كتاب صفة الجنة للحافظ ضياء المقدسي

كتاب صفة الجنة -الحافظ ضياء الدين-أأبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الحنبلي المقدسي

Translate

الأربعاء، 18 يناير 2023

ج9.وج10.طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي

ج9.==""" صفحة رقم 6 """
بسم الله الرحمن الرحيم
الطبقة السابعة فيمن توفي بعد السبعمائة
"""
صفحة رقم 7 """
1291
أحمد بن إبراهيم بن يوسف بن شرف القاضي جمال الدين الديباجي الملوي المعروف بالمنفلوطي
وهو أبو صاحبنا الشيخ ولي الدين محمد نفع الله به
رجل مبارك صالح عالم فاضل تفقه بالديار المصرية ثم لما ولي الشيخ علاء الدين القونوي قضاء الشام قدم معه فولاه قضاء بعلبك ثم ناب في الحكم بدمشق وأعاد في المدرسة الشامية البرانية
توفي سنة ثلاثين وسبعمائة
1292
أحمد بن الحسن بن علي بن خليفة الحسيني الأنجي
صاحبنا السيد الإمام المحقق النظار السيد مجير الدين أبو العباس
ولد سنة تسع وثمانين وستمائة وقرأ في بلاد العجم المعقولات فأحكمها عند
"""
صفحة رقم 8 """
الشيخ بدر الدين الششتري وابن المطهر وغيرهما وبرع في المنطق والكلام والأصول مع مشاركة في الفقه وناظر في بلاده وشغل بالعلم
ثم قدم الشام سنة تسع وثلاثين وسبعمائة واستوطنها وجرت له فيها مباحث جليلة مع الوالد رحمه الله ومع غيره
وكان ذا مال جزيل ومع ذاك لا يفتر عن طلب العلم ويشغل الطلبة صبيحة كل يوم ولم يبرح جارنا الأدنى في المسكن وصاحبنا الأكيد إلى أن توفي في شهر رمضان سنة خمس وستين وسبعمائة عن ست وسبعين سنة
1293
أحمد بن الحسن الجاربردي
الشيخ الإمام فخر الدين نزيل تبريز
كان فاضلا دينا متفننا مواظبا على الشغل بالعلم وإفادة الطلبة
شرح منهاج البيضاوي في أصول الفقه وتصريف ابن الحاجب وقطعة من الحاوي وله على الكشاف حواش مشهورة وقد أقرأه مرات عديدة بلغنا أنه اجتمع بالقاضي ناصر الدين البيضاوي وأخذ عنه
"""
صفحة رقم 9 """
توفي بتبريز في شهر رمضان سنة ست وأربعين وسبعمائة
أنشدونا عنه
عجبا لقوم ظالمين تستروا
بالعدل ما فيهم لعمري معرفه
قد جاءهم من حيث لا يدرونه
تعطيل ذات الله مع نفي الصفه
وهذان البيتان عارض بهما الزمخشري في قوله
لجماعة سموا هواهم سنة
وجماعة حمر لعمري مؤكفه
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا
شنع الورى فتستروا بالبلكفه
وقد عاب أهل السنة بيتي الزمخشري وأكثروا القول في معارضتهما ومن أحسن ما سمعته في معارضتهما ما أنشدناه شيخنا أبو حيان النحوي في كتابه عن العلامة أبي جعفر بن الزبير بغرناطة إجازة لم يكن سماعا أنشدنا القاضي الأديب أبو الخطاب محمد بن أحمد بن خليل السكوني بقراءتي عليه عن أخيه أبي بكر من نظمه ثم رأيتها في كتاب أبي علي عمر بن محمد بن خليل المسمى ب التمييز لما أودعه الزمخشري في كتابه من الاعتزال في الكتاب العزيز وقال أجابه عم
"""
صفحة رقم 10 """
والدي وهو يحيى بن أحمد الملقب بخليل بهذه القصيدة ولوالدي فيها تكميل ولي فيها تتميم وتذييل
شبهت جهلا صدر أمة أحمد
وذوي البصائر بالحمير المؤكفه
وزعمت أن قد شبهوا معبودهم
وتخوفوا فتستروا بالبلكفه
ورميتهم عن نبعة سويتها
رمي الوليد غدا يمزق مصحفه
نطق الكتاب وأنت تنطق بالهوى
فهوى الهوى بك في المهاوي المتلفه
وجب الخسار عليك فانظر منصفا
في آية الأعراف فهي المنصفه
أترى الكليم أتى بجهل ما أتى
وأتى شيوخك ما أتوا عن معرفه
خلق الحجاب فمن وراء حجابه
سمع الكليم كلامه إذ شرفه
خلق الحجاب بخلقه سبحانه
فتشوفته الأنفس المستشرفه
من لا يرى قل كيف يحجب خلقه
نهنه نهى أشياخك المتكلفه
المنع من إدراكه معنى به
حجب النواظر يا أصبيع زعنفه
والمنع مختص بدار بعدها
لك لا أبا لك موعد لن تخلفه
ملك يهدد بالحجاب عباده
أترى محالا أن يرى بالزخرفه
"""
صفحة رقم 11 """
وبآية الأعراف ويك خذلتم
فوقعتم دون المراقي المزلفه
لو كان كالمعلوم عندك لا يرى
ذهب التمدح في هنات السفسفه
عطلت أو أيست يا مغرور إذ
ضاهيت في الإلحاد أهل الفلسفه
إن الوجوه إليه ناظرة بذا
جاء الكتاب فقلتم هذا سفه
لو صح في الإسلام عقدك لم تقل
بالمذهب المهجور في نفي الصفه
ولما نسبت إلى النبوة زلة
في ص والتحريم فاسمع مصرفه
أو ما علمت بأن من آل فقد
ترك المباح وكف عنه مصرفه
لا أنه جعل الحلال محرما
شرعا فعصمته أبت أن يقرفه
فجهلت هذا وانصرفت لظلمة
أعمت عليك من الطريق تعرفه
لم تعرف الفقه الجلي فيكف بالتوحيد
في تدقيقه أن تعرفه
قلت أظن من قوله ولما نسبت إلى النبوة زلة
إلى آخرها تتميم أبي علي عمر بن خليل
وقد أكثر الناس في معارضة الزمخشري وهذه الأبيات من أجمع ما قيل
وقال بعضهم
الله يعلم والعلوم كثيرة
أي الفريقين اهتدى بالمعرفه
ولسوف يعلم كل عبد ما جنى
يوم الحساب إذا وقفنا موقفه
فاذكر بخير أمة لم تعتقد
إلا الثناء عليه ذاتا أو صفه
ودع المراء ولا تطع فيه الهوى
فالحق في أيدي الرجال المنصفه
"""
صفحة رقم 12 """
وقال آخر
وجماعة كفروا برؤية ربهم
هذا ووعد الله ما لن يخلفه
وتلقبوا عدلية قلنا أجل
عدلوا بربهم فحسبهم سفه
وتلقبوا الناجين كلا إنهم
إن لم يكونوا في لظى فعلى شفه
وقال آخر
لجماعة كفروا برؤية ربهم
ولقائه حمر لعمرك موكفه
فكفاهم علموا بلا كيف فنحن
نرى فلم ننعتهم بالبلكفه
هم عطلوه عن الصفات وعطلوا
منه الفعال فيالها من منكفه
هم نازعوه الخلق حتى أشركوا
بالله زمرة حاكة وأساكفه
هم غلقوا أبواب رحمته التي
هي لا تزال على المعاصي موقفه
ولهم قواعد في العقائد رذلة
ومذاهب مجهولة مستنكفه
يبكي كتاب الله من تأويلهم
بدموعه المنهلة المستوكفه
وقلت أنا واقتصرت على بيتين
لجماعة جاروا وقالوا إنهم
للعدل أهل ما لهم من معرفه
لم يعرفوا الرحمن بل جهلوا ومن
ذا أعرضوا للجهل عن لمح الصفه
وقال آخر
لجماعة رأوا الجماعة سبة
عمياء تاهوا في المعامي المتلفه
"""
صفحة رقم 13 """
والسنة الغراء أضحت عندهم
مردودة مهجورة مستنكفه
عميت بصائرهم كما أبصارهم
عن رؤية فاستهزءوا بالبلكفه
نفوا الصفات عن الإله وأثبتوا
ذاتا معطلة تعرت عن صفه
فتعينت ذات الإله لديهم
أن لا تكون أو أن تكون مكيفه
هم فرقة زعموا الجماعة فرقة
هذا لعمري بدعة مستأنفه
قد حاولوا نكرا لجهل فيهم
عن غير علم منهم والمعرفه
أنى لهم علم بهذا إنهم
حمر لدى أهل الحقائق مؤكفه
برهانه لا شك لولا أنهم
حمر لكان لهم عقول منصفه
شهواتهم غلبت عقولهم لذا
أبدا ترى أقوالهم مستضعفه
فتجمعت آراؤهم في غيهم
وتفرقت عن رشدهم متحرفه
هم أمة تركوا الهداية وامتطوا
طرق الضلالة والهوى متعسفه
ركبوا بحار عماية وغواية
غرقت مراكبهم بريح معصفه
هم زمرة هامت بهم أهواؤهم
كالهيم في الأرض الفلاة مخلفه
عزة أذلهم الإله بعزة
ثبة ذووا جبورة متغطرفه
لعصابة لعبت بهم أهواؤهم
عمي تناهت في العمى متلهفه
فئة لقد جحدوا برؤية ربهم
وأتوا بأقوال ترد مزيفه
هم عصبة قد حكموا آراءهم
في الدين تلقاها غدت متصرفه
هم حرفوا كلم الكتاب وبدلوا المعنى
فجاء حروفهن محرفه
هم صحفوا القرآن في تأويله
فلذا مصاحفهم تكون مصحفه
"""
صفحة رقم 14 """
نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم
جعلوا أحاديث النبي مضعفه
ملأوا صحائفهم بكل قبيحة
من بدعة شنعاء غير مؤلفه
أقولهم ألفاظ زور مالها
معنى وصوت كالطبول مجوفه
الله خالق كل شيء وحده
سبحانه وبه العباد مكلفه
خير وشر ليس يخلق غيره
إياهما هذي طريق مزلفه
لقد اعتزلتم أمة سنية
فخفيتم يا أمة متخوفه
ولقد زعمتم أنكم شركاؤه
والخالقية لا تزال منصفه
فكفرتم بالله ثم نبيه
فقلوبكم عن دينه متخلفه
فلذا افتضحتم في الأنام فأصبحت
عوراتكم بين الورى متكشفه
وأبيتم إلا متابعة الهوى
وأتيم بدلائل المتفلسفه
ولكم عقائد بالهوى معقودة
والكفر من أهل الهوى متلقفه
وبنيتم دارا على مستنقع
وجعلتموها بالقذاة مسقفه
ما عندكم إلا البلادة والقماءة
والسفاهة والخنا والعجرفه
جهلتم موسى كما كذبتم
خبر الرسول أتت به المستخلفه
أنكرتم للأولياء كر امة
عمتهم خصت بها المتصرفه
لله أحباب تكون مصونة
عما سواه بالجمال مكنفه
وهم ضنائن ربهم وعليهم
بجلاله أرخى ستورا مسجفه
أخفاهم بالنور ثم خفاهم
ووجوههم بحلى السنا متلففه
هم جفة حفت بكل جميلة
من ربهم وبما يقرب متحفه
"""
صفحة رقم 15 """
ملأ لقد ملأ الإله صدورهم
نورا فكانت بالضياء مزخرفه
نصحت جيوبهم كما أذيالهم
أضحت بأمواه الصفاء منظفه
لهم عقائد في القلوب صحيحة
ونفوسهم ملكية متعففه
ولهم خلائق بالندى مجبولة
وعلى الخلائق بالهدى متعطفه
ولهم قلوب بالرضا معمورة
ولهم مكارم بالحوائج مسعفه
أجسامهم عما يشين نقية
ونفوسهم عما يذيم مكفكفه
ما استعبدتهم شهوة تدعو إلى الصفراء
والبيضاء لا والزخرفه
كفوا الأكف عن السؤال ولم ترى
سألة ممدودة متكففه
ما شأنهم شرب المدامة لا ولا
أكل الحرام ولا غرام مهفهفه
منعوا النفوس عن الحظوظ فطاوعت
وتحرجت عن نيلها متوقفه
كلفت نفوسهم بما أمرت به
ألفته حبا فيه لا متكلفه
متطلب رتب الكمال ذواتهم
وصفاهم تعنو لها متلطفه
ولهم وظائف من عبادة ربهم
أضنوا بها أبدانهم كالأوظفه
سهرت عيونهم إذا نام الورى
في فرشهم طول الليالي المسدفه
أقدامهم تحت الدجا مصطفة
وقدودهم كأهلة محقوقفه
هجروا الوسائد والموائد والهنا
قوم بأنواع النعيم مسرعفه
"""
صفحة رقم 16 """
تركوا الفضول وقد رضوا بكفافهم
أنعم بهم من حوزة متقشفه
صقلوا مراياهم بمصقلة التقى
فصفت وصارت للولاية مألفه
أتت الولاية وهي خاطبة لهم
مرتاحة مشغوفة مستعطفه
فلهم من الله الكريم كرامة
وقلوبهم لقبولها مستهدفه
أبدانهم طافت بكعبة ربهم
ونفوسهم بجنابه متطوفه
أرواحهم بسعادة مقرونة
بدوامها مسرورة متألفه
أتنم عبيد بطونكم وفروجكم
ونفوسكم في كل شر مسرفه
ما تعرفون سوى القدور وهمكم
أن تغرفوا منها الطعام بمغرفه
فمتى نهضتم للولاية يا بني اللحم
السمين ويا أسارى الأرغفه
أرواحكم مسحورة وعقولكم
مسلوبة أبصاركم متخطفه
وركبتم متن الغواية ثم قد
قفيتموها بالضلالة مردفه
جرتم وقلتم إنكم عدلية
لا والذي جعل القلوب مصرفه
زلت بكم أقدامكم بمزلة
تهوي إلى درك الشفا متزحلفه
صدئت مراياكم فأنى تجتلى
فيها عرائس بالجمال مشرفه
ومتى تكون لكم ولاية ربكم
وقلوبكم عن طرقها محرورفه
ولنا بحمد الله ثم بفضله
كتب على الحق الصريح مصنفه
قد كانت الحسنى لنا وزيادة
وتقر أعيننا بها المتشوفه
أنا نرى يوم القيامة ربنا
مستشرقين على قصور مشرفه
سنراه جهرا لا حجاب وراءنا
في جنة للمؤمنين معرفه
"""
صفحة رقم 17 """
أسماعنا لكلامه أبصارنا
لجماله مشتقاة متشوفه
إنا نرى لا في جهات وجهه
إنا لنسمع قوله لا من شفه
رغما لأنفكم نراه ظاهرا
كالشمس حقا بالعيون المترفه
آذاننا بكلامه كعيوننا
ترنو إليه في الجنان مشنفه
جاء الكتاب بها وجاءت سنة
من ربنا ومن النبي معرفه
ثقلت موازين لنا إذ أصبحت
أعمالكم يوم الحساب مخففه
من لا يريد لقاءه فهو الذي
في النار يخلد مثل أهل الفلسفه
ويذاد عن حوض يروينا إذا
وردوا القيامة والشفاه مجففه
وتعل من عين الحياة نفوسنا
وشفاهنا تغدو لنا مترشفه
تلقى أئمتهم وأمتهم غدا
تلقى طوائف في الجحيم مكتفه
فتراهم يوم اللقا وقلوبهم
محجوبة عن ربها متأسفه
قد جادلونا باللسان فجدلوا
بالبيض والسمر القناة مثقفه
حتى تقصفت الصفاح وأصبحت
أرماحنا من طعنهم متقصفه
فعلى عيونهم سهام فوقت
وعلى رقابهم سيوف مرهفه
صلى الإله على محمد الذي
أبدى لنا طرق الهدى والمخرفه
و ( صلى الله عليه وسلم ) على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين
"""
صفحة رقم 18 """
1294
أحمد بن عبد الله بن الشيخ شهاب الدين البعلبكي
مدرس العادلية الصغيرة والمدرسة القليجية بدمشق وشيخ الإقراء بتربة أم الصالح والتربة الأشرفية
قيل إنه ولد سنة أربع وتسعين وستمائة وسمع الحديث من أسماء بنت صصرى وغيرها
وكان فقيها عارفا بالنحو معرفة جيدة إماما في القراءات ومعرفة وجوهها مشاركا في كثير من العلوم صحيح الفكر والذهن
ناب في الحكم بدمشق مدة عن قاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد عبد الله ودخل القاهرة وقرأ النحو على شيخنا أبي حيان وقرأ بعض العقليات على شمس الدين الأصبهاني وكان حسن الاستحضار والضبط الكثير من شواهد العربية حسن الخط
توفي يوم الاثنين السابع والعشرين من شهر رمضان سنة أربع وستين وسبعمائة بالمدرسة القليجية بدمشق
"""
صفحة رقم 19 """
1295
أحمد بن عمر بن أحمد بن أحمد بن النشائي الشيخ كمال الدين
هو ولد الشيخ الفقيه الزاهد عز الدين من أهل نشا بالنون والشين المعجمة من الديار المصرية
سمع الحديث من الحافظ شرف الدين الدمياطي وولد سنة إحدى وتسعين وستمائة وأعاد بالمدرسة الكهارية عند الوالد رحمه الله وبرع في الفقه
وكان كثير الاستحضار حسن الاختصار صنف جامع المختصرات ومختصر الجوامع وهو مختصر حافل جدا في الفقه وشرحه وله أيضا كتاب النكت على التنبيه وكتاب الإبريز في الجمع بين الحاوي والوجيز وكتاب كشف غطاء الحاوي الصغير وكتاب المنتقى في الفقه جمع فيه فأوعى واختصر كتاب سلاح المؤمن في الأدعية المأثورة وكل كتبه وجيزة العبارة جدا تشبه الألغاز كثير الجمع
توفي في حادي عشر صفر سنة ثمان وخمسين وسبعمائة بالقاهرة
"""
صفحة رقم 20 """
1296
أحمد بن محمد بن سالم بن أبي المواهب بن صصرى
قاضي القضاة نجم الدين أبو العباس الربعي التغلبي
حضر على الرشيد العطار والنجيب عبد اللطيف وسمع من ابن عبد الدائم وغيره وتفقه على الشيح تاج الدين ابن الفركاح
وكان ذا رياسة وسؤدد حكم بدمشق نيفا وعشرين سنة يصفح ويغضى ويمنح الجزيل ويقضي
وقد ذكره الشيخ جمال الدين بن نباتة في سجع المطوق فأحسن في وصفه وأطال ومن كلماته فيه ما الغيث وإن ثجت سحبه وأسف فويق الأرض هيديبه ورمى المحل بسهامه وتبسم ثغر برده من لعس غمامه بأسمح من الغيث الذي يخرجه لنا من ردنه وهو يده المقبلة والسحب التي يجريها بأرزاق عفاته وهي أقلامه المؤملة كلا ولا البحر وإن جاشت غواربه وهاجت عجائبه واستمدت من قطرات لجه الدائم الغزار وعلت كل موجة
"""
صفحة رقم 21 """
إلى منال الشمس فكأنها على الحقيقة علم في رأسه نار بأمد من مواهبه وما سقت وأعجب من علومه وما وسقت
ومنها ما شهدت الدروس أسرع من نقله ولا والله النفوس أبرع من عقله وما ظفر بمثله زمان وإن حلف ليأتين بمثله
ومنها نظما
أندى البرية والأنواء ماحلة
وأسبق الناس والسادات تزدحم
حبر تجاوز قدر المدح من شرف
كالصبح لا غرة يحكي ولا رثم
لكنها نفحات من منائحه
تكاد تحيا بها في رمسها الرمم
مجرد العزم للعلياء إذ عجزت
عنها السراة وقالوا إنها قسم
تصنعوا ليحاكوا صنع سؤدده
يا شيب كم جهد ما قد يكتم الكتم
رام الأقاصي حتى جازها ومضى
تبارك الله ماذا يبلغ الهمم
لا يطرد المحل إلا صوب نائله
ولا يحول على أفعاله الندم
في كل يوم ينادي جود راحته
هذا فتى الندى لا ما ادعى هرم
يمم حماه ودافع كل معضلة
مهيبة الجرم تعلم أنه حرم
"""
صفحة رقم 22 """
واحسن ولاء معاليه فما سفلت
عزيمة بولاء النجم تلتزم
لو أن للدهر جزءا من محاسنه
لم يبق في الدهر لا ظلم ولا ظلم
قالت أياديه للحساد عن كثب
ما أقرب العز إلا أنها همم
لما أبان به للنجم أن له
عزما يرى فرص الإحسان تغتنم
والمجد لا تنثني يوما معالمه
إلا بنقص من الأموال تنهدم
وللسيادة معنى ليس يدركه
من طالب الذكر إلا باحث فهم
تستشرف الأرض ما حلت مواطئه
كأنما الوهد في آثاره أكم
وهي قصيدة غراء اقتصرنا منها من المدح على ما أوردناه
ولقاضي القضاة نجم الدين نظم حسن وقد ولي القضاء وقبله التوقيع وعمل في ديوان الإنشاء مدة
توفي في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ورثاه جماعة منهم الأديب شهاب الدين محمود بأبيات طويلة منها هذا
قاضي القضاة ومن حوى رتبا سمت
عن أن تسام سنا وبزت من سعا
شيخ الشيوخ العارفين ومن رقى
رتب السلوك تعبدا وتورعا
حاوي العلوم بما تفرق في الورى
إلا الذي منها إليه تجمعا
"""
صفحة رقم 23 """
1297
أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الشيخ تاج الدين أبو الفضل
من أهل الإسكندرية أراه كان شافعي المذهب وقيل كان مالكيا
كان أستاذ الشيخ الإمام الوالد في التصوف وكان إماما عارفا صاحب إشارات وكرامات وقدم راسخ في التصوف
صحب الشيخ أبو العباس المرسي تلميذ الشيخ أبي الحسن الشاذلي وأخذ عنه
واستوطن الشيخ تاج الدين القاهرة يعظ الناس ويرشدهم وله الكلمات البديعة دونها أصحابه في كتب جمعوها من كلامه ومن مصنفات الشيخ تاج الدين كتاب التنوير في إسقاط التدبير
ومن كلامه إرادتك التجريد مع إقامة الله لك في الأسباب من الشهوة الخفية وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الذروة العلية
ما أرادت همة سالك أن تقف عندما كشف لها إلا ونادته هواتف الحقائق الذي تطلب أمامك ولا تبرجت ظواهر الكرامات إلا نادت حقائقها ) إنما نحن فتنة فلا تكفر (
وقال كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي
"""
صفحة رقم 24 """
ظهر في كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر لكل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء
ومن شعره
أعندك عن ليلى حديث محرر
لإيراده يحيا الرميم وينشر
فعهدي بها العهد القديم وإنني
على كل حال في هواها مقصر
وقد كان عنها الطيف قدما يزورني
ولما يزر ما باله يتعذر
توفي بالقاهرة في جمادى الآخرة سنة تسع وسبعمائة
1298
أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن صارم بن الرفعة
الشيخ الإمام شيخ الإسلام نجم الدين أبو العباس
شافعي الزمان ومن ألقت إليه الأئمة مقاليد السلم والأمان ما هو إن عدت الشافعية إلا أبو العباس ولا أخمص قدمه إلا فوق هامات الناس ابن الرفعة إلا أن جنسها انحصر بأنواعه في شخصه وذو السمعة التي ولجت الآذان
"""
صفحة رقم 25 """
وتعدد مناديها فلم يحصره العاد ولم يحصه ما أخرجت مصر بعد ابن الحداد نظيره ولا سكن ربعها وهو خلاصة الربع العامر أروج منه وإن لم يحضر الحاسب لجين ذلك الربع ونضيره ولقد كان عصره محتوشا بالأئمة إلا أنها سلمت وأذعنت وتطأطأ البدر وتضاءل السها إذ عنت قدر قدره الله له من قبل أن يكون مضغة وفقه لو رآه ابن الصباغ لقال هذا الذي صبغ من النشأة عالما ) ومن أحسن من الله صبغة ( سار اسمه في مشارق الأرض ومغاربها وطار ذكره فكان ملء حواضرها وبواديها وقفارها وسباسبها ذو ذهن لا يدرك في صرعة الإدراك ومقدار تقول له الزهرة ما أزهرك والسماك ما أسماك لا يقاوم في مجلس مناظرة ولا يقاوى ولا يساوم إذا ابتاع الجواهر الثمينة ولا يساوى أقسم بالله يمينا برة لو رآه الشافعي لتبجح بمكانه وترجح عنده على أقرانه وترشح لأن يكون في طبقة من عاصره وكان في زمانه ولو شاهده المزني لشهد له بما هو أهله ولقال ابن البدر من دون محله محله وإن النيل ما أنيل مثله ولا سكن إلى جانبه مثله ولو اجتمع به البويطيء لقال ما أخرجت بعدنا مثله الصعيد ولا وفى النيل قط بمثل هذا الوفاء السعيد ولا أتى بأصابع لكن بأياد في أيام عيد ولو عاينه الربيع لقال هذا فوق قدر الزهر
"""
صفحة رقم 26 """
فما قدر الزهر وأحسن من الروض باكره الندى أوقات البكر وألطف من شمائل النشوان لعبت به الشمول أو أعطاف الأغصان حركها نسيم السحر
تفقه على السديد والظهير التزمنتيين والشريف العباسي ولقب بالفقيه لغلبة الفقه عليه
وسمع الحديث من محيي الدين الدميري أخذ عنه الفقه الوالد رحمه الله وسمعته يقول إنه عند أفقه من الروياني صاحب البحر
وقد باشر حسبة مصر ودرس بالمدرسة المعزية بها ولم يل شيئا من مناصب القاهرة
ومن تصانيفه المطلب في شرح الوسيط والكفاية في شرح التنبيه وكتاب مختصر في هدم الكنائس
توفي بمصر سنة عشر وسبعمائة
ولا مطمع في استعياب مباحثه وغرائبه لأن ذلك بحر زاخر ومهيع لا يعرف له أول من آخر ولكنا نتبرك بذكر القليل ونتبرتك من عطائه الجزيل
جزم الرافعي في استيفاء قصاص الموضحة بأنه يفعل ما هو الأسهل من الشق دفعة واحدة أو تدريجا
قال ابن الرفعة والأشبه الإتيان بمثل جنايته إن أوضح دفعة فدفعة أو تدريجا فتدريجا
"""
صفحة رقم 27 """
ولو قال أنت طالق طلقة أو طلقتين فهو ملحق بصور الشك في أصل العدد فلا تطلق إلا طلقة
قال في التتمة
قال ابن الرفعة لكن لا نقول في هذه الحالة يستحب أن يطلقها الثانية كالشاك هل طلق واحدة أو اثنتين لأنه هناك يحتمل وقوعها في نفس الأمر ولا كذلك هنا لأنه لا يقع في نفس الأمر إلا واحدة
قال وهذا ما وقع لي تفقها
سمعت الشيخ الإمام رحمه الله يقول لما زينت القاهرة سنة اثنتين وسبعمائة أفتى شيخنا ابن الرفعة بتحريم النظر إليها قال لأنه إنما يقصد بها النظر
ومن مفردات ابن الرفعة قوله في المطلب إن المرتد إذا مات له قريب مسلم ثم عاد إلى الإسلام ورثه
ورد عليه الشيخ الإمام الوالد ونسبه إلى خرق الإجماع في المسألة
قال ابن الرفعة في المطلب في باب حد الزنا ظاهر كلام المختصر أن العقل لا يشترط في الوطء الذي يصير به محصنا ولو قيل بعدم اعتباره واعتبار البلوغ لم يبعد لأن للمجنون وطرا وشهوة نالها بوطئه حال جنونه ولا كذلك للصبي
قال ولم أر من تعرض له
قلت بل الكل مصرحون باشتراط العقل
"""
صفحة رقم 28 """
1299
أحمد بن محمد بن قيس
أبو العباس ابن الظهير الشيخ الإمام شهاب الدين ابن الأنصاري
شيخ الشافعية بالديار المصرية
مولده في حدود الستين وستمائة وتفقه على الظهير وسمع من ابن خطيب المزة جزء الغطريف وحدث بالقاهرة والإسكندرية
ومات عن تدريس المشهد الحسيني بالقاهرة في يوم عيد الأضحى سنة تسع وأربعين وسبعمائة شهيدا بالطاعون
ومن الفوائد عنه
قال قد يستشكل تصور قضاء القاضي بالعلم فإنه مثلا إذا رأى رجلا يزني بامرأة يحتمل أن يكون وطىء بشبهة فلا يسوغ الحكم بالعلم هنا إذ لا علم حينئذ
وصوره صاحب الشامل فقال إذا رآه يغترف من البحر حكم بأن هذا ملكه وهذا معترض فإنه يحتمل أن شخصا اغترفه وألقاه
وكان ظهير الدين التزمنتي يصوره بما إذا أخذ إنسان من ماء المطر فإنه يحكم بملكه له واعترضه
"""
صفحة رقم 29 """
بعض الطلبة بأنه ينبني على أن الجن والملائكة هل يملكون أم لا فعلى الأول يحتمل أن يكون ملكا أو جنيا اغترف غرفة وأرسلها
انتهى
قلت وهو عجب أما أولا فلأن مسألة قضاء القاضي بالعلم ليس شرطها العلم اليقيني القطعي بل غلبة الظن تقوم مقام العلم والفقهاء يطلقون العلم على ذلك كما قاله الرافعي وغيره وأما ثانيا فتصوير صاحب الشامل صحيح والاعتراض بأن شخصا اغترفها وألقاها فاسد فإنه إذا ألقاها اختلطت بما تستهلك فيه وتخرج عن كونها مالا وليس كما إذا أطلق الصيد فإن الصيد وإن اشتبه لا يخرج عن ملكه لأنه يتميز بنفسه لا يختلط ولا يستهلك وإنما يشتبه ويجهل عينه وكذلك تصوير الشيخ الظهير صحيح والاعتراض بالملك والجني عجيب فإن هذا الاحتمال لا يمنع العلم وحكاية الخلاف في أن الجن والملك هل يملكون غريبة ومن حكى ذلك
"""
صفحة رقم 30 """
1300
أحمد بن محمد بن أبي الحزم مكي بن ياسين أبو العباس الشيخ نجم الدين القمولي
صاحب البحر المحيط في شرح الوسيط وكتاب جواهر البحر جمع فيه فأوعى
كان من الفقهاء المشهورين والصلحاء المتورعين يحكى أن لسانه كان لا يفتر عن قول لا إله إلا الله
ولي حسبة مصر وقد ولي تدريس الفائزية بها والفخرية بالقاهرة وتولى قديما قضاء قمولا وهي من معاملة قوص نيابة عن قاضي قوص ثم ولي الوجه القبلي من معاملة قوص ثم ولي إخميم مرتين وولي أسيوط والمنيا والشرقية التي قاعدتها بلبيس والغريبة التي قاعدتها المحلة ثم ناب في الحكم بالقاهرة ومصر وتوفي عن نيابة القضاء بمصر والجيزة والحسبة
ولم يبرح يفتي ويدرس ويصنف ويكتب وروي أنه قال لي أربعون سنة أحكم فيها ما وقع لي حكم خطأ ولا أثبت مكتوبا ظهر فيه خلل
وكان الشيخ صدر الدين بن المرحل يقول فيما نقل لنا عنه ليس بمصر أفقه من القمولي
"""
صفحة رقم 31 """
وكان مع جلالته في الفقه عارفا بالنحو وله شرح مقدمة ابن الحاجب وكان عارفا بالتفسير وله تكملة على تفسير الإمام فخر الدين وصنف أيضا شرح أسماء الله الحسنى في مجلدة
توفي بمصر في رجب سنة سبع وعشرين وسبعمائة عن ثمانين سنة
وقمولا بفتح القاف وضم الميم وإسكان الواو بلدة في البر الغربي من عمل قوص
1301
أحمد بن المظفر بن أبي محمد بن المظفر بن بدر ابن الحسن بن مفرج بن بكار النابلسي
شيخنا الحافظ الثقة الفقيه الثبت شهاب الدين أبو العباس الأشعري عقيدة
ولد في رمضان سنة خمس وسبعين وستمائة وسمع زينب بنت مكي والشيخ تقي الدين الواسطي وعمر ابن القواس والشرف ابن عساكر وخلقا كثيرا وعني بهذا الشأن وكان ثبتا فيما ينقله محررا لما يسمعه متقنا لما يعرفه حسن المذاكرة أعرف من رأيت بتراجم الأشاعرة والذب عنهم قائما في نصرة السنة وأهلها
"""
صفحة رقم 32 """
توفي بدمشق في شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وسبعمائة
أخبرنا الحافظ أبو العباس المظفر بقراءاتي عليه أخبرتنا زينب بنت مكي سماعا قالت أخبرنا حنبل بن عبد الله المكبر أخبرنا هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن المذهب أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي أخبرنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي حدثنا سفيان عن عبد الله بن دينار قال سمعت ابن عمر قول قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من أقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو كلب قنص نقص من أجره كل يوم قيراطان )
أخبرنا الحافظ أبو العباس الأشعري سماعا أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر أخبرنا أبو روح إجازة أخبرنا زاهر الشحامي حدثنا الأستاذ أبو بكر محمد بن الحسين بن علي المقري إملاء أخبرنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد ابن إسحاق بن خزيمة أخبرنا أحمد بن حمدون بن رستم الأعمش حدثنا أبو سهل عبدة بن عبد الله الخزاعي حدثنا يونس بن عبيد الله العمري أخبرنا المبارك بن فضالة حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله يحب مكارم الأخلاق ويكره سفسافها )
أخبرنا أحمد بن المظفر الحافظ بقراءتي أخبرنا عمر ابن القواس أخبرنا عبد الصمد ابن الحرستاني إذنا أخبرنا نصر الله المصيصي أخبرنا نصر المقدسي أخبرنا أبو بكر
"""
صفحة رقم 33 """
الخطيب أخبرنا علي بن أيوب القمي أخبرنا محمد بن عمران بن موسى أخبرني إبراهيم بن خفيف المرثدي أخبرني محمد بن بهنام الأصبهاني أخبرنا يحيى بن مدرك الطائي أخبرنا هشام بن محمد الكلبي قال لما حج سليمان بن عبد الملك قدم المدينة فأرسل إلى أبي حازم فأتاه فقال له سليمان يا أبا حازم ما هذا الجفاء قال وأي جفاء رأيت مني قال أتاني أهل المدينة ولم تأتني
قال يا أمير المؤمنين وكيف يكون إتيان بلا معرفة متقدمة والله ما عرفتني قبل هذا اليوم ولا أنا رأيتك فاعذر
قال فالتف سليمان إلى الزهري فقال أصاب الشيخ وصدق
قال سليمان يا أبا حازم ما لنا نكره الموت قال لأنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم فكرهتم أن تنقلوا من العمران إلى الخراب
قال سليمان صدقت يا أبا حازم كيف القدوم على الله قال أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله مسرورا وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه محزونا
أخبرنا الشيخ شهاب الدين النابلسي بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر سماعا عن إسماعيل بن عثمان القاري أخبرنا أبو الأسعد هبة الرحمن ابن الإمام أبي سعيد عبد الواحد بن الأستاذ أبي القاسم القشيري أخبرنا القاضي أبو الفضل محمد بن أحمد بن أبي جعفر الطبسي أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري أخبرنا حاجب الطوسي حدثنا محمد بن حماد حدثنا محمد بن الفضل عن الحسن ومسلم
"""
صفحة رقم 34 """
ابن أبي عمران قالا قال سلمان أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث
قالوا وما هي يا سلمان قال أبكاني فراق الأحبة محمد وحزبه وهول المطلع عند سكرة الموت وموقفي بين يدي الرحمن لا أدري أساخط علي هو أم راض
قالوا وما أضحكك يا سلمان قال مؤمل الدنيا والموت يطلبه وغافل وليس بمغفول عنه وضاحك ملء فيه لا يدري ما يفعل الله به
1302
أحمد بن يحيى بن إسماعيل الشيخ شهاب الدين ابن جهبل الكلابي الحلبي الأصل
سمع من أبي الفرج عبد الرحمن بن الزين المقدسي وأبي الحسن بن البخاري وعمر بن عبد المنعم بن القواس وأحمد بن هبة الله بن عساكر وغيرهم
ودرس وأفتى وشغل بالعلم مدة بالقدس ودمشق وولي تدريس البادرائية بدمشق وحدث وسمع منه الحافظ علم الدين القاسم بن محمد البرزالي
مات سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة
"""
صفحة رقم 35 """
ووقفت له على تصنيف صنفه في نفي الجهة ردا على ابن تيمية لا بأس به وهو هذا
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله العظيم شأنه القوي سلطانه القاهر ملكوته الباهر جبروته الغني عن كل شيء وكل شيء مفتقر إليه فلا معول لشيء من الكائنات إلا عليه
أرسل محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) بالمحجة البيضاء والملة الزهراء فأتى بأوضح البراهين ونور محجة السالكين ووصف ربه تعالى بصفات الجلال ونفى عنه ما لا يليق بالكبرياء والكمال فتعالى الله الكبير المتعال عما يقوله أهل الغي والضلال لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطيف قدرته مقهورون في قبضته أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا مطلع على هواجس الضمائر وحركات الخواطر فسبحانه ما أعظم شأنه وأعز سلطانه ) يسأله من في السماوات والأرض ( لافتقارهم إليه ) كل يوم هو في شأن ( لاقتداره عليه
و ( صلى الله عليه وسلم ) على سيدنا محمد خاتم أنبيائه ومبلغ أنبائه وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد فالذي دعا إلى تسطير هذه النبذة ما وقع في هذه المدة مما علقه بعضهم في إثبات الجهة واغتر بها من لم يرسخ له في التعليم قدم ولم يتعلق بأذيال المعرفة ولا كبحه لجام الفهم ولا استبصر بنور الحكمة فأحببت أن أذكر عقيدة أهل السنة والجماعة ثم أبين فساد ما ذكره مع أنه لم يدع دعوى إلا نقضها ولا أطد قاعدة
"""
صفحة رقم 36 """
إلا هدمها ثم أستدل على عقيدة أهل السنة وما يتعلق بذلك وها أنا أذكر قبل ذلك مقدمة يستضاء بها في هذا المكان فأقول وبالله المستعان
مذهب الحشوية في إثبات الجهة مذهب واه ساقط يظهر فساده من مجرد تصوره حتى قالت الأئمة لولا اغترار العامة بهم لما صرف إليهم عنان الفكر ولا قطر القلم في الرد عليهم وهم فريقان فريق لا يتحاشى في إظهار الحشو ) ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ( وفريق يتستر بمذهب السلف لسحت يأكله أو حطام يأخذه أو هوى يجمع عليه الطغام الجهلة والرعاع السفلة لعلمه أن إبليس ليس له دأب إلا خذلان أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ولذلك لا يجمع قلوب العامة إلا على بدعة وضلالة يهدم بها الدين ويفسد بها اليقين فلم يسمع في التواريخ أنه خزاه الله جمع غير خوارج أو رافضة أو ملاحدة أو قرامطة وأما السنة والجماعة فلا تجتمع إلا على كتاب الله المبين وحبله المتين وفي هذا الفريق من يكذب على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ويزعم أنهم يقولون بمقالته ولو أنفق ملء الأرض ذهبا ما استطاع أن يروج عليهم كلمة تصدق دعواه وتستر هذا الفريق بالسلف حفظا لرياسته والحطام الذي يجتليه ) يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم ( وهؤلاء يتحلون بالرياء والتقشف فيجعلون الروث مفضضا والكنيف مبيضا ويزهدون في الذرة ليحصلوا الدرة
أظهروا للناس نسكا
وعلى المنقوش داروا
ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه والمبتدعة تزعم أنها على مذهب السلف
"""
صفحة رقم 37 """
وكل يدعون وصال ليلى
وليلى لا تقر لهم بذاكا
وكيف يعتقد في السلف أنهم يعتقدون التشبيه أو يسكنون عند ظهور أهل البدع وقد قال الله ) ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ( وقال الله تعالى ) وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ( وقال الله تعالى ) لتبين للناس ما نزل إليهم (
ولقد كانت الصحابة رضي الله عنهم لا يخوضون في شيء من هذه الأشياء لعلمهم أن حفظ الدهماء أهم الأمور مع أن سيوف حججهم مرهفة ورماحها مشحوذة ولذلك لما نبغت الخوارج واثبهم حبر الأمة وعالمها وابنا عم رسولها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس فاهتدى البعض بالمناظرة وأصر الباقون عنادا فتسلط عليهم السيف
ولكن حكم السيف فيكم مسلط
فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا
وكذلك لما نبغ القدر ونجم به معبد الجهني قيض الله تعالى له زاهد الأمة
"""
صفحة رقم 38 """
وابن فاروقها عبد الله عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ولو لم تنبغ هاتان البدعتان لما تكلمت الصحابة رضي الله عنهم في رد هذا ولا إبطال هذا ولم يكن دأبهم إلا الحث على التقوى والغزو وأفعال الخير ولذلك لم ينقل عن سيد البشر ( صلى الله عليه وسلم ) ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم أنه جمع الناس في مجمع عام ثم أمرهم أن يعتقدوا في الله تعالى كذا وكذا وقد صدر ذلك في أحكام شتى وإنما تكلم فيها بما يفهمه الخاص ولا ينكره العام وبالله أقسم يمينا برة ما هي مرة بل ألف ألف مرة أن سيد الرسل ( صلى الله عليه وسلم ) لم يقل أيها الناس اعتقدوا أن الله تعالى في جهة العلو ولا قال ذلك الخلفاء الراشدون ولا أحد من الصحابة بل تركوا الناس وأمر التعبدات والأحكام ولكن لما ظهرت البدع قمعها السلف أما التحريك للعقائد والتشمير لإظهارها وإقامة ثائرها فما فعلوا ذلك بل حسموا البدع عند ظهورها
ثم الحشوية إذا بحثوا في مسائل أصول الدين مع المخالفين تكلموا بالمعقول وتصرفوا في المنقول فإذا وصلوا إلى الحشو تبلدوا وتأسوا فتراهم لا يفهمون بالعربية ولا بالعجمية كلا والله والله لو فهموا لهاموا ولكن اعترضوا بحر الهوى فشقوه وعاموا وأسمعوا كل ذي عقل ضعيف وذهن سخيف وخالفوا السلف في الكف عن ذلك مع العوام ولقد كان الحسن البصري رضي الله عنه إذا تكلم في علم التوحيد أخرج غير أهله وكانوا رحمهم الله تعالى لا يتكلمون فيه إلا مع أهل السنة منهم إذ هي قاعدة أهل التحقيق وكانوا يضنون به على الأحداث وقالوا الأحداث
"""
صفحة رقم 39 """
هم المستقبلون الأمور المبتدئون في الطريق فلم يجربوا الأمور ولم يرسخ لهم فيها قدم وإن كانوا أبناء سبعين سنة
وقال سهل رضي الله عنه لا تطلعوا الأحداث على الأسرار قبل تمكنهم من اعتقاد أن الإله واحد وأن الموحد فرد صمد منزه عن الكيفية والأينية لا تحيط به الأفكار ولا تكيفه الألباب وهذا الفريق لا يكتفي من إيمان الناس إلا باعتقاد الجهة وكأنه لم يسمع الحديث الصحيح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) الحديث
أفلا يكتفي بما اكتفى به نبيهم ( صلى الله عليه وسلم ) حتى إنه يأمر الزمني بالخوض في بحر لا ساحل له ويأمرهم بالتفتيش عما لم يأمرهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالتفتيش عنه ولا أحد من أصحابه رضي الله عنهم لا تنازل واكتفى بما نقل عن إمامه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه حيث قال لا يوسف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا نتجاوز القرآن والحديث ونعلم أن ما وصف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغو ولا أحاج بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه وهو مع ذلك ) ليس كمثله شيء ( في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته ولا في أفعاله فكان ينبغي أن الله سبحانه له ذات حقيقية وأفعال حقيقية وكذلك له صفات حقيقية وهو ) ليس كمثله شيء ( لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وكل ما أوجب نقصا أو حدوثا فإن الله عز وجل منزه عنه حقيقة فإنه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه وممتنع عليه الحدوث
"""
صفحة رقم 40 """
لامتناع العدم عليه واستلزام الحدوث سابقة العدم وافتقار المحدث إلى محدث ووجوب وجوده بنفسه سبحانه وتعالى هذا نص إمامه فهلا اكتفى به
ولقد أتي إمامه في هذا المكان بجوامع الكلم وساق أدلة المتكلمين على ما يدعيه هذا المارق بأحسن رد وأوضح معان مع أنه لم يأمر بما أمر هذا الفريق
وقد قال الشافعي رضي الله عنه سألت مالكا عن التوحيد فقال محال أن نظن بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه علم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد وقد قال ( صلى الله عليه وسلم ) ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) الحديث فبين مالك رضي الله عنه أن المطلوب من الناس في التوحيد هو ما اشتمل عليه هذا الحديث ولم يقل من التوحيد اعتقاد أن الله تعالى في جهة العلو
وسئل الشافعي رضي الله عنه عن صفات الله فقال حرام على العقول أن تمثل الله تعالى وعلى الأوهام أن تحد وعلى الظنون أن تقطع وعلى النفوس أن تفكر وعلى الضمائر أن تعمق وعلى الخواطر أن تحيط إلا ما وصف به نفسه على لسان نبيه ( صلى الله عليه وسلم )
ومن تقصى وفتش وبحث وجد أن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين والصدر الأول لم يكن دأبهم غير الإمساك عن الخوض في هذه الأمور وترك ذكرها في المشاهد ولم يكونوا يدسونها إلى العوام ولا يتكلمون بها على المنابر ولا يوقعون في قلوب الناس منها هواجس كالحريق المشعل وهذا معلوم بالضرورة من سيرهم وعلى ذلك بنينا عقيدتنا وأسسنا نحلتنا وسيظهر لك إن شاء الله تعالى موافقتنا للسلف ومخالفة المخالف طريقتهم وإن ادعى الاتباع فما سالك غير الابتداع
"""
صفحة رقم 41 """
وقول المدعي إنهم أظهروا هذا ويقول علم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كل شيء حتى الخرأة وما علم هذا المهم هذا بهرج لا يمشي على الصيرفي النقاد أو ما علم أن الخرأة يحتاج إليها كل واحد وربما تكررت الحاجة إليها في اليوم مرات وأي حاجة بالعوام إلى الخوض في الصفات نعم الذي يحتاجون إليه من التوحيد قد تبين في حديث ( أمرت أن أقاتل الناس ) ثم هذا الكلام من المدعي يهدم بنيانه ويهد أركانه فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) علم الخرأة تصريحا وما علم الناس أن الله تعالى في جهة العلو وما ورد من العرش والسماء في الاستواء قد بنى المدعي مبناه وأوثق عرى دعواه على أن المراد بهما شيء واحد وهو جهة العلو فما قاله هذا المدعي لم يعلمه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمته وعلمهم الخرأة فعند المدعي يجب تعليم العوام حديث الجهة وما علمها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأما نحن فالذي نقوله أنه لا يخاض في مثل هذا ويسكت عنه كما سكت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه ويسعنا ما وسعهم ولذلك لم يوجد منا أحد يأمر العوام بشيء من الخوض في الصفات والقوم وقد جعلوا دأبهم الدخول فيها والأمر بها فليت شعري من الأشبه بالسلف
وها نحن تذكر عقيدة أهل السنة فنقول
عقيدتنا أن الله قديم أزلي لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء ليس له جهة ولا مكان ولا يجري عليه وقت ولا زمان ولا يقال له أين ولا حيث يرى لا عن مقابلة ولا على مقابلة كان ولا مكان كون المكان ودبر الزمان وهو الآن على ما عليه كان
هذا مذهب أهل السنة وعقيدة مشايخ الطريق رضي الله عنهم
"""
صفحة رقم 42 """
قال الجنيد رضي الله عنه متى يتصل من لا شبيه له ولا نظير له بمن له شبيه ونظير
وكما قيل ليحيى بن معاذ الرازي أخبرنا عن الله عز وجل قال إله واحد فقيل له كيف هو فقال مالك قادر
فقيل له أين هو فقال بالمرصاد
فقال السائل لم أسألك عن هذا فقال ما كان غير هذا كان صفة المخلوق فأما صفته فما أخبرت عنه
وكما سأل ابن شاهين الجنيد رضي الله عنهما عن معنى مع فقال مع على معنيين مع الأنبياء بالنصرة والكلاءة قال الله تعالى ) إنني معكما أسمع وأرى ( ومع العالم بالعلم والإحاطة قال الله تعالى ) ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ( فقال ابن شاهين مثلك يصلح دالا للأمة على الله
وسئل ذو النون المصري رضي الله عنه عن قوله تعالى ) الرحمن على العرش استوى ( فقال أثبت ذاته ونفى مكانه فهو موجود بذاته والأشياء بحكمته كما شاء
وسئل عنه الشبلي رضي الله عنه فقال الرحمن لم يزل والعرش محدث والعرش بالرحمن استوى
وسئل عنها جعفر بن نصير فقال استوى علمه بكل شيء وليس شيء أقرب إليه من شيء
وقال جعفر الصادق رضي الله عنه من زعم أن الله في شيء أو من شيء أو على شيء
"""
صفحة رقم 43 """
فقد أشرك إذ لو كان في شيء لكان محصورا ولو كان على شيء لكان محمولا ولو كان من شيء لكان محدثا
وقال محمد بن محبوب خادم أبي عثمان المغربي قال لي أبو عثمان المغربي يوما يا محمد لو قال لك قائل أين معبودك أيش تقول قلت أقول حيث لم يزل
قال فإن قال فأين كان في الأزل أيش تقول قلت حيث هو الآن
يعني أنه كان ولا مكان فهو الآن كما كان قال فارتضى ذلك مني ونزع قميصه وأعطانيه
وقال أبو عثمان المغربي كنت أعتقد شيئا من حديث الجهة فلما قدمت بغداد زال ذلك عن قلبي فكتبت إلى أصحابي بمكة أني أسلمت جديدا
قال فرجع كل من كان تابعه عن ذلك
فهذه كلمات أعلام أهل التوحيد وأئمة جمهور الأمة سوى هذه الشرذمة الزائغة وكتبهم طافحة بذلك وردهم على هذه النازغة لا يكاد يحصر وليس عرضا بذلك تقليدهم لمنع ذلك في أصول الديانات بل إنما ذكرت ذلك ليعلم أن مذهب أهل السنة ما قدمناه
ثم إن قولنا إن آيات الصفات وأخبارها على من يسمعها وظائف التقديس والإيمان بما جاء عن الله تعالى وعن رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) على مراد الله تعالى ومراد رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) والتصديق والاعتراف بالعجز والسكوت والإمساك عن التصرف في الألفاظ الواردة وكف الباطن عن التفكر في ذلك واعتقاد أن ما خفي عليه منها لم يخف عن الله ولا عن رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وسيأتي شرح هذه الوضائف إن شاء الله تعالى فليت شعري في أي شيء نخالف السلف هل هو في قولنا كان ولا مكان أو في قولنا إنه تعالى كون المكان أو في قولنا وهو الآن على ما عليه كان
"""
صفحة رقم 44 """
أو في قولنا تقدس الحق عن الجسمية ومشابهتها أو في قولنا يجب تصديق ما قاله الله تعالى ورسوله بالمعنى الذي أراد أو في قولنا يجب الاعتراف بالعجز أو في قولنا نسكت عن السؤال والخوض فيما لا طاقة لنا به أو في قولنا يجب إمساك اللسان عن تغيير الظواهر بالزيادة والنقصان
وليت شعري في ماذا وافقوا هم السلف هل في دعائهم إلى الخوض في هذا والحث على البحث مع الأحداث الغرين والعوام الطغام الذين يعجزون عن غسل محل النجو وإقامة دعائم الصلاة أو وافقوا السلف في تنزيه الباري سبحانه وتعالى عن الجهة وهل سمعوا في كتاب الله أو أثارة من علم عن السلف أنهم وصفوا الله تعالى بجهة العلو وأن كل مالا يصفه به فهو ضال مضل من فراخ الفلاسفة والهنود واليونان ) انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا (
ونحن الآن نبتدئ بإفساد ما ذكره ثم بعد ذلك نقيم الحجة على نفي الجهة والتشبيه وعلى جميع ما يدعيه وبالله المستعان فأقول
ادعى أولا أنه يقول بما قال الله ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ثم إنه قال ما لم يقله الله ولا رسوله ولا السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ولا شيئا منه فأما الكتاب والسنة فسنبين مخالفته لهما وأما السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار فذكره لهم في هذا الموضع استعارة للتهويل وإلا فهو لم يورد من أقوالهم كلمة واحدة لا نفيا ولا إثباتا وإذا تصفحت كلامه عرفت ذلك اللهم إلا أن يكون مراده بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار مشايخ عقيدته دون الصحابة
"""
صفحة رقم 45 """
وأخذ بعد هذه الدعوى في مدحه ( صلى الله عليه وسلم ) وفي مدح دينه وأن أصحابه أعلم الناس بذلك والأمر كما قاله وفوق ما قاله وكيف المدائح تستوفي مناقبه ولكن كلامه كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كلمة حق أريد بها باطل
ثم أخذ بعد ذلك في ذم الأئمة وأعلام الأمة حيث اعترفوا بالعجز عن إدراكه سبحانه وتعالى مع أن سيد الرسل ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) وقال الصديق رضي الله عنه العجز عن درك الإدراك إدراك وتجاسر المدعي على دعوى المعرفة وأن ابن الحيض قد عرف القديم على ما هو عليه ولا غرور ولا جهل أعظم ممن يدعي ذلك فنعوذ بالله من الخذلان
ثم أخذ بعد ذلك في نسبة مذهب جمهور أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أنه مذهب فراخ الفلاسفة وأتباع اليونان والهنود ) ستكتب شهادتهم ويسألون (
ثم قال كتاب الله تعالى من أوله إلى آخره وسنة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) من أولها إلى آخرها ثم عامة كلام الصحابة والتابعين ثم كلام سائر الأئمة مملوء بما هو إما نص وإما ظاهر في الله تعالى أنه فوق كل شيء وعلى كل شيء وأنه فوق العرش وأنه فوق السماء
وقال في أثناء كلامه وأواخر ما زعمه إنه فوق العرش حقيقة
وقاله في موضع آخر عن السلف فليت شعري أين هذا في كتاب الله تعالى على هذه الصورة التي نقلها عن كتاب ربه وسنة نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وهل في كتاب الله تعالى كلمة مما قاله حتى يقول إنه في نص والنص هو الذي لا يحتمل التأويل ألبتة وهذا مراده فإنه جعله غير الظاهر لعطفه له عليه وأي آية في كتاب الله تعالى نص بهذا الاعتبار فأول ما استدل به قوله تعالى ) إليه يصعد الكلم الطيب ( فليت
"""
صفحة رقم 46 """
شعري أي نص في الآية أو ظاهر على أن الله تعالى في السماء أو على العرش ثم نهاية ما يتمسك به أنه يدل على علو يفهم من الصعود وهيهات زل حمار العلم في الطين فإن الصعود في الكلام كيف يكون حقيقة مع أن المفهوم في الحقائق أن الصعود ما صفات الأجسام فليس المراد إلا القبول ومع هذا لا حد ولا مكان
وأتبعها بقوله تعالى ) إني متوفيك ورافعك إلي ( وما أدري من أين استنبط من هذا الخبر أن الله تعالى فوق العرش من هذه الآية هل ذلك بدلالة المطابقة أو التضمن أو الالتزام أو هو شيء أخذه بطريق الكشف والنفث في الروع ولعله اعتقد أن الرفع إنما يكون في العلو في الجهة فإن كان كما خطر له فذاك أيضا لا يعقل إلا في الجسمية والحدية وإن لم يقل بهما فلا حقيقة فيما استدل به وإن قال بهما فلا حاجة إلى المغالطة ولعله لم يسمع الرفع في المرتبة والتقريب في المكانة من استعمال العرب والعرف ولا فلان رفع الله شأنه
وأتبع ذلك قوله ) أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ( وخص هذا المستدل من بالله تعالى ولعله لم يجوز أن المراد به ملائكة الله تعالى ولعله يقول إن الملائكة لا تفعل ذلك ولا أن جبريل عليه السلام خسف بأهل سدوم فلذلك استدل بهذه الآية ولعلها هي النص الذي أشار إليه
وأتبعه بقوله تعالى ) تعرج الملائكة والروح إليه ( والعروج والصعود شيء واحد ولا دلالة في الآية على أن العروج إلى سماء ولا عرش ولا شيء من الأشياء التي
"""
صفحة رقم 47 """
ادعاها بوجه من الوجوه لأن حقيقته المستعملة في لغة العرب في الانتقال في حق الأجسام إذ لا تعرف العرب إلا ذلك فليت لو أظهره واستراح من كتمانه
وأردفه بقوله تعالى ) يخافون ربهم من فوقهم ( وتلك أيضا لا دلالة له فيها عن سماء ولا عرش ولا أنه في شيء من ذلك حقيقة
ثم الفوقية ترد لمعنيين
أحدهما نسبة جسم إلى جسم بأن يكون أحدهما أعلى والآخر أسفل بمعنى أن أسفل الأعلى من جانب رأس الأسفل وهذا لا يقول به من لا يجسم وبتقدير أن يكون هو المراد وأنه تعالى ليس لجسم فلم لا يجوز أن يكون ) من فوقهم ( صلة ل ) يخافون ( ويكون تقدير الكلام يخافون من فوقهم ربهم
أي أن الخوف من جهة العلو وأن العذاب يأتي من تلك الجهة
وثانيهما بمعنى المرتبة كما يقال الخليفة فوق السلطان والسلطان فوق الأمير
وكما يقال جلس فلان فوق فلان والعلم فوق العمل والصباغة فوق الدباغة
وقد وقع ذلك في قوله تعالى حيث قال ) ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ( ولم يطلع أحدهم على أكتاف الآخر ومن ذلك قوله تعالى ) وإنا فوقهم قاهرون ( وما ركبت القبط أكتاف بني إسرائيل ولا ظهورهم
وأردف ذلك بقوله تعالى ) الرحمن على العرش استوى ( وورد هذا في كتاب الله في ستة مواضع من كتابه وهي عمدة المشبهة وأقوى معتمدهم حتى إنهم كتبوها على باب جامع همذان فلصرف العناية إلى إيضاحها فنقول
"""
صفحة رقم 48 """
إما أنهم يعزلون العقل بكل وجه وسبب ولا يلتفتون إلى ما سمي فهما وإدراكا فمرحبا بفعلهم وبقول ) الرحمن على العرش استوى ( وإن تعدوا هذا إلى أنه مستو على العرش فلا حبا ولا كرامة فإن الله تعالى ما قاله مع أن علماء البيان كالمتفقين على أن في اسم الفاعل من الثبوت ما لا يفهم من الفعل
وإن قالوا هذا يدل على أنه فوقه فقد تركوا ما التزموه وبالغوا في التناقض والتشهي والجرأة
وإن قالوا بل نبقي العقل ونفهم ما هو المراد فنقول لهم ما هو الاستواء في كلام العرب فإن قالوا الجلوس والاستقرار قلنا هذا ما تعرفه العرب إلا في الجسم فقولوا يستوي جسم على العرش
وإن قالوا جلوس واستقرار نسبته إلى ذات الله تعالى كنسبة الجلوس إلى الجسم
فالعرب لا تعرف هذا حتى يكون هو الحقيقة ثم العرب تفهم استواء القدح الذي هو ضد الاعوجاج فوصفوه بذلك وتبرءوا معه من التجسيم وسدوا باب الحمل على غير الجلوس ولا يسدونه في قوله تعالى ) وهو معكم أين ما كنتم ( وقوله تعالى ) ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( ولا تقولوا معهم بالعلم
وإن قلتم ذلك فلم تحلونه عاما وتحرمونه عاما ومن أين لكم أن ليس الاستواء فعلا من أفعاله تعالى في العرش فإن قالوا ليس هذا كلام العرب
قلنا ولا كلام العرب استوى بالمعنى الذي تقولونه بلا جسم
ولقد رام المدعي التفلت من شرك التجسيم بما زعمه من أن الله تعالى في جهة
"""
صفحة رقم 49 """
وأنه استوى على العرش استواء يليق بجلاله
فنقول له قد صرت الآن إلى قولنا في الاستواء وأما الجهة فلا تليق بالجلال
وأخذ على المتكلمين قولهم إن الله تعالى لو كان في جهة فإما أن يكون أكبر أو أصغر أو مساويا وكل ذلك محال
قال فلم يفهموا من قول الله تعالى ) على العرش ( إلا ما يثبتون لأي جسم كان على أي جسم كان
قال وهذا اللازم تابع لهذا المفهوم وأما استواء يليق بجلال الله فلا يلزمه شيء من اللوازم
فنقول له أتميميا مرة وقيسيا أخرى إذا قلت استوى استواء يليق بجلال الله فهو مذهب المتكلمين وإن قلت استواء هو استقرار واختصاص بجهة دون أخرى لم يجد ذلك تخلصا من الترديد المذكور والاستواء بمعنى الاستيلاء
وأشهد له في هذه الآية أنها لم ترد قط إلا في إظهار العظمة والقدرة والسلطان والملك والعرب تكني بذلك عن الملك فيقولون فلان استوى على كرسي المملكة وإن لم يكن جلس عليه مرة واحدة ويريدون بذلك الملك
وأما قولهم فإن حملتم الاستواء على الاستيلاء لم يبق لذكر العرش فائدة فإن ذلك في حق كل المخلوقات فلا يختص بالعرش
فالجواب عنه أن كل الموجودات لما حواها العرش كان الاستيلاء عليه استيلاء على جميعها ولا كذلك غير وأيضا فكناية العرب السابقة ترجحه وقد تقدم الكلام عن السلف في معنى الاستواء كجعفر الصادق ومن تقدم
وقولهم استوى بمنى استولى إنما يكون فيما يدافع عليه
قلنا واستوى بمنى جلس أيضا إنما يكون في جسم وأنتم قد قلتم إنكم لا تقولون به ولو وصفوه تعالى
"""
صفحة رقم 50 """
بالاستواء على العرش لما أنكرنا عليهم ذلك بل نعدهم إلى ما يشبه التشبيه أو هو التشبيه المحذور والله الموفق
واستدل بقوله تعالى حكاية عن فرعون ) يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى ( فليت شعري كيف فهم من كلام فرعون أن الله تعالى فوق السموات وفوق العرش يطلع إلى إله موسى أما أن إله موسى في السموات فما ذكره وعلى تقدير فهم ذلك من كلام فرعون فكيف يستدل بظن فرعون وفهمه مع إخبار الله تعالى عنه أنه زين له سوء علمه وأنه حاد عن سبيل الله عز وجل وأن كيده في ضلال مع أنه لما سأل موسى عليه السلام وقال وما رب السموات لم يتعرض موسى عليه السلام للجهة بل لم يذكر إلا أخص بالصفات وهي القدرة على الاختراع ولو كانت الجهة ثابتة لكان التعريف بها أولى فإن الإشارة الحسية من أقوى المعرفات حسا وعرفا وفرعون سأل بلفظة ما فكان الجواب بالتحيز أولى من الصفة وغاية ما فهمه من هذه الآية واستدل به فهم فرعون فيكون عمدة هذه العقيدة كون فرعون ظنها فيكون هو مستندها فليت شعري لم لا ذكر النسبة إليه كما ذكر أن عقيدة سادات أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الذين خالفوا اعتقاده في مسألة التحيز والجهة الذين ألحقهم بالجهمية متلقاة من لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي ( صلى الله عليه وسلم )
"""
صفحة رقم 51 """
وختم الآيات الكريمة بالاستدلال بقوله ) تنزيل من حكيم حميد ( ) منزل من ربك بالحق ( وما في الآيتين لا عرش ولا كرسي ولا سماء ولا أرض بل ما فيهما إلا مجرد التنزيل وما أدري من أي الدلالات استنبطها المدعي فإن السماء لا تفهم من التنزيل فإن التنزيل قد يكون من السماء وقد يكون من غيرها ولا تنزيل القرآن كيف يفهم منه النزول الذي هو انتقال من فوق إلى أسفل فإن العرب لا تفهم ذلك في كلام سواء كان من عرض أو غير عرض وكما تطلق العرب النزول على الانتقال تطلقه على غيره كما جاء في كتابه العزيز ) وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ( قوله تعالى ) وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ( ولم ير أحد قط قطعة حديد نازلة من السماء في الهواء ولا جملا يحلق من السماء إلى الأرض فكما جوز هنا أن النزول غير الانتقال من العلو إلى السفل فليجوزه هناك
هذا آخر ما استدل به من الكتاب العزيز وقد ادعى أولا أنه يقول ما قاله الله وأن ما ذكره من الآيات دليل على قوله إما نصا وإما ظاهرا وأنت إذا رأيت ما ادعاه
"""
صفحة رقم 52 """
