المخطوطة غير منقوطة وصوابها ما أثبت. وسياق هذه الجملة: "ما على قاتل ما تبلغ... من إطعام ولا صيام" يعني ليس على قاتل صيد لا تبلغ قيمته أن يشتري بها من النعم ما يجوز مثله في الأضاحي= إطعام أو صيام.
(10/21)
القول في تأويل قوله : { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يحكم بذلك الجزاء الذي هو مثل المقتول من الصيد من النعم عدلان منكم= يعني: فقيهان عالمان من أهل الدين والفضل= (1) "هديًا"، يقول: يقضي بالجزاء ذوا عدل، أي يُهْدَي فيبلغ الكعبة. (2) و"الهاء" في قوله:"ويحكم به"، عائدة على"الجزاء". (3) .
* * *
قال أبو جعفر: ووجه حكم العدلين إذا أرادا أن يحكما بمثل المقتول من الصيد من النعم على القاتل: أن ينظرا إلى المقتول ويستوصفاه، فإن ذكر أنه أصاب ظبيًا صغيرًا، حكما عليه من ولد الضأن بنظير ذلك الذي قتله في السن والجسم، فإن كان الذي أصاب من ذلك كبيرًا، حكما عليه من الضأن بكبير. وإن كان الذي أصاب حمار وَحْش، حكما عليه ببقرة. إن كان الذي أصاب كبيرًا من البقر، وإن كان صغيرًا فصغيرًا. وإن كان المقتول ذكرًا فمثله من ذكور البقر. وإن كان أنثى فمثله من البقر أنثى. ثم كذلك ذلك، ينظران إلى أشبه الأشياء بالمقتول من الصيد شبهًا من النعم، (4) فيحكمان عليه به، كما قال تعالى ذكره .
* * *
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، على اختلافٍ في ذلك بينهم.
* ذكر من قال ذلك بنحو الذي قلنا فيه:
__________
(1) انظر تفسير"العدل" فيما سلف 6: 51 ، 60 .
(2) في المطبوعة: "أن يهدي" وأثبت ما في المخطوطة.
(3) انظر تفسير"الهدي" فيما سلف 4: 34 ، 35/9: 466.
(4) في المخطوطة: "ينظر إلى أشبه الأشياء" والصواب ما في المطبوعة.
(10/22)
12585 - حدثنا هنّاد بن السريّ قال : حدثنا ابن أبي زائدة قال : أخبرنا داود بن أبي هند، عن بكر بن عبد الله المزني قال : كان رجلان من الأعراب محرِمين، فأحاش أحدهما ظبيًا، فقتله الآخر. (1) فأتيا عمر، وعنده عبد الرحمن بن عوف، فقال له عمر: (2) وما ترى؟ قال: شاة، قال: وأنا أرى ذلك، اذهبا فأهديا شاة. فلما مضَيا قال أحدهما لصاحبه: ما درَى أمير المؤمنين ما يقول حتى سأل صاحبه!! فسمعها عمر، فردّهما فقال: هل تقرأان سورة المائدة؟ فقالا لا! فقرأها عليهما: (3) "يحكم به ذوا عدل منكم"، ثم قال: استعنت بصاحبي هذا.
12586 - حدثنا أبو كريب ويعقوب قالا حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال : ابتدرت أنا وصاحب لي ظبيًا في العقبة، فأصبته، فأتيت عمر بن الخطاب، فذكرت ذلك له. فأقبل على رجل إلى جنبه، فنظرا في ذلك. قال فقال: اذبح كبشًا= قال يعقوب في حديثه، فقال لي: اذبح شاة= فانصرفت فأتيت صاحبي فقلت: إن أميرَ المؤمنين لم يدرِ ما يقول! فقال صاحبي: انحر ناقتك. فسمعها عمر بن الخطاب، فأقبل عليَّ ضربًا بالدِّرة وقال: تقتل الصيد وأنت محرم، وتَغْمِصُ الفُتْيا! (4) إن الله تعالى يقول في كتابه:"يحكم به ذوا عدل منكم"، هذا ابن عوف، وأنا عمر! (5)
12587 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حصين، عن
__________
(1) في المطبوعة: "فأجاش" بالجيم وهو خطأ وفي المخطوطة غير منقوط."حاش الصيد حوشا وحياشا" و"أحاشه" و"أحوشه" و"حشت عليه الصيد" و"أحشته": إذا نفرته نحوه وأخذته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة ثم سقته نحوه وجمعته عليه.
(2) في المخطوطة في الموضعين: "عمرو" وهو خطأ محض ، وفي المطبوعة في الآخرة منهما"عمرو" وهو خطأ.
(3) في المطبوعة: "فقرأها عليهما" والصواب ما في المخطوطة.
(4) انظر تفسير"غمص الفتيا" فيما سلف ص: 17 تعليق: 4.
(5) الأثر: 12586- انظر التعليق على الأثر السالف رقم: 12573.
(10/23)
الشعبي قال ، أخبرني قبيصة بن جابر، بنحو ما حدث به عبد الملك.
12588 - حدثنا هناد وأبو هشام قالا حدثنا وكيع، عن المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال : خرجنا حجاجًا (1) فكنا إذا صلينا الغداة، اقتدرنا رواحلنا نتماشى نتحدث، (2) قال: فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبيٌ أو بَرَح، (3) فرماه رجل منا بحجر، فما أخطأ خُشَّاءه، (4) فركب رَدْعَه ميتًا. (5) قال: فعظَّمنا عليه. فلما قدمنا مكة، خرجت معه حتى أتينا عمر، فقص عليه القصة. قال : وإذا إلى جنبه رجلٌ كان وجهه قُلْبُ فضة (6) =يعني عبد الرحمن بن عوف = فالتفت إلى صاحبه فكلمه. قال: ثم أقبل علي الرجل قال : أعمدًا قتلته أم خطأ؟ قال الرجل: لقد تعمَّدت رميه، وما أردت قتله. فقال عمر: ما أراك إلا قد أشركتَ بين العمد والخطأ، أعمد إلى شاة فاذبحها، وتصدق بلحمها، وَاسْقِِ إهابَها. (7) قال: فقمنا من عنده، فقلت: أيها الرجل،
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة: "خرجنا" لم يذكر"حجاجا" ولكن ابن كثير نقله عن هذا الموضع وفيه"حجاجا" وكذلك هي في رواية البيهقي في السنن 5: 181. وإذن فقد سقط من الناسخ"حجاجا" فلذلك أثبتها.
(2) "صلاة الغداة" هي صلاة الفجر.
(3) "سنح الظبي" أتاك عن يسارك و"برح": أتاك عن يمينك.
(4) في المطبوعة: "خششاءه" وأثبت ما في المخطوطة وهي بضم الخاء وتشديد الشين المفتوحة وكلتاهما صواب وبهما روى الخبر. و"الخشاء" و"الخششاء": وهو العظم الدقيق العاري من الشعر الناتئ خلف الأذن.
(5) في المطبوعة: "فركب وودعه ميتا" وهو كلام ساقط جدا. وفي المخطوطة: "فركب ودعه ميتا" وهو تصحيف صوابه ما أثبت. يقال للقتيل: "ركب ردعه": إذا خر لوجهه على دمه. وركوبه عليه: أن الدم يسيل ثم يخر عليه صريعا. وأصل"الردع" ما تلطخ به الشيء من زعفران أو غيره ، وهو أثره ولونه.
(6) "القلب" (بضم فسكون": سوار يكون قلدا واحدا أي ليا واحدا. وفي الحديث: "أن فاطمة حلت الحسن والحسين رضي الله عنهما بقلبين من فضة" أي: سوارين من فضة. وصفة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في طبقات ابن سعد 3/1/94: "كان رجلا طويلا حسن الوجه رقيق البشرة فيح جدّا (ميل في الظهر أو العنق) أبيض مشربا حمرة لا يغير لحيته ولا رأسه".
(7) قوله"أسق إهابها" يعني: أعط إهابها من يدبغه ويتخذ من جلده سقاء. و"السقاء" ظرف الماء من الجلد. و"الإهاب": الجلد من البقر والغنم والوحش ما لم يدبغ.
(10/24)
عظِّم شعائر الله! (1) فما درى أمير المؤمنين ما يُفتيك حتى سأل صاحبه! اعمد إلى ناقتك فانحرها، ففعلَّ ذاك! (2) قال قبيصة: ولا أذكر الآية من"سورة المائدة":"يحكم به ذوا عدل منكم" قال: فبلغ عمر مقالتي، فلم يفجأنا إلا ومعه الدِّرّة! قال : فعلا صاحبي ضربًا بالدّرة، (3) وجعل يقول: أقتلت في الحرم وسفَّهت الحُكم! قال: ثم أقبل عليّ فقلت: يا أمير المؤمنين، لا أحِلَّ لك اليوم شيئًا يحرُم عليك مني! (4) قال: يا قبيصة بن جابر، إنّي أراك شابَّ السن، فسيحَ الصدر (5) بيِّن اللسان، وإن الشاب يكون فيه تسعةُ أخلاق حسنة وخلق سييء، فيفسد الخلق السييء الأخلاقَ الحسنة، فإياك وعثرات الشباب! (6)
12589 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة، عن مخارق، عن طارق قال : أوطأ أربدُ ضَبًّا (7) فقتله- وهو محرم. فأتى عمر ليحكم عليه، فقال له عمر: احكم معي! فحكما فيه جَدْيًا قد جَمَع الماء والشجر. (8) ثم قال عمر:"يحكم به ذوا عدل منكم". (9)
12590 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا أصاب صيدًا، فأتى ابن عمر فسأله عن ذلك، وعنده عبد الله بن صفوان، فقال ابن عمر لابن صفوان: إما إن أقول فتصدقني، وإما أن تقول فأصدقك. فقال ابن صفوان: بل أنت فقل. فقال ابن عمر، ووافقه على ذلك عبد الله بن صفوان.
12591 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، عن شريح، أنه قال: لو وجدت حكمًا عدلا لحكمت في الثعلب جَدْيًا، وجديٌ أحبُّ إليّ من الثعلب. (10)
__________
(1) في المخطوطة: "أعظم شعائر الله" وما في المطبوعة هو الموافق لما في سنن البيهقي وهو أولاهما لمطابقته نص آية"سورة الحج": "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب".
(2) في المطبوعة: "ففعل ذاك" والصواب هو ما في المخطوطة وابن كثير يقول: فلعل ذلك أن يكون جزاء مثل ما قتلت من الصيد. وفي ابن كثير: "يعني أن يجزئ عنك" وهذا النص ليس في المخطوطة فلذلك لم أزده في هذا الموضع ، أخشى أن يكون من كلام ابن كثير.
(3) روى البيهقي هذا الخبر بغير هذا اللفظ وقال عند هذا الموضع: "فما علمت بشيء والله ما شعرت إلا به يضرب بالدرة على= وقال مرة: على صاحبي" فهذه التي هنا هي إحدى الروايتين.
(4) يعني أنه لما أقبل عليه عمر وعوف أنه ضاربه كما ضرب صاحبه رهب عمر واخافه بقوله: إنه لن يحله من ضرب بشرة هي عليه حرام إلا بحقها. فلذلك هاب عمر أن يضربه كما ضرب صاحبه. فانظر إلى ما طبع عليه أسلافنا من حرية الطباع وما وقذ الإسلام من عرامهم حتى كف عمر يده مخافة أن يصيب من أبشار المسلم حراما لا يحل له إلا بحقه.
(5) قوله: "فسيح الصدر" أي: واسع الصدر وذلك من دلائل القوة ومتانة التركيب وهذه المقالة من عمر من أبلغ ما يهدى إلى الشباب فإن البلاء إنما يأتي من سوء الخلق ، وخلق سيئ واحد يجر وراءه جميع مساوي الأخلاق.
(6) الأثر: 12588- انظر تخريج خبر قبيصة بن جابر فيما سلف في التعليق على رقم: 12573.
وختم البيهقي هذا الأثر (السنن 5: 181) وهو من رواية ابن أبي عمر ، عن سفيان عن عبد الملك بن عمير: "قال ابن أبي عمر ، قال سفيان: وكان عبد الملك إذا حدث بهذا الحديث قال: ما تركت منه ألفا ولا واوا".
(7) "أوطأ" يعني: حمل دابته حتى وطئت الضب أي داسته. فسرته كذلك لأنهم يقولون: "وطئ الشيء ووطأته ، وتوطأه" بمعنى: داسه ولم يذكروا"أوطأه" وإن كنت أرى القياس يعين عليه.
(8) قوله: "جمع الماء والشجر" يعني: فطم ورعى الماء والشجر وهذا تفسير لم أجده في شيء من مراجع اللغة او مجازها. ينبغي إثباته.
(9) الأثر: 12589-"مخارق" هو"مخارق بن خليفة بن جابر" ويقال: "مخارق بن عبد الله" و"مخارق بن عبد الرحمن" البجلي الأحمسي ، ثقة مضى برقم: 11682.
و"طارق" هو: "طارق بن شهاب البجلي الأحمسي" مضى برقم: 9744 ، 11682 ، 12073- 12075 ، 12085.
و"أربد" هو"أربد بن عبد الله البجلي" أدرك الجاهلية هكذا ترجم له ابن حجر في الإصابة في القسم الثالث ، وذكر هذا الخبر مبينا فيه اسمه ثم قال: "إسناده صحيح ورواه الأعمش عن سليمان بن ميسره ، عن طارق ، ولم يسم الرجل".
ورواه البيهقي في السنن الكبرى 5: 182 من طريق الشافعي عن سفيان بن عيينة. وهو في الأم 2: 165 ومسند الشافعي للسندي: 332 وشرحه الأستاذ حامد مصطفى بمثل ما شرحته قبل.
(10) في المطبوعة: "من الثعلب" وأثبت ما في المخطوطة وهو الجيد.
(10/25)
12592 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا محمد بن بكير قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي مجلز: أن رجلا سأل ابن عمر عن رجل أصاب صيدًا وهو محرم، وعنده ابن صفوان، فقال له ابن عمر: إما أن تقول فأصدقك، أو أقول فتصدقني. قال: قل وأصدقك.
12593 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي وائل قال ، أخبرني ابن جرير البجلي قال : أصبت ظبيًا وأنا محرم، فذكرت ذلك لعمر، فقال: ائت رجلين من إخوانك فليحكما عليك. فأتيت عبد الرحمن وسعدًا، فحكما عليّ تيسًا أعْفَر= قال أبو جعفر:"الأعفر": الأبيض. (1)
12594 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن منصور بإسناده عن عمر، مثله.
12595 - حدثنا عبد الحميد قال ، أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن
__________
(1) الأثر: 12593-"أبو وائل" هو"شقيق بن سلمة الأسدي" مضى مرارا كثيرة. و"أبو جرير البجلي" لم يترجم له غير ابن سعد في الطبقات 6: 106ن 107 وقال: "روى عن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وسعد" وساق هذا الخبر مختصرا من طريق إسحق بن يوسف الأزرق عن سفيان عن منصور عن أبي وائل ثم ساقه مطولا بنحو لفظه في خبر أبي جعفر: من طريق عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل عن منصور عن شقيق.
ورواه البيهقي في السنن 5: 181 ، 182 من طريق عبيد الله بن معاذ عن شعبة عن منصور بنحو لفظ أبي جعفر. ثم قال في آخره: "زاد فيه جرير بن عبد الحميد عن منصور: وأنا ناس لإحرامي". وهذه الزيادة في خبري ابن سعد ، في الأول: "وأنا ناس لإهلالي" وفي الآخر: "ولا أذكر إهلالي".
ونقله ابن كثير في تفسيره 3: 239 عن هذا الموضع من تفسير الطبري. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 329 وزاد نسبته لأبي الشيخ.
وفي المطبوعة: "ابن جرير البجلي" والصواب من المخطوطة وهي غير منقوطة. وفي ابن كثير مثل ما في المطبوعة وفي سنن البيهقي والدر المنثور: "أبو حريز" والصواب ما في طبقات ابن سعد.
وكان في المطبوعة: "فأتيت عبد الرحمن وسعيدا" والصواب ما أثبت من المخطوطة و"عبد الرحمن" هو"عبد الرحمن بن عوف" و"سعد" هو: "سعد بن أبي وقاص".
(10/27)
أشعث بن سوار، عن ابن سيرين قال : كان رجل على ناقة وهو محرم، فأبصر ظبيًا يأوي إلى أكمة، فقال: لأنظرنّ أنا أسبق إلى هذه الأكمة أم هذا الظبي؟ (1) فوقعت عَنز من الظباء تحت قوائم ناقته فقتلتها، (2) فأتى عمر فذكر ذلك له، فحكم عليه هو وابن عوف عنزا عفراء= قال: وهي البيضاء.
12596 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، أخبرنا أيوب، عن محمد: أن رجلا أوطأ ظبيًا وهو محرم، (3) فأتى عمر فذكر ذلك له، وإلى جنبه عبد الرحمن بن عوف، فأقبل على عبد الرحمن فكلمه، ثم أقبل على الرجل فقال: أهد عنزا عفراء .
12597 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم: أنه كان يقول: ما أصاب المحرم من شيء لم يمض فيه حكومة، استقبل به، فيحكم فيه ذوا عدل. (4)
12598 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثني وهب بن جرير قال ، حدثنا شعبة، عن يعلي، عن عمرو بن حبشي قال: سمعت رجلا سأل عبد الله بن عمر، عن رجل أصاب ولدَ أرنب، فقال: فيه ولد ماعز، فيما أرى أنا. ثم قال لي: أكذاك؟ فقلت: أنت أعلم مني. فقال: قال الله تعالى ذكره:"يحكم به ذوا عدل منكم". (5)
12599 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي وسهل بن يوسف،
__________
(1) في المطبوعة: "لأنظر أنا أسبق" وفي المخطوطة: "لأنظر وأنا أسبق" وصواب قراءتها ما أثبت.
(2) "العنز" الأنثى من المعزى والأوعال والظباء.
(3) انظر تفسير"أوطأ" فيما سلف ص: 26 تعليق: 1.
(4) أي لم يمض فيه حكم سابق. وقوله: "استقبل به" يعني: ابتدأ النظر فيه ، بغير حكم سابق.
(5) الأثر: 12598-"عمرو بن حبشي" تابعي ثقة ، مضى ومضى ضبط اسمه برقم: 2340.
(10/28)
عن حميد، عن بكر: أن رجلين أبصرا طبيًا وهما محرمان، فتراهنا، وخطرُ كل واحد منهما لمن سبق إليه. (1) فسبق إليه أحدهما، فرماه بعصاه فقتله. فلما قدما مكة، أتيا عمر يختصمان إليه، وعنده عبد الرحمن بن عوف، فذكرا ذلك له، فقال عمر: هذا قِمارٌ، ولا أجيزه! ثم نظر إلى عبد الرحمن، فقال: ما ترى! قال: شاة. فقال عمر: وأنا أرى ذلك. فلما قَفَّى الرجلان من عند عمر، قال أحدهما لصاحبه: ما درى عُمر ما يقول حتى سأل الرجل! فردّهما عمر فقال: إن الله تعالى ذكره لم يرضَ بعمر وحده، فقال:"يحكم به ذوا عدل منكم"، وأنا عمر، وهذا عبد الرحمن بن عوف.
* * *
وقال آخرون: بل ينظر العَدْلان إلى الصيد المقتول، فيقوّمانه قيمته دراهمَ، ثم يأمران القاتل أن يشتري بذلك من النعم هَدْيًا. فالحاكمان يحكمان، في قول هؤلاء، بالقيمة. وإنما يحتاج إليهما لتقويم الصيد قيمتَه في الموضع الذي أصابه فيه.
* * *
وقد ذكرنا عن إبراهيم النخعي فيما مضى قبل أنه كان يقول:"ما أصاب المحرم من شيء، حكم فيه قيمته"، (2) وهو قول جماعة من متفقِّهة الكوفيين.
* * *
وأما قوله:"هديًا" فإنه مُصَدَّر على الحال من"الهاء" التي في قوله:"يحكم به".
* * *
وقوله:"بالغ الكعبة" من نعت"الهدي" وصفته. وإنما جاز أن ينعت به، وهو مضاف إلى معرفة، (3) لأنه في معنى النكرة. وذلك أن معنى قوله:"بالغ
__________
(1) "الخطر" (بفتحتين): الرهن وهو السبق الذي يترامى عليه في التراهن. و"أخطر المال" جعله خطرا بين المتراهنين ، و"تخاطروا": تراهنوا وكان في المطبوعة: "وجعل كل واحد منهما" وهذه الكلمة في المخطوطة سيئة الكتابة جدا ، رأيت أن أستظهر قراءتها كذلك من معنى الرهان. وهو الصواب إن شاء الله.
(2) هو رثم: 12583.
(3) في المطبوعة: "ينعت وهو مضاف" حذف"به" فاختل الكلام.
(10/29)
الكعبة"، يبلغُ الكعبة. فهو وإن كان مضافًا فمعناه التنوين، لأنه بمعنى الاستقبال، وهو نظير قوله:( هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) [سورة الأحقاف :24] ، فوصف بقوله:"ممطرنا""عارضًا"، لأن في"ممطرنا" معنى التنوين، لأن تأويله الاستقبال، فمعناه: هذا عارض يمطرنا. فكذلك ذلك في قوله:"هديًا بالغً الكعبة" .
* * *
القول في تأويل قوله : { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أو عليه كفارة طعام مساكين= و"الكفارة" معطوفة على"الجزاء" في قوله:"فجزاء مثل ما قتل من النعم".
واختلف القرأة في قراءة ذلك:
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة:( أو كفارة طعام مساكين ) بالإضافة. وأما قرأة أهل العراق، فإنّ عامتهم قرءوا ذلك بتنوين"الكفارة" ورفع"الطعام": أو كفارة طعام مساكين
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب، قراءة من قرأ بتنوين"الكفارة" ورفع"الطعام"، للعلة التي ذكرناها في قوله:"فجزاء مثلُ ما قتل من النعم". (1) .
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى قوله:"أو كفارة طعام مساكين". (2) فقال بعضهم: معنى ذلك أنّ القاتل وهو محرم صيدًا عمدًا، لا يخلو من
__________
(1) انظر ما سلف ص: 13ن 14.
(2) انظر تفسير"الكفارة" فيما سلف 10: 531 تعليق: 11 والمراجع هناك.
(10/30)
وجوب بعض هذه الأشياء الثلاثة التي ذكر الله تعالى ذكره: من مثل المقتول هديًا بالغَ الكعبة، أو طعامُ مسكين كفارة لما فعل، أو عدلُ ذلك صيامًا= إلا أنه مخيَّر في أيِّ ذلك شاء فعل، وأنه بأيِّها كان كفَّر فقد أدّى الواجب عليه. وإنما ذلك إعلامٌ من الله تعالى عبادَه أن قاتل ذلك كما وصف لن يخرُجَ حكمه من إحدى الخلال الثلاثة. قالوا: فحكمه إن كان على المثل قادرًا أن يحكم عليه بمثل المقتول من النعم، لا يجزيه غيرُ ذلك ما دام للمثل واجدًا. قالوا: فإن لم يكن له واجدًا، أو لم يكن للمقتول مثلٌ من النعم، فكفارته حينئذ إطعام مساكين.
* ذكر من قال ذلك:
12600 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديًا بالغ الكعبة أو كفارة طعامُ مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وَبال أمره" قال: إذا قتل المحرم شيئًا من الصيد، حكم عليه فيه. فإن قتل ظبيًا أو نحوه، فعليه شاة تذبح بمكة. فإن لم يجد، فإطعام ستة مساكين. فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. وإن قتل أيِّلا أو نحوه، فعليه بقرة. فإن لم يجدها، أطعم عشرين مسكينًا. (1) فإن لم يجد، صام عشرين يومًا. وإن قتل نعامة أو حمارَ وحش أو نحوه، فعليه بَدَنَة من الإبل. فإن لم يجد، أطعم ثلاثين مسكينًا. فإن لم يجد، صام ثلاثين يومًا. والطعام مدٌّ مُدٌّ شِبَعَهم. (2)
12601 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد
__________
(1) في المطبوعة: "فإن لم يجد" وأثبت ما في المخطوطة.
(2) الأثر: 12600- وسيأتي برقم: 12633 في المطبوعة: "يشبعهم" وأثبت ما في المخطوطة. وسيأتي في المخطوطة هناك: "وشبعهم" بالواو والجيد ما هنا.
(10/31)
وأنتم حرمٌ" إلى قوله:"يحكم به ذوا عدل منكم" فالكفارة: من قتل ما دون الأرنب، إطعام.
12602 - حدثنا هناد قال ، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال : إذا أصاب المحرم الصيد، حكم عليه جزاؤه من النعم. فإن وجد جزاءَه، ذبحه فتصدق به. وإن لم يجد جزاءه، قُوِّم الجزاء دراهم، ثم قوِّمت الدراهم حنطة، ثم صام مكان كل صاع يومًا. قال: إنما أريد بالطعام الصوم، فإذا وجد طعامًا وجد جزاءً.
12603 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن زهير، عن جابر، عن عطاء ومجاهد وعامر:"أو عدل ذلك صيامًا"، قال: إنما الطعام لمن لم يجد الهَدْي. (1)
12604 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم أنه كان يقول: إذا أصاب المحرم شيئًا من الصيد، عليه جزاؤه من النعم. فإن لم يجد قُوِّم الجزاء دراهم، ثم قومت الدراهم طعامًا، ثم صامَ لكل نصف صاع يومًا.
12605- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد قال : إذا أصاب المحرم الصيد فحكم عليه، فإن فضل منه ما لا يتم نصف صاع، صام له يومًا. ولا يكون الصوم إلا على من لم يجد ثمن هديٍ، فيحكم عليه الطعام. فإن لم يكن عنده طعام يتصدق به، حكم عليه الصوم، فصام مكان كل نصف صاع يومًا="كفارة طعام مساكين" ، قال: فيما لا يبلغ ثمن هدي="أو عدل ذلك صيامًا"، من الجزاء، إذا لم يجد ما يشتري به هديًا، أو ما يتصدق به، مما لا يبلغ ثمن هدي، حكم عليه الصيام مكان كل نصف صاع يومًا.
__________
(1) زاد في المطبوعة: "ليذوق" وقطع الآية ، وأثبت ما في المخطوطة.
(10/32)
12606 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قال مجاهد:"ومن قتل منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم"، قال: عليه من النعم مثلُه هديًا بالغَ الكعبة. ومن لم يجد، ابتاع بقيمته طعامًا، فيطعم كل مسكين مُدَّين. فإن لم يجد، صام عن كل مدَّين يومًا.
12607 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي:"ومن قتله منكم متعمدًا"، إلى قوله:"ومن عاد فينتقم الله منه"، قال: إذا قتل صيدًا، فعليه جزاؤه مثل ما قتل من النعم. فإن لم يجد، حكم عليه، ثم [قُوِّم] الفداءُ، كم هو درهمًا، ثمّ قدر ثمن ذلك بالطعام على المسكين، (1) فصام عن كل مسكين يومًا، ولا يحل طعام المسكين، لأن من وجد طعام المسكين فهو يجد الفداء.
12608- حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج قال : قال لي الحسن بن مسلم: من أصاب الصيد فيما جزاؤه شاة، (2) فذلك الذي قال الله تعالى ذكره:"فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم". وما كان من كفارة بإطعام مساكين، (3) مثل العصفورة يقتل ولا يبلغ أن يكون فيه هدي"أو عدل ذلك صيامًا"، (4) قال عدل النعامة أو العصفور، (5) أو عدل ذلك كله. فذكرت ذلك لعطاء فقال: كل شيء في القرآن"أو""أو"، فلصاحبه أن يختار ما شاء.
__________
(1) في المطبوعة: "فإن لم يجد ما حكم عليه قوم الفداء كم هو درهما ، وقدر ثمن ذلك..ز" وفي المخطوطة: "فإن لم يجد حكم عليه ثم الفداء كم هو درهما بين قدر ثمن ذلك..." ومكان (بين) (ثم) بين القوسين والعبارة بعد ذلك كله مشكلة ، لم أستطع أن أهتدي إلى مكانها في كتاب آخر ولا أن ألتمس لها تحريفا أرضى عنه.
(2) في المطبوعة: "مما جزاؤه" وأثبت ما في المخطوطة.
(3) في المطبوعة: "من كفارة طعام" وأثبت ما في المخطوطة.
(4) في المطبوعة: زاد في الآية"ليذوق" ثم قطع الآية.
(5) في المطبوعة: "أو العصفور" وأثبت ما في المخطوطة.
(10/33)
12609 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا يزيد بن هارون قال ، أخبرنا سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، في قوله:"لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم"، فإن لم يجد جزاءً، قوِّم عليه الجزاءُ طعامًا، ثم صاع لكل صاع يومين.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أن للقاتل صيدًا عمدًا وهو محرم، الخيارُ بين إحدى الكفارات الثلاث، وهي: الجزاء بمثله من النعم، والطعام، والصوم. قالوا: وإنما تأويل قوله:"فجزاء مثل ما قتل من النعم أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا"، فعليه أن يجزي بمثله من النعم، أو يكفر بإطعام مساكين، أو بعدل الطعام من الصيام.
* ذكر من قال ذلك:
12610 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، في قول الله تعالى ذكره:"فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم له ذوا عدل منكم هديًا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا"، قال: إن أصابَ إنسان محرم نعامة، فإن له= وإن كان ذا يسار (1) أن يهدي ما شاء، جزورًا، أو عدلها طعامًا، أو عدلها صيامًا. قال: كل شيء في القرآن"أو""أو"، فليختر منه صاحبه ما شاء.
12611 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حجاج، عن عطاء، في قوله:"فجزاء مثل ما قتل من النعم" قال:"ما كان في القرآن: أو كذا أو كذا"، فصاحبه فيه بالخيار، أيَّ ذلك شاء فعل.
12612 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أسباط وعبد الأعلى، عن داود،
__________
(1) في المطبوعة: "إن كان ذا يسار" حذف الواو كما فعل في الأثر السالف: ص: 19 تعليق: 2 والصواب ما في المخطوطة.
(10/34)
عن عكرمة قال : ما كان في القرآن"أو""أو"، فهو فيه بالخيار. وما كان:"فمن لم يجد"، فالذي يليه ثم الذي يليه. (1)
12613 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حفص، عن عمرو، عن الحسن، مثله.
12614 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا ليث، عن عطاء ومجاهد، أنهما قالا في قوله:"فجزاء مثل ما قتل من النعم" قالا ما كان في القران:"أو كذا أو كذا"، فصاحبه فيه بالخيار، أيَّ ذلك شاء فعل.
12615 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: ما كان في القرآن:"أو كذا أو كذا"، فصاحبه فيه بالخيار، أيَّ ذلك شاء فعل.
12616 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا أبو حُرّة، عن الحسن= قال وأخبرنا عبيدة، عن إبراهيم= قالا كل شيء في القرآن"أو""أو"، فهو بالخيار، أيّ ذلك شاء فعل. (2)
12617 - حدثنا هناد قال ، حدثنا حفص، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال : كل شيء في القرآن"أو""أو" فصاحبه مخيَّر فيه، وكل شيء:"فمن لم يجد" فالأول، ثم الذي يليه.
* * *
واختلف القائلون بتخيير قاتل الصيد من المحرمين بين الأشياء الثلاثة، في صفة اللازم له من التكفير بالإطعام والصوم، إذا اختار الكفارة بأحدهما دونَ الهدي.
__________
(1) في المطبوعة: "فمن لم يجد فالأول ثم الذي يليه" وأثبت ما في المخطوطة وهو صواب محض.
(2) الأثر: 12616-"أبو حرة البصري" هو"واصل بن عبد الرحمن" مضى برقم: 6385 وكان في المطبوعة هنا"أبو حمزة" والصواب من المخطوطة.
(10/35)
فقال بعضهم: إذا اختار التكفير بذلك، فإنّ الواجب عليه أن يقوِّم المثلَ من النعم طعامًا، ثم يصوم مكان كلّ مُدّ يومًا
* ذكر من قال ذلك:
12618 - حدثنا هناد قال ، أخبرنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قلت لعطاء: ما"أو عدل ذلك صيامًا" ؟ قال: إن أصاب ما عَدْله شاة، أقيمت الشاة طعامًا، ثم جعل مكان كل مدّ يومًا يصومه.
* * *
وقال آخرون: بل الواجب عليه إذا أراد التكفير بالإطعام أو الصوم، أن يقوِّم الصيد المقتولَ طعامًا، ثم الصدقة بالطعام إن اختار الصدقة. (1) وإن اختار الصوم صام.
* * *
ثم اختلفوا أيضا في الصوم.
فقال بعضهم: يصوم لكل مدّ يومًا.
* * *
وقال آخرون: يصوم مكان كل نصف صاع يومًا.
وقال آخرون: يصوم مكان كل صاع يومًا.
* * *
* ذكر من قال: المقوَّم لإطعام هو الصيد المقتول. (2)
12619 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا شعبة، عن قتادة:"يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد"، الآية، قال : كان قتادة يقول: يحكمان في النعم، فإن كان ليس
__________
(1) في المطبوعة: "ثم يتصدق بالطعام" وأثبت ما في المخطوطة وهو لا بأس به.
(2) في المطبوعة: "المتقوم للإطعام" وفي المخطوطة بهذا الرسم غير منقوطة وصواب قراءتها ما أثبت.
(10/36)
عنده ما يبلغ ذلك، (1) نظروا ثمنه فقوَّموه طعامًا، ثم صام مكان كل صاع يومين.
* * *
وقال آخرون: لا معنى للتكفير بالإطعام، لأن من وجد سبيلا إلى التكفير بالإطعام، فهو واجد إلى الجزاء بالمثل من النعم سبيلا. ومن وجد إلى الجزاء بالمثل من النعم سبيلا لم يجزه التكفير بغيره. قالوا: وإنما ذكر الله تعالى ذكره الكفارة بالإطعام في هذا الموضع، ليدلّ على صفة التكفير بالصوم= لا أنه جعل التكفير بالإطعام إحدى الكفارات التي يكفر بها قتل الصيد. (2) وقد ذكرنا تأويل ذلك فيما مضى قبل. (3)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب عندي في قوله:"فجزاء مثل ما قتل من النعم"، أن يكون مرادا به: فعلى قاتله متعمدًا مثلُ الذي قتل من النعم= لا القيمة، إن اختار أن يجزيه بالمثل من النعم. وذلك أن القيمة إنما هي من الدنانير أو الدراهم. والدراهم أو الدنانير ليست للصيد بمثل، والله تعالى ذكره إنما أوجب الجزاء مثلا من النعم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب عندي في قوله:"أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا" أن يكون تخييرًا، وأن يكون للقاتل الخيار في تكفيره بقتله الصيد وهو محرم بأيِّ هذه الكفارات الثلاث شاء. لأن الله تعالى ذكره، جعل ما أوجبَ في قتل الصيد من الجزاء والكفارة عقوبة لفعله، وتكفيرًا لذنبه، في إتلافه ما أتلف من الصيد الذي كان حرامًا عليه إتلافه في حال إحرامه، وقد كان حلالا له قبل حال إحرامه، كما جعل الفدية من صيام أو صدقة أو نسك في حلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه، وقد كان له حلالا قبل حال
__________
(1) في المطبوعة: "فإن كان ليس صيده ما يبلغ ذلك" وهو خطأ صوابه في المخطوطة.
(2) في المخطوطة: "لأنه جعل التكفير..." وصوابه ما في المطبوعة.
(3) انظر ما سلف ص: 15 وما بعدها.
(10/37)
إحرامه، [عقوبة لفعله، وتكفيرًا لذنبه] وحلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه وقد كان له حلقه قبل حال إحرامه، ثم منع من حلقه في حال إحرامه نظير الصيد. (1) ثم جعل عليه إن حلقه جزاءً من حلقه إياه. فأجمع الجميع على أنه في حلقه إياه إذا حلقه من أذاته، (2) مخيَّر في تكفيره، فعله ذلك بأيِّ الكفارات الثلاث شاء. لا فرق بين ذلك (3) فمثله إن شاء الله قاتل الصيد من المحرمين، (4) .
ومن أبى ما قلنا فيه، قيل له: حكم الله تعالى ذكره على قاتل الصيد بالمثل من النعم، أو كفارة طعام مساكين، أو عدله صيامًا= كما حكم على الحالق بفدية من صيام أو صدقة أو نسك، فزعمتَ أن أحدهما مخيَّر في تكفير ما جعل منه، عِوَضٌ بأيّ الثلاث شاء، وأنكرت أن يكونَ ذلك للآخر، فهل بينك وبين من عكس عليك الأمر في ذلك= فجعل الخيارَ فيه حيث أبيت، وأبى حيث جعلته له= فرقٌ من أصل أو نظير؟ فلن يقول في أحدهما قولا إلا إذا ألزم في الآخر مثله. (5)
__________
(1) كانت هذه الجملة في المطبوعة: "كما جعل الفدية من صيام او صدقة أو نسك في حلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه وقد كان له حلقه قبل حال إحرامه ثم منع من حلقه في حال إحرامه ، نظير الصيد". وهو كلام غير مستقيم وهو اختصار لما في المخطوطة.
وكان في المخطوطة هكذا: "كما جعل الفدية من صيام أو صدقة أو نسك في حلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه وقد كان حلالا قبل حال إحرامه كما جعل الفدية من صيام أو صدقة أو نسك في حلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه ، وقد كان له حلقه قبل حال إحرامه ثم منع من حلقه في حال إحرامه نظير الصيد". وهي جملة مختلطة فيها بلا شك زيادة من الناسخ وهو قوله: "كما جعل الفدية من صيام أو صدقة او نسك" واستظهرت أن مكان هذه العبارة كما وضعته بين القوسين ، لتتم المناظرة بين الفعلين والعقوبتين والجزاءين وبذلك استقام الكلام إن شاء الله.
(2) في المطبوعة: "من إيذائه" وأثبت ما في المخطوطة وهو غير منقوطة.
(3) في المطبوعة والمخطوطة: "في تكفيره فعليه ذلك" وهو خطأ محض صوابه ما أثبت.
(4) في المطبوعة: "فمثله إن شاء الله قاتل الصيد" وفي المخطوطة: "فمثله مما شاله قاتل الصيد" واستظهرت الصواب من نص الآية"ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم".
(5) انظر ما قاله أبو جعفر في الحلق فيما سلف 4: 76- 78.
(10/38)
ثم اختلفوا في صفة التقويم إذا أراد التكفير بالإطعام.
فقال بعضهم: يقوَّم الصيد قيمته بالموضع الذي أصابه فيه. (1) وهو قول إبراهيم النخعي، وحماد، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد. وقد ذكرت الرواية عن إبراهيم وحماد فيما مضى بما يدل على ذلك، (2) وهو نص قول أبي حنيفة وأصحابه.
* * *
وقال آخرون: بل يقوَّم ذلك بسعر الأرض التي يكفِّر فيها. (3)
* ذكر من قال ذلك:
12620 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال في محرم أصاب صيدًا بخراسان، قال : يكفر بمكة أو بمنًى. وقال: يقوّم الطعام بسعر الأرض التي يكفّر بها.
12621 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أبو يمان، عن إسرائيل، عن جابر، عن الشعبي، في رجل أصاب صيدًا بخراسان، قال : يحكم عليه بمكة.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، أن قاتل الصيد إذا جزأه بمثله من النَّعم، فإنما يجزيه بنظيره في خلق وقدره في جسمه، (4) من أقرب الأشياء به شبهًا من الأنعام. فإن جزاه بالإطعام، قوّمه قيمته بموضعه الذي أصابه فيه، لأنه هنالك وجب عليه التكفير بالإطعام. ثم إن شاء أطعم بالموضع الذي أصابه فيه ، وإن شاء بمكة، وإن شاء بغير ذلك من المواضع حيث شاء، لأن الله تعالى ذكره؛ إنما شَرَط بلوغ الكعبة بالهدي في قتل الصيد دون غيره من جزائه، فللجازي
__________
(1) في المطبوعة: "قيمته بالموضع" وأثبت ما في المخطوطة وهو صواب محض وليس في المخطوطة"فيه" وإثباتها واجب.
(2) يعني ما سلف رقم: 12583 ، 12584/ 12604 ، 12605.
(3) في المطبوعة: "يكفر بها" وأثبت ما في المخطوطة.
(4) في المطبوعة والمخطوطة: "في خلق" والجيد ما أثبت.
(10/39)
بغير الهدى أن يجزيه بالإطعام والصوم حيث شاء من الأرض.
* * *
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل العلم.
* ذكر من قال ذلك:
12622 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، حدثنا ابن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن إبراهيم قال: ما كان من دم فبمكة. وما كان من صدقة أو صوم، حيث شاء.
* * *
وقد خالف ذلك مخالفون، فقالوا: لا يجزئ الهدى والإطعام إلا بمكة. فأما الصوم، فإن لم يكن كفَّر، به يصوم حيث شاء من الأرض. (1)
* ذكر من قال ذلك:
12623- حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي= عن حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن عطاء قال : الدم والطعام بمكة، والصيامُ حيث شاء.
12624 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي= عن مالك بن مغول، عن عطاء قال : كفارة الحج بمكة.
12625 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء: أين يُتصدق بالطعام إن بدا له؟ قال: بمكة ، من أجل أنه بمنزله الهدي، قال :"فجزاء مثل ما قتل من النعم أو هديًا بالغ الكعبة" ، من أجل أنه أصابه في حَرَم = يريد البيت = فجزاؤه عند البيت.
* * *
__________
(1) في المطبوعة: "فأما الصوم فإن كفر به يصوم حيث شاء من الأرض" وفي المخطوطة: "فإن لم يكن كفر به أن يصومه حيث شاء من الأرض" وصواب قراءتها ما أثبت.
(10/40)
فأما الهدي، فإنّ من جَزَى به ما قتل من الصيد، (1) فلن يجزئه من كفارة ما قتل من ذلك إلا أن يبلغه الكعبة كما قال تعالى ذكره (2) وينحره أو يذبحه ويتصدق به على مساكين الحرم= وعنَى بالكعبة في هذا الموضع، الحرم كله. (3) ولمن قدَّم بهديه الواجبَ من جزاء الصيد، أن ينحره في كل وقت شاء، قبل يوم النحر وبعده، ويطعمه. وكذلك إن كفر بالطعام، (4) فله أن يكفر به متى أحب وحيث أحب. وإن كفّر بالصوم فكذلك.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، خلا ما ذكرنا من اختلافهم في التكفير بالإطعام على ما قد بينا فيما مضى.
* ذكر من قال ذلك:
12626 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قلت لعطاء:"أو عدل ذلك صيامًا" ، هل لصيامه وقت؟ قال: لا إذ شاء وحيث شاء، وتعجيله أحبُّ إليّ.
12627 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قلت لعطاء: رجل أصابَ صيدًا في الحج أو العمرة، فأرسل بجزائه إلى الحرم في المحرَّم أو غيره من الشهور، أيجزئ عنه؟ قال: نعم. ثم قرأ:"هديًا بالغ الكعبة" = قال هناد: قال يحيى: وبه نأخذ. (5)
__________
(1) في المطبوعة: "فأما الهدي ، فإنه من جراء ما قتل من الصيد" وهو كلام فاسد جدا وفي المخطوطة: "فإن من جرائه ما قتل من الصيد" غير منقوطة وهذا صواب قراءتها.
(2) في المطبوعة: "إلا أن يبلغه الكعبة طيبا وينحره أو يذبحه" وهو فاسد المعنى وفي المخطوطة: "إلا أن يبلغه الكعبة طيبا قال تعالى ذكره وينحره..." وصواب قراءة"طسا" غير منقوطة"كما" كما أثبتها.
(3) في المطبوعة: "ويعني بالكعبة" وفي المخطوطة"وعنا بالكعبة" وصواب قراءتها ما أثبت.
(4) في المطبوعة: "بالطعام" وأثبت ما في المخطوطة.
(5) الأثر: 12627-"يحيى" هو"ابن أبي زائدة" وهو: "يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة" ومضى مرارا.
(10/41)
12628- حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج وابن أبي سليم، عن عطاء قال : إذا قدمتَ مكة بجزاء صيدٍ فانحره، فإن الله تعالى ذكره يقول:"هديًا بالغ الكعبة" ، إلا أن يقدَم في العشر، فيؤخِّرُه إلى يوم النحر. (1)
12629- حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، حدثنا ابن جريج، عن عطاء قال : يتصدّق الذي يصيب الصيدَ بمكة. فإن الله تعالى ذكره يقول:"هديًا بالغ الكعبة" .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أو على قاتل الصيد محرِمًا، عدلُ الصّيد المقتول من الصيام. وذلك أن يقوّم الصيد حيًّا غير مقتول قيمته من الطعام بالموضع الذي قتله فيه المحرم، ثم يصوم مكان كل مدٍّ يومًا. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عَدَل المدَّ من الطعام بصوم يوم في كفَّارة المُوَاقع في شهر رمَضَان. (2)
* * *
فإن قال قائل: فهلا جعلت مكان كلّ صاع في جزاءِ الصيد، صومَ يوم، قياسًا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم في نظيره، وذلك حكمه على كَعْب بن عُجْرة إذ أمره أن يطعم إنْ كفَّر بالإطعام فَرْقًا من طعام، وذلك ثلاثة آصُعٍ بين ستّة مساكين (3) = إنْ كفر بالصيام أن يصوم ثلاثة أيام، فجعل الأيام
__________
(1) في المطبوعة: "فيخر" بغير ضمير وأثبت ما في المخطوطة.
(2) انظر الأخبار في كفارة من أتى أهله في نهار رمضان وهو صائم في السنن الكبرى البيهقي 4: 221- 225.
(3) انظر خبر"كعب بن عجرة" إذ شكا رأسه من صئبانه ، فيما سلف في التفسير 4: 58- 69 الآثار رقم: 3334- 3359.
(10/42)
الثلاثة في الصوم عَدْلا من إطعام ثلاثة آصع، فإن ذلك بالكفارة في جزاءِ الصيد، أشبهُ من الكفارة في قتلِ الصيد بكفَّارة المُواقع امرأتَه في شهر رمضان؟. قيل: إن"القياس"، إنما هو رَدُّ الفروع المختلف فيها، إلى نظائرها من الأصول المجمع عليها. ولا خلافَ بين الجميع من الحجّة أنه لا يجزئ مكفِّرًا كفَّر في قتل الصيد بالصوم، أن يعدِلَ صوم يوم بصاعِ طعام. فإذْ كان ذلك كذلك، وكان غير جائز خلافها فيما حدَّثت به من الدين مجمعةً عليه، (1) صحَّ بذلك أن حكم معادلة الصوم الطعامَ في قتل الصيد، مخالف حكم معادلته إيَّاه في كفارة الحلق، إذْ كان غير جائز ردّ أصْلٍ على أصْلٍ قياسًا. وإنما يجوز أن يقاس الفرعُ على الأصل. (2) وسواء قال قائل:"هلا رددتَ حكم الصوم في كفارة قتلِ الصيد، على حكمه في حَلْق الأذى فيما يُعْدل به من الطعام" ؟= وآخر قال:"هلا رددت حكم الصوم في الحلق، على حكمه في كفارة قتل الصيد فيما يُعدلُ به من الطعام، فتُوجب عليه مكان كل مدٍّ أو مكان كل نصف صاع صومَ يوم"؟
* * *
وقد بينا فيما مضى قبل أن"العَدْل" في كلام العرب بالفتح، هو قدر الشيء من غير جنسه= (3) وأن"العِدْل" هو قدره من جنسه. (4)
وقد كان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول:"العدل" مصدر من قول القائل:"عَدَلت بهذا عَدْلا حسنًا". قال:"والعَدْل" أيضًا بالفتح،
__________
(1) في المطبوعة: "حدت به من الدين" (بتشديد الدال والتاء في آخره) وفي المخطوطة"حدث به" بالثاء وصواب قراءتها ما أثبت.
(2) في المطبوعة والمخطوطة: "إذا كان غير جائز وداخل على آخر قياسا" وفي المخطوطة مثلها مهملة غير منقوطة. وهو كلام لا معنى له ، بل الصواب المحض ما أثبت وذلك أن الكاتب كتب: "وداحل" وصوابها: "رد أصل" ثم كتب"على أحر" وصوابها: "على أصل" وهو ظاهر كلام أبي جعفر كما رأيت قبل ، وكما ترى بعد.
(3) في المطبوعة: "وهو قدر..." بزيادة"الواو" وهو خطأ.
(4) انظر تفسير"العدل" فيما سلف 2: 35 ، 574. ثم معاني القرآن للفراء 1: 320 ، ثم مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 53 ، 175 ، 176.
(10/43)
المثل. ولكنهم فرَّقوا بين"العدل" في هذا وبين"عِدْل المتاع"، بأن كسروا"العين" من"عِدْل المتاع"، وفتحوها من قول الله تعالى: (1) وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ [سورة البقرة:123]، وقول الله عز وجل:"أو عدل ذلك صيامًا" ، كما قالوا:"امرأة رَزان" وحجر رَزين". (2)
وقال بعضهم:"العدل" هو القسط في الحق، و"العِدْل" بالكسر، المثل. وقد بينا ذلك بشواهد فيما مضى. (3) .
* * *
وأما نصب"الصيام" فأنه على التفسير، (4) كما يقال:"عندي ملء زقٍّ سمنًا"، و"قدر رطلٍ عسلا". (5)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. (6)
__________
(1) في المطبوعة: "من قولهم" وفي المخطوطة: "من قول هم" وهو خطأ غريب والصواب ما كتبت إن شاء الله.
(2) نص هذا الكلام ذكره صاحب لسان العرب في مادة (عدل) ولم يشر إليه في مادة (رزن) فهو مما يقيد في اللسان في موضعه. وجاء في اللسان"وعجز رزين" وهو خطأ يصحح ، إنما الصواب"وحجر" و"حجر رزين": ثقيل. وقد صرح صاحب أساس البلاغة فقال: "وامرأة رزان ، ولا يقال"رزينة".
(3) يعني ما سلف في 2: 35.
(4) "التفسير" هو التمييز وانظر ما سلف في فهارس المصطلحات.
(5) انظر معاني القرآن للفراء 1: 320.
(6) عند هذا الموضع انتهى المجلد الثامن من مخطوطة التفسير التي اعتمدناها. وفيها هنا ما نصه:
"تم المجلد الثامن بحمد الله وعونه
وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه وسلم كثيرا.
يتلوه في التاسع إن شاء الله تعالى:
ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا أبو
عاصم قال ، أخبرنا ابن جريج قال قلت لعطاء: ما
"عَدْل ذلك صيامًا"؟
قال: عدل الطعام من الصيام.