وأمعنت النظر فيما قلناه واستقريت هذه الآيات لم تجد فيها كلمة على وفق ما قاله أولا ولا نصا ولا ظاهرا ألبتة وكل أمر بعد كتاب الله تعالى والدعوى عليه خلل
ثم استدل من السنة بحديث المعراج ولم يرد في حديث المعراج أن الله فوق السماء أو فوق العرش حقيقة ولا كلمة واحدة من ذلك وهو لم يسرد حديث المعراج ولا بين الدلالة منه حتى نجيب عنه فإن بين وجه الاستدلال عرفناه كيف الجواب
واستدل بنزول الملائكة من عند الله تعالى والجواب عن ذلك أن نزول الملائكة من السماء إنما كان لأن السماء مقرهم والعندية لا تدل على أن الله في السماء لأنه يقال في الرسل الآدميين إنهم من عند الله وإن لم يكونوا نزلوا من السماء على أن العندية قد يراد بها الشرف والرتبة قال الله تعالى ) وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ( وتستعمل في غير ذلك كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حكاية عن ربه عز وجل ( أنا عند ظن عبدي بي )
وذكر عروج الملائكة وقد سبق وربما شد فقار ظهره وقوى منة منته بلفظة ) إلى ربهم ( وأن ) إلى ( لانتهاء الغاية وأنها في قطع المسافة وإذا سكت عن هذا لم يتكلم بكلام العرب فإن المسافة لا تفهم العرب منها إلا ما تنتقل فيه الأجسام وهو يقول إنهم لا يقولون بذلك وقد قال الخليل ( صلى الله عليه وسلم ) ) إني ذاهب إلى ربي ( وليس المراد بذلك الانتهاء الذي عناه المدعي بالاتفاق فلم يجترئ على ذلك في كتاب الله تعالى ولا يجاب به في خبر الواحد
وذكر قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر من في السماء صباحا ومساء ) وليس المراد بمن هو الله تعالى ولا ذكر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك ولا خصه به ومن أين للمدعي أنه ليس المراد بمن
"""
صفحة رقم 53 """
الملائكة فإنهم أكبر المخلوقات علما بالله تعالى وأشدهم اطلاعا على القرب وهم يعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمين وهو عندهم في هذه الرتبة فليعلم المدعي أنه ليس في الحديث ما ينفي هذا ولا ما يثبت ما ادعاه
ثم ذكر حديث الرقية ( ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رزقك في السماء ) الحديث
وهذا الحديث بتقدير ثبوته فالذي ذكره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيه ( ربنا الذي في السماء تقدس اسمك ) ما سكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على في السماء فلأي معنى نقف نحن عليه ونجعل تقديس اسمك كلاما مستأنفا هل فعله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هكذا أو أمر به وعند ذلك لا يجد المدعي مخلصا إلا أن يقول الله تقدس اسمه في السماء والأرض فلم خصصت السماء بالذكر فنقول له ما معنى تقدس إن كان المراد به التنزيه من حيث هو تنزيه فذلك ليس في سماء ولا أرض إذ التنزيه نفي النقائص وذلك لا تعلق له بجرباء ولا غبراء فإن المراد أن المخلوقات تقدس وتعترف بالتنزيه فلا شك أن أهل السماء مطبقون على تنزيهه تعالى كما أنه لا شك أن في أهل الأرض من لم ينزه وجعل له ندا ووصفه بما لا يليق بجلاله فيكون تخصيص السماء بذكر التقديس فيها لانفراد أهلها بالإطباق على التنزيه كما أنه سبحانه لما انفرد في الملك في يوم الدين عمن يتوهم ملكه خصصه بقوله تعالى ) مالك يوم الدين ( وكما قال سبحانه وتعالى بعد دمار من ادعى الملك والملك ) لمن الملك اليوم لله الواحد القهار (
وأعاد هذا المدعي الحديث من أوله ووصل إلى أن قال فليقل ربنا الذي في السماء
"""
صفحة رقم 54 """
قال وذكره ووقف على قوله في السماء فليت شعري هل جوز أحد من العلماء أن يفعل مثل هذا وهل هذا إلا مجرد إيهام أن سيد المرسلين ( صلى الله عليه وسلم ) وعليهم قال ( ربنا الله في السماء )
وأما حديث الأوعال وما فيه من قوله ( والعرش فوق ذلك كله والله فوق ذلك كله ) فهذا الحديث قد كثر منهم إيهام العوام أنهم يقولون به ويروجون به زخارفهم ولا يتركون دعوى من دعاويهم عاطلة من التحلي بهذا الحديث ونحن نبين أنهم لم يقولوا بحرف واحد منه ولا استقر لهم قدم بأن الله تعالى فوق العرش حقيقة بل نقضوا ذلك وإيضاح ذلك بتقديم ما أخر هذا المدعي قال في آخر كلامه ولا يظن الظان أن هذا يخالف ظاهر قوله تعالى ) وهو معكم أين ما كنتم ( وقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه )
ونحو ذلك قال فإن هذا غلط ظاهر وذلك أن الله تعالى معنا حقيقة فوق العرش حقيقة قال كما جمع الله بينهما في قوله ) هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ( قال هذا المدعي بملء ما ضغتيه من غير تكتم ولا تلعثم فقد أخبر الله تعالى أنه فوق العرش ويعلم كل شيء وهو معنا أينما كنا كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) في حديث الأوعال ( والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه ) فقد فهمت أن هذا المدعي ادعى أن الله فوق العرش حقيقة واستدل بقوله تعالى ) ثم استوى على العرش ( وجعل أن ذلك من الله تعالى خير أنه فوق العرش وقد علم
"""
صفحة رقم 55 """
كل ذي ذهن قويم وفكر مستقيم أن لفظ ) استوى على العرش ( ليس مرادفا للفظ فوق العرش حقيقة وقد سبق منا الكلام عليه ولا في الآية ما يدل على الجمع الذي ادعاه ولا بين التقريب في الاستدلال بل سرد آية من كتاب الله تعالى لا يدرى هل حفظها أو نقلها من المصحف ثم شبه الآية في الدلالة على الجمع بحديث الأوعال قال كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) فيه ( والله فوق العرش ) وقد علمت أنه ليس في الحديث ما يدل على المعية بل لا مدخل لمع في الحديث قال وذلك أن مع إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا للمقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة ولا محاذاة عن يمين أو شمال فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى فإنه يقال ما زلنا نسير والقمر معنا والنجم معنا
ويقال هذا المتاع معنا وهو لمجامعته لك وإن كان فوق رأسك فإنما الله مع خلقه حقيقة وهو فوق العرش حقيقة ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد فلما قال ) يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ( دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم عالم بكم
قال وهذا معنى قول السلف إنه معهم بعلمه
قال وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته
قال وكذلك في قوله تعالى ) ما يكون من نجوى ثلاثة ( الآية وفي قوله
"""
صفحة رقم 56 """
تعالى ) لا تحزن إن الله معنا ( ) إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ( ) إنني معكما أسمع وأرى (
قال ويقول أبو الصبي له من فوق السقف لا تخف أنا معك
تنبيها على المعية الموجبة لحكم الحال
فليفهم الناظر أدب هذا المدعي في هذا المثل وحسن ألفاظه في استثمار مقاصده
ثم قال ففرق بين المعية وبين مقتضاها المفهوم من معناها الذي يختلف باختلاف المواضع
فليفهم الناظر هذه العبارة التي ليست بالعربية ولا بالعجمية فسبحان المسبح باللغات المختلفة
قال فلفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع يقتضي في كل موضع أمورا لا يقتضيها في الموضع الآخر
هذه عبارته بحروفها
ثم قال فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها وإن امتاز كل موضع بخاصية فليفهم تقسيم هذا المدعي وحسن تصرفه
قال فعلى التقديرين ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب مختلطة بالخلق حتى يقال صرفت عن ظاهرها
ثم قال في موضع آخر من علم أن المعية تضاف إلى كل نوع من أنواع المخلوقات كإضافة الربوبية مثلا وأن الاستواء على العرش ليس إلا العرش وأن الله تعالى يوصف بالعلو والفوقية الحقيقية ولا يوصف بالسفول ولا بالتحتية قط لا حقيقة ولا مجازا علم أن القرآن على ما هو عليه من غير تحريف
فليفهم الناظر هذه المقدمات
"""
صفحة رقم 57 """
القطعية وهذه العبارات الرائقة الجلية وحصر الاستواء على الشيء في العرش مما لا يقوله عاقل فضلا عن جاهل
ثم قال من توهم أن كون الله في السماء بمعنى أن السماء تحيط به وتحويه فهو كاذب إن نقله عن غيره وضال إن اعتقده في ربه وما سمعنا أحدا يفهمه من اللفظ ولا رأينا أحد نقله عن أحد
فليستفد الناظر أن الفهم يسمع
قال ولو سئل سائر المسلمين هل يفهمون من قول الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن الله تعالى في السماء تحويه لبادر كل أحد منهم إلى أن يقول هذا شيء لعله لم يخطر ببالنا وإذا كان الأمر هكذا فمن التكلف أن يجعل ظاهر اللفظ شيئا محالا لا يفهمه الناس منه ثم يريد أن يتأوله
قال بل عند المسلمين أن الله في السماء وهو على العرش واحد إذ السماء إنما يراد به العلو فالمعنى الله في العلو لا في السفل
هكذا قال هذا المدعى فليثن الناظر على هذه بالخناصر وليعض عليها بالنواجذ وليعلم أن القوم ) يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين (
قال وقد علم المسلمون أن كرسيه تعالى وسع السموات والأرض وأن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة وأن العرش خلق من مخلوقات الله تعالى لا نسبة له إلا قدرة الله وعظمته وكيف يتوهم متوهم بعد هذا أن خلقا يحصره ويحويه وقد قال تعالى ) ولأصلبنكم في جذوع النخل ( وقال تعالى ) فسيروا في الأرض ( بمعنى على ونحو ذلك وهو كلام عربي حقيقة لا مجاز
"""
صفحة رقم 58 """
وهذا يعلمه من عرف حقائق معنى الحروف وأنها متواطئة في الغالب
هذا آخر ما تمسك به
فنقول أولا ما معنى قولك إن مع في اللغة للمقارنة المطلقة من غير مماسة ولا محاذاة وما هي المقارنة فإن لم يفهم من المقارنة غير صفة لازمة للجسمية حصل المقصود وإن فهم غيره فليتنبه حتى تنظر هل تفهم العرب من المقارنة ذلك أو لا
ثم قوله فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى
فنقول له ومن نحا ذلك في ذلك
قوله إنها في هذه المواضع كلها بمعنى العلم
قلنا من أين لك هذا فإن قال من جهة قوله تعالى ) ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ( الآية دل ذلك على المعية بالعلم وأنه على سبيل الحقيقة
فنقول له قد كلت بالصاع الوافي فكل لنا بمثله واعلم أن فوق كما يستعمل في العلو في الجهة كذلك يستعمل في العلو في المرتبة والسلطنة والملك وكذلك الاستواء فيكونان متواطئين كما ذكرته حرفا بحرف وقد قال الله تعالى ) وهو القاهر فوق عباده ( وقال تعالى ) وفوق كل ذي علم عليم ( وقال الله تعالى ) يد الله فوق أيديهم ( وقال تعالى حكاية عن قوم فرعون ) وإنا فوقهم قاهرون ( وقال تعالى ) ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ( ومعلوم أنه ليس المراد جهة العلو فأعد البحث وقل فوق العرش
"""
صفحة رقم 59 """
بالاستيلاء
وكذا في حديث الأوعال وما فعلته في مع فافعله في فوق وخرج هذا كما خرجت ذلك وإلا اترك الجميع
ثم قوله ومن علم أن المعية تضاف إلى كل نوع من أنواع المخلوقات وأن الاستواء على الشيء ليس إلا العرش
قلنا حتى نبصر لك رجلا استعملها يعلم ما تقوله من غير دليل فإنك إن لم تقم دلالة على ذلك وإلا أبرزت لفظة تدل على تحت فوق للاستواء في جهة العلو فليت شعري من أين تعلم أن المعية بالعلم حقيقة وأن آية الاستواء على العرش وحديث الأوعال دالان على صفة الربوبية بالفوقية الحقيقية اللهم غفرا هذا لا يكون إلا بالكشف وإلا فالأدلة التي نصبها الله تعالى لتعرف بها ذاته وصفاته وشرائعه لم يورد هذا المدعي منها حرفا واحدا على وفق دعوى ولا ثبت له قدم إلا في مهوى
ثم قوله لا يوصف الله تعالى بالسفول والتحتية لا حقيقة ولا مجازا ليت شعري من ادعى له هذه الدعوى حتى يكلف الكلام فيها
ثم إن قوله بعد ذلك من توهم كون الله تعالى في السماء بمعنى أن السماء تحيط به وتحويه فهو كاذب إن نقله عن غيره وضال إن اعتقده في ربه
أيها المدعي قل ما تفهم وافهم ما تقول وكلم الناس كلام عاقل لعاقل تفيد وتستفيد إذا طلبت أن تستنبط من لفظة في الجهة وحملتها على حقيقتها هل يفهم منها غير الظرفية أو ما في معناها وإذا كان كذلك فهل يفهم عاقل أن الظرف ينفك عن إحاطة ببعض أو جميع ما يلزم ذلك وهل جرى هذا على سمع وهل من يخاطر أن في على حقيقتها في جهة ولا يفهم منها احتواء ولا إحاطة ببعض ولا كل فإن كان المراد أن يعزل الناس عقولهم وتتكلم أنت وهم يقلدون ويصدقون لم تأمن أن بعض المسئولين
"""
صفحة رقم 60 """
من المخالفين للملة يأمرك بذلك ويثبت الباطل عليك
ثم قولك لو سئل سائر المسلمين هل يفهمون من قول الله تعالى ورسوله أن الله في السماء تحويه لبادر كل واحد منهم إلى أن يقول هذا شيء لعله لم يخطر ببالنا
فنقول ما الذي أردت بذلك إن أردت أن هذا اللفظ لا يعطي هذا المعنى فإياك أن تسأل عن هذا من هو عارف بكلام العرب فإنه لا يصدقك في أن هذا اللفظ لا يعطي هذا مع كون في للظرفية وأنها على حقيقتها في الجهة وإن أردت أن العقول تأبى ذلك في حق الله تعالى فلسنا نحن معك إلا في تقدير هذا ونفي كل ما يوهم نقصا في حق الله تعالى
ثم قولك عند المسلمين أن الله في السماء وهو على العرش واحد
لا ينبغي أن تضيف هذا الكلام إلا إلى نفسك أو إلى من تلقيت هذه الوصمة منه ولا تجعل المسلمين يرتبكون في هذا الكلام الذي لا يعقل
ثم استدللت على أن كون الله في السماء والعرش واحد بأن السماء إنما يراد بها العلو فالمعنى أن الله في العلو لا في السفل
قل لي هل قال الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين أن الله تعالى في العلو لا في السفل وكل ما قلت من أول المقدمة إلى آخرها لو سلم لك لكان حاصلة أن الله تعالى وصف نفسه بأنه استوى على العرش وأن الله تعالى فوق العرش
وأما أن السماء المراد بها جهة العلو فما ظفرت كفاك بنقله
ثم قولك قد علم المسلون أن كرسيه تعالى وسع السموات والأرض وأن
"""
صفحة رقم 61 """
الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة
فليت شعري إذا كان حديث الأوعال يدلك على أن الله فوق العرش فكيف يجمع بينه وبين طلوع الملائكة إلى السماء التي فيها الله وكيف يكون مع ذلك في السماء حقيقة ولعلك تقول إن المراد بهما جهة العلو توفيقا فليت شعري أيمكن أن تقول بعد هذا التوفيق العاري عن التوقيف والتوفيق إن الله في السماء حقيقة وعلى السماء حقيقة وفي العرش حقيقة وعلى العرش حقيقة ثم حقيقة السماء هي هذه المشاهدة المحسوسة يطلق عليها هذا الاسم من لم يخطر بباله السمو وأما أصل الاشتقاق فذلك لا مزية لها فيه على السقف والسحاب فتبارك الله خالق العقول
ثم قولك بعد ذلك العرش من مخلوقات الله تعالى لا نسبة له إلا قدرة الله وعظمته
وقع إلينا إلا قدرة الله فإن كانت بألف لام ألف كما وقع إلينا فقد نفيت العرش وجعلت الجهة هي العظمة والقدرة وصار معنى كلامك جهة الله عظمته وقدرته
والآن قلت ما لا يفهم ولا قاله أحد وإن كان كلامك بألف لام ياء فقد صدقت وقلت الحق ومن قال خلاف ذلك ولعمري قد رممنا لك هذا المكان ولقناك إصلاحه
ثم قلت كيف يتوهم بعد هذا أن خلقا يحصره أو يحويه
قلنا نعم ومن أي شيء بلاؤنا إلا ممن يدعي الحصر أو يوهمه
ثم قلت وقد قال الله تعالى ) ولأصلبنكم في جذوع النخل ( أو ما علمت أن التمكن الاستقراري حاصل في الجذع فإن تمكن المصلوب في الجذع
"""
صفحة رقم 62 """
كتمكن الكائن في الظرف وكذلك الحكم في قوله تعالى ) قل سيروا في الأرض ( وهذا الذي ذكرناه هو الجواب عن حديث الأوعال وحديث قبض الروح وحديث عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وحديث أمية بن أبي الصلت وما قال من قوله
مجدوا الله فهو أهل لمجد
ربنا في السماء أمسى كبيرا
فيقال للمدعي إن كنت ترويه في السماء فقط ولا تتبعها أمسى كبيرا فربما يوهم ما تدعيه لكن لا يبقى شعرا ولا قافية وإن كان قال ربنا في السماء أمسى كبيرا فقل مثل ما قال أمية وعند ذلك لا يدرى هل هو كما قلت أو قال إن الله كبير في السماء
فإن قلت وهو كبير في الأرض فلم خصت السماء
قلنا التخصيص بما أشرنا إليه من أن تعظيم أهل السموات أكثر من تعظيم أهل الأرض له فليس في الملائكة من ينحت حجرا ويعبده ولا فيهم دهري ولا معطل ولا مشبه وخطاب أمية لكفار العرب الذين اتخذوا هبل ومناة واللات والعزى وغير ذلك من الأنداد وقد علمت العرب أن أهل السماء أعلم منهم حتى كانوا يتمسكون بحديث الكاهل الذي كان يتلقف من الجني الذي يسترق الكلمة من الملك فيضيف إليها مائة كذبة فكيف اعتقادهم في الملائكة فلذلك احتج عليهم أمية بالملائكة هذا ليس ببعيد ولا خلافه قطعي
"""
صفحة رقم 63 """
ثم قال من المعلوم بالضرورة أن الرسول المبلغ عن الله ألقى إلى أمته المدعوين أن الله تعالى على العرش وأنه فوق السماء فنقول له هذا ليس بصحيح بالصريح بل ألقى إليهم أن الله استوى على العرش هذا الذي تواتر من تبليغ هذا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وما ذكره المدعي من هذا الإخبار فأخبار آحاد لا يصدق عليها جمع كثرة ولا حجة له فيها وذلك واضح لمن سمع كلام الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ونزله على استعمال العرب وإطلاقاتها ولم يدخل عليها غير لغتها
ثم قلت كما فطر الله جميع الأمم عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته
هذا كلام من أوله إلى آخره معارض بالميل والترجيح معا
ثم قلت عن السلف في ذلك من الأقوال ما لو جمعته لبلغت مائتين ألوفا
فنقول إن أردت بالسلف سلف المشبهة كما سيأتي في كلامك فربما قاربت وإن أردت سلف الأمة الصالحين فلا حرفا ولا شطر حرف وها نحن معك في مقام مقام ومضمار مضمار بحول الله وقوته
ثم قلت ليس في كتاب الله تعالى ولا سنة رسول ولا عن أحد من سلف الأمة لا من الصحابة ولا من التابعين حرف واحد يخالف ذلك لا نص ولا ظاهر
قلنا ولا عنهم كما ادعيت أنت ولا نص ولا ظاهر وقد صدرت أولا أنك تقول ما قاله الله ورسوله والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ثم دارت الدائرة على أن المراد بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار مشايخ عقيدتك وعزلت العشرة وأهل بدر
"""
صفحة رقم 64 """
والحديبية عن السبق والتابعين عن المتابعة وتولي هؤلاء لا غير ) الله أعلم حيث يجعل رسالته (
ثم قولك لم يقل أحد منهم إنه ليس في غير السماء ولا إنه ليس على العرش ولا إنه في كل مكان ولا إن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء ولا إنه داخل العالم ولا خارجه ولا متصل ولا منفصل
قلنا لقد عممت الدعوى فذكرت ما لم تحط به علما وقد ذكرنا لك عن جعفر الصادق والجنيد والشبلي وجعفر بن نصير وأبي عثمان المغربي رضي الله عنهم ما فيه كفاية فإن طعنت في نقلنا أو في هذه السادة طعنا في نقلك وفيمن أسندت إليه من أهل عقيدتك خاصة فلم يوافقك على ما ادعيته غيرهم
ثم إنك أنت الذي قد قلت ما لم يقله الله ولا رسوله ولا السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ولا من التابعين ولا من مشايخ الأمة الذين لم يدركوا الأهواء فما نطق أحد منهم بحرف في أن الله تعالى في جهة العلو وقد قلت وصرحت وبحثت وفهمت بأن ما ورد من أنه في السماء وفوق السماء وفي العرش وفوق العرش المراد به جهة العلو فقل لنا من قال هذا هل قاله الله أو رسوله أو السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أو التابعين لهم بإحسان فلم تهول علينا بالأمور المغمغمة وبالله المستعان
ثم استدل على جواز الإشارة الحسية إليه بالأصابع ونحوها بما صح أنه ( صلى الله عليه وسلم ) في خطبة عرفات جعل يقول ( ألا هل بلغت ) فيقولون نعم
فيرفع
"""
صفحة رقم 65 """
أصبعه إلى السماء وينكتها إليهم ويقول ( اللهم اشهد ) غير مرة
ومن أي دلالة يدل هذا على جواز الإشارة إليه هل صدر منه ( صلى الله عليه وسلم ) إلا أنه رفع أصبعه ثم نكتها إليهم هل في ذلك دلالة على أن رفعه كان يشير به إلى جهة الله تعالى ولكن هذا من عظيم ما رسخ في ذهن هذا المدعي من حديث الجهة حتى إنه لو سمع مسألة من عويص الفرائض والوصايا وأحكام الحيض لقال هذه دالة على الجهة
ثم أتى بالطامة الكبرى والداهية الدهياء وقال فإن كان الحق ما يقوله هؤلاء السابقون النافون من هذه العبارات ونحوها دون ما يفهم من الكتاب والسنة إما نصا أو ظاهرا كيف يجوز على الله تعالى ثم على رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم على خير الأمة أنهم يتكلمون دائما بما هو نص أو ظاهر في خلاف الحق ثم الحق الذي يجب اعتقاده لا يبوحون به قط ولا يدلون عليه لا نصا ولا ظاهرا حتى يجيء أنباط الفرس والروم وأفراخ الهنود يبينون للأمة العقيدة الصحيحة التي يجب على كل مؤلف أو فاضل أن يعتقدها لئن كان ما يقوله هؤلاء المتكلمون المتكلفون هو الإعتقاد الواجب وهم مع ذلك أحيلوا على مجرد عقولهم وأن يدفعوا لمقتضى قياس عقولهم ما دل عليه الكتاب والسنة نصا أو ظاهرا لقد كان ترك الناس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم وأنفع على هذا التقدير بل كان وجود الكتاب والسنة ضررا
"""
صفحة رقم 66 """
محضا في أصول الدين فإن حقيقة الأمر على ما يقوله هؤلاء أنكم يا معشر العباد لا تطلبوا معرفة الله سبحانه وتعالى وما يستحق من الصفات نفيا ولا إثباتا لا من الكتاب ولا من السنة ولا من طريق سلف الأمة ولكن انظروا أنتم فما وجدتموه مستحقا له من الصفات فصفوه به سواء كان موجودا في الكتاب والسنة أو لم يكن وما لم تجدوه مستحقا له في عقولكم فلا تصفوه بها
ثم قال هما فريقان أكثرهم ما يقول ما لم تثبته عقولكم فانفوه ومنهم من يقول بل توقفوا فيه
وما نفاه قياس عقولكم الذي أنتم فيه مختلفون ومضطربون اختلافا أكثر من جميع اختلاف على وجه الأرض فانفوه وإليه عند الشارع فارجعوا فإن الحق الذي تعبدتكم به وما كان مذكورا في الكتاب والسنة مما يخالف قياسكم هذا أو يثبت ما لم تدركه عقولكم على طريقة أكثرهم فاعلموا أنني امتحنتكم بتنزيله لا لتأخذوا الهدى منه لكن لتجتهدوا في تخريجه على شواذ اللغة ووحشي الألفاظ وغرائب الكلام أو تسكتوا عنه مفوضين علمه إلي
هذا حقيقة الأمر على رأي المتكلمين
هذا ما قاله وهو الموضع الذي صرع فيه وتخبطه الشيطان من المس فنقول ما تقول فيما ورد من ذكر العيون بصفة الجمع وذكر الجنب وذكر الساق الواحد وذكر الأيدي فإن أخذنا بظاهر هذا يلزمنا إثبات شخص له وجه واحد عليه عيون كثيرة وله جنب واحد وعليه أيد كثيرة وله ساق واحد فأي شخص يكون
"""
صفحة رقم 67 """
في الدنيا أبشع من هذا وإن تصرفت فيه هذا بجمع وتفريق بالتأويل فلم لا ذكره الله ورسوله وسلف الأمة
وقوله تعالى في الكتاب العزيز ) الله نور السماوات والأرض ( فكل عاقل يعلم أن النور الذي على الحيطان والسقوف وفي الطرق والحشوش ليس هو الله تعالى ولا قالت المجوس بذلك فإن قلت بأنه هادي السموات والأرض ومنورها فلم لا قاله الله تعالى ولا رسوله ولا سلف الأمة
وورد قوله تعالى ) ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( وذلك يقتضي أن يكون الله داخل الزردمة فلم لا بينه الله ولا رسوله ولا سلف الأمة
وقال تعالى ) واسجد واقترب ( ومعلوم أن التقرب في الجهة ليس إلا بالمسافة فلم لا بينه الله تعالى ولا رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا سلف الأمة
وقال تعالى ) فأينما تولوا فثم وجه الله ( وقال تعالى ) وجاء ربك ( وقال تعالى ) فأتى الله بنيانهم من القواعد ( وقال تعالى ) ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث (
"""
صفحة رقم 68 """
وقال ( صلى الله عليه وسلم ) حكاية عن ربه عز وجل ( من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ) وما صح في الحديث ( أجد نفس الرحمن من قبل اليمن ) ومن قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( الحجر الأسود يمين الله في الأرض ) ومن قوله ( صلى الله عليه وسلم ) حكاية عن ربه سبحانه وتعالى ( أنا جليس من ذكرني )
وكل هذه هل تأمن من المجسم أن يقول لك ظواهر هذه كثرة تفوت الحصر أضعاف أحاديث الجهة فإن كان الأمر كما يقول في نفي الجسمية مع أنه لم يأت في شيء من هذه ما يبن خلاف ظواهرها لا عن الله تعالى ولا عن رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا عن سلف الأمة فحينئذ يكيل لك المجسم بصاعك ويقول لك لو كان الأمر كما قلت لكان ترك الناس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم
وإن قلت إن العمومات قد بينت خلاف ظواهر هذه لم نجد منها نافيا للجسمية إلا وهو ناف للجهة
ثم ما يؤمنك من تناسخي يفهم من قوله ) في أي صورة ما شاء ركبك ( مذهبه من معطل يفهم من قوله تعالى ) مما تنبت الأرض ( مراده فحينئذ لا تجد مساغا لما تغص به من ذلك إلا الأدلة الخارجة عن هذه الألفاظ ثم صار
"""
صفحة رقم 69 """
حاصل كلامك أن مقالة الشافعية والحنفية والمالكية يلزمها أن يكون ترك الناس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم أفتراهم يكفرونك بذلك أم لا
ثم جعلت أن مقتضى كلام المتكلمين أن الله تعالى ورسوله وسلف الأمة تركوا العقيدة حتى بينها هؤلاء فقل لنا إن الله ورسوله وسلف الأمة بينوها ثم انقل عنهم أنهم قالوا كما تقول إن الله تعالى في جهة العلو لا في جهة السفل وإن الإشارة الحسية جائزة إليه فإذا لم تجد ذلك في كتاب الله تعالى ولا كلام رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا كلام أحد من العشرة ولا كلام أحد من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم فعد على نفسك باللائمة وقل لقد ألزمت القوم بما لا يلزمهم ولو لزمهم لكان عليك اللوم
ثم قلت عن المتكلمين إنهم يقولون ما يكون على وفق قياس العقول فقولوه وإلا فانفوه
والقوم لم يقولوا ذلك بل قالوا صفة الكمال يجب ثبوتها لله وصفة النقص يجب نفيها عنه
كما قاله الإمام أحمد رضي الله عنه قالوا وما ورد من الله تعالى ومن رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فليعرض على لغة العرب التي أرسل الله تعالى محمدا بلغتها كما قال تعالى ) وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( فما فهمت العرب فافهمه ومن جاءك بما يخالفه فانبذ كلامه نبذ الحذاء المرقع واضرب بقوله حائط الحش
ثم نعقد فصلا إن شاء الله تعالى بعد إفساد ما نزع به في سبب ورود هذه الآيات على هذا الوجه فإنه إنما تلقف ما نزغ به في مخالفة الجماعة وأساء القول على الملة من حثالة الملاحدة الطاعنين في القرآن وسنبين إن شاء الله تعالى ضلالهم ويعلم إذ ذاك
"""
صفحة رقم 70 """
من هو من فراخ الفلاسفة والهنود ثم لو استحيى الغافل لعرف مقدار علماء الأمة رحمهم الله تعالى ثم هل رأى من رد على الفلاسفة والهنود والروم والفرس غير هؤلاء الذين جعلهم فراخهم وهل اتكلوا في الرد على هذه الطوائف على قوم لا عقل لهم ولا بصيرة ولا إدراك ثم يذرونهم يستدلون على إثبات الله تعالى في الحجاج على منكره بالنقل وعلى منكري النبوة بالنقل حتى يصير مضغة للماضغ وضحكة للمستهزئ وشماتة للعدو وفرحا للحسود وفي قصة الحسن بن زياد اللؤلؤي عبرة للمعتبر
ثم أخذ بعد هذا في أن الأمور العامة إذا نفيت عنها إنما يكون دلالتها على سبيل الإلغاز
قلنا وكذلك المجسم يقول لك دلالة الأمور العامة على نفي الجسمية إلغاز
ثم قال بعد هذا يا سبحان الله كيف لم يقل الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يوما ما الدهر ولا أحد من سلف الأمة هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه فيقال له ما الذي دلت عليه حتى يقولوا إنه لا يعتقد هذا تشنيع بحت
ثم يقول لك المجسم يا سبحان الله لم لم يقل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا أحد من سلف الأمة إن الله تعالى ليس بجسم ولا قالوا لا تعتقدوا من الأحاديث الموهمة للجسمية ظواهرها
"""
صفحة رقم 71 """
ثم استدل بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) في صفة الفرقة الناجية ( هو من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) قال المدعي فهلا قال من تمسك بظاهر القرآن في آيات الإعتقاد فهو ضال وإنما الهدى رجوعكم إلى مقاييس عقولكم
فليعلم الناظر أنه ها هنا باهت وزخرف وتشبع بما لم يعطه فإنه قد ثبت أن طريق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه رضي الله عنهم الكف عن ذلك فما نحن الآمرون به وأنه هو ليس بساكت بل طريقه الكلام وأمر الدهماء بوصف الله تعالى بجهة العلو وتجويز الإشارة الحسية إليه فليت شعري من الموافق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه ولكن صدق القائل رمتني بدائها وانسلت
ثم المجسم يقول له حذو النعل بالنعل ما قاله لنا ونقول له لم لا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الناجية من قال إن الله في جهة العلو وإن الإشارة الحسية إليه جائزة فإن قال هذه طريقة السلف وطريقة الصحابة قلنا من أين لك هذا ثم لا تأمن من كل مبتدع أن يدعي ذلك
ثم أفاد المدعي وأسند أن هذه المقالة مأخوذة من تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين
قال فإن أول من حفظ عنه هذه المقالة الجعد بن درهم وأخذها عنه جهم
"""
صفحة رقم 72 """
ابن صفوان وأظهرا فنسبت مقالة الجهمية إليه قال والجعد أخذها عن أبان بن سمعان وأخذها أبان من طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم وأخذها طالوت من لبيد اليهودي الذي سحر النبي ( صلى الله عليه وسلم )
قال وكان الجعد هذا فيما يقال من أهل حران
فيقال له أيها المدعي أن هذه المقالة مأخوذة من تلامذة اليهود قد خالفت الضرورة في ذلك فإنه ما يخفى على جميع الخواص وكثير من العوام أن اليهود مجسمة مشبهات فكيف يكون ضد التجسيم والتشبيه مأخوذا عنهم وأما المشركون فكانوا عباد أوثان وقد بينت الأئمة أن عبدة الأصنام تلامذة المشبهة وأن أصل عبادة الصنم التشبيه فكيف يكون نفيه مأخوذا عنهم وأما الصابئة فبلدهم معروف وإقليمهم مشهور وهل نحن منه أو خصومنا وأما كون الجعد ابن درهم من أهل حران فالنسبة صحيحة وترتيب هذا السند الذي ذكره سيسأله الله تعالى عنه والله من ورائه بالمرصاد وليت لو أتبعه أن سند دعواه وعقيدته أن فرعون ظن أن إله موسى في السماء
ثم أضاف المقالة إلى بشر المريسي وذكر أن هذه التأويلات هي التي أبطلتها الأئمة ورد بها على بشر وأن ما ذكره الأستاذ أبو بكر بن فورك والإمام فخر الدين الرازي قدس الله روحهما هو ما ذكره بشر وهذا بهرج لا يثبت على محك النظر القويم ولا معيار الفكر المستقيم فإنه من المحال أن تنكر الأئمة على بشر أن يقول ما تقوله العرب وهذان الإمامان ما قالا إلا ما قالته العرب وما الإنكار على بشر إلا فيما يخالف فيه لغة العرب وأن يقول عنها ما لم تقله
"""
صفحة رقم 73 """
ثم أخذ بعد ذلك في تصديق عزوته إلى المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم وشرع في النقل عنهم فقال قال الأوزاعي كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله تعالى ذكره فوق عرشه
فنقول له أول ما بدأت به الأوزاعي وطبقته ومن بعدهم فأين السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وأما قول الأوزاعي فأنت قد خالفته ولم تقل به لأنك قلت إن الله ليس فوق عرشه لأنك قررت أن العرش والسماء ليس المراد بهما إلا جهة العلو وقلت المراد من فوق عرشه والسماء ذلك فقد خالفت قول الأوزاعي صريحا مع أنك لم تقل قط ما يفهم فإن قررت أن السماء في العرش كحلقة ملقاة في فلاة فكيف تكون هي هو ثم من أين لك صحة هذا النقل عن الأوزاعي
وبعد مسامحتك في كل ذلك ما قال الأوزاعي الله فوق العرش حقيقة فمن أين لك هذه الزيادة
ونقل عن مالك بن أنس والثوري والليث والأوزاعي أنهم قالوا في أحاديث الصفات أمروها كما جاءت
فيقال له لم لا أمسكت على ما أمرت به الأئمة بل وصفت الله بجهة العلو ولم يرد بذلك خبر ولو بذلت قراب الأرض ذهبا على أن تسمعها من عالم رباني لم تفرح بذلك بل تصرفت ونقلت على ما خطر لك وما أمررت ولا أقررت ولا امتثلت ما نقلته عن الأئمة
وروى قول ربيعة ومالك الاستواء غير مجهول
فليت شعري من قال إنه مجهول بل أنت زعمت أنه لمعنى عينته وأردت أن تعزوه إلى الإمامين ونحن لا نسمح لك بذلك
"""
صفحة رقم 74 """
ثم نقل عن مالك أنه قال للسائل الإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعا
فأمر به فأخرج
فيقال له ليت شعري من امتثل منا قول مالك هل امتثلناه نحن حيث أمرنا بالإمساك وألجمنا العوام عن الخوض في ذلك أو الذي جعله دراسته يلقيه ويلفقه ويلقنه ويكتبه ويدرسه ويأمر العوام بالخوض فيه وهل أنكر على المستفتي في هذه المسألة بعينها وأخرجه كما فعل مالك رضي الله عنه فيها بعينها وعند ذلك يعلم أن ما نقله عن مالك حجة عليه لا له
ثم نقل عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون أنه قال وقد سئل عما جحدت به الجهمية أما بعد فقد فهمت فيما سألت فيما للسامعت الجهمية ومن خالفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير وكلت الألسن عن تفسير صفته وانحسرت العقول دون معرفة قدرته ردت عظمته العقول فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسيرة وإنما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق بالتقدير وإنما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان فأما الذي لا يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو وكيف يعرف قدر من لم يبدأ ومن لا يموت ولا يبلى وكيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهى يعرفه عارف أو يحد قدره واصف على أنه الحق المبين لا حق أحق منه ولا شيء أبين منه
والدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه فلا تكاد تراه صغيرا يحول ويزول ولا يرى له سمع ولا بصر بل ما يتقلب به
"""
صفحة رقم 75 """
ويحتال من عقله أعضل بك وأخفى عليك مما ظهر من سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين وخالقهم وسيد السادات وربهم
ثم نقل عنه الأحاديث الواردة في الصفات وذكر قوله ) والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ( قال فوالله ما دلهم على عظيم ما وصف من نفسه وما تحيط به قبضته إلا صغر نظرها منهم عندهم أن ذلك الذي ألقي في روعهم وخلق على معرفة قلوبهم فما وصف من نفسه فسماه على لسان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سميناه كما سماه ولم نتكلف منه صفة ما سواه لا هذا ولا هذا لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف
وبسط الماجشون كلامه في تقرير هذا
فنقول لهذا الحاكي نعم الحجة أتيت بها ولكن لنا ونعم السلاح حملت ولكن للعدى
أما كلام عبد العزيز رضي الله عنه وما ذكر من كبرياء الله وعظمته وأنها تحير العقول وتشده الفهوم فهذا قاله العلماء نظما ونثرا وأنت أزريت على سادات الأئمة وأعلام الأمة في ثاني صفحة نزغت بها حيث اعترفوا بالعجز والتقصير ونعيت عليهم ذلك وعددته عليهم ذنبا وأنت معذور وهم معذورون وجعلت قول عبد العزيز حجتك وقد ذكر في القبضة ما يقوله المتكلمون في كل موضع
"""
صفحة رقم 76 """
وأمر عبد العزيز أن يصف الرب بما وصف به نفسه وأن يسكت عما وراء ذلك وذلك قولنا وفعلنا وعقدنا وأنت وصفته بجهة العلو وما وصف بها نفسه وجوزت الإشارة الحسية إليه وما ذكرها ونحن أمررنا الصفات كما جاءت وأنت جمعت بين العرش والسماء بجهة العلو وقلت في السماء حقيقة وفي العرش حقيقة فسبحان واهب العقول ولكن كان ذلك في الكتاب مسطورا
ثم ذكر عن محمد بن الحسن اتفاق الفقهاء على وصف الرب ما جاء في القرآن وأحاديث الصفات
فنقول له نحن لا نترك من هذا حرفا وأنت قلت أصف الرب تعالى بجهة العلو وأجوز الإشارة الحسية إليه فأين هذا في القرآن وأخبار الثقات ما أفدتنا في الفتيا من ذلك شيئا
ونقل عن أبي عبيد الله القاسم بن سلام رضي الله عنه أنه قال إذا سئلنا عن تفسيرها لا نفسرها وأنه قال ما أدركنا أحدا يفسرها
فنقول له الحمد لله حصل المقصود ليت شعري من فسر السماء والعرش وقال معناهما جهة العلو ومن ترك تفسيرهما وأمرهما كما جاءا
ثم نقل عن ابن المبارك رضي الله عنه أنه قال يعرف ربنا بأنه فوق سمائه على عرشه بائن من خلقه ولا نقول كما تقول الجهمية إنه هاهنا في الأرض
فنقول له قد نص عبد الله أنه فوق سمائه على عرشه فهل قال عبد الله إن السماء والعرش واحد وهي جهة العلو
"""
صفحة رقم 77 """
ونقل عن حماد بن زيد أنه قال هؤلاء الجهمية إنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء شيء
فنقول له أيضا أنت قلت بمقالتهم فإنك صرحت بأن السماء ليس هي ذاتها بل المعنى الذي اشتقت منه وهو السمو وفسرته بجهة العلو فالأولى لك أن تنعى على نفسك ما نعاه حماد على الجهمية
ونقل عن ابن خزيمة أن من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ثم ألقي على مزبلة لئلا يتأذى به أهل القبلة وأهل الذمة
فيقال له الجواب عن مثل هذا قد تقدم على أن ابن خزيمة قد علم الخاص والعام حديثه في العقائد والكتاب الذي صنفه في التشبيه وسماه بالتوحيد ورد الأئمة عليه أكثر من أن يذكر وقولهم فيه ما قاله هو في غيره معروف
ونقل عن عباد الواسطي وعبد الرحمن بن مهدي وعاصم بن علي بن عاصم نحوا مما نقله عن حماد وقد بيناه
ثم ذكر بعد ذلك ما صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كانت زينب تفتخر على أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات
فنقول ليس في هذا الحديث أن زينب قالت إن الله فوق سبع سموات بل إن تزويج الله إياها كان من فوق سبع سموات
"""
صفحة رقم 78 """
ثم نقل عن أبي سليمان الخطابي ما نقله عن عبد العزيز الماجشون وقد بينا موافقتنا له ومخالفته لذلك
وحكاه أيضا عن الخطيب وأبي بكر الإسماعيلي ويحيى بن عمار وأبي إسماعيل الهروي وأبي عثمان الصابوني
وحكى عن أبي نعيم الأصبهاني أن الأحاديث الثابتة في الاستواء يقولون بها ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه وهو مستو على عرشه في سمائه دون أرضه
وحكاه عن معمر الأصبهاني وقد بينا لك غير ما مرة أنه مخالف لهذا وأنه ما قال به طرفة عين إلا ونقضه لأن السماء عنده ليست هي المعروفة وأن السماء والعرش لا معنى لهما إلا جهة العلو
وحكى عن عبد القادر الجيلي أنه قال الله بجهة العلو مستو على عرشه
فليت شعري لم احتج بكلامه وترك مثل جعفر الصادق والشبلي والجنيد وذي النون والمصري وجعفر بن نصير وأضرابهم رضي الله عنهم
وأما ما حكاه عن أبي عمر بن عبد البر فقد علم الخاص والعام مذهب الرجل ومخالفة الناس له ونكير المالكية عليه أولا وآخرا مشهور ومخالفته لإمام المغرب أبي الوليد الباجي معروفة حتى إن فضلاء المغرب يقولون لم يكن أحد بالمغرب يرى هذه المقالة غيره وغير ابن أبي زيد على أن العلماء منهم من قد اعتذر عن ابن أبي زيد بما هو موجود في كلام القاضي الأجل أبي محمد عبد الوهاب البغدادي المالكي رحمه الله
ثم إنه قال إن الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات ولم يعقل ما معنى في السماء على العرش من فوق سبع سموات
"""
صفحة رقم 79 """
ثم إن ابن عبد البر ما تأول هذا الكلام ولا قال كمقالة المدعي إن المراد بالعرش والسماء جهة العلو
ثم نقل عن البيهقي رحمه الله ما لا تعلق له بالمسألة وأعاد كلام من سبق ذكره
ثم ذكر بعد ذلك شيخنا أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري وأنه يقول الرحمن على العرش استوى ولا نتقدم بين يدي الله تعالى في القول بل نقول استوى بلا كيف
وهذا الذي نقله عن شيخنا هو نحلتنا وعقيدتنا لكن نقله لكلامه ما أراه إلا قصد الإيهام أن الشيخ يقول بالجهة فإن كان كذلك فلقد بالغ في البهت
وكلام الشيخ في هذا أنه قال كان ولا مكان فخلق العرش والكرسي فلم يحتج إلى مكان وهو بعد خلق المكان كما كان قبل خلقه
وكلامه وكلام أصحابه رحمهم الله يصعب حصره في إبطالها
ثم حكى ذلك عن القاضي أبي بكر وإمام الحرمين
ثم تمسك برفع الأيدي إلى السماء وذلك إنما كان لأجل أن السماء منزل البركات والخيرات فإن الأنوار إنما تنزل منها والأمطار وإذا ألف الإنسان حصول الخيرات من جانب مال طبعه إليه فهذا المعنى الذي أوجب رفع الأيدي إلى السماء وقال الله تعالى ) وفي السماء رزقكم وما توعدون (
ثم إن اكتفى بمثل هذه الدلالة في مطالب أصول العقائد فما يؤمنه من
"""
صفحة رقم 80 """
مدع يقول الله تعال في الكعبة لأن كل مصل يوجه وجهه إليها ويقول ) وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض (
أو يقول الله في الأرض فإن الله تعالى قال ) كلا لا تطعه واسجد واقترب ( والاقتراب بالسجود في المسافة إنما هو في الأرض
وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( أقرب ما يكون العبد في سجوده )
ثم ذكر بعد ذلك ما أجبنا عنه من حديث الأوعال
وذكر بعد ذلك ما لا تعلق له بالمسئلة وأخذ يقول إنه حكى عن السلف مثل مذهبه وإلى الآن ما حكى مذهبه عن أحد لا من سلف ولا من خلف غير عبد القادر الجيلي وفي كلام ابن عبد البر بعضه وأما العشرة وباقي الصحابة رضي الله عنهم فما نبس عنهم بحرف
ثم أخذ بعد ذلك في مواعظ وأدعية لا تعلق لها بهذا
ثم أخذ في سب أهل الكلام ورجمهم وما ضر القمر من نبحه
وقد تبين بما ذكرناه أن هذا الحبر الحجة يرجم فتياه أنه يقول ما قاله الله ورسوله والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ولم ينقل مقالته عن أحد من الصحابة
وإذا قد أتينا على إفساد كلامه وإيضاح إيهامه وإزالة إبهامه ونقض إبرامه وتنكيس أعلامه فلنأخذ بعد هذا فيما يتعلق بغرضنا وإيضاح نحلتنا فنقول وبالله التوفيق
على سامع هذه الآيات والأخبار المتعلقة بالصفات ما قدمناه من الوظائف وهي التقديس والإيمان والتصديق والاعتراف بالعجز والسكوت والإمساك عن التصرف في الألفاظ الواردة وكف الباطن عن التفكر في ذلك واعتقاده أن ما خفي عنه
"""
صفحة رقم 81 """
لم يخف عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا عن الصديق ولا عن أكابر الصحابة رضي الله عنهم
ولنأخذ الآن في إبراز اللطائف من خفيات هذه الوظائف فأقول وبالله المستعان
أما التقديس فهو أن يعتقد في كل آية أو خبر معنى يليق بجلال الله تعالى مثال ذلك إذا سمع قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ) وكان النزول يطلق على ما يفتقر إلى جسم عال وجسم سافل وجسم منتقل من العالي إلى السافل والزوال انتقال جسم من علو إلى سفل ويطلق على معنى آخر لا يفتقر إلى انتقال ولا حركة جسم كما قال تعالى ) وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ( مع أن النعم لم تنزل من السماء بل هي مخلوقة في الأرحام قطعا فالنزول له معنى غير حركة الجسم لا محالة
وفهم ذلك من قول الإمام الشافعي رضي الله عنه دخلت مصر فلم يفهموا كلامي فنزلت ثم نزلت ثم نزلت
ولم يرد حينئذ الانتقال من علو إلى سفل
فليتحقق السامع أن النزول ليس بالمعنى الأول في حق الله تعالى فإن الجسم على الله محال
وإن كان لا يفهم من النزول الانتقال فيقال له من عجز عن فهم نزول البعير فهو عن فهم نزول الله عز وجل أعجز
فاعلم أن لهذا معنى يليق بجلاله
وفي كلام عبد العزيز الماجشون السابق إلى هذا مرامز
وكذلك لفظة فوق الواردة في القرآن والخبر فليعلم أن فوق تارة تكون للجسمية وتارة للمرتبة كما سبق فليعلم أن الجسمية على الله محال
وبعد ذلك إن له معنى يليق بجلاله تعالى
"""
صفحة رقم 82 """
وأما الإيمان والتصديق به فهو أن يعلم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صادق في وصف الله تعالى بذلك وما قاله حق لا ريب فيه بالمعنى الذي أراده والوجه الذي قاله وإن كان لا يقف على حقيقته ولا يتخبطه الشيطان فيقول كيف أصدق بأمر جملي لا أعرف عينه بل يخزي الشيطان ويقول كما إذا أخبرني صادق أن حيوانا في دار فقد أدركت وجوده وإن لم أعرف عينه فكذلك هاهنا
ثم ليعلم أن سيد الرسل ( صلى الله عليه وسلم ) قد قال ( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) وقال سيد الصديقين رضي الله عنه العجز عن درك الإدراك إدراك
وأما الاعتراف بالعجز فواجب على كل من لا يقف على حقيقة هذه المعاني الإقرار بالعجز فإن ادعى المعرفة فقد كلف وكل عارف وإن عرف فما خفي عليه أكثر
وأما السكوت فواجب على العوام لأنه بالسؤال يتعرض لما لا يطيقه فهو إن سأل جاهلا زاده جهلا وإن سأل عالما لم يمكن العالم إفهامه كما لا يمكن البالغ تعليم الطفل لذة الجماع وكذلك تعليمه مصلحة البيت وتدبيره بل يفهمه مصلحته في خروجه إلى المكتب
فالعامي إذا سأل عن مثل هذا يزجر ويردع ويقال له ليس هذا بعشك فادرجي
وقد أمر مالك بإخراج من سأله فقال ما أراك إلا رجل سوء وعلاه الرحضاء وكذلك فعل عمر رضي الله عنه بكل من سأل عن الآيات المتشابهة وقال ( صلى الله عليه وسلم )
"""
صفحة رقم 83 """
(
إنما هلك من كان قبلكم بكثرة السؤال )
وورد الأمر بالإمساك عن القدر فكيف عن الصفات
وأما الإمساك عن التصرف في هذه الأخبار والآيات فهو أن يقولها كما قالها الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا يتصرف فيها بتفسير ولا تأويل ولا تصريف ولا تفريق ولا جمع
فأما التفسير فلا يبدل لفظ لغة بأخرى فإنه قد لا يكون قائما مقامه فربما كانت الكلمة تستعار في لغة دون لغة وربما كانت مشتركة في لغة دون لغة وحينئذ يعظم الخطب بترك الاستعارة وباعتقاد أن أحد المعنيين هو المراد بالمشترك
وأما التأويل فهو أن يصرف الظاهر ويتعلق بالمرجوح فإن كان عاميا فقد خاض بحرا لا ساحل له وهو غير سابح وإن كان عالما لم يجز له ذلك إلا بشرائط التأويل ولا يدخل مع العامي فيه لعجز العامي عن فهمه
وأما كف باطنه فلئلا يتوغل في شيء يكون كفرا ولا يتمكن من صرفه عن نفسه ولا يمكن غيره ذلك
وأما اعتقاده أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يعلم ذلك فليعلمه ولا يقس نفسه به ولا بأصحابه ولا بأكابر العلماء فالقلوب معادن وجواهر
ثم الكلام بعد هذا في فصلين أحدهما في تنزيه الله تعالى عن الجهة فنقول
الأول أن القوم إن بحثوا بالأخبار والآثار فقد عرفت ما فيها وأنهم ما ظفروا بصحابي ولا تابعي يقول بمقالتهم على أن الحق في نفس الأمر أن الرجال تعرف بالحق ولا يعرف الحق بالرجال وقد روى أبو داود في سننه عن معاذ رضي الله عنه
"""
صفحة رقم 84 """
أنه قال اقبلوا الحق من كل ما جاء به وإن كان كافرا أو قال فاجرا واحذروا زيغة الحكيم قالوا كيف نعلم أن الكافر يقول الحق قال إن على الحق نورا
ولقد صدق رضي الله عنه
ولو تطوقت قلادة التقليد لم نأمن أن كافرا يأتينا بمن هو معظم في ملته ويقول اعرفوا الحق بهذا
وإذا قد علمت أن القوم لا مستروح لهم في النقل فاعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يخاطب إلا أولى العقول والألباب والبصائر والقرآن طافح بذلك والعقل هو المعرف بوجود الله تعالى ووحدته ومبرهن رسالة أنبيائه إذ لا سبيل إلى معرفة إثبات ذلك بالنقل والشرع قد عدل العقل وقبل شهادته واستدل به في مواضع من كتابه كالاستدلال بالإنشاء على الإعادة وقوله تعالى ) وضرب لنا مثلا ونسي خلقه ( ولقد هدم الله تعالى بهذه الآية مباحث الفلاسفة في إنكار المعاد الجسماني
واستدل به على التوحيد فقال الله تعالى ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا (
وقال تعالى ) وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض (
وقال تعالى ) أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض (
وقال تعالى ) انظروا ماذا في السماوات والأرض (
"""
صفحة رقم 85 """
وقال تعالى ) قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا (
وقال تعالى ) سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم (
فيا خيبة من رد شاهدا قبله الله وأسقط دليلا نصبه الله
فهم يلغون مثل هذا ويرجعون إلى أقوال مشايخهم الذين لو سئل أحدهم عن دينه لم يكن له قوة على إثباته وإذا ركض عليه في ميدان التحقيق جاء سكيتا وقال سمعت الناس يقولون شيئا فقلته
وفي صحيح البخاري في حديث الكسوف ما يعرف به حديث هؤلاء في قبورهم
وبعد ذلك يقول العقل الذي هو مناط التكليف وحاسب الله تعالى الناس به وقبل شهادته ونصبه وأثبت به أصول دينه وقد شهد بخبث هذا المذهب وفساد هذه العقيدة وإنها آلت إلى وصفه تعالى بالنقائص تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا
وقد نبهت مشايخ الطريق على ما شهد به العقل ونطق به القرآن بأسلوب فهمته الخاصة ولم تنفر منه العامة
وبيان ذلك بوجوه
البرهان الأول
وهو المقتبس من ذي الحسب الزكي والنسب العلي سيد العلماء ووارث خير الأنبياء جعفر الصادق رضي الله عنه قال لو كان الله في شيء لكان محصورا
"""
صفحة رقم 86 """
وتقرير هذه الدلالة أنه لو كان في جهة لكان مشارا إليه بحسب الحس وهم يعلمون ذلك ويحوزون الإشارة الحسية إليه
وإذا كان في جهة مشارا إليه لزم تناهيه وذلك لأنه إذا كان في هذه الجهة دون غيرها فقد حصل فيها دون غيرها ولا معنى لتناهيه إلا ذلك وكل متناه محدث لأن تخصيصه بهذا المقدار دون سائر المقادير لا بد له من مخصص
فقد ظهر بهذا البرهان الذي يبده العقول أن القول بالجهة يوجب كون الخالق مخلوقا والرب مربوبا وأن ذاته متصرف فيها وتقبل الزيادة والنقصان تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا
البرهان الثاني
المستفاد من كلام الشبلي رضي الله عنه شيخ الطريق وعلم التحقيق في قوله الرحمن لم يزل والعرش محدث والعرش بالرحمن استوى
وتقريره أن الجهة التي يختص الله تعالى بها على قولهم تعالى الله عنها وسموها العرش إما أن تكون معدومة أو موجودة والقسم الأول محال بالاتفاق
وأيضا فإنها تقبل الإشارة الحسية والإشارة الحسية إلى العدم محال فهي موجودة وإذا كانت موجودة فإن كانت قديمة مع الله فقد وجد لنا قديم غير الله وغير صفاته فحينئذ لا يدرى أيهما الأولة
وهذا خبث هذه العقيدة
وإن كانت حادثة فقد حدث التحيز بالله تعالى فيلزم أن يكون الله قابلا لصفات نفسية حادثة تعالى الله عن ذلك
"""
صفحة رقم 87 """
البرهان الثالث
المستفاد من لسان الطريقة وعلم الحقيقة وطبيب القلوب والدليل على المحبوب أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه قال متى يتصل من لا شبيه له ولا نظير بمن له شبيه ونظير هيهات هيهات هذا ظن عجيب
وتقرير هذا البرهان أنه لو كان في جهة فإما أن يكون أكبر أو مساويا أو أصغر والحصر ضروري
فإن كان أكبر كان القدر المساوي منه للجهة مغايرا للقدر الفاضل منه فيكون مركبا من الأجزاء والأبعاض وذلك محال لأن كل مركب فهو مفتقر إلى جزئه وجزؤه غيره وكل مركب مفتقر إلى الغير وكل مفتقر إلى الغير لا يكون إلها
وإن كان مساويا للجهة في المقدار والجهة منقسمة لإمكان الإشارة الحسية إلى أبعاضها فالمساوي لها في المقدار منقسم
وإن كان أصغر منها تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فإن كان مساويا لجوهر فرد فقد رضوا لأنفسهم بأن إلههم قدر جوهر فرد
وهذا لا يقوله عاقل وإن كان مذهبهم لا يقوله عاقل لكن هذا في بادئ الرأي يضحك منه جهلة الزنج
وإن كان أكبر منه انقسم فانظروا إلى هذه النحلة وما قد لزمها تعالى الله عنها
البرهان الرابع
المستفاد من جعفر بن نصير رحمه الله وهو أنه سئل عن قوله تعالى ) الرحمن على العرش استوى ( فقال استوى بعلمه بكل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء
"""
صفحة رقم 88 """
وتقرير هذا البرهان أن نسبة الجهات إليه على التسوية فيمتنع أن يكون في الجهة
وبيان أن نسبتها إليه على التسوية أنه قد ثبت أن الجهة أمر وجودي فهي إن كانت قديمة مع الله لزم وجوده قديمين متميزين بذاتيهما لأنهما إن لم يتميزا بذاتيهما فالجهة هي الله تعالى والله هو الجهة تعالى الله عن ذلك
وإن لم تكن قديمة فاختصاصه بها إما أن يكون لأن ذاته اقتضت ذلك فيلزم كون الذات فاعلة في الصفات النفسية أو غير ذاتية فنسبة الجهات إلى ذاته على التسوية فمرجح جهة على جهة أو غير ذاتية فنسبة الجهات إلى ذاته على التسوية فمرجح جهة على جهة أمر خارج عن ذاته فلزم افتقاره في اختصاصه بالجهة إلى غيره والاختصاص بالجهة هو عين التحيز والتحيز صفة قائمة بذات المتحيز فلزم افتقاره في صفة ذاته إلى غيره وهو على الله تعالى محال
ثم اعلم أن هذه البراهين التي سردناها وتلقيناها من مشايخ الطريق فإنما استنبطوها من الكتاب العزيز ولكن ليس كل ما في الكتاب العزيز يعرفه كل أحد فكل يغترف بقدر إنائه وما نقصت قطرة من مائه
ولقد كان السلف يستنبطون ما يقع من الحروب والغلبة من الكتاب العزيز ولقد استنبط ابن برجان رحمه الله من الكتاب العزيز فتح القدس على يد صلاح الدين في سنته واستنبط بعض المتأخرين من سورة الروم إشارة إلى حدوث ما كان بعد سنة ثلاث وسبعين وستمائة ولقد استنبط كعب الأحبار رضي الله عنه من التوراة أن عبد الله بن قلابة يدخل إرم ذات العماد ولا يدخلها غيره وكان يستنبط منها ما يجري من الصحابة رضي الله عنهم وما يلاقيه أجناد الشام وذلك مشهور
"""
صفحة رقم 89 """
والله تعالى أنزل في كتابه ما يفهم أحد الخلق منه الكثير ولا يفهم الآخر من ذلك شيئا ولقد تختلف المراتب في استنباط الأحكام من كلام الفقهاء والمعاني من قصائد الشعراء
فأما ما ورد في الكتاب العزيز مما ينفي الجهة فتعرفه الخاصة ولا تشمئز منه العامة فمن ذلك قوله تعالى ) ليس كمثله شيء ( ولو حصرته جهة لكان مثلا للمحصور في ذلك البعض
وكذلك قوله تعالى ) هل تعلم له سميا ( قال ابن عباس رضي الله عنه هل تعلم له مثلا ويفهم ذلك من ) القيوم ( وبناء المبالغة في أنه قائم بنفسه وما سواه قائم به فلو قام بالجهة لقام به غيره
ويفهم من قوله تعالى ) المصور ( لأنه لو كان في جهة لتصور فإما أن يصور نفسه أو يصوره غيره وكلاهما محال
ويفهم من قوله تعالى ) ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ( ولو كان على العرش حقيقة لكان محمولا
ويفهم من قوله تعالى ) كل شيء هالك إلا وجهه ( والعرش شيء يهلك فلو كان سبحانه وتعالى لا في جهة ثم صار في جهة ثم صار لا في جهة لوجد التغير وهو على الله محال
"""
صفحة رقم 90 """