وكان الفراغ منه في شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وسبعمئة".
ثم يليه في أول الجزء التاسع ما نصه:
"بسْم الله الرَّحمن الرحِيمِ
رَبِّ يَسِّرْ
بقية تفسير: "أَوْ عَدْلُ ذلك صِيَامًا".
(10/44)
12630- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قلت لعطاء: ما"عدل ذلك صيامًا"؟ قال: عَدْل الطعامِ من الصيام. قال: لكل مدٍّ يومًا، يأخذ زعَم بصيام رمضان وبالظِّهار. (1) وزعم إن ذلك رأى يراه، ولم يسمعه من أحد، ولم تمض به سنة. قال: ثم عاودته بعد ذلك بحين، قلت: ما"عدل ذلك صيامًا"؟ قال: إن أصاب ما عَدْله شاةٌ، قوِّمت طعامًا، ثم صام مكان كل مدٍّ يومًا. قال: ولم أسأله: هذا رأي أو سنة مسنونة ؟
12631 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير في قوله عز وجل:"أو عدل ذلك صيامًا" ، قال: بصوم ثلاثةَ أيام إلى عشرة أيام.
12632 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد:"أو عدل ذلك صيامًا" ، من الجزاء، إذا لم يجد ما يشتري به هديًا، أو ما يتصدق به مما لا يبلُغ ثمنَ هدي، حكم عليه الصيامُ مكان كل نصفِ صاعٍ يومًا.
12633 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"أو عدل ذلك صيامًا" ، قال: إذ قتل المحرم شيئًا من الصيد، حكم عليه فيه. فإن قتل ظبيًا أو نحوه، فعليه شاة تذبح بمكة. فإن لم يجدها، فإطعام ستة مساكين. فإن لم يجد فصيام
__________
(1) في المطبوعة: "يؤخذ" وأثبت ما في المخطوطة وهو الصواب. ومعنى قوله: "يأخذ" هنا ، يعني به يقيس ذلك بكفارة المواقع أهله في نهار رمضان ، وبكفارة الظهار.
(10/45)
ثلاثة أيام. وإن قتل أيِّلا أو نحوه، فعليه بقرة. فإن لم يجد أطعم عشرين مسكينًا، فإن لم يجد، صام عشرين يومًا. وإن قتل نعامةً أو حمارَ وحش أو نحوه، فعليه بدنة من الإبل. فإن لم يجد، أطعم ثلاثين مسكينًا. فإن لم يجد، صام ثلاثين يومًا. والطعام: مدٌّ مدٌّ، شِبَعَهم. (1)
12634 - حدثنا ابن البرقي قال ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد، [سألته] المحرِم يصيب الصيد (2) فيكون عليه الفدية، شاة، أو البقرة أو البدنة. فلا يجد، (3) فما عدل ذلك من الصيام أو الصدقة؟ قال: ثمن ذلك، فإن لم يجد ثمنه، قوّم ثمنه طعامًا يتصدق به لكل مسكين مُدّ، ثم يصومُ بكُلّ مدٍّ يومًا. (4)
* * *
القول في تأويل قوله : { لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: أوجبت على قاتل الصيد محرمًا ما أوجبت من الجزاء والكفارة الذي ذكرت في هذه الآية، (5) كي يذوق وبال أمره وعذابه.
* * *
يعني:"بأمره"، ذنبه وفعله الذي فعله من قتله ما نهاه الله عز وجل عن قتله في حال إحرامه.
* * *
__________
(1) الأثر: 12633- مضى هذا الأثر برقم: 12600 وفيه"شبعهم" بغير واو. وفي المخطوطة هنا"وشبعهم" بالواو والجيد حذف الواو. وفي المطبوعة هنا غيرها كما غيرها في الموضع السالف وكتب: "يشبعهم".
(2) في المطبوعة: "عن سعيد: المحرم..." وفي المخطوطة: "عن سعيد: عن المحرم" فظاهر أنه سقط من الناسخ قوله: "وسألته" كما أثبتها بين القوسين وهو حق السياق كما ترى. والذي حذفه لناشر"عن" حذف مفسد للكلام.
(3) في المطبوعة: "... أو البدنة فإن لم يجد فما عدل ذلك..." وهو تغيير فاسد جدا ، أداه إليه التصرف المعيب كما رأيت في التعليق السالف.
(4) في المطبوعة: "لكل مد" باللام وأثبت ما في المخطوطة.
(5) في المطبوعة: "ما أوجبت من الحق او الكفارة" وهو كلام لا معنى له ، وفي المخطوطة: "ما أوجبت من الحق او الكفارة" غير منقوطة وهذا صواب قراءتها كما أثبته.
(10/46)
يقول: فألزمته الكفارة التي ألزمته إياها، لأذيقه عقوبة ذنبه. بإلزامه الغرامة، والعمل ببدنه مما يتعبه ويشق عليه. (1) .
* * *
وأصل"الوبال"، الشدّة في المكروه، ومنه قول الله عز وجل: فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا [سورة المزمل:16].
* * *
وقد بيّن تعالى ذكره بقوله:"ليذوق وبالَ أمره" ، أنَّ الكفاراتِ اللازمةَ الأموالَ والأبْدَانَ ، عقوباتٌ منه لخلقه، وإن كانت تمحيصًا لهم، وكفارةً لذُنُوبهم التي كفَّروها بها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
12635 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: أما"وبال أمره"، فعقوبة أمرِه.
* * *
القول في تأويل قوله : { عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ }
قال أبو جعفر: يقول جل من قائل لعباده المؤمنين به وبرسوله صلى الله عليه وسلم: عفا الله ، أيها المؤمنون، عمَّا سلف منكم في جاهليتكم، من إصابتكم الصيد وأنتم حُرُم، و قتلِكموه، فلا يؤاخذكم بما كان منكم في ذلك قبل تحريمه إياه عليكم، ولا يلزمكم له كفارةً في مال ولا نفس. ولكن من عاد منكم لقتله وهو محرم،
__________
(1) انظر تفسير"ذاق" فيما سلف 7: 96 ، 446 ، 4528: 487.
(10/47)
بعد تحريمه بالمعنى الذي كان يَقْتُله في حال كفره، وقبل تحريمه عليه، من استحلاله قتلَه، فينتقم الله منه. (1)
* * *
وقد يحتمل أن يكون معناه: (2) من عاد لقتله بعد تحريمه في الإسلام، فينتقم الله منه في الآخرة. فأما في الدنيا، فإن عليه من الجزاء والكفَّارة فيها ما بيَّنت.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
12636 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قلت لعطاء: ما"عفا الله عما سلف" ؟ قال: عما كان في الجاهلية. قال قلت: ما"ومن عاد فينتقم الله منه" ؟ قال: من عاد في الإسلام، فينتقم الله منه. وعليه مع ذلك الكفارة.
12637- حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قلت لعطاء، فذكر نحوه= وزاد فيه، وقال: وإن عاد فقتل، عليه الكفارة. قلت: هل في العَوْد من حدٍّ يعلم؟ قال: لا قلت: فترى حقًّا على الإمام أن يعاقبه؟ قال: هو ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله، ولكن يفتدي.
12638- حدثنا سفيان قال ، حدثنا محمد بن بكر وأبو خالد، عن ابن جريج، عن عطاء:"ومن عاد فينتقم الله منه" ، قال: في الإسلام، وعليه مع ذلك الكفارة. قلت: عليه من الإمام عقوبة؟ قال: لا. (3)
__________
(1) انظر تفسير"عفا" فيما سلف من فهارس اللغة= وتفسير"سلف" فيما سلف 6: 14/ 8: 137 ، 150.
(2) في المطبوعة: "أن يكون ذلك معناه" زاد"ذلك" ليهلك العبارة!! وليست في المخطوطة.
(3) الأثر: 12638-"سفيان" هو: "سفيان بن وكيع". مضى مرارا.
*و"محمد بن بكر بن عثمان البرساني" مضى برقم: 5438.
*و"أبو خالد" هو الأحمر"سليمان بن حيان الأزدي" مضى برقم: 3956.
(10/48)
12639- حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي= عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء:"عفا الله عما سلف" ، عمَّا كان في الجاهلية="ومن عاد" ، قال: في الإسلام="فينتقم الله منه" ، وعليه الكفارة. قال قلت لعطاء: فعليه من الإمام عقوبة؟ قال: لا.
12640- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال : يحكم عليه في الخطإ والعمد والنسيان، وكلَّما أصاب، قال الله عز وجل:"عفا الله عما سلف" ، قال: ما كان في الجاهلية="ومن عاد فينتقم الله منه" ، مع الكفارة= قال سفيان، قال ابن جريج: فقلت: أيعاقبه السلطان؟ قال: لا.
12641- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن بكر وأبو خالد، عن ابن جريج قال ، قلت لعطاء:"عفا الله عما سلف" ، قال: عما كان في الجاهلية.
12642 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: يحكم عليه كلَّما عاد.
12643 - حدثنا هناد قال ، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد قال : كلَّما أصاب المحرم الصيد ناسيًا حُكِم عليه.
12644 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم قال : كلَّما أصاب الصيدَ المحرمُ حُكِم عليه.
12645 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء قال : من قتل الصيد ثم عاد ، حكم عليه.
12646 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن جبير قال : يحكم عليه ، أفيُخْلَع! أفيُتْرك!. (1)
__________
(1) في المطبوعة: "فيخلع أو يترك" فأفسد معنى الكلام إفسادا والصواب من المخطوطة. وهذا الاستفهام تعجب ممن سأله: "أيحكم عليه كلما عاد" فأجابه بذلك تأكيدا للحكم عليه كلما قتل الصيد. يعني أن العائد عليه الحكم في كل مرة! وإلا لأصبح مخلوعا متروكا يفعل بعد ذلك ما شاء في قتله الصيد وهو محرم. وانظر الأثر الآتي رقم: 12652.
(10/49)
12647 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا داود بن أبي هند، عن سعيد بن جبير: الذي يصيب الصيد وهو محرم فيحكم عليه ثم يعود؟ قال: يحكم عليه.
12648 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا كثير بن هشام قال ، حدثنا الفرات بن سلمان، عن عبد الكريم، عن عطاء قال : يحكم عليه كلَّما عاد. (1)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: عفا الله عما سلف منكم في ذلك في الجاهلية، ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه ، بإلزامه الكفّارة.
* ذكر من قال ذلك:
12649 - حدثني ابن البرقي قال ، حدثنا عمرو، عن زهير، عن سعيد بن جبير وعطاء في قوله الله تعالى ذكره :"ومن عاد فينتقم الله منه" ، قالا"ينتقم الله"، يعني بالجزاء="عفا الله عما سلف" ، في الجاهلية.
* * *
وقال آخرون في ذلك: عفا الله عما سلف من قتل من قتلَ منكم الصيدَ حرامًا في أول مرة. ومن عاد ثانية لقتله بعد أولى حرامًا، فاللهُ وليُّ الانتقام منه ، دون كفارة تلزمه لقتله إياه.
* ذكر من قال ذلك:
12650 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني
__________
(1) الأثر: 12648-"كثير بن هشام الكلابي" أبو سهل الرقي. نزل بغداد روى عنه أحمد وإسحق وابن معين ومحمد بن بشار بندار وغيرهم. مترجم في التهذيب والكبير للبخاري 4 1/218 وابن أبي حاتم 3/2/158.
و"الفرات بن سلمان الحضرمي الجزري الرقي" قال أبو حاتم: "لا بأس به محله الصدق صالح الحديث مترجم في تعجيل المنفعة: 331 والبخاري في الكبير 41/129 ولم يذكر فيه جرحا وابن أبي حاتم 32/80 وكان في المطبوعة: "بن سليمان" والصواب من المخطوطة.
ثم انظر إسناد الأثر التالي رقم: 12663
(10/50)
معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: من قتل شيئًا من الصيد خطأ وهو محرم، حكم عليه فيه مرة واحدة. فإن عاد يقال له:"ينتقم الله منك"، كما قال الله عز وجل.
12651- حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي قال ، حدثنا فضيل بن عياض، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال . إذا أصاب المحرم الصيدَ حُكم عليه. فإن عاد ، لم يحكم عليه، وكان ذلك إلى الله عز وجل، إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه. ثم قرأ هذه الآية:"ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام" .
12652- حدثنا هناد قال ، حدثنا يحيى بن أبي زائدة قال ، حدثنا داود، عن عامر قال : جاء رجل إلى شريح فقال: إني أصبت صيدًا وأنا محرم! فقال: هل أصبت قبل ذلك شيئًا؟ قال: لا. قال: لو قلت"نعم" ، وكلتك إلى الله يكون هو ينتقم منك، إنه عزيز ذو انتقام! قال داود: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال: بل يحكم عليه، أفَيخْلَع! (1)
12653- حدثني أبو السائب وعمرو بن علي قالا حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال : إذا أصابَ الرجلُ الصيدَ وهو محرم، قيل له أصبت صيدًا قبل هذا؟ (2) فإن قال:"نعم"، قيل له: اذهب، فينتقم الله منك! وإن قال"لا"، حكم عليه.
12654- حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم ، في الذي يقتل الصيد ثم يعود ، قال : كانوا يقولون: من عاد لا يحكم عليه، أمرُه إلى الله عز وجل.
12655 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا ابن عيينة، عن داود بن أبي هند،
__________
(1) في المطبوعة: "أو يخلع" غير ما في المخطوطة بلا طائل والصواب ما أثبت من المخطوطة وانظر ما فعله في خاتمة الأثر رقم: 12646 والتعليق عليه ص49. رقم: 1.
(2) في المطبوعة والمخطوطة: "مثل هذا" وهو خطأ صوابه ما أثبت.
(10/51)
عن الشعبي: أن رجلا أتى شريحًا فقال: أصبت صيدًا؟ ، قال: أصبت قبله صيدًا؟ قال: لا. قال : أما إنك لو قلت"نعم"، لم أحكم عليك.
12656 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا ابن أبي عدي قال ، حدثنا داود، عن الشعبي، عن شريح، مثله.
12657 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم، عن الأشعث، عن محمد، عن شريح ، في الذي يصيب الصيد قال : يحكم عليه، فإن عاد انتقمَ الله منه.
12658 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكّام بن سلم، عن عنبسة، عن سالم، عن سعيد بن جبير:"ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثلُ ما قتل من النعم بحكم به ذوا عدل منكم" ، قال: يحكم عليه في العمد مرة واحدة، فإن عاد لم يحكم عليه ، وقيل له:"اذهب ينتقم الله منك"، ويحكم عليه في الخطأ أبدًا.
12659 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن سعيد بن جبير قال : رُخّص في قتل الصيد مرة، فمن عاد لم يدعه الله تعالى ذكره حتى ينتقم منه.
12660 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، مثله.
12661 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي ، جميعًا عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس ، فيمن أصاب صيدًا فحكم عليه، ثم أعاد ، قال : لا يحكم، ينتقم الله منه.
12662 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إنما قال الله عز وجل:"ومن قتله منكم متعمدًا" ، يقول: متعمدًا لقتله ، ناسيًا لإحرامه، فذلك الذي يحكم عليه، فإن عاد لا يحكم عليه، وقيل له:"ينتقم الله منك".
12663 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا كثير بن هشام قال ، حدثنا الفرات
(10/52)
بن سلمان، عن عبد الكريم، عن مجاهد: إن عاد لم يحكم عليه، وقيل له:"ينتقم الله منك". (1)
12664 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا يحيى بن سعيد قال ، حدثنا الأشعث، عن الحسن ، في الذي يصيب الصيد فيحكم عليه ثم يعود ، قال : لا يحكم عليه.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: عفا الله عما سلف من قتلكم الصيد قبل تحريم الله تعالى ذكره ذلك عليكم. ومن عاد لقتله بعد تحريم الله إياه عليه ، عالمًا بتحريمه ذلك عليه، عامدًا لقتله، ذاكرًا لإحرامه، فإن الله هو المنتقم منه، ولا كفارة لذنبه ذلك، ولا جزاء يلزمه له في الدنيا.
* ذكر من قال ذلك:
12665 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله:"ومن عاد فينتقم الله منه" ، قال: من عاد بعد نهي الله - بعد أن يعرف أنه محرَّم ، وأنه ذاكرٌ لِحُرْمه (2) - لم ينبغ لأحد أن يحكم عليه، ووكلوه إلى نقمة الله عز وجل. فأما الذي يتعمد قتلَ الصيد وهو ناس لحرمه، أو جاهل أنّ قتله محرَّم، فهؤلاء الذين يحكم عليهم. فأما من قتله متعمدًا بعد نهي الله ، وهو يعرف أنه محرَّم ، وأنه حَرام، (3) فذلك يوكل إلى نقمة الله، فذلك الذي جعل الله عليه النقمة.
* * *
وهذا شبيه بقول مجاهد الذي ذكرناه قبل. (4)
* * *
__________
(1) الأثر: 12663-"كثير بن هشام الكلابي" و"الفرات بن سلمان الجزري" مضيا قريبا برقم: 12648 ، وكان في المطبوعة هنا أيضا"الفرات بن سليمان" وهو خطأ صوابه ما في المخطوطة.
(2) "الحرم" (بضم الحاء وسكون الراء): الإحرام وقد سلف شرحه.
(3) "حرام" أي: محرم.
(4) يعني ما سلف رقم: 12662.
(10/53)
وقال آخرون: عُنِي بذلك شخصٌ بعينه.
* ذكر من قال ذلك:
12666 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا معتمر بن سليمان قال ، حدثنا زيد أبو المعلى: أن رجلا أصاب صيدًا وهو محرم، فتجُوِّز له عنه. ثم عاد، فأرسل الله عليه نارًا فأحرقته، فذلك قوله:"ومن عاد فينتقم الله منه" ، قال: في الإسلام. (1)
* * *
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا، قولُ من قال: معناه:"ومن عاد في الإسلام لقتله بعد نهي الله تعالى ذكره عنه، فينتقم الله منه، وعليه مع ذلك الكفارة"، لأن الله عز وجل إذْ أخبر أنه ينتقم منه، لم يخبرنا= وقد أوجب عليه في قتله الصيد عمدًا ما أوجب من الجزاء أو الكفارة بقوله:"ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثلُ ما قتل من النعم" = أنه قد أزال عنه الكفارة في المرة الثانية والثالثة، بل أعلم عبادَه ما أوجبَ من الحكم على قاتل الصيد من المحرمين عمدًا، ثم أخبر أنه منتقم ممن عاد، ولم يقل:"ولا كفارة عليه في الدنيا".
* * *
فإن ظن ظانّ أن الكفارة مزيلةٌ العقابَ، (2) ولو كانت الكفارةُ لازمةً له في الدنيا ، لبطلَ العقاب في الآخرة، فقد ظنّ خطأ. وذلك أن الله عز وجلّ أن يخالف بين عقوبات معاصيه بما شاء وأحب ، فيزيد في عقوبته على بعض معاصيه مما ينقصُ من بعض، وينقص من بعض مما يزيد في بعض، كالذي فعل من ذلك في مخالفته بين عقوبته الزانيَ البكرَ والزانيَ الثيِّبَ المحصن، وبين سارق
__________
(1) الأثر: 12666-"زيد""أبو المعلى" مترجم في"زيد بن مرة" و"زيد بن أبي ليلى""أبو المعلى" مولى بني العدوية. قال أبو حاتم: "صالح الحديث" وقال أبو داود الطيالسي: "وكان ثقة". مترجم في لسان الميزان 2: 511 والكبير للبخاري 2/1/370 ، وعلق عليه ناشر التاريخ. تعليقا وافيا. وابن أبي حاتم 1/2/573.
(2) في المطبوعة: "مزيلة للعقاب" بزيادة اللام وهو تغيير لعبارة أبي جعفر في المخطوطة. وقوله: "العقاب" منصوب مفعول به لقوله: "مزيلة".
(10/54)
ربع دينار وبين سارق أقلَّ من ذلك . فكذلك خالف بين عقوبته قاتلَ الصيد من المحرمين عمدًا ابتداءً ، وبين عقوبته عَوْدًا بعد بدء. فأوجب على الباديء المثلَ من النعم، أو الكفارة بالإطعام، أو العدل من الصيام، وجعل ذلك عقوبة جُرْمه بقوله:"ليذوق وبال أمره" ، وجعل على العائد بعد البدء، وزاده من عقوبته ما أخبر عبادَه أنه فاعل به من الانتقام ، تغليظًا منه عز وجل للعود بعد البدء. ولو كانت عقوباته على الأشياء متفقة، لوجب أن لا يكون حدٌّ في شيء ، مخالفًا حدًّا في غيره، ولا عقابٌ في الآخرة ، أغلظ من عقابٍ. وذلك خلاف ما جاء به محكم الفرقان.
* * *
وقد زعم بعض الزاعمين أن معنى ذلك: ومن عاد في الإسلام بعد نَهْي الله عن قتله = لقتله بالمعنى الذي كان القوم يقتلونه في جاهليتهم، فعفا لهم عنه عند تحريم قتله عليهم، وذلك قتله على استحلال قتله . قال: فأما إذا قتله على غير ذلك الوجه= وذلك أن يقتله على وجه الفسوق لا على وجه الاستحلال= فعليه الجزاء والكفارة كلَّما عاد.
وهذا قول لا نعلم قائلا قاله من أهل التأويل. وكفي خطأ بقوله ، خروجه عن أقوال أهل العلم ، لو لم يكن على خطئه دلالة سواه، فكيف وظاهر التنزيل ينبئ عن فساده؟ وذلك أن الله عز وجل عمّ بقوله:"ومن عاد فينتقم الله منه" ، كلَّ عائد لقتل الصيد بالمعنى الذي تقدم النهي منه به في أوّل الآية، ولم يخصّ به عائدًا منهم دون عائد. فمن ادَّعى في التنزيل ما ليس في ظاهره ، كُلِّف البرهانَ على دعواه من الوجه الذي يجب التسليمُ له.
* * *
وأما من زعم أن معنى ذلك: ومن عاد في قتله متعمدًا بعد بدء لقتل تقدم منه في حال إحرامه ، فينتقم الله منه، كان معنى قوله: (1) "عفا الله عما سلف" ،
__________
(1) في المطبوعة: "فإن معنى قوله" وهو خطأ في قراءة المخطوطة وإفساد للسياق والمعنى جميعا.
(10/55)
إنما هو: عفا الله عما سلف من ذنبه بقتله الصيد بدءًا= (1) فإنّ في قول الله تعالى ذكره :"ليذوق وبال أمره" ، دليلا واضحًا على أن القول في ذلك غير ما قال ، لأن العفو عن الجرم: تركُ المؤاخذة به. ومن أذيق وبال جرمه ، فقد عوقب به. وغير جائز أن يقال لمن عوقب:"قد عفي عنه". وخبر الله عز وجل أصدق من أن يقع فيه تناقض.
* * *
فإن قال قائل: وما ينكر أن يكون قاتل الصيد من المحرمين في أوّل مرّة ، قد أذيق وبال أمره بما ألزم من الجزاء والكفارة، وعفي له من العقوبة بأكثر من ذلك مما كان لله عز وجل أن يعاقبه به؟
قيل له: فإن كان ذلك جائزًا أن يكون تأويلَ الآية عندك= وإن كان مخالفًا لقول أهل التأويل= فما تُنكر أن يكون الانتقام الذي أوعده الله تعالى ذكره على العود بعد البدء، هو تلك الزيادة التي عفاها عنه في أول مرة ، (2) مما كان له فعله به مع الذي أذاقه من وبال أمره، فيذيقه في عوده بعد البدء وبالَ أمره الذي أذاقه المرة الأولى= ويترك عفوَه عما عفا عنه في البدء، فيؤاخذه به؟ فلن يقول في ذلك شيئا إلا ألزم في الآخر مثله. (3)
* * *
القول في تأويل قوله : { وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) }
قال أبو جعفر: يقول عز وجل: والله منيعٌ في سلطانه، لا يقهره قاهرٌ، ولا يمنعه من الانتقام ممن انتقم منه، ولا من عقوبة من أراد عقوبته ، مانع. لأن
__________
(1) قوله: "فإن قول الله..ز" جواب قوله: "فأما من زعم...".
(2) يقال: "عفا له ذنبه" متعديا و"عفا له عن ذنبه" لازما.
(3) في المطبوعة: "فلم يقل في ذلك شيئا" وفي المخطوطة: "فلم يقول..." وصواب قراءتها ما أثبت.
(10/56)
الخلق خلقه، والأمر أمره، له العزة المَنَعة. (1)
وأما قوله:"ذو انتقام" ، فإنه يعني به: معاقبتَه لمن عصاه على معصيته إياه.
* * *
__________
(1) انظر تفسير"عزيز" فيما سلف 10: 289 تعليق 1 ، والمراجع هناك.
=======