والمدعي لما علم أن القرآن طافح بهذه الأشياء وبهذا الإشارات قال هذه الأشياء دلالتها كالإلغاز
أو ما علم المغرور أن أسرار العقائد التي لا تحملها عقول العوام لا تأتي إلا كذلك وأين في القرآن ما ينفي الجسمية إلا على سبيل الإلغاز وهل تفتخر الأذهان إلا في استنباط الخفيات كاستنباط الشافعي رضي الله عنه الإجماع من قوله تعالى ) ويتبع غير سبيل المؤمنين ( وكاستنباط القياس من قوله تعالى ) فاعتبروا يا أولي الأبصار ( وكما استنبط الشافعي خيار المجلس من نهيه ( صلى الله عليه وسلم ) عن البيع على بيع أخيه
وزبدة المسألة أن العقائد لم يكلف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الجمهور منها إلا بلا إله إلا الله محمد رسول الله كما أجاب مالك الشافعي رضي الله عنهما ووكل الباقي إلى الله وما سمع منه ولا عن أصحابه فيها شيء إلا كلمات معدودات فهذا الذي يخفى مثله ويلغز في إفادته
الفصل الثاني
في إبطال ما موه به المدعي من أن القرآن والخبر اشتملا على ما يوهم ظاهره ما يتنزه الله تعالى عنه على قول المتكلمين فنقول
قال الله تعالى ) هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ ( الآية
دلت هذه الآية على أن من القرآن محكما ومنه متشابها والمتشابه قد أمر العبد برد تأويله إلى الله وإلى الراسخين في العلم فنقول بعد ذلك إنما لم تأت النبوة بالنص ظاهرا على المتشابهة
"""
صفحة رقم 91 """
لأن جل مقصود النبوة هداية عموم الناس فلما كان الأكثر محكما وألجمت العامة عن الخوض في المتشابه حصل المقصود لولا أن يقيض الله تعالى لهم شيطانا يستهويهم ويهلكهم ولو أظهر المتشابه لضعفت عقول العالم عن إدراكه
ثم من فوائد المتشابه رفعة مراتب العلماء بعضهم على بعض كما قال تعالى ) وفوق كل ذي علم عليم ( وتحصيل زيادة الأجور بالسعي في تفهمها وتفهيمها وتعلمها وتعليهما
وأيضا لو كان واضحا جليا مفهوما بذاته لما تعلم الناس سائر العلوم بل هجرت بالكلية ووضح الكتاب بذاته ولما احتيج إلى علم من العلوم المعينة على فهم كلامه تعالى ثم خوطب في المتشابه بما هو عظيم بالنسبة إليهم وإن كان الأمر أعظم منه كما نبه عليه عبد العزيز الماجشون في القبضة وكما قال تعالى في نعيم أهل الجنة ) في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب ( الآية
فهذا عظيم عندهم وإن كان في الجنة ما هو أعظم منه كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) حكاية على الله عز وجل ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )
نسأل الله العظيم أن يجعل فيها قرارنا وأن ينور بصيرتنا وأبصارنا وأن يجعل ذلك لوجهه الكريم بمنه وكرمه
ونحن ننتظر ما يرد من تمويهه وفساده لنبين مدارج زيغه وعناده ونجاهد في الله حق جهاده والحمد لله رب العالمين
"""
صفحة رقم 92 """
1303
محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدرة شيخنا في صحيح مسلم القاضي شمس الدين أبو المعالي ابن القماح
صاحب المجاميع المفيدة
مولده سنة ست وخمسين وستمائة
وسمع من إبراهيم بن عمر بن مضر وإسماعيل بن عبد القوي بن عزون والنجيب عبد اللطيف والعز عبد العزيز ابنى عبد المنعم الحراني وابن خطيب المزة وغيرهم
وكان ذكي القريحة قوي الحافظة حافظا لكثير من الفقه حسن الحفظ للقرآن كثير التلاوة
وحكم بالقاهرة مدة نيابة
توفي في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بالقاهرة
ووالده الشيخ علم الدين أحمد بن إبراهيم كان أيضا من أهل العلم والديانة المتينة وله النظم البديع وامتحن مرة بمحنة ذكر أنه نظم فيها أبياتا في ليلة لم ينفلق فجرها إلا وقد فرج عنه والأبيات
"""
صفحة رقم 93 """
اصبر على حلو القضاء ومره
واعلم بأن الله بالغ أمره
فالصدر من يلقى الخطوب بصدره
وبصبره وبحمده وبشكره
والحر سيف والذنوب لصفوه
صدأ وصيقله نوائب دهره
ليس الحوادث غير أعمال امرئ
يجزى بها من خيره أو شره
فإذا أصبت بما أصبت فلا تقل
أوذيت من زيد الزمان وعمره
واثبت فكم أمر أمضك عسره
ليلا فبشرك الصباح بيسره
ولكم على ناس أتى فرج الفتى
من سر غيب لا يمر بفكره
فاضرع إلى الله الكريم ولا تسل
بشرا فليس سواه كاشف ضره
واعجب لنظمي والهموم شواغل
يلهين عن نظم الكلام ونثره
وما أحسن قول شاعر العصر الشيخ جمال الدين ابن نباتة في هذا المعنى
لا تخش من غم كغيم عارض
فلسوف يسفر عن إضاءة بدره
إن تمس عن عباس حالك راويا
فكأنني بك راويا عن بشره
ولقد تمر الحادثات على الفتى
وتزول حتى ما تمر بفكره
هون عليك فرب أمر هائل
دفعت قواه بدافع لم تدره
ولرب ليل بالهموم كدمل
صابرته حتى ظفرت بفجره
"""
صفحة رقم 94 """
1304
محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الشيخ شمس الدين بن اللبان
تفقه على الفقيه نجم الدين بن الرفعة
وصحب في التصوف الشيخ ياقوت المقيم بالإسكندرية وكان الشيخ ياقوت من أصحاب سيدي الشيخ أبي العباس المرسي صاحب سيدي الشيخ أبي الحسن الشاذلي
وبرع ابن اللبان فقها وأصولا ونحوا وتصوفا ووعظ الناس وعقد مجلس التذكير بمصر وبدرت منه ألفاظ يوهم ظاهرها ما لا نشك في براءته منه فاتفقت له كائنة شديدة ثم نجاه الله تعالى
ودرس بالآخرة بالمدرسة المجاورة لضريح الشافعي رضي الله عنه
واختصر الروضة وبوب الأم ورتبها على المسائل والأبواب
ووقفت له على كتاب متشابه القرآن والحديث وهو مختصر حسن تكلم فيه على بعض الآيات والأحاديث المتشابهات بكلام حسن على طريقة الصوفية
توفي بالطاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة
"""
صفحة رقم 95 """
ومن الفوائد والملح عنه والأشعار
فمن شعره ما أورده في كتابه المتشابه في الربانيات
تشاغل عنا بوسواسه
وكان قديما لنا يطلب
محب تناسى عهود الهوى
وأصبح في غيرنا يرغب
ونحن نراه ونملي له
ويحسبنا أننا غيب
ونحن إلى العبد من نفسه
ووسواس شيطانه أقرب
ومن مناجاته في هذا الكتاب وهو مما أخذ عليه
إلهي جلت عظمتك أن يعصيك عاص أو ينساك ناس ولكن أوحيت روح أوامرك في أسرار الكائنات فذكرك الناسي بنسيانه وأطاعك العاصي بعصيانه وإن من شيء إلا يسبح بحمدك إن عصى داعي إيمانه فقد أطاع داعي سلطانك ولكن قامت عليه حجتك ولله الحجة البالغة ) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (
ومن كلامه فيه على حديث ( إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ) الحديث فيه إشارة إلى أن خشية سوء الخاتمة مخصوص بأهل أعمال الجنة وأما أهل الإخلاص لأعمال التوحيد فلا يخشى عليهم سوء الخاتمة ولهذا قال ( فيعمل بعمل أهل
"""
صفحة رقم 96 """
الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ) فافهم بذلك أن المقرب متقربان متقرب إلى الجنة بأعمالها ومتقرب إلى الله بذكره كما ثبت في ( أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني ) إلى قوله ( وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا )
وذلك يفهمك أن المتقرب إلى الله تعالى لا يمكن أن يبقى بينه وبينه ذراع لأن ذلك الذراع إن كان التقرب به مطلوبا من العبد لم يبق بعده مقدار يتقرب الله تعالى به إليه وحينئذ فيستلزم الخلف في خبره وهو محال وإن كان موعودا به من الله لزم تنجز وعده وتحقق القرب للعبد فلا يبقى بعد ولا دخول إلى النار فعلم أن ذلك الذراع مخصوص بأهل القرب إلى الجنة التي لا يلزم ممن يقرب إليها فافهمه فإنه بديع
انتهى
ومنه قال أنكر القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب الأحوذي ثبوت الرؤية في الموقف وقال إن نعيم الرؤية لا يكون إلا للمؤمنين في الجنة وأن ما جاء في الرؤية في الموقف فإنما هو على سبيل الامتحان والاختبار
والذي نعتقده ثبوت الرؤية وتعميمها للمؤمنين في الموقف على ما صح في الحديث وذلك صريح في قوله تعالى ) وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ( انتهى والله أعلم بالصواب
"""
صفحة رقم 97 """
1305
محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن عدلان بن محمود بن لاحق ابن داود الكناني الشيخ الإمام شمس الدين
سمع من العز الحراني والحافظ أبي محمد الدمياطي وأبي الحسن علي بن نصر الله بن الصواف
وتفقه على الشيخ وجيه الدين البهنسي
وقرأ الأصول على الشيخ شمس الدين محمد بن محمود الأصبهاني شارح المحصول والنحو على الشيخ بهاء الدين بن النحاس
وأفتى وناظر ودرس وأفاد وناب في الحكم عن شيخ الإسلام تقي الدين ابن دقيق العيد وأرسل رسولا إلى اليمن في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون
وشرح مختصر المزني ولم يكمله
وفي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة لما توجهنا إلى القاهرة في خدمة الشيخ الوالد رحمه الله عندما تسلطن السلطان الملك الناصر أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون ولي الأخ الشيخ بهاء الدين أبو حامد سلمه الله قضاء القضاة بالعساكر المنصورة ثم وقع نزاع كثير وولي الشيخ شمس الدين المشار إليه قضاء العسكر
وكان إماما عارفا بالمذهب مشارا إليه بالتقدم بين أهل العلم يضرب المثل باسمه
"""
صفحة رقم 98 """
مولده سنة نيف وستين وستمائة
وتوفي في الطاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة بالقاهرة
ومن الفوائد عنه
مناظرة بينه وبين الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في حد الورع لا يحضرني منها إلا أنه ادعى أن الورع ترك الشبهة وأن الشيخ الإمام الوالد قال الورع مراتب أدناها اجتناب الكبائر
ونقلت من خط الوالد جوابا عن مكاتبة أرسلت إليه في هذا المعنى ما نصه وأما كلام ابن عدلان في الورع فتعجبت منه والورع درجات أدناها كل مسلم مجتنب للكبائر متصف به
هذا في المصدر وأما اسم الفاعل فهو تابع للمصدر لكن قد يخص في العرف ببعض المراتب
والشروط هل تحمل على المسمى كما ذكره الفقهاء في السلم أو على رتبة خاصة إن دل العرف عليها فيه بحث
أما عند اضطراب العرف فلا شك في الحمل على المسمى
وهذه الكلمات يمكن أن تبسط في تصنيف ولسنا من أهل الورع إنما أهله سعيد بن المسيب وسفيان ومن المتأخرين النووي
انتهى ما نقلته من خط الشيخ الإمام
وكانت الواقعة في وقف اشترط واقفه في مباشرة الورع فأفتى الشيخ الإمام بالاكتفاء فيه بالعدالة لاضطراب العرف في حد الورع
"""
صفحة رقم 99 """
قال والعدالة أدنى مراتبه فيحمل عليها
وهذه مسئلة حسنة تقع كثيرا وخالفه فيها ابن عدلان
أفتى ابن عدلان في واقف مدرسة على الفقهاء والمتفقهة ومدرس ومعيدين وجماعة عينهم
قال ومن شروط المذكور أن لا يشتغلوا بمدرسة أخرى غير هذه المدرسة ولا يكون لواحد منهم تعلق بمدرسة أخرى ولا مباشرة بتجارة ولا بزازة يعرف بها غير تجارة الكتب ولا ولاية بأنه يجوز للمقرر في هذه المدرسة الجمع بينها وبين إمامة مسجد قريب منها
ووافقه شيخ الحنفية في زماننا قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية علاء الدين علي بن عثمان المارديني بن التركماني
قلت وفيه نظر لنص الشافعي على أن الإمامة ولاية حيث يقول ولا أكره الإمامة إلا من جهة أنها ولاية وأنا أكره سائر الولايات
"""
صفحة رقم 100 """
رأيت في كلام ابن عدلان أن شرائط المبيع ثمانية فذكر كونه طاهرا منتفعا به مقدورا على تسليمه مملوكا للعاقد أو لمن يقع له العقد معلوما وزاد سالما من الربا خالصا من مقارنة ما لا يجوز العقد عليه وأن لا يكون معرضا للعاهة
قال وقولنا سالما من الربا احتراز عما لو اشتمل على الربا
وقولنا خالصا إلى آخره احتراز عما لو جمع بين معلوم ومجهول فإنه لا يصح في الأصح
وقولنا وأن لا يكون معرضا للعاهة احتراز عما لو باع الثمر قبل بدو الصلاح أو الزرع الأخضر ولم يشترط القطع فإنه لا يصح
1306
محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز
شيخنا وأستاذنا الإمام الحافظ شمس الدين أبو عبد الله التركماني الذهبي محدث العصر
اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ بينهم عموم وخصوص المزي والبرزالي والذهبي والشيخ الإمام الوالد لا خامس لهؤلاء في عصرهم
فأما المزي والبرزالي والوالد فسنترجمهم إن شاء الله تعالى
"""
صفحة رقم 101 """
وأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة إماما لوجود حفظا وذهب العصر معنى ولفظا وشيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال في كل سبيل كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها
وكان محط رحال تغيبت ومنتهى رغبات من تغيبت
تعمل المطي إلى جواره وتضرب البزل المهاري أكبادها فلا تبرح أو تنبل نحو داره
وهو الذي خرجنا في هذه الصناعة وأدخلنا في عداد الجماعة جزاه الله عنا أفضل الجزاء وجعل حظه من غرفات الجنان موفر الأجزاء وسعده بدرا طالعا في سماء العلوم يذعن له الكبير والصغير من الكتب والعالي والنازل من الأجزاء
مولده في سنة ثلاث وسبعين وستمائة
وأجاز له أبو زكريا بن الصيرفي وابن أبي الخير والقطب ابن أبي عصرون والقاسم بن الإربلي
"""
صفحة رقم 102 """
وطلب الحديث وله ثماني عشرة سنة فسمع بدمشق من عمر بن القواس وأحمد بن هبة الله بن عساكر ويوسف بن أحمد الغسولي وغيرهم
وببعلبك من عبد الخالق بن علوان وزينب بنت عمر بن كندي وغيرهما
وبمصر من الأبرقوهي وعيسى بن عبد المنعم بن شهاب وشيخ الإسلام ابن دقيق العبيد والحافظين أبي محمد الدمياطي وأبي العباس بن الظاهري وغيرهم
ولما دخل إلى شيخ الإسلام ابن دقيق العيد وكان المذكور شديد التحري في الإسماع قال له من أين جئت قال من الشام قال بم تعرف قال بالذهبي قال من أبو طاهر الذهبي فقال له المخلص فقال أحسنت فقال من أبو محمد الهلالي قال سفيان بن عينة قال أحسنت اقرأ ومكنه من القراءة عليه حينئذ إذ رآه عارفا بالأسماء
وسمع بالإسكندرية من أبي الحسن علي بن أحمد الغرافي وأبي الحسن يحيى بن أحمد بن الصواف وغيرهما
وبمكة من التوزري وغيره
وبحلب من سنقر الزيني وغيره
وبنابلس من العماد بن بدران
وفي شيوخه كثرة فلا نطيل بتعدادهم
"""
صفحة رقم 103 """
وسمع منه الجمع الكثير وما زال يخدم هذا الفن إلى أن رسخت فيه قدمه وتعب الليل والنهار وما تعب لسانه وقلمه وضربت باسمه الأمثال وسار اسمه مسير الشمس إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر ولا يدبر إذا أقبل الليال
وأقام بدمشق يرحل إليه من سائر البلاد وتناديه السؤالات من كل ناد وهو بين أكنافها كنف لأهليها وشرف تفتخر وتزهى به الدنيا وما فيها طورا تراها ضاحكة عن تبسم أزهارها وقهقهة عذرانها وتارة تلبس ثوب الوقار والفخار بما اشتملت عليه من إمامها المعدود في سكانها
وكان شيخنا والحق أحق ما قيل والصدق أولى ما آثره ذو السبيل شديد الميل إلى آراء الحنابلة كثير الإزراء بأهل السنة الذين إذا حظروا كان أبو الحسن الأشعري فيهم مقدم القافلة فلذلك لا ينصفهم في التراجم ولا يصفهم بخير إلا وقد رغم منه أنف الراغم
"""
صفحة رقم 104 """
صنف التاريخ الكبير وما أحسنه لولا تعصب فيه وأكمله لولا نقص فيه وأي نقص يعتريه
والتاريخ الأوسط المسمى بالعبر وهو حسن جدا
والصغير المسمى دول الإسلام
وكتاب النبلاء
ومختصر تهذيب الكمال للمزي
والكاشف مختصر ذلك وهو مجلد نفيس
والميزان في الضعفاء وهو من أجل الكتب
والمغني في ذلك
وكتابا ثالثا في ذلك
ومختصر سنن البيهقي وهو حسن
ومختصر الأطراف للمزي
وطبقات الحفاظ
وطبقات القراء
وكتابا في الوفيات
ومختصرا آخر فيها يسمى بالإعلام
والتجريد في أسماء الصحابة
"""
صفحة رقم 105 """
والمجرد في أسماء رجال الكتب الستة
ومختصر المستدرك للحاكم
ومختصر تاريخ نيسابور للحاكم
ومختصر ذيل ابن الدبيثي
والمعجم الكبير والصغير
والمختص لمحدثي العصر
ومختصر المحلي لابن حزم
وكتاب نبأ الدجال
ومختصرات كثيرة
وقرأ القرآن بالروايات وأقرأه
توفي في ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة بالمدرسة المنسوبة لأم الصالح في قاعة سكنه
ورآه الوالد رحمه الله قبل المغرب وهو في السياق وقال له كيف تجدك فقال في السياق ثم سأله أدخل وقت المغرب فقال له الوالد ألم تصل العصر فقال بلى ولكن لم أصل المغرب إلى الآن وسأل الوالد رحمه الله عن الجمع بين المغرب
"""
صفحة رقم 106 """
والعشاء تقديما فأفتاه بذلك ففعله ومات بعد العشاء قبل نصف الليل
ودفن بباب الصغير حضرت الصلاة عليه ودفنه
وكان قد أضر قبل وفاته بمدة يسيرة
أنشدنا شيخنا الذهبي من لفظه لنفسه
تولى شبابي كأن لم يكن
وأقبل شيب علينا تولى
ومن عاين المنحنى والنقى
فما بعد هذين إلا المصلى
وأنشدنا لنفسه وأرسلها معي إلى الوالد رحمه الله وهي فيما أراه آخر شعر قاله لأن ذلك كان في مرض موته قبل موته بيومين أو ثلاثة
تقي الدين يا قاضي الممالك
ومن نحن العبيد وأنت مالك
بلغت المجد في دين ودنيا
ونلت من العلوم مدى كمالك
ففي الأحكام أقضانا علي
وفي الخدام مع أنس بن مالك
وكابن معين في حفظ ونقد
وفي الفتيا كسفيان ومالك
وفخر الدين في جدل وبحث
وفي النحو المبرد وابن مالك
وتسكن عند رضوان قريبا
كما زحزحت عن نيران مالك
تشفع في أناس في فراء
لتكسوهم ولو من رأس مالك
لتعطي في اليمين كتاب خير
ولا تعطي كتابك في شمالك
وذكر بعد هذا أبياتا على هذا النمط تتعلق بمدحي لم أذكرها وختمها بقوله
"""
صفحة رقم 107 """
وللذهبي إدلال الموالي
على المولى كحلمك واحتمالك
ومن نظمه أيضا في أسماء المدلسين
حد المدلسين ياذا الفكر
جبر الجعفي ثم الزهري
والحسن البصري قل مكحول
قتادة حميد الطويل
ثمت ابن عبد الملك القبطي
وابن أبي نجيح المكي
والثبت يحيى بن أبي كثير
والأعمش الناقل بالتحرير
وقل مغيرة أبو إسحاق
والمرئي الميمون باتفاق
"""
صفحة رقم 108 """
ثم يزيد بن أبي زياد
حبيب ثابت فتى الأجداد
أبو جناب وأبو الزبير
والحكم الفقيه أهل الخير
عباد منصور قل ابن عجلان
وابن عبيد يونس ذو الشان
ثم أبو حرة وابن إسحاق
حجاج أرطأة لكل مساق
ثم أبو سعد هو البقال
عكرمة الصغير يا هلال
"""
صفحة رقم 109 """
ثم ابن واقد حسين المروزي
وابن أبي عروبة اصغ تفز
وليد مسلم حكى بقيه
في حذف واه خلة دنيه
وقد كنت لما توفي شيخنا رثيته بقصيدة مطلعها
من للحديث وللسارين في الطلب
من بعد موت الإمام الحافظ الذهبي
من للرواية للأخبار ينشرها
بين البرية من عجم ومن عرب
من للدراية والآثار يحفظها
بالنقد من وضع أهل الغي والكذب
من للصناعة يدري حل معضلها
حتى يريك جلاء الشك والريب
من للجماعة أهل العلم تلبسهم
أعلامه الغر من أبرادها القشب
من للتخاريج يبديها ويدخل في
أبوابها فاتحا للمقفل الأشب
من في القراآت بين الناس نافعهم
وعاصم ركنها في الجحفل اللجب
من للخطابة لما لاح يرفل في
ثوب السواد كبدر لاح في سحب
"""
صفحة رقم 110 """
منها
بالله يا نفس كوني لي مساعدة
وحاذري جزع الأوصاب والرعب
فهذه الدار دار لا ذمام لها
ليست بنبع إذا عدت ولا غرب
وليس تبقى على حال وليس لها
عهد يمسك بالأوتاد والطنب
بينا يرى المرء في بحر المعزة ذا
خوض ترامت عليه ذلة النوب
والأمر من واصل الأيام منقطع
وعمر عامرها كالمربع الخرب
هذي المنية لا تنفك آخذة
ما بين محتقر فينا وذي نسب
هي السهام نصبنا نحوها غرضا
تصمي وتسلب كالعسالة السلب
وهو الحمام فلا تعجب عليه ولا
تعجب لديه فما في الموت من عجب
وإن تغب ذات شمس الدين لا عجب
فأي شمس رأيناها ولم تغب
هو الإمام الذي روت روايته
وطبق الأرض من طلابه النجب
مهذب القول لاعي ولجلجة
مثبت النقل سامي القصد والحسب
"""
صفحة رقم 111 """
ثبت صدوق خبير حافظ يقظ
في النقل أصدق أنباء من الكتب
كالزهر في حسب والزهر في نسب
والنهر في حدب والدهر في رتب
وهي طويلة فليقع الاقتصار على ما أوردناه
ومن الفوائد عنه
ويعجبني من كلام شيخنا أبي عبد الله الحافظ فصل ذكره بعد تصنيف كتاب الميزان وأنا مورد بعضه
قال قد كتبت في مصنفي المزيان عددا كثيرا من الثقات الذي احتج البخاري أو مسلم أو غيرهما بهم لكون الرجل منهم قد دون اسمه في مصنفات الجرح وما أوردتهم لضعف فيهم عندي بل ليعرف ذلك وما زال يمر بي الرجل الثبت وفيه مقال من لا يعبأ به ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة من الصحابة والتابعين والأئمة فبعض الصحابة كفر بعضهم بتأويل ما والله يرضى عن الكل ويغفر لهم فما هم بمعصومين ولا اختلافهم ومحاربتهم بالتي تلنيهم عندنا أصلا ولا بتكفير الخوارج لهم انحطت روايتهم بل صار كلام الخوارج والشيعة فيهم جرحا في الطاعنين فانظر إلى حكمة ربك نسأل الله السلامة
"""
صفحة رقم 112 """
وهكذا كثير من كلام الأقران بعضهم في بعض ينبغي أن يطوى ولا يروى
قال وسوف أبسط فصلا من هذا المعنى يكون فيصلا بين المجروحين المعتبر والمردود
فأما الصحابة فبساطهم مطوي وإن جرى ما جرى إذ العمل على عدالتهم وبه ندين الله
وأما التابعون فيكاد يعدم فيهم الكاذب عمدا ولكن لهم غلط وأوهام فمن نذر غلطه احتمل وكذا من تعدد غلطه وكان من أوعية العلم على تردد بين الأئمة في الاحتجاج بمن هذا نعته كالحارث الأعور وعاصم بن ضمره وصالح مولى التوأمة وعطاء بن السائب
ومن فحش خطؤه وكثر تفرده لم يحتج بحديثه ولا يكاد يقع ذلك في التابعين الأولين وإن وجد في صغار التابعين كمالك والأوزاعي فمن بعدهم فعلى المراتب المذكورة
وأما أصحاب التابعين فوجد في عصرهم من تعمد الكذب أو من كثر غلطه وتخبيطه فترك حديثه هذا مالك النجم الهادي بين الأمة وما سلم من
"""
صفحة رقم 113 """
الكلام فيه وكذا الأوزاعي ثقة حجة وربما انفرد ووهم وحديثه عن الزهري فيه شيء ما وقد قال فيه أحمد بن حنبل حديث ضعيف ورأي ضعيف
وقد تكلف لمعنى هذه اللفظة وكذا تكلم من لا يفهم في الزهري لكونه خضب بالسواد ولبس زي الجند وخدم عند هشام بن عبد الملك
وهذا باب واسع والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث
ثم ذكر جماعة من هذا الجنس أعني من لا يضرهم كلام من تكلم فيهم بل يضر المتكلم فمنهم الفضيل بن عياض فإنه ثقة سيد بلا نزاع
وقال أحمد بن أبي خيثمة سمعت قطبة بن العلاء يقول تركت حديث الفضيل بن عياض لأنه روى أحاديث أزرى فيها على عثمان بن عفان رضي الله عنه فلا يسمع كلام قطبة ومن هو قطبة
ومنهم محمد بن إدريس الشافعي الإمام الذي سارت الركبان بفضائله ومعارفه وثقتة وأمانته فهو حافظ ثبت نادر الغلط حتى إن أبا زرعة قال ما عند الشافعي حديث غلط فيه وقال أبو داود ما أعلم للشافعي قط حديثا خطأ وقد روي أن ابن معين قال فيه ليس بثقة
"""
صفحة رقم 114 """
قال الذهبي فقد آذى ابن معين نفسه بذلك ولم يلفت أحد إلى كلامه في الشافعي ولا إلى كلامه في جماعة من الأثبات كما لم يلتفتوا إلى توثيقه بعض الناس
قلت وقد قدمنا في ترجمة الأستاذ أبي منصور البغدادي أن ابن معين لم يعن الشافعي فانطوى هذا البساط
وأطال الذهبي النفس في هذا الموضع وأجاد فيه وقال في آخره فالشافعي من جلة أصحاب الحديث رحل فيه وكتب بمكة والمدينة والعراق واليمن ومصر ولقب ببغداد ناصر الحديث ولم يوجد له حديث غلط فيه والله حسيب من يتكلم بجهل أو هوى
نعم لم يكن الشافعي في الحديث كيحيى القطان وابن مهدي وأحمد بن حنبل وابن المديني بل ما هو في الحديث بدون الأوزاعي ولا مالك وهو في الحديث ورجاله وعلله فوق أبي مسهر وأشباهه
انتهى
قلت ونحن لا نسلم أن الشافعي في الحديث دون من ذكره وغاية الأمر أن الذي ظهر أن ذكره أكثر وما ذاك إلا لاشتغال الشافعي بما هو أهم من ترتيب قوانين الشريعة
ويكفي الشافعي شهادة المحدثين له بأنه ليس له حديث غلط فيه
ثم أورد الذهبي الذين لم يؤثر الكلام فيهم على حروف المعجم فعد فيهم إبراهيم ابن طهمان وإبراهيم بن سعد وأبان بن يزيد العطار وأبا ثور وأحمد بن صالح الطبري المصري وأبا نعيم الأصبهاني الحافظ والخطيب أبا بكر الحافظ وأبا مسعود أحمد بن الفرات الرازي الحافظ وأحمد بن حنبل وأحمد بن منصور الرمادي الحافظ وإسرائيل بن يونس وإسماعيل بن علية وابن راهويه وجعفر الصادق وجرير
"""
صفحة رقم 115 """
ابن حازم الأزدي وحبيبا المعلم وحرب بن شداد وحفص بن ميسرة وحمران بن أبان مولى عثمان وخالدا الحذاء وزكريا بن أبي زائدة والأعمش وعبد الرزاق وقيس بن أبي حازم ومالك بن دينار وهشام بن حسان وهمام بن يحيى والوليد بن مسلم ووهب بن منبه ويعلى بن عبيد الطنافسي وأبا إسحاق السبيعي وجماعة آخرين تركتهم اختصارا
وقد أجاد الشيخ رحمه الله فلا يخفى أن الكلام في هؤلاء وعدمه سواء ولا يؤثر الكلام فيهم شيئا ما وإذا عارض حديث أحدهم حديث من لم يقع فيه كلام لا نقول إنه يقدم عليه لأن الكلام فيهم لم يؤثر شيئا بل أقول لم يسلم أحد من أن يتكلم فيه بمثل ما تكمل في هؤلاء والله المستعان
قال لي شيخنا الذهبي مرة من في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالإجماع
فقلت يفيدنا الشيخ
قال عيسى ابن مريم عليه السلام فإنه من أمة المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) ينزل على باب دمشق ويأتم في صلاة الصبح بإمامها ويحكم بهذه الشريعة
"""
صفحة رقم 116 """
قلت وهذا ما أشرت إليه بقصيدتي التي نظمتها في المعاياة منها
من باتفاق جميع الخلق أفضل من
شيخ الصحاب أبي بكر ومن عمر
ومن علي ومن عثمان وهو فتى
من أمة المصطفى المختار من مضر
وبعد أن نظمت هذه الأبيات وقفت على قصيدة غراء لبعض الأدباء أحببت تخليدها في هذا الكتاب وهي
سلا صاحبي الجزع من أبرق الحمى
عن الظبيات الخرد البيض كالدمى
وعوجا على أهل الخيام بحاجر
ورامة من أهل العراق فسلما
وإن سفهت ريح الشمال عليكما
وريح الصبا في أرضها فتحلما
فبين الخيام أغيد يخطف الحشا
مريض جفون للصحيحات أسقما
يريك الدياجي إن غدا متجهما
وشمس الضحى إن ما بدا متبسما
ويفتر عن در يصان بهاؤه
ويحرس بالظلم الممنع واللما
كأن قضيب البان في ميسانه
رأى قده لما انثنى فتعلما
إذا الريح جالت حول عطفيه أصبحت
تهب نسيما ما أرق وأنعما
يقيد من تعريجه الصدغ عقربا
ويرسل من رجع الذؤابة أرقما
له في قلوب العالمين مهابة
تبلغه في حكمه ما تيمما
"""
صفحة رقم 117 """
وحثا إلى عبد الرحيم ركائبا
تحاكي قسي النبع فوقن أسهما
فتى جمعت فيه الفضائل راضعا
ونال العلى من قبل أن يتكلما
حليف التقى ترب الوقار مهذب الخلال
يرى كسب المحامد مغنما
يبيت نديما للسماح معاقرا
ويصبح صبا بالمعالي متيما
له خلق كالروض غب سمائه
تضوع مسكا أذفرا وتبسما
إذا جئتماه فامنحاه تحية
ملوكية أو كبراه وأعظما
وقولا له اسمع ما نقول ولا تكن
ضجورا به مستثقلا متبرما
رأيناك في أثناء قولك معجبا
بكونك أوفى الناس فهما وأعلما
فإن كنت من أهل الكتابة واثقا
بنفسك فيها لا تخاف تهضما
فما ألف من بعد ياء مريضة
مصاحبة عينا تخوفها العما
تظن إذا الراوي غدا ناطقا بها
زمير نعام في الفلاة ترنما
وياء إذا مدت غدت غير نفسها
وصارت حديثا عن جواك مترجما
وإن قصرت كانت غرابا بقفرة
يرود لكي يلقى خليلا وأينما
وسينا أضافوها إلى الدال مرة
فصرح بالشكوى لها ثم جمجما
يخاف إذا ما باح بالقول سطوة
من الصاد أو غشا من الميم مؤلما
"""
صفحة رقم 118 """
وما الكاف إن ردت إلى أصل خلقها
وما القاف إن أضحى لها متقدما
وستة أشياخ تخال شخوصها
إذا عكست نجم الثريا إذا سما
وحرفان محسوبان في العد سبعة
تريك غبار الجو طار ودوما
وإن كنت من أهل البلاغة جامع اللغات
بأنواع الأقاويل قيما
فما كلمات هن عرب صرائح
يعود الفصيح إن شداهن أعجما
وإن قلبت أعيانهن وصحفت
ترى مصقعا فيهن من كان أبكما
وما السيربان والجحوحة والضفا
ضفا الدار والسمر الغرانف والهما
وما الحمل والتيمات والزام بعده
وما الجعفريات تنزى وزغلما
وما السفح والفرغان والخنع والنقى
وقف التوالي والهبابة والجما
وما الخيعر المبثوث والشامخ الذي
يناط براعون ليصبح معلما
وما الحدب الهادي وما أجدب الكرى
وما عنجم إن كنت تعرف عنجما
وما الزبرق المائي إذا غاب نجمه
وما الزنبق الناوي إذا هو أنجما
"""
صفحة رقم 119 """
وما العنقفيس والملاحيح والكبى
وطارسة والفادحيات عظلما
وإن كنت ممن يدعي عربية
ويحقر في النحو الإمام المقدما
فما لفظة إن أعربت أصبحت لقى
يعاف بها المرء البليغ التكلما
وإن أهمل الإعراب فيها فمن غدا
بشيء سواها ناطقا كان مفحما
وما اسم إذا ثنيته وجمعته
تنصف فيهما رمته وتسهما
وحرف إذا أعملته صار معربا
وفعل إذا عديته صار مذغما
وما حرف عطف ليس يوجد عاطفا
إذا المرء آلى في المقال وأقسما
وحرفان للتوكيد ليسا لحاجة
يعدان يل يرجى أخو النقص منهما
وما مصدر قد ألزم الرفع دائما
وما اسمان إن فتشت بالجر ألزما
وما نون جمع تطلب الكسر شهوة
وتكره أن ترقى إلى الفتح سلما
ترى الكسر غنما في يديها محصلا
ويعتد ذاك الفتح خسرا ومغرما
وإن كنت في علم العروض ووزنه
وجمع القوافي للورى متقدما
فكيف السباح واللباس ونافد
إذا البيت زاد الوزن فيه وأخرما
وكيف السناد والرفاد إذا غدا
بوصل إلى أصل الزحاف قد انتما
وما كلمات الوزن إن كنت عارفا
بهن وما فعلان فيه وفعلما
وما الهزج المرمول إن رمت شرحه
عن القضيب والبيت الطويل إذا جما
"""
صفحة رقم 120 """
وما الجث في بحر الخفيف إذا غدا
سريعا فلاقى جانيا فترمرما
وما الكامل المحسوب في بحر إلفه
بسيطا إذا أضحى مذالا ململما
وما الخبل المطوي أصبح ناشرا
إذا هو بالتشعيث صار مهشما
وما الكف والقبض المضارع مشكل
بناء المديد بعد أن يتهدما
وما الثلم إن رمت اقتراب اتفاقه
وما الحذف إن ألفى بتارا وأثرما
وإن كنت في نظم القريض مجودا
وكنت عليه قادرا متحكما
فكيف يكون الرفع والقطع واصلا
فريد المعاني حين أصبح توأما
وكيف الروي المستقيم وما الذي
تقول إذا أنشأت تنعت عندما
وكيف ترى وصف السحاب وذكره
إذا أحفرت أهدابه وإذا همى
ووصف أثافي الديار إذا انطوت
محاسنها وابيض ما كان أسحما
وكيف خروج المدح والهجو بعده
جميعا إذا كان النسيب متمما
وما وصف دوح مطمئن قراره
يرى مضمحلا بالزيادة والنما
"""
صفحة رقم 121 """
وغادية كالطود تحسب جرسها
جوادا رأى الخيل العراب فحمحما
تميل إليها الغاديات رواجيا
جناها لتكسوهن وشيا منمنما
تحط بأغوار البلاد رحاها
وقد صافحت من قبل نسرا ومرزما
وإن كنت في القرآن أتقن حافظ
وأدرى بأصناف الخلاف وأفهما
فمن جعل الأحزاب تسعين آية
وزاد على التسعين عشرا فتمما
ومن جعل الفرقان من بعد فاطر
وصير قبل الكهف سورة مريما
وعمن روى ابن الحاجبية وحده
قراءته حتى على الناس قدما
ومن حقق الهمزات في سورة النسا
ولينها في العنكبوت وأدغما
ومن زاد في مد الحروف وهمزها
على ابن كثير أو أمال المفخما
ومن قال في القرآن عشرون سجدة
وست ويروي ذاك عمن تقدما
ومن شدد النون التي قبل ربه
وخفف لكن التي بعدها رمى
ومن وصل الآيات جحدا لقطعها
ومد الضحى من بعد ما قصر السما
ومن حذف الياءات من غير علة
وأنكر في القرآن تضعيف ربما
وإن كنت ذا فقه بدين محمد
على ذكره صلى الإله وسلما
فمن جعل الإجماع في البيع حجة
وصيره كالعرف ظنا مرجما
ومن رد ما قال ابن عباس عامدا
ودان بما قال ابن حفص توهما
وماذا يرى النعمان في أهل قرية
أقاموا إماما للأنام مجذما
وكيف ترى رأي ابن إدريس في فتى
عصى وغدا في فعله متأثما
"""
صفحة رقم 122 """
وما حجة الثوري فيما يقيسه
إذا لم يثبت فيه أصلا مسلما
وما رأى شيخ العلم مالك في امرئ
تمجس قصدا بعد ما كان أسلما
يحل إذا ما أحرم الناس بالضحى
وإما أحل الناس بالليل أحرما
وليس بذي ذنب يقاد بفعله
ولا قيل يوما قد أساء وأجرما
وإن كنت في حفظ النوائب أوحدا
تجمع من أخبارها وما تقسما
فمن فرض التعفير قبل صلاته
وأوجب في إثر الركوع التيمما
ومن جعل التسوير في الزند شرعة
ومن سن في إحدى اليدين التختما
ومن فرض الصوم الربيعين بعد أن
يصوم جمادى كله والمحرما
ومن حظر التزويج إلا بثيب
وصير تزويج البكار محرما
ومن أوجب التكبير بعد صلاته
على قومه فيما يقال وألزما
وقال زكاة المرء من نصف ماله
تكون وإلا صار نهبا مقسما
ومن قال إن البيع ليس بجائز
على المرء إلا أن يكون بعسرما
ومن طاف حول البيت سبعين مرة
يرى ذلك التطواف فرضا محتما
ومن فرض التسليم في كل ركعة
وأوجب فيها رنة وترنما
وإن كنت ممن يدعي علم سيرة
وحفظا لأخبار الأوائل محكما
فمن صام عن أكل الطعام نهاره
مع الليل يطوي الصوم حولا مجرما
"""
صفحة رقم 123 """
ومن طاف نحوا من ثمانين حجة
على حاجة ليست تماثل درهما
وفي يده أموال قارون كلها
ونمرود كنعان وأموال علقما
ومن قطع البحرين في بعض يومه
وواصل أقصى البر ساعة أعتما
ومن عاش ألفا بعد ألف كوامل
يعوذ بدر الثدي من خيفة الظما
ومن ملك الدنيا الخئون بأسرها
ثمانين يوما بعد عام تصرما
يذبح أولاد الأنام تجبرا
ويستحي للنسوان منهم تذمما
ومن هاب خوض النيل ساعة زخره
وخاض سواء البحر والبحر قد طما
ومن سار طول الأرض يوما وليلة
وعاد على أعقابه ما تلوما
لعمرك إنا قد سألناك هينا
ولم نقصد المعنى العويص المغمغما
ففكر ولا تعجل بما أنت قائل
وسر منجدا تبغي الجواب ومتهما
فإن أنت فيما قد سألنا بيانه
أصبت فحق أن تعز وتكرما
وإن أنت أخطأت الصواب ولم تعجب
فحقك أن يحثى عليك وترجما
فما لك علم بالأمور وإنما
قصاراك أن تروي كلاما منظما
"""
صفحة رقم 124 """
1307
محمد بن أحمد بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الولد العزيز تقي الدين أبو حاتم
ولد سيدي وأخي شيخ الإسلام بهاء الدين أبي حامد
هو الشاب المنغص على شبابه حبيب الشيخ الإمام وريحانته وأنيسه
ولد بالقاهرة في الثلث الأخير من ليلة ثالث وعشرين من رجب سنة خمس وأربعين وسبعمائة
وأجازه خلق
وسمع الحديث من جده الشيخ الإمام ومن خلق
وربي في حجر الشيخ الإمام بدمشق لا يكاد يفارقه وحل من قلبه بالمنزلة الرفيعة وحفظ القرآن العظيم وختم في سنة خمس وخمسين وسبعمائة ولم يزل عند جده بدمشق إلى أن عرض للشيخ الإمام الضعف فسفره أمامه إلى القاهرة في ربيع الأول سنة ست وخمسين ثم لحقه الشيخ الإمام
وكان قبل أن يسفره أحب أن يلقى درسا ويحضره قبل وفاته فعمل درسا درس به بالمدرسة العادلية الكبرى اجتمع فيه العلماء الشيخ الإمام فمن دونه وابتهج به الشيخ الإمام وحضره مع مرضه لكنه حمل نفسه وحمله حبه له
ثم استمر أبو حاتم في القاهرة
وحفظ التنبيه وغيره وجد في الاشتغال على والده وغيره
"""
صفحة رقم 125 """
وقرأ النحو على الشيخ جمال الدين بن هشام ولازم حلقة الشيخ جمال عبد الرحيم الإسنائي إلى أن نزل له والده عن تدريس المدرسة المنصورية فدرس بها
وحضر عنده قضاة القضاء الأربعة قاضي القضاة عز الدين بن جماعة الشافعي ورفقاؤه
ودرس أيضا بالسيفية والكهارية أصالة وبقبة الشافعي رضي الله عنه نيابة عن والده
وخطب بالجامع الطولوني وحضر مشيخة الميعاد فيه
وكان شابا دينا عاقلا أحسن الله عزاءنا فيه ورحمه
توفي في طاعون القاهرة عند طلوع الشمس من يوم الأربعاء ثامن عشر رجب سنة أربع وستين وسبعمائة رحمه الله رحمة واسعة لقد أحرق القلوب وشق الجيوب ألهم الله والده وألهمني معه الصبر على فقده لقد خالطته بعد كبرة نحو تسعة أشهر من شعبان سنة ثلاث وستين إلى ربيع الآخر من سنة موته يبيت ويصبح عندي فوالله ما اغتطت منه قط ولا نقمت عليه شيئا في دينه فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وكان ينظم الشعر ويحسن ترتيب الدروس كنت أحضر عنده بالمنصورية فيدرس بأبهة وتأت صبرنا الله على فقده إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب سبحانه وتعالى
"""
صفحة رقم 126 """
1308
محمد بن أحمد بن عيسى بن رضوان القليوبي القاضي فتح الدين بن كمال الدين بن ضياء الدين
تفقه على والده وقد تقدم ذكر والده وجده في الطبقة السادسة وكان فقيها شاعرا مجيدا
ولي القضاء بأشموم ثم بأبيار ثم ولي قضاء صفد ثم انصرف منها وعاد إلى الديار المصرية وتقلبت به الأحوال
ومن شعره وقد أرسل له بعضهم بسرا كبير النوى
أرسلت لي بسرا حقيقته نوى
عار فليس لجسمه جلباب
ولئن تباعدت الجسوم فودنا
باق ونحن على النوى أحباب
وأنعم عليه الصاحب تاج الدين بتفصيلة فكتب إليه
يأيها المولى الوزير الذي
أفضاله أوجب تفضيله
أحسنت إجمالا ولم ترض بالإجمال
إذا أرسلت تفصيله
وشعره كثير منشور حسن مسطور
توفي في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة
"""
صفحة رقم 127 """
1309
محمد بن إسحاق بن إبراهيم السلمي القاضي تاج الدين المناوي
خليفة قاضي القضاة عز الدين بن جماعة على الحكم بالديار المصرية
كان عارفا بالمحاكمات فقيها ناهضا
سمع الحديث من ست الوزراء ابنة المنجا وأحمد بن أبي طالب الحجار وغيرهما
وحدث ودرس بالمشهد الحسيني بالقاهرة وغيره
وولي قضاء العسكر وحكم بين المسلمين خلافة عن قاضي القضاة عز الدين مدة مديدة
توفي في سادس شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وسبعمائة بالقاهرة
"""
صفحة رقم 128 """
1310
محمد بن إسحاق بن محمد بن المرتضى الشيخ عماد الدين البلبيسي
وقفت له على ترجمته لشخص قال فيها هو محمد بن إسحاق بن محمد بن المرتضى الشافعي المشهور بالبلبيسي نقلته من خطه رحمه الله لقبه عماد الدين
الفقيه الأصولي الصوفي الذكي
اشتغل بمصر على الفقيه نجم الدين بن الرفعة والشيخ جمال الدين الوجيزي والشيخ شرف الدين القلقشندي والظهير التزمنتي والشيخ عز الدين ابن مسكين وغيرهم
وكان ملازما للشيخ نجم الدين كثيرا وعنه أخذ وبه مهر في الفقه
وبحث مع الشيخ نجم الدين القمولي والشيخ نجم الدين بن عقيل البالسي
وفاق على أقرانه في ذلك الزمان واشتغل بالاشتغال بمصر وانتفع به خلق كثير
وأجاز جماعة بالإقراء بمصر منهم تلميذه الفقيه تقي الدين الببائي وكان المذكور له من الذكاء والفهم حظ وافر
"""
صفحة رقم 129 """
ولي الشيخ عماد الدين مدرسة الخانقاه المعروفة بأرسلان بالمنشأة بين القاهرة ومصر ثم ولي قضاء الإسكندرية عن الملك الناصر محمد بن قلاوون فأقام بها مدة ثم حصلت له محنة طلب منه أخذ أموال الأيتام للسلطان فامتنع فعزل ووضع من مقداره بسبب ذلك
ثم ولي تصدير المدرسة الملكية الجوكندار بالقاهرة المحروسة قريبا من المشهد الحسيني أقام بها يشغل الطلبة من الظهر إلى العصر كل يوم خلا أيام الجمع والثلاثاء لا يشغله عن ذلك شاغل حتى كان يحضر في بعض الأيام من بيته ماشيا وكان بعيدا وبعض الأيام يركب مكاريا وإذا ركب لا يكري إلا دابة ضعيفة محتقرة وكان يقول هذا ربما لا يقصده الناس كثيرا فأنا أريد بره والغرض يحصل وبعض أوقاته يركب بغلته
وكان فقيرا لم تحصل له قط كفايته وكان معلوم التصدير نحو ثمانين درهما نقرة في الشهر ليس له غيرها وصبر على ذلك إلى أن توفاه الله
وكان مجتهدا في أشغال الطلبة حتى إنه يأمرهم بالكتابة لما يشرحه لهم ويحفظونه ويستدعي عرض ذلك منهم
"""
صفحة رقم 130 """
وكان مولعا بذكر الألغاز في الفقه وغيره
كتابه التنبيه والحاوي الصغير وكان يعظم الحاوي ويحث الطلبة على الاشتغال به وشرحه ولم يخرجه وشرح قطعة من التنبيه
وكان شديد الإعتقاد في الفقراء يمشي إليهم ويتبرك بدعائهم وجرى له مع شخص مكاري ركب معه من القاهرة إلى مصر قبل أن يلي قضاء الإسكندرية مكاشفة فلما ركب خطر في خاطره بغلة وجارية تركية مليحة وإذا المكاري قال له يا فقيه شوشت علينا أو ما هذا معناه بغلة وجارية بغلة وجارية يحصل لك ذلك فلما ولي قضاء الإسكندرية ركب البغلة وملك الجارية تركية مليحة
كان رحمه الله نخبة الزمان جليسه لا يمله درسه بستان حوى العلوم ونزهة تزيل هم كل مهموم ساعة في الفقه وساعة في النحو وساعة في حكايات مستظرفة وأشعار مستلطفة
حكى لنا في درسه العام قال كنت ملازما للشيخ نجم الدين بن الرفعة وكان منديله دائما فيه شيء من الذهب فقام يوما مسرعا من الدرس فتبعته فقال خذ هذا المنديل معك ودخل الخلاء لقضاء حاجته ثم خرج وهو ينشد
علة البول والخرا
حيرا كل من ترى
فهما آفة الورى
سهلا أم تعسرا
وأنشدنا للشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد رحمه الله
لعمري لقد قاسيت بالفقر شدة
وقعت بها في حيرتي وشتاتي
"""
صفحة رقم 131 """
فإن بحت بالشكوى هتكت مروءتي
وإن لم أبح بالضر خفت مماتي
فأعظم به من نازل بملمة
يزيل حيائي أو يزيل حياتي
أفادنا رحمه الله فوائد كثيرة غريبة منها فرعان غريبان قال سمعتهما من الشيخ نجم الدين بن عقيل البالسي وكان من العلماء الفضلاء قال رأيتهما في كتاب ولم يحضرني ذكره وهو
لو كتب آية وطمسها بالمداد أو آية مقطعة الحروف فهل يحل للجنب مسها أو كتابتها في المسئلة وجهان
إذا قلنا يجوز اتخاذ آنية الذهب والفضة فينبغي أن يكون بيعها إذا بيعت بجنسها كبيع آلات الملاهي لأنها محرمة الاتخاذ كهي
الوجه الصائر إلى أن حد الضبة في الكبر والصغر أن الكبير قدر النصاب والصغير دونه
قلت فيه نظر لأن النصاب يطلق بإزاء نصاب السرقة وبإزاء نصاب الزكاة ونصاب الزكاة مختلف في قدره فأي نصاب أريد والأولى أن يحمل على نصاب السرقة هذا ما ظهر لي
فائدة في السواك
السواك مطهرة للفم مرضاة للرب مفرح للملائكة مسخط للشيطان يزيد في الثواب ويقوي البصر وأصول الشعر ويشد اللثة ويقطع البلغم ويحل عقد اللسان ويزيد في الذكاء ويقوي الباءة ويكثر الرزق ويزيل تغير الرائحة الكريهة والقلح ويهون سكرات الموت نقل ذلك بعض مشايخنا رضي الله عنهم
نقل عن تطريز الوجيز في نتف الشيب أنه سفه ترد به الشهادة
"""
صفحة رقم 132 """
لا يشترط في المنوي تحقق فعله بل إمكانه حتى لو نوى أن يصلي بوضوئه أول رمضان صلاة العيد صح وكذا لو نوى بوضوئه لصلاة العيد أن يصلي ركعتي الطواف بمكة صح لأن العقل لا يحيله وإن خالف العادة
سؤال فيه إبهام على الفطن لو رأى في بعض بدنه نجاسة وخفي عليه موضعها كيف يصنع
جوابه يغسل جميع ما يمكنه رؤيته له من بدنه لا ما لا يمكن رؤيته فإنه لا يجب غسله
وفوائده كثيرة
توفي رحمه الله في سنة تسع وأربعين وسبعمائة عام الطاعون بمنزلة المجاور لمدرسة الملك الجوكندار ودفن بتربة المقر السيفي قشتمر خارج القاهرة
قلت هذا ما أشرت إليه في قصيدتي التي نظمتها في المعاياة منها
"""
صفحة رقم 133 """
سل لي أخا الفكر والتنقيب والسهر
ما اسم هو الحرف فعلا غير معتبر
وأي شكل به البرهان منتهض
ولا يعد من الأشكال والصور
"""
صفحة رقم 134 """
وأي بيت على بحرين منتظم
بيت من الشعر لا بيت من الشعر
وأي ميت من الأموات ما طلعت
بموته روحه في ثابت الخبر
ولا يضاف إلى البحرين واختلفوا
فيه وجاءوا بقول غير مختصر
"""
صفحة رقم 135 """
من عد في أمراء المؤمنين ولم
يحكم على اثنين من بدو ولا حضر
ولم يكن قرشيا حين عد ولا
يجوز أن يتولى إمرة البشر
من باتفاق جميع الخلق أفضل من
شيخ الصحاب أبي بكر ومن عمر
"""
صفحة رقم 136 """
ومن علي ومن عثمان وهو فتى
من أمة المصطفى المبعوث من مضر
من أبصرت في دمشق عينه صنما
مصورا وهو منحوت من الحجر
إن جاع يأكل وإن يعطش تضلع من
ماء نمير زلال ثم منهمر
من قال إن الزنى والشرب مصلحة
ولم يقل هو ذنب غير مغتفر
من قال إن النكاح الأم يقرب من
تقوى الإله مقالا غير مبتكر
من قال سفك دماء المسلمين على الصلاة
أوجبه الرحمن في الزمر
من كان والدها ابنا في الأنام لها
وذاك غير عجيب عند ذي النظر
"""
صفحة رقم 137 """
وهات قل لي إبراهيم أربعة
بعض عن البعض من هم تحظ بالظفر
وهكذا خلف من الرواة كذا
محمد في المغازي جاء والسير
وما اللقيقة جاءت والسحيقة في
غريب ما صح مما جاء في الأثر
وعن فتاة لها زوجان ما برحا
تزوجت ثالثا حلا بلا نكر
"""
صفحة رقم 138 """
وآخر راح يشري طعم زوجته
فعاد وهو على حال من العبر
قالت له أنت عبدي قد وهبتك من
زوج تزوجته فاخدمه واصطبر
وخمسة من زناة الناس خامسهم
ما ناله بالزنى شيء من الضرر
والقتل والرجم والجلد الأليم مع التغريب
وزع في الباقين فافتكر
"""
صفحة رقم 139 """
1311
محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة ابن حازم بن صخر شيخنا قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله الكناني الحموي
حاكم الإقليمين مصرا وشاما وناظم عقد الفخار الذي لا يسامى متحل بالعفاف متخل إلا عن مقدار الكفاف محدث فقيه ذو عقل لا يقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه
مولده في شهر ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وستمائة بحماة
"""
صفحة رقم 140 """
ولي قضاء القدس مدة ثم درس بالقيمرية بدمشق ثم ولي خطابة القدس وقضاءها ثانيا ثم نقل منها إلى قضاء القضاة بالديار المصرية ثم ولي قضاء دمشق وخطابتها ثم أعيد إلى قضاء الديار المصرية وسار في القضاء سيرة حسنة وأضر بالآخرة
سمع بديار مصر من أصحاب البوصيري ومن ابن القسطلاني وأجازه ابن مسلمة وغيره
وقرأ بدمشق على أصحاب الخشوعي وسمعنا الكثير عليه
مات بمصر في ليلة الاثنين الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة ودفن بالقرافة
أخبرن شيخنا قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جماعة قراءة عليه وأنا حاضر في الثالثة أخبرنا أبو الفرج بن أبي محمد عبد المنعم بن أبي الحسن على النميري بقراءتي عليه أخبركم الشيخ أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعد بن صدقة بن كليب قراءة عليه أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان الرزاز قراءة عليه قال حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار أخبرنا الحسن بن عرفة أخبرنا عمار بن محمد عن الصلت ابن قويد الحنفي قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول سمعت خليلي
"""
صفحة رقم 141 """
أبا القاسم ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( لا تقوم الساعة حتى لا تنطح ذات قرن جماء )
رواه سفيان بن وكيع عن زيد بن الحباب عن عمار بن محمد هو غاية في العلو
أخبرنا قاضي القضاة بدر الدين حضورا أخبرنا الشيخ الفقيه أبو الحسن علي ابن الشيخ الزاهد أبي العباس المعروف بابن القسطلاني قال سمعت والدي الإمام أبا العباس يقول سمعت الشيخ الإمام أبا عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم القرشي رضي الله عنه يقول علامة الصادق أن يفتقر بإيمانه إلى كل إيمان وبعقله إلى كل عقل وبعلمه إلى كل علم
أنشدنا قاضي القضاة بدر الدين حضورا أنشدنا الإمام أبو الحسن علي بن أحمد أنشدنا الإمام الحافظ أبو الحسن الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المالكي إملاء لنفسه
(
أعم خلائق الإنسان نفعا وأقربها إلى ما فيه راحه )
(
أداء أمانة وعفاف نفس
وصدق مقالة وسماح راحه )
ومن شعر قاضي القضاة بدر الدين ما أنشدنيه ولده سيدنا قاضي القضاة عز الدين أبو عمر عبد العزيز بقراءتي عليه بالقاهرة قال أنشدنا والدي لنفسه
(
جهات أموال بيت المال سبعتها
في بيت شعر حواها فيه كاتبه )
(
خمس وفيء خراج جزية عشر وإرث فرد ومال ضل صاحبه )
"""
صفحة رقم 142 """
وأنشدنا مولانا قاضي القضاة عز الدين أيضا بقراءتي عليه قال أنشدني والدي لنفسه
أحن إلى زيارة حي ليلى
وعهدي من زيارتها قريب
وكنت أظن قرب العهد يطفي
لهيب الشوق فازداد اللهيب
وأنشدني أيضا بقراءتي عليه قال أنشدني والدي لنفسه
أهني بشهر الصوم من لو بثثته
عظيم اشتياقي رق مما أعانيه
وأشكو إليه حسدا لو بلي بهم
شوامخ حسمى هدها ما تقاسيه
ومن كان لا يرضيه من حالتي سوى
خلاف مراد الله ما حيلتي فيه
ومن شعره أيضا
قالوا شروط الدعاء المستجاب لنا
عشر بها بشر الداعي بإفلاح
طهارة وصلاة معهما ندم
وقت خشوع وحسن الظن يا صاح
وحل قوت ولا يدعى بمعصية
واسم يناسب مقرون بإلحاح
من كتاب كشف المعاني لابن جماعة ذكر في الجمع بين الرحمن والرحيم في البسملة أن أحسن ما يقال فيه ولم نجده لغيره أن فعلان مبالغة في كثرة الشيء ولا يلزم منه الدوام كغضبان وفعيل لدوام الصفة كظريف فكأنه قيل العظيم الرحمة الدائمها
قال وإنما قدم الرحمن على الرحيم لأن رحمته في الدنيا تعم المؤمنين والكافرين وفي الآخرة دائمة لأهل الجنة ولذلك يقال رحمن الدنيا ورحيم الآخرة
"""
صفحة رقم 143 """
وفي البقرة ) رب اجعل هذا بلدا آمنا ( وفي إبراهيم ) رب اجعل هذا البلد آمنا ( لأن آية البقرة دعا بها إبراهيم عن نزول إسماعيل وهاجر في الوادي قبل بناء مكة وآية سورة إبراهيم بعد عوده إليها وبنائها
في البقرة ) وما أهل به لغير الله ( وفي المائدة والأنعام والنحل ) لغير الله به ( لأن آية البقرة وردت في سياق المأكول وحله وحرمته فكان تقدم ضمير قد تعلق الفعل به أهم وآية المائدة وردت بعد تعظيم شعائر الله وأوامره وكذلك آية النحل بعد قوله ) واشكروا نعمة الله ( فكان تقدم اسمه أهم
وأيضا فآية النحل والأنعام نزلتا بمكة فكان تقديم ذكر الله بترك ذكر الأصنام على ذبائحهم أهم لما يجب من توحيده وإفراده بالتسمية على الذبائح
وآية البقرة نزلت بالمدينة على المؤمنين لبيان ما يحل وما يحرم فقدم الأهم فيه
قوله تعالى ) تلك حدود الله فلا تقربوها ( وقال بعد ) فلا تعتدوها ( لأنه أشار بالحدود في الأول إلى نفس المحرمات في الصيام والاعتكاف من الأكل والشرب والوطء والمباشرة فناسب ) فلا تقربوها (
وفي الثانية إلى المأمورات في أحكام الحل والحرمة في نكاح المشركات وأحكام الطلاق والعدد والإيلاء والرجعة وحصر الطلاق في الثلاث والخلع فناسب ) فلا تعتدوها (
"""
صفحة رقم 144 """
أي قفوا عندها ولذلك قال بعد ذلك ) وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون (
قوله ) متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ( وقال بعد ذلك ) وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ( فأتى بالإحسان في الأولى وبالتقوى في الثانية لأن الأولى في مطلقة قبل الفرض والدخول فالإعطاء في حقها إحسان وإن أوجبه قوم لأنه لافى مقابلة شيء فناسب المحسنين
والثانية في الرجعية والمراد بالمتاع عند المحققين النفقة ونفقة الرجعية واجبة فناسب حق المتقين
ورجح أن المراد به النفقة أنه ورد عقب قوله ) متاعا إلى الحول ( والمراد به النفقة وكانت واجبة قبل النسخ ثم قال ) وللمطلقات ( فظهر أنه النفقة في عدة الرجعية بخلاف البائن بخلع فإن الطلاق من جهتها فكيف تعطى المتعة التي شرعت جبرا للكسر بالطلاق وهي الراغبة فيه فظهر أن المراد بالمتاع هنا النفقة زمن العدة لا المتعة
وللعلماء في هاتين الآيتين اضطراب كثير وما ذكرته أظهر لأنه تقدم حكم الخلع وحكم عدة الموت وحكم المطلقة بعد التسمية وبقي حكم المطلقة الرجعية فيحمل عليه
"""
صفحة رقم 145 """
في ) يخرجهم من الظلمات إلى النور ( أفرد ) النور ( لأن دين الحق واحد وجمع ) الظلمات ( لأن الكفر أنواع
في البقرة ) لا يقدرون على شيء مما كسبوا ( لأن المثل للعامل فكان تقديم نفي قدرته وصلتها وهي ) على شيء ( أنسب
وفي سورة إبراهيم ) مما كسبوا على شيء ( لأن المثل للعمل لقوله تعالى ) مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم ( تقديره مثل أعمال الذي كفروا فكان تقديم ) ما كسبوا ( أنسب لأن صلة ) شيء ( وهو الكسب
وفي البقرة ) فيغفر لمن يشاء ( قدم المغفرة وفي المائدة قدم ) يعذب من يشاء ( لأن آية البقرة جاءت ترغيبا في المسارعة إلى طلب المغفرة وإشارة إلى سعة رحمة الله وآية المائدة جاءت عقب ذكر السارق والسارقة فناسب ذكر العذاب
قوله في آل عمران ومريم ) وإن الله ربي وربكم ( وفي الزخرف
"""
صفحة رقم 146 """
)
إن الله هو ربي وربكم ( لأنه تقدم في السورتين من الآيات الدالة على توحيد الرب وقدرته وعبودية المسيح له ما أغنى عن التأكيد بخلاف الزخرف
في يونس ) ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ( قدم الضرر لتقدم ) إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ( وفي الفرقان ) ما لا ينفعهم ولا يضرهم ( لتقدم ذكر النعم
ونظيره تقديم الأرض في يونس في قوله ) وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ( ولأنه تقدم ) وما تكون في شأن ( الآية فناسب تقديم الأرض لأن الشئون والعمل في الأرض وفي سبأ ) في السماوات ولا في الأرض (
"""
صفحة رقم 147 """
1312
محمد بن إبراهيم بن يوسف بن حامد الشيخ تاج الدين المراكشي
ولد بعد السبعمائة
ونشأ بالقاهرة وتفقه بها وقرأ على قاضي القضاة الشيخ علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي ولازم الشيخ ركن الدين بن القوبع
وكان فقيها نحويا متفننا مواظبا على طلب العلم لا يفتر ولا يمل إلا في القليل
أعاد في القاهرة بقبة الشافعي ثم دخل دمشق ودرس بالمسرورية
وسمع من شيخنا الحافظ المزي وجماعة
ثم ترك التدريس وانقطع بدار الحديث الأشرفية على طلب العلم إلى أن
"""
صفحة رقم 148 """
توفي فجأة بعد العصر من يوم الأحد ثالث عشر جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة
أنشدنا من لفظه لنفسه
قلة الحظ يا فتى
صيرتني مجهلا
وجهول بحظه
صار في الناس أكملا
دخلت إليه مرة وهو ينشد قول ابن بقي
حتى إذا مالت به سنة الكرى
زحزحته شيئا وكان معانقي
أبعدته عن أضلع تشتاقه
كي لا ينام على وساد خافق
وقول الحكم بن عقال
إن كان لا بد من رقاد
فأضلعي هاك عن وساد
ونم على خفقها هدوا
كالطفل في نهنه المهاد
وهو ومن عنده يقولون إن قول الحكم أجدر بالصواب فإنه لا يناسب المحب أن يبعد حبيبه وينشدون قول الشيخ صلاح الدين الصفدي أمتع الله ببقائه في ذلك ردا على ابن بقي
"""
صفحة رقم 149 """
أبعدته من بعد ما زحزحته
ما أنت عند ذوي الغرام بعاشق
إن شئت قل أبعدت عنه أضالعي
ليكون فعل المستهام الوامق
أو قل فبات على اضطراب جوانحي
كالطفل مضطجعا بمهد حافق
قلت إن ابن بقي وإن أساء لفظا حيث قال أبعدته فقد أحسن معنى لأنه وصف أضلعه بالخفقان والاضطراب الزائد لا يستطيع الحبيب النوم عليها فقدم مصلحته على مصلحته وترك ما يريد لما يريد وأبعده عما يقلقه
ولو قال
أبعدت عنه أضلعا تشتاقه
لأحسن لفظا كما أحسن معنى وأما الحكم فإنه وصف خفقانه بالهدو وهو خفقان يسير يشبه اضطراب سرير الطفل وهذا نقض فوقع النزاع في ذلك
وأرسلوا إلى القاضي شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله رحمه الله صورة سؤال عن الرجلين ابن بقي والحكم أيهما المصيب فكتب
قول ابن بقي عليه مأخذ
لكنه قول المحب الصادق
يكفيه في صدق المحبة قوله
كي لا ينام على وساد خافق
ما الحب إلا ما يهد له الحشا
ويهد أيسره فؤاد العاشق
في أبيات أخر لم تجر على خاطري الآن
وأبيات ابن بقي هذه من كلمة له حسنة وهي
بأبي غزال غازلته مقلتي
بين العذيب وبين شطي بارق
وسألت منه زيارة تشفي الجوا
فأجابني منها بوعد صادق
بتنا ونحن من الدجا في خيمة
ومن النجوم الزهر تحت سرادق
"""
صفحة رقم 150 """
عاطيته والليل يسحب ذيله
صهباء كالمسك الفتيق لناشق
وضممته ضم الكمي لسيفه
وذؤابتاه حمائل في عاتقي
حتى إذا مالت به سنة الكرى
زحزحته شيئا وكان معانقي
أبعدته عن أضلع تشتاقه
كي لا ينام على وساد خافق
لما رأيت الليل آخر عمره
قد شاب في لمم له ومفارق
ودعت من أهوى وقلت تأسفا
أعزز علي بأن أراك مفارقي
ويقرب من هذه النكتة أن جريرا قال
طرقتك صائدة الفؤاد وليس ذا
وقت الزيارة فارجعي بسلام
فعيب عليه قوله فارجعي وهو نقد حسن فأي لفظ أبشع من قول المحب لمن يحبه ارجع
ورأيت الشيخ صلاح الدين الصفدي نفع الله به قد قال رادا عليه
يا خجلتا لجرير من
قول كفانا الله عاره
طرقتك صائدة الفؤاد
وليس ذا وقت الزياره
هل كان يلقى إن أتاه
خيال من يهوى خساره
أو كان قلب قد حواه
من حديد أو حجاره
"""
صفحة رقم 151 """
فعجبت له كيف ترك لفظة ارجعي وهو أبشع ما عيب به على جرير وقلت
أما جرير فجر ثوب العار في
دعوى الضنى وله دثار غرام
إذ كذب الدعوى وقال لها وقد
زارته في الغلس ارجعي بسلام
ثم قلت لعل الشيخ صلاح الدين إنما ترك لفظة الرجوع لنكارتها وقلت
إني لأعجب من جرير وقوله
قولا غدوت به أنكر حاله
طرقتك صائدة الفؤاد وليس ذا
وقت الزيارة فاستمع أقواله
وعذر فلست بقادر والله أن
أحكي الذي بعد الزيارة قاله
فلما وقف الشيخ صلاح الدين على كلامي هذا كله زعم أني أعترف له بحسن النقد وقال
أما جرير فلم يكن
صبا ولكن يدعي
أوما تراه أتته صائدة
الفؤاد فلم يعي
بل قال جهلا ليس ذا
وقت الزيارة فارجعي
لو كنت حاضر أمره
قلت ارجعي وله اصفعي
قلت ولا يخفى أن هذه الاعتراضات كلها لفظية طرقت قائلها ولم يحقق فإن جريرا لم يقصد برجوعها إلى الشفقة عليها من الزيارة في غير وقت الزيارة فجاءه الاعتراض من لفظة الرجوع فقط كما جاء ابن بقي من لفظة الإبعاد وربما أتي أقوام من سوء العبارة
قال الحافظ أبو عبد الله الحميدي أخبرني أبو غالب محمد بن أحمد ابن سهل النحوي قال حكيت للوزير أبي القاسم الحسين بن علي المغربي قول أبي الحسن الكرخي أوصانا شيوخنا بطلب العلم وقالوا لنا اطلبوه واجتهدوا فيه فلأن يذم لكم الزمان أحسن من أن يذم بكم الزمان
"""
صفحة رقم 152 """
قال فاستحسن الوزير ذلك وكتبه ثم عمل أبياتا وأنشدنيها وهي
ولقد بلوت الدهر أعجم صرفه
فأطاع لي أصحابه ولسانه
ووجدت عقل المرء قيمة نفسه
وبجده جدواه أو حرمانه
وعلى الفتى أن لا يكفكف شأوه
عند الحفاظ ولا يغض عيانه
فإذا جفاه المجد عيبت نفسه
وإذا جفاه الجد عيب زمانه
قلت وهذه أبيات حسنة بالغة في بابها وقد حاول الشيخ تاج الدين عبد الباقي اليماني اختصارها فقال
تجنب أن تذم بك الليالي
وحاول أن يذم لك الزمان
ولا تحفل إذا كملت ذاتا
أصبت العز أم حصل الهوان
فأغفل ما تضمنته أبيات الوزير الثلاث من المعاني واقتصر على ما تضمنه البيت الرابع ثم انقلب عليه المعنى وأتي من سوء التعبير فإن المقصود أن المرء يكمل نفسه ولا عليه من الزمان وأما أنه يسعى في أن يذم له الزمان فليس بمقصود ولا هو مراد أشياخ الكرخي ولا يحمده عاقل وكان الصواب حيث اقتصر على معنى البيت الرابع أن يأتي بعبارة مطابقة كما قلناه نحن
عليك كمال ذاتك فاسع فيها
وليس عليك عز أو هوان
وليس إليك أيضا فاسع فيما
إليك وأنت مشكور معان
فذم الدهر للإنسان خير
من الإنسان ذم به الزمان
"""
صفحة رقم 153 """
فهذا البيت واف بالمعنى الذي قاله أشياخ الكرخي مطابق له من غير زيادة ولا نقص وأحسن من هذا كله قول بعضهم
جهل الفتى عار عليه لذاته
وخموله عار على الأيام
وقول الآخر
أن يكون الزمان عيبي أولى
بي من أن أكون عيب الزمان
وقول الآخر
ما في خمولي من عار على أدبي
بل ذاك عار على الدنيا وأهليها
1313
محمد بن عبد الحاكم بن عبد الرزاق البلفيائي
من فقهاء المصريين
وهو والد شيخنا القاضي زين الدين أبي حفص عمر
أخبرني ولده أن له شرحا على الوسيط لم يكمله
ورأيت ولده المذكور قد نقل عنه في شرحه على مختصر التبريزي لما تكلم على قول الأصحاب إنه يجزئ في بول الغلام الذي لم يطعم النضح وأن المراد به لم يطعم غير اللبن فقال في شرح الوسيط لوالدي أن الشافعي رضي الله عنه قال والرضاع بعد الحولين بمنزلة الطعام والشراب
"""
صفحة رقم 154 """
1314
محمد بن عبد الله بن المجد إبراهيم المرشدي
الشيخ الصالح ذو الأحوال
قرأ على ضياء الدين بن عبد الرحيم
وكان مقيما بمنية بن مرشد بالديار المصرية
واتفق الناس على أنه لو ورد عليه في اليوم الواحد العدد الكثير من الخلق لكفاهم قوت يومهم وأطعمهم ما يشتهونه ولا يعرف أحد أصل ذلك ولا يحفظ عليه أنه قبل لأحد شيئا
وتحكى عنه مكاشفات كثيرة نفع الله به
توفي في شهر رمضان سنة سبع وثلاثين وسبعمائة
وهو أخو سيدي الشيح أحمد أعاد الله من بركاته
1315
محمد بن داود بن الحسن التبريزي السيد صدر الدين بن قطب الدين
له شرح على كتاب النبيه مختصر التنبيه لابن يونس رحمه الله
"""
صفحة رقم 155 """
1316
محمد بن خلف بن كامل القاضي شمس الدين الغزي
رفيقي في الطلب
مولده سنة ست عشرة وسبعمائة بغزة
وقدم دمشق فاشتغل بها ثم رحل إلى قاضي حماة شرف الدين البارزي فتفقه عليه وأذن له بالفتيا ثم عاد إلى دمشق وجد واجتهد
صحبته ورافقته في الاشتغال من سنة تسع وثلاثين وسبعمائة سنة مقدمتنا دمشق إلى أن توفي وهو على الجد البالغ في الاشتغال
أما الفقه فلم يكن في عصره أحفظ منه لمذهب الشافعي يكاد يأتي على الرافعي وغالب المطلب لابن الرفعة استحضارا وله مع ذلك مشاركة جيدة في الأصول والنحو والحديث
وحفظ التلخيص في المعاني والبيان للقاضي جلال الدين
وصنف زيادات المطلب على الرافعي
وجمع كتابا نفيسا على الرافعي يذكر فيه مناقب الرافعي بأجمعها وما يمكن الجواب عنه منها بتنبيهات مهمات في الرافعي ويستوعب على ذلك كلام ابن الرفعة والوالد رحمهما الله ويذكر من قبله شيئا كثيرا وفوائد مهمة ولم يبرح يعمل في هذا الكتاب إلى أن مات فجاء في نحو خمس مجلدات أنا سميته ميدان الفرسان فإنه سألني أن أسميه له وكان يقرأ علي غالب ما يكتبه فيه ويسألني عما يشكل عليه فلي في كتابه هذا كثير من العمل وبالجملة لعلنا استفدنا منه أكثر مما استفاد منا
"""
صفحة رقم 156 """
وكان من تلاوة القرآن وكثرة التعبد وقيام الليل وسلامة الصدر وعدم الاختلاط بأبناء الدنيا بمكان
استنبته في الحكم بدمشق ونزلت له عن تدريس التقوية ثم تدريس الناصرية وكان قد درس قبلهما في حياة الوالد رحمه الله بالحلقة القوصية بالجامع فاجتمع له التداريس الثلاثة مع إعادة الركنية وإعادة العالدية الصغرى وتصدير على الجامع وإمامة الكلاسة
وكان الوالد رحمه الله يحبه وكان هو يحضر دروس الوالد ويسمع كلامه
وسألني مرات أن يقرأ عليه شيئا فما تهيأ له لكنا كنا نطالع في ليالي الشتاء سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة أو أربع وأربعين بدار الحديث الأشرفية الرافعي أنا والغزي وتاج الدين المراكشي في غالب الليل ويخرج الوالد في بعض الأحايين ويجلس معنا فيسمع قراءتي تارة وقراءته أخرى ويأخذ عنه
توفي الغزي ليلة الأحد رابع عشر رجب سنة سبعين وسبعمائة بمنزله بالعادلية الصغرى بدمشق فإنه كان معيدها
وسكن في بيت التدريس أعاره إياه مدرسها الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني فسكن فيه مدة سنين
ودفن من الغد بتربتنا بسفح قاسيون والناس عليه باكون متأسفون فإنه حكم بدمشق نحو أربع عشرة سنة لا يعرف منه غير لين الجانب وخفض الجناح وحسن الخلق مع لزوم التقوى ومحبة الفقراء
"""
صفحة رقم 157 """
1317
محمد بن عبد الله بن عمر
الشيخ زين الدين بن علم الدين بن زين الدين بن المرحل
ولد بعد سنة تسعين وستمائة
وتفقه على عمه الشيخ صدر الدين
ودرس بالقاهرة بالمشهد الحسيني ثم بدمشق بالشامية البرانية والعذراوية وكان رجلا فاضلا دينا عارفا بالفقه وأصوله
صنف في الأصول كتابين
توفي سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
"""
صفحة رقم 158 """
1318
محمد بن عبد الرحمن بن عمر قاضي القضاة جلال الدين القزويني
قدم دمشق من بلاده هو وأخوه قاضي القضاة إمام الدين وأعاد بالمدرسة البادرائية ثم ناب في القضاء بدمشق عن أخيه ثم عن قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى ثم ولي خطابة دمشق ثم ضاء القضاة بها ثم انتقل إلى قضاء القضاة بالديار المصرية لما أضر القاضي بدر الدين بن جماعة فأقام بها مدة ثم صرف عنها وأعيد إلى قضاء الشام
وكان رجلا فاضلا متفننا له مكارم وسؤدد
وكان يذكر أنه من نسل أبي دلف العجلي
وهو مصنف كتاب التلخيص في المعاني والبيان وكتاب الإيضاح فيه
ذكره الشيخ جمال الدين بن نباتة في سجع المطوق فقال الإمام المقدم على التحقيق والغمام المنشئ في مروج مهارقه كل روض أنيق والسابق لغايات
"""
صفحة رقم 159 """
العلوم الذي خلي له نحوها عن الطريق والبازي المطل على دقائقها الذي اعترف له بالتقصير ذوو التحليق والهادي لمذاهب السنة الذي يشهد البحث أن بحر فكره عميق والحبر الذي لا تدعي نفحات ذكره الزهر والصحيح أنها أعطر من المسك الفتيق ناهيك به من رجل على حين فترة من الهمم وظلمة من الدهر لا كالظلم أطلعه الشرق كوكبا ملأ نوره الملا لا بل بدرا لا يغتر بأشعة تواضعه الأعلون فيشرئبون إلى لا بل صبحا يحمد لديه الطالب سراه لا بل شمسا يتمثل في شخصه علماء الدهر الغابر فكان مرآة مرآه
وذكره القاضي شهاب الدين ابن فضل الله في كتابه مسالك الأبصار فقال من ولد أبي دلف ومن مدد ذلك السلف ولي أبوه وأخوه وشبهت النظراء ولم يؤاخوه ولي الخطابة وشآفنها ورقى أعواد المنابر وهز غصنها وكان
"""
صفحة رقم 160 """
صدر المحافل إذا عقدت وصيرفي المسائل إذا انتقدت وكان طلق اليدين وطرق الكرم وإن كان بالدين
انتهى
توفي القاضي جلال الدين بدمشق في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
وفيه يقول القاضي صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي وكيل بيت المال وإمام الأدب في هذا العصر من قصيدة امتدحه بها
هذا الإمام الذي ترضى حكومته
خلاف ما قاله النحوي في الصحف
حبر متى جال في بحث وجاد فلا
تسأل عن البحر والهطالة الوطف
له على كل قول بات ينصره
وجه يصان عن التكليف بالكلف
قد ذب عن ملة الإسلام ذب فتى
يحمي الحمى بالعوالي السمر والرعف
ومذهب السنة الغراء قال به
وثقف الحق من حيف ومن جنف
يأتي بكل دليل قد حكى جبلا
فليس ينسفه ما مغلط النسفي
وقد شفى العي لما بات منتصرا
للشافعي برغم المذهب الحنفي
يحيي دروس ابن إدريس مباحثه
فحبذا خلف منه عن السلف
"""
صفحة رقم 161 """
فما أرى ابن سريج إن يناظره
من خيل ميدانه فليمض أو يقف
ولو أتى مزني الفقه أغرقه
ولم يعد قطرة في سحبه الذرف
وقد أقام شعرا الأشعري فما
يشك يوما ولا يشكو من الزيف
وليس للسيف حد يستقيم به
ولو تصدى له ألقاه في التلف
والكاتبي غدا في عينه سقم
إذا راح ينظر من طرف إليه خفي
من معشر فخرهم أبقاه شاعرهم
في قوله إنما الدنيا أبو دلف
أفتى القاضي جلال الدين وهو خطيب دمشق في رجل فرض على نفسه لولده فرضا معينا في كل شهر وأذن لأمه حاضنته في الإنفاق والاستدانة والرجوع عليه ففعلت ذلك ومات الآذن بأن لها الرجوع في تركته
وتوقف فيه الشيخ برهان الدين بن الفركاح لقول الأصحاب إن نفقة القريب لا تصير دينا إلا بقرض القاضي أو إذنه في الاستقراض فإن ذلك يقتضي عدم الرجوع وقولهم لو قال أطعم هذا الجائع وعلي ضمانه استحق عليه ولو قال أعتق عبدك وعلي ألف استحق يقتضي الرجوع
قلت الأرجح ما أفتى به القاضي جلال الدين من الرجوع
"""
صفحة رقم 162 """
1319
محمد بن عبد الرحيم بن محمد الشيخ صفي الدين الهندي الأرموي
المتكلم على مذهب الأشعري
كان من أعلم الناس بمذهب الشيخ أبي الحسن وأدراهم بأسراره متضلعا بالأصلين
اشتغل على القاضي سراج الدين صاحب التحصيل
وسمع من الفخر بن البخاري
روى عنه شيخنا الذهبي
ومن تصانيفه في علم الكلام الزبدة وفي أصول الفقه النهاية والفائق والرسالة السيفية
وكل مصنفاته حسنة جامعة لا سيما النهاية
"""
صفحة رقم 163 """
مولده ببلاد الهند سنة أربع وأربعين وستمائة
ورحل إلى اليمن سنة سبع وستين ثم حج وقدم إلى مصر ثم سار إلى الروم واجتمع بسراج الدين
ثم قدم دمشق سنة خمس وثمانين واستوطنها ودرس بالأتابكية والظاهرية الجوانية وشغل الناس بالعلم
توفي بدمشق سنة خمس عشرة وسبعمائة
وكان خطه في غاية الرداءة وكان رجلا ظريفا ساذجا فيحكى أنه قال وجدت في سوق الكتب مرة كتابا بخط ظننته أقبح من خطي فغاليت في ثمنه واشتريته لأحتج به على من يدعي أن خطي أقبح الخطوط فلما عدت إلى البيت وجدته بخطي القديم
ولما وقع من ابن تيمية في المسئلة الحموية ما وقع وعقد له المجلس بدار السعادة بين يدي الأمير تنكز وجمعت العلماء أشاروا بأن الشيخ الهندي يحضر فحضر وكان الهندي طويل النفس في التقرير إذا شرع في وجه يقرره لا يدع شبهة
"""
صفحة رقم 164 """
ولا اعتراضا إلا قد أشار إليه في التقرير بحيث لا يتم التقرير إلا وقد بعد على المعترض مقاومته فلما شرع يقرر أخذ ابن تيمية يعجل عليه على عادته ويخرج من شيء إلى شيء فقال له الهندي ما أراك يا ابن تيمية إلا كالعصفور حيث أردت أن أقبضه من مكان فر إلى مكان آخر وكان الأمير تنكز يعظم الهندي ويعتقده وكان الهندي شيخ الحاضرين كلهم فكلهم صدر عن رأيه وحبس ابن تيمية بسبب تلك المسئلة وهي التي تضمنت قوله بالجهة ونودي عليه في البلد وعلى أصحابه وعزلوا من وظائفهم
1320
محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر بن صالح الشيخ قطب الدين السنباطي
صاحب تصحيح التعجيز وأحكام المبعض
كان فقيها كبيرا تخرجت به المصريون
سمع أبا المعالي الأبرقوهي وعلي بن نصر الله الصواف وغيرهما
توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة بالقاهرة ودفن بالقرافة
"""
صفحة رقم 165 """
قول الأصحاب إن الراهن والمرتهن إذا تشاحا في أن الرهن يكون عند من يسلمه الحاكم إلى عدل صورة التشاحح مما يسأل عنها فإنه إن كان قبل القبض فالتسليم غير واجب وإجبار الحاكم إنما يكون في واجب وإن كان بعد القبض فلا يجوز نزعه ممن هو في يده وكان السنباطي يصوره فيما إذا وضعاه عند عدل ففسق فإن يده تزال والرهن لازم فإن تشاحا حينئذ فيمن يكون تحت يده اتجه إجبار الحاكم وكذلك لو رضيا بيد المرتهن لعدالته حين القبض ثم فسق ينبغي أن يكون كذلك
1321
محمد بن عبد الغفار بن عبد الكريم القزويني الشيخ جلال الدين
ولد صاحب الحاوي الصغير الشيخ نجم الدين
تفقه على أبيه وتوفي سنة تسع وسبعمائة
"""
صفحة رقم 166 """
1322
محمد بن عبد المحسن بن الحسن
قاضي البهنسا
شرف الدين الأرمنتي
مولده سنة اثنتين وسبعين وستمائة
وكان فقيها شاعرا
توفي سنة ثلاثين وسبعمائة ومن شعره
إن العبادلة الأخيار أربعة
منهاج العلم للإسلام في الناس
ابن الزبير وابن العاص وابن أبي
حفص الخليفة والحبر ابن عباس
وقد يضاف ابن مسعود لهم بدلا
عن ابن عمرو لوهم أو لإلباس
"""
صفحة رقم 167 """
1323
محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن علي بن تمام السبكي الفقيه المحدث الأديب المتفنن
تقي الدين أبو الفتح
كان ممن جمع بين الفقه والحديث ووضع أخمصه فوق النجوم مع سن حديث
له الأدب الغض والألفاظ التي لو أصغى الجدار إليها لأراد أن ينقض
وكان متدرعا جلباب التقي متورعا حل محل النجم وارتقى
طلب الحديث في صغره
وسمع من أحمد بن أبي طالب بن الشحنة وأحمد بن محمد بن علي العباسي والحسن ابن عمر الكردي وعلي بن عمر العراقي ويوسف بن عمر الختني ويونس بن إبراهيم الدبابيسي وخلق
وأحضره والده على أبي الحسن علي بن عيسى القيم وعلي بن محمد بن هارون المقرئ
"""
صفحة رقم 168 """
وأحمد بن إبراهيم بن محمد المقدسي ويوسف بن مظفر بن كوركبك
وأجاز له في سنة مولده الحافظ أبو محمد الدمياطي وغيره
وحدث وكتب بخطه وقرأ بنفسه وكان أستاذ زمانه في حسن قراءة الحديث صحة وأداء واسترسالا وبيانا ونغمة
وانتقى على بعض شيوخه وخرج لعم والده جدي رحمه الله مشيخة سمعناها بقراءته
وتفقه على جده الشيخ صدر الدين يحيى وعلى الشيخ الإمام الوالد وبه تخرج في كل فنونه وعلى الشيخ قطب الدين السنباطي
وقرأ النحو على الشيخ أبي حيان وكمل عليه التسهيل وغيره وتلا عليه بالسبع
وكان الوالد رحمه الله كثير المحبة له والتعظيم لدينه وورعه وتفننه في العلوم
درس بالقاهرة بالمدرسة السيفية وناب في الحكم ثم انتقل إلى دمشق وناب في القضاء عن الوالد ودرس بالمدرسة الركنية وخلفه صاحب حمص
وقد ذكره شيخنا الذهبي في المعجم المختص وأثنى على علمه ودينه
مولده في سابع عشر ربيع الآخر سنة خمس وسبعمائة
وتوفي في ثاني عشر ذي القعدة سنة أربع وأربعين وسبعمائة ودفن بقاسيون
أخبرنا الحافظ أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف السبكي بقراءتي عليه من حفظي بقرية يلدا من دمشق أخبرنا أبو العباس الحجار وست الوزراء ح
وكتب إلي الحجار قالا أخبرنا ابن الزبيدي أخبرنا أبو الوقت أخبرنا
"""
صفحة رقم 169 """
الداودي أخبرنا الحموي أخبرنا الفربري أنا خ حدثنا محمد ابن عبد الله الأنصاري أخبرنا حميد أن أنسا رضي الله عنه حدثهم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال كتاب الله القصاص انفرد بإخراجه خ من هذا الطريق فرواه في الصلح والتفسير والديات مطولا ومختصرا
أخبرنا الفقيه الأديب محمد بن عبد اللطيف بقراءتي عليه أخبرنا علي بن عمر الواني وأبو الهدى أحمد بن محمد العباسي قراءة عليهما قال الأول أخبرنا عبد الرحمن بن مكي الحاسب السبط وقال الثاني أخبرنا عبد الوهاب بن ظافر الأزدي ابن رواج قالا أخبرنا الحافظ أبو الطاهر
ح وأخبرنا قاضي القضاة شرف الدين أبو محمد عبد الله بن الحسن بن عبد الله بن الحافظ عبد الغني المقدسي وزينب بنت الكمال وغيرهما كتابة عن أبي القاسم السبط إذنا أخبرنا السلفي أخبرنا مكي بن منصور بن محمد بن علان أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الحيري الجرشي حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا
"""
صفحة رقم 170 """
أبو يحيى زكريا بن يحيى بن أسد المروزي ببغداد حدثنا سفيان بن عيينة عن عاصم عن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله أرأيت رجلا أحب قوما ولم يلحق بهم قال هو مع من أحب أخرجه الترمذي عن ابن عمر عن سفيان فوقع لنا بدلا عاليا
وعن محمود بن غيلان عن يحيى بن آدم عن سفيان فوقع لنا عاليا بدرجات ثلاث
أنشدني شيخنا تقي الدين أبو الفتح لنفسه بقراءتي عليه أرجوزته التي منها
اسمع أخي وصية من ناصح
مناضل عن عرضه مكادح
لا تقصين ما حييت صاحبا
ولا قريبا بل ولا مجانبا
ولا تعدد الكلم في أحد
ولا تكن للغلطات بالرصد
ولا تؤاخذ مذنبا بذنب
فتغتدي فاقد كل صحب
إجر مع الناس على أخلاقهم
وصاحب الخلق على وفاقهم
ولا تقطب إن أتاك سائل
فذاك للسائل داء قاتل
ولا تكن على صديق مكثرا
فإن صفو الود يضحي كدرا
"""
صفحة رقم 171 """
ولا يغرنك دوام الصحبه
فما يعود القلب إلا قلبه
لا تسمعن في صاحب كلاما
لا تلقين لامرأة زماما
وهي طويلة اقتصرنا منها على ما أوردناه
وأنشدني لنفسه أيضا وكتبت بها على جزء خرجته في الكلام على حديث المتبايعين بالخيار
يصنف في كل يوم كتابا
يشابه في النور ضوء النهار
وأنت فمن سادة ينتمون
بأنسابهم لعلي النجار
فحق لمادحكم أن يقول
حديث الخيار رواه الخيار
وأنشدني لنفسه أيضا وكتبت بها على الأربعين التي خرجتها زمن الشباب
أجدت الأربعين فدمت تاجا
لأهل العلم ذا فضل مبين
وأضحى الوالد الندب المرجى
لما يرجوه فيك قرير عين
وأرجو أن أراك رفيع قدر
وقد جاوزت حد الأربعين
وأنشدني أيضا لنفسه من لفظه تضمينا للبيت الثالث
عرف العاذل وجدي فلاحى
ورأى عني التسلي فلاحا
عن غزال فاق جيدا وظرفا
وهلال رام قتلي فلاحا
علموني كيف أسلو وإلا
فاحجبوا عن مقلتي الملاحا
"""
صفحة رقم 172 """
وأنشدني أيضا لنفسه أبياتا مفيدة نظمها في أسماء الخلفاء وهي
إذا رمت تعداد الخلائف عدهم
كما قلته تدعى اللبيب المحصلا
عتيق وفاروق وعثمان بعده
علي الرضا من بعده حسن تلا
معاوية ثم ابنه وحفيده
معاوية وابن الزبير أخو العلا
ومروان يتلوه ابنه ووليده
سليمان وافى بعده عمر ولا
يزيد هشام والوليد يزيدهم
سناهم بإبراهيم مروان قد علا
وسفاح المنصور مهدي ابتدئ
وهاد رشيد للأمين تكفلا
وأعقب بالمأمون معتصم غدا
بواثقه يستتبع المتوكلا
ومنتصر والمستعين وبعده
لمعتز المتلو بالمهتدي انقلا
ومعتمد يقفوه معتضد وعن
سنا المكتفي يتلوه مقتدر سلا
وبالقاهرة الراضي تعوض متق
وبالله مستكف مطيع تفضلا
وطائعهم لله بالله قادر
وقائمهم بالمقتدي استظهر العلا
ومسترشد والراشد المقتفي به
ومستنجد والمستضي ناصر خلا
وظاهرهم مستنصر قد تكملوا
بمستعصم في وقته ظهر البلا
ومستنصر أو حاكم وابنه ولم
يقم واثق حتى أتى حاكم الملا
فدونكها مني بديها نظمتها
فإن آت تقصيرا فكن متطولا
"""
صفحة رقم 173 """
وأنشدني شيخ الإسلام الوالد رحمه الله عند سماعه هذه الأبيات مني
أجدت تقي الدين نظما ومقولا
ولم تبق شأوا في الفضائل والعلا
فمن رام نظما للأئمة بعدها
يروم محالا خاسئا ومجهلا
خطر لي في وقت أن أنظم في الخلفاء وأضم خلفاء الفاطميين وخلفاء المغاربة فتذكرت قول الوالد إن من رام نظما لهم بعد أبي الفتح يكون خاسئا مجهلا فقلت رجل صالح وقد أنطقه الله فأحجمت
وكتب إلي الشيخ الإمام الوالد رحمه الله وكنا على شاطئ البحر وتأخر عنا أبو الفتح بالقاهرة لاشتغاله بوفاة والدته رحمها الله تعالى
تسل تقي الدين عن فقد من أودى
وأحرق لي قلبا وشيب لي فودا
لقد بان عنا مذ ترحل شخصها
سرور وآلى لا يواصلها عودا
سقى الله تربا ضمها غيث رحمة
وجارتها أمي وأولاهما جودا
ولو كان حزن نافعا لجعلته
شعاري عسى أفدي مكرمة خودا
ولم نزل قصدا لشيء سواهما
ولا مطلبا أرجوه كلا ولا رودا
"""
صفحة رقم 174 """
فراجع وكن بالصبر والحكم والرضا
عن الله للبلوى تذود به ذودا
ولا تبد ضعفا إن علمك قدوة
وكن جبلا ذا قوة شامخا طودا
واقدم إلينا أن أحمد قائل
أرى كل بيضا من بعادك لي سودا
أحمد المذكور هو الأخ شيخنا شيخ الإسلام أبو حامد أحمد وهذا النصف نظمه
فكتب الشيخ أبو الفتح الجواب
أيا محسنا بدء ومستأنفا عودا
ومن حاز من وصف العلا سؤددا عودا
ومن علمه بحر تزايد مده
وفيض ندى كفيه عم الورى جودا
ملكت زمان العلم فانقاد طائعا
وأمك بالإذعان إذ قدته قودا
وجاريت أرباب البديع بمنطق
علوت به قسا وفقت به أودا
وأرسلت سحرا يطرب السمع نفثه
وخمرا تذود الهم عن خاطري ذودا
وسليتني عن ذاهب أحرق الحشا
وأذهب عن قلبي المسرة إذ أودى
وغادر مني أسود الشعر أبيضا
كما كل بيضا من تنائيه لي سودا
فبردت نار الشوق إذ زاد وقدها
وخففت حمل الوجد إذا آدني أودا
"""
صفحة رقم 175 """
وأفرحتني لما دعوت لها ففي
دعائك خير لا أواري به رودا
وأذكرتني أما لها الفضل ثابت
لأن تركت من بعدها جبلا طودا
فمن بعدها لا أججت نار قلبه
ولا شيب الله الكريم له فودا
وعاش مقيما في علا وسعادة
قعود قناة كلما بقيت عودا
ومتعه بالسيدين كليهما
وثالثهم لا يختشي للردى كودا
وعاشوا لإنعام يقول حسودهم
لرؤيته لا خفف الله في فودا
فخذها عروسا شرفت بمحاسن
لديكم فجاءت تنجلي لكم خودا
على العرب العرباء تبدي نفاسة
ولا وطئت نجدا ولا صاحبت سودا
ولا ينبغي إلا القبول فإن يكن
فذلك قصدي لا نضارا ولا ذودا
"""
صفحة رقم 176 """
وإن لم تقع بالموقع الرحب منكم
فعبدكم قد هاد عن مثلها هودا
وقد جمعت كل القوافي سوى الذي
تضمنه التصريع من قوله عودا
وكتب إليه القاضي شهاب الدين ابن فضل الله يعزيه فيها أبياتا منها
مصيبة الفاقد في فقده
تظهر للواحد في وحده
وكل من طالت به مدة
فنقصه في منتهى حده
وما على المرء إذا لم يمت
من ميت قد صار في لحده
لو كان يغنيه عليه البكا
لكانت الأنواء من مده
ميعادنا الموت فما لامرئ
يفر في الميعاد عن وعده
وإنما الأيام معدودة
لا يغلط الإنسان في عده
وكل من حام على مورد
مصيره يأتي إلى ورده
وسائق الموت بنا مزعج
وكل من يسعى على جهده
كم ولد يبكي على والد
ووالد يبكي على ولده
فقد تساوى في الثرى أول
وآخر قد جاء من بعده
ليس بين العبد من سيد
كلا ولا السيد من عبده
من سلم الأمر إلى ربه
فاز بما يرجوه من قصده
كل امرئ منا سيلقى الردى
بذمه إن شاء أو حمده
"""
صفحة رقم 177 """
فاسمع أبا الفتح وقيت الردى
ولا تثير النار من زنده
مثلك من يلقى الردى صابرا
محتسبا للأجر في فقده
فقدت أما برة لم يزل
كوكبها المشرق في سعده
ماتت وأبقت منك فينا فتى
كمثل ماء الورد من ورده
وهي طويلة فأجابه بأبيات مثلها
لله در فاق في عقده
جاء من المولى إلى عبده
أربى على الزهر علوا كما
علا شذا الزهر شذا رنده
فأنعش الصب وقد كاد من
أحزانه يهلك في جلده
فأي فضل جاد في وبله
وأي بحر زاد في مده
من المقر الأشرف المرتضى
يكشف صعب الأمر من شده
شهاب دين الله رب الندا
وجامع الوفد على رفده
أحمد من عم الورى فضله
فأجمع الناس على حمده
ذي القلم الأعلى الذي حده
كصارم جرد من غمده
يصنع إن مر على طرسه
ما يصنع الناشر في برده
أحرفه إن برزت في الدجا
عاد صباحا جنح مسوده
وكتب إليه القاضي صلاح الدين الصفدي أبياتا منها سؤال
تقرر أن فعالا فعولا
مبالغتان في اسم الفاعلية
فكيف تقول فيما صح منه
وما الله بظلام البرية
"""
صفحة رقم 178 """
أيعطي القول إن فكرت فيه
سوى نفي المبالغة القويه
وكيف إذا توضأنا بماء
طهور وهو رأي الشافعيه
أزلنا الوصف عنه بفرد فعل
وذاك خلاف قول المالكيه
فأجابه بأبيات منها
ومن جاء الحروب بلا سلاح
كمن عقد الصلاة بغير نيه
فظلام كفرار وأيضا
فقد يأتي بمعنى الظالميه
وقد ينفى القليل لقلة في
فوائده بنفي الأكثريه
وقد ينحى به التكثير قصدا
لكثرة من يضام من البريه
وأما قوله ماء طهور
ونصرته لقول المالكيه
فجاء على مبالغة فعول
وساغ مجيئه للفاعليه
وقد ينحى به التكثير قصدا
لكثرة من يروم الطاهريه
وقد سمعنا من أبي الفتح خطبته الفائقه التي ألقاها أول يوم تدريسه بالركنية لما قدم مصر ومطلعها
الحمد لله ناصر الملك الناصر للدين الحنيفي وممضي عزائمه ومشيد أركانه القائم بالشرع المحمدي ومقوي دعائمه ومخصص أهله التقوى بعلى ما حظيت أهل التقصير بمعالمه وجامع شمل المتقين بمكارمه وشامل جمع الموقنين بمراحمه والمتفضل
"""
صفحة رقم 179 """
على من التجأ إليه واعتمد في أموره عليه بنجح ما أشبه أواخره بأوائله وربح ما أشبه فواتحه بخواتمه
أحمده على من حلى الأعناق بقلائده وجلل الأيدي بقوائمه وبذل ما أبداه نظر جوده بمتراكمه إلا أعاده بحر جوده بمتلاطمه وفضل أثار شمسه في ظهيرة الآمال فحققها بقواصده وأطلع قمره في دجنة الأوجال فدفعها بقواصمه
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يعينها اليقين بخوافيه والإخلاص بقوادمه ويثبتها القلب فما اللائم فيها بملائمه ولا السالي بمسالمه ويقر بها اللسان على ممر الأوقات فيعشو إلى أنوارها في الليل بطارقه ويرنو إلى أنوائها في الصبح بسائمه
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله والكفر قد أطل بتعاضده وتعاظمه والباطل قد أضل بتزاحمه وتلاحمه فلم يزل ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أذهب جيش الباطل بعواصفه وعواصمه ونصر جند الحق بصواهله وصوارمه ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى آله وأصحابه صلاة يربي نشرها على المسك ولطائمه وتجر ذيلا على نشر الروض وباسمه
"""
صفحة رقم 180 """
منها أما بعد فإن غريب الدار وإن نال مناط الثريا فيكفي أن يقال غريب وبعيد المزار ولو تهيأ له ما تهيا فما له في الراحة منهم نصيب ولمشقة الغربة ازدادت رتبة الهجرة في العبادة وشرفت الوفاة حتى جاء موت الغريب شهادة والغربة كربة ولو كانت بين الأقارب ومفارقة الأوطان صعبة ولو عن سم العقارب وأنى يقاس ببلاد الغربة وإن شرف قدرها وعذب شرابها
بلاد بها نيطت علي تمائمي
وأول أرض مس جلدي ترابها
والخطبة طويلة فائقة اقتصرنا منها على ما أوردناه
سمعت الشيخ تقي الدين أبا الفتح يقول اسم كلاب بن مرة جد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المهذب وعزا ذلك لابن سعد وهي فائدة لم أجدها في شيء من كتب السير
رأيت في القطعة التي عملها شيخنا تقي الدين أبو الفتح شرحا على التنبيه في باب الزكاة أن السائمة إذا كانت عاملة فالذي يظهر عنده ما صححه البغوي من وجوب الزكاة فيها بحصول الرفق بالإسامة وزيادة فائدة الاستعمال خلافا للرافعي والنووي حيث صححا أنه لا زكاة فيها
ثم تلكم أبو الفتح على ما رواه الدارقطني من حديث علي رضي الله عنه مرفوعا ليس في العوامل صدقة وضعفه وأجاد في تعليله
وهذا الذي عمله أبو الفتح من شرح التنبيه حسن جدا حافل جامع مع غاية الاختصار وقد أكثر فيه النقل عن الشيخ الوالد وزينه بمحاسن شرح المنهاج وحيث يقول فيه قاله شيخنا أبقاه الله يشير إلى كلام الوالد رحمه الله في شرح المنهاج أو غيره من تصانيفه
"""
صفحة رقم 181 """
ومن شعر الشيخ تقي الدين أبو الفتح
وافتك عن قرب تباشير الفرح
وأتتك مسرعة مباشير المنح
منها
فارج الإله ولا تخف من غيره
تجد الإله لضيق صدرك قد شرح
وارغب إليه بالنبي المصطفى
في كشف ضرك عل يأسو ما انجرح
تالله ما يرجو نداه مخلص
لسؤاله إلا تهلل وانشرح
فهو النبي الهاشمي ومن له
جاه علا وعلو قدر قد رجح
وهو النعيم لمن توقى واتقى
وهو الجحيم لمن تكبر واتقح
هو وابل الدنيا إذا شح الحيا
ومشفع الأخرى إذا عرق رشح
والشمس تخجل من ضياء جبينه
والبدر لو حاكاه في الحسن افتضح
كم عين ماء من أصابعه جرت
نهرا وعين ردها لما مسح
ومعين فضل من أياديه بدا
ومعين دمع من أعاديه نزح
ولقد دعا الأشجار فانقادت له
والذئب لما جاء يسأله منح
وأباد أنواع الضلال بعرفه
لما دنا وبعرفه لما نفح
من أنزل القرآن في أوصافه
ماذا عساي أقول فيه من المدح
فعليه صلى الله ما هبت صبا
أو غرد القمري يوما أو صدح
ثم الرضا عن آله وصحابه
وعن الذي بوشاح علمهم اتشح
مثل البخاري الإمام المرتضى
فهو الذي اغتبق الفضائل واصطبح
من فضله في الناس بحر قد طما
وعرائس تجلى وغيث قد طفح
"""
صفحة رقم 182 """
وكتابه كالغيث يستسقى به
فسواه في كرباتنا لم يستنح
وهو المجرب في الشديد وكشفه
أوليس في غارات أمر قد وضح
وهذه قافية حلوه أول من بلغني نظم فيها عبد الله بن المعتز حيث يقول
خل الزمان إذا تقاعس أو جمح
واشك الهموم إلى المدامة والقدح
واحفظ فؤادك إن شربت ثلاثة
واحذر عليه أن يطير من الفرح
في أبيات أنكر عليه قوله فيها
وإذا تمادى في العتاب قطعته
بالضم والتقبيل حتى نصطلح
وقال مهيار
ما كان سهما غار بل ظبيا سنح
إن لم يكن قتل الفؤاد فقد جرح
في خده الكافور سبحة عنبر
ما كان أغفلني الغداة عن السبح
وأما ومشيته توقر تارة
صلفا وأحيانا يجن من المرح
في أبيات أنكر عليه قوله فيها بطح
وقال ابن سناء الملك يمدح الفاضل
يا قلب ويحك إن ظبيك قد سنح
فتنح جهدك عن مراتعه تنح
وأردت أعقله ففر من الحشا
طربا وأحبسه فطار من الفرح
"""
صفحة رقم 183 """
وأتى فظل صريع هذاك اللمى
عطشا وعاد قتيل هاتيك الملح
جنح الغزال إلى قتال جوانحي
فغدوت أجنح منه لما أن جنح
ومن العجائب أنه لما رمى
بسهامه قتل الفؤاد وما جرح
ولمى صقيل في مراشف شادن
لو شئت أمسحه بلثمي لانمسح
ومنها
قبلته وقبلت أمر صبابتي
ونصحت نفسي في قطيعة من نصح
ورشفت ريقته على رغم الطلا
من كأس مرشفه على غيظ القدح
ومنها
لي سبحة من جوهر في ثغرها
ففضلت سائر من يسبح بالسبح
لم لا تصالح قبلتي يا خدها
والماء فيك مع اللهيب قد اصطلح
كم يعذلون ولست أسمع قولهم
وأنا وهم مثل الأصم مع الأبح
ليس العذول عليك إنسانا هذى
إن العذول عليك كلب قد نبح
ومنها
أضحت على مهيار قبلي ناشزا
إذ قال عن محبوبه فيها بطح
"""
صفحة رقم 184 """
وتتابعت فتحاتها فتنزهت
عن قول عبد الله حتى نصطلح
ولقائل أن يقول إن ابن سناء الملك قد وقع فيما وقع فيه عبد الله حيث حكى قوله وجعله قافية في قصيدته وقد وقع هذا لكثير من شعراء العصر ونظيره قول من نثر في خطبة الأشباه والنظائر ليس له من ثان ولا عنه من ثان ولا عليه إلا مثن وقضى السجع بأن أقول ثان
ثم إنه اعترض ابن المعتز ومهيارا بما اعترضهما ووقع هو في واحدة وهي قوله لانمسح فإنها لحن ولي أبيات منها
إن كان عبد الله أخطأ قوله
بالضم والتقبيل حتى نصطلح
وأتى بشيء ليس يحسن ذكره
مهيار حيث يقول قافية بطح
فلقد لحنت وقلت فيما قلته
لو شئت أمسحه بلثمي لانمسح
وقال كمال الدين ابن النبيه
قم يا غلام ودع نصيحة من نصح
فالديك قد صدع الدجى لما صدح
"""
صفحة رقم 185 """
خفيت تباشير الصباح فأسقني
ما ضل في الظلماء من قدح القدح
صهباء ما لمعت بكف مديرها
لمقطب إلا تهلل وانشرح
والله ما مزج المدام بمائها
لكنه مزج المسرة بالفرح
وهذه قصيدة مشهورة نظمها في ديوانه
وقال شهاب الدين ابن التلعفري
ماء الغمامة والمدامة والقدح
وابن الحمامة في الأراكة قد صدح
وهي قصيدة مليحة تضمنها ديوانه
وكان الشيخ أبو حيان قد اقترح على شعراء العصر قصيدا في الشطرنج على وزن مطلع قصيدة ابن حزمون
إليك إمام العصر جبت المفاوزا
وخلفت خلفي صبية وعجائزا
فعمل الشيخ الوالد قصيدا بلغت مائة وخمسة وأربعين بيتا جود فيها كل الإجادة
وعمل الشيخ تقي الدين قصيدا مطلعها
بنفسي غزال مر بالرمل جائزا
فصير قلبي في المحبة حائزا
وفوق سهما من لحاظ جفونه
فأصمى وما ألقى عن القلب حاجزا
"""
صفحة رقم 186 """
تبدى فأبدى للنداوة تمنظرا
يروق لذي لب ويكمد لامزا
وماس فأمسى الغصن يهتز مائسا
وبان فبان البدر يشرق بارزا
ثوى في حمى نجد وليس بمنجد
وفوز فاستحليت فيه المفاوزا
ومنها
ويسبي فؤادي منه واسع طرفه
إذا ما انثنى صبو المحاجر عاجزا
تفرد بالحسن الغريب وحبه
غريب فأضحى للغريبين حائزا
كما حازت الشطرنج جيشين جمعا
غريبين كل حده لن يجاوزا
وجود فيها واختتمها بمدح الشيخ أبي حيان رحمه الله
وكتب أديب العصر جمال الدين محمد بن محمد بن محمد بن نباتة إلى الشيخ أبي الفتح رحمه الله استفتاء صورته
يا إماما قال المقلد والعالم
فيه بواجب التفضيل
ما على عاشق يقول على حكم
التداوي بالضم والتقبيل
وافر الدين مع بسيط اقتدار
حذر من عقاب يوم طويل
لا كمن دأبه بمحبوبه النحو
فمن فاعل ومن مفعول
فأجابه
يا مليا بكل فضل جزيل
وعلينا بكل وصف جميل
"""
صفحة رقم 187 """
وجمالا تجمل العلم منه
بصفات زين بمجد أثيل
جاءني درك الذي قلد النحر
بعقد منضد التكليل
فتعجبت ثم قلت ومن يقذف
بالدر غير بحر أصيل
جاء في صورة السؤال فقل في
سائل فضله على المسئول
فتنسمت منه ريح شمال
وترشفت منه طعم الشمول
وأتاني وقد فرغت عن الآداب
والحب من زمان طويل
فتوقفت عن جواب ولكن
أمر مولاي واجب بالدليل
وجواب الهوى التسامح في الأمر
فقل إن أجبت بالتسهيل
إن من يدعي الغرام بظبي
صاد أهل الهوى بطرف كحيل
قد أسال الدموع منه عذار
سائل في رياض خد أسيل
كامل قده بشعر مديد
وافر ردفه بخصر نحيل
لجدير بكل عذر بسيط
في التداوي بالضم والتقبيل
ما لنار الهوى سوى برد ريق
من لماه فيه شفاء الغليل
ولقلب يعتاده خفقان
غير ضم به دواء العليل
غصة الحب لا تقاس بشيء
فليزلها من ريقه بشمول
ذا جواب الغرام حقا وعندي
ماله غير صبره من سبيل
"""
صفحة رقم 188 """
1324
محمد بن علي بن عبد الكريم أبو الفضائل القاضي فخر الدين المصري
نزيل دمشق
ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة
وسمع من ست الوزراء وغيرها
وتفقه على الشيخ كمال الدين بن الزملكاني والشيخ برهان الدين
وبرع في المذهب ودرس بالعادلية الصغرى والدولعية والرواحية
وشاع اسمه وبعد صيته وكان من أذكياء العالم
استخلفه القاضي جلال الدين على الحكم بدمشق وحج وجاور غير مرة
"""
صفحة رقم 189 """
ذكره القاضي شهاب الدين بن فضل الله في مسالك الأبصار فقال المصري الذي لا يسمح فيه بالمثاقيل ولا يهون ذهنه فيشبه به ذائب الأصيل بل هو البحر المصري لأنه ذو النون والقطب المصري بل صاحب الإمام فخر الدين ومثله لا يكون ذو العلم المعروف الذي لا ينكر واللفظ الحلو المصري السكر فاء على الإسلام ظلا مديدا واستطرف الأنام فضلا جديدا وهو إمام الشام وغمام العلم العام
ثم قال وهو أفقه من هو بالشام موجود وأشبه عالم بأصحاب إمامه في الوجود
انتهى
توفي القاضي فخر الدين بدمشق سنة إحدى وخمسين وسبعمائة رحمه الله
"""
صفحة رقم 190 """
1325
محمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم قاضي القضاة كمال الدين بن الزملكاني
الإمام العلامة المناظر
سمع من يوسف بن المجاور وأبي الغنائم بن علان وعدة مشايخ
وطلب الحديث بنفسه وكتب الطباق بخطه
وقرأ الأصول على الشيخ صفي الدين الهندي والنحو على الشيخ بدر الدين ابن مالك
وولد في شوال سنة سبع وستين وستمائة
ودرس بالشامية البرانية والرواحية والظاهرية الجوانية وغيرها بدمشق
ثم ولي قضاء حلب
"""
صفحة رقم 191 """
وصنف الرد على ابن تيمية في مسئلتي الطلاق والزيارة وكتابا في تفضيل البشر على الملك جود فيه وشرح من منهاج النووي قطعا متفرقة
ذكره شيخنا الذهبي في المعجم المختص فقال شيخنا عالم العصر وكان من بقايا المجتهدين ومن أذكياء أهل زمانه درس وأفتى وصنف وتخرج به الأصحاب
انتهى
وذكره الشيخ جمال الدين بن نباتة في كتاب سجع المطوق فقال أما وغصون أقلامه المثمرة بالهدى وسطور فتاويه الموضحة للحق طرائق قددا وخواطره التي تولدت فكانت الأنجم مهودا ومآثره التي ضربت رواق العز وكانت المجرة طنبا وكان الفجر عمودا ومناظراته التي أسكتت المناظرين فكأنما ضربت سيوفهم المجردة لألسنتهم قيودا
إن الآداب لتحركني لمدحه والأدب يحثني على السكون وإني لأعق محاسنه إذا أردت برها بالوصف ومن البر ما يكون
جل عن مذهب المديح فقد كاد
يكون المديح فيه هجاء
ثم قال هو البحر وعلومه درره الفاخرة وفتاويه المتفرق في الآفاق سحبه السائرة والعلم إلا أنه الذي لا تجنه الغياهب والطود إلا أنه الذي لا يحاوله البشر
"""
صفحة رقم 192 """
على أنه نسر الكواكب والمنفرد الذي حمى بيضة الإسلام في أعشاش أقلامه والمجتهد الذي لا غبار على رأيه في الدين وإن غبر ففي وجوه أعلامه
ثم قال التفسير لبراعته قد حكم بكتاب الله المنزل وقال الفقه لعلم فتاويه أنت الرامح وكل أعزل وقال الحديث لتنقيحه هذا النظر الذي لا يعزل وقال الإنشاء لكتابه ليهنك أن قلم كل بليغ لديك بخط أو بغير خط مغزل وقال النحو لتدقيقه هذا ما جاد زيد وعمرو فيه وهذا العربي الذي لو سمع الأعرابي نطقه لصاح يا أبت أدرك فاه غلبني فوه لا طاقة لي بفيه وقال الوصف وقال واستقى من مواده ولو تحقق غاية لما استقال
فتبارك من أطلعه في هذه الآفاق شمسا كأن الشمس عنده نبراس وأمطاه رتبا كأن الثريا فيها خد لقدمه على القياس وخصه بفنون العلم فله حليها النفيس وما لغيره من الحلي سوى الوسواس
انتهى
وعليه تخرج القاضي فخر الدين المصري والشيخ الحافظ صلاح الدين العلائي وكان كثير التعظيم له
توفي سنة سبع وعشرين وسبعمائة بمدينة بلبيس من أعمال مصر كان قد طلبه
"""
صفحة رقم 193 """
السلطان إلى مصر فمات بها قبل وصوله وحمل إلى القاهرة ودفن بجوار تربة الإمام الشافعي رضي الله عنه
وقد أجاد في وصفه شاعر الوقت جمال الدين بن نباتة حيث يقول فيه من قصيدة فائقة امتدحه بها أولها
قضى وما قضيت منك لبانات
متيم عبثت فيه الصبابات
ما فاض من جفنه يوم الرحيل دم
إلا وفي قلبه منكم جراحات
أحبابنا كل عضو في محبتكم
كليم وجد فهل للوصل ميقات
غبتم فغابت مسرات القلوب فما
أنتم برغمي ولا تلك المسرات
يا حبذا في الصبا عنكم بقاء هوى
وفي بروق الغضا منكم إنابات
وحبذا زمن اللهو الذي انقرضت
أوقاته الغر والأعوام ساعات
أيام ما شعر البين المشت بنا
ولا خلت من مغاني الأنس أبيات
"""
صفحة رقم 194 """
حيث الشباب قضاياه منفذة
وحيث لي في الذي أهوى ولايات
ورب حانة خمار طرقت بها
حانت ولا طرقت للقصف حانات
سبقت قاصد مغناها وكنت فتى
إلى المدام له بالسبق عادات
أعشو إلى ديرها الأقصى وقد لمعت
تحت الدجى فكأن الدير مشكاة
وأكشف الحجب عنها وهي صافية
لم يبق في دنها إلا صبابات
راح زحفت على جيش الهموم بها
حتى كأن سنا الأكواب رايات
مصونة السرح باتت دون غايتها
حاجات قوم وللحاجات أوقات
تجول حول أوانيها أشعتها
كأنما هي للكاسات كاسات
كأنها في أكف الطائفين بها
نار يطوف بها في الأرض جنات
مبلبل الصدغ طوع الوصل منعطف
كأن أصداغه للعطف واوات
ترنحت وهي في كفيه من طرب
حتى لقد رقصت تلك الزجاجات
وقمت أشرب من فيه وخمرته
شربا تشن به في العقل غارات
وينزل اللثم خديه فينشدها
هي المنازل لي فيها علامات
سقيا لتلك اللييلات التي سلفت
فإنما العمر هاتيك اللييلات
"""
صفحة رقم 195 """
عنت لها كل أوقات السرور كما
عنت لفضل كمال الدين سادات
حبر رأينا يقين الجود من يده
وأكثر الجود في الدنيا حكايات
سما على الخلق واستسقوا مواهبه
لا غرو أن تسقي الأرض السموات
واستأنف الناس للأيام طيب ثنا
من بعد ما كثرت فيها الشكايات
لا يختشي فوت جدوى كفه بشر
كأن جدواه أرزاق وأوقات
ولا تزحزح من فضل شمائله
كأنها لبدور الفضل هالات
يا شاكي الدهر يممه وقد غفرت
من حول أبوابه للدهر زلات
ويا أخا السعي في علم وفي كرم
هذي الهدايا وهاتيك الهديات
لا تطلبن من الأيام مشبهه
ففي طلابك للأيام إعنات
ولا تصخ لأحاديث الذين مضوا
ألوى العنان بما تملي الروايات
طالع فتاويه واستنزل فتوته
تلق الإفادات تتلوها الإفادات
وحبر الوصف في فضل لصاحبه
يكاد ينطق بالوصف الجمادات
"""
صفحة رقم 196 """
حامي الديار بأقلام لها مدد
من الهدى واسمه في الطرس مدات
قويمة تمنع الإسلام من خطر
فاعجب لها ألفات وهي لامات
تعلمت بأس آساد وجود حيا
منذ اغتدت وهي للآساد غابات
وعودت قتل ذي زيغ وذي خطل
كأنها من كسير الحظ فضلات
وجاورت للآلي البحر فابتسمت
هنالك الكلمات الجوهريات
أغر يهوي معاد القول فيه إذا
قيل المعادات أخبار معادات
في كل معنى دروس من فوائده
ومن بوادر نعماه إعادات
صلى وراء أياديه الحيا فعلى
تلك الأيادي من السحب التحيات
وصد عما يروم اللوم نائله
ولا يفيد ولا تجدي الملامات
يرام تأخير جدواه وهمته
تقول إيها وللتأخير آفات
من معشر نجب ماتوا وتحسبهم
للمكرمات وطيب الذكر ما ماتوا
ممدحين لهم في كل شارقة
بر وبين خبايا الليل إخبات
"""
صفحة رقم 197 """
تمت أئمة أوصاف الكمال كما
تمت بقافية المنظوم أبيات
ما روضة قلدت أجياد سوسنها
من السحاب عقود لؤلئيات
وخطت الريح خطا في مناهلها
كأن قطر الغوادي فيه جريات
يرقى الحمام المصفى دوحها فلها
خلف الستور على العيدان رنات
يوما بأهيج من أخلاقه نشرا
أيام تنكر أخلاق سريات
ولا النجوم بأنأى من مراتبه
أيام تقتصر الأيدي العليات
قدر علا فرأى في كل شمس ضحى
جماله فكأن الشمس مرآة
وهمة ذكرها نام وأنعمها
فحيث ما كنت أنهار وجنات
"""
صفحة رقم 198 """
تأبى المدائح أن يمدح سواك بها
فتلك فيهم عوار مستردات
الله جارك من عين الزمان لقد
تجمعت بالمعالي فيك أشتات
جاورت بابك فاستصلحت لي زمني
حتى وفت وانتفت تلك العداوات
ولاطفتني الليالي فهي حينئذ
من بعد أهلي عمات وخالات
ونطقتني الأيادي بالعيون ثنا
فللكواكب كالآذان إنصات
إلا ذوي كلم لو أن محتسبا
تكلمت من جميع القوم هامات
يزاحمون بأشعار ملفقة
كأنهم بين أهل الشعر حشوات
ويطرحون على الأبواب من حمق
قصائدا هي في التحقيق بايات
من كل أبله لكن ما لفطنته
كالبله في هذه الدنيا إصابات
يحم حين يعاني نظم قافية
عجزا فتظهر هاتيك الخرافات
ويغتدي فكره المكدود في حرق
وقد أحاطت بما قال البرودات
"""
صفحة رقم 199 """
وقد يجيء بشعر بعد ذا حسن
لكن على كتفيه منه كارات
أعيذ مجدك من ألفاظها فلها
جنى كأن معانيها جنايات
إن لم يفرق بفضل بين نظمهم
وبين نظمي فما للفضل لذات
خذها عروسا لها في كل جارحة
لواحظ وكؤوس بابليات
أوردت سؤددك الأعلى مواردها
وللسها في بحار الأفق عبات
نعم الفتى أنت يستصفى الكلام له
حتى يبين له في العقل سورات
ويطرب المدح فيه حين أذكره
كأن منتصب الأقلام نايات
ما بعد غيثك غيث يستجاد ولا
من بعد إثبات قولي فيك إثبات
"""
صفحة رقم 200 """
حزت المحامد حتى ما لذي شرف
من صورة الحمد لا جسم ولا ذات
قلت ولما قال ابن نابة في ابن الزملكاني هذه الكلمة البديعة حاول أدباء عصره معارضته فما أحسنوا صنعه بل كل قصر ولم يلحق وتأخر وما جاء بحق
وأنشدني شمس الدين محمد بن يوسف المعروف بالخياط الشاعر قصيدته التي عارض بها هذه القصيدة فقلت كيف رضي ابن الزملكاني بهذه عراضا لتلك فقال أنا أنكرت على ابن نباتة تغزله ونسيبه اللذين جاء بهما على هذا الوجه وهو يمتدح عالما من علماء المسلمين وكان من قوله
ما شان مدحي لكم ذكر المدام ولا
أضحت جوامع لفظي وهي حانات
ولا طرقت حمى خمارة سحرا
ولا اكتست لي بكاس الراح راحات
وإنما أسكر الجلاس من أدب
يدور منه على الأكياس كاسات
عن منظر الروض يغنيني القريض وعن
رقص الزجاجات تلهيني الحرازات
"""
صفحة رقم 201 """
عشوت منها إلى نور الكمال ولم
يدر على خاطري دير ومشكاة
وأنشدها أيضا بدرس الشامية بين يدي الشيخ كمال الدين بن الزملكاني
ومن أراد من أهل هذه المائة أن يلحق ابن نباتة في نظم أو نثر أو خط فقد أراد المحال وحاول ما لا يصير بحال
ويعجبني على هذا الوزن والروي وإن لم يلحق ابن نباتة في الصنع البهي قول ابن الدواليبي متأخر من العراق
كم قد صفت لقلوب القوم أوقات
وكن تقضت لهم بالليل لذات
والليل دسكرة العشاق يجمعهم
ذكر الحبيب وصرف الدمع كاسات
ماتوا فأحياهم إحياء ليلهم
ومن سواهم أناس بالكرى ماتوا
لما تجلى لهم والحجب قد رفعت
تهتكوا وصبت منهم صبابات
وغيبتهم عن الأكوان في حجب
وأظهرت سر معناهم إشارات
ساقي القلوب هو المحبوب يشهده
صيت لهم بقيام الليل عادات
(
إذا صفا الوقت خافوا من تكدره وللوصال من الهجران آفات
ومن فوائد الشيخ كمال الدين
في تفسير قوله تعالى ) التائبون العابدون الحامدون السائحون ( الآية في الجواب عن السؤال المشهور وهو أنه كيف ترك العطف في جميع الصفات وعطف النهي عن المنكر على الأمر بالمعروف بالواو
قال عندي فيه وجه حسن وهو أن الصفات تارة تنسق بحرف العطف وتارة تذكر بغيره ولكل مقام معنى يناسبه فإذا كان المقام مقام تعداد صفات من غير
"""
صفحة رقم 202 """
نظر إلى جمع أو انفراد حسن إسقاط حرف العطف وإن أريد الجمع بين الصفتين أو التنبيه على تغايرهما عطف بالحرف وكذلك إذا أريد التنويع بعدم اجتماعهما أتي بالحرف أيضا وفي القرآن الكريم أمثلة تبين ذلك قال الله تعالى ) عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ( فأتى بالواو بين الوصفين الأخيرين لأن المقصود بالصفات الأول ذكرها مجتمعة والواو قد توهم التنويع فحذفت وأما الأبكار فلا يكن ثيبات والثيبات لا يكن أبكارا فأتى بالواو لتضاد النوعين
وقال تعالى ) حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ( فأتى بالواو في الوصفين الأولين وحذفها في الوصفين الأخيرين لأن غفران الذنب وقبول التوب قد يظن أنهما يجريان مجرى الواحد لتلازمهما فمن غفر الذنب قبل التوب فبين الله سبحانه وتعالى بعطف أحدهما على الآخر أنهما مفهومان متغايران ووصفان مختلفان يجب أن يعطى كل واحد منهما حكمه وذلك مع العطف أبين وأوضح
وأما شديد العقاب وذو الطول فهما كالمتضادين فإن شدة العقاب تقتضي إيصال الضرر والاتصاف بالطول يقتضي إيصال النفع فحذف ليعرف أنها مجتمعان في ذاته وأن ذاته المقدسة موصوفة بهما على الاجتماع فهو في حالة اتصافه بشديد العقاب ذو الطول وفي حال اتصافه بذي الطول شديد العقاب فحسن ترك العطف لهذا المعنى
وفي هذه الآية التي نحن فيها يتضح معنى العطف وتركه مما ذكرناه لأن كل صفة
"""
صفحة رقم 203 """
مما لم ينسق بالواو مغايرة للأخرى والغرض أنهما في اجتماعهما كالوصف الواحد لموصوف واحد فلم يحتج إلى عطف فلما ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما متلازمان أو كالمتلازمين مستمدان من مادة واحدة كغفران الذنب وقبول التوب حسن العطف ليبين أن كل واحد معتد به على حدته قائم بذاته لا يكفي منه ما يحصل في ضمن الآخر بل لا بد أن يظهر أمره بالمعروف بصريح الأمر ونهيه عن المنكر بصريح النهي فاحتاج إلى العطف
وأيضا فلما كان النهي والأمر ضدين أحدهما طلب الإيجاد والآخر طلب الإعدام كانا كالنوعين المتغايرين في قوله تعالى ) ثيبات وأبكارا ( فحسن العطف بالواو
وقال في قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا تفضلوني على يونس ) السبب في ذلك أن الله تعالى قال لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولا تكن كصاحب الحوت ( ومن المقطوع به أنه امتثل هذا الأمر لعصمته من المخالفة فصار مقطوعا بأفضليته عليه أو كالمقطوع به ومع ذلك نهى عن تفضيله عليه لما يقتضيه تواضعه لله وكرم خلائقه أو غير ذلك مما ذكر
قلت فأين اللطيفة في نهيه عن التفضيل
حاصل هذا أنه قرر عدم التفضيل مع القطع بوقوعه ونحن عارفون بذلك إنما البحث عن الحكمة فيه
وقوله لما يقتضيه تواضعه إلى آخره هو ما ذكره غيره فلم يزد على الناس شيئا
"""
صفحة رقم 204 """
وذكر قول الفقيه ناصر الدين ابن المنير في المقتفى في حديث شاة أم معبد وأن فيه لطيفة عجيبة وهو أن اللبن المحتلب من الشاة المذكورة لا بد أن يفرض مملوكا والملك هنا دائر بين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وصاحب الشاة ولهذا قسم اللبن وأشبه شيء بذلك المساقاة فإنها تلزمه للأصل وإصلاح بجزء من الثمرة وكذلك فعل ( صلى الله عليه وسلم ) كدم الشاة وأصلحها بجزء من اللبن
ويحتمل أن يقال إن اللبن مملوك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وسقاها تفضلا لأنه ببركاته كان وعن دعائه وجد والفقه الأول أدق وألطف
انتهى
قال ابن الزملكاني وكلا الوجهين لا ينفك عن نظر
ويحتمل أن يكون ذلك في محل المسامحة أو مأذون ذلك فيه في مثل هذا الحال لحاجتهما إلى اللبن أو لوجوب الضيافة أو لكون المالك مشتركا
انتهى
قلت أما النظر في وجهي ابن المنير فحق فإن الأول لا يتم لأنه لو تم لجاز مثل هذا النوع في اللبن ولا مساقاة فيه ولكان وقع عقد بينهما ولم يقع ولكانت القيمة إما نصفين عن السوية وإما على ما يقع عليه الإنفاق لو فرض ولم ينقل واحد منهما ولا وقع أيضا
والثاني قد يقال عليه لا يلزم من نمو مال زيد بدعوة عمرو أن يملك عمرو القدر النامي
والذي عندي في هذا أن اللبن ملك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكذلك الشاة نفسها
"""
صفحة رقم 205 """
فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ولا يحتاج إلى إذن من أحد وما يلزم على ذلك من اجتماع مالكين على مملوك واحد لا محذور فيه كما قررناه في بعض تعاليقنا
وهذا كما أن الوجود بأسره ملك لله تعالى ملكا حقيقيا وملك كل مالك ما ملكه الله وهكذا نقول إن الوجود بأسره ملك محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يتصرف فيه كيف يشاء وإذا ازدحم هو وبعض الملاك في شيء كان أحق لأنه مالك مطلق ولا كذلك غيره لأن كل واحد وإن ملك شيئا فعليه فيه الحجر من بعض الوجوه
ولي أرجوزة في خصائص النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومعجزاته منها
وهو إذا احتاج إلى مال البشر
أحق من مالكه بلا نظر
لأنه أولى بذي الإيمان
من نفسه بالنص في القرآن
وذكر الشيخ كمال الدين إشكالا ذكره ابن المنير في حديث قتل كعب ابن الأشرف حاصله أن النيل من عرض النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كفر ولا تباح كلمة الكفر إلا بالإكراه فكيف استأذنوه عليه السلام أن ينالوا منه بألسنتهم استدراجا للعدو وأذن لهم
وأجاب عنه بأن كعبا كان يحرض على قتل المسلمين وفي قتله خلاص من ذلك فكأنه أكره الناس على النطق بهذا الكلام بتعريضه إياهم للقتل فدفعوا عن أنفسهم بألسنتهم
انتهى
قال الشيخ كمال الدين في هذا الجواب نظر لا يخفى ويحتمل أجوبة منها أن النيل لم يكن صريحا في الكفر بل كان تعريضا يوهم المخاطب لهم فيه مقاصد صحيحة وذلك في الخديعة قد يجوز
ومنها أنه كان بإذنه ( صلى الله عليه وسلم ) وهو صاحب الحق وقد أذن
"""
صفحة رقم 206 """
في حقه لمصلحة شرعية ولا نسلم دخول هذه الصورة فيما يكون كفرا انتهى
قلت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا يأذن إلا في جائز وسبه لا يجوز أصلا والواقع التعريض دون صريح السب والحامل عليه المصلحة حيث اقتضاها الحال وكان في المعاريض مندوحة عن الكذب
ومن فتاويه
أفتى الشيخ كمال الدين ببطلان إجارة الجندي أقطاعه وقد اتبع في ذلك شيخه الشيخ تاج الدين بن الفركاح والذي أفتى به النووي والشيخ الإمام الوالد وغيرهما الصحة وهو الوجه
سمعت الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني مد الله في عمره يحكي عن الشيخ كمال الدين أنه كان يقول إذا صلى الإنسان ركعتي الاستخارة لأمر فليفعل بعدها ما بدا له سواء انشرحت نفسه له أم لا فإن فيه الخير وإن لم تنشرح له نفسه قال وليس في الحديث اشتراط انشراح النفس
رفع إلي في المحاكمات مسئلة في رجل وقف على أولاده الأشراف فلان وفلان وسمي جماعة أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين ثم على أولادهم من بعدهم وعلى أولاد أولادهم وعلى أولاد الأولاد من بعد آبائهم وأسفل ذلك من أعقابهم وأنسابهم طبقة بعد طبقة وقرنا
"""
صفحة رقم 207 """
1326
محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري أبو الفتح تقي الدين ولد الشيخ الإمام القدوة مجد الدين بن دقيق العيد
الشيخ الإمام شيخ الإسلام الحافظ الزاهد الورع الناسك المجتهد المطلق ذو الخبرة التامة بعلوم الشريعة الجامع بين العلم والدين والسالك سبيل السادة الأقدمين أكمل المتأخرين وبحر العلم الذي لا تكدره الدلاء ومعدن الفضل الذي لقاصده منه ما يشاء وإمام المتأخرين كلمة لا يجحدونها وشهادة على أنفسهم يؤدونها مع وقار عليه سيما الجلال وهيبة لا يقوم الضرغام عندها لنزال هذا مع ما أضيف إليه من
"""
صفحة رقم 208 """
أدب أزهى من الأزهار وألعب بالعقول لا أدري بين يدي هذا الشيخ ما أقول أستغفر الله من العقار
قال أبو الفتح ابن سيد الناس اليعمري الحافظ لم أر مثله فيمن رأيت ولا حملت عن أجل منه فيما رأيت ورويت وكان للعلوم جامعا وفي فنونها بارعا مقدما في معرفة علل الحديث على أقرانه منفردا بهذا الفن النفيس في زمانه بصيرا بذلك سديد النظر في تلك المسالك أذكى ألمعية وأزكى لوذعية لا يشق له غبار ولا يجري معه سواه في مضمار