المائدة - تفسير الدر المنثور
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ وَأَطيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول واحذروا فَإِن توليتم فاعلموا أَنما على رَسُولنَا الْبَلَاغ الْمُبين لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ اتَّقوا وأمنوا ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ
(3/156)
- أخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ حرمت الْخمر ثَلَاث مَرَّات قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم يشربون الْخمر ويأكلون الميسر فسألوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُمَا فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْبَقَرَة الْآيَة 219 الْآيَة
فَقَالَ النَّاس مَا حرم علينا إِنَّمَا قَالَ إِثْم كَبِير وَكَانُوا يشربون الْخمر حَتَّى كَانَ يَوْم من الْأَيَّام صلى رجل من الْمُهَاجِرين أمّ أَصْحَابه فِي الْمغرب خلط فِي قِرَاءَته فَأنْزل الله أغْلظ مِنْهَا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ} النِّسَاء الْآيَة 43 وَكَانَ النَّاس يشربون حَتَّى يَأْتِي أحدهم الصَّلَاة وَهُوَ مغتبق ثمَّ نزلت آيَة أغْلظ من ذَلِك {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} قَالُوا: انتهينا رَبنَا فَقَالَ النَّاس: يَا رَسُول الله نَاس قتلوا فِي سَبِيل الله وماتوا على فرشهم كَانُوا يشربون الْخمر ويأكلون الميسر وَقد جعله الله رجساً من عمل الشَّيْطَان فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح} إِلَى آخر الْآيَة
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو حرم عَلَيْهِم لتركوه كَمَا تركْتُم
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر قَالَ: نزل فِي الْخمر ثَلَاث آيَات فأوّل شَيْء نزل {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْبَقَرَة الْآيَة 219 الْآيَة
فَقيل حرمت الْخمر فَقَالُوا: يَا رَسُول الله دَعْنَا ننتفع بهَا كَمَا قَالَ الله فَسكت عَنْهُم
ثمَّ نزلت هَذِه الْآيَة {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 فَقيل: حرمت الْخمر
فَقَالُوا: يَا رَسُول الله لَا نشربها قرب الصَّلَاة
(3/157)
فَسكت عَنْهُم ثمَّ نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حرمت الْخمر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والنحاس فِي ناسخه عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: فيَّ نزل تَحْرِيم الْخمر صنع رجل من الْأَنْصَار طَعَاما فَدَعَانَا فَأَتَاهُ نَاس فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا حَتَّى انتشوا من الْخمر
وَذَلِكَ قبل أَن تحرم الْخمر
فتفاخروا فَقَالَت الْأَنْصَار: الْأَنْصَار خير وَقَالَت قُرَيْش: قُرَيْش خير
فَأَهوى رجل بِلحي جزور فَضرب على أنفي ففزره فَكَانَ سعد مفزور الْأنف قَالَ: فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن شهَاب أَن سَالم بن عبد الله حَدثهُ
أَن أول مَا حرمت الْخمر إِن سعد بن أبي وَقاص وأصحاباً لَهُ شربوا فَاقْتَتلُوا فكسروا أنف سعد فَأنْزل الله {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ نزلت فيَّ ثَلَاث آيَات من كتاب الله نزل تَحْرِيم الْخمر نادمت رجلا فعارضته وعارضني فعربدت عَلَيْهِ فشججته فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} وَنزلت فيَّ {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حسنا} العنكبوت الْآيَة 8 {حَملته أمه كرها} إِلَى آخر الْآيَة وَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} المجادلة الْآيَة 12 فَقدمت شعيرَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّك لَزَهِيد فَنزلت الْآيَة الْأُخْرَى {أَأَشْفَقْتُم أَن تقدمُوا} المجادلة الْآيَة 13 الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا نزل تَحْرِيم الْخمر فِي قبيلتين من قبائل الْأَنْصَار شربوا فَلَمَّا أَن ثمل الْقَوْم عَبث بَعضهم بِبَعْض فَلَمَّا أَن صحوا جعل يرى الرجل مِنْهُم الْأَثر بِوَجْهِهِ وبرأسه ولحيته فَيَقُول: صنع بِي هَذَا أخي فلَان وَكَانُوا إخْوَة لَيْسَ فِي قُلُوبهم ضغائن وَالله لَو كَانَ بِي رؤوفاً مَا صنع
(3/158)
بِي هَذَا حَتَّى وَقعت الضغائن فِي قُلُوبهم فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فَقَالَ نَاس من المتكلفين: هِيَ رِجْس وَهِي فِي بطن فلَان قتل يَوْم بدر وَفُلَان قتل يَوْم أحد فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن بُرَيْدَة قَالَ بَيْنَمَا نَحن قعُود على شراب لنا وَنحن نشرب الْخمر جلاء إِذْ قُمْت حَتَّى آتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم عَلَيْهِ وَقد نزل تَحْرِيم الْخمر {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {مُنْتَهُونَ} فَجئْت إِلَى أَصْحَابِي فقرأتها عَلَيْهِم قَالَ: وَبَعض الْقَوْم شربته فِي بِيَدِهِ قد شرب بَعْضًا وَبَقِي بعض فِي الْإِنَاء فَقَالَ بِالْإِنَاءِ تَحت شفته الْعليا كَمَا يفعل الْحجام ثمَّ صبوا مَا فِي باطيتهم فَقَالُوا: انتهينا رَبنَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أهل الْمَدِينَة إِن الله يعرض عَن الْخمر تعريضاً لَا أَدْرِي لَعَلَّه سينزل فِيهَا أَمر ثمَّ قَامَ فَقَالَ: يَا أهل الْمَدِينَة إِن الله قد أنزل إليَّ تَحْرِيم الْخمر فَمن كتب مِنْكُم هَذِه الْآيَة وَعِنْده مِنْهَا شَيْء فَلَا يشْربهَا
وَأخرج ابْن سعد عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط قَالَ: زَعَمُوا أَن عُثْمَان بن مَظْعُون حرم الْخمر فِي الْجَاهِلِيَّة وَقَالَ: لَا أشْرب شَيْئا يذهب عَقْلِي ويضحك بِي من هُوَ أدنى مني ويحملني على أَن أنكح كَرِيمَتي من لَا أُرِيد فَنزلت هَذِه الْآيَة فِي سُورَة الْمَائِدَة فِي الْخمر فَمر عليَّ رجل فَقَالَ: حرمت الْخمر وتلا هَذِه الْآيَة فَقَالَ: تَبًّا لَهَا قد كَانَ بَصرِي فِيهَا ثَابتا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ لما نزلت فِي الْبَقَرَة {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس} الْبَقَرَة الْآيَة 219 شربهَا قوم لقَوْله مَنَافِع للنَّاس وَتركهَا قوم لقَوْله إِثْم كَبِير مِنْهُم عُثْمَان بن مَظْعُون حَتَّى نزلت الْآيَة الَّتِي فِي النِّسَاء {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 فَتَركهَا قوم وشربها قوم يتركونها بِالنَّهَارِ حِين الصَّلَاة ويشربونها بِاللَّيْلِ حَتَّى نزلت الْآيَة الَّتِي فِي الْمَائِدَة {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر}
(3/159)
الْآيَة
قَالَ عمر: أقرنت بالميسر والأنصاب والأزلام بعدا لَك وَسُحْقًا فَتَركهَا النَّاس وَوَقع فِي صُدُور أنَاس من النَّاس مِنْهَا فَجعل قوم يمر بالراوية من الْخمر فتخرق فيمر بهَا أَصْحَابهَا فَيَقُولُونَ: قد كُنَّا نكرمك عَن هَذَا المصرع وَقَالُوا: مَا حرم علينا شَيْء أَشد من الْخمر حَتَّى جعل الرجل يلقى صَاحبه فَيَقُول: إِن فِي نَفسِي شَيْئا
فَيَقُول لَهُ صَاحبه: لَعَلَّك تذكر الْخمر
فَيَقُول: نعم
فَيَقُول: إِن فِي نَفسِي مثل مافي نَفسك حَتَّى ذكر ذَلِك قوم واجتمعوا فِيهِ فَقَالُوا: كَيفَ نتكلم وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاهد وخافوا أَن ينزل فيهم فَأتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أعدُّوا لَهُ حجَّة فَقَالُوا: أَرَأَيْت حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَمصْعَب بن عُمَيْر وَعبد الله بن جحش أَلَيْسُوا فِي الْجنَّة قَالَ: بلَى
قَالُوا: أَلَيْسُوا قد مضوا وهم يشربون الْخمر فَحرم علينا شَيْء دخلُوا الْجنَّة وهم يشربونه
فَقَالَ: قد سمع الله مَا قُلْتُمْ فَإِن شَاءَ أجابكم فَأنْزل الله {إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} قَالُوا: انتهينا وَنزل فِي الَّذين ذكرُوا حَمْزَة وَأَصْحَابه {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} قَالَ: الميسر
هُوَ الْقمَار كُله {قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس} قَالَ: فذمهما وَلم يحرمهما وَهِي لَهُم حَلَال يَوْمئِذٍ ثمَّ أنزل هَذِه الْآيَة فِي شَأْن الْخمر وَهِي أَشد مِنْهَا فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 فَكَانَ السكر مِنْهَا حَرَامًا ثمَّ أنزل الْآيَة الَّتِي فِي الْمَائِدَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فجَاء تَحْرِيمهَا فِي هَذِه الْآيَة قليلها وكثيرها مَا أسكر مِنْهَا وَمَا لم يسكر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: أول مَا نزل تَحْرِيم الْخمر {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير} الْبَقَرَة الْآيَة 219 الْآيَة
فَقَالَ بعض النَّاس: نشربها لمنافعها الَّتِي فِيهَا وَقَالَ آخَرُونَ لَا خير فِي شَيْء فِيهِ إِثْم ثمَّ نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى}
(3/160)
النِّسَاء الْآيَة 43 الْآيَة
فَقَالَ بعض النَّاس: نشربها ونجلس فِي بُيُوتنَا وَقَالَ آخَرُونَ: لَا خير فِي شَيْء يحول بَيْننَا وَبَين الصَّلَاة مَعَ الْمُسلمين فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
فَانْتَهوا فنهاهم فَانْتَهوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 قَالَ: كَانَ الْقَوْم يشربونها حَتَّى إِذا حضرت الصَّلَاة أَمْسكُوا عَنْهَا قَالَ: وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حِين أنزلت هَذِه الْآيَة: قد تقرَّب الله فِي تَحْرِيم الْخمر ثمَّ حرمهَا بعد ذَلِك فِي سُورَة الْمَائِدَة بعد غَزْوَة الْأَحْزَاب وَعلم أَنَّهَا تسفِّه الأحلام وتجهد الْأَمْوَال وتشغل عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} قَالَ: فَانْتهى الْقَوْم عَن الْخمر وأمسكوا عَنْهَا قَالَ: وَذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة لما أنزلت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَيهَا النَّاس إِن الله قد حرم الْخمر فَمن كَانَ عِنْده شَيْء فَلَا يطعمهُ وَلَا تَبِيعُوهَا فَلبث الْمُسلمُونَ زَمَانا يَجدونَ رِيحهَا من طرق الْمَدِينَة لِكَثْرَة مَا أهرقوا مِنْهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس
أَن الشَّرَاب كَانُوا يضْربُونَ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْأَيْدِي وَالنعال والعصي حَتَّى توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر: لَو فَرضنَا لَهُم حدا فتوخى نَحْو مَا كَانُوا يضْربُونَ فِي عهد رَسُول الله صللى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ أَبُو بكر يجلدهم أَرْبَعِينَ حَتَّى توفّي ثمَّ كَانَ عمر من بعده يجلدهم كَذَلِك أَرْبَعِينَ حَتَّى أَتَى بِرَجُل من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين وَقد شرب فَأمر بِهِ لن يجلد فَقَالَ: لم تجلدني بيني وَبَيْنك كتاب الله
قَالَ: وَفِي أَي كتاب الله تَجِد أَن لَا أجلدك قَالَ: فَإِن الله تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} فَإنَّا من الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات {ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا} شهِدت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق والمشاهد
فَقَالَ عمر: أَلا تردون عَلَيْهِ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هَؤُلَاءِ الْآيَات نزلت عذرا للماضين وَحجَّة على البَاقِينَ عذرا للماضين لأَنهم لقوا الله قبل أَن حرم عَلَيْهِم الْخمر وَحجَّة على البَاقِينَ لِأَن الله يَقُول {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام} حَتَّى بلغ الْآيَة الْأُخْرَى فَإِن كَانَ من {الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ اتَّقوا وأمنوا ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا} فَإِن
(3/161)
الله نهى أَن يشرب الْخمر
فَقَالَ عمر: فَمَاذَا ترَوْنَ فَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب: نرى أَنه إِذا شرب سكر وَإِذا سكر هذى وَإِذا هذى افترى وعَلى المفتري ثَمَانُون جلدَة فَأمر عمر فجلد ثَمَانِينَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس عَن أبي طَلْحَة زوج أم أنس قَالَ لما نزلت تَحْرِيم الْخمر بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هاتفاً يَهْتِف: أَلا أَن الْخمر قد حرمت فَلَا تَبِيعُوهَا فَمن كَانَ عِنْده مِنْهُ شَيْء فليهرقه
قَالَ أَبُو طَلْحَة: يَا غُلَام حل عُزّلى تِلْكَ المزاد فَفَتحهَا فَأَهْرقهَا وخمرنا يَوْمئِذٍ الْبُسْر وَالتَّمْر فأهرق النَّاس حَتَّى امْتنعت فجاج الْمَدِينَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: كُنَّا نَأْكُل من طَعَام لنا وَنَشْرَب عَلَيْهِ من هَذَا الشَّرَاب فَأَتَانَا فلَان من نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّكُم تشربون الْخمر وَقد أنزل فِيهَا
قُلْنَا مَا تَقولُونَ قَالَ: نعم سمعته من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّاعَة وَمن عِنْده أتيتكم فقمنا فأكفينا ماكان فِي الْإِنَاء من شَيْء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ كَانَ عِنْد أبي طَلْحَة مَال ليتيم فَاشْترى بِهِ خمرًا فَلَمَّا حرمت الْخمر أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اجْعَلْهُ خلا فَقَالَ: لَا أهْرقْهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس
أَن الْآيَة الَّتِي حرم الله فِيهَا الْخمر نزلت وَلَيْسَ فِي الْمَدِينَة شراب يشرب إِلَّا من تمر
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أنس قَالَ: لما نزل تَحْرِيم الْخمر فَدخلت على نَاس من أَصْحَابِي وَهِي بَين أَيْديهم فضربتها برجلي وَقلت: انْطَلقُوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد نزل تَحْرِيم الْخمر وشرابهم يَوْمئِذٍ الْبُسْر وَالتَّمْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانُوا يشربون الْخمر بعد مَا أنزلت الَّتِي فِي الْبَقَرَة وَبعد الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء فَلَمَّا نزلت الَّتِي الَّتِي فِي سُورَة الْمَائِدَة تَرَكُوهُ
وَأخرج مُسلم وَأَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِن الله أعرض بِالْخمرِ فَمن كَانَ عِنْده مِنْهَا شَيْء فليبع ولينتفع بِهِ فَلم نَلْبَث إِلَّا يَسِيرا ثمَّ قَالَ: إِن الله قد حرم الْخمر فَمن أَدْرَكته هَذِه الْآيَة وَعِنْده مِنْهَا شَيْء فَلَا يبع وَلَا يشرب
قَالَ: فَاسْتقْبل النَّاس بِمَا كَانَ عِنْدهم مِنْهَا فسفكوها فِي طرق الْمَدِينَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حرمت الْخمر بِعَينهَا قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب
(3/162)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن وهب بن كيسَان قَالَ: قلت لجَابِر بن عبد الله مَتى حرمت الْخمر قَالَ: بعد أحد صبحنا الْخمر يَوْم أحد حِين خرجنَا إِلَى الْقِتَال
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: حرمت الْخمر يَوْم حرمت وَمَا كَانَ شراب النَّاس إِلَّا التَّمْر وَالزَّبِيب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ كَانَ رجل عِنْده مَال أَيْتَام فَكَانَ يَشْتَرِي لَهُم وَيبِيع فَاشْترى خمرًا فَجعله فِي خوابي وَإِن الله أنزل تَحْرِيم الْخمر فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا نَبِي الله إِنَّه لَيْسَ لَهُم مَال غَيره فَقَالَ: أهرقه
فأهرقه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: حرمت الْخمر وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْء وَمَا خمرهم يَوْمئِذٍ إِلَّا الفضيخ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: حرمت الْخمر يَوْم حرمت وَمَا بِالْمَدِينَةِ خمر إِلَّا الفضيخ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: أَن هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي الْقُرْآن {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون} هِيَ فِي التَّوْرَاة إِن الله أنزل الْحق ليذْهب بِهِ الْبَاطِل وَيبْطل بِهِ اللّعب والزفن والمزامير والكبارات
يَعْنِي البرابط والزمارات يَعْنِي الدُّف والطنابير وَالشعر وَالْخمر مرّة لمن طعمها وَأقسم رَبِّي بِيَمِينِهِ وَعزة حيله لَا يشْربهَا عبد بَعْدَمَا حرمتهَا عَلَيْهِ إِلَّا عطشته يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يَدعهَا بعد مَا حرمتهَا إِلَّا سقيته إِيَّاهَا من حَظِيرَة الْقُدس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حرم الله الْخمر وكل مُسكر حرَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: لقد أنزل الله تَحْرِيم الْخمر وَمَا بِالْمَدِينَةِ زبيبة وَاحِدَة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن الْجَارُود وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ كَانَ عندنَا خمر ليتيم فَلَمَّا نزلت الْآيَة الَّتِي فِي الْمَائِدَة سَأَلنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا: ليتيم فَقَالَ: اهريقوها
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: حرمت الْخمر وَهِي تخمر فِي الجراري
(3/163)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: نزل تَحْرِيم الْخمر وَمَا فِي أسقيتنا إِلَّا الزَّبِيب وَالتَّمْر فأكفأناهما
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من التَّمْر خمر وَمن الْعَسَل خمر وَمن الزَّبِيب خمر وَمن الْعِنَب خمر وَمن الْحِنْطَة خمر وأنهاكم عَن كل مُسكر
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما نزلت {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْبَقَرَة الْآيَة 219 الْآيَة
كرهها قوم لقَوْله {فيهمَا إِثْم كَبِير} وشربها قوم لقَوْله {وَمَنَافع للنَّاس} حَتَّى نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 فَكَانُوا يَدَعونها فِي حِين الصَّلَاة ويشربونها فِي غير حِين الصَّلَاة
حَتَّى نزلت {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} الْآيَة فَقَالَ عمر: ضَيْعَة لَك الْيَوْم قرنت بالميسر
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ قَالَ: نزلت فِي الْخمر أَربع آيَات {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
فتركوها ثمَّ نزلت {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا} النَّحْل الْآيَة 67 فشربوها ثمَّ نزلت الْآيَتَانِ فِي الْمَائِدَة {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ}
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
فَلم يزَالُوا بذلك يشربونها حَتَّى
(3/164)
صنع عبد الرَّحْمَن بن عَوْف طَعَاما فَدَعَانَا ساقيهم وَعلي بن أبي طَالب يقْرَأ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} الْكَافِرُونَ الْآيَة 1 فَلم يفهمها فَأنْزل الله يشدد فِي الْخمر {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ} فَكَانَت حَلَالا يشربونها من صَلَاة الْغَدَاة حَتَّى يرْتَفع النَّهَار فَيقومُونَ إِلَى صَلَاة الظّهْر وهم مصحون ثمَّ لَا يشربونها حَتَّى يصلوا الْعَتَمَة ثمَّ يقومُونَ إِلَى صَلَاة الْفجْر وَقد صحوا فَلم يزَالُوا بذلك يشربونها حَتَّى صنع سعد بن أبي وَقاص طَعَاما فَدَعَا ساقيهم رجل من الْأَنْصَار فشوى لَهُم رَأس بعير ثمَّ دعاهم عَلَيْهِ فَلَمَّا أكلُوا وَشَرِبُوا من الْخمر سَكِرُوا وَأخذُوا فِي الحَدِيث فَتكلم سعد بِشَيْء فَغَضب الْأنْصَارِيّ فَرفع لحي الْبَعِير فَكسر أنف سعد فَأنْزل الله نسخ الْخمر وتحريمها {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: نزل تَحْرِيم الْخمر فِي سُورَة الْمَائِدَة بعد غَزْوَة الْأَحْزَاب وَلَيْسَ للْعَرَب يَوْمئِذٍ عَيْش أعجب اليهم مِنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: لما نزلت آيَة الْبَقَرَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ربكُم يقدم فِي تَحْرِيم الْخمر ثمَّ نزلت آيَة النِّسَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن ربكُم يقرب فِي تَحْرِيم الْخمر ثمَّ نزلت آيَة الْمَائِدَة فَحرمت الْخمر عِنْد ذَلِك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ نزلت أَربع آيَات فِي تَحْرِيم الْخمر أولهنَّ الَّتِي فِي الْبَقَرَة ثمَّ نزلت الثَّانِيَة {وَمن ثَمَرَات النخيل وَالْأَعْنَاب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا} النَّحْل الْآيَة 67 ثمَّ أنزلت الَّتِي فِي النِّسَاء بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بعض الصَّلَوَات إِذْ غنى سَكرَان خَلفه فَأنْزل الله {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 الْآيَة
فَشربهَا طَائِفَة من النَّاس وَتركهَا طَائِفَة ثمَّ نزلت الرَّابِعَة الَّتِي فِي الْمَائِدَة فَقَالَ عمر ين الْخطاب انتهينا ياربنا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن قيس قَالَ لما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أَتَاهُ النَّاس وَقد كَانُوا يشربون الْخمر ويأكلون الميسر فَسَأَلُوهُ عَن ذَلِك فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس وإثمهما أكبر من نفعهما} الْبَقَرَة الْآيَة 216 فَقَالُوا: هَذَا شَيْء قد جَاءَ فِيهِ رخصَة نَأْكُل الميسر وَنَشْرَب الْخمر ونستغفر من ذَلِك حَتَّى أَتَى رجل صَلَاة الْمغرب فَجعل يقْرَأ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ لَا أعبد مَا تَعْبدُونَ وَلَا أَنْتُم عَابِدُونَ مَا أعبد} الْكَافِرُونَ الْآيَات الثَّلَاث فَجعل لَا يجوّد ذَلِك وَلَا يدْرِي مَا يقْرَأ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى}
(3/165)
النِّسَاء الْآيَة 43 فَكَانَ النَّاس يشربون الْخمر حَتَّى يَجِيء وَقت الصَّلَاة فَيدعونَ شربهَا فَيَأْتُونَ الصَّلَاة وهم يعلمُونَ مَا يَقُولُونَ فَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى أنزل الله {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فَقَالَ: انتهينا يارب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَمُوت مدمن خمر إِلَّا لَقِي الله كعابد وثن ثمَّ قَرَأَ {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عَمْرو
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله حرم الْخمر وَالْميسر والكوبة والغبيراء وكل مُسكر حرَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله حرم عَلَيْكُم الْخمر وَالْميسر والكوبة وكل مُسكر حرَام
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: نزل تَحْرِيم الْخمر وَإِن بِالْمَدِينَةِ يَوْمئِذٍ لخمسة أشربة مَا فِيهَا شراب الْعِنَب
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عَام الْفَتْح إِن الله حرَّم بيع الْخمر الأنصاب وَالْميتَة وَالْخِنْزِير فَقَالَ بعض النَّاس: كَيفَ ترى فِي شحوم الْميتَة يدهن بهَا السفن والجلود ويستصبح بهَا النَّاس فَقَالَ: لَا هِيَ حرَام ثمَّ قَالَ عِنْد ذَلِك: قَاتل الله الْيَهُود إِن الله لما حرم عَلَيْهِم الشحوم جملوه فباعوه وأكلوا ثمنه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قدم رجل من دوس على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم براوية من خمر أهداها لَهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل علمت أَن الله حرمهَا بعْدك فَأقبل الدوسي على رجل كَانَ مَعَه فَأمره بِبَيْعِهَا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل علمت أَن الَّذِي حرَّم شربهَا حرم بيعهَا وَأكل ثمنهَا وَأمر بالمزاد فأهريقت حَتَّى لم يبْق فِيهَا قَطْرَة