إذا قال لم يترك مقالا لقائل
مصيب ولم يثن اللسان على هجر
وكان حسن الاستنباط للأحكام والمعاني من السنة والكتاب بلب يسحر الألباب وفكر يستفتح له ما يستغلق على غيره من الأبواب مستعينا على ذلك بما رواه من العلوم مستبينا ما هنالك بما حواه من مدارك الفهوم مبرزا في العلوم النقلية والعقلية والمسالك الأثرية والمدارك النظرية
وكان من العلوم بحيث يقضى
له من كل علم بالجميع
وسمع بمصر والشام والحجاز على تحر في ذلك واحتراز
"""
صفحة رقم 209 """
ولم يزل حافظا للسانه مقبلا على شانه وقف نفسه على العلوم وقصرها ولو شاء العاد أن يحصر كلماته لحصرها ومع ذلك فله بالتجريد تخلق وبكرامات الصالحين تحقق وله مع ذلك في الأدب باع وساع وكرم طباع لم يخل في بعضها من حسن انطباع حتى لقد كان الشهاب محمود الكاتب المحمود في تلك المذاهب يقول لم تر عيني آدب منه
انتهى
قلت ولم ندرك أحدا من مشايخنا يختلف في أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس السبعمائة المشار إليه في الحديث المصطفوي النبوي ( صلى الله عليه وسلم ) قائله وسلم وأنه أستاذ زمانه علما ودينا
سمع الحديث من والده وأبي الحسن بن الجميزي الفقيه وعبد العظيم المنذري الحافظ وجماعة
حدثنا عنه أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن محمد بن الحسن بن نباتة المحدث وغيرهما
ولد في البحر المالح وكان والده متوجها من قوص إلى مكة للحج في البحر فولد له الشيخ تقي الدين في يوم السبت الخامس والعشرين من شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة ولذلك ربما كتب بخطه الثبجي ثم أخذه والده على يده وطاف به بالكعبة وجعل يدعو الله أن يجعله عالما عاملا
"""
صفحة رقم 210 """
ويحكى أنه قرأ على والده الحديث المسلسل يقول وأنا دعوت فاستجيب لي فسئل ما الذي دعوت به فقال أن ينشئ الله ولدي محمدا عالما عاملا فنشأ الشيخ بقوص على أزكى قدم من العفاف والمواظبة على الاشتغال والتحرز في الأقوال والأفعال والتشدد في البعد عن النجاسة حتى حكت زوجة والده قالت لما بنى علي أبوه كان ابن عشر سنين فرأيته ومعه هاون وهو يغسله مرات زمنا طويلا فقلت لأبيه ما هذا الصغير يفعل فقال له يا محمد ما تفعل فقال أريد أن أركب حبرا وأنا أغسل هذا الهاون
وكانت والدته بنت الشيخ المقترح ووالده الشيخ البركة مجد الدين فأصلاه كريمان
تفقه بقوص على والده وكان والده مالكي المذهب ثم تفقه على شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام فحقق المذهبين ولذلك يقول فيه الإمام العلامة النظار ركن الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن التونسي المعروف بابن القوبع من قصيدة
صبا للعلم صبا في صباه
فأعل بهمة الصب الصبي
وأتقن والشباب له لباس
أدله مالك والشافعي
"""
صفحة رقم 211 """
ومن كراماته أنه لما جاءت التتار ورد مرسوم السلطان إلى القاهرة بعد خروجه منها للقائهم على أهل مصر أن يجتمع العلماء ويقرءوا البخاري قال الحاكي فقرأنا البخاري إلى أن بقي ميعاد وأخرناه لنختمه يوم الجمعة فلما كان يوم الجمعة رأينا الشيخ تقي الدين في الجامع فقال ما فعلتم ببخاريكم فقلنا بقي ميعاد أخرناه لنختمه اليوم قال انفصل الحال من أمس العصر وبات المسلمون على كذا فقلنا نخبر عنك فقال نعم فجاء الخبر بعد أيام بذلك وذلك في سنة ثمانين عند دخول التتار البلاد
وقال عن بعض الأمراء وقد خرج من القاهرة إنه لا يرجع فلم يرجع
وأساء شخص عليه الأدب فقال له الشيخ نعيت لي في هذا المجلس ثلاث مرات فمات بعد ثلاثة أيام
وتوجه في شخص آذى أخاه فسمع الخطاب أنه يهلك وكان كذلك وكراماته كثيرة
وأما دأبه في الليل علما وعبادة فأمر عجاب ربما استوعب الليلة فطالع فيها المجلد أو المجلدين وربما تلا آية واحدة فكررها إلى مطلع الفجر استمع له بعض أصحابه ليلة وهو يقرأ فوصل إلى قوله ) فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ( قال فما زال يكررها إلى طلوع الفجر
"""
صفحة رقم 212 """
وكان يقول ما تكلمت كلمة ولا فعلت فعلا إلا وأعددت له جوابا بين يدي الله عز وجل
وكان يخاطب عامة الناس السلطان فمن دونه بقوله يا إنسان وإن كان المخاطب فقيها كبيرا قال يا فقيه وتلك كلمة لا يسمح بها إلا لابن الرفعة ونحوه وكان يقول للشيخ علاء الدين الباجي يا إمام ويخصه بها
توفي في حادي عشر صفر سنة اثنتين وسبعمائة
ومن مصنفاته كتاب الإمام في الحديث وهو جليل حافل لم يصنف مثله
وكتاب الإلمام وشرحه ولم يكمل شرحه
وأملى شرحا على عمدة عبد الغني المقدسي في الحديث وعلى العنوان في أصول الفقه
وله تصنيف في أصول الدين
وشرح مختصر ابن الحاجب في فقه المالكية ولم يكمله
وعلق شرحا على مختصر التبريزي في فقه الشافعية
وولي قضاء القضاة على مذهب الشافعي بعد إباء شديد وعزل نفسه غير مرة ثم يعاد
وكان حافظا مكثرا إلا أن الرواية عسرت عليه لقلة تحديثه فإنه كان شديد التحري في ذلك
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه حدثني محمد بن علي الحافظ أنه قرأ على أبي الحسن علي بن هبة الله الشافعي أن أبا طاهر السلفي أخبرهم أخبرنا القاسم ابن الفضل حدثنا علي بن محمد أخبرنا إسماعيل الصفار حدثنا محمد بن عبد الملك
"""
صفحة رقم 213 """
حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا عاصم قال سألت أنسا أحرم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة فقال نعم هي حرام حرمها الله ورسوله لا يختلى خلاها فمن لم يعمل بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
سمعت الشيخ عليا الهجار المكشوف الرأس وهو رجل صالح يقول مر أبو العباس المرسي رضي الله عنه في القاهرة بأناس يزدحمون على دكان الخباز في سنة الغلاء فرق عليهم فوقع في نفسه لو كان معي دراهم لآثرت هؤلاء بها فأحس بثقل في جبته فأدخل يديه فواجد دراهم جملة فدفعها إلى الخباز وأخذ بها خبزا فرقه عليهم فلما انصرف وجد الخباز الدراهم زيوفا فاستغاث به فعاد ووقع في نفسه أن ما وقع في نفسي أولا من الرقة اعتراض على الله وأنا أستغفر الله منه فلما عاد وجد الخباز الدراهم جيدة فانصرف أبو العباس وجاء إلى الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد وحكى له الحكاية فقال ابن دقيق العيد له يا أستاذ أنتم إذا رقيتم على أحد تزندقتم ونحن إذا لم نرق على الناس تزندقنا
قلت تأمل أيها المسترشد ما تحت هذا الجواب من المعنى الحقيقي فقد أشار الشيخ به والله أعلم إلى أن الفقير يطلع على الأسرار فكيف يرق ولا يقع شيء في الوجود إلا لحكمة اقتضته ومن اطلع على الذنب لم يرق للعقوبة وقد قال تعالى ) ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ( والفقيه لا اطلاع له على ذلك فيرق ديانة ورأفة ولهذا الكلام شرح طويل ليس هذا موضعه فلنمسك العنان
"""
صفحة رقم 214 """
أنشدنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أنشدنا شيخ الإسلام تقي الدين لنفسه إجازة
تمنيت أن الشيب عاجل لمتى
وقرب مني في صباي مزاره
لآخذ من عصر الشباب نشاطه
وآخذ من عصر المشيب وقاره
وبالسند المذكور
كم ليلة فيك وصلنا السرى
لا نعرف الغمض ولا نستريح
واختلف الأصحاب ماذا الذي
يزيل من شكواهم أو يريح
فقيل تعريسهم ساعة
وقيل بل ذكراك وهو الصحيح
وبه
قالوا فلان عالم فاضل
وأكرموه مثل ما يرتضي
فقلت لما لم يكن ذا تقى
تعارض المانع والمقتضي
وبه
أتعبت نفسك بين ذلة كادح
طلب الحياة وبين حرص مؤمل
وأضعت نفسك لا خلاعة ماجن
حصلت فيه ولا وقار مبجل
وتركت حظ النفس في الدنيا وفي الأخرى
ورحت عن الجميع بمعزل
"""
صفحة رقم 215 """
ومن شعر الشيخ مما لا رواية لي به بالسماع
أهل المناصب في الدنيا ورفعتها
أهل الفضائل مرذولون بينهم
قد أنزلونا لأنا غير جنسهم
منازل الوحش في الإهمال عندهم
(
فما لهم في توقي ضرنا نظر
ولا لهم في ترقي قدرنا همم
فليتنا لو قدرنا أن نعرفهم
مقدارهم عندنا أو لو دروه هم
لهم مريحان من جهل وفرط غنى
وعندنا المتعبان العلم والعدم
وقد ناقضه الفتح البققي المنسوب إلى الزندقة فقال وأجاد
أين المراتب والدنيا ورفعتها
عند الذي حاز علما ليس عندهم
لا شك أن لنا قدرا رأوه وما
لقدرهم عندنا قدر ولا لهم
هم الوحوش ونحن الإنس حكمتنا
تقودهم حيث ما شئنا وهم نعم
وليس شيء سوى الإهمال يقطعنا
عنهم لأنهم وجدانهم عدم
لنا المريحان من علم ومن عدم
وفيهم المتعبان الجهل والحشم
"""
صفحة رقم 216 """
وقال بقية المجتهدين أبو الفتح القشيري
ذروا في السرى نحو الجناب الممنع
لذيذ الكرى واجفوا له كل مضجع
واهدوا إذا جئتم إلى خير مربع
تحية مضنى هائم القلب موجع
سريع إلى داعي الصبابة طيع
يقوم بأحكام الهوى ويقيمها
فكم ليلة قد نازلته همومها
يسامرها حتى تولت نجومها
له فكرة فيمن يحب نديمها
وطرف إلى اللقيا كثير التطلع
وكم ذاق في أحواله طعم محنة
وكم عارضته في مواقف فتنة
وكم آية تأتي له بعد آية
تنم على سر له في أكنة
وتخبر عن قلب له متقطع
وفي صبرة شوق أقام ملازما
وحب يحاشي أن يطيع اللوائما
"""
صفحة رقم 217 """
وجفن يرى أن لا يرى الدهر نائما
وعقل ثوى في سكرة الحب دائما
وأقسم أن لا يستفيق ولا يعي
أقام على بعد المزار متيما
وأبكاه برق بالحجاز تبسما
وشوقه أحبابه نظر الحمى
دعوه لأمر دونه تقطر الدما
فيا ويح نفس الصب ماذا له دعي
له عند ذكر المنحنى سفح عبرة
وبين الرجا والخوف موقف عبرة
فحينا يوافيه النعيم بنظرة
وحينا ترى في قلبه نار حسرة
تجيء له بالموت من كل موضع
سلام على صفو الحياة وطيبها
إذا لم تفز عيني بلقيا حبيبها
"""
صفحة رقم 218 """
ولم تحظ من إقباله بنصيبها
ولا استعطفته مقلتي بصبيبها
ولا وقعت شكواي منه بموقع
موكل طرفي بالسهاد المؤرق
ومجرى دمعي كالحيا المتدفق
وملهب وجد في فؤادي محرق
بعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي
وعندك ما تحوي وتخفيه أضلعي
أضر بي البلوى وذو الحب مبتلى
يعالج داء بين جنبيه معضلا
ويثقله من وجده ما تحملا
وتبعثه الشكوى فيشتاق منزلا
به يتلقى راحة المتودع
محل الذي دل الأنام بشرعه
على أصل دين الله حقا وفرعه
به انضم شمل الدين من بعد صدعه
لنا مذهب العشاق في قصد ربعه
نقيم به رسم البكا والتضرع
محل به الأنوار ملء رحابه
ومستودع الأسرار عند صحابه
"""
صفحة رقم 219 """
هداية من يحتار تأميل بابه
وتشريف من يختار قصد جنابه
بتقبيله وجه الثرى المتضوع
أقام لنا شرع الهدى ومناره
وألبسنا ثوب التقى وشعاره
وجنبنا جور العمى وعثاره
سقى الله عهد الهاشمي ودراه
سحابا من الرضوان ليس بمقلع
بنى العز والتوحيد من بعد هده
وأوجب ذل المشركين بجده
عزيز قضى رب السماء بسعده
وأيده عند اللقاء بجنده
فأورد نصر الله أعذب مشرع
أقول لركب سائرين ليثرب
ظفرتم بتقريب النبي المقرب
فبثوا إليه كل شكوى ومتعب
وقصوا عليه كل سؤل ومطلب
وأنتم بمرأى للرسول ومسمع
ستحمون في مغناه خير حماية
وتكفون ما تخشون أي كفاية
وتبدو لكم من عنده كل آية
فحلوا من التعظيم أبعد غاية
فحق رسول الله أكبر ما رعى
"""
صفحة رقم 220 """
أما والذي آتاه مجدا مؤثلا
لقد قام كهفا للعفاة ومعقلا
يبوئهم سترا من الحلم مسبلا
ويمطرهم عينا من الجود سلسلا
ويترع في إكرامهم كل مترع
تعبنا بعيش ما هنا في وروده
وضر ثقيل الوطء فيه شديده
فرحنا إلى رب الندى وعميده
ولما قصدناه وقفنا بجوده
ولم نخش ريب الحادث المتوقع
لقد شرف الدنيا قدوم محمد
وأبقى لها أنوار حق مؤيد
تزين به وراثه كل مشهد
فهم بين هاد للأنام ومهتد
ومثبت أصل للهدى ومفرع
سلام على من شرف الله قدره
سلام محب عمر الحب سره
"""
صفحة رقم 221 """
له مطلب أفنى تمنيه عمره
وحاجات نفس لا تجاوز صدره
أعد لها جاه الشفيع المشفع
وقال
لله در الفئة الأمجاد
السالكين مسالك الأفراد
عرفوا وهم بالغور من وادي الغضا
أن رحلوا لمبارك العباد
فسروا لنجد لا يملون السرى
أو يظفروا منها بكل مراد
لا يقطعون من المناهل معلما
إلا ولاح سواه بالمرصاد
لم يثنهم طول الطريق لهم ولا
عدم الرفيث ولا نفاذ الزاد
سقتهم مس النعاس جفونهم
كأسا تميلهم على الأعواد
وتكاد أنفسهم تفيظ وتحتبي
بنسيم نجد أو غناء الحادي
نادتهم النجب الركائب عندما
أطت بوقع السوط والإجهاد
طيب الحاية بنجد إلا أنه
من دون ذاك تفتت الأكباد
فأجابها صدق العزيمة إنما
نحن المعالي أنفس الأجواد
لله درهم فقد وصلوا إلى
ظل النعيم وبرد حر الصادي
"""
صفحة رقم 222 """
ولقد يعز علي أنهم غدوا
والدار قفرا منهم ببعاد
فلأنهضن إلى الحمى متوجها
بين اعتراض عواتق وغوادي
ولأقطعن عليه كل مفازة
تدني الهلاك ولو عدمت الهادي
وقال
يقولون لي هلا نهضت إلى العلا
فما لذ عيش الصابر المتقنع
وهلا شددت العيس حتى تحلها
بمصر إلى ذاك الجناب المرفع
ففيها من الأعيان من فيض كفه
إذا شاء روى سيله كل بلقع
وفيها قضاة ليس يخفى عليهم
تعين كون العلم غير مضيع
وفيها شيوخ الدين والفضل والألى
يشير إليهم بالعلى كل أصبع
وفيها وفيها والمهانة ذلة
فقم واسع واقصد باب رزقك واقرع
فقلت نعم أسعى إذا شئت أن أرى
ذليلا مهانا مستخفا بموضعي
وأسعى إذا ما لذ لي طول موقفي
على باب محجوب اللقاء ممنع
وأسعى إذا كان النفاق طريقتي
أروح وأغدو في ثياب التصنع
وأسعى إذا لم يبق في بقية
أراعي بها حق التقى والتورع
فكم بين أرباب الصدور مجالس
يشب لها نار الغضا بين أضلعي
وكم بين أرباب العلوم وأهلها
إذا بحثوا في المشكلات بمجمع
"""
صفحة رقم 223 """
مناظرة تحمي النفوس فتنتهي
وقد شرعوا فيها إلى شر مشرع
من السفه المزري بمنصب أهله
أو الصمت عن حق هناك مضيع
فإما توقي مسلك الدين والنهى
وإما تلقي غصة المتجرع
وقال
نزهونا عن استماع الملام
ما لنا قرعة لغير الغرام
ليس في الوقت وصلة لحديث
عن سوى رامة وأهل الخيام
يا خليلي دعاء صب قريح
ليس إسعاد مثله بحرام
لست أقوى على النهوض بنفسي
لأرى برق أرضهم من قيام
وقال
دمع عيني على الغرام دليلي
وسبيل السلو غير سبيلي
لا تخافا علي من كثر عذلي
ليس لي التفاتة لعذولي
كل ما لاح بارق ذبت شوقا
نحو نجد وهاج مني عليلي
وترددت بين وجد جديد
وفوق وجدي وبين خد عسيل
"""
صفحة رقم 224 """
وقال
دقت معاني حسنكم في الملاح
عن نظر الواشي وفهم اللواح
لله أيام مضت لي بكم
بين ربا نجد وتلك البطاح
أيام وصل نلت فيها الذي
أهوى وأكثرت من الإقتراح
وقد بقيت اليوم من بعدها
كطائر قد قص منه الجناح
ما قوة من قد طار من وكره
ولا على من سلا فاستراح
أبيت أرعى من نجوم الدجا
أسير ليل ماله من براح
علمت يا ظالم بعد اللقا
وقسوة القلب أخاك الصباح
وقال
يفنى الزمان ومحنتي
بك كل يوم في زياده
بالغت في طلبي وصالك
لو تواتيني السعاده
تنأى وتدنو دائما
لم ينتظم لي فيك عادة
أفنيت عمري في الجهاد
وأرتجي نيل الشهاده
وقال
سر فكفي بفيض دمعي تبلى
وأحاديث صبوتي فيك تتلى
أكثر العاذلون فيك ولكن
لم يجد عذلهم بقلبي محلا
وقفت همتي عليك وقوفا
ليس تبغي سواك في الناس خلا
"""
صفحة رقم 225 """
غبت عني فغاب أنسي ورشدي
وأردت البعاد فازددت ذلا
إن صبري يلقى الشدائد لكن
حين لاقى جمالك الفرد ولى
وقال يستدعي من انبساط بعض إخوانه
طال عهدي برؤية الروض فابعث
لي روحا قد نمقته يمينك
أنت خدن العلا فلا ذاق يوما
مر طعم الفراق منك خدينك
قلت للمقسم المؤكد للأيمان
أن ليس في البلاد قرينك
قلت صدقا وجئت حقا ولو قلت
وكافى الدنيا لبرت يمينك
وقال
يا بديع الحسن ما أحلى
بقلبي خطراتك
فيك سر سحر الألباب
في استحسان ذاتك
ما فهمنا عنك إلا
أنه في لحظاتك
أنا أرجوك وأخشى
سطوة من سطواتك
فبما فيك من اللطف
ومن حسن صفاتك
لا تدع هجرك لي
تلف روحي بحياتك
"""
صفحة رقم 226 """
وقال
بالذي استبعد أرواح
المحبين لذاتك
وبلطف من معانيك
يرى من حركاتك
وبنور الحسن إذ يحويك
من كل جهاتك
وبسر فوق ما يدرك
من حسن صفاتك
لا تذقني الموت في
صدك عني بحياتك
وقال
جمالكم لا يحصر
ومثلكم لا يهجر
وحبكم بين الحشا
مستودع لا يظهر
ناري بكم لا تنطفي
ولوعتي لا تفتر
إذا أتى الليل أتى الهم
بكم والفكر
فإن أكن وذكركم
طاب ولذ السهر
ولي عذول فيكم
يقلقني ويكثر
يقول لي تقل من
ذكرهم وتقصر
وتحمل الشوق الذي
حملته وتصبر
والله ما أطيقه
هل أنا إلا بشر
"""
صفحة رقم 227 """
وقال
لقد بعدت ليلى وعز وصالها
كما عز بين العالمين مثالها
فمن لي بنوق لا تزال تمدها
قواها ولا يدنو إليها كلالها
ولكنها جسم يذوب وصبره
يحول وأرواح يخاف زوالها
لعمري لقد كلفتها في مسيرها
بلوغ مدى قد قل فيه احتمالها
وتشكي لي التسويف والسوط والبرى
ولو خف من شوقي أجيب سؤالها
وتسألني رفقا بها وبضعفها
ولو خف من سوقي أجيب سؤالها
وللعيس آمال بليلى تعلقت
أخاف المنايا قبل كوني أنالها
يقرب عندي وصلها حسن لطفها
ويبعدها استغناؤها ودلالها
وإني لأرضى اليوم بعد تشوقي
إلى أن أراها أن يزور خيالها
فبادر إلى نجد ولذ بنسيمها
وبرد جناها ثم طيب ظلالها
وفاح نسيم الروض حتى تعطرت
رباك برياه ورق جمالها
وغنت لك الأطيار من كل جانب
فأطرب أهل الحي منها مآلها
فلا تبخلي أن ترسلي لي نسمة
تبل عليك الشوق مني بلالها
"""
صفحة رقم 228 """
فيا حبذا برق بأرض مسرة
ونفحة ريح من هناك انتقالها
عقدت على حبي لذكرك عقدة
عسير على مر الزمان انحلالها
وقال
ألا إن بنت الكرم أغلي مهرها
فيا خسر من أضحى لذلك باذلا
تزوج بالعقل المكرم عاجلا
وبالنار والغسلين والمهل آجلا
وقال
بعض أخلاي صار ميتا
وبعضهم في البلاء غائب
وبعضهم حاضر ولكن
يحصى ويقصى ولا يقارب
وصرت بين الورى وحيدا
فلا قريب ولا مناسب
فلا تلمني على اكتئابي
سرور مثلي من العجائب
وقال
قد جرحتنا يد أيامنا
وليس غير الله من آسي
فلا ترج الناس في حاجة
ليسوا بأهل لسوى الياس
"""
صفحة رقم 229 """
ولا ترد شكوى إليهم فلا
معنى لشكواك إلى قاس
ولا تقس بالعقل أفعالهم
ما مذهب القوم بمنقاس
لا يعدم الآتي لأموالهم
من ذلة الكلب سوى الحاس
وإن تجالس منهم معشرا
هويت في الذنب على الراس
يأكل بعض لحم بعض ولا
يحسب في الغيبة من باس
لا رغبة في الدين تحميهم
عنهم ولا حشمة جلاس
فاهرب من الخلق إلى ربهم
لا خير في الخلطة بالناس
وقال
إذا كنت في نجد وطيب نسيمها
تذكرت أهلي باللوى فمحجر
فإن كنت فيهم ذبت شوقا ولوعة
على ساكني نجد وعيل تصبري
وقد طال ما بين الفريقين قصتي
فمن لي بنجد بين قومي ومعشري
وقال
في أرض نجد منزل لفؤادي
عمرته شوقي وصدق ودادي
ما كان أقربه على من رامه
بمسرة لولا اعتراض عواد
أصبو إليه مع الزمان فكيف لا
أصبو وتلك منازلي وبلادي
"""
صفحة رقم 230 """
أرض بها الشرف الرفيع وغاية العز
المنيع ومسكن الأجواد
أوطنتها فخرجت منها عنوة
بمكائد الأعداء والحساد
وقال
يا منيتي أملي ببابك واقف
والجود يأبى أن يكون مضاعا
أشكو إليك صبابة قد أترعت
لي كأس وجد في الهوى إتراعا
ونزاع شوق لم تزل أيدي النوى
تنمي به حتى استحال نزاعا
لم يبق لي أمل سواك فإن تفت
ودعت أيام الحياة وداعا
لم أستلذ بغير وجهك منظرا
وسوى حديثك لا أحب سماعا
وقال
من عذيري من معشر هجروا العقل
وحادوا عن طرقه المستقيمه
(
لا يرون الإسنان قد نال حظا من صلاح حتى يكون بهيمه
فصل في شيء من نثره وهو كثير
وله ديوان خطب مفرد معروف ونحن نذكر هنا ما هو بالغ في الإجادة مما خرج عن ديوانه فمن ذلك قوله في خطبة شرح الإلمام
أما بعد حمد الله فإن الفقه في الدين منزلة لا يخفى شرفها وعلاؤها
"""
صفحة رقم 231 """
ولا تحتجب عن العقول طوالعها وأضواؤها وأرفعها بعد فهم كتاب الله المنزل البحث عن معاني حديث نبيه المرسل إذ بذاك تثبت القواعد ويستقر الأساس
وعنه يقوم الإجماع ويصدر القياس وما تعين شرعا تعين تقديمه شروعا وما يكون محمولا على الرأس لا يحسن أن يجعل موضوعا لكن شرط ذلك عندنا أن يحفظ هذا النظام ويجعل الرأي هو المأموم والنص هو الإمام وترد المذاهب إليه وترد الآراء المنتشرة حتى تقف بين يديه وأما أن يجعل الفرع أصلا ويرد النص إليه بالتكلف والتحيل ويحمل على أبعد المحامل بلطافة الوهم وسعة التخيل ويرتكب في تقرير الآراء الصعب والذلول ويحتمل من التأويلات ما تنفر منه النفوس وتستنكره العقول فلذلك عندنا من أردإ مذهب وأسوإ طريقة ولا تعتقد أنه يحصل معه النصيحة للدين على الحقيقة وكيف يقع أمر مع رجحان منافيه وأنى يصح الوزن بميزان مال أحد الجانبين فيه ومتى ينصف حاكم ملكته غضبية العصبية وأين يقع الحق من خاطر أخذته العزة بالحمية
ثم أخذ في ذلك إلى منتهى الخطبة
ومن ذلك خطبة شرح مختصر ابن الحاجب
الحمد لله منزل الكتاب ومفصل الخطاب وفاتح أبواب الصواب ومانح أسباب الثواب
أحمده وهباته تنزل بغير حساب وأعبده وإليه المرجع والمآب وأرجوه وأخافه فبيده الثواب والعقاب
وأشهد أن لا إله إلى الله وحده لا شريك له شهادة مقدمات دلائلها مبينة الأسباب ونتيجة اعتقادها جنة مفتحة الأبواب
"""
صفحة رقم 231 """
قال اللص لعمري لقد حسنت عبارتك ونمقتها وحسنت إشارتك وطبقتها ونثرت خيرك على فخ ضيرك وقد قيل في المثل السائر على ألسنة العرب أنجز حر ما وعد أدرك الأسد قبل أن يلتقي على الفريسة لحياه ولا يعجبك من عدو حسن محياه وأنشد
لا تخدش وجه الحبيب فإنا
قد كشفناه قبل كشفك عنه
واطلعنا عليه والمتولي
قطع أذن العيار أعير منه
ألم يزعم القاضي أنه كتب الحديث زمانا ولقي فيه كهولا وشبانا حتى فاز ببكره وعونه وحاز منه فقر متونه وعيونه
قال القاضي أجل
قال اللص فأي شيء كتبت في هذا المثل الذي ضربت لك فيه المثل وأعملت الحيل
قال القاضي ما يحضرني في هذا المقام الحرج حديث أسنده ولا خبر أورده فقد قطعت هيبتك كلامي وصدعت قبضتك عظامي فلساني كليل وجناني عليل وخاطري نافر ولبي طائر
قال اللص فليسكن لبك وليطمئن قلبك اسمع ما أقول وتكون بثيابك حتى لا تذهب ثيابك إلا بالفوائد
قال القاضي هات
قال اللص حدثني أبي عن جدي عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يمين المكره لا تلزمه فإن حلف وحنث فلا شيء عليه ) وأنت إن حلفت حلفت مكرها وإن حنثت فلا شيء عليك انزع ثيابك
"""
صفحة رقم 232 """
وأشهد أن محمدا عبد ورسوله أرسله وقد طال زمن الفترة ونسيت الآداب وبعد عهد النبوة فزال الحق وانجاب فمنازل الهدى خراب ومعاهده لا تعتاد ولا تنتاب وللناس بالشهوات والشبهات إعجاب حتى أفرد النظر بالدنيا وادعي تعدد الأرباب فاختار الله محمدا في أشرف الأنساب وخيرة الأحساب نذيرا بين يدي العذاب وبشيرا لمن أطاع الحق وأجاب وأيده بمعجزات تدفع عارض الارتياب وتكشف أنوار اليقين ليس دونها حجاب وتدع القلوب مطمئنة لا ترتاع من جانب الشبهات ولا ترتاب فصلى الله على سيدنا محمد صلاة وسلاما يدخل فيهما الآل والأصحاب
أما بعد فإن التصنيف في علم الأحكام وتبيين الحلال من الحرام وإن كانت شدة الحاجة إليه توجب وقف الهمم عليه ووقوف الإمكان بين يديه فإن شدة خطره وعظيم غرره مما يوجب مهابة الشروع في تلك المشارع والتوقف عن الحكم على مقاصد الشارع
ما هي إلا أعراض تنتهك وأجسام تنتهك وأعمال يتعب لها وينصب وأموال يثبت ملكها ويسلب ودماء تعصم وتسفح وأبضاع تحرم أو تنكح
هذا مع تشعب مواقع النظر وتعارض مسالك العبر وملال يعتري الأذهان وتقصير جبل عليه طبع الإنسان
فالطريق خفي المسارب والغاية مخوفة العواقب وما قل من ذلك يتقوى الخاطر الرادع ويتوقى الرأي الخادع ويخاف الآمن ويقلق الرادع
"""
صفحة رقم 233 """
ولقد كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم لطريق هذا الخوف سالكين ولأزمة الورع والخشية مالكين فتدافعوا الفتوى لشدة التقوى وأجابوا عن اليسير عندما سئلوا عن الكثير وأجروا الدموع فرقا وجروا إلى غاية التحري طلقا
ثم آل الأمر إلى التسامح والتساهل والغفلة والتغافل فأطلقت أعنة الأقلام وأرسلت بوادر الكلام وطوي بساط التورع راسا وعد التوقف جهالة أو وسواسا وتوهموا التسرع دليلا على كثرة الحاصل والإحجام علامة على قلة الواصل وأحد الأمرين لازم لهم إما أن يدعوا أنهم أعلم ممن سبق أو يسلموا أنهم ما طرق قلوبهم من مخافة الله ما ألم بقلوب العارفين وطرق هذا ما يتعلق بغرور الأخرى
وأما في الدنيا وإن كان يعم كل تصنيف فإن المرء يتعب أفكاره ويكد ليله ونهاره ويقدح زناد القريحة حتى يرى قدحه ويرقب فجر الحقائق حتى يتبلج صبحه ويروض مصاعب النظر حتى يصحب جامحها ويستدني شوارد العبر حتى يقرب نازحها فإذا ينجلي له من ذلك نادرة أبداها وتأمل أن يودع بالفكر خاتمتها ويتلقى بالشكر مبداها قام الحاسد فقبح تلك الصورة الحسنة وشانها وحقر تلك الجملة الجميلة وشانها وقال بلسان الحال أو المقال لقد دلاك أيها المصنف الغرور واستهواك الغرور وخاب العنا وصفر الإنا وطاش السهم وطال الوهم وطاح الفهم فالروض هشيم والمرتع وخيم والمورد وشل وإن ظن أنه جميم إلى أمثال ذلك
"""
صفحة رقم 234 """
من أثر الحسد الذي يدع الخواطر في كمد والنفوس في مجاهدتها في كبد ويكسف البال ويقلص الآمال ويكدر من المشرب العذب الزلال ويحرم من الأحالة السحر الحلال ويقبح من الإحسان أجمل الجلال حتى إن الكتاب الذي صنفه الإمام العلامة الأفضل أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر الدويني الأصل الصعيدي المولد المعروف بابن الحاجب رحمه الله وسماه الجامع بين الأمهات أتى فيه بالعجب العجاب ودعا قصي الإجادة فكان المجاب وراض عصي المراد فزال شماسه وانجاب وأبدى ما حقه أن تصرف أعنة الشكر إليه وتلقى مقاليد الاستحسان بين يديه وأن يبالغ في استحسانه ويشكر نفحات خاطره ونفثات لسانه فإنه رحمه الله تيسرت له البلاغة فتفيأ ظلها الظليل وتفجرت ينابيع الحكمة فكان خاطره ببطن المسيل وقرب المرمى فخفف الحمل الثقيل وقام بوظيفة الإيجاز فناداه لسان الإنصاف ما على المحسنين من سبيل
ومع ذلك فلم يعدم الذام حسناؤه ولا روعي اجتهاده في خدمة العلم واعتناؤه بل أنحي على مقاصده فذمت أنحاؤه وقصد أن يستكفأ من الإحسانه صحيفته
"""
صفحة رقم 235 """
وإناؤه فتارة يعاب لفظه بالتعقيد وطورا يقال لقد رمى المعنى من أمد بعيد ومرة ينسب إلى السهو والغلط وأخرى رجح غير المشهور وذلك معدود من السقط وجعل ذلك ذريعة إلى التنفير عن كتابه والتزهيد فيه والغض ممن يتبع أثر سلوكه ويقتفيه وهذا عندنا من الجور البين والطريق الذي سلوك سواه والعدول عنه متعين
فأما الاعتراض بالتعقيد والإغماض فربما كان سببه بعد الفهم ويعد الذنب هناك للطرف لا للنجم وإنما وضعت هذه المختصرات لقرائح غير قرائح وخواطر إذا استسقيت كانت مواطر وأذهان يتقد أوارها وأفكار إذا رامت الغاية قصر مضمارها فربما أخذها القاصر ذهنا فما فك لها لفظا ولا طرق معنى فإن وقف هناك وسلم سلم وإن أنف بالنسبة إلى التقصير فأطلق لسانه أثم وهو مخطئ في أول سلوك الطريق وظالم لنفسه حيث حملها مالا تطيق
وسبيل هذه الطبقة أن تطلب المبسوطات التي تفردت في إيضاحها وأبرزت معانيها سافرة عن نقابها مشهورة بغررها وأوضاحها
والحكيم من يقر الأمور في نصابها ويعطي كل طبقة مالا يليق إلا بها
وأما السهو والغلط فما أمكن تأويله على شيء يتأول وما وجد سبيل واضح إلى توجيه حمل على أحسن محمل وما استدت فيه الطرق الواضحة وتؤملت أسباب حسنه أو صحته فلم تكن لائحة فلسنا ندعي لغير معصوم عصمه ولا نتكلف تقدير ما نعتقده غلطا بأن ذلك أبهج وصمه فالحق أولى ما رفع علمه وروعيت ذممه ووفيت من العناية قسمه وأقسم المحقق أن لا يعافه فبر قسمه وعزم النظر أن يلزم موقفه فثبتت قدمه
"""
صفحة رقم 236 """
ولكن لا نجعل ذلك ذريعة إلى ترك الصواب الجم ولا نستحل أن نقيم في حق المصنف شيئا إلى ارتكاب مركب الذم والذنب الواحد لا يهجر له الحبيب والروضة الحسناء لا تترك لموضع قبر جديب والحسنات يذهبن السيئات وترك المصالح الراجحة للمفاسد المرجوحة من أعظم المباآت والكلام يحمل بعضه بعضا ومن أسخطه تقصير يسير فسيقف على إحسان كبير فيرضى
ولو ذهبنا نترك كل كتاب وقع فيه غلط أو فرط من مصنفه سهو أو سقط لضاق علينا المجال وقصر السجال وجحدنا فضائل الرجال وفاتنا فوائد تكاثر عديد الحصا وفقدنا عوائد هي أجدى علينا من تفاريق العصا
ولقد نفع الله الأمة بكتب طارت كل المطار وجازت أجواز الفلوات وأثباج البحار وما فيها إلا ما وقع فيه عيب وعرف منه غلط بغير شك ولا ريب ولم يجعله الناس سببا لرفضها وهجرها ولا توقفوا عن الاستضاءة بأنوار الهداية من أفق فجرها
"""
صفحة رقم 237 """
وسلكنا عند الإنصاف تلك السبيل ولا بدع في أن يعطى الشخص حكم السغب والتبتيل
يا ابن الأعارب ما علينا باس
لم نأب إلا ما أباه الناس
على أنه لما طال الزمان قليلا عاد جد ذلك السغب قليلا فحفظ هذا الكتاب الحفاظ واعتني منه بالمعاني والألفاظ وشدت عليه يد الضنانة والحفاظ وقامت له سوق لا يدعيها ذو المجاز ولا عكاظ فوكلت به الأسماع والأبصار وكثرت له الأعوان والأنصار وسكنت الدهماء فحمد ذلك النقع المثار وأسس بناء الإنصاف على التقوى فهدم مسجد الضرار فابيضت تلك الليالي السود ومات الحسد أو مات المحسود فكان كما قلت
ادأب على جمع الفضائل جاهدا
وأدم لها تعب القريحة والجسد
واقصد بها وجه الإله ونفع من
بلغته ممن جد فيها واجتهد
واترك كلام الحاسدين وبغيهم
هملا فبعد الموت ينقطع الحسد
فقد آن إذن وحق أن نشرح هذا الكتاب شرحا يعين الناظر يه على فك لفظه وفهم معانيه على وجه يسهل للماهر مساغه وذوقه ويرفع القاصد فيلحقه بدرجة من هو فوقه ويسلك سبيل معرفته ذللا ويدرك به ناظره من وضوحه أملا
"""
صفحة رقم 238 """
فاستخرت الله تعالى في وضع هذا الشرح قاصدا فيه لعشرة أمور
الأول التعرض لبسط ألفاظه المقفلة وإيضاح معانيه المشكلة وإظهار مضمراته المهملة فأذكر المسائل أو المسئلة أبسط العبارة فيها وأقتصر على ذلك إن رأيت أنه يكفيها وإلا رجعت إلى تنزيل ألفاظ الكتاب على ذلك الذي بسطته موضعا موضعا لأجمع بين البيان الإجمالي والتفصيلي معا اللهم إلا مواضع يسيرة أخذ الإشكال بخنقها ورامت الأذهان الرائقة سلوكها فالتبس عليها جميع طرقها فإنا نطوي تلك على غرها ونربأ بأنفسنا عن ركوب مراكب العسف مستعيذين بالله من شرها والعاقل يختار السكوت على التخليط وإذا لم يكن بد من أحد الحملين فجيء هذا بالبسيط
على أني لا أجزم بالصحة لتلك المواضع ولا أعتقد العصمة إلا لمن يشهد له بها القواطع ولقد سمعت أبي رحمه الله يحكي ما معناه أو قريب منه أن المصنف سئل عن شيء من هذا الكتاب فلم يأت منه بجواب وذكر أنه إنما وضعه على الصحة
الثاني تفسير ألفاظه الغريبة واللغوية وكيفية النطق بها على مقتضى العربية وذكر شيء من الاشتقاقات الأدبية والتحرز مما يعد من لحن العوام والتحفظ من التصحيف الذي هو إحدى القوام ولقد بلي بذلك من ضعفة الفقهاء من
"""
صفحة رقم 239 """
صفر من الأدب مزاده وقل في طريق العربية زاده وخفت عن تلك اللطائف طباعه وتناءت عن تلك المناهل رباعه
الثالث أنسب الأقوال المهملة إلى أربابها إذا أطلقت وأميز أقوال الإمام من أقوال الصحابة إذا علمت المخالفة بينهم تحققت وأبين الأصح من القولين إذا لم يبين وأعين الأشهر من الخلاف إذا لم يعين كل ذلك بحسب ما انتهى علمي إليه ووقف بحثي بحسب الحال الحاضر عليه
الرابع أراعي في المسائل المذهبية التوجيه والتعليل ولا أدعها تتردد بين أنحاء التعليل فما قويت في الاعتبار منته ومبانيه ورجحت عند النظار رتبته ودرايته أوضحت الطريق إليه أي إيضاح وجلوت الحق هنالك كالقمر اللياح وما ضعفت من القواعد مادته وخفيت على التحقيق جادته اكتفيت فيه بالميسور من التعليل أو أخذت على غيري فحكيت ما قيل فما كل مسك يصلح وعاء للمسك ولا كل ضعيف يوسم بسمة الترك
"""
صفحة رقم 240 """
الخامس أحكم من صناعة الحديث ما أورده وأتقن ما أنص فيه وأسرده فإن حكمت بصحة حديث بإسناد ذلك إلي فبعد أن أنزع رداء التعصب عن منكبي وأؤدي حق النصيحة للسنة كما يتعين وأحترز من الميل إلى نصر مذهب معين فإن وجد المستدل مطلوبه بنى على أوثق أساس وإلا فليعدل إلى غير النص من أنواع الاستدلال والقياس
وإن حكيت الصحة عن غيري فعن حق لا تمتد يد الشك إلى لبسه وقد قيل من أحال على غيره فقد احتاط لنفسه وما عزوته إلى الكتب المشهورة فهو فيها عند المراجعة موجود فإن وجد في مظنته وإلا فعند التتبع يحصد المقصود
وقد وقع لجماعة من الفقهاء وغيرهم في ذلك خلل وأقدم بعضهم على أمر ليته عنه نكل
وقد حكيت في هذا الكتاب من غرائب الأخبار وشوارد الآثار ما يعز وجوده عند الفقهاء الذين خصوا الفقه بالعناية وحصوا جناح المسير إلى الرواية
السادس ما جزمت بنقله عن أئمة الاجتهاد تحريت فيه ومنحته من طريق الاحتياط ما يكفيه فإن كان من أحد المذاهب الأربعة نقلته من كتب أصحاب وأخذته عن المتن فأتيت الأمر من بابه ولم أعتبر حكاية الغير عنهم فإنه طريق وقع فيه الخلل وتعدد من جماعة من النقلة فيه الزلل وحكى المخالفون للمذاهب عنها ما ليس منها
وما كان من الأقوال للمتقدمين للصاحبة ومن شذ عمن ذكرناه من المخالفين فاعتمادي فيه على كتاب الإشراف للحافظ أبي بكر بن المنذر رحمه الله فبأنواره اهتديت وبطريقه
"""
صفحة رقم 241 """
إلى تلك الغاية اقتديت فإن لم يكن فيه ذلك النقل ولم أره فيه نقلت من غيره بعبارة ملخصة فقلت وحكي عن فلان كذا أو عن فلان كذا إلا ما جزمت بصحته فإني أقطع القول بنسبته إليه
ولما كنت لا أرى لأحد قولا إلا ما نص عليه وتعذر علي في كثير من المسائل معرفة نص صاحبه المذهب لكون المسئلة متفقا عليها عند ناقلته رأيت أن أقول في مثل ذلك قالت الحنفية أو الشافعية أو الحنبلية أو قال الحنفي أو الحنبلي وما قلت قد نقل عن فلان أو اشتهر عنه فلا ألزم نقله عن كتب أصحاب ذلك الإمام لصدق اللفظ المذكور وإن لم ينقل من كتبهم
السابع أذكر في المسائل الخلافية المعروفة بمسائل الطريقة مواد أصل الاجتهاد فإن تعددت اخترت الأمتن وقصدت الأحسن لا على وجه الإطالة الموجبة للملالة ولا على طريقة الإجمال المفضي إلى الإخلال
ثم إن لأهل عصرنا وما واتاه نكتا رشيقة وطرقا روضاتها أنيقة أخذوا فيها مأخذ الإعراب وأبدوا عرائسها كالكواكب الأتراب وأملوا الإبداع فأدركوا التأميل وظفروا فيه بالمعلى لما أرسلوا أقداح المجيل إلا أن أكثرهم أولع
"""
صفحة رقم 242 """
من تعبير المبين وبالغ في إغلاقها حتى لا تكاد تبين إنما هو جدال كالجلاد وخيال تزخرفه الألسنة الحداد فلم أر إخلاء هذا الكتاب عن شيء منها ولا استحسنت مع ظرافها أن أعرض بالكلية عنها فكسوت بعض المسائل الفقهية ذلك الوشي المرقوم وأنفت أن يضحي صاحب هذه الصنعة بأثر من رزقها محروم ولم أبالغ في الإغلاق والإبهام ولا أكثرت من هذا النوع فإنه خروج عن المصطلح في كتب الأحكام
الثامن ما أسلكه من الطرق في الحجاج لا أروغ فيه روغان الثعالب ولا أرجح من جانب ما ضعفته في جانب ولا ألتزم فساد الذم عند المخالفة بمثله ولا أضع شخصا تقدم مني ذكر فضله ولا أسلك طريق اليمن فإن رضيت مدحت وإن سخطت قدحت ولا أتهافت فإن فعلت فما أنصفت نفسي ولا نصحت فلقد فعل ذلك قوم أوجبوا السبيل إلى ذمهم فأقروا عند ذكر العيوب عين خصمهم فأطال عليهم في التشنيع وبدد بسوء ذلك الصنيع ونسب إليهم مجاولة تغليط الناظر وتوهم فيهم أن المقصود المغالبة في الوقت الحاضر ولا ضرورة تدعو إلى ذلك ولا حاجة إلى سلوك هذه المسالك
"""
صفحة رقم 243 """
التاسع لست بالراغب في جلب زوائد الفروع المسطورة وحصر شوارد المسائل المذكورة ما لم يتضمنه هذا المجموع ولا رفع ذكر هذا الموضوع فإن المقصود إنما هو الشرح فليتوقف الغرض عليه ولتتوجه الدواعي والهمم إليه واللائق بذلك الغرض كتب المسائل التي قصد إلى جمعها واستقل أصحاب التصانيف بوضعها ولكل غاية طريق قاصد يناسبها ولكل عزمة مأخذ من نحو ما يصاحبها
فأما الأقوال المتصلة بما وضعه المصنف وذكره والفروع المقارنة لما نظمه وسطره فإني أمنحها طرفا من العناية وأوليها جانب الولاية
العاشر أذكر الاستشكالات في مباحث أنبه فيها فهم الباحث وأرسلها إرسالا ولا أدعها تسير أرسالا وأوسع للناظر فيه مجالا حتى إذا خرج من السعة للضيق وتبارز في ميدان التسابق فرسان التحقيق وأخرجت أحكام النفوس من السير وكان الطريق ميتاء ينفذها البصر ويستسير فيها العير وسلمت الممادح من القوادح ووقع الإنصاف فربما فضل الجذع على القارح فهناك تنكشف الأستار عن الحقائق وتبين الفضيلة لسيل الوجيه ولا حق
"""
صفحة رقم 244 """
فهذه الطرق التي أقصدها والأنحاء التي أعتمدها ومن الله أعتمد العون ومن الخسارة فيما نرجو ربحه أسأله الصون فبه القوة والحول ومنه الإحسان والطول فإن لم تفض من رحمته سجال ويتسع لمسامحته مجال فالتباب والخسار والتنائي عن منازل الأبرار ونعوذ بالله من عمر وعمل تقتحمهما النار
وهذا حين الشروع في المراد والله ولي التوفيق والإرشاد إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير
آخر الخطبة المشار إليها فرحم الله منشيها والحمد لله رب العالمين
فوائد الشيخ تقي الدين ومباحثه
أكثر من أن تحصر ولكنها غالبا متعلقة بالعلم من حيث هو حديثا وأصولا وقواعد كلية كما يراها الناظر في مصنفاته ولا سيما فقه الحديث والاستنباط منه فقد كان إمام الدنيا في ذلك فلا معنى للتطويل بذكرها ولكننا نذكر بعض ما بلغنا عنه مما هو مختص بالمذهب
خيار التصرية هل مستنده التدليس الصادر من البائع أو الضرر الحاصل للمشتري وقد يعبر بعبارة أخرى فيقال هل مستنده التغرير أو الغرور فيه وجهان مشهوران ينبني عليهما ما لو تحفلت بنفسها بأن ترك الحلاب أياما ناسيا لشغل عرض أو صراها غيره بغير إذنه والأصح عند صاحب التهذيب وبه قطع القاضي الحسين ثبوت الخيار خلافا للغزالي
ولو صراها لا لأجل الخديعة ثم نسيها فقد حكى ابن دقيق العيد عن أصحابنا فيه خلافا ولم نر ذلك في كلامهم صريحا لكنه يتخرج على أن المأخذ التدليس أو ظن المشتري فعلى الأول لا يثبت لأنه لم يقصد الخديعة وعلى الثاني يثبت لحصول الظن
"""
صفحة رقم 245 """
ولو شد أخلافها قصدا لصيانة لبنها عن ولدها فقط قال ابن الرفعة فهو كما لو تحفلت بنفسها
قلت وهي كالمسئلة التي حكاها الشيخ تقي الدين لكن في تلك زيادة النسيان وهو ليس بشرط فإنه إذا كان القصد صحيحا لم يحصل تدليس وخديعة وليس لقائل أن يقول إن التدليس حاصل بعد تبيينه وقت البيع وهو عالم به لأن هذا المعنى حاصل فيما إذا تحفلت بنفسها وباعها وهو عالم بالحال
وابن الرفعة سقط عليه من كلام الشيخ تقي الدين لفظة لا فنقل المسئلة عنه على أنه صراها لأجل الخديعة ثم نسيها ثم اعترض بأنه ينبغي أن تكون هذه من صور الوفاق وهذا اعتراض صحيح لو كان الأمر كما نقله لأنه حينئذ يكون قد حصل التدليس والظن ولا يفيد توسط النسيان
فإذا المسئلة التي ذكرها ابن الرفعة وخرجها على ما إذا تحفلت بنفسها هي مسئلة الشيخ تقي الدين والمسئلة التي نقلها ابن الرفعة عن الشيخ بحسب النسخة التي وقعت له غلطا مسئلة أخرى ينبغي الجزم فيها بالخيار نبه على ذلك والدي أطال الله بقاه في شرح المهذب
صحح الشيخ تقي الدين حديث القلتين واختار ترك العمل به لا لمعارض أرجح بل لأنه لم يثبت عنده بطريق يجب الرجوع إليه شرعا تعيين لمقدار القلتين
قال الشيخ تقي الدين ذكر بعضهم أن المسئلة السريجية إذا عكست انحلت وتقريرها أن صورة المسئلة متى وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا أو متى
"""
صفحة رقم 246 """
طلقتك
فوجه الدور أنه متى طلقها الآن وقع قبله ثلاثا ومتى وقع قبله ثلاثا لم يقع فيؤدي إثباته إلى نفيه فانتفى وعكس هذا أن يقول متى طلقتك أو متى أوقع طلاقي عليك فلم يقع فأنت طالق قبله ثلاثا فحينئذ متى طلقها وجب أن يقع الثلاث القبيلة لأنه حينئذ يكون الطلاق القبلي بائنا على النقيضين أعني وقوع المنجز وعدم وقوعه وما يثبت على النقيضين فهو ثابت في الواقع قطعا لأن أحدهما وقع قطعا فالمعلق به واقع قطعا
وهذه مقدمة ضرورية عقلية لا تقبل المنع بوجه من الوجوه وأصل المسئلة الوكالة
قال والدي رحمه الله وهذا فيه نظر وإنما يلزم وقوع الطلاق المعلق بالنقيضين المذكورين لو قال إن طلقتك فوقع عليك طلاقي أو لم يقع فأنت طالق قبله ثلاثا ثم يقول لها أنت طالق فحينئذ يحكم بأنها طلقت قبل ذلك التطليق ثلاثا عملا بالشرط الثاني وهو عدم الوقوع لأن الطلاق المعلق مشروط بأحد أمرين إما الوقوع وإما عدمه في زمن واحد مستند إلى زمن قبلي ولا يمكن الحكم بالوقوع القبلي استنادا إلى الشرط الأول وهو الوقوع للزوم الدور
وأما الوقوع في ذلك الزمن القبلي مستندا إلى عدم الوقوع فلا مجال فيه لأنه لا يمكن أن يقال لو وقع فيه لوقع قبله لأنه إما أن يحمل القبلية على القبلية المتسعة التي أولها عقب التعليق أو على القبلية التي تستعقب التطليق فإن كان الأول لم يكن وقوع الطلاق قبله لأنه يكون سابقا على التعليق وحكم التعليق لا يسبقه وهذا فائدة فرضنا التعليق على
واعلم أن الشيخ تقي الدين رضي الله عنه توفي ولم يبيض كتابه الإلمام فلذلك وقعت فيه أماكن على وجه الوهم وسبق الكلام
"""
صفحة رقم 247 """
منها قال في حديث مطرف عن أبيه رأيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء إن مسلما أخرجه وليس هو في مسلم وإنما أخرجه النسائي والترمذي في الشمائل ولأبي داود كأزيز الرحى
ومنها قال في باب صفة الصلاة وعن وائل بن حجر قال صليت مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فكان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حتى يرى بياض خده الأيسر إن أبا داود خرجه وليس في كتاب أبي داود ولا في شيء من الكتب الستة هذه الزيادة من طريق وائل وهي حتى يرى بياض خده الأيمن وحتى يرى بياض خده الأيسر وهو من طريق ابن مسعود في النسائي وفي أبي داود وليس عنده الأيمن والأيسر
ومنها في حديث ابن مسعود في السهو جعل لفظ مسلم لفظ أبي داود ولفظ أبي داود لفظ مسلم
ومنها في صلاة العيدين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كبر في العيدين في الأولى سبعا ) الحديث ذكر أن الترمذي أخرجه وهذا الحديث إنما يرويه كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده وهو في الترمذي هكذا
"""
صفحة رقم 248 """
ومنها في الكفن وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري حديثا فيه وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه ) ثم قال وأخرجه أبو داود
وهذا الحديث ليس هو عن أبي سعيد ولا أخرج هذا أبو داود من حديث أبي سعيد وإنما هذا اللفظ في الترمذي من حديث أبي قتادة والذي في أبي داود من حديث جابر ولفظه ( إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه ) ونحو هذا اللفظ في مسلم والنسائي من حديث جابر لا من حديث أبي سعيد
ومنها في فصل في حمل الجنازة وعن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( كسر عظم الميت ككسره حيا ) ذكر أن مسلما خرجه وإنما خرجه أبو داود
ومنها حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده في السائمة في الزكاة وذكر أن الترمذي خرجه وليس فيه
ومنها في أواخر فصل في شروط الصوم أخرجه الأربعة وهذا لفظ الترمذي ثم قال حسن غريب ثم قال ولا أراه محفوظا وهذا يقتضي أن قوله ولا أراه محفوظا من كلام الترمذي والذي في الترمذي وقال محمد ولا أراه محفوظا
ومنها حديث الصعب بن جثامة لا حمى إلا لله ولرسوله ذكر أنه متفق عليه وليس هو في مسلم وإنما هو من أفراد البخاري
"""
صفحة رقم 249 """
ومنها في باب الولي ذكر أن رواية زياد بن سعد عن عبد الله عن الدارقطني الثيب أحق بنفسها ورواية زياد بن سعد عن عبد الله في مسلم بهذا اللفظ فإضافته إلى مسلم أولى وهذا ليس باعتراض ولكنه فائدة جليلة
ومنها مواضع كثيرة نبه عليها الحافظ قطب الدين أبو محمد عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي رحمه الله ولخص كتاب الإلمام في كتاب سماه الاهتمام حسن خال عن الاعتراضات الواردة على الإلمام مع الإثبات لما فيه
1327
محمد بن علي البارنباري الملقب طوير الليل الشيخ تاج الدين
أحد أذكياء الزمان برع فقها وعلما وأصولا ومنطقا
وقرأ المعقولات على شارح المحصول الشيخ شمس الدين الأصبهاني
"""
صفحة رقم 250 """
مولده سنة أربع وخمسين وستمائة
سمعت الشيخ الإمام الوالد رحمه الله يقول قال لي ابن الرفعة من عندكم من الفضلاء في درس الظاهرية فقلت له قطب الدين السنباطي وفلان وفلان حتى انتهيت إلى ذكر البارنباري فقال ما في من ذكرت مثله
توفي سنة سبع عشرة وسبعمائة بالقاهرة
ومن مباحثه في السؤال الذي يورد في قوله تعالى ) لا تأخذه سنة ولا نوم ( وتقرير أن السنة أعم من النوم ويلزم من نفي العام نفي الخاص فكيف قال ) ولا نوم ( بعد قوله ) لا تأخذه سنة (
وقد أجاب الناس عن هذا بأجوبة كثيرة ومن أحسنها مانحاه هذا الرجل فإنه قال الأمر في الآية على خلاف ما فهم والمنفي أولا إنما هو الخاص وثانيا العام ويعرف ذلك من قوله تعالى ) لا تأخذه ( أي لا تغلبه ولا يلزم من عدم أخذ السنة له التي هي قليل من نوم أو نعاس عدم أخذ النوم له فقال ) ولا نوم ( وعلى هذا فالسؤال منتف وإنما يصح إيراده أن لو قيل لا يحصل له سنة ولا نوم
هذا جوابه وهو بليغ إلا أن لك أن تقول فلم لا أكتفي بنفي أخذ النوم على هذا التقرير الذي قررت وما الفائدة حينئذ في ذكر السنة
ومن سؤالاته في الفقه قوله سوى الأصحاب بين المانع الحسي والشرعي فيما إذا باع جارية حاملا بحر أو باع جارية إلا حملها فإن الصحيح فيهما البطلان
"""
صفحة رقم 251 """
ولم يفعلوا ذلك فيما إذا باع دارا مستأجرة فإن الصحيح الصحة فيها والبطلان فيما إذا باع دارا واستثنى منفعتها شهرا
وأجاب وقد سئل كيف يقول الغزالي إن النية في الصلاة بالشروط أشبه وهو شرط أن تكون مقارنة بالتكبير والتكبير ركن فيتحد زمان الركن والشرط مع كون الركن لا بد أن يكون داخل الماهية والشرط خارجا بأن المراد بالداخل ما تتقوم به الماهية ولا تصدق بدونه وبالخارج ما ليس كذلك سواء أقارن الداخل في الزمان أم لا فالترتيب ليس في الزمان والنية لا تتقوم بها الصلاة لجواز أن توجد بلا نية وتكون صلاة فاسدة وكذلك ترك الأفعال الكثيرة في الصلاة فإنه شرط مع كونه لا يوجد إلا داخل الصلاة وكذلك استقبال القبلة بخلاف التكبير فإنه متى انتفى انتفت حقيقة الصلاة
هذا جوابه وهو على حسنه قد يقال عليه هذا إنما يتم إذا قلنا إن الصلاة موضوعة لما هو أعم من الصحيح والفاسد لتصدق صلاة صحيحة وصلاة فاسدة أما إذا قلنا إنها إنما هي موضوعة للصحيح فقط فحيث انتفى شرطها لا تكون موجودة
وقد حكى الرافعي الخلاف في أن لفظ العبادات هل هو موضوع لما هو أعم من الصحيح والفاسد أو مختص بالصحيح حيث قال في كتاب الأيمان وسيأتي خلاف في أن لفظ العبادات هل هو موضوع لما هو أعم من الصحيح والفاسد أو مختص بالصحيح وإن كان لم يف بما وعد إذ لم يحكه بعد على ما رأيناه وسيأتي في ترجمة الشيخ الإمام ما فيه مزيد تحقيق عن السؤال
"""
صفحة رقم 252 """
1328
محمد بن عقيل بن أبي الحسن البالسي ثم المصري
الشيخ نجم الدين شارح التنبيه
وصنف أيضا في الفقه مختصرا لخص فيه كتاب المعين واختصر كتاب الترمذي في الحديث
وكان أحد أعيان الشافعية دينا وورعا
سمع بدمشق من ابن البخاري وغيره وبالقاهرة من ابن دقيق العيد وغيره
وولي القضاء بدمياط وبلبيس وأشموم وغيرها
مولده سنة ستين وستمائة
ومات بمصر في رابع عشر المحرم سنة تسع وعشرين وسبعمائة
"""
صفحة رقم 253 """
1329
محمد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد الشيخ الإمام صدر الدين بن المرحل
تفقه على والده وعلى الشيخ شرف الدين المقدسي
وسمع الحديث من القاسم الإربلي والمسلم بن علان وطائفة
وقعت لنا عنه أناشيد من نظمه ولم يقع لنا حديثه
كان إماما كبيرا بارعا في المذهب والأصلين يضرب المثل باسمه فارسا في البحث نظارا مفرط الذكاء عجيب الحافظة كثير الاشتغال حسن العقيدة في الفقراء مليح النظم جيد المحاضرة
ولد بدمشق ونشأ بها وانتقل إلى القاهرة وبها توفي وتنقلت به الأحوال
وله مع ابن تيمية المناظرات الحسنة وبها حصل عليه التعصب من أتباع ابن تيمية وقيل فيه ما هو بعيد عنه وكثر القائل فارتاب العاقل
"""
صفحة رقم 254 """
كان الوالد رحمه الله يعظم الشيخ صدر الدين ويحبه ويثني عليه بالعلم وحسن العقيدة ومعرفة الكلام على مذهب الأشعري
درس بدمشق بالشاميتين والعذراوية
وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية وباشرها مدة ثم درس في آخر عمره بالقاهرة بزاوية الشافعي والمشهد الحسيني وهو أول من درس بالمدرسة الناصرية بها
ذكره القاضي شهاب الدين بن فضل الله في تاريخه فقال إمام له نسب في قريش أعرق وحسب في بني عبد شمس مثل الشمس أشرق وعلم لو أن البحر شطأ شبهه لأغرق وفهم لو أن الفجر سطع نظيره لأحرق
وثبت طنب على المجرة ومد رواقه فتلألأ بالمسرة ونشر رايته البيضاء الأموية وحولها ثغور الكواكب المنيرة وارتفع أن يقاس بنظير واتضع والثريا تاج فوق مفرقه والجوزاء تحته سرير
وهمة دون السما لا يقصرها وحكمة عن سبق القدما لا يؤخرها
مع جبين وضاح ويمين منها الكرم يستماح وأدب أشهى من رشف الرضاب وأحلى من رضا الحبائب الغضاب وخلق شرح الله صدره ومنح فضله أندت الرياض المخضرة انتهى
"""
صفحة رقم 255 """
وللشيخ صدر الدين كتاب الأشباه والنظائر ومات ولم يحرره فلذلك ربما وقعت فيه مواضع على وجه الغلط مثل حكايته عن بعض الأئمة وجهين فيما إذا كشف عورته في الخلاء زائدا على القدر المحتاج هل يأثم على كشف الجميع أو على القدر الزائد وهذا لم أره في كتاب
وذكره شيخ الأدباء القاضي صرح الدين الصفدي فقال أما التفسير فابن عطية عنده مبخل والواحدي شارك العي لفظه فتخيل
وأما الحديث فلو رآه ابن عساكر لانهزم وانضم في زوايا تاريخه وانحزم
وأما الفقه فلو أبصره المحاملي ما تحمل من غرائب قاضي النقل عنه وما نصب ورجع عما قال به من استحباب الوضوء من الغيبة وعند الغضب
وأما الأصول فلو رآه ابن فورك لفرك عن طريقته وقال بعدم المجاز إلى حقيقته
وأما النحو فلو عاصره عنبسة الفيل لكان مثل ابن عصفور أو أبو الأسود لكان ظالما وذنبه غير مغفور
وأما الأدب فلو عاينه الجاحظ لأمسى لهذا الفن وهو جاحد أو الثعالبي لراغ عن تصانيفه وما اعترف منها بواحد
وأما الطب فهو شاهده ابن سينا لما أطرب قانونه أو ابن النفيس لعاد نفيسا قد ذهبت نونه
"""
صفحة رقم 256 """
وأما الحكمة فالنصير الطوسي عنده مخذول والكاتبي دبيران أدبر عنه وحده مفلول
وأما الشعر فلو حاذاه ابن سناء الملك فنيت ذخيرة مجازاته وحقائقه أو ابن الساعاتي ما وصل إلى درجته ولا انتهى إلى دقائقه
وأما الموشحات فلو وصل خبره إلى الموصلي لأصبح مقطوع الذنب أو ابن زهر لما رأى له السماء نجما إلا هوى ولا برجا إلا انقلب
وأما البلاليق فابن كلفة عنده يتكلف وابن مدغليس يغلس للسعي في ركابه وما يتخلف
انتهى قليل مما ذكره القاضي صلاح الدين بلفظه
وكانت للشيخ صدر الدين صدقات دارة ومكارم حاتمية ما أشك أنها كانت دافعة لكثير من السوء عنه فلطالما دخل في مضايق ونجا منها
"""
صفحة رقم 257 """
ومن أحسن ما بلغني عنه من صدقاته ما حكاه صاحبه الحافظ شهاب الدين العسجدي قال كنت معه ليلة عيد فوقف له فقير استجداه فقال لي أيش معك فقلت مائتا درهم فقال ادفعها إلى هذا الفقير فقلت له يا سيدي الليلة العيد وما معنا ما ننفقه غدا فقال لي امض إلى القاضي كريم الدين الكبير وقل له الشيخ يهنئك بهذا العيد
فلما رآني كريم الدين قلت له ما قاله لي الشيخ قال كأن الشيخ يعوز نفقة في هذا العيد ودفع إلي ألفي درهم وقال هذه للشيخ ولك أنت ثلاثمائة درهم
فلما حضرت بالدراهم إلى الشيخ قال صدق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( الحسنة بعشر أمثالها ) هذه مائتان بألفين
ولد الشيخ صدر الدين سنة خمس وستين وستمائة
وتوفي بالقاهرة في سنة ست عشرة وسبعمائة
أنشدنا الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد المحسن العسجدي بقراءتي عليه قال أنشدنا الشيخ صدر الدين بن المرحل لنفسه من لفظه
"""
صفحة رقم 258 """
ليذهبوا في ملامي أية ذهبوا
في الخمر لا فضة تبقى ولا ذهب
والمال أجمل وجه فيه تنفقه
وجه جميل وراح في الدجا لهب
لا تأسفن على مال تمزقه
أيدي سقاة الطلا والخرد العرب
فما كسوا راحتي من راحها حللا
إلا وعروا الهم واستلبوا
راح بها راحتي في راحتي حصلت
فتم عجبي بها وازداد لي العجب
ومنها
وليست الكيميا في غيرها وجدت
وكل ما قيل في أبوابها كذب
قيراط خمر على القنطار من حزن
يعيد ذلك أفراحا وينقلب
عناصر أربع في الكأس قد جمعت
وفوقها الفلك السيار والشهب
ماء ونار هواء أرضها قدح
وطوقها فلك والأنجم الحبب
ما الكأس عندي بأطراف الأنامل بل
بالخمس تقبض لا يحلو بها الهرب
شججت بالماء منها الرأس موضحة
فحين أعقلها بالخمس لا عجب
صفراء فاقعة في الكأس ساطعة
كالتبر لامعة كاساتها سحب
وإن أقطب وجهي حين تبسم لي
فعند بسط الموالي يحفظ الأدب
وهي طويلة أنشدها العسجدي بجملتها وقد اقتصرنا على ما انتقيناه منها
وانظر هذا الفقيه ما أحلى قوله شججت بالماء البيت وما أحسن استحضاره لمشكلات الفقه في هذا المقام وأحسبه قصد بها القصيد معارضة ابن الخيمي في قصيدته الغزلية التي ادعاها ابن إسرائيل وهي قصيدة بديعة غراء مطلعها
"""
صفحة رقم 259 """
يا مطلبا ليس لي في غيره أرب
إليك آل التقضي وانتهى الطلب
وما طمحت لمرأى أو لمستمع
إلا لمعنى إلى علياك ينتسب
وما أراني أهلا أن تواصلني حسبي علوا بأني فيك مكتئب )
لكن ينازع شوقي تارة أدبي
فأطلب الوصل لما يضعف الأدب
ولست أبرح في الحالين ذا قلق
باد وشوق له في أضلعي لهب
ومدمع كلما كفكفت أدمعه
صونا لذكرك يعصيني وينسكب
ويدعي في الهوى دمعي مقاسمتي
وجدي وحزني ويجري وهو مختضب
كالطرف يزعم توحيد الحبيب ولا
يزال في ليله للنجم يرتقب
وأنشدنا الحافظ أبو العباس العسجدي بقراءتي عليه قال أنشدنا الشيخ صدر الدين من لفظه لنفسه
يا رب جفني قد جفاه هجوعه
والوجد يعصي مهجتي ويطيعه
يا رب قلبي قد تصدع بالنوى
فإلى متى هذا البعاد يروعه
يا رب بدر الحي غاب عن الحمى
فمتى يكون على الخيام طلوعه
"""
صفحة رقم 260 """
يا رب في الأظعان سار فؤاده
وبوده لو كان سار جميعه
يا رب لا أدع البكا في حبهم
من بعدهم جهد المقل دموعه
يا رب هب قلب الكئيب تجلدا
عمن يحب فقد دنا توديعه
يا رب هذا بينه وبعاده
فمتى يكون إيابه ورجوعه
يا رب أهلا ما قضيت وإنما
أدعو بعودهم وأنت سميعه
ومن موشحاته
دمعي روى مسلسلا بالسند
عن بصري أحزاني
لما جفا من قد بلا
بالرمد والسهر أجفاني
غزال أنس نافر
نيطت به التمائم
وغصن بان ناضر
أزهاره المباسم
قلبي عليه طائر
تبكي له الحمائم
وإن غاب فهو حاضر
بالفكر لي ملازم
كم قد لوى على الولا من موعد
لم يفكر في عاني
وقد كفى ما قد بلا بالكمد
والفكر ذا الجاني
أزرى بغزلان النقا
وبانه وحقفه
كم حل من عقد تقى
بطرفه وظرفه
لم أنسه لما سقا
من ثغره الإلفه
سلاف ريق روقا
في ثغره لرشفه
"""
صفحة رقم 261 """
قد احتوى على طلا وسهد
ودرر مرجان
ورصعا وكللا بالبرد
والزهر للحان
أماله سكر الصبا
ميل الصبا بقده
وفك أزرار القبا
وحل عقد بنده
وسدنه زهر الربا
وساعدي لسعده
وبت أرعى زغبا
من فوق ورد خده
مثل الهوى هب على روض ند
من طرر ريحاني
قد لطفا حتى علا مورد
مزهر نعماني
خد به خد البكا
في صحن خدي عذرا
ورد لما أن شكا
سائل جمعي نهرا
كم مغرم قد تركا
بين البرايا عبرا
يا من إليه المشتكى
الحال يغني النظرا
وإذا الهوى فانهملا دمعي الصدي
كالمطر هتاني
وما انطفا واشتعلا في كبدي
كالشرر نيراني
يا فرحة المحزون
وقرحه لمن يرى
إن صلت بالجفون
وصدت من جفني الكرا
"""
صفحة رقم 262 """
فليس من يحمين
سوى الذي فاق الورى
شمس العلا والدين
أبي سعيد سنقرا
مولى حوى كل العلا
وسؤدد من معشر فرسان
وقد صفا ثم حلا في المورد
للمعصر والعاني
ومنها
غدا منادينا محكما فينا
يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
بحر الهوى يغرق
من فيه جهلا عام
وناره تحرق
من هم أوقد هام
وربما يقلق
فتى عليه نام
قد غير الأجسام وصير الأيام
سودا وكانت بكم بيضا ليالينا
يا صاحب النجوى
قف واستمع مني
إياك أن تهوى
إن الهوى يضني
لا تقرب البلوى
اسمع وقل عني
بحاره مره خضنا على غره
حينا فقام بها للنعي ناعينا
من هام بالغيد
لاقى بهم هما
"""
صفحة رقم 263 """
بذلت مجهودي
لأحور ألمى
فهم بالجود
ورد ما هما
وعندما قد جاد بالوصل أو قد كاد
أضحى التنائي بديلا من تدانينا
بحق ما بيني
وبينكم إلا
أقررتم عيني
فتجمعوا الشملا
فالعيش بالبين
بفقدكم أبلى
جديد ما قد كان بالأهل والإخوان
ومورد اللهو صاف من تصافينا
يا جيرة بانت
عن مغرم صب
لعهده خانت
من غير ما ذنب
ما هكذا كانت
عوائد العرب
لا تحسبوا البعدا يغير العهدا
إذ طالما غير النأي المحبينا
يا نازلا بالبان
بالشفع والوتر
والنمل والفرقان
والليل إذا يسري
وسورة الرحمن
والنحل والحجر
هل حل في الأديان أن يقتل الظمآن
من كان صرف الهوى والود يسقينا
يا سائل القطر
عرج على الوادي
من ساكني بدر
وقف بهم نادي
عسى صبا تسري
لمغرم صادي
"""
صفحة رقم 264 """
إن شئت تحيينا بلغ تحايينا
من لو على البعد حيا كان يحيينا
وافت لنا أيام
كأنها أعوام
وكان لي أعوام
كأنها أيام
تمر كالأحلام
بالوصل لي لو دام
والكأس مترعة حثت مشعشعة
فينا الشمول وغنانا مغنينا
ومنها
ما أخجل قده غصون البان
بين الورق
إلا سلب المها مع الغزلان
سود الحدق
قاسوا غلطا من حاز حسن البشر
بالبدر يلوح في دياجي الشعر
لا كيد ولا كرامة للقمر
الحب جماله مدى الأزمان
معناه بقي
وازداد سنا وخص بالنقصان
بدر الأفق
الصحة والسقام في مقلته
والجنة والجحيم في وجنته
من شاهده يقول من دهشته
هذا وأبيك فر من رضوان
تحت الغسق
للأرض يعيذه من الشيطان
رب الفلق
"""
صفحة رقم 265 """
قد أنبته الله نباتا حسنا
وازداد على المدى سناء وسنا
من جاد له بروحه ما غبنا
قد زين حسنه مع الإحسان
حسن الخلق
لو رمت لحسنه مليحا ثان
لم يتفق
في نرجس لحظه وزهر الثغر
روض نضر قطافه بالنظر
قد دبج خده نبات الشعر
فالورد حواه ناعم الريحان
بالطل سقي
والقد يميل ميلة الأغصان
للمعتنق
أحيا وأموت في هواه كمدا
من مات جوى في حبه قد سعدا
يا عاذل لا أترك وجدي أبدا
لا تعذلني فكلما تلحاني
زادت حرقي
يستأهل من يهم بالسلوان
ضرب العنق
القد وطرفه قناة وحسام
والحاجب واللحاظ قسي وسهام
والثغر مع الرضاب كأس ومدام
والدر منظم مع المرجان
في فيه نقي
قد رصع فوقه عقيق قان
نظم النسق
"""
صفحة رقم 266 """
ومنها
قالوا سلا واسترد مضناه
قلبا أخذا
لا والذي لا إله إلا هو
ما كان كذا
عشقته كوكبا من الصغر
أأترك الوجد وهو كالقمر
دبج ديباجته بالشعر
بدت طرازا كالرقم بالإبر
لا والذي زانه فأعطاه
حسنا وشذا
على البرايا إنه الله
ما كان كذا
ولو تقاس الكئوس بالثغر
وبالثنايا الحباب كالدرر
لفضل الثغر صحة النظر
والصرف في مطعم وفي عطر
لو قيس ما فاق من حمياه
أو ما نبذا
إلى رضاب حوته عيناه
ما كان كذا
كل دم الناس فوق وجنته
قد سفكتها سهام مقلته
العفو من نبلها وحدته
لو صب بهرام كل جعبته
واختار من نبلها ونقاه
سهما نفذا
في الأرض من حرقة رماياه
ما كان كذا
وسودها يا حليم خذ بيدي
أمضي من البيض مع بني أسد
لو قيس ما فك محكم الزرد
من كل ماضي القرون غير صد
إلى حسام نضته عيناه
ماض شحذا
على مسن أبدته صدغاه
ما كان كذا
(
قد سبى الظبي حسن لفتته كما سبى الغصن حسن خطرته
"""
صفحة رقم 267 """
والشمس خجلى من حسن طلعته
والبدر في حسنه وبهجته
لو قيس أيضا إلى محياه
في الحسن إذا
حفت به هالة عذاراه
ما كان كذا
1330
محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله القاضي نجم الدين أبو حامد بن جمال الدين ابن الشيخ محب الدين الطبري الآملي
قاضي مكة شرفها الله
ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة
وسمع من عم جده يعقوب بن أبي بكر الطبري ومن جده وغيرهما
وله إجازة من الحافظ أبي بكر بن مسدي
كان فقيها شاعرا
توفي سنة ثلاثين وسبعمائة
ومن شعره
أشبيهة البدر التمام إذا بدا
حسنا وليس البدر من أشباهك
مأسور حسنك إن يكن متشفعا
فإليك في الحسن البديع بجاهك
"""
صفحة رقم 268 """
أشفى أسى أعيا الأساة دواؤه
وشفاه يحصل بارتشاف شفاهك
فصليه واغتنمي بقاء حياته
لا تقطعيه جفا بحق إلاهك
1331
محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد ابن يحيى بن سيد الناس
الحافظ الأديب فتح الدين أبو الفتح بن الفقيه أبي عمرو بن الحافظ أبي بكر اليعمري الأندلسي الأشبيلي ثم المصري
أجاز له النجيب الحراني وحضر على الشيخ شمس الدين بن العماد الحنبلي
وسمع من قطب الدين بن القسطلاني ومن غازي الحلاوي وابن خطيب المزة وخلق
"""
صفحة رقم 269 """
قال شيخنا الذهبي كان صدوقا في الحديث حجة فيما ينقله له بصر نافذ بالفن وخبرة بالرجال وطبقاتهم ومعرفة بالاختلاف
وقال الشيخ علم الدين البرزالي كان أحد الأعيان معرفة وإتقانا وحفظا وضبطا للحديث وتفهما في علله وأسانيده عالما بصحيحه وسقيمه مستحضرا للسيرة له حظ وافر من العربية وله الشعر الرائق والنثر الفائق
وقال ابن فضل الله في مسالك الأبصار أحد أعلام الحفاظ وإما أهل الحديث الواقفين فيه بعكاظ البحر المكثار والحبر في نقل الآثار وله أدب أسلس قيادا من الغمام بأيدي الرياح وأسلم مرادا من الشمس في ضمير الصباح
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي كان حافظا بارعا متوعلا هضبات الأدب عارفا متفننا بليغا في إنشائه ناظما ناثرا مترسلا لم يضم الزمان مثله في أحشائه خطه أبهج من حدائق الأزهار وآنق من صفحات الخدود المطرز وردها بآس العذار
قلت مولده في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة
وكان من بيت رياسة وعلم ولجده مصنف في منع بيع أمهات الأولاد في مجلد ضخم يدل على علم عظيم
وصنف الشيخ فتح الدين كتابا في المغازي والسير سماه عيون الأثر أحسن فيه ما شاء
"""
صفحة رقم 270 """
وشرح من الترمذي قطعة وله تصانيف أخر ونظم كثير
ولما شغرت مشيخة الحديث بالظاهرية بالقاهرة وليها الشيخ الوالد ودرس بها فسعى فيها الشيخ فتح الدين وساعده نائب السلطنة إذ ذاك ثم لم يتجاسروا على الشيخ فأرسل الشيخ فتح الدين إلى الشيخ يقول له أنت تصلح لكل منصب في كل علم وأنا إن لم يحصل لي تدريس حديث ففي أي علم يحصل لي التدريس فرق عليه الوالد وتركها له فاستمر بها إلى أن مات في حادي عشر شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة
ومن شعره
يا كاتم الشوق إن الدمع مبديه
حتى يعيد زمان الوصل مبديه
أصبو إلى البان بانت عنه هاجرتي
تعللا بليالي وصلها فيه
عصر مضى وجلابيب الصبا قشب
لم يبق من طيبه إلا تمنيه
لو دام عهد اللوى لم تلو ماطلتي
دينا تقضى زماني في تقاضيه
ومنه
عهدي به والبين ليس يروعه
صب براه نحوله ودموعه
"""
صفحة رقم 271 """
لا تطلبوا في الحب ثأر متيم
فالموت من شرع الغرام شروعه
عن ساكن الوادي سقته مدامعي
حدث حديثا طاب لي مسموعه
أفدي الذي عنت البدور لوجهه
إذ حل معنى الحسن فيه جميعه
البدر من كلف به كلب به
والغصن من عطف عليه خضوعه
لله معسول المراشف واللمى
حلو الحديث ظريفه مطبوعه
دارت رحيق سلافه فلنا بها
سكر يجل عن المدام صنيعه
يجني فأضمر عتبه فإذا بدا
فجماله مما جناه شفيعه
ومنه
قضى ولم يقض من أحبابه أربا
صب إذا مر خفاق النسيم صبا
راض بما صنعت أيدي الغرام به
فحسبه الحب ما أعطى وما سلبا
ما مات من مات في أحبابه كلفا
ولا قضى بل قضى الحق الذي وجبا
فالسحب تبكيه بل تسقيه هامية
وكيف تبكي محبا نال ما طلبا
"""
صفحة رقم 272 """
والغصن نشوان يثنيه الغرام به
كأنه منحميا وجده شربا
وطوقت جيدها الورقاء واختضبت
له وغنت على أعوادها طربا
ومالت الدوحة الغناء راقصة
تصبو وتنثر من أوراقها ذهبا
والروض حمل أنفاس النسيم شذا
أزهاره راجيا من قربه سببا
فرقاه الورد فاستغى به وثنى
عطفا عليه ومن رجع الجواب أبى
ففارقت روضها الأزهار واتخذت
نحو الرسول سبيلا وابتغت سربا
منها
لو لم يكن بابلي الريق مبسمه
لما اكتسى ثغره من دره حببا
للأقحوانة مما فيه منظرها
ولم تنل مثله عرفا ولا ضربا
والبرق يخفق لما شام بارقه
فالمزن تبكي له إذ أعوز الشنبا
من لي وللكبد الحرى وللمقلة العبرى
استهلت وسحت دمعها سحبا
ومن لمضنى إذا لج السقام به
والحب لم يلق إلا روحه سلبا
"""
صفحة رقم 275 """
ورد إلى دمشق في سنة ثلاث وستين وسبعمائة
وبحثنا معه فوجدناه إماما في المنطق والحكمة عارفا بالتفسير والمعاني والبيان مشاركا في النحو يتوقد ذكاء
وله على الكشاف حواش مشهورة وشرح الشمسية في المنطق
توفي في سادس عشر ذي القعدة سنة ست وستين وسبعمائة بظاهر دمشق عن نحو أربع وسبعين سنة
1335
محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمود الجزري ثم المصري أبو عبد الله
الخطيب بالجامع الصالحي بمصر ثم بالجامع الطولوني
سمع من أبي المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي
وكان إماما في الأصلين والفقه والنحو والمنطق والبيان والطب
درس بالمعزية بمصر والشريفية بالقاهرة
وشرح منهاج البيضاوي في أصول الفقه وشرح أسولة القاضي سراج الدين في التحصيل وتكلم عليها
قرأ عليه الشيخ الإمام الوالد رحمه الله علم الكلام
"""
صفحة رقم 276 """
مولده بجزيرة ابن عمر في سنة سبع وثلاثين وستمائة
وتوفي بمصر في سادس ذي القعدة سنة إحدى عشرة وسبعمائة
1336
محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي الأندلسي الجياني الأصل الغرناطي المولد والمنشأ المصري الدار شيخنا وأستاذنا أبو حيان
شيخ النحاة العلم الفرد والبحر الذي لم يعرف الجزر بل المد سيبويه الزمان والمبرد إذا حمي الوطيس بتشاجر الأقران
وإمام النحو الذي لقاصده منه ما يشاء ولسان العرب الذي لكل سمع لديه الإصغاء
كعبة علم تحج ولا تحج ويقصد من كل فج
تضرب إليه الإبل آباطها وتفد عليه كل طائفة سفرا لا يعرف إلا نمارق البيد بساطها
"""
صفحة رقم 277 """
وكان عذبا منهلا وسيلا يسبق ارتداد الطرف وإن جاء منهملا
يعم المسير إليه الغدو والرواح ويتنافس على أرج ثنائه مسك الليل وكافور الصباح
ولقد كان أرق من النسيم نفسا وأعذب مما في الكؤوس لعسا
طلعت شمسه من مغربها واقتعد مصر فكان نهاية مطلبها
وجلس بها فما طاف على مثله سورها ولا طار إلا إليه من طلبة العلم قشاعمها ونسورها
وازدهرت به ولا ازدهاءها بالنيل وقد رواها وافتخرت به حتى لقد لعبت بأغصان البان مهاب صباها
مولده بمطخشارش وهي مدينة مسورة من أعمال غرناطة في أخريات شوال سنة أربع وخمسين وستمائة
ونشأ بغرناطة وقرأ بها القراآت والنحو واللغة وجال في بلاد المغرب ثم قدم مصر قبل سنة ثمانين وستمائة
وسمع الكثير سمع بغرناطة الأستاذ أبا جعفر بن الزبير
"""
صفحة رقم 278 """
وأبا جعفر بن بشير وأبا جعفر بن الطباع وأبا علي بن أبي الأحوص وغيرهم
وبمالقة أبا عبد الله محمد بن عباس القرطبي وببجاية أبا عبد الله محمد بن صالح الكناني وبتونس أبا محمد عبد الله بن هارون وغيره وبالأسكندرية عبد الوهاب ابن حسن بن الفرات وبمكة أبا الحسن علي بن صالح الحسيني وبمصر عبد العزيز الحراني وابن خطيب المزة وغازي الحلاوي وخلقا
ولازم الحافظ أبا محمد الدمياطي وانتقى على بعض شيوخه وخرج وشغل الناس بالنحو والقراآت
سمع عليه الجم الغفير
وأخذ عنه غالب مشيختنا وأقراننا منهم الشيخ الإمام الوالد وناهيك بها لأبي حيان منقبة وكان يعظمه كثيرا وتصانيفه مشحونة بالنقل عنه
ولما توجهنا من دمشق إلى القاهرة في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ثم أمرنا السلطان بالعود إلى الشام لانقضاء ما كنا توجهنا لأجله استمهله الوالد أياما لأجلي فمكث حتى أكملت على أبي حيان ما كنت أقرؤه عليه وقال لي يا بني هو غنيمة ولعلك لا تجده من سفرة أخرى وكان كذلك
"""
صفحة رقم 279 """
وكان الشيخ أبو حيان إماما منتفعا به اتفق أهل العصر على تقديمه وإمامته ونشأت أولادهم على حفظ مختصراته وآباؤهم على النظر في مبسوطاته وضربت الأمثال باسمه مع صدق اللهجة وكثرة الإتقان والتحري
وشدا طرفا صالحا من الفقه واختصر منهاج النووي وصنف التصانيف السائرة البحر المحيط في التفسير وشرح التسهيل والارتشاف وتجريد أحكام سيبويه والتذكرة والغاية والتقريب والمبدع واللمحة وغير ذلك
وله في القراآت عقد اللآلي
وله نظم كثير وموشحاته أجود من شعره
توفي عشي يوم السبت الثامن والعشرين من صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة بمنزله بظاهر القاهرة ودفن بمقابر الصوفية
ومن الرواية عنه
أخبرنا شيخنا أبو حيان بقراءتي عليه في يوم الخميس سابع عشري شوال سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بالمدرسة الصالحية بالقاهرة أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد
"""
صفحة رقم 280 """
ابن محمد بن المؤيد الهمذاني بقراءتي عليه أخبرنا أسعد بن أبي الفتوح بن روح وعفيفة بنت أحمد بن عبد الله في كتابيهما قالا أخبرتنا فاطمة الجوزدانية أخبرنا ابن ريذة أخبرنا الطبراني حدثنا جعفر بن حميد بن عبد الكريم بن فروخ بن ديزج بن بلال بن سعد الأنصاري الدمشقي حدثني جدي لأمي عمر بن أبان بن مفضل المديني قال أراني أنس بن مالك الوضوء أخذ ركوة فوضعها عن يساره وصب على يده اليمنى فغسلها ثلاثا ثم أدار الركوة على يده اليمنى وصب على يده اليسرى فغسلها ثلاثا ومسح برأسه ثلاثا فتوضأ وأخذ ماء جديدا لصماخه فمسح صماخه فقلت له قد مسحت أذنيك فقال يا غلام إنهما من الرأس ليس هما من الوجه ثم قال يا غلام هل رأيت وفهمت أو أعيد عليك فقلت قد كفاني وقد فهمت قال فكذا رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتوضأ
في إسناده شيخ الطبراني وشيخه عمر بن أبان وهما مجهولان
ولو صح لكان بتصريحه أنهما من الرأس أقوى دليل على ذلك
قال أستاذنا أبو حيان قول أنس ليس هما من الوجه وجه الكلام أن يقول ليستا من الوجه لكنه جعل ليس مثل ما فلم يعملها وذلك
"""
صفحة رقم 281 """
في لغة تميم يقولون ليس الطيب إلا المسك
وقد أشار لذلك سيبويه في كتابه ونص عليه أبو عمرو بن العلاء في حكاية طويلة جرت بينه وبين عيسى بن عمر الثقفي
وقال النحويون قياس من لم يعمل ليس وجعلها كما أن يفصل الضمير معها فيقول ليس أنا قائم كما تقول ما أنا قائم فعلى هذا جاز ليس هما من الوجه كأنه قال ما هما من الوجه
قلت صورة الحكاية أن عيسى قال لأبي عمرو ما شيء بلغني عنك
قال ما هو
قال زعمت أن العرب تقول ليس الطيب إلا المسك فترفع
فقال أبو عمرو ليس في الأرض تميمي إلا وهو يرفع ولا حجازي إلا وهو ينصب
ثم بعث معه خلفا الأحمر واليزيدي فجاءا إلى حجازي فجهدا به على أن يرفع فلم يفعل وجاءا إلى رجل تميمي فجهدا به على أن ينصب فلم يفعل وقال ليس هذا بلحن قومي
فجاء عيسى إلى أبي عمرو فقال بهذا فقت الناس والله لا خالفتك بعدها
وقول الشيخ أبي حيان إن أنسا جعل ليس مثل ما قال الشيخ جمال الدين عبد الله بن هشام نحوي هذا الوقت أبقاه الله تعالى ليس ذلك متعينا بل يجوز أن يكون أضمر في ليس ضمير الشأن والحديث وحينئذ فنقول هما من الوجه مبتدأ وخبر والجملة خبر ليس وفصل الضمير واجب لأنه حينئذ معمول للابتداء
"""
صفحة رقم 282 """
كما أنه في تخريج أبي حيان كذلك والتخريج الذي ذكرته أولى لأن فيه إبقاء ليس على إعمالها والوجهان مذكوران في قوله
وليس منها شفاء النفس مبذول
وقول أبي حيان إن ذلك لغة بني تميم وإشارته إلى الحكاية ليس بجيد فإن تلك اللغة والحكاية إنما هما فيما إذا انتقض النفي بإلا نحو ليس الطيب إلا المسك وإنما مسئلتنا هذه أن من العرب من يقول ليس زيد قائم فيبطل عملها مع بقاء النفي وهذا الذي يتخرج عليه قول أنس رضي الله عنه وقد مر بي في شرح التصريف الملوكي ليعيش بيت نظير قول أنس رضي الله عنه وهو
أبوك يزيد بن الوليد ومن يكن
هما أبواه لا يذل ويكرما
فهنا يتعين أن تكون كان شأنية والجملة بعدها خبر وأن تكون مهملة وما بعدها مبتدأ وخبر ولا يكون قوله هما اسما ليكن لأنه قد فصله ولأن بعده أبواه بالألف وقد يجاب عن هذا بأنه يحتمل أن يكون على لغة ) إن هذان لساحران (
قرأت على الأستاذ أبي حيان أخبركم القاضي أبو علي الحسن بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص عن قاضي الجماعة أبي القاسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد
"""
صفحة رقم 283 """
ابن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد الرحمن بن أحمد بن تقي بن مخلد ابن يزيد القرطبي عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه الإمام أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد عن أبي بكر المقدمي عن عمر بن علي وعبد الله بن يزيد عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مر بمجلسين أحد المجلسين يدعون الله ويرغبون إليه والآخر يتعلمون العلم ويعلمونه فقال ( كل المجلسين خير وأحدهما أفضل من الآخر أما هؤلاء فيتعلمون ويعلمون الجاهل فهم أفضل وأما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وإنما بعثت معلما ) ثم جلس معهم
قلت لا أعرف حديثا اجتمع فيه رواية الأبناء عن الآباء بعدد ما اجتمع في هذا إلا ما أخبرنا به أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة الفارقي المصري المحدث بقراءتي عليه أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن سابور القلانسي أخبرنا أبو المبارك عبد العزيز بن محمد بن منصور الشيرازي أخبرنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي إملاء سمعت أبي أبا الفرج عبد الوهاب يقول سمعت أبي أبا الحسن عبد العزيز يقول سمعت أبي أبا بكر الحارث يقول سمعت أبي أسدا يقول سمعت أبي الليث يقول سمعت أبي سليمان يقول سمعت أبي الأسود
"""
صفحة رقم 284 """
يقول سمعت أبي سفيان يقول سمعت أبي يزيد يقول سمعت أبي أكتمة يقول سمعت أبي الهيثم يقول سمعت أبي عبد الله يقول سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( ما اجتمع قوم على ذكر الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة )
أخبرنا أبو حيان بقراءتي عليه عن القاضي الأصولي المتكلم على مذهب الأشعري أبي الحسن محمد بن أبي عامر بن أبي الحسين القرطبي عن أبي الحسن علي بن أحمد الغافقي الشقوري عن القاضي أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح قال كتب إلي الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري وأنشد لنفسه هذا
"""
صفحة رقم 285 """
من عذيري من أناس جهلوا
ثم ظنوا أنهم أهل النظر
ركبوا الرأي عنادا فسروا
في ظلام تاه فيه من عبر
وطريق الحق نهج مهيع
مثل ما أبصرت في الأفق القمر
فهو للإجماع والنص الذي
ليس إلا في كتاب أو أثر
أنشدني شيخنا أبو حيان لنفسه بقراءتي عليه
عداتي لهم فضل علي ومنة
فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن كلتي فاجتنبتها
وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
وأنشدني لنفسه بقراءتي عليه أيضا
راض حبيبي عارض قد بدا
يا حسنه من عارض رائض
وظن قوم أن قلبي سلا
والأصل لا يعتد بالعارض
وأيضا
سبق الدمع بالمسير المطايا
إذ نوى من أحب عني نقله
وأجاد السطور في صفحة الخد
ولم لا يجيد وهو ابن مقله
"""
صفحة رقم 286 """
وأيضا
يظن الغمر أن الكتب تجدي
أخا ذهن لإدراك العلوم
وما يدري الجهول بأن فيها
غوامض حيرت عقل الفهيم
إذا رمت العلوم بغر شيخ
ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الأمور عليك حتى
تصير أضل من توما الحكيم
وأيضا
قد سباني من بني الترك رشا
جوهري الثغر مسكي النفس
ناظري للورد منه غارس
ما له لا يجتني مما غرس
قد حكى شمسا وغصنا ونقا
في انبلاج وارتجاج وميس
ضيق العينين تركيهما
واسع الوجنة خزي المجس
أصبحت عقرب خديه معا
لجني الورد في الخد حرس
وغدا ثعبان دبوقته
جائلا في عطفه مهما ارتجس
لست أخشى سيفه أو رمحه
إنما أرهب لحظا قد نعس
اختلسنا بعد هجر وصله
إن أهنى الوصل ما كان خلس
لست أنساه وقد أطلع من
راحه شمسا أضاءت في الغلس
"""
صفحة رقم 287 """
ورمى العمة فالتاج لنا
فرق شعر دق مبد ما التبس
لمس الكأس لكي يشربها
وتحسى الكأس في فرد نفس
وغدا يمسح بالمنديل ما
أبقت الخمرة في ذاك اللعس
عجبا منها ومنه قهقهت
إذ حساها وهو منها قد عبس
فهذه نبذة من مقروآتي على شيخنا أبي حيان
وأنشدنا لنفسه ما مدحني بهما وأنا ابن ثلاث سنين وهما عندي بخطه وعليهما خط الوالد رحمه الله
ألا إن تاج الدين معارف
وبدر هدى تجلى به ظلم الدهر
سليل إمام قل في الناس مثله
فضائله تربو على الزهر والزهر
وأنشدنا لنفسه إجازة إن لم يكن سماعا قصيدته التي امتدح بها الشافعي رضي الله عنه ومطلعها
غذيت بعلم النحو إذ در لي ثديا
فجسمي به ينمي وروحي به تحيا
وقد طال تضرابي لزيد وعمره
وما اقترفا ذنبا ولا تبعا غيا
وما نلت من ضربيهما غير شهرة
بغن ما يجدي اشتهار به شيا
ألا إن علم النحو قد باد أهله
فما إن ترى في الحي من بعدهم حيا
"""
صفحة رقم 288 """
سأتركه ترك الغزال لظله
وأبعه هجرا وأوسعه نأيا
وأسموا إلى الفقه المبارك إنه
ليرضيك في الأخرى ويحظيك في الدنيا
هل الفقه إلا أصل دين محمد
فجرد له عزما وجدد له سعيا
وكن تابعا للشافعي وسالكا
طريقته تبلغ به الغاية القصيا
ألا بابن إدريس قد اتضح الهدى
وكم غامض أبدا وكم دارس أحيا
سمي الرسول المصطفى وابن عمه
فناهيك مجدا قد سما الرتبة العليا
هو استنبط الفن الأصولي فاكتسى
به الفقه من ديباج إنشائه وشيا
وهي قصيدة مطولة
وقصيدته التي امتدح بها البخاري رضي الله عنه ومطلعها
أسامع أخبار الرسول لك البشرى
لقد سدت في الدنيا وقد فزت بالأخرى
وأنشدنا لنفسه إجازة قصيدته التي عارض بها بانت سعاد ومطلعها
لا تعذلاه فما ذو الحب معذول
العقل مختبل والقلب متبول
هزت له أسمرا من خوط قامتها
فما انثنى الصب إلا وهو مقتول
"""
صفحة رقم 289 """
جميلة فصل الحسن البديع لها
فكم لها جمل منه وتفصيل
فالنحر مرمرة والنشر عنبرة
والثغر جوهرة والريق معسول
والطرف ذو غنج والعرف ذو أرج
والخصر مختطف والمتن مجدول
هيفاء ينبس في الخصر الوشاح لها
درماء يخرس في الساق الخلاخيل
من اللواتي علاهن النعيم فما
يشقين آباؤها الصيد البهاليل
ومنها
نزر الكلام عييات الجواب إذا
يسألن رقد الضحى حصر مكاسيل
فشق حيزوم هذا الليل ممتطيا
أخا حزام به قد يبلغ السول
أقب أقود يعزى للوجيه له
وجه أغر وفي الرجلين تحجيل
منها
جفر حوافره معر قوائمه
ضمر أياطله والذيل عثكول
"""
صفحة رقم 290 """
منها
واصل سراك بسير يا ابن أندلس
والطرف أدهم بالأشطان مغلول
يلاطم الريح منه أبيض يقق
له من السحر المربد إكليل
يعلو خضارة منه شامخ جلل
سام طفا هو بالنكباء محمول
كأنما هو في طخياء لجته
أيم يفري أديم الماء شمليل
منها
فللرسول انشقاق البدر يشهده
كما لموسى انفلاق البحر منقول
ومن موشحاته
إن كان ليل داج وخاننا الإصباح
فنورها الوهاج يغني عن المصباح
سلافة تبدو
كالكوكب الأزهر
مزاجها شهد
وعرفها عنبر
يا حبذا الورد
منها وإن أسكر
قلبي بها قد هاج فما تراني صاح
عن ذلك المنهاج وعن هوى يا صاح
وبي رشا أهيف
قد لج في بعدي
بدر فلا يخسف
منه سنا الخد
بلحظه المرهف
يسطو على الأسد
"""
صفحة رقم 291 """
كسطوة الحجاج في الناس والسفاح
فما ترى من ناج من لحظة السفاح
علل بالمسك
قلبي رشا أحور
منعم المسك
ذو مبسم أعطر
رياه كالمسك
وريقه كوثر
غصن على رجراج طاعت له الأرواح
فحبذا الآراج إن هبت الأرواح
مهلا أبا القاسم
على أبي حيان
ما إن له عاصم
من لحظك الفتان
وهجرك الدائم
قد طال بالهيمان
فدمعه أمواج وسره قد لاح
لكنه ما عاج ولا أطاع اللاح
يا رب ذي بهتان
يعذل في الراح
وفي هوى الغزلان
دافعت بالراح
وقلت لا سلوان
عن ذاك يا لاحي
سبع الوجوه والتاج هي منية الأفراح
فاختر لي يا زجاج قمصال وزوج أقداح
"""
صفحة رقم 292 """
غيره
عاذلي في الأهيف الأنس
لو رآه كان قد عذرا
رشأ قد زانه الحور
غصن من فوقه قمر
قمر من سحبه الشعر
ثغر في فيه أم درر
حال بين الدر واللعس
خمرو من ذاقها سكر
رجة بالردف أم كسل
ريقه بالثغر أم عسل
وردة بالخد أم خجل
كحل بالعين أم كحل
يا لها من أعين نعس
جلبت لناظري سهرا
مذ نأى عن مقلتي سني
ما أذيقا لذة الوسن
طال ما ألقاه من شجن
عجبا ضدان في بدن
بفؤادي جذوة القبس
وبعيني الماء منفجرا
قد أتاني الله بالفرج
إذ دنا مني أبو الفرج
قمر قد حل في المهج
كيف لا يخشى من الوهج
غيره لو صابه نفسي
ظنه من حره شررا
نصب العينين لي شركا
فانثنى والقلب قد ملكا
"""
صفحة رقم 293 """
قمر أضحى له فلكا
قال لي يوما وقد ضحكا
(
أنت جئت من أرض أندلس نحو مصر تعشق القمرا
ومن المسائل عنه
منع الشيخ أبو حيان أن يقال ما أعظم الله وما أحلم الله ونحو ذلك ونقل هذا عن أبي الحسن ابن عصفور احتجاجا بأن معناه شيء عظمه أو حلمه
وجوزه الإمام الوالد محتجا بقوله تعالى ) أبصر به وأسمع ( والضمير في ) به ( عائد على الله أي ما أبصره وأسمعه فدل على جواز التعجب في ذلك
وللوالد تصنيف في تجويز ذلك أحسن القول فيه
قلت وفي شرح ألفية ابن معطي لأبي عبد الله محمد بن إلياس النحوي وهو متأخر من أهل حماة سأل الزجاج المبرد فقال كيف تقول ما أحلم الله وما أعظم الله
فقال كما قلت
فقال الزجاج وهل يكون شيء حلم الله أو عظمه
فقال المبرد إن هذا الكلام يقال عندما يظهر من اتصافه تعالى بالحلم والعظمة وعند الشيء يصادف من تفضله فالمتعجب هو الذاكر له بالحلم والعظمة عند رؤيته إياهما عيانا
"""
صفحة رقم 294 """
وقد نقل الوالد معنى هذه الحكاية في تصنيفه عن كتاب الإنصاف لابن الأنباري وذكر من التأويل أن يعني بالشيء نفسه أي إنه عظم نفسه أو إنه عظيم بنفسه لا شيء جعله عظيما
ومن الفوائد عنه
أفادنا شيخنا أبو حيان أن أبا الحسن حازم بن أبي عبد الله بن حازم كان نحويا أديبا بارعا شاعرا مفلقا امتدح بعض خلفاء الغرب الذين ملكوا مدينة تونس بقصيدة طنانة ضمنها علم النحو أولها
الحمد لله معلي قدر من علما
وجاعل العقل في سبل الهدى علما
ثم الصلاة على الهادي لسنته
محمد خير مبعوث به اعتصما
منها يمتدح الخليفة
مردي العداة بسهم من عزائمه
كأنه كوكب للقذف قد رجما
أدام قول نعم حتى إذا اطردت
نعماه من غير وعد لم يقل نعما
منها
إن الليالي والأيام مذ خدمت
بالسعد ملكك أضحت أعبدا وإما
لقد وقعت عمادا للعلا فغدا
يعلو قياما ويعلو قدره قيما
"""
صفحة رقم 295 """
أقمتم وزن عدل الشمس فاعتدلت
فلم يدع نورها ظلما ولا ظلما
منها يذكر تونس
كأنما الصبح منها ثغر مبتسم
وحوة الليل فيها حوة ولمى
منها
أبدلت تفقية من بيت ممتدح
أوردته مثلا في رعيك الأمما
وكلت بالدهر عينا غير غافلة
من جود كفك تأسو كل من كلما
منها من باب المعتدي لاثنين
فباب أعطى كسا منه ومنه سقى
كما تقول سقاك الله صوب سما
ومنه أولى وآتى مثل قولهم
أولاك ربي نعيم العيش والنعما
من باب المعتدي لثلاثة
وقاس بالهمزة النقل ابن مسعدة
في باب ظن وفيها خالف القدما
من باب كان وأخواتها
تقول ما زلت مفضالا وما برحت
منك السجايا توالي الجود والكرما
من باب الاستثناء
والقول في باب الاستثناء متسع
وقد يخالف فيه جلة الزعما
"""
صفحة رقم 296 """
وقد تبله قوم فيه لا سيما
من عد بله في الاستثنا ولا سيما
من نواصب الفعل
واعدد لكيلا وكيلا ثم كي ولكي
وليس يمنع من نصب زيادة ما
منها
والعرب قد تحذف الأخبار بعد إذا
إذا عنت فجأة الأمر الذي دهما
وربما نصبوا بالحال بعد إذا
وربما رفعوا من بعدها ربما
فإن تلاها ضميران اكتسى بهما
وجه الحقيقة من إشكاله غمما
لذاك أعيت على الأفهام مسألة
أهدت إلى سيبويه الهم والغمما
قد كانت العقرب العوجاء أحسبها
قدما أشد من الزنبور وقع حما
وفي الجواب عليها هل إذا هو هي
أو هل إذا هو إياها قد اختصما
وخطأ ابن زياد وابن حمزة في
ما قال فيها أبا بشر وقد ظلما
"""
صفحة رقم 297 """
وغاظ عمرا علي في حكومته
يا ليته لم يكن في مثلها حكما
كغيط عمرو عليا في حكومته
يا ليته لم يكن في أمره حكما
وفجع ابن زياد كل منتحب
من أهله إذ غدا منه يفيض دما
كفجعة ابن زياد كل منتحب
من أهله إذ غدا منه يفيض دما
فظل بالكرب مكظوما وقد كربت
بالنفس أنفاسه أن تبلغ الكظما
قضئت عليه بغير الحق طائفة
حتى قضى هدرا ما بينهم هدما
من كل أجور حكما من سدوم قضى
عمرو بن عثمان مما قد قضى سدما
حساده في الورى صمت فكلهم
تلفيه منتقدا للقول منتقما
فما النهى ذمما فيهم معارفها
وما المعارف في أهل النهى ذمما
فأصبحت بعده الأنفاس كابية
في كل صدر كأن قد كظ أو كظما
"""
صفحة رقم 298 """
وأصبحت بعده الأنقاس نادبة
في كل طرس كدمع سح وانسجما
وليس يخلو امرؤ من حاسد أضم
لولا التنافس في الدنيا لما أضما
فكم مصيب عزا من لم يصب خطأ
له وكم ظالم تلقاه مظلما
والغبن في العلم أشجى محنة علمت
وأبرح الناس شجوا عالم هضما
توضيح هذه الأبيات قوله والعرب قد تحذف الأخبار بعد إذا البيت يعني أن العرب قد تحذف خبر المبتدأ الواقع بعد إذا الفجائية تقول خرجت فإذا الأسد أي حاضر والغالب أن يذكر الخبر بعدها حتى إنه لم يقع في كتاب الله إلا مذكورا نحو ) فإذا هي شاخصة ( ) فإذا هي حية ( ) فإذا هي بيضاء للناظرين ( ) فإذا هم جميع لدينا محضرون ( وهو كثير
وقوله إذا عنت فجأة البيت أي إذا كانت إذا الفجائية لا الشرطية فإن الشرطية لا تدخل إلا على الجمل الفعلية بخلاف الفجائية فإنها تختص بالاسمية وقد اجتمعتا في قوله تعالى ) ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ( الأولى شرطية والثانية فجائية
"""
صفحة رقم 299 """
قوله فإن تلاها ضميران أي إن وقع بعد الفجائية ضميران نحو قولك فإذا هو هي الأصل فإذا هو مثلها فهو مبتدأ ومثل خبر وها مضاف إليه ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فارتفع وانفصل وصار فإذا هو هي
ومن قال فإذا هو إياها فالأصل فإذا هو يشبهها فهو مبتدأ ويشبهها فعل وفاعل ومفعول والجملة خبر ثم حذف الفعل والفاعل وبقي المفعول فانفصل فصار فإذا هو إياها ونظيره في حذف الخبر وبقاء معموله قراءة علي رضي الله عنه ) ونحن عصبة ( أي ونحن نوجد عصبة وقول النابغة الجعدي
وحلت سواد القلب لا أنا باغيا
سواها ولا في حبها متراخيا
التقدير لا أنا أوجد باغيا
قوله وغاظ عمرا علي يريد بعمرو سيبويه وبعلي الكسائي رحمهما الله
قوله كغيظ عمرو عليا يريد بعمرو عمرو بن العاص وبعلي علي بي أبي طالب رضي الله عنهما مشيرا بذلك إلى ما وقع في مسئلة التحكيم في قصة علي ومعاوية رضي الله عنهما وابتلاؤهما في ذلك وما اتفق من عمرو بن العاص في قوله أقررت معاوية بعد أن استنزل أبا موسى حتى فصل عليا مشهور
وليس قوله حكما في هذا البيت بعد قوله حكما إيطاء فإن القافيتين ليستا متوافقتين بل إحداهما حكم اسم والأخرى حكم فعل ماض
"""
صفحة رقم 300 """
وقد أخذ شاعر عصرنا الشيخ جمال الدين ابن نباتة أكثر أبيات ملحة الإعراب للحرير فضمنها وجعلها قصيدة امتدح به الشيخ الإمام الوالد وهي
صرفت فعلي في الأسى وقولي
بحمد ذي الطول الشديد الحول
يا لائما ملامه يطول
اسمع هديت الرشد ما أقول
كلامك الفاسد لست أتبع
حد الكلام ما أفاد المستمع
أفدي غزالا مثلوا جماله
في مثل قد أقبلت الغزاله
ما قال مذ ملك قلبي واسترق
كقولهم رب غلام لي أبق
للقمرين وجهه مطالع
فهي ثلاث ما لهم رابع
لأحرف الحسن في خديه خط
وقال قوم إنها اللام فقط
داني المزار يحذر الضنين
عليه مثل بان أو يبين
كتمته فالحسن ليس يجتلى
والاسم ما يدخله من والي
منفرد بالوصل في دار الهنا
مثاله الدار وزيد وأنا
لا يختشي تلاعب الظنون
والأمر مبني على السكون
في خده التبري هان نشبي
وقيمه الفضة دون الذهب
"""
صفحة رقم 301 """
فاصرف عليه ثروة تستام
فما على صارفها ملام
وإن رأيت قده العالي فصف
وقف على المنصوب منه بالألف
والعارض النوني ما أنصفته
وإن تكن باللام قد عرفته
واها له بحرف نون قد عرف
كمثل ما تكتبه لا يختلف
يأتي بنقط الخال في إعجام
وتارة يأتي بمعنى اللام
دونك إن عشقته بين الورى
معظما لقدره مكبرا
وإن ترد وجنته المنيره
فصغر النار على نويره
كم ومتى جادلت فيه من عذل
ولا وحتى ثم أو وأم وبل
للحظه المسكر فعل مطرب
مفعوله مثل سقى ويشرب
فلا تلم عويشقا فيه تلف
ولا سكيران الذي لا ينصرف
لا تلح قلبي في الهوى فتتعبا
وما عليك عتبه فتعتبا
جسمي وذاك الخصر والجفن الدنف
هن حروف الاعتلال المكتنف
"""
صفحة رقم 302 """
فيا مليحا عنه أخرت القمر
إما لتهوان وإما لصغر
كرر فما أحلى لسمع السامي
قولك يا غلام يا غلامي
وارفق بمضناك فما سوى اسمه
ولا تغير ما بقي من رسمه
وقد حكى العذار في الوقوف
فاعطف على سائلك الضعيف
أفقرت في الحسن الغواني مثل ما
قالوا حذام وقطام في الدما
فافخر بمعنى لحظك المعشوق
في كل ما تأنيثه حقيقي
يالك لحظا بسعاد أزرى
وجاء في الوزن مثل سكرى
حتى اسمها مستنقص لمن وعا
كما تقول في سعاد يا سعا
يا ناصبا أوصاف ذياك الصبا
ثم الكلام عنده فلينصبا
"""
صفحة رقم 303 """
هيهات بل دع عنك ما أضنى وما
وعاص أسباب الهوى لتسلما
وحبر الأمداح في علي
قاضي القضاة الطاهر النقي
بكل معنى قد تناهى واستوى
في كلم شتى رواها من روى
باكر إلى ذاك الحمى العالي وصف
إذا اندرجت قائلا ولا تقف
دونك والمدح زكيا معجبا
مثل لقيت القاضي المهذبا
ذو الجود والعلم عليه أرسى
وهكذا أصبح ثم أمسى
فاضرع إلى قار لقاه نافع
وافزع إلى حام حماه مانع
يقول للضيف قراه حب وحل
ومثله ادخل وانبسط واشرب وكل
إذا ظفرت عنده بموعد
يقول كم مال أفادته يدي
له يراع كم له من خطره
جمانة منظومة مع دره
شم فعله عند الندى والبأس
فإنه ماض بغير لبس
"""
صفحة رقم 304 """
لله ما ألينه عند العطا
وما أحد سيفه حين سطا
ندب له يثني الثناء قصده
وخلفه وإثره وعنده
إن قال قولا بين الغرائبا
وقام قس في عكاظ خاطبا
وإن سخا أتى على ذي العدد
والكيل والوزن ومذروع اليد
حفظك للسمع عن العذال
فماله مغير بحال
للفضل جنس بيته المهني
ونوعه الذي عليه يبنى
سام به أهل العلا جميعا
ولا تخف ردا ولا تقريعا
وإن ذكرت أفق بيت قد نما
فانصب وقل كم كوكبا تحوي السما
بيت نظيم المجد والعلاء
عند جميع العرب العرباء
"""
صفحة رقم 305 """
يقر من يأتي له أو اقترب
وكل منسوب إلى اسم في العرب
تقول مصر من علاه الواجبه
كقول سكان الحجاز قاطبه
أسسه الأنصار طلاع الفتن
وزاد مبنى حسنه أبو الحسن
جار إذا ما امتدت الآساد
تقول هذا طلحة الجواد
إذا اجتليت في الخطا جبينه
أو اشتريت في الرجا ثمينه
تقول أصرت الهلال لائحا
وقد وجدت المستشار ناصحا
كم بالغني منه تولى راحل
وواقفا بالباب أضحى السائل
فياض سيب في الورى فلم يقل
في هبة يا هب من هذا الرجل
قال له الحكم امض ما تحاوله
واقض قضاء لا يرد قائله
وأنت يا قاصده سر في جدد
واسع إلى الخيرات لقيت الرشد
"""
صفحة رقم 306 """
فاخر به سحب الحيا إن صابا
واستوت المياه والأخشايا
ولا تقل كان غماما ورحل
كان وما انفك الفتى ولم يزل
باب سواه اهجر عداك عيب
وصغر الباب فقل بويب
جود به أنسى أحاديث المطر
فليس يحتاج لها إلى خبر
مثل الهبا فيه كلام العذل
والريح تلقاء الحيا المنهل
يا رب بحر عمته للشعر
وغصت في البحر ابتغاء الدر
حتى ملا عيني نداه عينا
وطبت نفسا إذ قضيت الدينا
دونكها معسولة الآداب
حلاوة في ملحه الإعراب
مضى بها الليل بهي الأنجم
وبات زيدا ساهرا لم ينم
"""
صفحة رقم 307 """
فافتح لها باب قبول يجتلى
وإن تجد عيبا فسد الخللا
لا زلت مسموع الثنا ذا متن
جائلة دائرة في الألسن
ما لعداك راية تقام
فليس غير الكسر والسلام
1337
محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن حمدان
شيخنا قاضي القضاة شمس الدين بن النقيب
الحاكم بحمص ثم طرابلس ثم حلب ثم مدرس الشامية البرانية وصاحب النووي وأعظم بتلك الصحبة رتبة علية
وله الديانة والعفة والورع الذي طرد به الشيطان وأرغم أنفه
وكان من أساطين المذهب وجمرة نار ذكاء إلا أنها لا تتلهب
سمع من أحمد بن أبي بكر بن الحموي وأبي الحسن بن البخاري وأبي حامد ابن الصابوني وأحمد بن شيبان وزينب بنت مكي وغيرهم
مولده تقريبا في سنة اثنتين وستين وستمائة
"""
صفحة رقم 308 """
سمعته يقول قال لي النووي يا قاضي شمس الدين لا بد أن تلي تدريس الشامية فولي القضاء ثم الشامية
وكان ابن النقيب يقول إنه ما يموت إلا ليلة الجمعة فكان كذلك ووافق ثاني عشر ذي القعدة سنة خمس وأربعين وسبعمائة بالمدرسة الشامية ودفن بقاسيون
أخبرنا محمد بن أبي بكر الفقيه سماعا عليه أخبرنا أبو الحسن بن البخاري أخبرنا حنبل بن عبد الله أخبرنا هبة الله بن محمد الشيباني أخبرنا الحسن بن علي ابن المذهب أخبرنا أبو بكر بن حمدان أخبرنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير قال سمعت عمرو بن حريث قال سمعت سعيد بن زيد رضي الله عنه يقول سمعت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين )
وأخبرناه عاليا بدرجتين فاطمة بنت إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر بقراءتي عليها أخبرنا محمد بن عبد الهادي بن يوسف المقدسي كتابة عن شهدة بنت أحمد أخبرنا طراد بن محمد أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق أخبرنا محمد بن يحيى بن عمر الطائي أخبرنا جد أبي علي بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
"""
صفحة رقم 309 """
(
الكمأة من المن الذي أنزله اله على بني إسرائيل وماؤها شفاء للعين )
أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر
وأخرجه مسلم أيضا عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة فوقع لنا بدلا عاليا للبخاري ومسلم في الرواية الأولى ولمسلم وحده في الثانية
1338
محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران بن رحمة قاضي القضاة علم الدين الأخنائي السعدي
حدث عن أبي بكر بن الأنماطي والأبرقوهي وابن دقيق العيد
وتولى قضاء الإسكندرية ثم لما مات الشيخ علاء الدين القونوي ولي قضاء الشام
وكان رجلا حسنا دينا محبا للعلم
استكتب شرح المنهاج للوالد رحمه الله
وبلغني عنه أنه كان يقول ما للشام قاض إلا السبكي
فهذه منه مكاشفة
"""
صفحة رقم 310 """
مولده في عاشر شهر رجب سنة أربع وستين وستمائة
وتوفي بدمشق ثالث عشر ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة
وفيه يقول شاعر وقتنا جمال الدين بن نباتة
قاضي القضاة بيمنى كفه القلم
يا ساري القصد هذا البان والعلم
هذا اليراع الذي تجني الفخار به
يد الإمام الذي معروفه أمم
معيي الأماثل في علم وفيض ندى
فالسحب باكية والبحر يلتطم
وافى الشآم وما خلنا الغمام إذا
بالشام ينشأ من مصر وينسجم
آها لمصر وقد شابت لفرقته
فليس ينكر إذ يعزى لها الهرم
وأوحش الثغر من رؤيا محاسنه
فما يكاد بوجه الزهر يبتسم
"""
صفحة رقم 311 """
ينشي وينشد فيه الشعر من أسف
بيتا تكاد به الأحشاء تضطرم
يا من يعز علينا أن نفارقهم
وجداننا كل شيء بعدكم عدم
1339
محمد بن أبي بكر بن محمد بن قوام الشيخ نور الدين بن الشيخ نجم الدين
كان رجلا فاضلا من بيت الخير والصلاح والزهد لجدهم الشيخ الكبير ولي الله أبي بكر صاحب الكرامات الظاهرة وقد قدمنا ذكره
ولد هذا نور الدين بعد سنة عشرين وسبعمائة أراه سنة إحدى وعشرين
وطلب العلم وسمع الحديث ودرس بعد وفاة والده بالرباط الناصري بقاسيون
وتوفي ليلة مستهل جمادى الأولى سنة خمس وستين وسبعمائة بالصالحية ظاهر دمشق
"""
صفحة رقم 312 """
حرف الألف
1340
إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن ضياء بن سباع الفزاري الشيخ برهان الدين بن الفركاح
فقيه الشام وبركته الذي ليس برقه بشام وشيخه الذي زاد يمنه على أنواء الغمام
تلقى علما كثيرا وتوقى في نقله الخطأ فأصاب أجرا كبيرا وترقى إلى درجات عالية يطل من شرفاتها فيبصر سراجا وقمرا منيرا
وكان يغدو في جوانب دمشق ويروح ويعدو وهو بلطف الله ممدودة وبثناء العباد ممدوح ويبدو كالقمر المنير وجهه فيسر القلب ويمازح الدم والروح
مولده في شهر ربيع الأول سنة ستين وستمائة
وسمع من ابن عبد الدائم وابن أبي اليسر ويحيى بن الصيرفي وغيرهم
وتفقه على والده
"""
صفحة رقم 313 """
وكان ملازما للشغل بالعلم والإفادة والتعليق سديد السيرة كثير الورع مجمعا على تقدمه في الفقه ومشاركته في الأصول والنحو والحديث
أجاز لنا في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة
وتوفي في جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وسبعمائة بالمدرسة البادرائية بدمشق
أخبرنا شيخ الشافعية أبو إسحاق الفزاري إذنا أخبرنا أحمد بن عبد الدائم بن نعمة أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن صدقة أخبرنا محمد بن الفضل أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا أبو أحمد الجلودي أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه أخبرنا مسلم بن الحجاج حدثنا يحيى بن يحيى قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من حمل علينا السلاح فليس منا )
اختار الشيخ برهان الدين جواز نقل الزكاة
وأنه لا يكره الجلوس للتعزية
وسبقه إلى ذلك والده الشيخ تاج الدين زاد الشيخ برهان الدين بل ينبغي أن يستحب
ورجح أيضا تبعا لوالده أن المراد بالساعات في حديث التبكير إلى الجمعة من الزوال كما يقوله صاحب التهذيب والروياني
"""
صفحة رقم 314 """
كتب الشيخ المصنف أسبغ الله ظلاله إلى الشيخ الإمام العالم الأديب النحرير الفاضل المحدث المفيد برهان الدين أبي إسحاق بن الشيخ العالم شرف الدين عبد الله القيراطي المصري من دمشق المحروسة يتشوق إليه في جمادى الآخرة سنة أربع وستين وسبعمائة
يقبل الأرض أدبا بين يدى قبلة الأدب ويوجه وجهه عروض بيتها الذي رفع إبراهيم قواعده بكل وتد وسبب ويقلب قلبه فإذا ميلتها الذكرى له قام كأنه يتمشى هناك بالأحداق ومد يده لكأس الطرب وأنشد
أمد كفي لحمل الكأس من رشأ
وحاجتي كلها في حامل الكاس
لا بل أنشد
أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
"""
صفحة رقم 315 """
فهو والله حب امتزج بلحمه ودمه واعتلج وهو الدواء مع دائهما فأوجد حقيقة عدمه واختلج لكأسه كل عضو إذا ما شارب القوم احتساه أحس له دبيبا في أعظمه وأنشد
كانت لقلبى أهواء مفرقة
فاستجمعت مذ رأتك العين أهواي
فصار يحسدني من كنت أحسده
وصرت مولى الورى إذ صرت مولاي
لا والله بل حب حل منه محل الروح وملك ما يغدو منه ويغدي ويريح ويروح وعدل في الأعضاء فأباح لكل أن يبوح بما عنده وينوح وينشد
يجد الحمام ولو كوجدي لانبرى
شجر الأراك مع الحمام ينوح
لا والله بل حب خالط القلب فما تشاكلا ولا تشابه الأمر بل اتحدا فلم يقل رق الزجاج وراقت الخمر واتصلا فلم يبت من حبه متقلبا على الجمر بل أنشد
أنا من أهوى ومن أهوى أنا
نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرته أبصرتني
وإذا أبصرتني أبصرتنا
واستشهد بما أخبرناه أبو عبد الحافظ سماعا عليه أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن سابور وأنا في الخامسة أخبرنا محمد
"""
صفحة رقم 316 """
ابن عبد العزيز الشيرازي أخبرنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي الفارسي حدثنا محمد بن مخلد حدثنا محمد ابن عثمان بن كرامة حدثنا خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله تعالى قال من عادى لي وليا فقد آذنني بحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فلئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه )
أخرجه البخاري عن محمد بن عثمان بن كرامة العجلي الكوفي فوافقناه بعلو
إيه والله وحب صيره معكم فلم يشك بعدا ورجا به أن الله يحبه فاغتبط وإن وجد وجدا وأمل بوقوعه في الله ظل الله فلم يلق لنار الحريق وقدا
اعتمادا
"""
صفحة رقم 317 """
على ما أخبرنا به الشيخ الإمام الوالد تغمده الله برحمته سماعا عليه أخبرنا الحافظ أبو محمد الدمياط أخبرنا الحافظ أبو الحجاج الدمشقي ح
وأنبئت عن أبي الحجاج أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي عبد الله بن موهوب بن جامع بن عبدون البناء الصوفي أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله ابن نصر بن الزاغوني أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن علي بن أحمد الدقاق المعروف بابن ذكرى أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن حفص المقري حدثنا الحسين بن محمد السكوني حدثنا محمد بن جعفر القرشي حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي موسى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قيل له الرجل يحب القوم ولم يلحق بهم قال ( المرء مع من أحب )
هذا المتن متفق على صحته مروي عن خلق من الصحابة منهم أنس بن مالك وعبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري وعلي بن أبي طالب وأبو سعيد الخدري وأبو ذر الغفاري وصفوان بن عسال وعبد الله بن يزيد الخطمي والبراء بن عازب وعروة بن مضرس وصفوان بن قدامة الجمحي وأبو أمامة الباهلي وأبو سريحة الغفاري وأبو هريرة ومعاذ بن جبل وأبو قتادة الأنصاري وعبادة بن الصامت وجابر بن عبد الله وعائشة أم المؤمنين وعبيد بن عمير رضي الله عنهم
"""
صفحة رقم 318 """
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ سماعا عليه أن أحمد بن إسحاق أخبره بقراءته قال أخبرنا أبو القاسم المبارك بن علي بن أحمد بن أبي الجود أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي غالب الوراق أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد الأنماطي أخبرنا محمد بن عبد الرحمن العباسي حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن رجلا زار أخا له في قرية فأرصد الله على مدرجته ملكا قال أين تريد
قال أردت أخا لي في قرية كذا وكذا
قال هل له من نعمة تربها
قال لا إلا أني أحبه في الله
قال إني رسول الله إليك إن الله قد أحبك كما أحببته فيه
صحيح تفرد مسلم بتخريجه من هذا الوجه فرواه عن أبي يحيى عبد الأعلى ابن حماد بن نصر البصري النرسي فوافقناه بعلو
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا علي بن أحمد العراقي أخبرنا محمد ابن أحمد القطيعي أخبرنا محمد بن المبارك بن الخل حدثنا أبو المعالي ثابت بن بندار ابن إبراهيم الدينوري المقرئ أخبرنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن يوسف بن دوست العلاف حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي البزار حدثنا إسحاق بن الحسن
"""
صفحة رقم 319 """
الحربي حدثنا القعنبي عن مالك عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد أو أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( سبعة يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عباده الله ورجل دعته امرأة ذات جمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل كأن قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه )
الحديث متفق على صحته مخرج في الكتب من حديث خبيب
وينهي بعد رفع أدعية بلغن السماء ورجون فوقها مظهرا ومضى سلاحهن فيمن استقبل الحال بسوء فرجع القهقرى وتلقتها ملائكة القبول قائلة لقد يممت جل بحر جوهرا ذاكرة ما أخبرناه محمد بن إسماعيل الحموي سماعا عليه أخبرنا أبو الحسن بن البخاري وزينب بنت أبي الحزم قالا أخبرنا عمر بن محمد بن
"""
صفحة رقم 320 """
طبرزد أخبرنا هبة الله بن محمد أخبرنا أبو طالب البزار أخبرنا أبو بكر الشافعي أخبرنا محمد بن غالب أخبرنا شريح بن يونس حدثنا عمرو بن صالح عن عبد الملك عن عطاء عن أم كرز قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( دعوة الرجل لأخيه بظهر الغيب مستجابة وملك عند رأسه يقول آمين آمين ولك بمثل )
لم يرو هذا الحديث من حديث أم كرز في شيء من الكتب الستة وهو في صحيح مسلم من حديث أبي الدرداء
أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الحريري سماعا عليه أخبرنا عمر ابن محمد الكرماني حضورا أخبرنا أبو بكر القاسم بن عبد الله الصفار أخبرنا وجيه بن طاهر الشحامي ح
وأخبرتنا زينب بنت الكمال سماعا عن عبد الخالق بن أنجب بن المعمر النشتبري المارديني عن وجيه أخبرنا أبو بكر يعقوب بن أحمد الصيرفي حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي
"""
صفحة رقم 321 """
الجرجاني حدثنا أحمد بن عيسى اللخمي حدثنا عمرو بن أبي سلمة حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( خمس دعوات يستجاب لهن دعوة المظلوم حتى ينتصر ودعوة الحاج حتى يصدر ودعوة المجاهد حتى يقفل ودعوة المريض حتى يبرأ ودعوة الرجل لأخيه بظهر الغيب )
وشرح أشواق بها العينان عينان تنهل والقلب تفاقم سقمه فاضمحل والجسم ما غيره الناي بل غيره وكاد ينحل وما ينحل
(
شوقي إليك وإن نأت دار بنا شوق الغزال إلى ملاعب سربه )
(
أو شوق ظامي النفس صادف منهلا
منعته أطراف القنا من شربه )
إذا غير النأي المحبين فقد غيره وإذا غير الهوى ساكن الدمع فما حرك إلا ما تقاضاه من عينه وما غيره بل أنشد لنفسه مضمنا في عبرته المعبرة
(
إن غير النأي صبا فهو غيرني
وصب مني دموعي من مآقيها )
(
فويحه يتقاضاني بحار دما وقطرة الدم مكروه تقاضيها )
"""
صفحة رقم 322 """
لتلك الألفاظ التي عذبت فهي وحاشاها من التغير ماء النيل ورقت فهي وحوشيت من السقم النسيم العليل وراقت فهي وحاشاها من التلون الزهر الحفيل وعند ذكرها ينشد ويقول
باللفظ يقرب فهمه في بعده
منا ويبعد نيله في قربه
حكم سحائبها خلال بنانه
هطالة وقليبها في قلبه
فالروض مختلف بحمرة نوره
وبياض زهرته وخضرة عشبه
وكأنها والسمع معقود بها
وجه الحبيب بدا لعين محبه
ثم يزداد طربا ويهم أن يطير إلى تلك الديار ولكن أين الجناح وأن يسري في ليل الفراق ولكن من له تلقاء الصباح وأن يقابل الدهر ولكنه أعزل والدهر شاكي السلاح وينشد
وحديثها السحر الحلال لو أنه
لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت
ود المحدث أنها لم توجز
شرك النفوس ونزهة ما مثلها
للمطمئن وعقلة المستوفز
فلقد شرب بعدكم كأس فراق ذهب بلبه كل مذهب وسقاه سوط عذاب
"""
صفحة رقم 323 """
الشيب أطيب منه وأعذب وأورث شيبة المشيب فلو قلد من قال فانثنى بلا عينين لقال ضربني بشيبين ولا لعبا مني أو ذو الشيب يلعب
إنه سطرها والقلب يملي علي أشواقا أضرم البعد سعيرها وماء العين يتفجر عيونا فلولا تلك النار لمحا ذلك الماء سطورها فلله ماء ونار لو لم يتعالجا لأسمعت الأشواق والأقلام من بمصر صليلها وصريرها
أجريت دمعي وأضرمت الحشا لهبا
كالعود يقطر ماء وهو يحترق
يتذكر ما مضى بين يديكم من عيش هو المنية فلا غرو أن يعزى إلى خصيب ووقت ضحك إلي فغفرت ذنب كل ضاحك وإن شيب بضحك المشيب وأيام ناسب مولانا غربتي فيها لغريب فضله المرسل وإحسانه الملائم وكل غريب للغريب نسيب
"""
صفحة رقم 324 """
هذا وإن كان مولانا إذ ذاك يواصل هجره بالإفراط ولا يمتع من يتطلب اكتيال محاسنه من ميزان عدله إلا بقيراط بعد قيراط ولا يرى إلا أن يحقق نسبته أصلا ثم مر بي إلى بلد يسمى فيها القيراط من الأقباط
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز إذنا خاصا أخبرنا المسلم بن محمد بن علان سماعا أخبرنا حنبل بن عبد الله الرصافي أخبرنا هبة الله بن محمد الشيباني أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد التميمي أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي حدثنا عبد الله بن الإمام أحمد بن محمد ابن حنبل حدثنا أبي حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت حرملة يحدث عن عبد الرحمن بن شماسة عن أبي بصرة عن أبي ذر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إنكم ستفتحون أرض مصر وهي أرض يسمى فهيا القيراط فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما ) أو قال ( ذمة وصهرا )
رواه مسلم عن زهير وعبيد الله بن سعيد كلاهما عن وهب بن جرير به فوقع لنا بدلا عاليا ولله الحمد
كلما أردت منه صحيح الوصل جاء بالهجر الممرض وكلما حاولت إيماض برقه أرعد ولم يومض وكلما تطلبت إقباله قالت طباعه يا إبراهيم أعرض
(
ذات لها هذي الصفات وفي الحشا من حبها نار يزيد وقودها )
"""
صفحة رقم 325 """
إن لم يسل القلب قول عذوله
طبعت على كدر وأنت تريدها
وكيف يرجع قلب علق فلا يصده الصد وهام فإذا رأى رسم الديار بدل لفظا بلفظ وتجاوز الحد واستوى الأمران عنده فلم يقل إن قرب الدار خير من البعد بل أنشد
غرام على يأس الهوى ورجائه
وحب على قرب المزار وبعده