(3/166)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن تَمِيم الدَّارِيّ أَنه كَانَ يهدى لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل عَام راوية من خمر فَلَمَّا كَانَ عَام حرمت الْخمر جَاءَ براوية فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا ضحك وَقَالَ: هَل شَعرت أَنَّهَا قد حرمت فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَفلا نبيعها فننتفع بِثمنِهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لعن الله الْيَهُود انْطَلقُوا إِلَى مَا حرم الله عَلَيْهِم من شحوم الْبَقر وَالْغنم فأذابوه اهالة فباعوا مِنْهُ مَا يَأْكُلُون وَالْخمر حرَام ثمنهَا حرَام بيعهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو عوَانَة والطَّحَاوِي وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عمر
أَنه قَامَ على الْمِنْبَر فَقَالَ: أما بعد فَإِن الْخمر نزل تَحْرِيمهَا يَوْم نزل وَهِي من خَمْسَة
من الْعِنَب وَالتَّمْر وَالْبر وَالشعِير وَالْعَسَل وَالْخمر ماخامر الْعقل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: إِن هَذِه الأنبذة تنبذ من خَمْسَة أَشْيَاء
من التَّمْر وَالزَّبِيب وَالْعَسَل وَالْبر وَالشعِير فَمَا خمرته مِنْهَا ثمَّ عتقته فَهُوَ خمر
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كل مُسكر خمر وكل خمر حرَام
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الزَّبِيب وَالتَّمْر هُوَ الْخمر يَعْنِي إِذا انتبذا جَمِيعًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه والنحاس فِي ناسخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَتعقبه الذَّهَبِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من الْحِنْطَة خمرًا وَمن الشّعير خمرًا وَمن الزَّبِيب خمرًا وَمن التَّمْر خمرًا وَمن الْعَسَل خمرًا وَأَنا أنهاكم عَن كل مُسكر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن مَرْيَم بنت طَارق قَالَت: كنت فِي نسْوَة من الْمُهَاجِرَات حجَجنَا فَدَخَلْنَا على عَائِشَة فَجعل نسَاء يسألنها عَن الظروف فَقَالَت: إِنَّكُم لتذكرن ظروفاً مَا كَانَ كثير مِنْهَا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاتقين الله واجتنبن مَا يسكركن فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل مُسكر حرَام وَإِن أسكرها مَاء حبها فلتجتنبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر والنحاس فِي ناسخه عَن أبي هُرَيْرَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْخمر من هَاتين الشجرتين: النَّخْلَة والعنبة
(3/167)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي عَن الْحسن قَالَ: الميسر
الْقمَار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن نَافِع
أَن ابْن عمر كَانَ يَقُول: الميسر
الْقمَار
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد قَالَ: الميسر كعاب فَارس وقداح الْعَرَب وَهُوَ الْقمَار كُله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: الميسر الْقمَار كُله حَتَّى الْجَوْز الَّذِي يلْعَب بِهِ الصّبيان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اجتنبوا هَذِه الكعاب الموسومة الَّتِي يزْجر بهَا زجرا فَإِنَّهَا من الميسر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاكُمْ وَهَذِه الكعاب الموسومة الَّتِي تزجر زجرا فَإِنَّهَا من الميسر
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاكُمْ وَهَاتين اللُّعْبَتَيْنِ الموسومتين اللَّتَيْنِ يُزْجَرَانِ زجرا فَإِنَّهُمَا ميسر الْعَجم
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وأبوالشيخ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إيَّاكُمْ وَهَذِه الكعاب الموسومة الَّتِي تزجر زجرا فَإِنَّهَا ميسر الْعَجم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل الْقمَار من الميسر حَتَّى لعب الصّبيان بالجوز والكعاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: النَّرْد وَالشطْرَنْج من الميسر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ قَالَ: الشطرنج ميسر الْأَعَاجِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد
أَنه سُئِلَ عَن النَّرْد أَهِي من الميسر قَالَ: كل مَا ألهى عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهُوَ ميسر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْقَاسِم
أَنه قيل لَهُ: هَذِه النَّرْد تكرهونها فَمَا بَال الشطرنج قَالَ: كل مَا ألهى عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهُوَ من الميسر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
(3/168)
الشّعب من طَرِيق ربيعَة بن كُلْثُوم عَن أَبِيه قَالَ: خَطَبنَا ابْن الزبير فَقَالَ: يَا أهل مَكَّة بَلغنِي عَن رجال يَلْعَبُونَ بلعبة يُقَال لَهَا النَّرْد شير وَإِن الله يَقُول فِي كِتَابه {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} وَإِنِّي أَحْلف بِاللَّه لَا أُوتى بِأحد لعب بهَا إِلَّا عاقبته فِي شعره وبشره وَأعْطيت سلبه من أَتَانِي بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لعب بالنرد شير فقد عصى الله وَرَسُوله
وَأخرج أَحْمد عَن أبي عبد الرَّحْمَن الخطمي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مثل الَّذِي يلْعَب بالنرد ثمَّ يقوم فَيصَلي مثل الَّذِي يتَوَضَّأ بالقيح وَدم الْخِنْزِير ثمَّ يقوم فَيصَلي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: اللاعب بالنرد قماراً كآكل لحم الْخِنْزِير واللاعب بهَا من غير قمار كالمدهن بودك الْخِنْزِير
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مُجَاهِد قَالَ: اللاعب بالنرد قماراً من الميسر واللاعب بهَا سِفَاحًا كالصابغ يَده فِي دم الْخِنْزِير والجالس عِنْدهَا كالجالس عِنْد مسالخه وَإنَّهُ يُؤمر بِالْوضُوءِ مِنْهَا والكعبين وَالشطْرَنْج سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقوم يَلْعَبُونَ بالنرد فَقَالَ: قُلُوب لاهية وأيد عاملة وألسنة لاغية
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن قَالَ: النَّرْد ميسر الْعَجم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مَالك بن أنس قَالَ: الشطرنج من النَّرْد بلغنَا عَن ابْن عَبَّاس أَنه ولي مَال يَتِيم فأحرقها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبيد الله بن عُمَيْر قَالَ: سُئِلَ ابْن عمر عَن الشطرنج فَقَالَ: هِيَ شَرّ من النَّرْد
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي جَعْفَر أَنه سُئِلَ عَن الشطرنج فَقَالَ: تِلْكَ الْمَجُوسِيَّة لَا تلعبوا بهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ: رأى رجل من أهل الشَّام أَنه يغْفر لكل مُؤمن فِي كل يَوْم اثْنَتَيْ عشرَة مرّة إِلَّا أَصْحَاب الشاه يَعْنِي الشطرنج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: الميسر الْقمَار
(3/169)
كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يقامر على أَهله وَمَاله فيقعد سليباً حَزينًا ينظر إِلَى مَاله فِي يَد غَيره وَكَانَت تورث بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء فَنهى الله عَن ذَلِك وَتقدم فِيهِ وَأخْبر إِنَّمَا هُوَ رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق لَيْث عَن عَطاء وَطَاوُس وَمُجاهد قَالُوا: كل شَيْء فِيهِ قمار فَهُوَ من الميسر حَتَّى لعب الصّبيان بالكعاب والجوز
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين
أَنه رأى غلماناً يتقامرون فِي يَوْم عيد فَقَالَ: لَا تقامروا فَإِن الْقمَار من الميسر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن سِيرِين قَالَ: مَا كَانَ من لعب فِيهِ قمار أَو قيام أَو صياح أَو شَرّ فَهُوَ من الميسر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن شُرَيْح
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثَلَاث من الميسر: الصفير بالحمام والقمار وَالضَّرْب بالكعاب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يتبع حمامة فَقَالَ: شَيْطَان يتبع شَيْطَانَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن قَالَ: شهِدت عُثْمَان وَهُوَ يخْطب وَهُوَ يَأْمر بِذبح الْحمام وَقتل الْكلاب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن خَالِد الْحذاء عَن رجل يُقَال لَهُ أَيُّوب قَالَ: كَانَ ملاعب آل فِرْعَوْن الْحمام
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: من لعب بالحمام الطيارة لم يمت حَتَّى يَذُوق ألم الْفقر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد الْمسيب بن قَالَ: كَانَ من ميسر أهل الْجَاهِلِيَّة بيع اللَّحْم بِالشَّاة والشاتين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي الميسر قَالَ: كَانُوا يشْتَرونَ الْجَزُور فيجعلونها أَجزَاء ثمَّ يَأْخُذُونَ القداح فيلقونها وينادي: يَا يَاسر الْجَزُور يَا يَاسر الْجَزُور فَمن خرج قدحه أَخذ جُزْءا بِغَيْر شَيْء وَمن لم يخرج قدحه غرم وَلم يَأْخُذ شَيْئا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يُقَال: ايْنَ ايسار
(3/170)
الْجَزُور فيجتمع الْعشْرَة فيشترون الْجَزُور بِعشْرَة فصلان إِلَى الفصال فيجيلون السِّهَام فَتَصِير بِتِسْعَة حَتَّى تصير إِلَى وَاحِد وَيغرم الْآخرُونَ فصيلاً فصيلاً إِلَى الفصال فَهُوَ الميسر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأنصاب حِجَارَة كَانُوا يذبحون لَهَا والأزلام قداح كَانُوا يقتسمون بهَا الْأُمُور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَت لَهُم حَصَيَات إِذا أَرَادَ أحدهم أَن يَغْزُو أَو يجلس استقسم بهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {والأزلام} قَالَ: هِيَ كعاب فَارس الَّتِي يقتمرون بهَا وسهام الْعَرَب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سَلمَة بن وهرام قَالَ: سَأَلت طاوساً عَن الأزلام فَقَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة لَهُم قداح يضْربُونَ بهَا قدح معلم يَتَطَيَّرُونَ مِنْهُ فَإِذا ضربوا بهَا حِين يُرِيد أحدهم الْحَاجة فَخرج ذَلِك الْقدح لم يخرج لِحَاجَتِهِ وَإِن خرج غَيره خرج لِحَاجَتِهِ وَكَانَت الْمَرْأَة إِذا أَرَادَت حَاجَة لَهَا لم تضرب بِتِلْكَ القداح فَذَلِك قَوْله الشَّاعِر: إِذا جددت أُنْثَى لأمر خمارها أَتَتْهُ وَلم تضرب لَهُ بالمقاسم وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {رِجْس} قَالَ: سخط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {رِجْس} قَالَ: إِثْم {من عمل الشَّيْطَان} يَعْنِي من تَزْيِين الشَّيْطَان {إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر} يَعْنِي حِين شج الْأنْصَارِيّ رَأس سعد بن أبي وَقاص {ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فَهَذَا وَعِيد التَّحْرِيم {وَأَطيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول} يَعْنِي فِي تَحْرِيم الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام {فَإِن توليتم} يَعْنِي أعرضتم عَن طاعتهما {فاعلموا أَنما على رَسُولنَا} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الْبَلَاغ الْمُبين} يَعْنِي أَن يبين تَحْرِيم ذَلِك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزل تَحْرِيم
(3/171)
الْخمر قَالُوا: يَا رَسُول الله فَكيف بأصحابنا الَّذين مَاتُوا وهم يشربون الْخمر فَنزلت {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح} الْآيَة
وَأخرج الطياليسي وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: مَاتَ نَاس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم يشربون الْخمر فَلَمَّا نزل تَحْرِيمهَا قَالَ أنَاس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ بأصحابنا الَّذين مَاتُوا وهم يشربونها فَنزلت {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ بَينا أدير الكاس على أبي طَلْحَة وَأبي عُبَيْدَة بن الْجراح ومعاذ بن جبل وَسُهيْل بن بَيْضَاء وَأبي دُجَانَة حَتَّى مَالَتْ رؤوسهم من خليط بسر وتمر فسمعنا منادياً يُنَادي: أَلا إِن الْخمر قد حرمت
قَالَ: فَمَا دخل علينا دَاخل وَلَا خرج منا خَارج حَتَّى أهرقنا الشَّرَاب وكسرنا القلال وَتَوَضَّأ بَعْضنَا واغتسل بَعْضنَا وأصبنا من طيب أم سليم ثمَّ خرجنَا إِلَى الْمَسْجِد وَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله فَمَا منزلَة من مَاتَ منا وَهُوَ يشْربهَا فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: كنت ساقي الْقَوْم فِي منزل أبي طَلْحَة فَنزل تَحْرِيم الْخمر فَنَادَى مُنَاد فَقَالَ أَبُو طَلْحَة: اخْرُج فَانْظُر مَا هَذَا الصَّوْت فَخرجت فَقلت: هَذَا مُنَاد يُنَادي: أَلا إِن الْخمر قد حرمت
فَقَالَ لي: اذْهَبْ فَأَهْرقهَا
قَالَ: فجرت فِي سِكَك الْمَدِينَة قَالَ: وَكَانَت خمرهم يَوْمئِذٍ الفضيخ الْبُسْر وَالتَّمْر فَقَالَ بعض الْقَوْم: قتل قوم وَهِي فِي بطونهم فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} الْآيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: اصطبح نَاس الْخمر يَوْم أحد ثمَّ قتلوا شُهَدَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما نزل تَحْرِيم الْخمر قَالَت الْيَهُود: أَلَيْسَ إخْوَانكُمْ الَّذين مَاتُوا كَانُوا يشربونها فَأنْزل الله
(3/172)
{لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح} الْآيَة
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لي: أَنْت مِنْهُم
وَأخرج الدَّارقطني فِي الافراد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لما نزل تَحْرِيم الْخمر قَالُوا: يَا رَسُول الله كَيفَ بِمن شربهَا من إِخْوَاننَا الَّذين مَاتُوا وَهِي فِي بطونهم فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا} الْآيَة
يَعْنِي بذلك رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتُوا وهم يشربون الْخمر قبل أَن تحرم الْخمر فَلم يكن عَلَيْهِم فِيهَا جنَاح قبل أَن تحرم فَلَمَّا حرمت قَالُوا: كَيفَ تكون علينا حَرَامًا وَقد مَاتَ إِخْوَاننَا وهم يشربونها فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} يَقُول لَيْسَ عَلَيْهِم حرج فِيمَا كَانُوا يشربون قبل أَن أحرمهَا إِذْ كَانُوا محسنين متقين وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: نزلت {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} فِيمَن كَانَ يشْربهَا مِمَّن قتل ببدر وَأحد مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: لما أنزل الله تَحْرِيم الْخمْرَة فِي سُورَة الْمَائِدَة بعد سُورَة الْأَحْزَاب قَالَ فِي ذَلِك رجال من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أُصِيب فلَان يَوْم بدر وَفُلَان يَوْم أحد وهم يشربونها فَنحْن نشْهد أَنهم من أهل الْجنَّة فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ اتَّقوا وأمنوا ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ} يَقُول: شربهَا الْقَوْم على تقوى من الله وإحسان وَهِي لَهُم يَوْمئِذٍ حَلَال ثمَّ حرمت بعدهمْ فَلَا جنَاح عَلَيْهِم فِي ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح} قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا نقُول لإِخْوَانِنَا الَّذين مضوا كَانُوا يشربون الْخمر ويأكلون الميسر فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} من الْحَرَام قبل أَن يحرم عَلَيْهِم {إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ اتَّقوا وأمنوا ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا} وأحسنوا بَعْدَمَا حرم عَلَيْهِم وهوقوله {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه فَانْتهى فَلهُ مَا سلف} الْبَقَرَة الْآيَة 275
(3/173)
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: لما نزلت {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} الْآيَة
قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لي: أَنْت مِنْهُم
وَأخرج الدينَوَرِي فِي المجالسة وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن ثَابت بن عبيد قَالَ: جَاءَ رجل من آل حَاطِب إِلَى عَليّ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي أرجع إِلَى الْمَدِينَة وَإِنَّهُم سائلي عَن عُثْمَان فَمَاذَا أَقُول لَهُم قَالَ: أخْبرهُم أَن عُثْمَان كَانَ من {الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ اتَّقوا وآمنوا ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَطاء بن السَّائِب عَن محَارب بن دثار أَن نَاسا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شربوا الْخمر بِالشَّام فَقَالَ لَهُم يزِيد بن أبي سُفْيَان: شربتم الْخمر فَقَالُوا: نعم لقَوْل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} حَتَّى فرغوا من الْآيَة
فَكتب فيهم إِلَى عمر فَكتب إِلَيْهِ إِن أَتَاك كتابي هَذَا نَهَارا فَلَا تنظر بهم اللَّيْل وَإِن أَتَاك لَيْلًا فَلَا تنظر بهم النَّهَار حَتَّى تبْعَث بهم إليَّ لَا يفتنوا عباد الله فَبعث بهم إِلَى عمر فَلَمَّا قدمُوا على عمر قَالَ: شربتم الْخمر قَالُوا: نعم
فَتلا عَلَيْهِم {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى آخر الْآيَة
قَالُوا: اقْرَأ الَّتِي بعْدهَا {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} قَالَ: فَشَاور فيهم النَّاس فَقَالَ لعَلي: مَا ترى قَالَ: أرى أَنهم شرَّعوا فِي دين الله مَا لم يَأْذَن الله فِيهِ فَإِن زَعَمُوا أَنَّهَا حَلَال فاقتلهم فقد أحلُّوا مَا حرم الله وَإِن زَعَمُوا أَنَّهَا حرَام فاجلدهم ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ فقد افتروا على الله الْكَذِب وَقد أخبرنَا الله بِحَدّ مَا يفتري بِهِ بَعْضنَا على بعض
قَالَ: فجلدهم ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله لعن الْخمر وَلعن غارسها وَلعن شاربها وَلعن عاصرها وَلعن مؤويها وَلعن مديرها وَلعن سَاقيهَا وَلعن حاملها وَلعن آكل ثمنهَا وَلعن بَائِعهَا
وَأخرج وَكِيع وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر فِي الدُّنْيَا لم يشْربهَا فِي الْآخِرَة إِلَّا أَن يَتُوب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر فِي الدُّنْيَا وَلم يتب لم يشْربهَا فِي الْآخِرَة وَإِن أُدخل الْجنَّة
(3/174)
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله
أَن رجلا قدم من الْيمن فَسَأَلَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن شراب يشربونه بأرضهم من الذّرة يُقَال لَهُ المزر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو يسكر هُوَ قَالُوا: نعم
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل مُسكر حرَام إِن الله عهد لمن يشرب الْمُسكر أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
قَالُوا: يَا رَسُول الله وَمَا طِينَة الخبال قَالَ: عرق أهل النَّار أَو عصارة أهل النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَمْرو
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شرب الْخمر لم تقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ وَإِن شربهَا الثَّالِثَة لم تقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ فَإِن شربهَا الرَّابِعَة لم تقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ لم يتب الله عَلَيْهِ وَكَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
قيل: وَمَا طِينَة الخبال قَالَ: صديد أهل النَّار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شرب الْخمر شربة لم تقبل صلَاته أَرْبَعِينَ صباحاً فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ فَإِن عَاد لم تقبل تَوْبَته أَرْبَعِينَ صباحاً فَلَا أَدْرِي أَفِي الثَّالِثَة أَو فِي الرَّابِعَة قَالَ: فَإِن عَاد كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من ردغة الخبال يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عمر وَعَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من ترك الصَّلَاة سكرا مرّة وَاحِدَة فَكَأَنَّمَا كَانَت لَهُ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا فسلبها وَمن ترك الصَّلَاة سكرا أَربع مَرَّات كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
قيل: وَمَا طِينَة الخبال يَا رَسُول الله قَالَ: عصارة أهل النَّار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الْخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إِلَيْهِ وساقيها وشاربها وآكل ثمنهَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن الله لعن الْخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إِلَيْهِ وبائعها وساقيها ومسقيها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان
سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول اجتنبوا أم الْخَبَائِث فَإِنَّهُ كَانَ رجل فِيمَن كَانَ قبلكُمْ يتعبد ويعتزل النِّسَاء فعلقته امْرَأَة غاوية فَأرْسلت إِلَيْهِ خَادِمهَا فَقَالَت: إِنَّا ندعوك لشهادة فَدخل فطفقت كلما
(3/175)
دخل عَلَيْهَا بَاب أغلقته دونه حَتَّى أفْضى إِلَى امْرَأَة وضيئة جالسة عِنْدهَا غُلَام وباطية فِيهَا خمر فَقَالَت: أَنا لم أدعك لشهادة وَلَكِن دعوتك لتقتل هَذَا الْغُلَام أَو تقع عليَّ أَو تشرب كأساً من هَذَا الْخمر فَإِن أَبيت صحت وفضحتك فَلَمَّا رأى أَنه لَا بُد من ذَلِك قَالَ: اسْقِنِي كأساً من هَذَا الْخمر فسقته كأساً من الْخمر ثمَّ قَالَ: زيديني فَلم يرم حَتَّى وَقع عَلَيْهَا وَقتل النَّفس فَاجْتَنبُوا الْخمر فَإِنَّهُ - وَالله - لَا يجْتَمع الْإِيمَان وإدمان الْخمر فِي صدر رجل أبدا ليوشكن أَحدهمَا أَن يخرج صَاحبه
وَأخرجه عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عُثْمَان موثوقا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجتنبوا الْخمر فَإِنَّهَا مِفْتَاح كل شَرّ
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ أَوْصَانِي أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَا تشرك بِاللَّه شَيْئا وَإِن قطِّعت أَو حرِّقت وَلَا تتْرك صَلَاة مَكْتُوبَة مُتَعَمدا فَمن تَركهَا مُتَعَمدا بَرِئت مِنْهُ الذِّمَّة وَأَن لَا تشرب الْخمر فَإِنَّهَا مِفْتَاح كل شَرّ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تبَارك وَتَعَالَى بنى الفردوس بِيَدِهِ وحظره على كل مُشْرك وكل مدمن الْخمر سكير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثَلَاثَة لَا تقبل لَهُم صَلَاة وَلَا يرفع لَهُم إِلَى السَّمَاء عمل: العَبْد الْآبِق من موَالِيه حَتَّى يرجع فَيَضَع يَده فِي أَيْديهم وَالْمَرْأَة الساخط عَلَيْهَا زَوجهَا حَتَّى يرضى والسكران حَتَّى يصحو
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يدْخل الْجنَّة عَاق وَلَا مدمن خمر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقْعد على مائدة يشرب عَلَيْهَا الْخمر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل حليلته الْحمام وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل الْحمام إِلَّا بمئزر وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يجلس على مائدة يدار عَلَيْهَا الْخمر
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ عَن سهل بن أبي صَالح عَن مُحَمَّد بن عبيد الله عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من لَقِي الله وَهُوَ مدمن خمر لقِيه كعابد وثن
(3/176)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مثله وَقَالَ البُخَارِيّ وَلَا يَصح حَدِيث أبي هُرَيْرَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من مَاتَ مدمن خمر لَقِي الله وَهُوَ كعابد الوثن
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من شرب شرابًا يذهب بعقله فقد أَتَى بَاب من أَبْوَاب الْكَبَائِر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: لِأَن أزني أحب إليَّ من أَن أسكر وَلِأَن أسرق أحب إليَّ من أَن أسكر لِأَن السَّكْرَان يَأْتِي عَلَيْهِ سَاعَة لَا يعرف فِيهَا ربه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة وَمن شرب الْخمر فِي الدُّنْيَا لم يشربه فِي الْآخِرَة وَمن شرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة لم يشرب بهَا فِي الْآخِرَة ثمَّ قَالَ: لِبَاس أهل الْجنَّة وشراب أهل الْجنَّة وآنية أهل الْجنَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي مُوسَى
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثَلَاثَة لَا يدْخلُونَ الْجنَّة مدمن الْخمر وقاطع الرَّحِم ومصدِّق بِالسحرِ وَمن مَاتَ مدمن الْخمر سقَاهُ الله من نهر الغوطة قيل: وَمَا نهر الغوطة قَالَ: نهر يخرج من فروج المومسات يُؤْذِي أهل النَّار ريح فروجهم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر: أَن أَبَا بكر وَعمر وناساً جَلَسُوا بعد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرُوا أعظم الْكَبَائِر فَلم يكن عِنْدهم فِيهَا علم فأرسلوني إِلَى عبد الله بن عَمْرو أسأله فَأَخْبرنِي أَن أعظم الْكَبَائِر شرب الْخمر
فأتيتهم فَأَخْبَرتهمْ فأنكروا ذَلِك ووثبوا جَمِيعًا حَتَّى أَتَوْهُ فِي دَاره فَأخْبرهُم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن ملكا من مُلُوك بني إِسْرَائِيل أَخذ رجلا فخيره بَين أَن يشرب الْخمر أَو يقتل نفسا أَو يَزْنِي أَو يَأْكُل لحم خِنْزِير أَو يقتلوه
فَاخْتَارَ الْخمر وَإنَّهُ لما شربه لم يمْتَنع من شَيْء أرادوه مِنْهُ وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من أحد يشْربهَا فَتقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَلَا يَمُوت وَفِي مثانته مِنْهُ شَيْء إِلَّا حرمت عَلَيْهِ بهَا الْجنَّة فَإِن مَاتَ فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَة مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي مُسلم الْخَولَانِيّ
أَنه حج فَدخل على
(3/177)
عَائِشَة فَجعلت تسأله عَن الشَّام وَعَن بردهَا فَجعل يخبرها فَقَالَت: كَيفَ تصبرون على بردهَا قَالَ: يَا أم الْمُؤمنِينَ إِنَّهُم يشربون شرابًا لَهُم يُقَال لَهُ الطلا
قَالَت: صدق الله وَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمعته يَقُول إِن نَاسا من أمتِي يشربون الْخمر يسمونها بِغَيْر اسْمهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَعَثَنِي الله رَحْمَة وَهدى للْعَالمين وبعثني بمحق المعازف والمزامير وَأمر الْجَاهِلِيَّة ثمَّ قَالَ: من شرب خمرًا فِي الدُّنْيَا سقَاهُ الله كَمَا شرب مِنْهُ من حميم جَهَنَّم معذب بعد أَو مغْفُور لَهُ
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله بَعَثَنِي رَحْمَة وَهدى للْعَالمين بَعَثَنِي لأمحق المعازف والمزامير وَأمر الْجَاهِلِيَّة والأوثان وَحلف رَبِّي عز وَجل بعزته لَا يشرب الْخمر أحد فِي الدُّنْيَا إِلَّا سقَاهُ الله مثلهَا من الْحَمِيم يَوْم الْقِيَامَة مغْفُور لَهُ أَو معذب وَلَا يَدعهَا أحد فِي الدُّنْيَا إِلَّا سقيته إِيَّاهَا فِي حَظِيرَة الْقُدس حَتَّى تقنع نَفسه
وَأخرج الْحَاكِم عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حَلَفت على مَعْصِيّة فدعها واقذف ضغائن الْجَاهِلِيَّة تَحت قدمك وَإِيَّاك وَشرب الْخمر فَإِن الله لم يقدس شاربها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب ذمّ الملاهي عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكون فِي أمتِي خسف وَقذف ومسخ
قيل: يارسول الله مَتى قَالَ: إِذا ظَهرت المعازف والقينات واستحلت الْخمر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكون فِي أمتِي وَقذف ومسخ وَخسف
قيل: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَتى ذَلِك قَالَ: إِذا ظَهرت المعازف وَكَثُرت الْقَيْنَات وشربت الْخمر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكون فِي أمتِي خسف ومسخ وَقذف
قلت: يَا رَسُول الله وهم يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ: إِذا ظَهرت القيان وَظهر الزِّنَا وَشرب الْخمر وَلبس الْحَرِير كَانَ ذَا عِنْد ذَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عملت أمتِي خمس عشرَة خصْلَة حل بهَا الْبلَاء قيل: وَمَا هِيَ يَا رَسُول الله قَالَ: إِذا كَانَ الْمغنم دولاً وَالْأَمَانَة مغنماً وَالزَّكَاة مغرماً وأطاع
(3/178)
الرجل زَوجته وعقَّ أمه وبرَّ صديقه وجفا أَبَاهُ وَارْتَفَعت الْأَصْوَات فِي الْمَسَاجِد وَكَانَ زعيم الْقَوْم أرذلهم وَأكْرم الرجل مَخَافَة شَره وشربت الْخُمُور وَلبس الْحَرِير وَاتَّخذُوا القيان وَالْمَعَازِف وَلعن آخر هَذِه الْأمة أَولهَا فليرتقبوا عِنْد ذَلِك ثَلَاثًا: ريحًا حَمْرَاء وخسفاً ومسخاً
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَليّ بن أبي طَالب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تمسخ طَائِفَة من أمتِي قردة وَطَائِفَة خنازير ويخسف بطَائفَة وَيُرْسل على طَائِفَة الرّيح الْعَقِيم بِأَنَّهُم شربوا الْخمر ولبسوا الْحَرِير وَاتَّخذُوا القيان وضربوا بِالدُّفُوفِ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيَكُونن فِي هَذِه الْأمة خسف وَقذف ومسخ وَذَلِكَ إِذا شربوا الْخمر وَاتَّخذُوا الْقَيْنَات وضربوا بالمعازف
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسخ قوم من هَذِه الْأمة فِي آخر الزَّمَان قردة وَخَنَازِير
قَالُوا: يَا رَسُول الله أَلَيْسَ يشْهدُونَ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد رَسُول الله قَالَ: بلَى وَيَصُومُونَ وَيصلونَ ويحجون
قَالَ: فَمَا بالهم قَالَ: اتَّخذُوا المعازف والدفوف والقينات فَبَاتُوا على شربهم ولهوهم فَأَصْبحُوا قد مسخوا قردة وَخَنَازِير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكون فِي أمتِي خسف وَقذف ومسخ
قَالُوا: مَتى ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ: إِذا أظهرُوا المعازف وَاسْتَحَلُّوا الْخُمُور وَلبس الْحَرِير
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْغَازِي بن ربيعَة رفع الحَدِيث قَالَ ليمسخن قوم وهم على أريكتهم قردة وَخَنَازِير بشربهم الْخمر وضربهم بالبرابط والقيان
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن صَالح بن خَالِد رفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ليستحلن نَاس من أمتِي الْحَرِير وَالْخمر وَالْمَعَازِف وليأتين الله على أهل حاضرتهم بجبل عَظِيم حَتَّى ينبذه عَلَيْهِم ويمسخ آخَرُونَ قردة وَخَنَازِير
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليبيتن رجال على أكل وَشرب وعزف يُصْبِحُونَ على أرائكهم ممسوخين قردة وَخَنَازِير
واخرج ابْن عدي وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَضَعفه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا تَنْقَضِي هَذِه الدُّنْيَا حَتَّى يَقع بهم الْخَسْف وَالْمَسْخ
(3/179)
وَالْقَذْف
قَالُوا: وَمَتى ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ: إِذا رَأَيْتُمْ النِّسَاء ركبن السُّرُوج وَكَثُرت المعازف وفشت شَهَادَات الزُّور وشربت الْخمر لَا يستخفى بِهِ وشربت المصلون فِي آنِية أهل الشّرك من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَاسْتغْنى النِّسَاء بِالنسَاء وَالرِّجَال بِالرِّجَالِ فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فاستدفروا واستعدوا وَاتَّقوا الْقَذْف من السَّمَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتعْملت أمتِي خمْسا فَعَلَيْهِم الدمار: إِذا ظهر فيهم التلاعن وَلبس الْحَرِير وَاتَّخذُوا الْقَيْنَات وَشَرِبُوا الْخمر وَاكْتفى الرِّجَال بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاء بِالنسَاء
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يبيت قوم من هَذِه الْأمة على طعم وَشرب وَلَهو وَلعب فيصبحوا وَقد مسخوا قردة وَخَنَازِير وليصيبنهم خسف وَقذف حَتَّى يصبح النَّاس فَيَقُولُونَ: قد خسف اللَّيْلَة ببني فلَان وَخسف اللَّيْلَة بدار فلَان وليرسلن عَلَيْهِم حاصباً من السَّمَاء كَمَا أرْسلت على قوم لوط على قبائل فِيهَا وعَلى دور وليرسلن عَلَيْهِم الرّيح الْعَقِيم الَّتِي أهلكت عاداً على قبائل فِيهَا وعَلى دور بشربهم الْخمر ولبسهم الْحَرِير واتخاذهم الْقَيْنَات وأكلهم الرِّبَا وقطيعتهم الرَّحِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماحه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ليشربن نَاس من أمتِي الْخمر يسمونها بِغَيْر اسْمهَا وتضرب على رؤوسهم المعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأَرْض وَيجْعَل مِنْهُم القردة والخنازير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ وَأبي عُبَيْدَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا الْأَمر بَدَأَ رَحْمَة ونبوّة ثمَّ يكون رَحْمَة وَخِلَافَة ثمَّ كَائِن ملكا عَضُوضًا ثمَّ كَائِن عتواً وَجَبْرِيَّة وَفَسَادًا فِي الأَرْض يسْتَحلُّونَ الْحَرِير وَالْخُمُور والفروج يرْزقُونَ على ذَلِك وينصرون حَتَّى يلْقوا الله عز وَجل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حبس الْعِنَب أَيَّام قطافه حَتَّى يَبِيعهُ من يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مِمَّن يعلم أَنه يتَّخذ خمرًا فقد تقدم فِي النَّار على بَصِيرَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ يكره أَن تسقى الْبَهَائِم الْخمر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة: أَنَّهَا كَانَت تنْهى النِّسَاء أَن يمتشطن بِالْخمرِ
(3/180)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من شرب الْخمر فاجلدوه
قَالَهَا ثَلَاثًا فَإِن شربهَا الرَّابِعَة فَاقْتُلُوهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَعثه إِلَى الْيمن سَأَلَهُ قَالَ: إِن قومِي يصنعون شرابًا من الذّرة يُقَال لَهُ المزر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أيسكر قَالَ: نعم قَالَ: فانههم عَنهُ
قَالَ: نهيتهم وَلم ينْتَهوا
قَالَ: فَمن لم ينتهِ فِي الثَّالِثَة مِنْهُم فاقتله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مَكْحُول قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر فَاضْرِبُوهُ ثمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَة: من شرب الْخمر فَاقْتُلُوهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي هُرَيْرَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا شربوا فَاجْلِدُوهُمْ
قَالَهَا ثَلَاثًا فَإِذا شربوا الرَّابِعَة فاقتلوهم
قَالَ معمر: فَذكرت ذَلِك لِابْنِ الْمُنْكَدر فَقَالَ: قد ترك الْقَتْل قد أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِابْن النعيمان فجلده ثمَّ أَتَى بِهِ فجلده ثمَّ أَتَى بِهِ فجلده ثمَّ أَتَى بِهِ فجلده الرَّابِعَة أَو أَكثر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا شربوا فَاجْلِدُوهُمْ ثمَّ إِذا شربوا فَاجْلِدُوهُمْ ثمَّ إِذا شربوا فاقتلوهم ثمَّ قَالَ: إِن الله قد وضع عَنْهُم الْقَتْل فَإِذا شربوا فَاجْلِدُوهُمْ ثمَّ إِذا شربوا فَاجْلِدُوهُمْ ذكرهَا أَربع مَرَّات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَمْرو بن دِينَار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من شرب الْخمر فحدُّوه فَإِن شرب الثَّانِيَة فحدُّوه فَإِن شرب الرَّابِعَة فَاقْتُلُوهُ قَالَ: فَأتى بِابْن النعيمان قد شرب فَضرب بالنعال وَالْأَيْدِي ثمَّ أَتَى بِهِ الثَّانِيَة فَكَذَلِك ثمَّ أَتَى بِهِ الرَّابِعَة فحدَّه وَوضع الْقَتْل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب رجلا فِي الْخمر أَربع مَرَّات ثمَّ أَن عمر بن خطاب ضرب أَبَا محجن الثَّقَفِيّ فِي الْخمر ثَمَان مَرَّات
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الرمد البلوي أَن رجلا مِنْهُم شرب الْخمر فَأتوا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضَربهُ ثمَّ شرب الثَّانِيَة فَأتوا بِهِ فَضَربهُ فَمَا أَدْرِي قَالَ فِي الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة فَجعل على الْعجل فَضربت عُنُقه
(3/181)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يدْخل الْجنَّة عَاق وَلَا منان وَلَا مدمن خمر قَالَ ابْن عَبَّاس: فذهبنا نَنْظُر فِي كتاب الله فَإِذا هم فِيهِ فِي العاقّ {فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم} مُحَمَّد الْآيَة 82 إِلَى آخر الْآيَة
وَفِي المنان {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدقَاتكُمْ بالمن والأذى} الْبَقَرَة الْآيَة 262 وَفِي الْخمر {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {من عمل الشَّيْطَان}
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن الديلمي قَالَ وفدت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله إِنَّا نصْنَع طَعَاما وَشَرَابًا فنطعمه بني عمنَا فَقَالَ: هَل يسكر قلت: نعم
فَقَالَ: حرَام
فَلَمَّا كَانَ عِنْد توديعي إِيَّاه ذكرته لَهُ فَقلت: يَا نَبِي الله إِنَّهُم لن يصبروا عَنهُ
قَالَ: فَمن لم يصبر عَنهُ فاضربوا عُنُقه
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد عَن شُرَحْبِيل بن أَوْس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر فاجلدوه فَإِن عَاد فاجلدوه فَإِن عَاد فاجلدوه فَإِن عَاد فَاقْتُلُوهُ
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان أَن نَاسا من أهل الْيمن قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعلمهم الصَّلَاة وَالسّنَن والفرائض ثمَّ قَالُوا: يَا رَسُول الله إِن لنا شرابًا نصنعه من التَّمْر وَالشعِير فَقَالَ: الغبيراء قَالُوا: نعم
قَالَ: لَا تطعموه
قَالُوا: فَإِنَّهُم لَا يدعونها
قَالَ: من لم يَتْرُكهَا فاضربوا عُنُقه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الَّذين يشربون الْخمر وَقد حرم الله عَلَيْهِم لَا يسقونها فِي حَظِيرَة الْقُدس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عمر قَالَ من شرب الْخمر لم يقبل الله مِنْهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ صباحاً فَإِن مَاتَ فِي الْأَرْبَعين دخل النَّار وَلم ينظر الله إِلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يلقى الله شَارِب الْخمر يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ سَكرَان فَيَقُول: وَيلك مَا شربت
فَيَقُول: الْخمر
قَالَ: أَو لم أحرمهَا عَلَيْك فَيَقُول: بلَى
فَيُؤْمَر بِهِ إِلَى النَّار
(3/182)
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند عَن عبَادَة بن الصَّامِت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليبيتن أنَاس من أمتِي على أشر وبطر وَلعب وَلَهو فيصبحوا قردة وَخَنَازِير باستحلالهم الْمَحَارِم واتخاذهم الْقَيْنَات وشربهم الْخمر وبأكلهم الرِّبَا ولبسهم الْحَرِير
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: إِنَّه فِي الْكتاب مَكْتُوب: أَن خَطِيئَة الْخمر تعلو الْخَطَايَا كَمَا تعلو شجرتها الشّجر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مَسْرُوق بن الأجدع قَالَ: شَارِب الْخمر كعابد الوثن وشارب الْخمر كعابد اللات والعزى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جُبَير قَالَ: من شرب مُسكرا لم يقبل الله مِنْهُ مَا كَانَت فِي مثانته مِنْهُ قَطْرَة فَإِن مَاتَ مِنْهَا كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال وَهِي صديد أهل النَّار وقيحهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي ذَر قَالَ: من شرب مُسكرا من الشَّرَاب فَهُوَ رِجْس ورجس صلَاته أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ الله عَلَيْهِ فَإِن شرب أَيْضا فَهُوَ رِجْس ورجس صلَاته أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ فَإِن عَاد لَهَا قَالَ: فِي الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبان رفع الحَدِيث قَالَ: إِن الْخَبَائِث جعلت فِي بَيت فأغلق عَلَيْهَا وَجعل مفتاحها الْخمر فَمن شرب الْخمر وَقع بالخبائث
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: إِن الْخمر مِفْتَاح كل شَرّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُحَمَّد الْمُنْكَدر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر صباحاً كَانَ كالمشرك بِاللَّه حَتَّى يُمْسِي وَكَذَلِكَ إِن شربهَا لَيْلًا كَانَ كالمشرك بِاللَّه حَتَّى يصبح وَمن شربهَا حَتَّى يسكر لم يقبل الله لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ صباحاً وَمن مَاتَ وَفِي عروقه مِنْهَا شَيْء مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلف الله بعزته وَقدرته لَا يشرب عبد مُسلم شربة من خمر إِلَّا سقيته بِمَا انتهك مِنْهَا من الْحَمِيم معذب بعد أَو مغْفُور لَهُ وَلَا يَتْرُكهَا وهوعليها قَادر ابْتِغَاء مرضاتي إِلَّا سقيته مِنْهَا فأرويته فِي حَظِيرَة الْقُدس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة
(3/183)
شَارِب الْخمر مسوداً وَجهه مزرقَّة عَيناهُ مائلاً شقَّه
أَو قَالَ: شدقه مدلياً لِسَانه يسيل لعابه على صَدره يقذره كل من يرَاهُ
وَأخرج أَحْمد عَن قيس بن سعد بن عبَادَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شرب الْخمر أَتَى عطشان يَوْم الْقِيَامَة أَلا وكل مُسكر خمر وَإِيَّاكُم والغبيراء
وَأخرج أَحْمد عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر لم يقبل الله لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ وَإِن عَاد كَانَ مثل ذَلِك فَمَا أَدْرِي فِي الثَّالِثَة أم فِي الرَّابِعَة قَالَ: فَإِن عَاد كَانَ حتما على الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا طِينَة الخبال قَالَ: عصارة أهل النَّار
وَأخرج ابْن أبي سعد وَابْن أبي شيبَة عَن خلدَة بنت طلق قَالَت: قَالَ لنا أبي: جلسنا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء صحار فَسَأَلَهُ مَا ترى فِي شراب نصنعه من ثمارنا قَالَ: تَسْأَلنِي عَن الْمُسكر لَا تشربه وَلَا تسقه أَخَاك فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا شربه رجل قطّ ابْتِغَاء لَذَّة سكر فيسقيه الله الْخمر يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد عَن أَسمَاء بنت يزِيد
أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شرب الْخمر لم يرضَ الله عَنهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن مَاتَ مَاتَ كَافِرًا وَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ وَإِن عَاد كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
قلت: يَا رَسُول الله وَمَا طِينَة الخبال قَالَ: صديد أهل النَّار
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ الريب من الْكفْر وَالنوح عمل الْجَاهِلِيَّة وَالشعر من أَمر إِبْلِيس والغلول جمر من جَهَنَّم وَالْخمر جَامع كل إِثْم والشباب شُعْبَة من الْجُنُون وَالنِّسَاء حبائل الشَّيْطَان وَالْكبر شَرّ من الشَّرّ وَشر المآكل مَال الْيَتِيم وَشر المكاسب الرِّبَا والسعيد من وعظ بِغَيْرِهِ والشقي من شقي فِي بطن أمه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عليّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لم يزل جِبْرِيل ينهاني عَن عبَادَة الْأَوْثَان وَشرب الْخمر وملاحاة الرِّجَال
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أم سَلمَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَانَ فِي أول مَا نهاني عَنهُ رَبِّي وعهد إليَّ بعد عبَادَة الْأَوْثَان وَشرب الْخمر لملاحاة الرِّجَال وَالله تَعَالَى أعلم
(3/184)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بِالْغَيْبِ فَمن اعْتدى بعد ذَلِك فَلهُ عَذَاب أَلِيم
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم ورماحكم} قَالَ: هُوَ الضَّعِيف من الصَّيْد وصغيره يَبْتَلِي الله بِهِ عباده فِي إحرامهم حَتَّى لَو شاؤوا تناولوه بِأَيْدِيهِم فنهاهم الله أَن يقربوه فَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا قَالَ: إِن قَتله مُتَعَمدا أَو نَاسِيا أَو خطأ حكم عَلَيْهِ فَإِن عَاد مُتَعَمدا عجلت لَهُ الْعقُوبَة إِلَّا أَن يعْفُو الله عَنهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم ورماحكم} قَالَ: النبل وَالرمْح ينَال كبار الصَّيْد وأيديهم تنَال صغَار الصَّيْد أَخذ الفروخ وَالْبيض
وَفِي لفظ: أَيْدِيكُم
أخذكم إياهن بِأَيْدِيكُمْ من بيضهن وفراخهن ورماحكم
مَا رميت أَو طعنت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد} قَالَ: مَا لَا يَسْتَطِيع أَن يَرْمِي من الصَّيْد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: أنزلت هَذِه الْآيَة فِي عمْرَة الْحُدَيْبِيَة فَكَانَت الْوَحْش وَالطير وَالصَّيْد يَغْشَاهُم فِي رحالهم لم يرَوا مثله قطّ فِيمَا خلا فنهاهم الله عَن قَتله وهم محرمون {ليعلم الله من يخافه بِالْغَيْبِ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طرق قيس بن سعد عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يَقُول فِي قَوْله: {فَمن اعْتدى بعد ذَلِك فَلهُ عَذَاب أَلِيم} : أَن يُوسع ظَهره وبطنه جلدا ويسلب ثِيَابه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كَانَ إِذا مَا أَخذ شَيْئا من الصَّيْد أَو قَتله جلد مائَة ثمَّ نزل الحكم بعد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يمْلَأ بَطْنه وظهره إِن عَاد لقتل الصَّيْد مُتَعَمدا وَكَذَلِكَ صنع بِأَهْل وَج أهل وَاد بِالطَّائِف قَالَ ابْن
(3/185)
عَبَّاس: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا أحدث الرجل حَدثا أَو قتل صيدا ضرب ضربا شَدِيدا وسلب ثِيَابه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {فَمن اعْتدى بعد ذَلِك فَلهُ عَذَاب أَلِيم} قَالَ: هِيَ وَالله مُوجبَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد
مثله
(3/186)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم وَمن قَتلهمْ مِنْكُم مُتَعَمدا فجزاء مثل مَا قتل من النعم يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم هَديا بَالغ الْكَعْبَة أَو كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَو عدل ذَلِك صياما ليذوق وبال أمره عَفا الله عَمَّا سلف وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ وَالله عَزِيز ذُو انتقام
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس {لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} فَنهى الْمحرم عَن قَتله فِي هَذِه الْآيَة وَأكله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} قَالَ: حرم صَيْده هَهُنَا وَأكله هَهُنَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا} قَالَ: إِن قَتله مُتَعَمدا أَو نَاسِيا أوخطأ حكم عَلَيْهِ فَإِن عَاد مُتَعَمدا عجلت لَهُ الْعقُوبَة إِلَّا أَن يعْفُو الله عَنهُ
وَفِي قَوْله {فجزاء مثل مَا قتل من النعم} قَالَ: إِذا قتل الْمحرم شَيْئا من الصَّيْد حكم عَلَيْهِ فِيهِ فَإِن قتل ظَبْيًا أَو نَحوه فَعَلَيهِ شَاة تذبح بِمَكَّة فَإِن لم يجد فإطعام سِتَّة مَسَاكِين فَإِن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن قتل إبِلا وَنَحْوه فَعَلَيهِ بقرة فَإِن لم يجدهَا أطْعم عشْرين مِسْكينا فَإِن لم يجد صَامَ عشْرين يَوْمًا وَإِن قتل نعَامَة أَو حمَار وَحش أَو نَحوه فَعَلَيهِ بَدَنَة من الْإِبِل فَإِن لم يجد أطْعم ثَلَاثِينَ مِسْكينا فَإِن لم يجد صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَالطَّعَام مدٌّ مدٌّ يشبعهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الحكم
أَن عمر كتب أَن يحكم عَلَيْهِ فِي الْخَطَأ والعمد