وأستشهد بما أخبرنا به محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بقراءتي عليه أخبرنا أبو الفداء إسماعيل بن أبي عبد الله بن حماد العسقلاني سماعا أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز أخبرنا الخطيب أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن نعيم بن الجارود البصري قال سمعت علي بن أحمد بن عبد الرحمن الفهري الأصبهاني يقول سمعت أحمد بن عبد الجبار المالكي يقول سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول حقيقة المحبة أنها لا تزيد بالبر ولا تنقص بالجفاء
وأخبرنا أبو العباس بن المظفر الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر بقراءتي عن إسماعيل بن عثمان القارئ أخبرنا أبو الأسعد هبة الرحمن ابن الإمام أبي سعيد عبد الواحد بن الأستاذ أبي القاسم القشيري أخبرنا أبو الفضل
"""
صفحة رقم 326 """
الطبسي أخبرنا أبو عبد الله بن باكويه حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد حدثنا العباس بن يوسف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا إبراهيم بن محمد النساج قال قال الأسود بن سالم ركعتان أصليهما أحب إلي من الجنة بما فيها
فقيل له هذا خطأ فقال دعونا من كلامكم رأيت الجنة رضى نفسي وركعتين رضى ربي ورضى ربي أحب إلي من رضى نفسي
لكني سمعت الشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى يجيب وسئل عن رجلين تنازعا هل دخول الجنة أفضل من العبادة أو العكس أيهما المصيب أن الصواب قول من قال دخول الجنة أفضل واستدل عليه بوجوه يطول شرحها هنا
وعلى قول الخياط
غرام على يأس الهوى ورجائه
البيت أقول ودي متحد في البلدين ومساورة الهم باق لنفسي الضئيلة ذات النكدين ومما زادها قلقا قطعها اليأس عن زيارتكم هذا المربع الخضر فكان قطع اليأس عند إحدى التعبين لا إحدى الراحتين وأنشد
لو شئت داويت قلبا أنت مسقمه
وفي يديك من البلوى سلامته
وإنما أصدرها المملوك تعللا وأرسلها مسندة عن نفس منقطع لهذا الأمر المعضل تبتلا وكتبها استرواحا لضمة المتهالك حبا ما سلا العاشق بها محبوبه ولكن قلبه سلا
"""
صفحة رقم 327 """
أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن الحسن بن داود الجزري سماعا عليه أخبرنا عبد الحميد بن عبد الهادي حضورا أخبرنا إسماعيل بن علي الجنزوي أخبرنا ياقوت بن عبد الله أخبرنا عبد الله بن محمد الصريفيني أخبرنا أبو طاهر المخلص أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي أخبرنا الزبير بن بكار حدثني إبراهيم بن المنذر عن معن بن عيسى قال جاء ابن سرحون السلمي إلى مالك ابن أنس وأنا عنده فقال يا أبا عبد الله إني قد قلت أبياتا من شعر وذكرتك فيها فأنا أسألك أن تجعلني في سعة فقال له مالك أنت في حل مما ذكرتني وتغير وجهه وظن أنه هجاه قال إني أحب أن تسمعها فقال له مالك أنشدني فقال
سلوا مالك المفتي عن اللهو والصبا
وحب الحسان المعجبات الفوارك
ينبيكم أني مصيب وإنما
أسلي هموم النفس عني بذلك
فهل في محب يكتم الحب والهوى
أثام وهل في ضمة المتهالك
قال قال لي معن فسري عن مالك وضحك
قلت في هذا من مالك دليل على جواز الإبراء عن الكلام في العرض وإن كان مجهولا وأنه كان يرى التحليل من هذا أولى من عدمه
ونقل أبو الوليد بن رشد في شرح العتبية أن مذهب الشافعي أن ترك التحليل من الظلامات والتبعات أولى لأن صاحبها يستوفيها يوم القيامة بحسنات من هي عنده وبوضع سيئاته على من هي عنده كما شهد به الحديث وهو لا يدري هل يكون أجره
"""
صفحة رقم 328 """
على التحليل موازيا ماله من الحسنات في الظلامات أو يزيد أو ينقص وهو محتاج إلى زيادة حسناته ونقصان سيئاته
قال ومذهب غيره أن التحليل أفضل مطلقا
قال ومذهب مالك التفرقة بين الظلامات فلا يحلل منها والتبعات فيحلل منها عقوبة لفاعل الظلامات
وهو تفصيل عجيب
وسيدنا يعلم أن المملوك بارتياحه لذكركم معذور وأنه يتخيل محاسنكم خلال السطور وأنه يعروه لذكراك هزة كما انتفض العصفور
وكيف لا وأول ما حكم به في دمشق وقد دخلها قاضيا وقوع البعاد وألبسه النأي ثوبا من الحزن لا يبلى ويبلى الفؤاد وانتزع ثياب صبره والبين لص لا غرو أن ينزع ثياب القاضي بجدال وجلاد
كما أخبرنا الحافظ أبو العباس أحمد بن المظفر بن أبي محمد النابلسي بقراءتي عليه أخبرنا الشيخان محمد بن علي بن أحمد الواسطي وأحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسي سماعا عليهما قالا أخبرنا أبو المحاسن محمد بن السيد بن فارس الصفار أخبرنا أبو القاسم الخضر بن عبدان أخبرنا سهل بن بشر الإسفرايني أخبرنا مشرف ابن المرجي المقدسي أخبرنا أبو عبد الله الحسن بن محبوب المنصوري النحوي حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسين القاضي بنهاوند حدثنا محمد بن الحسين الرازي حدثني أبي عن جدي عن محمد بن مقاتل الماسقوري قاضي الري قال كان محمد بن الحسين يكثر الإدلاج إلى بساتينه فيصلي الصبح ثم يعود إلى منزله إذا ارتفعت الشمس وعلا
"""
صفحة رقم 329 """
النهار
قال محمد بن مقاتل فسألته عن ذلك قال بلغني في حديث عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( حبب إلي الصلاة في الحيطان ) وذلك أن أهل اليمن يسمون البستان الحائط
قال محمد بن الحسين فخرجت إلى حائط لي لأصلي فيه الفجر رغبة في الثواب والأجر فعارضني لص جريء القلب خفيف الوثب في يده خنجر كلسان الكلب ماء المنايا يجول على فرنده والآجال تلوح في حده فضرب بيده إلى صدري ومكن الخنجر من نحري وقال لي بفصاحة لسان وجراءة جنان انزع ثيابك واحفظ إهابك ولا تكثر كلامك تلاق حمامك ودع عنك التلوم وكثرة الخطاب فلا بد لك من نزع الثياب
فقلت له يا سبحان الله أنا شيخ من شيوخ البلد وقاض من قضاة المسلمين يسمع كلامي ولا ترد أحكامي ومع ذلك فإني من نقلة حديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منذ أربعين سنة أما تستحيي من الله أن يراك حيث نهاك
فقال لي يا سبحان الله أنت أيضا أما تراني شابا ملء بدني أروق الناظر وأملأ الخاطر وآوي الكهوف والغيران وأشرب ماء القيعان والغدران وأسلك مخوف المسالك وألقي بيدي في المهالك ومع ذلك فإني وجل من السلطان مشرد عن الأهل والأوطان وحشي أن أعثر بواحد مثلك وأتركه يمشي إلى منزل رحب وعيش رطب وأبقى أنا هنا أكابد التعب وأناصب النصب وأنشأ اللص يقول
"""
صفحة رقم 330 """
ترى عينيك ما لم ترياه
كلانا عالم بالترهات
قال القاضي أراك شابا فاضلا ولصا عاقلا ذا وجه صبيح ولسان فصيح ومنظر وشارة وبراعة وعبارة
قال اللص هو كما تذكر وفوق ما تنشر
قال القاضي فهل لك إلى خصلة تعقبك أجرا وتكسبك شكرا ولا تهتك مني سترا ومع ذلك فإني مسلم الثياب إليك ومتوفر بعدها عليك
قال اللص وما هذه الخصلة
قال القاضي تمضي إلى البستان معي فأتوارى بالجدران وأسلم إليك الثياب وتمضي على المسار والمحاب
قال اللص سبحان الله تشهد لي بالعقل وتخاطبني بالجهل ويحك من يؤمنني منك أن يكون لك في البستان غلامان جلدان علجان ذوا سواعد شديدة وقلوب غير رعيدة يشداني وثاقا ويسلماني إلى السلطان فيحكم في آراءه ويقضي علي بما شاءه
قال له القاضي لعمري إنه من لم يفكر في العواقب فليس له الدهر بصاحب وخليق بالوجل من كان السلطان له مراصدا وحقيق بإعمال الحيل من كان للسيئات قاصدا وسبيل العاقل أن لا يغتر بعدوه بل يكون منه على حذر ولكن لا حذر من قدر ولكن أحلف لك ألية مسلم وجهد مقسم أني لا أوقع بك مكرا ولا أضمر لك غدرا
"""
صفحة رقم 332 """
قال القاضي يا هذا قد أعيتني مضاءة جنانك وذرابة لسانك وأخذك علي الحجج من كل وجه وأتيت بألفاظ كأنها لسع العقارب أقم ها هنا حتى أمضي إلى البستان وأتوارى بالجدران وأنزع ثيابي هذه وأدفعها إلى صبي غير بالغ تنتفع بها أنت ولا أنهتك أنا ولا تجري على الصبي حكومة لصغر سنه وضعف منته
قال اللص يا إنسان قد أطلت المناظرة وأكثرت المحاورة ونحن على طريق ذي غرر ومكان صعب وعر وهذه المراوغة لا تنتج لك نفعا وأنت لا تستطيع لما أرومه منك دفعا ومع هذا أفتزعم أنك من أهل العلم والرواية والفهم والدراية ثم تبتدع وقد روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( الشريعة شريعتي والسنة سنتي فمن ابتدع في شريعتي وسنتي فعليه لعنة الله )
قال القاضي يا رجل وما هذا من البدع
قال اللص اللصوصية بنسيئة بدعة انزع ثيابك فقد أوسعت من ساعة محالك ولم أشدد عقالك حياء من حسن عبارتك وفقه بلاغتك وتقلبك في المناظرة وصبرك تحت المخاطرة
فنزع القاضي ثيابه ودفعها إليه وأبقى السراويل
فقال اللص انزع السراويل كي تتم الخلعة
قال القاضي يا هذا دع عنك هذا الاغتنام وامض بسلام ففيما أخذت كفاية وخل السراويل فإنه لي ستر ووقاية لا سيما وهذه صلاة الفجر قد أزف حضورها وأخاف تفوتني فأصليها في غير وقتها وقد قصدت أن أفوز بها في مكان يحبط وزري ويضاعف أجري ومتى منعتني من ذلك كنت كما قال الشاعر
"""
صفحة رقم 333 """
إن الغراب وكان يمشي مشية
فيما مضى من سالف الأحوال
حسد القطاة فرام يمشي مشيها
فأصابه ضرب من العقال
فأضل مشيته وأخطأ مشيها
فلذاك كنوه أبا المرقال
قال اللص القاضي أيده الله تعالى يرجع إلى خلعة غير هذه أحسن منها منظرا وأجود خطرا وأنا لا أملك سواها ومتى لم تكن السراويل في جملتها ذهب حسنها وقل ثمنها لاسيما والتكة مليحة وسيمة ولها مقدار وقيمة فدع ضرب الأمثال وأقلع عن ترداد المقال فلست ممن يرد بالمحال ما دامت الحاجة ماسة إلى السروال ثم أنشد
دع عنك ضربك سائر الأمثال
واسمع إذا ما شئت فصل مقال
لا تطلبن مني الخلاص فإنني
أفتي فمتى ما جئتني بسؤال
ولأنت إن أبصرتني أبصرت ذا
قول وعلم كامل وفعال
جارت عليه يد الليالي فانثنى
يبغي المعاش بصارم ونصال
فالموت في ضنك المواقف دون أن
ألقى الرجال بذلة التسآل
والعلم ليس بنافع أربابه
أولا فقومه على البقال
ثم قال ألم يقل القاضي إنه يتفقه في الدين ويتصرف في فتاوي المسلمين
قال القاضي أجل
قال اللص فمن صاحبك من أئمة الفقهاء
قال القاضي صاحبي محمد بن إدريس الشافعي
"""
صفحة رقم 334 """
قال اللص اسمع هذا وتكون بالسراويل حتى لا تذهب عنك السراويل إلا بالفوائد
قال القاضي أجل يا لها من نادرة ما أغربها وحكاية ما أعجبها
قال أي شيء قال صاحبك في صلاة الفجر وغيرها وأنت عريان
قال القاضي لا أدري
قال اللص حدثني أبي عن جدي عن محمد بن إدريس يرفعه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( صلاة العريان جائزة ولا إعادة عليه ) تأول في ذلك غرق البحر إذا سلموا إلى الساحل
فنزع القاضي السراويل وقال خذه وأنت أشبه بالقضاء مني وأنا أشبه باللصوصية منك يا من درس على أخذ ثيابي موطأ مالك وكتاب المزني ومد يده ليدفعه إليه فرأى الخاتم في إصبعه اليمنى فقال انزع الخاتم
فقال القاضي إن هذا اليوم ما رأيت أنحس منه صباحا ولا أقل نجاحا ويحك ما أشرهك وأرغبك وأشد طلبك وكلبك دع هذا الخاتم فإنه عارية معي وأنا خرجت ونسيته في إصبعي فلا تلزمني غرامته
قال اللص العارية غير مضمونة ما لم يقع فيها شرط عندي ومع ذلك أفلم يزعم القاضي أنه شافعي
قال نعم
قال اللص فلم تختمت في اليمين
قال القاضي هو مذهبنا
قال اللص صدقت إلا أنه صار من شعار المضادين
"""
صفحة رقم 335 """
قال القاضي فأنا أعتقد ولاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه تفضيله على كل المسلمين من غير طعن على السلف الراشدين وهذا في الأصول اعتقادي وعلى مذهب الشافعي في الفروع اعتمادي
فأخذ اللص في رد مذهب الرفض وجرت بينهما في ذلك مناظرة طويلة رويناها بهذا الإسناد انقطع فيها القاضي وقال بعد أن نزع الخاتم ليسلمه إليه خذ يا فقيه يا متكلم يا أصولي يا شاعر يا لص
وخشية المملوك من سارق المعاني على بنات فكره مثل خشيته من سارق البين على ثياب صبره وكلا الخشيتين فوق خشية هذا القاضي على ثياب بدنه من هذا السارق ومكره أما بنات الأفكار فقد رأيت من يجعلها حدودا وينزل الباطل على أوكارها ولا يخاف قول الحق على زهقه صعودا ويقطع القلب فكيف باليد والرجل ثملا يقول قولا سديدا
وأما ثياب الصبر فقد مزقها فراقكم الذي جرى منه على المملوك ما لا يجري على السماء من أرض مصر إذا انعقد غبارها وارتفع إليها من أصوات أبغض العجم ناطقا وهو الذئاب جؤارها وصعد إليها مما يجري بين لابتيها على ألسنة الملائكة أخبارها ولا على الأرض من السماء في الشام من الأمطار التي ظلت بها الحجرات واقعة وتلت الألسن عند قرعها ) القارعة ما القارعة ( وأصابت إلا أنها على كل حال رحمة أهلا جميعا وإن ظنوا أن حصونهم مانعه
وكأني بمولانا يقول إني عرضت بمصر فأعارضه بما قلته في الشام وأبين لمولانا الإمام أنه ليس لكلامي بذلك إلمام وكيف أعرض بالبحر الصريح والفلك تجري
"""
صفحة رقم 336 """
فيه مواخر وكل مركب إذا زحزحتها الريح فقذفت متاعها غيمت الآتية بعدها قائلة
كم ترك الأول للآخر
وكل جزيرة حكت أزهارها ثغور أقحوان الشام وإن فاتها شنب البواكر وإنما وصف المملوك ما اتفق لذاته اليوم بتذكار أمسه وشرح بين مخدومه عموم مس حاله ولم يبعد خويصة نفسه وأبان ما عنده من بعد إبراهيم الذي اتخذه خليلا أيده الله بروح قدسه
فكتب الشيخ برهان الدين القيراطي جوابه
إلى شيخنا شيخ الإسلام أوحد المجتهدين تاج الدين أبي نصر أسبغ الله ظلاله من القاهرة المحروسة إلى الشام المحروسة يقبل الأرض المتطولة على ذوي التقصير ببرها المقابلة من بابها المفتوح بما لم يكن في حسان من خيرها المعاملة لعبدها بالإحسان ولولا استرقاقها للجميع لقلت وحرها البابلية النسبة إذا سلبت رسائلها العقول إما بخمرها وإما بسحرها المشنفة للأسماع من مغاص بحرها بدرها
"""
صفحة رقم 337 """
المزخرفة رياض البلاغة إذا أنشأت سحاب الإنشاء لله درها بدرها حتى فتنت بحسن نفاستها الفتى وجليت عرائسها التي
خرجن في بهجة كالروض ليس لها
إلا الحلي على لباتها زهر
صب الشباب عليها وهو مقتبل
ماء من الحسن ما في صفوه كدر
فأبقى الله حماها حرما للاجى وجلا سحاب الفضل من كل الوجوه روضها العاجي
فصاغ ما صاغ من تبر ومن ورق
وحاك ما حاك من وشي وديباج
وألبس الأرض من حلي ومن حلل
ما يمتع العين من حسن وإبهاج
وروي جهاتها التي يقع ترابها من الرائي مواقع الماء من الصادي وروض جنابها الذي أهدى زهره روائح الجنان عند بواكر الغوادي وطاب واديه فأين منه
"""
صفحة رقم 338 """
أرض تخيرها لطيب مقيلها
كعب بن مامة وابن أم دؤاد
وحياها الحيا من مواطن ولا رحل عنها من السرور قاطن ولا زالت بأزهارها حسنة الظاهر وبأنهارها صافية الباطن
ولا برحت كف الثريا لربعها
إذا سمحت بالقطر ذات سخاء
حتى يملأ صحون ديارها قطر الأمطار وتصبح بما صاغه الربيع تلك الأقطار
تضاحك الشمس أنوار الرياض بها
كأنما نثرت فيها الدنانير
وتأخذ الريح من ريحانها عبقا
كأن ذاك الثرى مسك وكافور
متطيبا بطيب ثراها متمسكا من محبتها التي لا يفك عنها إزار صدره بعراها
شاعرا بأنه في كل واد من ودها يهيم ناثرا من در لفظه إذا سهر في وصفها ما يضيء به سنح الليل البهيم قائلا حين أجراه الأدب على العادة في وقوفه تجاه كعبتها هذا مقام إبراهيم
مطلقا في مدح أياديها لسان القلم الذي أصبح بشعاره العباسي خطيب محاسنها
"""
صفحة رقم 339 """
مغترفا من بحر أدبها الحلو ما لا ينبغي لصبابة آدابنا أن تجاريه بآسنها
مستعملا عزائم شكره التي نفذ قاضي الولاء أحكامها وأمضاها معملا ركائب مدحه التي أصحها حين أضناها في ذلك وأضناها تاليا عليه لسان أمله حين قلب طرفه في سمائها لذ بهذا البيت ) فلنولينك قبلة ترضاها ( فرواها الله أرضا سقت السماء رياضها ولو نطق العبد بها شامية لأصاب حين يقول غياضها إي والله أهواها وأتعصب لها وإن تقنعت بسواها وترتاح روحي لنسيمها العليل الذي صح فيه هواها وأستشفي بعليل هوائها وأستعذب على النيل الفرات من مائها
وما ذاك إلا حين أيقنت أنه
يكون بواد أنت منه قريب
يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى
إليكم تلقى طيبكم فيطيب
وكذلك أنشد أوطانها وسكان تلك البقاع وقطانا
أيا ساكني أكناف جلق كلكم
إلى القلب من أجل الحبيب حبيب
وكيف لا وهي بمولانا مغارس أشجار الأدب ومعادن ذهب المعاني الذي يفوق على الذهب وباعثة ميت الفضائل من كتب ومنفسة ما تجده النفوس من كرب ومرنحة أعطاف الأرواح بالطرب
"""
صفحة رقم 340 """
وجنان قال الإله لها كوني
فكانت روحا وروحا وراحا
بل هي مجرى بحار العلوم ومسرى الكواكب السيارة من الفهوم ومنشأ الغيوث التي لها بالمكارم سجوم والحرم الذي ما لمختطف الحوادث على جاره هجوم وعكاظ أدب إذا نطق خطيبه فلقس منه وجوم وحريم الخلافة البلاغية فما لخارجي الأدب الدخيل فيه خروج على شموس أفقه ولا نجوم ومطالع النجوم التي
منها معالم للهدى ومصابح
تجلو الدجا والأخريات رجوم
ومغاص در الفصاحة الثمين وبابل سحر البيان المبين ومحل إذا رفعت راية مجد تلقاها عرابة باليمين ومقر فضل إذا أقسم الزمان بيمين ليأتين بمثله يمين
وبيت رأس خمر البلاغة التي لا تداس بقدم ولا يقال لمتعاطي كؤوسها ندامى
"""
صفحة رقم 341 """
لأنهم لا يعقب سكرهم بسلافها ندم ومناهل يشرب سلسال لفظها الحلو بالشهد إذا شرب حاسدها ماء جفونه بدم
مهديا سلاما ينشر طيبه ويحاكيه من مسك دارين رطيبه
ويخفق في خافقين من طائره الميمون الجناح ويحمد الدهر الساري في ليل نفسه إذا أطلع عليه فجر معانيه الصباح ويضيء في مشكاة الصدر منه مصباح والقلب ذاك المصباح
ويخضب شباب نفسه لمم الدروج البيض فلا يكون له منها نصول ويصبو الصابي إلى حمل رسائله ويتلقاه من ذلك الجناب قبول القبول
إلى هذا البيت الأنصاري الذي لا زحاف فيه ولا سناد في قوافيه ولا إقواء إلا في أبيات أعاديه ولا إيطاء إلا على رقاب حساده ولا إكفاء إلا على الوجه لأضداده
فثبت الله أوتاد هذا البيت وأقطابه ووصل بأسباب السماء أسبابه وأعلاه من جهاته الست على السبع الطباق وأبقاه لتختلس أقوالنا المسترقة من معانيه وبيانه ما يعليه في البديع من طباق
وينهي والأليق به أن ينهي عن المجاراة في هذا الموقف نفسه الأمارة ويتأخر عن المحال الذي قال سهله الممتنع لعيون الكلام الممتدة لمناظريه ما أهون الحرب
"""
صفحة رقم 342 """
عند النظارة ويتكلم بالميزان بين يدي صيرفي نقود الأدب فلا يقابل بقيراطه قنطاره ويعلم فكرته التي هي لمنهل المعارضة ورادة أنها في الأخطار خطارة ورود تشريف مشرفه فإذا هو خلعة وبشير صبيح الوجه مبارك الطلعة وحصن حكمت ملوك الكلام منه في قلعة ورسول أرى المملوك بسمعه ديار أحبابه كما رأى الرضي سلعه فشاهدت عهدة رقي ووثقت بأنها وثيقة فكاك عنقي من الخطوب وعتقي وأرجعت بنات الفكر في وصفه بعد الطلاق وزفت إلي بقدومه عروس التهاني فكان ذلك الكتاب نسخة الصداق
وتسلم المملوك تلك الرسالة فإذا هي مدونة مالك والمشرفة التي قعد له عنوانها في جميع المسالك
فقرأ عنوانها قبل أن يفك صوانها فوقف من ذلك العنوان على صنوان وغير صنوان وسماه قيد الأوابد وصيد الشوارد وإذا هو كأنما عنون لأبي زيد أو نصب شبكة
"""
صفحة رقم 343 """
لصيد أو أطلق في إثر من لا يتقيد لكونه في عالم الإطلاق تقيد أو كوتب به إلى عمران بن حطان أو توجه إلى بدوي لا يألف الحيطان أو أصدر إلى مجنون أو قصد به من هو دائر على قلبه كأنه منجنون أو من أمسى وبيته على كتفه كأنه حلزون أو روسل به الفلك الدوار أو الكوكب السيار أو مسافر لا يخلع سير نعله من رجله ولا يلقى من يده عصا التسيار أو خوطب به العاشق الحائر أو سير إلى المثل السائر أو إلى الشمس التي لا تنفك في شروق وأفول أو إلى عوف بن محلم الذي يقول
أفي كل يوم غربة ونزوح
أما للنوى من وقفة فتريح
أو إلى ساكن في ذات العماد أو إلى الطواف الذي بلغ طوافه وسعيه أم القرى وأقصى البلاد حتى كأن المملوك المعني في الملا بقول الشيخ أبي العلا
أبا الإسكندر الملك اقتديتم
فلا تضعون في أرض وسادا
لعلك يا جليد القلب ثان
لأول ماسح مسح البلادا
أو كأنه في هذه المقامات على رأي الحرير من الذين لا يتخذون أوطانا ولا يهابون سلطانا
فيكون طورا مشرقا للمشرق الأقصى
وطورا مغربا للمغرب
"""
صفحة رقم 344 """
لا يستقر بأرض أو يسير إلى
أخرى بشخص قريب عزمه ناء
يوما بحزوى ويوما بالعقيق ويوما
بالعذيب ويوما بالخليصاء
وتارة ينتحي نجدا وآونة
شعب الشعوب وطورا قصر تيماء
كأن به ضغنا على كل جانب
من الأرض أو شوقا إلى كل جانب
فشرق حتى ليس للشرق مشرق
وغرب حتى ليس للغرب مغرب
قد ألف قلبه النوى وجرى جري النسيم مع الهوى فهو يسعى برجليه في مناكبها ويجول بأصغريه في مواكبها ويهيم في كل واد وينشد قول حبيب في ابن أبي دؤاد
مقيم الظن عندك والأماني
وإن قلقت ركابي في البلاد
وما سافرت في الآفاق إلا
ومن جدواك راحلتي وزادي
"""
صفحة رقم 345 """
أو قول أبي الطيب
محبك حيث ما اتجهت ركابي
وضيفك حيث كنت في البلاد
وحيث ما كنت من مكان
فلي إلى وجهك التفات
ويترنم حين ترك قراره بقول عمارة
ودورت أقطار البلاد كأنني
إلى الريح أعزى أو إلى الخضر أنسب
وينشد حين سار سير البدر وتنقل تنقل ليلة القدر
تنقل فلذات الهوى في التنقل
ورد كل صاف لا ترد فرد منهل
ويتأيد بقول المؤيد
إن العلا حدثتني وهي صادقة
فيما تحدث أن العز في النقل
لو كان في شرف المأوى بلوغ منى
لم تبرح الشمس يوما دارة الحمل
فحركته المستديرة كالحلقة تفتح بآخرها أولها وكالشمس في قراءة من قرأ / لا مستقر لها / لكنه يقسم بالمثاني أنه الأحق بقول الأرجاني
سيري إليكم في الحقيقة والذي
تجدون منى فهو سير الدهر بي
"""
صفحة رقم 346 """
وقد كان المملوك من قبل يتردد ويذهب ويأخذ في كل مذهب
ولما ملأتم ناظري من جمالكم
سددتم على قلبي جميع المسالك
ثم فض عن مسك نفسه المختوم ختامه وأماط عن ثغر سيناته لثامه ونصب محاريب نوناته قبل إمامه وبايع منه إماما لبس من خزائن المحابر خلعة الإمامة ورأى بعينه أدبا يتأدب من خلف أذنه قدامة قدامه فأحجم باعه القصير عنه طويلا وطلب من المعارضة والمطاولة لهذا اللفظ مقيلا
وطاش لبي إذ عاينته فرحا
ومن ينل غاية لم يرجها يطش
ثم أطرقت مليا وقلت حييا
منثور هذا الكتاب حين أتى
يسمو على الدر وهو منظوم
أهدى لنا عرفه بمقدمه
تأرج المسك وهو مختوم
لقد فاح من طي تلك المهارق نشرها قبل نشرها وقلت حين قرأت من تلك الرسالة ترجمة معروفها وبشرها
وقفت وقد وافى مشرف سيدي
له ألفا قبل اطلاعي على حرف
وقبلته ألفا وألفا فقال لي
غرامي زده واضرب الألف في الألف
"""
صفحة رقم 347 """
فإذا هو كتاب علم وكلام إذا تجرد سيف لسان البليغ لحرب خصمه ألقى لفصاحته السلم فأقسم من كتاب مولانا الكريم بالمختوم لقد أظهر تهافت الفلاسفة بحكمة درجة المرقوم وشاهدت أصحاب المطالب الأدبية كيف ألقيت لمنشئه مفاتيح الكنوز ووصل العبد لكيمياء السعادة حين اهتدى لحسن التدبير من تلك الشذور والرموز فعوذ بألم ذلك الكتاب ودخلت عليه حين دخل جنته ملائكة السلام من كل باب ونشر ميت الحظ بنشوره وخرج اللب في وصفه من قشوره وأخذ من الزمان توقيع الأمان بقدوم منشوره
كان الملطف كالقميص أما ترى
أبصارنا ردت لنا بملطف
وافى فسكن نار قلبي رمزه
أسمعتم نارا بنار تنطفي
وأرادت الأجفان عادة جريها
أو جرى عادتها فقلت لها قفي
كفي فقد جاء الحبيب بما كفى
وصلا وعاشقه المعنى قد كفي
"""
صفحة رقم 348 """
وفتحه المملوك فرأى من بلاغته بمصر فتح العزيز ولفظا أطرب ببسيطه أقواله لأنه وجيز وتنبيها يتيقظ به ذو التمييز ومهذب عبارة فيها لكل فقيه في البراعة تعجيز وسحرا يعرف النفاثات في العقد بخلوه من التعقيد وكتابا فيه لكل باب من أبواب الأدب إقليد وملك فصاحة طالع سعده في كل وقت سعيد وفلكا كلما لاح لي هلال نونه عادني من السرور عيد
قد استعبد رق الكلام المحرر وأهدى عقدا كله جوهر وقلادة إلا أنها بالنفس عنبر وحللا إذا رفل القلم فيما حاكه منها يتحبر ومقام أنس إذا تختر بسلافة الخاطر تمايل عطفه وتخطر
فجلست من طرسه ولفظه بين سالف وسلاف واعتنقت منه قدود ألفات فاقت الخلاف بلا خلاف ولثمت منه ميمات حميت نفسي النونات منها الثغور ورصدت من نقطه نجوما إلا أنها لا تغور ورأيت حروفا ترتاح الروح إلى شكلها الحسن وتفرغت لأنظر منها كل عين أحلى من عين الحبيب الملأى من الوسن واستنطق الأفواه
"""
صفحة رقم 349 """
ليل خيره بالتسبيح وتدرع شاهد حسنه بدروع الإجادة فهو لا يخشى التجريح وقلت مضمنا في تلويح إشارته الأدبية في مقام التصريح
ومشرف إن زاد تشريفا فقد
خلعت عليه جمالها الأيام
هو جامع للحسن إلا أنه
قصر عليه تحية وسلام
وعلى العدا من طرسه وبقوسه
رصدان ضوء الصبح والإظلام
وبدأت ببسم الله في قراءته فإذا عليه من التيسير عنوان ورأيت من شعب معانيه يا مالك الأدب ما لم يره أحمد في شعب بوان وتطفلت بعد المشيب من حروفه المعرقة وسطوره المحمرة على مائدة ذات ألوان
وعجز قيراطي عن حمر دنانير سطوره التي تجري على حروفها وعلم أن تلك الدنانير لم تبق عنده الأيام منها غير صروفها
وغيض ماء فكرته حين رأى نيل بلاغه مولانا قد احمر من الزيادة وكسر قصبة
"""
صفحة رقم 350 """
قلمه حين رآها لقناديل ذهنه على رأي العامة طفاية وجمرة حمرة تلك الصدور وقادة
وارتاح لأشكالها التي له بها على سلوك طريق الوصف قصره وتخلص من عقلة الحصر عند الاجتماع بشارد الفكرة وعلم أن سيف الفصاحة قتل العي فاحمر صفيحه وأن شبح النقس الأسود يحسن بالياقوت الأحمر توشيحه وأن إنسان هذه البلاغة خلق من علق وأن ليل النقس لا يخلو من شفق وظن أن الغسق والشفق قد انجلا فأجراهما مدادا أو الرمل عشق شكل سطورها فما اختار عنه انفرادا أو أن حمامته الساجعة خضبت كفها أو أن روضته المزهرة أحدق بها الشفق وحفها لقد قامت مقام الوجنات لوجوه الطروس البيض حمرتها وتوقدت في فحمة ليل النقس جمرتها وتشعشعت في كؤوس البلاغة خمرتها
فناهيك بألفاظها كؤوسا أبصرت حمرتها في عين القرطاس وخده وفصول ربيع بلاغتها وتلك الحمرة ماء ورد من وردة ثبت بها أن الحسن أحمر
"""
صفحة رقم 351 """
وأن ربيع بلاغتها الخصيب أخضر وأن جامع روضها الذي قام فيه شحرور البلاغة خطيبا أزهر
وتكتبت جيوش الكلام من سطورها في دهمها وحمرها وحملت وهزمت جيوش المتأدبين وحمرتها من دماء من قتلت وأصبح الأسود والأحمر طوع أقلامها وزأر أسدها الورد عند اهتزازها من آجامها وأصبحت ذات عين على المعارضين حمرا وأقر لجياد ألفاظها بالسبق من أظلته الخضراء وأقلته الغبرا وقالت مفاخرها الدمشقية للمبارز هذا الميدان والشقرا
وجليت كاعبها التي اعتدل قدها وتفتح وردها وجندت أجنادها وكثرت بالحمرة سوادها وعصفرت للرفاق أبرادها واشتملت بملاءتها العسجدية وحلت في الأفواه حلاوتها الوردية
وحاصله أن هذا الكتاب مخلق تملأ الدنيا بشائره وأن أحمر رمزه قد أصبح والأحامرة الثلاثة ضرائره
لقد عاقده منشئه أن ينظم جواهر البلاغة عقودا لجيده فأوفى بالعقود ونفح عنبر نفسه فالضائع من المسك عنده مفقود ودام ورد رياضه على العهد خلافا لما هو من الورد معهود
"""
صفحة رقم 352 """
فلاح للمملوك من كتيبة براعته الخضراء بطل بعد بطل وهام القلب بوابل سحابه السحباني هيام علية بطل وانطلق في وصفه الجنان ورأى به رياضا لو رآها أبو نواس لسلا بها عن جنان وثنى عنانه عن عنان وألجم منشئه المتأدبين حين أطلق فيه العنان فإذا هو مفتتح ببديع أغلق على صاحب المفتاح باب الكلام وخط أصبح ابن البواب له كالغلام وقال المصنف
من هام في هذا يعان
ولا يعاب ولا يلام
فاشتغل به عن كيت وكيت وعظم قدر معانيه الأصلية حين وجد كل معنى منها في بيت فرأى الجنان وحورها وعقود الحسان ونحورها ودرر الألفاظ وبحورها وسواحر البيان وكيف أصبح القلب مسحورها
وأوى بين أبياته الأدبية إلى دار حديث وأسانيد يحصل بها من ميراث النبوة التوريث
"""
صفحة رقم 353 """
وقال سبحان من توج بهذا التاج لهذا الشأن مفارق طرقه وأطلع به بعد الأفول بدره من أفقه
ورغب إلى الوهاب أن يديم على عبده ما وهب ويحفظ هذا الحافظ لتتجلى الأسانيد منه سيما إذا روى عن الذهبي بسلسلة الذهب
فلله دره حافظا أنسى الناس إذا رتل المتن من درج ومحدثا تبحر في علم الحديث فحدث عنه ولا حرج
فاق على مشايخ العصر القديم في الحديث ووصل بأسانيده العالية إلى مدى لا يوصل إليه بالسير الحثيث
وتمسك الطالب من أسانيده المتصلة بحبل وثيق وأسكره ما سمع من حلو الحديث فلا كرامة لمر العتيق
وأملى الأمالي التي ليس لها قالي وطعن الخصم في معترك الجدال من أحاديثه بالعوالي فالحديث لا يعرفه إلا من هذا الوجه طالبه ولا تأتي له إلا من هذا البيت غرائبه
ورأيت من الفوائد الحديثية ما ذهل كثير من الحفاظ عنها وورد على المملوك منها
حديث لو أن الميت نوجي ببعضه
لأصبح حيا بعد ما ضمه القبر
"""
صفحة رقم 354 """
وأملت أحاديث أحلى في النفوس من المنى وأسماء إذا وصفتها على سبيل الاكتفاء قلت أحلى من الكنى
فعلمت أن هذا المحدث قد أرضع بلبان هذا الفن وغذي وتحدث الناس بانفراده فيه فهو الذي
حديثه أو حديث عنه يعجبني
هذا إذا غاب أو هذا إذا حضرا
كلاهما حسن عندي أسر به
لكن أحلاهما ما وافق النظرا
فحرس الله سين أسانيده بقاف وحاء تحويله بحم الأحقاف فقد أحيا السنة المحمدية حتى أسفر صبحها في هذا العصر وأورد إذ هو جوهري هذا العلم صحاحه ولا ينكر الصحاح لأبي نصر
فهو إمام العلوم على الأبد والسابق للعلياء سبق الجواد إذا استولى على الأمد والسيد الحافظ الذي داره لا دار مية بين العلياء والسند
"""
صفحة رقم 355 """
والشيخ الذي اختص بعلو الإسناد والمحل والرحلة الذي ينشد الطالب إذا حث ركائبه إليه ورحل
إليك وإلا تساق الركائب
وعنك وإلا فالمحدث كاذب
على أنه عالم مناظر وحافظ مذاكر وأديب محاضر وذو اطلاع ينشد
كم ترك الأول للآخر
فهو بين العلماء إمام ملتهم ومصلى قبلتهم ومجلي حلبتهم والمنشد عند طلوع أهلتهم
أخذنا بآفاق السماء عليكمو
لنا قمراها والنجوم الطوالع
عدنا إلى اجتلاء تلك العروس واجتناء تلك الغروس فأكرم بها عروسا ترفق من الطروس في حلل وتسير من خفرها في كلل وأعظم بها غريبة يطيب ببيت شعرها لا ببيت شعرها الحلل أنصارية النجار لا خور في عودها إذا انتمى إلى بني النجار ولا خلل
"""
صفحة رقم 356 """
سار ذكر بيتها الطيب في الأمصار وعلم أن من الإيمان الاعتراف بحق الأنصار لما أخبرناه العدل أبو الحسن علي بن مسعود بن بهتك العجمي قراءة عليه وأنا أسمع قيل له أخبرك الشيخ أبو العز بن الصيقل فأقر به أخبرنا أبو علي ضياء بن أبي القاسم أخبرنا القاضي أبو بكر الأنصاري أخبرنا أبو القاسم بن علوان أخبرنا أبو القاسم الخرقي حدثنا أبو بكر النجاد حدثني محمد بن عبد الله حدثني عيسى بن سبرة عن أبيه عن أبي سبرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ألا لا صلاة إلا بوضوء ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عز وجل ألا لا يؤمن بالله من لا يؤمن بي ولا يؤمن بي من لا يعرف حق الأنصار )
اكتفى المملوك بهذا الحديث الذي أفرده على سبيل التوصل به إلى البركة والتوسل وترك الكلام عليه لئلا تخرج به الرسالة عن حد الترسل وعلم أن هذه الطرق لا يسلكها جواده الوجي وأنه إذا طار بهذا المطار يقال له ليس هذا بعشك
"""
صفحة رقم 357 """
فادرجي فلست من رجال هذه المحافل ولا من فرسان هذه الجحافل أما علمت أن الخارج عن لغته لحان وأن الداخل في غير فنه يفضحه الامتحان غير أنه تجاسر على هذه الصناعة واستكثر على نفسه ما أورده منها لقلة البضاعة ونطق بين يدي ملكها وقابل بالمصباح شمس فلكها وانتقل إلى مقام حدثنا بعد مقام أما بعد وقابل بالذي أسنده ما أسنده مولانا وكيف يقابل مسند سيد بمسند عبد وقال عند قراءة ما أورده سيدي من أحاديثه زدني من حديثك يا سعد وقال مضمنا
علم الحديث إلى أبي نصر غدا
من دون أهل العصر حقا يسند
أضحى أمير المؤمنين بقبة
ويد الخلافة لا تطاولها يد
فلذلك عجل المملوك إلى فنه الأدبي منجاه وترك الكلام في الحديث قائلا كما قال غيره بضاعتنا في الحديث مزجاه
ثم انتهى المملوك إلى ما وصفه سيدي من حبه لعبده وخصه به من فضله ووده ونظر إلى حبه لسيدي فإذا هو كئوس
لها في عظام الشاربين دبيب
"""
صفحة رقم 358 """
وعروس
لها بهجة بين الملاح وطيب
وغروس
يلذ جناها في فمي ويطيب
وأصل كريم النتاج وملك لا يليق أن يرتفع على رأسه إلا هذا التاج فليس الحب إلا ما نشأ عليه القلب ونما وربي في أرض من المودة وسما
وليس بتزويق اللسان وصوغه
ولكنه ما خالط اللحم والدما
وحقا ما أقول
أحبك حبا ما عليه زيادة
ولا فيه نقصان ولا فيه من من
بل أقول
أحبك أصنافا من الحب لم أجد
لها مثلا في سائر الناس يعرف
فمنهن أن لا يعرض الدهر ذكركم
على الروح إلا كادت الروح تتلف
ومنهن حب للفؤاد يخصه
فلا أمتري فيه ولا أتكلف
وحب بدا للجسم واللون ظاهرا
وحب لدى نفسي من الروح ألطف
وأقول
أحبك يا شمس الزمان وبدره
وإن لامني فيك السها والفراقد
لقد رفعت لهذا الحب في القلب قباب ونصبت له خيام لها من حبال الوصل
"""
صفحة رقم 359 """
وسماء الود أوتاد وأسباب وأصبح كذوات مولانا التي كلما عمرت زادت شبابا على شباب وتميزت أعداده على أعداد من جعل لمحبوبه الواحد ثلاثة أحباب
لقد اتحدا بروح العبد حتى التبس عليه أيهما الروح وامتزجا فما أردي بأيهما يغدو الجسم ويروح
وسرى كل واحد منهما في صاحبه سريان الأعراض في الجواهر وصارا ذاتا واحدة فما أولاهما بقول الشاعر
دعاها بيا قيس أجابت نداءه
ونادته يا ليلى أجاب نداءها
أو بقول ابن سناء الملك
وبتنا كجسم واحد من عناقنا
وإلا كحرف في الكلام مشدد
فأحب الله ذات مولانا البديعة الصفات وحرس جنابها من الآفات فلا يزال العبد يقربها للقلب بتذكاره ويصورها نصب عينيه بأفكاره حتى كاد القلب لا يشكو النوى ويصير في حالتي القرب والبعد على حال سوى
وأما أشواق المملوك فقويت وتضاعفت وتزايدت وترادفت وتجندت أجنادها فائتلفت وتعارفت وروى الصب عنها حديثي الزفير والدمع بعلو ونزول وأنشد مقيمها الذي لا يحول عن عهده ولا يزول
"""
صفحة رقم 360 """
كم نظرة لي حيال الشام لو وصلت
روت غليل فؤاد منك ملتاح
وينشد
نادمت ذكرك والظلماء عاكفة
فكان يا سيدي أحلى من السمر
فلو ترى عبرتي والشوق يسفحها
لما التفت إلى شيء من المطر
ورام أن يتشبث بشوق مولانا ويتعلق ويرقى لفتح المصراع الثاني من بيت الزحلوقة فتزحلق فنظم بديها وفي ضلوعه ما فيها
شوقي لوجهك شوق لا أزال أرى
أجده يا شقيق الروح أقدمه
ولي فم كاد ذكر الشوق يحرقه
لو كان من قال نارا أحرقت فمه
ثم قلت مضمنا
روحي تقول وقد جاءت رسائلكم
هل لي إلى الوصل من عقبى أرجيها
ولم أكن قبلها بالشوق أقتلها
إلا لعلمي بأن الشوق يحييها
ولي دموع بسري للورى نطقت
فأطلعت قلبها للناس من فيها
كالنار لونا وإحراقا فوردتها
تجني على الكف إن أهويت تجنيها
"""
صفحة رقم 361 """
ورأى الإشارات التي شوقته إليها شوق العليل إلى الشفاء وأهل مصر إلى الوفاء
ووصف سيدي ألفاظ المملوك وكان من حقها أن تلفظ ولحظها بعين العناية وكان من شأنها أن لا تلحظ وذكرها في مقام التنويه وكان اللائق بها أن تنسى ولا تحفظ
إلا أنه أودع سجعه منها شيئا تغير منه قلب النيل وانكسر ورام فتح باب العباب فما جسر
وانتهيت إلى النظم الموشح بقلائد العقيان فإذا له زجل وقيل لي أهذه هي الجواهر الجليلة فقلت أجل
ورأيت ما في وصفه ليالي البعد من الاستعارة وعلمت أن مولانا خليفة الأدب الرشيد وغيره فيه مسلوب العبارة
وتأملت ما ذكره من أمر الفراق فلا يذم لكونه كان سببا للتلاق ومبلغنا لتلك الأماكن المقدسة والجهات التي هي على التقوى مؤسسة ولا يذم بين فيه إصلاح ذات البين ولا انتقال مولانا الحسن الشبيه بقول ابن الحسين
فراق ومن فارقت غير مذمم
وأم ومن يممت خير ميمم
"""
صفحة رقم 362 """
وذكر سيدي المشيب فوارد المملوك على معنى كان نظمه قديما وهو
قد بان عصر شرابي
مذ بان عصر شبابي
وقد جددت بشيب
والشيب سوط عذاب
فأما ما ذكر مولانا من الشوق فهو يعرب عن شرح حال العبد من بعده ويبرهن عن صب يقول من حرقه ودمعه على بعده
في العين ماء وفي القلب لهيب لظى
وقد تخوفت في الحالين من تلفي
كالعود يقطر والنيران تحرقه
كالماء في طرف والنار في طرف
وأما ذكره زمان أنسه والأوقات التي يفدي العبد دست سرورها بنفسه فهو عندي الزمان الذي ابتسم فيه السرور والمنية التي كان الخصيب على مثل عيشها الأخضر يدور
وذكر مولانا الغربة فكان مولانا بمصر هو الغريب العزيز وشيخ العلوم الذي ابتسمت به ثغور مصر حين بلغت به سن التمييز وما كان الغريب فيها إلا علمه ولا المناسب لارتقاء المناصب إلا حلمه ولا المرسل لأغراض المعالي وقلب المعادي
"""
صفحة رقم 363 """
إلا سهمه ولا المؤثر في قلوب أهلها إلا حبه ولا الملائم لكل ذي عقل بعيد من الخطأ إلا قربه
وأما ما ذكره عن العبد من الإهمال واشتغاله عن مواليه مع فراغه من الأشغال فأنا هنالك ولكني مع ذلك
أغيب عنك بود ما يغيره
نأي المحل ولا صرف من الزمن
فوالله ما تباعدت إعراضا ولا تبدلت معتاضا
وما كان صدى عن حماك ملالة
ولا ذلك الإحجام إلا تهيبا
واهتديت للمصباح الذي اقتبسه سيدي من الآية وتأملته فإذا فيه من الاكتفاء تنبيه وكفاية وأحببت المقطوع الموصول الحسن المطبوع فقلت
يا أيها البحر الذي هو عدة
لخطوب دهر لا يطاق عديدها
ما ضر ذاتي كل ما اتصفت به
إن كنت مع تلك الصفات تريدها
مع علمه بانقطاع مقطوعه عن مولانا وأن ذلك المقطوع وصل إلى مدى ما أجدرنا بالوقوف دونه وأولانا وأن ذلك التضمين يمين وأن القرائح لا تبرز مثله من كمين وأن الحاسد له إذا توقد غيظا كانون صدره فهو بذلك قمين
هذا مع ما فيه من حلم سيدي وإغضائه وكرمه الذي تشهد به من العبد سائر
"""
صفحة رقم 364 """
أعضائه وصحيح الود الذي يعامل به عبيده على علاتهم وتغافله عنهم عملا بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( دعوا الناس في غفلاتهم )
ووصلت إلى ما طرزه القلم على ذلك الرسم فوقف العبد عند حده ورأى من ذلك المنطوق القول الشارح لصدق وده
ثم ناديت بما أسنده من حقيقة المحبة وبينه من آداب الصحبة فحفظ الله عيش عهده الخضر على يأس الهوى ورجائه ومحبته التي لا تتغير وإن زاد المملوك في جفائه
وتأملت بالعين ذلك الأثر وأسمعت أذني منه في قراءته أطيب الخبر وجرى الفهم لما أشار حين وقف عليه وتيقظ لما أومى إليه وحللت رموزه واستثرت كنوزه
فأما ما حكم به الشيخ الإمام عليه فهو اللائق بتحقيقه والقول الذي تتوفر دواعي العارفين بمقاصد الشرع على تصديقه
وأما ما ذكره سيدي على قول الخياط وفضله وسواه من الكلام قاضي ذهنه وعدله فهو كلام محرر وسكر مكرر وسيف بدر لفظه مجوهر إلا أن
"""
صفحة رقم 365 """
المملوك رأى نفسه عند استشهاده ببيت الخياط شاعرا بوصله وأديبا إذا حاز الأدباء خصل السبق لم يحز من الفضل خصلة
وكأن الخياط فصل تفاصيل حال البعد في بيته بالخيط والإبرة وقصها بعد أن قاسها على حاله فما نقصت ذرة
ثم توجه المملوك إلى ما ذكر عن مالك وسلكت في تلك المسالك فإذا مدارس علوم ومدارك فهوم وأبحاث منقحة وجنات أبوابها مفتحة
وفهمت ما أشار إليه بذلك المنقول عن مالك فلا حرج على من تكلم ولا يعجز المملوك أن يكون كأبي ضمضم
وأما ما عند سيدي للعبد من الارتياح والتطلع لأخباره السارة في الغدو والرواح فحال العبد غير منتقلة عن هذه الحال ولا يأويه إلا إلى بابه الارتحال
بعدت فواشوقاه عن أبيض الثنا
وغبت فوالهفاه عن أخضر القنا
أشع مدحه العالي وذرني والعدى
وبح باسمه الغالي ودعني من الكنا
فمتى ترد إلى العبد روحه وتعاد ويحكم قاضي القرب بنقض ما حكم به قاضي البعاد
"""
صفحة رقم 366 """
وأما ما عرض به من حكاية القاضي واللص فما على ذلك بمعرفة إسنادها فإنها عند المملوك بغير إسناد وعرض للمملوك سؤال وهو أنه هل يجوز رواية ما يقع في مكاتبة من إسناد حديث أو غيره من غير إذن في الرواية وهل يكون ذلك كالوجادة
وكان غرض سيدي منها أن يخاطب المملوك بما خاطب به القاضي اللص من تلك العبارة ويومئ إلى ما تعانيه الشعراء من السرقات بألطف إشارة والمملوك مغالط في فهم ذلك بحسه غير آخذ ذلك المعنى لنفسه ومما يعجب المملوك من أبيات اللص قوله
قالت وقد رابها عدمي ثكلتك من
راض بنزر معاش فيه تكدير
مهلا سليمى سينفي العار عن هممي
هم وعزم وإدلاج وتشمير
ماذا أؤمل من علم ومن أدب
مع معشر كلهم حول الندى عور
ولقد أحسن القاضي حين صرف اللص بعد اطلاعه على فضيلته مكرما وحلله من ثيابه بعد أن صيره بتجريده منها محرما
وأما غيره سيدي على بنات فكره الذي دق باب البلاغة إذ دق وتخوفه عليها من المملوك ولسان حالي يتلو ) ما لنا في بناتك من حق ( فخوف سيدي على كلامه
"""
صفحة رقم 367 """
المحرر خوف ابن برد من سلم على مبتكراته أو السري من الخالديين على اختلاس معانيه من أبياته فلله در السري حيث يقول متظلما منهما
شنا على الآداب أقبح غارة
جرحت قلوب محاسن الآداب
تركت غرائب منطقي في غربة
مسبية لا تهتدي لإياب
جرحى وما ضربت بحد مهند
أسرى وما حملت على الأقتاب
إن عز موجود الكلام لديهما
فأنا الذي وقف الكلام ببابي
وأما ما ذكره عن مصر في فصل التشوق على سبيل الإدماج وإرساله ذلك السيل الذي طما تياره إذ ماج فأثار ترابها وطير ذبابها فهي ذات الغبار الذي لا يلحق والذباب الأسود الذي يقاسي منه في النهار الأبيض العدو الأزرق
أحبه قومه على شوه
أم القرنبى تخالها حسنه
"""
صفحة رقم 368 """
وأما المملوك فالبلدان عنده هما ما هما ومدينتان لم يبق في الأمصار سواهما وواديان
حللت بهذا حلة ثم حلة
بهذا وطاب الواديان كلاهما
فهو يصافيهما ويوافيهما ويعامل كلا منهما بالحسنى وتكرم مصر لوجهها الوسيم ودمشق لشرفها الأعلى ومقامها الأسنى
ويصبح ثانيا لعنان التفضيل بين البلدين من أول وهلة تاركا للتفصيل بالجملة ولا يستنجد من حلاوة نيل مصر بأجناد من العسل ولا يحرك من عيدان قصبها ما يقوم مقام الأسل
ولا يتعرض لدمشق إلا بما يرضيها ولا يجرد في عيوبها سيوفه ولا ينتضيها ولا يومئ إليها على سبيل الذم عيون كلامه برمزه ولا يبرز من مرماه أقواله إلى مقامها برزة لكن يقول سقى الله دمشق سحابا تقوم صحون ديارها لأخلافه إذا تحلبت مقام القعب ويصبح كف الثريا لها بمائها أسمح من كعب
وذكر سيدي الشام وسحابها وشمول المطر رحابها فقد نقل أنه هم الأقطار
"""
صفحة رقم 369 """
وغرق صحن جامعها القطر من الأمطار واتشحت العروس من در البرد بوشاح وكاد النسر أن يطير إلى مكان يعصمه من الماء وكيف يطير مبلول الجناح حتى أصبح طوفان الماء به وهو متلاطم وتلا كل قارئ فيه حتى روى ماؤه عن ابن كثير فلم يجد نافع ولا عاصم
وتوالت على طرق المصلين المياه والأوحال وسالت الشرائع فشرع للمؤذنين أن يقولوا ألا صلوا في الرحال
فعظم لنزول السماء على الأرض بلا كيل الفرق وجرى طوفان المياه إلى الجامع فكاد أن يلجم نسرا وأهله الغرق وأصبح كافوري الثلج من الأرض وهو متداني وندف قوس السحاب قطنه على جنة الزبداني
ورأى الناس في يومه الأبيض الموت الأحمر وشاب منه في الساعة شارب الروض الأخضر
"""
صفحة رقم 370 """
وبيض لرؤوس الجبال فودا ولبس مسالكها فكأن فضتها النقرة ببياضها سودا
وألبس ذوائب أشجارها حلة المشيب وستر برد بستانها الأخضر القشيب
وحمل بكتيبته البيضاء على كتيبته الخضراء وجارى الأعوج جري سكاب دانيه على الغبراء
وعادت قلة كل جبل منه وهي ثلجية وكاد نهاره يستر ببياض ثوبه الدري سواد حلة الليل السجية
ومال ماء السحاب على الضياع فتداعت حيطانها ونزح من لم يقدر على نزح المياه من قطانها
وكاثر مياه أنهارها بتلك المياه وما استحى منها على كثرة حياه
فقلت حين بلغنا أن الماء طغى بالشام وعتا وطال بها على من حل فيها مقام الشتا
قد طول البرد في إقامته
بالشام والنفس عندها ضجره
وقلت إذ شاب منه مفرقه
بالثلج يا برد شاخت العشره
"""
صفحة رقم 371 """
وقلت
الثلج قد جاء على أشهب
وعم بالبلقا وسيع الفضا
فارتاعت الشقراء من جلق
إذ سل من أبيضه أبيضا
إلا أنه جبر ذلك بألف نعمة ونظرت إلى الشام أمطاره بعين الرحمة
وإن يكن الفعل الذي ساء واحدا
فأفعاله اللائي سررن ألوف
وأما قول سيدي إنه ما تعرض لمصر بتعريض في كلام واحتج بما ذكره عن الشام ففرق بين ما عيبت به مصر من طين وتراب وطنين ذباب وبين ما نسب إلى دمشق من كافور ثلج وإيقاع رباب لكنها تقول حين جبرها من حيث كسرها وشرفها حين أمرها على باله وذكرها
لئن ساءني أن نالني بمساءة
لقد سرني أني خطرت بباله
فهي تقنع بأن رفع عنها جانب تجافيه ووصفها بوصف فيه ما فيه
ومما يذكره العبد أنه لو نصب بين هذين المصرين المنافرة وأقام سوق المفاخرة لأنسى بحرف الفخار حرب الفجار ولأبطل حجاج كل واحدة من حجاج
"""
صفحة رقم 372 """
الأخرى بما أبطل ولأثار بين النيل وأنهار دمشق عند المحاربة غبار القسطل لكن ثنى المملوك عن المفاخرة سير العنان وعنان السير وألقى بيده إلى السلم وتلا لسانه ) والصلح خير ( عالما أن المكابرة من الصغير مع هبوط قدره لا تصعد وأن سحاب العناد جهام وإن أبرق وأرعد
ثم انتهى المملوك لما تشرف به من خلعة الخلة والحلة التي جر ذيلها على شاعر الحلة ووصلت كثرة لثمه لتلك الألفاظ إلى العدد الذي لا يغلب من قلة
ثم هيأ هذا الجواب بعد الاستقصاء لجهده في الشكر والاستيعاب والتمهيد للفظ إذا تمثل عند نفسه بباب سيد علماء زمانه لا يعاب آخره
ولله الحمد والمنة
بسم الله الرحمن الرحيم القضائي التاجي المملوك إبراهيم القيراطي يقبل الأرض ذات الكرم والشرف الذي علا على إرم إن لم يكن أرم والأنهار التي لمائها رونق ماء الشباب فأنى يفاخر بالنيل إذا بلغ الهرم
والحمى الذي أنشد سلامنا المكي حين سار إليه
ما سرت من حرم إلا إلى حرم
"""
صفحة رقم 373 """
1332
محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن أحمد بن نباته
أديب العصر الشيخ جمال الدين ابن شيخنا الشيخ شمس الدين المحدث
حامل لواء الشعراء في زمانه ما رأينا أشعر منه ولا أحسن نثرا ولا أبدع خطا له فنون ثلاث لم نر من لحقه ولا قاربه فيها سبق الناس إلى حسن النظم فما لحقه لاحق في شيء منه وإلى أنواع النثر فما قاربه مقارب إلى ذرة منه وإلى بارعة الخط فما قدر معارض على أن يحكي له خطا أو يجاريه في أصول كتابته وإسجامها وجرايانها
مولده بالقاهرة سنة ست وثمانين وستمائة ومات بها سنة ثمان وستين وسبعمائة
"""
صفحة رقم 373 """
فهي للوفد كعبة ومطاف
ومقام وموقف ومثاب
مهديا إلى تلك الأرض المقدسة تحيات هذه الأرض المحرمة مبلغا لبقاع الشام المباركة سلام هذه المشاعر المحترمة معوذا ذلك المقام بهذا المقام ومناهل تلك المشارب الصافية بماء زمزم الذي هو طعام طعم وشفاء سقام
رافعا دعاء يطوف بالبيت العتيق جديده ويأوي إلى ركنه الشديد سديده
وتسقى بماء زمزم غروسه وتروق على يد العبد في المقام كؤوسه وتشرق فيه شموعه بل شموسه
ويتأرج بحضرته زهوره ويشيع في بطون تلك الأودية المشرفة ظهوره
ويكفل البيت وليده في حجره إلى أن يبلغ نهاية السعود ويكون له من البيت المحجوج إلى البيت المعمور على درج الإجابة صعود ويفوح عرف قلم مسطره ويحلو ويطرب فهو في أحواله الثلاثة عود
محوطا ركنها الشامي بالركن اليماني وجهاتها الست بالمحل الذي أنزلت به في إحدى المرتين السبع المثاني
"""
صفحة رقم 374 """
1333
محمد بن محمد بن محمد الشيخ فخر الدين الصقلي
مصنف التنجيز في الفقه وهو التعجيز إلا أنه يزيد فيه تصحيح الخلاف وبعض قيود
كان فقيها دينا ورعا تفقه على الشيخ قطب الدين السنباطي
وولي القضاء ببعض جوانب القاهرة
ومات في خامس عشر ذي القعدة سنة سبع وعشرين وسبعمائة
1334
محمد بن محمد الرازي الشيخ العلامة قطب الدين المعروف بالتحتاني
إمام مبرز في المعقولات اشتهر اسمه وبعد صيته
"""
صفحة رقم 374 """
مواظبا على الثناء الأبيض عند الحجر الأسود ناظرا من شيمة مالكها البيضاء ما لم تره الزرقاء كلما اكتحل من إثمد حلة البيت السوداء بمرود
وينهي ما اشتمل عليه من الود بمكة والصفا والشوق الذي أصبح منه بعد شفاء القرب على شفا والدمع الذي شابه النيل في أوصافه زيادة وحمرة ووفا
مطالعا للأبواب العالية بأنه خيم بفناء البيت ونزل وأحب جوار الله اعتزالا للناس ولا بدع لجار الله إذا اعتزل
فلعل أن تتمهد له فرش الجنان عند تعلقه بتلك الأستار وعسى أن يجد بذلك البيت سببا لنجاته في تلك الدار وتروج مع أهل الربح بضاعة عمله المزجاة إذا حصل أهل الخسارة بدار البوار
ويصبح مكانه في الجنة في محل رفع إذا قطع العيش بجوار ذلك الحرم خفضا على الجوار
ويعد واصلا بتدبير الله تعالى لكيمياء السعادة إذا ظفر بذلك الحجر المكرم ويصير كل زمانه ربيعا إذا حل بذلك البيت المحرم
ويسفر له من ذلك الأفق صبح الأماني وينشد إذا ضرب عنق شيطان هواه من تلك الأركان باليماني
ألا أيها الركب اليمانون عرجوا
علينا فقد أضحى هوانا يمانيا
"""
صفحة رقم 375 """
واختار أن يكون في مظنة الإجابة ليقوم من وظيفة دعائه بما التزم وأن يواظب على ذلك الملتزم في المقام وعلى ذلك المقام في الملتزم
فسقى الله عهد مولانا الذي طالما ترنم به العبد حول الحطيم وزمزم وقام واجب قلبه من فرض ذكره بما يلزم
ومما حث المملوك على هذه العبودية أنه وجد مولانا ذكره من كتاب ورد منه في ناحية واستفهم عن حاله في حاشية رقعته ومن المملوك في الرقعة حتى يعد في الحاشية
لقد نطق العبد بالثناء عليه جهرا وشد قدومه له ببطن مكة ظهرا
وشكرت جوارحه فضلك الذي داوى على البعد جريحا وقريحته بعطفك الذي شفى من البين قريحا ونشق البيت نسيم ثنائه وكيف لا ينشق لنسيمه ريحا
وقد بلغ الضراح وساكنيه
نثاك وزار من سكن الضريحا
وصاغ لسانه شكر ما تطوق به جيده من هذه النعمة ولم يكن له لعمري
"""
صفحة رقم 376 """
بذلك طوق وتحلى من در كلامه بما لا يعرفه إلا أهل السلوك ومن شهده بما لم يشهده إلا أرباب الذوق
فأصبح المملوك حين ذكر في الحاشية من أهل الطرب وأنشده لسانه ولقلبه في ورود سلام مولانا أي أرب
رضيت بالكتب بعد البعد فانقطعت
حتى رضيت سلاما في حواشيها
إي والله المملوك راض من كتب مولانا بعد الهجر بوصل وقانع من كلامه في كل سنة بفصل
فشكر الله لافتقاد مولانا هذه المنة وهذا الفضل الذي ليس لإطفائه نار الشوق جزاء إلا الجنة
ولقد علم المملوك حين وقف على خط مولانا أن جفن صدقاته لا تطرقه عن مماليكه سنة وغفر سيئات الزمان حين لاح له بوجه الطرس من نقطة حسنة بعد حسنة وإلا فللمملوك عن رسالة مولانا قبل أن يغيب عن مصر جواب حاضر وهشيم نبت يغضي حياء إذا قابل بالناظر روضها الناظر فإنه كان أنشأ رسالة مطولة ولكنها عن طائرات كلم مولانا المحلقة مقصرة وجهز من بنات فكره كل حوراء بطرف سحر البيان مبصرة وجلاها عروسا يعقد عليها العاد حين حلت خنصره وأبرزها درة تاج وكعبة لها من ذخائر المعاني رتاج وكريمة لها من كرائم بنات الفكر نتاج فعزمت
"""
صفحة رقم 377 """
على التوجه فحيل بينها وبينه بما حيل وتحركت نفسها برقعتها للسير فحبسها حابس الفيل
وأيضا فكان المملوك ينشئ فيها وهو يتأهب للحج وكلما ظهر غمر عزمه سلك شيطان شعره فجاء غير ذلك الفج فوجد المملوك على نفسه حين فقد من إرسالها ما فقد واجتهد في إيصالها للبلاد الشامية فإذا الحجاج قد
أخذت حداتهم حجازا بعدما
غنت وراء الركب في عشاق
وإذا توجه العبد إن شاء الله تعالى إلى الديار المصرية وجه بها إلى الأبواب العالية وأنفذها وإن كانت عاطلة لتصبح إذا لحظها مولانا بالعين حالية وكيف لا ينفذها وهو كلما تذكر بعده عن بانه أن وكلما فكر في قربه منه في الزمان السالف حن وكلما سأل دمعه الزمان أن يجود باللقاء ضن فهو بأسره مع البين في أسر وقلبه بالنوى في كسر وكأن طائر فؤاده المضطرب إذا تذكر قبة النسر
قطاة عزها شرك فأضحت
تجاذبه وقد علق الجناح
فهو يذوب تلهفا وينشد تأسفا
أسرب القطا هل من معير جناحه
لعلي إلى من قد هويت أطير
"""
صفحة رقم 378 """
وكيف يطير مقصوص الجناح ويسير أسير أثخنته في معترك البين الجراح طال ما شام بمصر برق الشام وخلع في حب جنة الزبداني قميص الاحتشام وتعطش إلى ريان رياضها حلاها القطر إذا عطر في القفر البشام وقال لأمانيه وقد حدثته برؤيتها
إن كنت كاذبة الذي حدثتني
فنجوت منجى الحارث بن هشام
وما زال المملوك يتشوق إلى ما بدمشق من البقاع ويثبت من وصفها المحقق ما تحلى به عند النسخ الرقاع
وما برح في هذه المدة تجاه الكعبة المشرفة يعطيها من كنوز الدعاء بالحجر سماحا ويكرر أوراده منها مساء وصباحا ويعوذ بالحجر الملتزم أحجارها وبالميزاب فوارها وبزمزم أنهارها وبالبيت دارها كما يعوذ سنيرا بثبير
ويذكي بالدعاء له في أم القرى على أبي قبيس القبس المنير
ويود لو رأى حسن معهدها ورقص طربا حول مغانيها التي فاقت المعاني بمعبدها فلله جامعها الذي جمع الطلاوة وقلت حين أصبح للصلاة في صحنه حلاوة
"""
صفحة رقم 379 """
الجامع الأموي أضحى حسنه
حسنا عليه في البرية أجمعا
حلوه إذ حلوه فانظر صحنه
تلقاه أصبح للحلاوة مجمعا
وقلت
سقى بدمشق الغيث جامع نسكها
وروضا به غنى الحمام المغرد
إذا ما زها في العين من ذاك معبد
لذكر حلا في السمع من ذاك معبد
وقلت
دمشق في الحسن لها منصب
عال وذكر في الورى شائع
فخل من قاس بها غيرها
وقل له ذا الجامع المانع
وقلت مضمنا
دمشق بواديها رياض نواضر
بها ينجلي عن قلب ناظرها الهم
على نفسه فليبك من ضاع عمره
وليس له فيها نصيب ولا سهم
وقلت مادحا
للصب بعدك حالة لا تعجب
وتتيه من صلف عليه وتعجب
أبكيته ذهبا صبيبا أحمرا
من عينه ويقول هذا المطلب
وقتلته بنواظر أجفانها
بسيوفها الأمثال فيها تضرب
رفقا بمن أجريت مقلته دما
ووقفت من جريانها تتعجب
نيران بعدك أحرقته فهل إلى
نحو الجنان ببعد يتقرب
كم جيش العذال فيك وإنما
سلطان حسنك جيشه لا يغلب
من لي بشمسي المحاسن لم يزل
عقلي به في كل وقت يذهب
أحببته متعمما ومعنفي
أبدا علي بظلمه يتعصب
"""
صفحة رقم 380 """
ويعيب من طرق التفقه وجهه
والعشق يفتي أن ذاك المذهب
ولقد تعبت بعاذل ومراقب
هذا يزير والرقيب ينقب
ومؤذنا سلوانه وغرامه
هذا يرجع حيث ذاك يثوب
وأقول للقلب الذي لا ينتهي
عن حبه أبدا ولا يتجنب
قد كدت أنك لا تسميك الورى
قلبا لكونك عنه لا تتقلب
ولو استطعت فركته وأدرته
عنه ولكن ما لقلبي لولب
بأبي غني ملاحة أشكو له
فقري فيصبح بالغنى يتطرب
قمر على غصن وغصن فوقه
قمر على طول المدى لا يغرب
قل للغزال وللغزالة إن رنا
أو لاح يهرب ذا وتلك تغيب
ما زلت أرفع قصة الشكوى له
وأجر أسباب الخداع وأنصب
حيث العواذل والرقيب بمعزل
عنا وحيث الوقت وقت طيب