(3/186)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: يحكم عَلَيْهِ فِي الْعمد وَالْخَطَأ وَالنِّسْيَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا} قَالَ: متعمد القتلة نَاسِيا لإحرامه فَذَلِك الَّذِي يحكم عَلَيْهِ فَإِن قَتله ذَاكِرًا لإحرامه متعمد القتلة لم يحكم عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الَّذِي يقتل الصَّيْد مُتَعَمدا وَهُوَ يعلم أَنه محرم ومتعمد قَتله قَالَ: لَا يحكم عَلَيْهِ وَلَا حج لَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: الْعمد هُوَ الْخَطَأ الْمُكَفّر أَن يُصِيب الصَّيْد وَهُوَ يُرِيد غَيره فَيُصِيبهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا} للصَّيْد نَاسِيا لإحرامه فَمن اعْتدى بعد ذَلِك مُتَعَمدا للصَّيْد يذكر إِحْرَامه لم يحكم عَلَيْهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا} قَالَ: إِذا كَانَ نَاسِيا لإحرامه وَقتل الصَّيْد مُتَعَمدا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: من قَتله مُتَعَمدا لقَتله نَاسِيا لإحرامه فَعَلَيهِ الْجَزَاء وَمن قَتله مُتَعَمدا لقَتله غير نَاس لإحرامه فَذَاك إِلَى الله إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ غفر لَهُ
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: من قَتله مُتَعَمدا غير نَاس لإحرامه وَلَا يُرِيد غَيره فقد حل وَلَيْسَت لَهُ رخصَة وَمن قَتله نَاسِيا لإحرامه أَو أَرَادَ غَيره فَأَخْطَأَ بِهِ فَذَلِك الْعمد الْمُكَفّر
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا} فَمن قَتله خطأ يغرم وَإِنَّمَا جعل الْغرم على من قَتله مُتَعَمدا قَالَ: نعم تعظم بذلك حرمات الله وَمَضَت بذلك السّنَن وَلِئَلَّا يدْخل النَّاس فِي ذَلِك
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن الْمُنْذر عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: رَأَيْت النَّاس أَجْمَعِينَ يغرمون فِي الْخَطَأ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير
(3/187)
قَالَ: إِنَّمَا كَانَت الْكَفَّارَة فِيمَن قتل الصَّيْد مُتَعَمدا وَلَكِن غلظ عَلَيْهِم فِي الْخَطَأ كي يتقوا
وَأخرج ابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: نزل الْقُرْآن بالعمد وَجَرت السّنة فِي الْخَطَأ يَعْنِي فِي الْمحرم يُصِيب الصَّيْد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: يحكم عَلَيْهِ فِي الْعمد وَفِي الْخَطَأ وَمِنْه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا أصَاب الْمحرم الصَّيْد فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير
فِي الْمحرم إِذا أمات صيدا خطأ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن أصَاب مُتَعَمدا فَعَلَيهِ الْجَزَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن طَاوس قَالَ: لَا يحكم على من أصَاب صيدا خطأ إِنَّمَا يحكم من أَصَابَهُ عمدا وَالله مَا قَالَ الله إِلَّا {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فجزاء مثل مَا قتل من النعم} قَالَ: إِذا أصَاب الْمحرم الصَّيْد يحكم عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ من النعم فَإِن وجد جَزَاؤُهُ ذبحه وتصدَّق بِلَحْمِهِ وَإِن لم يجد جَزَاؤُهُ قوم الْجَزَاء دَرَاهِم ثمَّ قومت الدَّرَاهِم حِنْطَة ثمَّ صَامَ مَكَان كل نصف صَاع يَوْمًا
قَالَ {أَو كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَو عدل ذَلِك صياما} وَإِنَّمَا أُرِيد بِالطَّعَامِ الصّيام أَنه إِذا وجد الطَّعَام وجد جَزَاؤُهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي الرجل يُصِيب الصَّيْد وَهُوَ محرم قَالَ: يحكم عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ فَإِن لم يجد قَالَ: يحكم عَلَيْهِ ثمنه فقوّم طَعَاما فَتصدق بِهِ فَإِن لم يجد حكم عَلَيْهِ الصّيام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي فِي قَوْله {فجزاء مثل} قَالَ: شبهه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ {فجزاء مثل مَا قتل من النعم} قَالَ: نده
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: سَأَلَ مَرْوَان بن الحكم ابْن عَبَّاس وَهُوَ بوادي الْأَزْرَق قَالَ: أَرَأَيْت مَا أصبْنَا من الصَّيْد لم نجد لَهُ ندا فَقَالَ ابْن عَبَّاس: ثمنه يهدى إِلَى مَكَّة
(3/188)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: عَلَيْهِ من النعم مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: إِن قتل نعَامَة أَو حمارا فَعَلَيهِ بَدَنَة وَإِن قتل بقرة أَو أيلاً أَو أروى فَعَلَيهِ بقرة أَو قتل غزالاً أَو أرنباً فَعَلَيهِ شَاة وَإِن قتل ظَبْيًا أَو جَريا أَو يربوعاً فَعَلَيهِ سخلة قد أكلت العشب وشربت اللَّبن
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء أَنه سُئِلَ: أيغرم فِي صَغِير الصَّيْد كَمَا يغرم فِي كبيره قَالَ: أَلَيْسَ يَقُول الله {فجزاء مثل مَا قتل} وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {فجزاء مثل مَا قتل} قَالَ: مَا كَانَ لَهُ مثل يُشبههُ فَهُوَ جَزَاؤُهُ قَضَاؤُهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حبَان فِي قَوْله {فجزاء مثل مَا قتل} قَالَ: فَمَا كَانَ من صيد الْبر مِمَّا لَيْسَ لَهُ قرن الْحمار والنعامة فَجَزَاؤُهُ من الْبدن وَمَا كَانَ من صيد الْبر ذَوَات الْقُرُون فَجَزَاؤُهُ من الْبَقر وَمَا كَانَ من الظباء فَفِيهِ من الْغنم والأرنب فِيهِ ثنية من الْغنم واليربوع فِيهِ برق وَهُوَ الْحمل وَمَا كَانَ من حمامة أونحوها من الطير فَفِيهَا شَاة وَمَا كَانَ من جَرَادَة أونحوها فَفِيهَا قَبْضَة من طَعَام
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: أَرَأَيْت إِن قتلت صيدا فَإِذا هُوَ أَعور أَو أعرج أَو مَنْقُوص أغرم مثله قَالَ: نعم إِن شِئْت
قَالَ عَطاء: وَإِن قتلت ولد بقرة وحشية فَفِيهِ ولد بقرة إنسية مثله فَكل ذَلِك على ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم فِي قَوْله {فجزاء مثل مَا قتل من النعم} قَالَ: مَا كَانَ من صيد الْبر مِمَّا لَيْسَ لَهُ قرن الْحمار أَو النعامة فَعَلَيهِ مثله من الْإِبِل وَمَا كَانَ ذَا قرن من صيد الْبر من وعل أَو إبل فَجَزَاؤُهُ من الْبَقر وَمَا كَانَ من ظَبْي فَمن الْغنم مثله وَمَا كَانَ من أرنب فَفِيهَا ثنية وَمَا كَانَ من يَرْبُوع وَشبهه فَفِيهِ حمل صَغِير وَمَا كَانَ من جَرَادَة أَو نَحْوهَا فَفِيهَا قَبْضَة من طَعَام وَمَا كَانَ من طير الْبر فَفِيهِ أَن يقوم وَيتَصَدَّق بِثمنِهِ وَإِن شَاءَ صَامَ لكل نصف صَاع يَوْمًا وَإِن أصَاب فرخ طير بَريَّة أَو بيضها فَالْقيمَة فِيهَا طَعَام أوصوم على الَّذِي يكون فِي الطير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضبع صيد فَإِذا أَصَابَهُ الْمحرم فَفِيهِ جَزَاء كَبْش مسن وتؤكل
(3/189)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء
أَن عمر وَعُثْمَان وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة قَالُوا: فِي النعامة بَدَنَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر
أَن عمر قضى فِي الأرنب جفرة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء وَطَاوُس وَمُجاهد أَنهم قَالُوا: فِي الْحمار بقرة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة قَالَ: إِذا أصَاب الْمحرم بقرة الْوَحْش فَفِيهَا جزور
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء
أَن رجلا أغلق بَابه على حمامة وفرخيها ثمَّ انْطلق إِلَى عَرَفَات وَمنى فَرجع وَقد مَاتَت فَأتى ابْن عمر فَذكر ذَلِك لَهُ فَجعل عَلَيْهِ ثَلَاثَة من الْغنم وَحكم مَعَه رجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي طير الْحرم شَاة شَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: أول من فدى طير الْحرم بِشَاة عُثْمَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: فِي الْجَرَاد قَبْضَة من طَعَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: تَمْرَة خير من جَرَادَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْقَاسِم قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن الْمحرم يصيد الجرادة فَقَالَ: تَمْرَة خير من جَرَادَة
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: مَا أصَاب الْمحرم من شَيْء حكم فِيهِ قِيمَته
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي بَيْضَة النعام صِيَام يَوْم أَو إطْعَام مِسْكين
وَأخرج الشَّافِعِي عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَابْن مَسْعُود مَوْقُوفا
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة وَأحمد عَن رجل من الْأَنْصَار
أَن رجلا أوطأ بعيره ادحي نعَامَة فَكسر بيضها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْك بِكُل بَيْضَة صَوْم يَوْم أَو إطْعَام مِسْكين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن ذكْوَان
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن رجل محرم أصَاب بيض نعام قَالَ: عَلَيْهِ فِي كل بَيْضَة صِيَام يَوْم أَو إطْعَام مِسْكين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الزِّنَاد عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نَحوه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي المهزم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي بيض النعام ثمنه
(3/190)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: فِي بيض النعام قِيمَته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: فِي بيض النعام قِيمَته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي كل بيضتين دِرْهَم وَفِي كل بَيْضَة نصف دِرْهَم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن قبيصَة بن جَابر قَالَ: حجَجنَا زمن عمر فَرَأَيْنَا ظَبْيًا فَقَالَ أَحَدنَا لصَاحبه: أَترَانِي أبلغه فَرمى بِحجر فَمَا أَخطَأ خششاه فَقتله فأتينا عمر بن الْخطاب فَسَأَلْنَاهُ عَن ذَلِك وَإِذا إِلَى جنبه رجل يَعْنِي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَالْتَفت إِلَيْهِ فَكَلمهُ ثمَّ أقبل على صاحبنا فَقَالَ: أعمدا قَتله أم خطأ قَالَ الرجل: لقد تَعَمّدت رميه وَمَا أردْت قَتله
قَالَ عمر: مَا أَرَاك إِلَّا قد أشركت بَين الْعمد وَالْخَطَأ اعمد إِلَى شَاة فاذبحها وَتصدق بلحمها وأسق إهابها يَعْنِي ادفعه إِلَى مِسْكين يَجعله سقاء فقمنا من عِنْده فَقلت لصاحبي: أَيهَا الرجل أعظم شَعَائِر الله الله مَا درى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا يفتيك حَتَّى شاور صَاحبه اعمد إِلَى نَاقَتك فانحرها فَلَعَلَّ ذَلِك
قَالَ قبيصَة: وَمَا أذكر الْآيَة فِي سُورَة الْمَائِدَة {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم} قَالَ: فَبلغ عمر مَقَالَتي فَلم يفجأنا إِلَّا وَمَعَهُ الدرة فعلا صَاحِبي ضربا بهَا وَهُوَ يَقُول: أقتلت الصَّيْد فِي الْحرم وسفهت الْفتيا ثمَّ أقبل عليَّ يضربني فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا أحل لَك مني شَيْئا مِمَّا حرم الله عَلَيْك
قَالَ: يَا قبيصَة إِنِّي أَرَاك شَابًّا حَدِيث السن فصيح اللِّسَان فسيح الصَّدْر وَإنَّهُ قد يكون فِي الرجل تِسْعَة أَخْلَاق صَالِحَة وَخلق سيء فيغلب خلقه السيء أخلاقه الصَّالِحَة فإياك وعثرات الشَّبَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان
أَن أَعْرَابِيًا أَتَى أَبَا بكر فَقَالَ: قتلت صيدا وَأَنا محرم فَمَا ترى عليَّ من الْجَزَاء فَقَالَ أَبُو بكر لأبي بن كَعْب وهوجالس عِنْده: مَا ترى فِيهَا فَقَالَ الْأَعرَابِي: أَتَيْتُك وَأَنت خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَسأَلك فَإِذا أَنْت تسْأَل غَيْرك قَالَ أَبُو بكر: فَمَا تنكر يَقُول الله {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم} فشاورت صَاحِبي حَتَّى إِذا اتفقنا على أَمر أمرناك بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: كَانَ رجلَانِ من الْأَعْرَاب محرمان فأجاش أَحدهمَا ظَبْيًا فَقتله الآخر فَأتيَا عمر وَعِنْده عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ لَهُ عمر: مَا ترى قَالَ: شَاة
قَالَ: وَأَنا أرى ذَلِك
(3/191)
اذْهَبَا فاهديا شَاة فَلَمَّا مضيا قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: مَا درى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا يَقُول حَتَّى سَأَلَ صَاحبه فَسَمعَهَا عمر فردهما وَأَقْبل على الْقَائِل ضربا بِالدرةِ وَقَالَ: تقتل الصَّيْد وَأَنت محرم وَتَغْمِص الْفتيا إِن الله يَقُول {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم} ثمَّ قَالَ: إِن الله لم يرض بعمر وَحده فاستعنت بصاحبي هَذَا
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن طَارق بن شهَاب قَالَ: أوطأ أَرْبَد ظَبْيًا فَقتله وَهُوَ محرم فَأتى عمر ليحكم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عمر: احكم معي
فحكما فِيهِ جدياً قد جمع المَاء وَالشَّجر ثمَّ قَالَ عمر {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي مجلز: أَن رجلا سَأَلَ ابْن عمر عَن رجل أصَاب صيدا وهومحرم وَعِنْده عبد الله بن صَفْوَان فَقَالَ ابْن عمر لَهُ: إِمَّا أَن تَقول فأصدقك أَو أَقُول فتصدقني
فَقَالَ ابْن صَفْوَان: بل أَنْت فَقل
فَقَالَ ابْن عمر وَوَافَقَهُ على ذَلِك عبد الله بن صَفْوَان
وَأخرج ابْن سعد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي حريز البَجلِيّ قَالَ: أصبت ظَبْيًا وَأَنا محرم فَذكرت ذَلِك لعمر فَقَالَ: ائْتِ رجلَيْنِ من إخوانك فليحكما عَلَيْك فَأتيت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وسعداً فحكما عليَّ تَيْسًا أعفر
وَأخرج ابْن جرير عَن عَمْرو بن حبشِي قَالَ: سَمِعت رجلا سَأَلَ عبد الله بن عمر عَن رجل أصَاب ولد أرنب فَقَالَ: فِيهِ ولد مَاعِز فِيمَا أرى أَنا ثمَّ قَالَ لي: أكذاك فَقلت: أَنْت أعلم مني
فَقَالَ: قَالَ الله {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي مليكَة قَالَ: سُئِلَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن محرم قتل سخلة فِي الْحرم فَقَالَ لي: احكم
فَقلت: أحكم وَأَنت هَهُنَا فَقَالَ: إِن الله يَقُول {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة بن خَالِد قَالَ: لَا يصلح إِلَّا بحكمين لَا يَخْتَلِفَانِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ أَن رجلا سَأَلَ عليا عَن الْهَدْي ممَّ هُوَ قَالَ: من الثَّمَانِية الْأزْوَاج فَكَأَن الرجل شكّ فَقَالَ عَليّ: تقْرَأ الْقُرْآن فَكَأَن الرجل قَالَ نعم
قَالَ: أفسمعت الله يَقُول {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} الْمَائِدَة الْآيَة 1 قَالَ: نعم
قَالَ: وسمعته يَقُول {لِيذكرُوا اسْم الله على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام}
(3/192)
الْحَج الْآيَة 34 {وَمن الْأَنْعَام حمولة وفرشاً} الْأَنْعَام 142 فَكُلُوا من بَهِيمَة الْأَنْعَام قَالَ: نعم
قَالَ: أفسمعته يَقُول {من الضَّأْن اثْنَيْنِ وَمن الْمعز اثْنَيْنِ} {وَمن الْإِبِل اثْنَيْنِ وَمن الْبَقر اثْنَيْنِ} الْأَنْعَام قَالَ: نعم
قَالَ: أفسمعته يَقُول {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} الْمَائِدَة الْآيَة 95 إِلَى قَوْله {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} قَالَ الرجل: نعم
فَقَالَ: إِن قتلت ظَبْيًا فَمَا عَليّ قَالَ: شَاة
قَالَ عَليّ: هَديا بَالغ الْكَعْبَة
قَالَ الرجل: نعم
فَقَالَ عَليّ: قد سَمَّاهُ الله بَالغ الْكَعْبَة كَمَا تسمع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عمر قَالَ: إِنَّمَا الْهَدْي ذَوَات الْجوف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} قَالَ: مَحَله مَكَّة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء قَالَ: الْهَدْي والنسك وَالطَّعَام بِمَكَّة وَالصَّوْم حَيْثُ شِئْت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الحكم قَالَ: قيمَة الصَّيْد حَيْثُ أَصَابَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين} قَالَ: الْكَفَّارَة فِي قتل مَا دون الأرنب إطْعَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: من قتل الصَّيْد نَاسِيا أَو أَرَادَ غَيره فَأَخْطَأَ بِهِ فَذَلِك الْعمد الْمُكَفّر فَعَلَيهِ مثله {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} فَإِن لم يجد فَابْتَاعَ بِثمنِهِ طَعَاما فَإِن لم يجد صَامَ عَن كل مد يَوْمًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ لي الْحسن بن مُسلم: من أصَاب من الصَّيْد مَا يبلغ أَن يكون فِيهِ شَاة فَصَاعِدا فَذَلِك الَّذِي قَالَ الله {فجزاء مثل مَا قتل من النعم} وَأما {كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين} فَذَلِك الَّذِي لَا يبلغ أَن يكون فِيهِ هدي العصفور يقتل فَلَا يكون هدي قَالَ {أَو عدل ذَلِك صياما} عدل النعامة أَو عدل العصفور أَو عدل ذَلِك كُله
قَالَ ابْن جريج: فَذكرت ذَلِك لعطاء فَقَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن أَو فلصاحبه أَن يخْتَار مَا شَاءَ
(3/193)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
أَنه كَانَ يَقُول: إِذا أصَاب الْمحرم شَيْئا من الصَّيْد عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ من النعم فَإِن لم يجد قوم الْجَزَاء دَرَاهِم ثمَّ قومت الدَّرَاهِم طَعَاما بِسعْر ذَلِك الْيَوْم فَتصدق بِهِ فَإِن لم يكن عِنْده طَعَام صَامَ مَكَان كل نصف صَاع يَوْمًا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء وَمُجاهد فِي قَوْله {أَو كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَو عدل ذَلِك صياما} قَالَا: هُوَ مَا يُصِيب الْمحرم من الصَّيْد لَا يبلغ أَن يكون فِيهِ الْهَدْي فَفِيهِ طَعَام قِيمَته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء فِي الْآيَة قَالَ: إِن أصَاب إِنْسَان محرم نعَامَة فَإِن لَهُ إِن كَانَ ذَا يسَار أَن يهدي مَا شَاءَ جزوراً أَو عدلها طَعَاما أَو عدلها صياما لَهُ ايتهن شَاءَ من أجل قَوْله عز وَجل فَجَزَاؤُهُ كَذَا
قَالَ: فَكل شَيْء فِي الْقُرْآن أَو فليختر مِنْهُ صَاحبه مَا شَاءَ
قلت لَهُ: أَرَأَيْت إِذا قدر على الطَّعَام أَلا يقدر على عدل الصَّيْد الَّذِي أصَاب قَالَ: ترخيص الله عَسى أَن يكون عِنْده طَعَام وَلَيْسَ عِنْده ثمن الْجَزُور وَهِي الرُّخْصَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي
أَن عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان وَعلي بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت وَمُعَاوِيَة قضوا فِيمَا كَانَ من هدي مِمَّا يقتل الْمحرم من صيد فِيهِ جَزَاء نظر إِلَى قيمَة ذَلِك فأطعم بِهِ الْمَسَاكِين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآن أَو فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ وَمَا كَانَ فَمن لم يجد فَالْأول ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد وَالْحسن وَإِبْرَاهِيم وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ فِي محرم أصَاب صيدا بخراسان قَالَ: يكفر بِمَكَّة أَو بمنى ويقوِّم الطَّعَام بِسعْر الأَرْض الَّتِي يكفر بهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: مَا كَانَ من دم فبمكة وَمَا كَانَ من صَدَقَة أَو صَوْم حَيْثُ شَاءَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس وَعَطَاء
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: أَيْن يتَصَدَّق بِالطَّعَامِ قَالَ: بِمَكَّة من أجل أَنه بِمَنْزِلَة الْهَدْي
(3/194)
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء قَالَ: كَفَّارَة الْحَج بِمَكَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: إِذا قدمت مَكَّة بجزاء صيد فانحره فَإِن الله يَقُول {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} إِلَّا أَن تقدم فِي الْعشْر فيؤخر إِلَى يَوْم النَّحْر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: هَل لصيامه وَقت قَالَ: لَا إِذا شَاءَ وَحَيْثُ شَاءَ وتعجيله أحب إليَّ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: مَا عدل الطَّعَام من الصّيام قَالَ: لكل مد يَوْم يَأْخُذ زعم بصيام رَمَضَان وبالظهار وَزعم أَن ذَلِك رَأْي يرَاهُ وَلم يسمعهُ من أحد
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {أَو عدل ذَلِك صياما} قَالَ: يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام إِلَى عشرَة أَيَّام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا جعل الطَّعَام ليعلم بِهِ الصّيام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {ليذوق وبال أمره} قَالَ: عُقُوبَة أمره
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قتاد {ليذوق وبال أمره} قَالَ: عَاقِبَة عمله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ من طَرِيق نعيم بن قعنب عَن أبي ذَر {عَفا الله عَمَّا سلف} عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ} قَالَ: فِي الإِسلام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء {عَفا الله عَمَّا سلف} قَالَ: عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة {وَمن عَاد} قَالَ: من عَاد فِي الْإِسْلَام {فينتقم الله مِنْهُ} وَعَلِيهِ مَعَ ذَلِك الْكَفَّارَة
قَالَ ابْن جريج: قلت لعطاء: فَعَلَيهِ من الآثام عُقُوبَة قَالَ: لَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
فِي الَّذِي يُصِيب الصَّيْد وَهُوَ محرم يحكم عَلَيْهِ من وَاحِدَة فَإِن عَاد لم يحكم عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك إِلَى الله إِن شَاءَ عاقبه وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ ثمَّ تَلا {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ} وَلَفظ أبي الشَّيْخ: وَمن عَاد قيل لَهُ اذْهَبْ ينْتَقم الله مِنْك
(3/195)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من قتل شَيْئا من الصَّيْد خطأ وهومحرم حكم عَلَيْهِ كلما قَتله وَمن قَتله مُتَعَمدا حكم عَلَيْهِ فِيهِ مرّة وَاحِدَة فَإِن عَاد يُقَال لَهُ: ينْتَقم الله مِنْك كَمَا قَالَ الله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ
أَن رجلا أصَاب صيدا وَهُوَ محرم فَسَأَلَ شريحاً فَقَالَ: هَل أصبت قبل هَذَا شَيْئا قَالَ: لَا
قَالَ: أما إِنَّك لَو فعلت لم أحكم عَلَيْك ولوكلتك إِلَى الله يكون هُوَ ينْتَقم مِنْك
وَأخرج ابْن جرير وأبوالشيخ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: رخص فِي قتل الصَّيْد مرّة فَإِن عَاد لم يَدعه الله حَتَّى ينْتَقم مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم
فِي الَّذِي يقتل الصَّيْد ثمَّ يعود قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: من عَاد لَا يحكم عَلَيْهِ أمره إِلَى الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: يحكم عَلَيْهِ فِي الْعمد مرّة وَاحِدَة فَإِن عَاد لم يحكم عَلَيْهِ وَقيل لَهُ: اذْهَبْ ينْتَقم الله مِنْك وَيحكم عَلَيْهِ فِي الْخَطَأ أبدا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: يحكم عَلَيْهِ كلما عَاد
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كلما أصَاب الصَّيْد الْمحرم حكم عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق زيد أبي الْمُعَلَّى عَن الْحسن
أَن رجلا أصَاب صيدا وَهُوَ محرم فَتجوز عَنهُ ثمَّ عَاد فَأصَاب صيدا آخر فَنزلت نَار من السَّمَاء فَأَحْرَقتهُ فَهُوَ قَوْله {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رجلا عَاد فَبعث الله عَلَيْهِ نَارا فأكلته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقْتل الْمحرم الْفَأْرَة وَالْعَقْرَب والحدأ والغراب وَالْكَلب الْعَقُور زَاد فِي رِوَايَة وَيقتل الْحَيَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول خمس فواسق فاقتلوهن فِي الْحرم: الحدأ والغراب وَالْكَلب والفأرة وَالْعَقْرَب
(3/196)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر محرما أَن يقتل حَيَّة فِي الْحرم بمنى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يقتل الْمحرم الذِّئْب
=====

المائدة - تفسير فتح القدير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ قَالَ: مِنْ عُسْرِكُمْ وَيُسْرِكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ: الرَّجُلُ يَقُوتُ أَهْلَهُ قُوتًا فِيهِ سَعَةٌ وَكَانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ أَهْلَهُ قُوتًا فِيهِ شِدَّةٌ، فَنَزَلَتْ: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ نَحْوَ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: أَوْ كِسْوَتُهُمْ قَالَ: «عَبَاءَةٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ» ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوْ كِسْوَتُهُمْ مَا هُوَ؟ قَالَ: «عَبَاءَةٌ عَبَاءَةٌ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: عَبَاءَةٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ أَوْ شَمْلَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْكُسْوَةُ ثَوْبٌ أَوْ إِزَارٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ هُوَ بِالْخِيَارِ فِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عنه نحوه.
[سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 93]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)
قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْمَيْسِرِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَالْأَنْصابُ هِيَ الْأَصْنَامُ الْمَنْصُوبَةُ لِلْعِبَادَةِ وَالْأَزْلامُ. قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَالرِّجْسُ يُطْلَقُ عَلَى الْعُذْرَةِ وَالْأَقْذَارِ. وَهُوَ خَبَرٌ لِلْخَمْرِ، وَخَبَرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ. وَقَوْلُهُ: مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ صِفَةٌ لِرِجْسٍ: أَيْ كَائِنٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، بِسَبَبِ تَحْسِينِهِ لِذَلِكَ وَتَزْيِينِهِ لَهُ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي كَانَ عَمِلَ هَذِهِ الْأُمُورَ بِنَفْسِهِ فَاقْتَدَى بِهِ بَنُو آدَمَ وَالضَّمِيرُ فِي فَاجْتَنِبُوهُ رَاجِعٌ إِلَى الرِّجْسِ، أَوْ إِلَى الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ عِلَّةٌ لِمَا قَبْلَهُ. قَالَ فِي الْكَشَّافِ: أُكِّدَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وُجُوهًا مِنَ التَّأْكِيدِ، مِنْهَا: تَصْدِيرُ الْجُمْلَةِ بِإِنَّمَا، وَمِنْهَا: أَنَّهُ قَرْنَهُمَا بِعِبَادَةِ الأصنام ومنه قوله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: «شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ الْوَثَنِ» وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَهُمَا رِجْسًا، كَمَا قَالَ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ «1» ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَهُمَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَالشَّيْطَانُ لَا يَأْتِي مِنْهُ إِلَّا الشَّرُّ الْبَحْتُ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَمْرٌ بِالِاجْتِنَابِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَ الِاجْتِنَابَ مِنَ الْفَلَاحِ، وَإِذَا كَانَ الِاجْتِنَابُ فَلَاحًا كَانَ الِارْتِكَابُ خَيْبَةً وَمُحْقَةً، وَمِنْهَا: أَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَنْتُجُ مِنْهُمَا مِنَ الْوَبَالِ، وَهُوَ وُقُوعُ التَّعَادِي وَالتَّبَاغُضِ بَيْنَ أَصْحَابِ الْخَمْرِ وَالْقَمْرِ، وَمَا يُؤَدِّيَانِ إِلَيْهِ مِنَ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ مُرَاعَاةِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، انْتَهَى.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لِمَا تَضَمَّنَهُ الْأَمْرُ بِالِاجْتِنَابِ مِنَ الْوُجُوبِ وَتَحْرِيمِ الصَّدِّ، وَلِمَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ تَحْرِيمِ قُرْبَانِ الرِّجْسِ فَضْلًا عَنْ جَعْلِهِ شَرَابًا يُشْرَبُ. قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ من المفسرين وغيرهم:
__________
(1) . الحج: 30. [.....]
(2/84)
كَانَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ بِتَدْرِيجٍ وَنَوَازِلَ كَثِيرَةٍ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَلِفُوا شُرْبَهَا وَحَبَّبَهَا الشَّيْطَانُ إِلَى قلوبهم، فأوّل ما نزل في أمرها يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ «1» فَتَرَكَ عِنْدَ ذَلِكَ بَعْضٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ شُرْبَهَا وَلَمْ يَتْرُكْهُ آخَرُونَ، ثُمَّ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى «2» فَتَرَكَهَا الْبَعْضُ أَيْضًا، وَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيمَا يَشْغَلُنَا عَنِ الصَّلَاةِ، وَشَرِبَهَا الْبَعْضُ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ فَصَارَتْ حَرَامًا عَلَيْهِمْ، حَتَّى كَانَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: مَا حَرَّمَ اللَّهُ شَيْئًا أَشَدَّ مِنَ الْخَمْرِ، وَذَلِكَ لِمَا فَهِمُوهُ مِنَ التَّشْدِيدِ فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الزَّوَاجِرِ، وَفِيمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنَ الْوَعِيدِ لِشَارِبِهَا، وَأَنَّهَا مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ.
وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ إِجْمَاعًا لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ، وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا مَا دَامَتْ خَمْرًا، وَكَمَا دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ دَلَّتْ أَيْضًا عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْسِرِ وَالْأَنْصَابِ وَالْأَزْلَامِ. وَقَدْ أَشَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِلَى مَا فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ مِنَ الْمَفَاسِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِقَوْلِهِ: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ وَمِنَ الْمَفَاسِدِ الدِّينِيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ. قَوْلُهُ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ فِيهِ زَجْرٌ بَلِيغٌ يُفِيدُهُ الِاسْتِفْهَامُ الدَّالُّ عَلَى التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ. وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا سَمِعَ هَذَا: انْتَهَيْنَا، ثُمَّ أَكَّدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذَا التَّحْرِيمَ بِقَوْلِهِ: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا أَيْ مُخَالَفَتَهُمَا: أَيْ مُخَالَفَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ أَمْرًا مُطْلَقًا فَالْمَجِيءُ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يُفِيدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ التَّأْكِيدِ، وَهَكَذَا مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ أَيْ إِنْ أَعْرَضْتُمْ عَنْ الِامْتِثَالِ، فَقَدْ فَعَلَ الرَّسُولُ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْبَلَاغِ الَّذِي فِيهِ رَشَادُكُمْ وَصَلَاحُكُمْ، وَلَمْ تَضُرُّوا بِالْمُخَالَفَةِ إِلَّا أَنْفُسَكُمْ، وَفِي هَذَا مِنَ الزَّجْرِ مَا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ وَلَا يُبْلَغُ مَدَاهُ. قَوْلُهُ: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا أَيْ مِنَ الْمَطَاعِمِ الَّتِي يَشْتَهُونَهَا، وَالطَّعْمُ وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَكْلِ أَكْثَرَ لَكِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الشُّرْبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي «3» أَبَاحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ جَمِيعَ مَا طَعِمُوا كَائِنًا مَا كَانَ مُقَيَّدًا بِقَوْلِهِ: إِذا مَا اتَّقَوْا أَيِ اتَّقَوْا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ كَالْخَمْرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَجَمِيعِ الْمَعَاصِي وَآمَنُوا بِاللَّهِ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ لَهُمْ: أَيِ اسْتَمَرُّوا عَلَى عَمَلِهَا. قَوْلُهُ: ثُمَّ اتَّقَوْا عَطْفٌ عَلَى اتَّقَوُا الْأَوَّلِ: أَيِ اتَّقَوْا مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ كَانَ مُبَاحًا فِيمَا سَبَقَ وَآمَنُوا بِتَحْرِيمِهِ ثُمَّ اتَّقَوْا مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ التَّحْرِيمِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ مِمَّا كَانَ مُبَاحًا مِنْ قَبْلُ وَأَحْسَنُوا
أَيِ عَمِلُوا الْأَعْمَالَ الْحَسَنَةَ، هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ وَقِيلَ: التَّكْرِيرُ بِاعْتِبَارِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ وَقِيلَ: إِنَّ التَّكْرِيرَ بِاعْتِبَارِ الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثِ، الْمَبْدَأُ، وَالْوَسَطُ، وَالْمُنْتَهَى وَقِيلَ: إِنَّ التَّكْرَارَ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَّقِيهِ الْإِنْسَانُ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْمُحَرَّمَاتِ تَوَقِّيًا مِنَ الْعَذَابِ، وَالشُّبْهَاتِ تَوَقِّيًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، وَبَعْضِ الْمُبَاحَاتِ حِفْظًا لِلنَّفْسِ عَنِ الْخِسَّةِ وَقِيلَ: إِنَّهُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ- ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ «4» ، هَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ سبب نزول الآية، وإما مَعَ النَّظَرِ إِلَى سَبَبِ نُزُولِهَا، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، قَالَ قَوْمٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: كَيْفَ بِمَنْ مَاتَ مِنَّا وَهُوَ يَشْرَبُهَا ويأكل
__________
(1) . البقرة: 219.
(2) . النساء: 43.
(3) . البقرة: 249.
(4) . التكاثر: 3- 4.
(2/85)
الْمَيْسِرَ؟ فَنَزَلَتْ، فَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى اتَّقَوْا الشِّرْكَ وَآمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ اتَّقَوْا الْكَبَائِرَ وَآمَنُوا أَيِ ازْدَادُوا إِيمَانًا ثُمَّ اتَّقَوْا الصَّغَائِرَ وَأَحْسَنُوا أَيْ تَنَفَّلُوا. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ:
الِاتِّقَاءُ الْأَوَّلُ هُوَ الِاتِّقَاءُ بِتَلَقِّي أَمْرِ اللَّهِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ وَالدَّيْنُونَةِ بِهِ وَالْعَمَلِ، وَالِاتِّقَاءُ الثَّانِي الِاتِّقَاءُ بِالثَّبَاتِ عَلَى التَّصْدِيقِ، وَالثَّالِثُ الِاتِّقَاءُ بِالْإِحْسَانِ وَالتَّقَرُّبِ بِالنَّوَافِلِ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَ فِي الْخَمْرِ ثلاث آيات، فأول شيء يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ «1» الْآيَةَ، فَقِيلَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، فَقِيلَ: يَا رَسُولُ اللَّهِ! دَعْنَا نَنْتَفِعْ بِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ، فَسَكَتَ عَنْهُمْ، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى «2» ، فَقِيلَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَا نَشْرَبُهَا قُرْبَ الصَّلَاةِ، فَسَكَتَ عَنْهُمْ، ثُمَّ نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ الْآيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُرِّمَتِ الْخَمْرُ» . وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَاسٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَاتُوا عَلَى فِرَاشِهِمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِرَ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ رِجْسًا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا الآية، وقال النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: «لَوْ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ لَتَرَكُوهُ كَمَا تَرَكْتُمْ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالنَّحَّاسُ فِي نَاسِخِهِ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: فِيَّ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، صَنَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ طَعَامًا فَدَعَا نَاسًا فَأَتَوْهُ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا حَتَّى انْتَشَوْا مِنَ الْخَمْرِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ فَتَفَاخَرُوا، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: الْأَنْصَارُ خَيْرٌ من المهاجرين، وقالت قُرَيْشٌ: قُرَيْشٌ خَيْرٌ، فَأَهْوَى رَجُلٌ بِلَحْيِ جَمَلٍ فَضَرَبَ عَلَى أَنْفِي، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُنْزِلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ شَرِبُوا، فَلَمَّا أَنْ ثَمِلَ الْقَوْمُ عَبَثَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَلَمَّا أَنْ صَحَوْا جَعَلَ يَرَى الرَّجُلُ مِنْهُمُ الْأَثَرَ بِوَجْهِهِ وَبِرَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، فَيَقُولُ: صَنَعَ بِي هَذَا أَخِي فُلَانٍ وَكَانُوا إِخْوَةً لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ضَغَائِنُ، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ بي رؤوفا رَحِيمًا مَا صَنَعَ بِي هَذَا، حَتَّى وَقَعَتِ الضَّغَائِنُ فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ إِلَى قَوْلِهِ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ فَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ: هِيَ رِجْسٌ، وَهِيَ فِي بَطْنِ فُلَانٍ، قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفُلَانٌ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا الْآيَةَ. وَقَدْ رُوِيَتْ فِي سَبَبِ النُّزُولِ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ مُوَافِقَةٌ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْمَيْسِرُ هُوَ الْقِمَارُ كُلُّهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرٍ: مَتَى حُرِّمَتِ الْخَمْرُ؟ قَالَ: بَعْدَ أُحُدٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، بَعْدَ غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ الْقِمَارِ من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: النَّرْدُ وَالشِّطْرَنْجُ من الميسر.
__________
(1) . البقرة: 219.
(2) . النساء: 43.
(2/86)
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الشِّطْرَنْجُ مَيْسِرُ الْأَعَاجِمِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ النَّرْدِ أَهِيَ مِنَ الْمَيْسِرِ؟ قَالَ: كُلُّ مَا أَلْهَى عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهُوَ ميسر. وأخرج عبد ابن حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي ذَمِّ الْمَلَاهِي وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ النَّرْدُ تَكْرَهُونَهَا، فَمَا بَالُ الشِّطْرَنْجِ؟ قَالَ: كُلُّ مَا أَلْهَى عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهُوَ مِنَ الْمَيْسِرِ. وَأَخْرَجُوا أَيْضًا عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ بَلَغَنِي عَنْ رِجَالٍ يَلْعَبُونَ بِلُعْبَةٍ يُقَالُ لَهَا النّردشير، والله يقول في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ إِلَى قَوْلِهِ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ وَإِنِّي أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَا أُوتَى بِأَحَدٍ يَلْعَبُ بِهَا إِلَّا عَاقَبْتُهُ فِي شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ، وَأَعْطَيْتُ سَلَبَهُ مَنْ أَتَانِي بِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: الشِّطْرَنْجُ مِنَ النَّرْدِ، بَلَغَنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ وَلِي مَالَ يَتِيمٍ فَأَحْرَقَهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ عبد الله بن عمير قال:
سئل ابن عمر عن الشطرنج؟ فقال هي شرّ من النرد. وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الملك بن عبيد قال:
رأى رجل من أهل الشام أنه يغفر لكل مؤمن في كل يوم اثنتي عشرة مرّة إلا أصحاب الشاة، يعني أصحاب الشطرنج. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أنه سئل عَنِ الشِّطْرَنْجِ فَقَالَ: تِلْكَ الْمَجُوسِيَّةُ فَلَا تَلْعَبُوا بِهَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْخَطْمِيِّ سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَثَلُ الَّذِي يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي مِثْلُ الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِالْقَيْحِ وَدَمِ الْخِنْزِيرِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: اللَّاعِبُ بِالنَّرْدِ قِمَارًا كَآكِلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَاللَّاعِبُ بِهَا مِنْ غَيْرِ قِمَارٍ كَالْمُدَّهِنِ بِوَدَكِ الْخِنْزِيرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالنَّرْدِ فَقَالَ: «قُلُوبٌ لَاهِيَةٌ، وَأَيْدِي عَلِيلَةٌ، وَأَلْسِنَةٌ لَاغِيَةٌ» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْمَيْسِرُ الْقِمَارُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ قَالُوا: كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ قِمَارٌ فَهُوَ مِنَ الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ:
الْقِمَارُ مِنَ الْمَيْسِرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ قال: ما كان من لعب فيه قمار أو قيام أو صياح أو شرّ فهو من الميسر. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ مِنَ الْمَيْسِرِ:
الصَّفِيرُ بِالْحَمَّامِ، وَالْقِمَارُ، وَالضَّرْبُ بِالْكِعَابِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: حِجَارَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَ لَهَا، وَالْأَزْلَامُ قِدَاحٌ كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا الْأُمُورَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ:
كَانَتْ لَهُمْ حَصَيَاتٌ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَغْزُوَ أَوْ يَجْلِسَ اسْتَقْسَمَ بِهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْأَزْلَامِ قَالَ: هِيَ كَعَابُ فَارِسَ الَّتِي يَقْتَمِرُونَ بِهَا، وَسِهَامُ الْعَرَبِ. وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي ذَمِّ الْخَمْرِ وَشَارِبِهَا وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ عَلَيْهِ وَأَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ فَلَا نُطَوِّلُ الْمَقَامَ بِذِكْرِهَا فَلَسْنَا بِصَدَدِ ذَلِكَ، بَلْ نَحْنُ بِصَدَدِ ما هو متعلّق بالتفسير.

عنوان الكتاب

برنامج قارئ النصوص العربية بالتشكيل

قارئ النصوص العربية

وصف الكتاب

تقوم بفك الضغط عن الملف ببرنامج رار . ثم تقوم بإنشاء مجلد لتنزيل الملفات فيه في أي مكان تريده وتقوم بتركيب البرنامج مع اختيار المجلد لنزول الملفات فيه
وتقوم بتشغيل البرنامج من ملف academo الذي تجده بين الملفات التي في المجلد وتستطيع أن تجعل من هذا الملف Shortcut على سطح المكتب إن أردت .
تستطيع أن تختار القارئ إن كان رجل أم سيدة ، كما تستطيع ضبط سرعة القراءة ودرجة الصوت ومدة السكتات .
نصيحة : لا تقم بحذف البرنامج بعد تركيبه لأنك إن حذفته لن تستطيع تركيبه مرة أخرى إلا بعد تغيير الوندوز

تاريخ النشر

1438/7/14 هـ

عدد القراء

12107

روابط التحميل

 

من مشكاة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام لمحمد رشيد رضا

  حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح  المحمدي العام لمحمد رشيد رضا تعليق: محمد ناصر الدين الألباني  ( صحيح ) عن عائشة رضي الله ...