وطلبت رشف الثغر منه فقال لي
ما في الوجود سوى المدامة يطلب
وغدا ينادمني وكأس حديثه
أشهى إلي من العتيق وأطيب
وأقول حين رشفت صافي ثغره
من بعد ثغرك ما صفا لي مشرب
قال احسب القبل التي قبلتني
فأجبت إنا أمة لا نحسب
لله ليل كالنهار قطعته
بالوصل لا أخشى به ما يرهب
"""
صفحة رقم 381 """
وركبت منه إلى التصابي أدهما
من قبل أن يبدو لصبح أشهب
أيام لا ماء الخدود يشوبه
كدر العذار ولا عذاري أشيب
كم في مجال اللهو لي من جولة
أضحت ترقص بالسماع وتطرب
ولكم أتيت الحي أطلب غرة
بعد الرحيل فلم يلح لي مضرب
ووقفت في رسم الديار وللبكا
رسم علي مقرر ومرتب
وأقمت للندماء سوق خلاعة
يجبى المجون إلي فيه ويجلب
ثم انتبهت وصبح شيبي قد محا
ليل الشباب وزال ذاك الغيهب
ورجعت عن طرق الغواية مقلعا
وسفين رشدي للسلامة مركب
وذكرت في عليا دمشق معشرا
أم الزمان بمثلهم لا تنجب
قوم بحسن فعالهم وصفاتهم
قد جاء يعتذر الزمان المذنب
قوم مديحهم المصدق في الورى
ومديح أهل زمانهم فمكذب
لا تسأل القصاد عن ناديهم
لكن يدلهم الثناء الطيب
يا من لحران الفؤاد لطرفه
لما تدمشق أدمع تتحلب
أشتاق في وادي دمشق معهدا
كل الجمال إلى حماه ينسب
ما فيه إلا روضة أو جوسق
أو جدول أو بلبل أو ربرب
"""
صفحة رقم 382 """
وكأن ذاك النهر فيه معصم
بيد النسيم منقش ومكتب
وإذا تكسر ماؤه أبصرته
في الحال بين رياضه يتشعب
وشدت على العيدان ورق أطربت
بغنائها من غاب عنه المطرب
فالورق تشدو والنسيم مشبب
والنهر يسقي والحدائق تشرب
وضياعها ضاع النسيم بها فكم
أضحى له من بيننا متطلب
وحلت بقلبي من عسال جنة
فيها لأرباب الخلاعة ملعب
ولكم طربت على السماع لجنكها
وغدا بربوتها اللسان يشبب
فمتى أزور معالما أبوابها
بسماحه كتب الكرام تبوب
وأرى حمى قاضي القضاة فإنه
حصن إليه من الزمان المهرب
ما زال للعلماء فيه تعلم
منه وللأدباء فيه تأدب
كم طالب للعلم فيه وطالب
للمال تم لذا وذا ما يطلب
علماء أهل الأرض حين تعدهم
في الفضل دون مقامه تتذبذب
وله مذاهب في المكارم حاتم
لو عاش كان بمثلها يتمذهب
كثرت عطاياه فخلنا أنه
معن وحاشاه بذلك يلعب
لله منه مكارم تاجية
سبكية تبدو ولا تتحجب
"""
صفحة رقم 383 """
قاض مقر العدل في أبوابه
فالجور من أرجائها لا يقرب
راض الأمور فأقبلت منقادة
وزمامها بيديه لا يستصعب
ما قدموا يوما علاه لمنصب
إلا علا قدرا وقل المنصب
يجري الندى للواقفين ببابه
ويصوبهم منه السحاب الصيب
قاضي القضاة كليم بعدك لم يزل
للقرب من ناديكم يترقب
لولا تلهب قلبه بلظى النوى
ما بات وهو على اللقاء يلهب
ولقد ذكرتك والوفود بمكة
كل إلى الله المهيمن يرغب
حطم الحطيم ذنوبهم وبزمزم
لهم مناهل وردها مستعذب
والكعبة الغراء أسبل سترها
ودعاؤنا من تحته لا يحجب
ولرحمة الرحمن من ميزابها
للطائفين سحاب عفو يسكب
فطفقت أخلص في الدعاء وظننا
أن الكريم لذاك ليس يخيب
ولفرط شوقي قد نظمت مدامعي
عقدا يؤلف دره ويرتب
ولماء جفني في الخدود تدفق
ولنار قلبي في الضلوع تلهب
يا ذا الأصول الصاحبية جودكم
للأصل في شرع الندى يستصحب
ولكم إذا تعب الكرام من العطا
يوم المكارم راحة لا تتعب
ها قد بعثت بها عروسا لفظها
بالسحر يأخذ بالقلوب ويخلب
"""
صفحة رقم 384 """
ولسيد الأكفاء قد جهزتها
بكرا يقرظها الحسود ويطنب
إن حاول الأدباء يوما شأوها
قولوا لهم بالله لا تتعذبوا
لم يدن من أسبابها إلا فتى
في هتكه بين الورى يتسبب
أنا إن نطقت بمدحكم في مكة
فكأن قسا في عكاظ يخطب
وإذا أتيت بدرة في وصفكم
فابن المقفع في اليتيمة يسهب
عش يا أبا نصر لتخذل بالندى
والجود جيش الفقر حين يطلب
وبقيت يا شمس الوجود وبدره
ما لاح نجم أو تبدى كوكب
المملوك يرجو بعد تقبيل الأرض من بعد أن يمتعه الله تعالى بالمثول بين يدي مالكها ويظفره بمطالب اللقا التي تنقذه من أيدي النوى ومهالكها ويفوز بعد نظم السلوك في وصفها بحسن السلوك في مسالكها
أصدر المملوك هذه الرسالة وقابل منها شمس ألفاظ مولانا بذبالة وخطر له أنه أهدى التمر إلى هجر فإذا ما أهداه حثالة وأنه أتى فيها من المعاني بدقيق فإذا هو قد أتى بنخالة
مع علمه بوقوف حال كلامه عند أمثال مولانا السيارة وأنه منحط الطبقة عن ألفاظه الطيارة فيضرب مولانا صفحا عن عبارته فإنها خالية من البراعة عاطلة مما يتحلى به في مصر أهل الصناعة
ومولانا يغترف من بحر لا يزال يبرز بالغوص فيه من الدر عجيبا ويبدي بين أهل الأدب من محاسنه غريبا ويتلو لسان بلاغته إذا استبعد المتأدبون استخراج معنى ) إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا (
"""
صفحة رقم 385 """
والحمد لله حق حمده وصلواته على سيدنا محمد خير خلقه وسلامه
وحسبنا الله ونعم الوكيل
المملوك إبراهيم القيراطي
وقلت حين بلغني أن مولانا قاضي القضاة رزق ولدا ذكرا
أبشر أبشر يا ابن الأفاضل بابن
وأب للعفاة منا حقيقه
يا له ابنا قد أبرزت بنت فكري
درة المدح فيه قبل العقيقه
وقلت أيضا
هنئت يا قاضي القضاة بسيد
نشرت بشائره بمكة للورى
أكرم به ابنا قد أضا قبس الهنا
بأبي قبيس منه في أم القرى
وقلت
قاضي القضاة ابشر بنجل لم يزل
يعلو على درج السيادة صاعدا
فلسان هذا الدهر أصبح قائلا
زاد الزمان بني المعالي واحدا
وقلت
نادى لسان الدهر حين أتى لكم
نجل له جد علي صاعد
زاد الزمان بني المعالي واحدا
لكنه كالألف ذاك الواحد
وقلت مضمنا
أتى لك ابن قادم بالهنا
فسر بالبشرى بني آدم
وقالت العليا له إذ أتى
أهلا وسهلا بك من قادم
"""
صفحة رقم 386 """
وقلت
أبشر بخير قادم
للمجد والتقدم
قد قالت العليا له
على أسر مقدم
وقلت
بلغت في ابنك هذا غاية الأمل
فعن قليل يرى في حكم مكتهل
وعن قليل على من نجابته
يعيد بعد دروس لي دروس علي
وقلت
سمي ابن سيد أبناء العلا بعلي
لا زال ذا منصب بين الأنام علي
فقلت لما أتت بشرى البشير به
للعلم والفضل والعلياء والدول
بشرى سمي أمير النحل حين أتت
كانت بأفواهنا أحلى من العسل
وقلت
لله كم بشرى لنجلك أقبلت
فابشر به إذا جاء وابشر وابشر
كنيته بأبي يزيد والعلا
من قبل مولده تسميه السري
وقلت
يا سيدا زكت الفروع به
ونمت وطابت في الورى نشرا
بأبي يزيد ابشر فحين أتى
وافى الهناء مصاحبا بشرا
وقلت
ظني بعز الدين نجلك أنه
يبق لفعل مآثر ومكارم
فلذاك بشرت المعالي نفسها
من يوم مولده بعز دائم
"""
صفحة رقم 387 """
وقلت
أبشر بعز الدين نجلا قوبلت
علياه بالإكرام والإجلال
رقمت يد الأيام منه طرازها
لما بدا بالعز والإقبال
الحمد لله ( صلى الله عليه وسلم ) على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
هذه الرسالة أرسلها إلي الشيخ برهان الدين ابن القيراطي وقد جاور في مكة مع الرجبية في سنة أربع وستين وسبعمائة ثم حضر إلى القاهرة ي سنة خمس وستين وجهزها إلي ثم عاد إلى مكة مجاورا مع الرجبية سنة خمس وستين فكتبت إليه جوابها في شوال سنة خمس وستين وسبعمائة وجهزته إلى مكة ونسخته
يخدم بسلامه الأرض حيث تنزل السماء فيروى الظماء وتعشب الدنيا بأياديه البيض فهي الحلوة الخضراء ويرعى الكلأ ولا غضبان ثم من أنشأ
وأعلم إن تسليما وتركا
للا متشابهان ولا سواء
وحيث الملتجئ إلى حرم الله رغبة ورهبة العائذ به لا فارا بخربة اللائذ متعلقا بأستار الكعبة
وأقسم بمن منع أن تختل الدنيا بالدين ما خيل لي ختل ولا خطر لي لو لم تأت به القافية ابن خطل ولا دار على طرف لساني ولا تحرك مخضوب بناني لذكر خطأ ولا خطل وما كل مخضوب البنان يمين
"""
صفحة رقم 388 """
إيه وحيث الطواف بالبيت حجة عقب حجة والعمرة في رمضان عاما بعد عاما تعدل حجة بعد حجة والفرار إلى الله ذي الحجة البالغة يا لها من حجة
وحيث توضع خطايا وأوزار ويرفع ولا يخفض على الجوار عمل من حيا على بعد أوزار فكيف بمن والى بين رجبي مضر مزار نزار ثم أقسم وقد خيم بذلك الفناء البار أنه أحب جوار الله اعتزالا للناس وصرح بأنه لا بدع لجار الله إذا اعتزل وأشار وكدت أصوبه لكن خشيت قول ابن عمر إني منهم بريء ويقيني أن الله بريء من الجار
نعم وحيث البحر العجاج رؤبة الأدب وكعبته المحجوجة لكل محتاج والمنهل الذي يروي وفد البيت فتناديه الرواء ) أجعلتم سقاية الحاج ( تفجر عيونا فسقى الغضا والساكنيه ولحظه بالعناية والمشترك محمول على معانيه حاطه الله حيث أضحى وأمسى وتولاه حيث سار وحل
مؤديا بسلامه فريضة لا يخرجها عن وقتها ولا يقضيها مهديا تحيته على مبلغ قدرته
"""
صفحة رقم 389 """
والهدايا على مقدار مهديها مبلغا بثينة بجميل القول أني لست ناسيها ولا المضيع لها سرا علمت به ما عشت حتى تجيب النفس داعيها
وينهي بعد وصف شوق تبرجت الجاهلية الأولى همومه وتخرجت كأنها حاشية كتاب درر دموعه التي منها منثوره ومنظومه وتأرجت عند ذكرى الرجبية ربوعه فما أرج السحر ونسيمه وربيع مصر وبرسيمه أنه ورد عليه كتاب رسالة وقف منه على ما جرى به القلم فوقف واستوقف كل أديب ليشاهد غرفا من جناته مبنية من فوقها غرف ولم يجد مثالا لهذا المثال الكريم ولو وجد لوصف فسكت مصغيا إلى تلك المقالة وعوذ حل الرسالة بخاتم الرسالة ( صلى الله عليه وسلم ) وترشف من كلمها الطيب سكرا كلما كرر حلاله حلاله
وبدأ ببسم الله في النظم أولا فرأى على حرزه من التيسير الإلهي عنوانا ومن عقد اللآلي حلا وأبصر من قلائد عقيانه مالا يوازن قيراطه بقنطار ولا
"""
صفحة رقم 390 """
فعين الله على هذه الكلمة ذات الباء الموحدة وعين الذهب دون لفظها الذي أذاب نضارا فأذاب قلوب الحسدة وعين العناية مع سرها الممدود بألطاف على عمد ممددة لقد سرحت العين في روضها فلها جمال حين تريح وحين تسرح وتقلب البصر منها في محاسن يبرح بالذمام ولا تبرح وتلوت على صدري عند سماعها بعد ضيق العطن ) ألم نشرح (
ولها الله آية أوتيت من الفضل وحزبه ورقت الصب أي رقية لكونه أخذ من صباها أمانا لقلبه وشهد ناظرها من عاملها العربي نطقا أن حاسده أبغض العجم ناطقا إلى ربه دعت مجيبا من أول مرة مهتزا إذا خطرت من ذكر مية خطره يخطر في رياضها فلا يجد رملا لكن معشبا بين بياض وحمرة ومزنا من ماء الفصاحة يروض لوقته وفننا يعرف الولي بأن الوسمي جاء على سمته وعدنا من جنات الكلم نغترف العدو ونجلوه من عوجه وأمته
وفصلا من الخطاب فاصلا وأسماء من أفعال القلوب قال السجع إن لها في القلوب منازلا وثبت عندها المحب منشدا
قضى الله يا أسماء أن لست زائلا
"""
صفحة رقم 391 """
همز الخادم لبائها ألفا وتنشق من عرفها متعرفا ما خالطه منه لا من سلمى خياشيم وفا
وجهلت بماذا أصفها فإنها فوق وصف الواصف وغاية ما قتل عند إقبالها من قبل ذلك العاكف الطائف ومجيئها من ذلك الحرم
وما كل من وافى منى أنا عارف
معترفا بأنه لا يطول إلى المعارضة وأن خيول فكره في ميدان هذا السابق غير راكضة وأن سنة الله فيمن اعتزل هذه المحاسن أن تصبح له السعادة رافضة
فانتقل عن تكملة الجواب إلى الإيضاح والاستخبار عن حالكم في تلك النواح أهو كحال أهل هذا الإقليم الذي أكثرت فيه النوائح النواح لحادث طعن وطاعون حكم بالشهادة لكل مسلم وبالتكفير لغير المديون وبالاستبشار لمن قضى نحبه فيه بأنه من الأمة التي فناؤها على ما قال ( صلى الله عليه وسلم ) بالطعن والطاعون إنا لله وإنا إليه راجعون رحمة ربنا ودعوة نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) وموت الصالحين قلنا لقد قيل لمن رام الحياة قبلنا هيهات لما تروم هيهات فقد مات من لا عمره مات ورخصت الأنفس فبدلت نحبه واغتال الموت أسودا ولا بني
"""
صفحة رقم 392 """
ضبة ووسعته نفوس كانت تضيق بها دمشق إلى الرحبة وتلاعب بالصغار وليدا فوليدا ومال إلى النساء ميلا شديدا
فرد شعورهن السود بيضا
ورد وجوهه البيض سودا
وسار بسيفه المسلول ونادى وكل صاحب يقول لصاحبه
لا ألفينك إني عنك مشغول
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يوما على آلة حدباء محمول
ودار دورا قائمة على عمد
وقفت فيها أصيلالا أسائلها
عيت جوابا وما بالربع من أحد
أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا
أخنى عليها الذي أخنى على لبد
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم نفثة من مصدور وكلمة تعقب إن شاء الله كل فرح وسرور وقولة نقولها وإلى الله تصير الأمور
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم
فإذا المنية أقبلت لا تدفع
وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع
"""
صفحة رقم 393 """
ولقد شبت بين العرب والترك نار لا للقرى بل للقراع ولقد نهضت الدهماء واضطرب النقع المثار واشتبه المتبوع بالأتباع ولقد بكت البيض وزعقت السمر في يوم أسود يطيب به الموت الأحمر وإن شمت العدو الأزرق للبطل الشجاع
من فتية من سيوف الهند قد علموا
أن هالك كل من يحفى وينتعل
لقد قامت الحرب على ساق ورقت نساء الأعراب ولكن على الحياة حين رأين الأنفس إلى الحمام تساق وكم ذات خدر فقدت واحدها بين الرفاق
فكرت تبتغيه فصادفته
على دمه ومصرعه السباعا
من كل مهند لمع وكأنه البرق الخاطف وجرد فكأنه القضاء الجاري في المواقف وسل فكأنه الأسد الضاري في المخاوف وكل رديني هز فكأنه الغصن تناثرت ثماره وخطر فكأنه قد الحبيب تدانى مزاره وطعن فكأنه وخز الشيطان تضرمت ناره
من كل أبيض في يديه أبيض
أو كل أسمر في يديه أسمر
ولقد طاحت الغربان برؤوس العربان وصاحت بالويل والثبور بنات طارق لطوارق الحدثان وراحت بالأرواح أقوام تعرف بالحقيقة لا بحد ورسم بل بحد وسنان وتقول
"""
صفحة رقم 394 """
لا نسب اليوم ولا خلة
اتسع الخرق على الراقع
فسير صباح مسا ويضيق بالطوال والقصار من الظبا والرماح الفضا ويمتطي من العربيات أخلاء الرياح ما يتقدم على مهل فيتأخر مع الإسراع عنها الهوى قائلا إنما كنت خليلا من وراء ورا
من كرائم الخيل المنصورة وعظائم السيل وقد ينقل اللفظ بالمعنى والعلاقة مجاز الصورة وبهائم الليل المبصرة إذا أسبل ديجوره منها مضمر وغير مضمر وسوابق يقصر عنها مدى الناظر وإن كرر عليها أبطال يتلون ) إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر (
ومالت نواصيها ذوات الخير كأنها عقود ترائب وطالت غرتها كأنها انتظار غائب وقصر عجب ذنبها كأنه بناء ذاهب وولولت أذنابها كأنها أقلام كاتب ولانت عريكتها كأنها لعبة لاعب وأسبغ ذيلها كأنه ذيل راهب وقام صدرها كأنه نهضة واثب وتشخص موضع ثدييها كأنهما نهدا كاعب ودق منخرها كأنه
"""
صفحة رقم 395 """
خنصر بنات الأعارب وابيض لونها كأنه الصافي عن الشوائب وحلا طول الحديث عنها كأنه حديث الحبائب
فلينتقل المملوك عن ذكر الأخبار وحكاية ما كان وصار ولا يد له بيضاء في أسود ذلك النهار إلى ذكر ما نبه منها على خلاف الأولى وهو واجب القلب أن لا يكون قام ببعض الفرض ويعرض غير معارض على ذلك الناقد بهرجه وهو فرق من يوم العرض ويفتح بابا للوقيعة فيه لكنه اقتدى بأبي ضمضم فدونك أيها الأديب والعرض ويقول
أبدا على جمر الغضى يتقلب
قلب بشرقي اللوا متغرب
ناء عن الخيمات يحسب أنه
لجنان وصلك باللظى يتقرب
ولقد أعاتبه وليس بنافع
عتب لمن هو معنت لا يعتب
إن قلت ملت علي قال لأنني
قلب فلا عجب إذا أتقلب
أفدي الغزال على حدائق مهجتي
يحيا ويرتع في الدماء ويلعب
وأريد ما يبغيه بي فأنا له
مستعذب بعذابه مستعذب
هو زهرة بيعت فكنت المشتري
وأخو الملاح على هواه العقرب
من لي بصاحب حاجب سلطانه
قاض بأن لحاظه تتحجب
"""
صفحة رقم 396 """
ذو النون وهو رويم طرف وجهه النوري
والجلاء وهو الكوكب
لم يرض إلا الزهد في طريقة
والهجر فهو لغير معنى يغضب
إن قلت أسمعني كلامك قال لي
أعدمت غير الدر فيه يرغب
أو قلت أرشفني رضابك قال لا
ما في الوجود سوى المدامة تطلب
اطلب سوى ذا قلت لا أبغي سوى
هذين في الدنيا ولا أترقب
بالله فاحسبني وأحسن عشرتي
فأجاب إنا أمة لا نحسب
وأبى فليس يعدني سرا ولا
يصغي إلي وراح أيضا يعتب
ويحرف الكلمات عن أوضاعها
بلسان سهم للجدار يرتب
فيزيل بالشبه البراهين التي
للحرم في كسر المخالف تنصب
ولقد عددت سني وهي كثيرة
لم أبصر البرهان فيها يلعب
ولذاك أعرض لا أعارض قوله
لا أم لي إن كان ذاك ولا أب
أثنى عليه مفردا يجد التوكل
صيغة في جمعها يتسبب
"""
صفحة رقم 397 """
وفى بعهد إخائه إذ كان إبراهيم
فهو على الوفا لا يذهب
العلم وصف والوفاء سجية
بالوعد والقول الصحيح المذهب
وله المعارف والعوارف والندى
يصفو ويعذب من جداه المشرب
وإذا يقول فكل عضو سامع
لمقاله الصدق الذي لا يكذب
لا فرق بين كلامه والسحر
إلا أنه السحر الحلال الطيب
هو مالك جلاب أمتعة بألفاظ
كمثل الشهب أو هي أشهب
ولقد يلحن لفظ أشهب إن أتى
في أفعل التفضيل أو يتجنب
يا أيها البحر الذي كلماته
كالجوهر المكنون بل هي أعجب
در يعز على كثير عزة
ويضيء مثل الصبح منه الغيهب
في مثل درته يحق مقالكم
فابن المقفع في اليتيمة يسهب
ولسوقه يهدي مقالك واصفا
فكأن قسا في عكاظ يخطب
فلله أسأل أن يمتعنا به
كلما بها الأمثال فينا تضرب
تبقى بقاء الدهر تعجب أهله
وتتيه من صلف عليه وتعجب
لقد وصف المملوك ما في ضميره فلا يؤاخذه وإن وصف مضمرا وكاتبك يا مالك الرق رجاء أن يكون مدبرا وفصلت برد لباسها قائلا ) رب إني نذرت لك ما في بطني محررا (
فأسبل عليها ستر معروفك الذي
سترت به قدما علي عواري
"""
صفحة رقم 398 """
والمملوك يقبل الأرض بين يدي الشيخ الإمام الخطيب تاج الدين المليحي وأنتما حقيقة في هذا الكتاب شريكان وللشيخ تاج الدين عادة فنظير مشاركته في هذا العنوان تلبيته دعوة كاتبين خطباه للخطبة وإن كان الشيخ تاج الدين بعض واحد منه فذاك بقصاص أنه في غيره اثنان فلقد لبى دعوة اثنين خطباه للخطبة لكنه لم ينفذ في الثانية منهما إلا بسلطان
وعلى ذكر ذلك فالمملوك يهني المنبر السلطاني منه بأعلا وأعلم ومن إذا صال على الأعواد أسرج وألجم وإذا أقبل في ثياب السواد قيل جاء السواد الأعظم وبهيبة من المنبر بعلو الدرجات من الله مجازا ومن المنابر حقيقة وقبول الأعمال الصالحات التي هي في أصول الإخلاص عريقة وينشده إذا صعد خطيبا وتنزهت القلوب في رياض مواعظه الأنيقة
ولما رأيت الناس دون محله
تيقنت أن الدهر للناس ناقد
1341
إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الشيخ برهان الدين الجعبري أبو إسحاق
نزيل مدينة الخليل عليه السلام
"""
صفحة رقم 399 """
ولد في حدود سنة أربعين وستمائة
سمع من الفخر بن البخاري وخلق كثير
وأجاز له الحافظ يوسف بن خليل وعرض التعجيز على مصنفه
وكان فقيها مقرئا متفننا له التصانيف المفيدة في القراآت والمعرفة بالحديث وأسماء الرجال
وأكمل شرح التعجيز لمصنفه
توفي في شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة
1342
إبراهيم بن لاجين الأغري بفتح الغين المعجمة الشيخ برهان الدين الرشيدي
كان فقيها نحويا متفننا دينا خيرا صالحا
تخرج به جماعة وتفقه على الشيخ علم الدين العراقي
مولده سنة ثلاث وسبعين وستمائة
وتوفي بالقاهرة سنة تسع وأربعين وسبعمائة
"""
صفحة رقم 400 """
1343
إبراهيم بن هبة الله بن علي القاضي نور الدين الحميري الإسنائي
كان فقيها أصوليا
قرأ الفقه على الشيخ بهاء الدين القفطي والأصول على شارح المحصول الأصبهاني والنحو على الشيخ بهاء الدين بن النحاس
وولي قضاء إخميم وأسيوط وقوص
وقفت له على مختصر الوسيط وهو حسن وقد ضمنه تصحيح الرافعي والنووي
وله شرح المنتخب في الأصول ونثر ألفية ابن مالك
عزل عن قضاء قوص فورد القاهرة وأقام بها إلى أن توفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة
1344
إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن تيكروز
قاضي القضاة مجد الدين
أبو إبراهيم التميمي الشيرازي البالي
وبال بالباء الموحدة بليدة من عمل شيراز
"""
صفحة رقم 401 """
تفقهه على والده وقرأ التفسير على قطب الدين الشقار البالي صاحب التقريب على الكشاف
وولي قضاء القضاة بفارس وهو ابن خمس عشرة سنة وعزل بعد مدة بالقاضي ناصر الدين البيضاوي ثم أعيد بعد ستة أشهر وعزل القاضي ناصر الدين واستمر مجد الدين على القضاء خمسا وسبعين سنة
وكان مشهورا بالدين والخير والمكارم وحفظ القرآن وكثرة التلاوة
وله منزلة عند الملوك رفيعة أمر بعضهم بإظهار الرفض في أيامه فقام في نصر الدين قياما بليغا وأوذي بهذا السبب وقيل إنه ربط وألقي إلى الكلاب والأسود فشمته ولم تتعرض له فعظم قدره وعلم أنه من أولياء الله وكان ذلك سببا في خذلان الرفضة
ولد له ثلاث بنين واشتغلوا بالعلم ثم مات كل منهم في عنفوان شبابه فحكي أنه صلى على كل واحد منهم وكفنه ولم يجزع ولا بكى على واحد منهم
وحكي أنه وقع بين أهل شيراز وملكهم خصومة ونزل الملك بظاهر البلد وعزم على قتالهم ومحاصرتهم فخرج القاضي لإطفاء النائرة وكان في محفة فرجموه بالحجارة وهرب جميع من كان حواليه وأصيبوا بالحجارة ووقف القاضي ثابتا غير مضطرب ولم يصبه شيء فعدت كرامة له
ولما مات أحد أولاده الثلاثة أفضل الدين أحمد سأله بعض الحاضرين عن سنه فقال رأيت أني أعطيت أربعة وتسعين دينارا وأعطي ولدي أحمد اثنتين وعشرين
"""
صفحة رقم 402 """
فسألت المعطي ما هذا فقال هذه سنو عمركما فاستوفى أحمد اثنتين وعشرين وأما أنا فبقي لي تسع سنين فكان الأمر كما ذكر
توفي في ثاني عشر شهر رجب سنة ست وخمسين وسبعمائة عن أربع وتسعين سنة بشيراز
ومن تصانيفه القرائن الركنية في الفقه وشرح مختصر ابن الحاجب في الأصول وله مختصر في الكلام وله نظم كثير
أنشدنا صاحبنا المحدث مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي لنفسه ما كتبه إلى القاضي مجد الدين مستفتيا قال وكنت عزمت في سنة سبع وأربعين وسبعمائة على الحج وكنت متزوجا فمنعني أهل زوجتي عن السفر إلا أن أعلق طلاقها بمضي ستة أشهر فأجبت مكرها ثم عدت بعد سنين فكتبت إلى القاضي رحمه الله
ألا من مبلغ عني كتابا
إلى قاضي قضاة المسلمينا
بحال أن قومي أكرهوني
بأن علق طلاقك مكرهينا
في أبيات ذكرها قال فأجابني القاضي بديها
ألا يا قدوة الفضلاء إني
أعدك صادقا برا أمينا
"""
صفحة رقم 403 """
سليلا للأسى الأمجاد مجدا
غدا للدست صدرا أو يمينا
سأحكم بينكم حكما مبينا
ولكن إن حلفت لهم يمينا
وذلك نص شرع الله فيهم
وأما الشيخ حاشا أن يمينا
1345
إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه بن أيوب
الملك المؤيد صاحب حماة
عماد الدين أبو الفداء ابن الأفضل بن الملك المظفر بن الملك المنصور بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي
"""
صفحة رقم 404 """
كان من أمراء دمشق وخدم السلطان الملك الناصر لما كان في الكرك آخر أمره فوعده بحماة ووفى له بذلك
وكان المذكور رجلا فاضلا نظم الحاوي في الفقه وصنف تقويم البلدان وتاريخا حسنا وغير ذلك
توفي بحماة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وكان قد ملكها في سنة عشر وسبعمائة فأقام هذه المدة له شعر حسن ومن شعره
أحسن به طرفا أفوت به القضا
إن رمته في مطلب أو مهرب
مثل الغزالة ما بدت في مشرق
إلا بدت أنوارها في المغرب
وكان جوادا ممدحا امتدحه الشيخ شهاب الدين محمود بقصيدته التي مطلعها
أترى محبك بالخيال يفوز
ولنومه عن مقلتيه نشوز
وبقصيدته التي مطلعها
ميعاد صبري وسلوى المعاد
فالح امرأ يسليه طول البعاد
وأكثر في مدحه شاعره الشيخ جمال الدين ابن نباتة شاعر الوقت ومن غرر قصائده فيه
لثمت ثغر عذولي حين سماك
فلذ حتى كأني لاثم فاك
حبا لذكراك في سمعي وفي خلدي
هذا وإن جرحت في القلب ذكراك
تيهي وصدى إذا ما شئت واحتكمي
على النفوس فإن الحسن ولاك
"""
صفحة رقم 405 """
وطولي من عذابي في هواك عسى
يطول في الحشر إيقافي وإياك
في فيك خمر وفي عطف الصبا ميد
فما تثنيك إلا من ثناياك
وما بكيت لكوني فيك ذا شجن
إلا لكون سعير القلب مأواك
بالرغم إن لم أقل يا أصل حرقته
ليهنك اليوم إن القلب مرعاك
يا أدمعا لي قد أنفقتها سرفا
ما كان عن ذا الوفا والبر أغناك
ويا مديرة صدغيها لقبلتها
لقد غدت أوجه العشاق ترضاك
مهما سلونا فما نسلو ليالينا
وما نسينا فلا والله ننساك
نكاد نلقاك بالذكرى إذا خطرت
كأنما اسمك يا أسما مسماك
ونشتكي الطير نعابا بفرقتنا
وما طيور النوى إلا مطاياك
لقد عرفناك أياما وداومنا
شجو فيا ليت أنا ما عرفناك
نرعى عهودك في حل ومرتحل
رعى ابن أيوب حال اللائذ الشاكي
العالم الملك السيار سؤدده
في الأرض سير الدراري بين أفلاك
ذاك الذي قالت العليا لأنعمه
لا أصغر الله في الأحوال مهناك
له أحاديث تغني كل مجدبة
عن الحياء وتجلي كل أحلاك
ما بين خيط الدجى والفجر لائحة
كأنها درر من بين أسلاك
"""
صفحة رقم 406 """
كفاك يا دولة الملك المؤيد عن
بر البرية من للفضل أعطاك
لك الفتوة والفتوى محررة
لله ماذا على الحالين أفتاك
أحييت ما مات من علم ومن كرم
فزادك الله من فضل وحياك
من ذا يجمع ما جمعت من شرف
في الخافقين ومن يسعى لمسعاك
أنسى المؤيد أخبار الألى سلفوا
في الملك ما بين وهاب وفتاك
ذو الرأي يشكو السلاح الجم قاطعه
لذاك يسمى السلاح الجم بالشاكي
والمكرمات التي افترت مباسمها
والغيث بالرعد يبدي شهقة الباكي
قل للبدور استجني في الغمام فقد
محا سنا ابن علي حسن مرآك
إن ادعيت من البشر المطيف به
غيظا فقد ثبتت في الوجه دعواك
يا أيها الملك المدلول قاصده
وضده نحو ستار وهتاك
وحدته في الورى بالقصد وارتفعت
وسائلي فيه عن زيغ وإشراك
"""
صفحة رقم 407 """
سقيا لدنياك لا لقب يخالفه
فيها لديك ولا وصف بأفاك
من كان من خيفة الإنفاق يمسكها
فأنت تنفقها من خوف إمساك
1346
جعفر بن ثعلب بن جعفر بن علي بن المطهر بن نوفل الأدفوي
1347
الحسن بن شرف شاه السيد ركن الدين أبو محمد العلوي الحسيني الإستراباذي
مدرس الشافعية بالموصل وشارح مختصر ابن الحاجب ومقدمته في النحو وله شرح على الحاوي
"""
صفحة رقم 408 """
كان إماما في المعقولات
توفي سنة خمس عشرة وسبعمائة عن سبعين سنة
وله شرح حسن على المطالع وشرح شمسية المنطق وأصول الدين وقد وقفت عليه وله على مقدمة ابن الحاجب ثلاثة شروح مطول ومختصر متوسط وهذا المتوسط هو الذي بين أيدي الناس اليوم
وكان جليل المقدار معظما عند ملوك الزمان حسن السمت والطالع
حكي أنه كان مدرسا بماردين بمدرسة هناك تسمى مدرسة الشهيد فدخلت عليه يوما امرأة فسألته عن أشياء مشكلة في الحيض فعجز عن الجواب فقالت له المرأة أنت عذبتك واصلة إلى وسطك وتعجز عن جواب امرأة قال لها يا خالة لو علمت كل مسألة أسأل عنها لوصلت عذبتي إلى قرن الثور
1348
الحسن بن هارون بن الحسن الفقيه الصالح نجم الدين الهدباني أحد أصحاب الشيخ محي الدين النووي رحمه الله تعالى ورضي عنه
1349
الحسين بن علي بن إسحاق بن سلام
بتشديد اللام الشيخ شرف الدين
"""
صفحة رقم 409 """
مفتي دار العدل بدمشق في زمن الأفرم
درس بالعذراوية والجاروخية بدمشق وكان من فقهاء المذهب
مولده سنة ثلاث وسبعين وستمائة وتوفي في شهر رمضان سنة سبع عشرة وسبعمائة
1350
الحسين بن علي بن سيد الأهل بن أبي الحسين بن قاسم بن عمار الشيخ الإمام نجم الدين الأسواني الأصفوني
سمع من أبي عبد الله محمد بن عبد الخالق بن طرخان ومحمد بن إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي وأبي عبد الله محمد بن عبد القوي وأبي الحسن علي بن أحمد الغرافي والحافظ أبي محمد الدمياطي وغيرهم وحدث بالقاهرة
تفقه على أبي الفضل جعفر التزمنتي
وأقام بالقاهرة يدرس بمدرسة الحاج الملك ويشغل الطلبة بالعلم وتجرد مع الفقراء مدة
وكان قوي النفس جدا حاد الخلق مقداما في الكلام
"""
صفحة رقم 410 """
وهو من أهل الخير والصلاح صحب الشيخ أبا العباس الشاطر وغيره من الأولياء
حكى لي الوالد تغمده الله برحمته أن المذكور تجرد زمنا طويلا ثم حضر درس قاضي القضاة ابن بنت الأعز فأنشد بعض الناس قصيدة في مدح سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فصرخ الشيخ نجم الدين وحصلت له حالة فأنكر القاضي وقال أيش هذا فقام الشيخ نجم الدين منزعجا وقال هذا ما تذوقه أنت وترك المدرسة والفقاهة بها
وحكى لي من أثق به قال سمعته يقول وهو ثقة أول صحبتي لأبي العباس الشاطر خرجت معه من القاهرة إلى دمنهور فلما طلعنا من المركب وكان فيها رفيق تاجر له في المركب فراش ونطع فطلعنا بحوائج الشيخ أبي العباس فلما انتهيت قال انزل هات الفراش والنطع فنزلت فقال لي صاحبهما هما لي فعدت إلى الشيخ فقال لي عد إليه وقل له هاتهما فعدت فأعاد الجواب فأعادني ثالثا فأبى فقال لي رابعا عد إليه وقل له غرق الساعة في البحر لك مركب وكل مالك فيها لم يسلم إلا عبد ومعه ثمانية عشر دينارا فكان الأمر كذلك
قلت هذا الشاطر كان عظيم القدر بين الأولياء معروفا بقضاء الحوائج إذا كان للإنسان حاجة جاء إليه فيشتريها منه يقول له كم تعطي فيقول كذا وكذا فإذا اتفق معه قال قضيت في الوقت الفلاني وغالب تقضى في الوقت الحاضر ولم نحفظ أنه عين
"""
صفحة رقم 411 """
وقتا فتقدمت عليه الحاجة ولا تأخرت والحكايات عنه في هذا الباب كثيرة مشهورة وكان قد تخرج بالشيخ أبي العباس المرسي
توفي في صفر سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
1351
الحسين بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي
الأخ جمال الدين أبو الطيب القاضي
ولد في رجب سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة
وحضره أبوه على جماعة من المشايخ وحضر البخاري على الحجار لما ورد مصر وسمع على يونس الدبابيسي وغيره وطلب العلم وتفقه على الشيخ مجد الدين السنكلوني وقرأ النحو على أبي حيان أكمل عليه قراءة التسهيل والأصلين على الشيخ شمس الدين الأصبهاني وقرأ على جماعة غيرهم وأحكم العروض قراءة على أبي عبد الله بن الصائغ وأتقنه
"""
صفحة رقم 412 """
ثم قدم الشام حين ولاية الوالد للقضاء بها وطلب الحديث بنفسه وقرأ على المزي والذهبي وقرأ الفقه على الشيخ شمس الدين ابن النقيب
ثم عاد إلى مصر ودرس بالمدرسة الكهارية وولي الإعادة بدرس القلعة عند القاضي شهاب الدين بن عقيل
ثم عاد إلى الشام ودرس بالمدرسة الدماغية وولي نيابة الحكم عن والده بعد وفاة الحافظ تقي الدين أبي الفتح ثم درس بالمدرسة الشامية البرانية وكان يلقي بها دروسا حسنة مطولة ثم بالمدرسة العذراوية
وكان من أذكياء العالم وكان عجيبا في استحضار التسهيل في النحو ودرس بالآخرة على الحاوي الصغير وكان عجيبا في استحضاره
توفي يوم السبت ثاني شهر رمضان سنة خمس وخمسين وسبعمائة ودفن بقاسيون
ذكره القاضي صلاح الدين الصفدي في كتابه أعيان العصر فقال كان ذهنه ثاقبا وفهمه لإدراك المعاني مراقبا حفظ التسهيل لابن مالك وسلك من فهم غوامضه تلك المسالك وحفظ التنبيه وكان يستحضره وليس له فيه شريك ولا شبيه وقرأ غيره سرا
وكان يعرف العروض جيدا ويثبت لأركان قواعده مشيدا وينظم الشعر بل الدرر ويأتي في معانيه بالزهر والزهر عفيف اليد في أحكامه لم يقبل رشوة من أحد أبدا ولم يسمع بذلك في أيامه
انتهى
"""
صفحة رقم 413 """
ومن نظم الأخ ملغزا من أبيات
لا ريب فيه وفيه الريب أجمعه
وفيه بأس ولين البانة النضره
وفيه كل الورى لما تصحفه
وضيعة ببلاد الشام مشتهره
وكتب إلى القاضي الفاضل شهاب الدين بن فضل الله في سنة خمس وأربعين وسبعمائة وقد وقع الشيخ بدمشق كثيرا من أبيات
البحر أنت وقد وافى يناديكا
هذا السحاب وقد أوفى بناديكا
ما ذاك والبرق ما تومي أصابعه
إلا إليك فأعدته أياديكا
لكنه زاد في تشبيه عارضه
وكتب إلى الشيخ صلاح الدين الصفدي سائلا من أبيات
فكرت والقرآن فيه عجائب
بهرت لمن أمسى له متدبرا
"""
صفحة رقم 414 """
في هل أتى لم ذا أتى يا شاكرا
حتى إذا قال الكفور تغيرا
فالشكر فاعله أتى في قلة
والكفر فاعله أتى مستكثرا
فعلام ما جاآ بلفظ واحد
إن التوازن في البديع تقررا
لكنها حكم يراها كل ذي
لب وما كانت حديثا يفترى
فأجابه من أبيات
وجوابه إن الكفور ولو أتى
بقليل كفر كان ذاك مكثرا
بخلاف من شكر الإله فإنه
بكثير شكر لا يعد مكثرا
فإذن مراعاة التوازن هاهنا
محظورة لمن اهتدى وتفكرا
وقد مدح الأخ جمال الدين إمامان كبيران أحدهما الشيخ الحافظ تقي الدين أبو الفتح فقد كتب إليه من دمشق لما سافر من دمشق إلى مصر ما أنشدنيه من لفظه لنفسه وهو
هوى أغراه بي قلبي وعيني
فأذهب بالضنى أثري وعيني
وأضحى الدمع منحدرا بخدي
ولا عجب تحدر ماء عيني
وسهم الحب عند الوصل مصم
فكيف وقد أضيف لسهم بين
بنفسي من نأى فنأى اصطباري
وواصلني السقام وحان حيني
وكنا قد تعاهدنا على أن
يكون تواصلا كالفرقدين
"""
صفحة رقم 415 """
فصرنا بالنوى كبنات نعش
وحال البعد بينكم وبيني
وكم شخص رأيت فلم يرقني
ولم يحسن لدي سوى حسين
إمام إن تكلم في مجال
أبان كلامه للمذهبين
وإن ظهرت فوائده بروض
شهدنا الجمع بين الروضتين
وإن حلت أياديه بأرض
فبحر النيل دون القلتين
وإن سمحت قريحته بشعر
فلا تحفل بنور الشعريين
وإن برزت بديهته بنثر
فلا تنظر لضوء المرزمين
وإن همت عزائمه بشيء
أتاك بما يسر الناظرين
وتصغير اسمه ما فيه عيب
ألم تنظر لمعنى الأصغرين
جمال الدين طال البعد فاقرب
لعلي اقتضي بالقرب ديني
ولا تبخل بطيف في منام
فأين النوم من سهران عين
ولا تبخل بوعد باقتراب
فوعد الحر قالوا مثل دين
فمنذ رحلت لم أنظر لنور
ولم أرتع بروض النيرين
(
وما طمحت إلى الشرقين عيني ولم أحفل ما في الواديين
"""
صفحة رقم 416 """
فما حال امرئ يجفوه منكم
ومن يأنس لداني الجنتين
فخذها نظم عبد ذي ولاء
تقرر وده في الخافقين
يقر لها حبيب حين أبدى
خشنت عليه أخت بني خشين
ومنا أخجل الحلي لما
أذاب التبر في كأس اللجين
والثاني الأخ الشيخ العلامة بهاء الدين أبو حامد أطال الله عمره وكتب بها إليه لما درس بالمدرسة الشامية البرانية
هنيئا قد أقر الله عيني
فلا رمت العدى أهلي بعين
الأولى الحاسة
الثانية الإصابة بالعين
وقد وافى المبشر لي فأكرم
بخير ربيئة وافى وعين
"""
صفحة رقم 417 """
يخبرني بأن أخي أتاه
مناة وسعده من كل عين
فلو سمح الزمان لكنت أعطي
له ما فيه من ورق وعين
أيا شامية الشام افتخارا
بمن لسناه تعشو كل عين
بمن بركاته ظهرت فنارت
بها الدنيا وحفت كل عين
فتى إن عدت الأعيان قالت
له الأيام إنك أنت عيني
وحبركم حوى من بحر علم
يروي الطالبين بطول عين
ويلقي في العلوم لكل وفد
غزير فوائد كغدير عين
وواسطة لعقد بني أبيه
كأوسط لفظة تدعى بعين
وقاض أمره في الناس ماض
فلا يخشى من استقبال عين
وينصب بينهم قسطاس حق
خلت من كل تطفيف وعين
له نوران من ورع وعلم
تخلهما كبدر دجا وعين
يصير عذله ذا المطل عدلا
ويجعل كل دين محض عين
"""
صفحة رقم 418 """
ويحجب عز نائله ضياء
كما حجب الغزالة ضوء عين
لقد شرفت دمشق به ومصر
فقد سارت محاسنه لعين
وتعظم كل أرض حل منها
ولو خفرت خفارة رأس عين
يجود بكل ما في راحتيه
إذا بخلت بنو الدنيا بعين
ويوسع للورى نادي القرى إن
مزادة غيره شحت بعين
وعم نداه من شرق وغرب
فلم يحوج إلى سلف وعين
جمال الدين فضلك ليس يحصى
فدونك قطرة من سحب عين
برغمي أن أهني عن بعاد
وحقي أن أجيء لكم بعيني
ومن سفه المعيشة غيبتي عن
دروسك لم أفوقها بعين
ولو أسطيع جئت ولو جثيا
على ركبي إليك بكل عين
ولولا ما أروم من التلاقي
لأذهب بينكم نفسي وعيني
"""
صفحة رقم 419 """
وكنت لعين قطر سال قدما
فما أزكى وأحسن سيل عين
متى ألقاكم من عين شمس
وقد حلت ركابكم بعين
وهن أخاك تاج الدين عني
فإن كليكما خلي وعيني
وقوما وادعوا لأبيكما إذ
لنا منه أبر أب وعين
به زكت الفروع وطاب منها
غصون أخرجتها حين عين
فدام بقاؤه ما لاح برق
وأطرب صوت قمري وعين
ومن ينظر إليه بعين سوء
يقابله الإله بكل عين
ولا زالت أعاديه تردى
بكل مزلة وبكل عين
وقد جمعت معاني العين طرا
قصيدي لم تدع معنى لعين
فلو عاش الخليل لقال هذي
معان ما رأتها قط عيني
وقد ضاقت قوافيها وركت
وذلك لالتزامي لفظ عين
ولو لم ألتزم هذا لفاقت
قصيد أديب أرض الجامعين
"""
صفحة رقم 420 """
ولولا ذا لطاب لها ختام
بذكر مليكها القاضي الحسين
وطاف على الصحاب بكأس راح
وطافت مقلتاه بآخرين
رخيم من بني الأتراك طفل
يجاذب ردفه جبلي حنين
يبدل نطقه ضادا بدال
ويشرك عجمة قافا بغين
يطوف على الرفاق من الحميا
ومن خمر الرضاب بمسكرين
إذا يجلو الحميا والمحيا
شهدنا الجمع بين النيرين
وآخر من بني الأعراب حفت
جيوش الحسن منه بعارضين
إلى عينيه تنتسب المنايا
كما انتسب الرماح إلى ردين
نلاحظ سوسن الخدين منه
فيبدلها الحياء بوردتين
ومجلسنا الأنيق تضيء فيه
أواني الراح من ورق وعين
فأطلقنا فم الإبريق فيه
وبات الزق مغلول اليدين
وشمعتنا شبيه سنان تبر
تركب في قناة من لجين
وقهوتنا شبيه شواظ نار
توقد في أكف الساقيين
إذا مليء الزجاج بها وطارت
حواشي نورها في المشرقين
عجبت لبدر كأس صار شمسا
يحف من السقاة بكوكبين
"""
صفحة رقم 421 """
ونحن نرق أعباد النصارى
بشط محول والرقمتين
نوحد راحنا من شرك ماء
ونولع في الهوى بالمذهبين
وقد صاغت يد الأزهار تاجا
على الأغصان فوق الجانبين
بورد كالمداهن من عقيق
وأقداح كأزرار اللجين
وقد جمعت لي اللذات لما
دنت منا قطوف الجنتين
وما أنا من هوى الفيحاء خال
ولا ممن أحب قضيت ديني
إذا ما قلبوا في الحشر قلبي
رأوا بين الضلوع هوى حسين
تملك حبه قلبي وصدري
فأصبح ملء تلك الخافقين
وأعوز مع دنوي عنه صبري
فيكف يكون صبر بعد بين
إذا ما رام أن يسلوه قلبي
تمثل شخصه تلقاء عيني
ألا يا نسمة السعدي كوني
رسولا بين من أهوى وبيني
ويا نشر الصبا بلغ سلامي
إلى الفيحاء بين القلعتين
وحي الجامعين وجانبيها
فقد كان لشملي جامعين
وقل لمعذبي هل من نجاز
لوعدي سالفيك السالفين
سميك كان مقتولا بظلم
وأنت ظلمتني وجلبت حيني
"""
صفحة رقم 422 """
وهبتك في الهوى روحي بوعد
وبعتك عامدا نقدا بدين
وجئت وفي يدي كفني وسيفي
فكيف جعلتها خفي حنين
وكم صيرت بعدك قيد قلبي
وكان جمال وجهك قيد عين
فصرنا نشبه النسرين بعدا
وكنا ألفة كالفرقدين
علمت بأن وعدك صار مينا
لزجري مقلتيك بصارمين
وقلت وقد رأيتك خاب سعيي
لكن البدر بين العقربين
فكم دللتني بخيال زور
وكم أطمعتني بسراب مين
وهل لا قلت لي قولا صريحا
فكان المنع إحدى الراحتين
عرفتك دون كل الناس لما
نقدتك في الملاحة نقد عين
وكم قد شاهدتك الناس قبلي
فما نظروك كلهم بعيني
وطاوعت الفتوة فيك حتى
جعلتك في العلاء برتبتين
فلما أن خلا المغنى وبتنا
عراة بالعفاف مؤزرين
قضينا الحج ضما واستلاما
ولم نشعر بما في المشعرين
أتهجرني وتحفظ عهد غيري
وهل للموت عذر بعد ذين
وقلت الوعد عند الحر دين
فكيف مطلتني وجحدت ديني
أأجعل لي عليك سواك عينا
وكنت على جميع الناس عيني
إذا ما جاء محبوبي بذنب
يسابقه الجمال بشافعين
وقلت جعلت كل الناس خصمي
لقد شاهدت إحدى الحالتين
وكان الناس قبل هواك صحبي
فهل أبقيت لي من صاحبين
"""
صفحة رقم 423 """
بعادي أطمع الأعداء حتى
رأوك اليوم حرب الناظرين
وهل لا طالعوك بعين سوء
وأمري نافذ في الدولتين
وما خففت جناح الجيش إلا
رأوني ملء قلب العسكرين
لئن سكنت إلى الزوراء نفسي
فإن القلب بين محركين
هو يعتادني لديار بكر
وآخر نحو أرض الجامعين
يسارع نحو رأس العين خطوي
وأقصدها على رأسي وعيني
وأسرح في حمى جيرون طرفي
وأرتع في رياض النيرين
فليس الخطب في عيني جليلا
إذا قابلته بالأصغرين
فيا من بان لما بان صبري
وحاربني بسهم المقلتين
تنغص فيك بالزوراء عيشي
وبدل زين لذاتي بشين
وما عيني بها جهما ولكن
رأيت الزين بعدك غير زين
والحلي عارض أبا تمام في قصيدته التي مطلعها
خشنت عليه أخت بني خشين
وهي معروفة
"""
صفحة رقم 424 """
ولم أجد على هذا الوزن والروي أقدم من أبيات قالها أعرابي قيل له من لم يتزوج بامرأتين لم يذق حلاوة العيش فتزوج امرأتين فندم وأنشأ يقول
تزوجت اثنتي لفرط جهلي
بما يشقى به زوج اثنتين
فقلت أصير بينهما خروفا
أنعم بين أكرم نعجتين
فصرت كنعجة تضحي وتمسي
تداول بين أخبث ذئبتين
رضا هذي يهيج سخط هذي
فما أعرى من احدى السخطتين
وألقى في المعيشة كل بؤس
كذاك الضر بين الضرتين
لهذه ليلة ولتلك أخرى
عتاب دائم في الليلتين
فإن أحببت أن تبقى كريما
من الخيرات مملوء اليدين
وتدرك ملك ذي يزن وعمرو
وذي جدن وملك الخافقين
وملك المنذرين وذي نواس
وتبع العريم وذي رعين
"""
صفحة رقم 425 """
فعش عزبا فإن لم تستطعه
فضربا في عراض الجحفلين
انتهى الجزء التاسع من طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي ويليه الجزء العاشر وهو آخر الكتاب

ج10.---=-=""" صفحة رقم 4 """
بسم الله الرحمن الرحيم
بقية الطبقة السابعة فيمن توفي بعد السبعمائة
"""
صفحة رقم 5 """
1352
خليل بن أيبك الشيخ صلاح الدين الصفدي
الإمام الأديب الناظم الناثر أديب العصر
ولد سنة ست وتسعين وستمائة
وقرأ يسيرا من الفقه والأصلين وبرع في الأدب نظما ونثرا وكتابة وجمعا وعني بالحديث
سمع بالآخرة من جماع وقرأ على الشيخ الإمام رحمه الله جميع كتاب شفاء السقام في زيارة خير الأنام عليه أفضل ( صلى الله عليه وسلم ) ولازم الحافظ فتح الدين بن سيد الناس وبه تمهر في الأدب
وصنف الكثير في التاريخ والأدب قال لي إنه كتب أزيد من ستمائة مجلد تصنيفا وكانت بيني وبينه صداقة منذ كنت صغيرا فإنه كان يتردد إلى والدي فصحبته ولم يزل مصاحبا لي إلى أن قضى نحبه وكنت قد ساعتده آخر عمره فولي كتابة الدست بدمشق
"""
صفحة رقم 6 """
ثم ساعدته فولي كتابة السر بحلب ثم ساعدته فحضر إلى دمشق على وكالة بيت المال وكتابة الدست واستمر بهما إلى أن مات بالطاعون ليلة عاشر شوال سنة أربع وستين وسبعمائة
وكانت له همة عالية في التحصيل فما صنف كتابا إلا وسألني فيه عما يحتاج إليه من فقه وحديث وأصول ونحو لا سيما أعيان العصر فأنا أشرت عليه بعمله ثم استعان بي في أكثره ولما أخرجت مختصري في الأصلين المسمى جمع الجوامع كتبه بخطه وصار يحضر الحلقة وهو يقرأ علي ويلذ له التقرير وسمعه كله علي وربما شارك في فهم بعضه رحمه الله تعالى
نبذ مما دار بيني وبين هذا الرجل
كنت أصحبه منذ كنت دون سن البلوغ وكان يكاتبني وأكاتبه وبه رغبت في الأدب فربما وقع لي شعر ركيك من نظم الصبيان فكتبه هو عني إذ ذاك وأنا ذاكر بعض ما بيننا مما كان في صغري ثم لما كان بعد ذلك كتب إلي مرة وقد سافر إلى مصر ولم يودعني
يا سيدا سافرت عنه ولم أجد
جلدي يطاوعني على توديعه
إن غبت عنك فإن قلبي حاضر
يصف اشتياقي للحمى وربوعه
"""
صفحة رقم 7 """
في أبيات أخر فكتبت الجواب
يا راحلا بحشا المقيم على الوفا
ما الطرف بعدك مؤذيا بهجوعه
إن غبت عنه فما تغير منه إلا
جسمه سقما ولون دموعه
والقلب بيت هواك راح كأنه
بيت العروضيين من تقطيعه
في أبيات أخر أنسيتها
كتب إلي مرة وقد ولد له ولد يدعوني إلى حضور عقيقته
عبدك هذا الجديد أضحى
يقول فاسمع له طريقه
يا جوهرا في الزمان فردا
ما ضر أن تحضر العقيقه
فكتبت إليه
هنيت ذا الجوهر المفدى
بالعرض الكنه والحقيقه
لو لم تكن حازما مصيبا
لم تفتد النفس بالعقيقه
أعارني مرة من تذكرته مجلدا وكان يصنف كتابا في الوصف والتشبيه وينظر عليه التذكرة ويكتب على كل مجلد إذا نجز نجز التشبيه منه فلما وجدت ذلك عليه بخطه قلت هذا نصف بيت فكتبت إلى جانبه
نجز التشبيه منه
وروى الراوون عنه
إن مولانا لبحر
طافح إن لم يكنه
"""
صفحة رقم 8 """
فاقد الأشباه فرد
فرغ التشبيه منه
ولا يحضرني الآن ما كتبه هو جوابا عن هذا
كتب هو إلي مرة يسألني عن تثنية لفظ عين وعين في بيت الحريري فانثنى بلا عينين فأجبته بجواب يطول قد حكاه هو في كتابه المسمى صرف العين وقلت في آخره
وكتبت إليه من القاهرة في سنة ثلاث وستين وسبعمائة
"""
صفحة رقم 9 """
لا تبكين ماء تسنه
ودع الرسوم المستجنه
خل ادكارك فالعيون
كليلة آثار دمنه
واهجر غزالا نار خديه
إذا حققت جنه
وسنان كم نبهته
والعجب يطبق منه جفنه
متغافل أدعوه من
وجد إذا ما الليل جنه
في النفس حاجات إليك
من الوصال وفيك فطنه
فرض على العين البكا
إذ لحظه للفتك سنه
أحوى بديع الحسن ظبي
في الحقيقة أو كأنه
وله معاطف ما دعا
هن الصبا إلا أجبنه
هذا وذا مع أنه
لم يلتفت يوما لأنه
ويخاف من واش له
عين مراقبه الأكنه
وفم فضولي تقل
الرجل منه راس فتنه
بكر العواذل في الغرام
يلمنني وألومهنه
"""
صفحة رقم 10 """
ويقلن شيب قد علاك
وقد كبرت فقلت إنه
أبرزن لما لمن قلبي
المضمرات المستكنه
فتحركت نفس على
نار الصبابة مطمئنه
قد هجن حين عذلتها
وعواذل العاني يهجنه
أنى يصح من العواذل
من نها صبا ونهنه
هم جمع تكسير تصرف
في دفاعهم الأعنه
فاهجرهم الهجر الجميل
فكل ما قالوه هجنه
واذكر صفاء أبي الصفا
والخطب معتكر الدجنه
السيد اليقظ الأغر
أخي الوفاء بدون منه
والندب ذو الهمات ما
أبدأن من جود أعدنه
والجود مثل الجود يسقي
الألف منه ألف مزنه
والحلم كالجبل اعتلت
فيه الرياح فما أزلنه
"""
صفحة رقم 11 """
والجد ينهض لو تعالته
النجوم لما بلغنه
والأيد تبطش لو تغالبه
الأسود لما غلبنه
متدرع ثوب التقى
حصنا وتقوى الله جنه
متفنن بحر إذا
جاريته لم تدر فنه
أدب نضير يستحب لمن
له الآداب سنه
وله بنات الفكر غرتها
استهلت كالأجنه
فكر إذا عاين معنى
طائرا في الجو صدنه
وعلوم دين لم يخل
خليلها فرضا وسنه
وجليل قدر دق فهما
لا يضاهي التبر ذهنه
يا أيها الحبر الذي
جعل الإله الخير ضمنه
لو فصل الخياط قال
لكل ما وصلت حسنه
أسدي وألحم لست أقدر
أن أزيد عليك طعنه
ولو أن الأفوه حاضر
لعرته بين يديك لكنه
وغدا الصريع به كديك
الجن مما قلت جنه
دم وابق ما بقي الزمان
فإن وهي زلزلت وهنه
ولقدرك العالي العلو
فما النجوم علا يطلنه
يقبل الأرض لا يبعد الله دارها ولا يجاوز إلا بالجوزاء مقدارها ولا يسمعها من أنباء من أعلن لها أو سارها إلا سارها تقبيلا يقوم بسنة الفرض ويعرب عن مبني ود
"""
صفحة رقم 12 """
مديد كامل الطول والعرض ويفصح عن خضوع لفضه فإذا أنشد منشده بين يديه بلغنا السماء تلا هو ) فلن أبرح الأرض ( وأنشد
من أجله جعلت نفسي أرضا
للصادر الوارد حتى يرضى
وينهي بعد وصف حب اعتده دينا فتسلم كتابه باليمين ثابت يزيد حلاوة إيمانه في القلب مر السين باق لا يبدل إذا ما غير النأي المحبين
ما غير البعد حالا كنت تعرفه
ولا تبدلت بعد الذكر نسيانا
ولا ذكرت جليسا كنت آلفه
إلا جعلتك فوق الكل عنوانا
أن موجب تأخير كتبه محض الاقتداء والسير على سنتكم في قلة الكتب
"""
صفحة رقم 13 """
مع كثرة الوفاء وكيف لا وقد رفع أبو رافع مولى القوم منهم إلى سيد الأنبياء وعند ذلك ينقلب معتذرا عن تهجمه بهذه الضراعة مبتدرا إلى ذكر الفار حيث أطال لسانه وباعه مزدجرا عما لعله ذنب إذا علم به مولاه سامه البعد وباعه فيقول قيد الحب أطلق لساني فأعرب عن المبني على السكون وسرح يدي فخطت ما هو في لوحها المحفوظ مصون وأذن لي فتصرفت في الكتابة وكيف لا يتصرف العبد المأذون فأصدرت هذه الواردة مدى بأني منهم وهم مني وهذا المنى
وقلت اسألي عنهم وخبري عني حاشاك من عنا وبادري مولاك ولا تخشي أن يقال ما أتى بك هاهنا وخذي من شرح الحال في كل فن وكوني ممن إذا سمع صالحا أذاعه وإن سمع طالحا أو يرى ريبة دفن وأطلقي الدمع ولا تخافي أن يقال ما هاج العيون الذرفن واعتمدي على المسامحة فهم أهلوها واتخذي إخلاص الولاء ذريعة أن
"""
صفحة رقم 14 """
لا يفتقدوها وثقي بهم فهم أحسن الناس وجوها وأنضر هموها
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم
دجا الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
المملوك ينهي أنه منذ سافر من دمشق مستبشرا وباع الأسفل بالأعلى وتلا ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ( فحمد المشترى ووصل إلى مصر فرحا مسرورا وما شكى غليه جمله طول السرى بل حمد سيره وخيل البريد وبهيم الليل وساحة البيدا وقدم فنزل جوار البحر فقالوا نزل ماء السما وكاد ينشد
أقمت بأرض مصر فلا ورائي
تخب بي الركاب ولا أمامي
ولم ينشد
ذم المنازل بعد منزلة اللوى
والعيش بعد أولئك الأيام
"""
صفحة رقم 15 """
لكثرة ما لقي من التعظيم الذي لو شعر به العدو لا نظم أسبابه خيم المملوك على كرم الله وسار متوكلا عليه يحسب كل حمد فمد سبحانه وتعالى أطنابه وورد حيث قصد فوجد الله عند فوفاه حسابه ولم يخش بحسن ظنه من ذي العرش إقلالا ولم يصادف إلا من قال له أهابك إجلالا
ولم يناده كل محب إلا بكذا هكذا وإلا فلا لا وقال كل أمير أنت الحكم الترضى حكومته هناك هناك وأنشد
الله أعطاك فضلا من عطيته
وأولاك وبالغ في البشر وما كل من يبدي البشاشة كائنا أخاك بل ربما حسبته أباك
"""
صفحة رقم 16 """
وأما زمر الأعداء فكل منهم عبس وتولى وتبين لولي الأمر أن لمثله يقال ) نوله ما تولى (
وناديت كلا من زاجري عن حضور هذه المعركة
ألا أيها ذا الزاجري أحضر الوغى
أولى لك فأولى لقد استولى الحق على عرشه واستوى ولم يكن غير الإحراجات الأهوية وللأعراض قائلة ) لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى (
فلما طلع صبح الحق على من أمرضت قلبه بان وبدا له من بعد ما اندمل الهوى قوم أشربوا في قلوبهم المنصب فقطع أمعاءهم وأعجبوا بألسنة حداد فضلعت أعضاءهم واستكلبوا على اصطياد جارحة فطرحهم قتلى ورد أهواءهم لم يرجعوا حتى وقف الهوى وأهلكهم كل نزاعة للشوى وقوبل كل أفاك منهم بما نوى لعب بهم شيطان الحسد وشد وثاقهم الذي لا يوثق به بحبل من مسد وطبع على قلبه واغتاله فقلت له غالتك إذا الغول بل اغتالك الأسد
"""
صفحة رقم 17 """
ولقد عذلت حليمهم ونهيته
فأبى وقال هواي أمر محكم
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي
متأخر عنه ولا متقدم
فأردت أطنب قال لي متبرما
أطنب أو أوجز حبل كيدي مبرم
أجد الملامة في هواك لذيذة
حسدا وبغيا فليلمني اللوم
فلما سمعت قوله
أجد الملامة في هواك لذيذة
ورأيت من قلبه المعاني ما يحمله على أن يجعل ضالة المؤمن منبوذة ويطبع على قلبه والأفئدة بدون هذا مأخوذة عرفت أن العذل لا يرجعه وأن الحق ختم على قلبه فلا ينجده العدل ولا ينجعه وأنه لا يزال يحاول سقوط من كان فوق محل الشمس موضعه وأنه لزم إطلاق اللسان فيما لا يعنيه لزوم الخطيب للمنابر وكتابة الباطل لزوم الأقلام للمحابر والاشتغال لمن يترفع قدره عنه لزوم الأعراض للجواهر عدلت عن عذله واكتفيت بالحكم العدل وعدله ورفت قصتي على يدي إحسانه وفضله وجئت فشاهدت من الأمير الكبير والسلطان ما رغم به أنف الشيطان
"""
صفحة رقم 18 """
وقد علمت بكنه ذلك عدنان وقحطان وصرت المسؤول فيما حسبوا أني أحاوله استقرارا والمتضرع إليه في العود مرارا والمعرض عما حسدوا عليه استصغارا لقوم ) ومكروا مكرا كبارا (
وحفتين من الله ألطافه ونعمه وأطلق في الثناء علي بفضل من هو كل يوم في شأن لسانه وقلمه وبان ووضح أن العدو ظمآن وفي بحر الغواية فمه
وكل ذلك ببركة سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سيد النبيين فلست والله قدر واحدة من هذه النعم التي تقلدت عقدها الثمين ولا أنا ممن يفتخر بعلم ولا دين ولا نسب ولو شئت لأنشدت
وكان لنا أبو حسن علي
أبا برا ونحن له بنين
ثم لما كان قد امتلأ من ماء دمشق بطني ونادى حوض الآمال قطني
"""
صفحة رقم 19 """
وسئمت نفسي صداع الشام وماذا يدري الشعراء وغيرهم مني ورأيت هذا الإكرام الذي ملأ عنان السما وذكرت دمشق وما وما وما أقول وكل دمشق ما قلت لمن لامني فيها
خليلي ما واف بعهدي أنتما
ومعاذ الله أن ألوم أهل الشام وقد أحسنوا وأنعموا
وما أصاحب من قوم فأذكرهم
إلا يزيدهم حبا إلا همو
وإنما ألوم فرقة قلبوا الحق وبدلوا القرآن فصموا وعموا
فصل
وأما السادة الأصحاب فالمخصوص من بينهم بعموم التحية والمقبل كفه مئة وقال السجع ميه من يحسن سلامي كل يوم إليه سيدنا الشيخ عز الدين
"""
صفحة رقم 20 """
شيخ السلامية والثاني لهذا المقدم في الأقطار من تحققت مودته بعد البحث مع الأشباه والأنظار وعرف بقوله في التقوية واهتمامه في المعروف وإن لم يصلح العطار ثم سائر المخاديم يقبل المملوك يدهم سيدا سيدا ويخص السادة الأولاد الأعزة فلا يجد إلا محمدا ويلتفت متهما منجدا فينادي أصحابي أين من لا أعدل به أحدا كأن صارمه فل فأتبعه قوما بورا أو نبا فوجد قصورا أسكنه قبورا أتراه في جهة أم لا تحويه الجهات ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا
فأجابه
وافى قريضك لي كأنه
صبح وقد شق الدجنه
أبصرته والليل أمسى
ذا غياطل مرجحنه
وفضضته فأضاءت الأنوار
من هنا وهنه
لحمائم الألفاظ منه
رنة من بعد رنه
فاللحن منه مطرب
مع أنه ما فيه لحنه
كم منة أوليت منه
وكم به قويت منه
"""
صفحة رقم 21 """
هو جنة بل جنة
في السر من ناس وجنه
أبيات شعر ضرة
للشمس أو للبدر كنه
أما البديع فإنه
أدغمته فيه بغنه
فيه بدائع مادرى
أهل البلاغة ما اسمهنه
خلفت مفتاح العلوم
معطلا وكسرت سنه
وقهرت عبد القاهر المسكين
حتى حاز حزنه
يا حسنه من روضة
أزهارها لم تسق مزنه
أبرزت فضل حلاوة
في النيل كانت مستكنه
فأرى معانيه جزافا
والخليل أحب وزنه
كم فيه علق مضنة
لمنى النفوس غدا مظنه
كنز من الأدب استعنت
به على فقر ومحنه
هو كوم تبر منه آخذ
حفنة من بعد حفنه
لو أن جرول ذاق من
جرياله لم يلق سجنه
وكذا زهير لو رآه
روى وما أصبته دمنه
وأرى الحزين لأجله
كم أسمع الأقوام أنه
وكذلك الرماح كم
في شعره للناس طعنه
"""
صفحة رقم 22 """
وجميل قبح فعله
إذ بث عنه حديث بثنه
وكثير قد قل حين
أرته عزة كل هنه
وأبو نواس لو رآه
ما أقام بدير حنه
وغدا فروق كأسه
ودنا فروق منه دنه
وارتد مسلم منه عن
حب الغواني إذ صرعنه
نظم يلين قاسيون
ولو أبى لنفشت عهنه
وشفعته بترسل
أدرجت لي التسهيل ضمنه
ونقلت فيه شواهدا
عند ابن مالك مستجنه
لو كنت في عصر مضى
يا من أعار الشمس حسنه
ما جاء حظ الجاحظ المعروف
في التبيان تبنه
وبكى ابن بسام إلى
أن بل بالعبرات ردنه
والفتح أغلق بابه
ورمى قلائده بمهنه
"""
صفحة رقم 23 """
أسفي على عبد الرحيم
فإنه أخملت فنه
وأتيت فيه بمعجزات
فتنه فأصاب بتنه
هو مالك الإنشاء إن
شاء التقدم لم ينهنه
وإمامنا لكنه
إن قسته بك فيه لكنه
لو عاش كان أولو النهى
ما داهنوا في الحق دهنه
ولقال كل منهم
والحق لم يك فيه هدنه
هذا عليك مقدم
فاضرب برأسك ألف قرنه
لكن جعلت الشام بعدك
كالجحيم وكان جنه
ودمشق بعدك قد تردت
ثوب حزن فيه دكنه
لم يسق من يرد البريص
ولو أتى أولاد جفنه
وكذلك ثورا بعد بعدك
ما تسنى بل تسنه
والجامع المعمور كاد
تزعزع الأشواق ركنه
والقبة الشماء ليس
بجوها للنسر قنه
كانت به الأعطاف وهي
موائد يملأن صحنه
"""
صفحة رقم 24 """
والآن أفقر وحشة
وأسال منه السقف دهنه
ودموعه فوارة
قد قرحت بالفيض جفنه
وغدت قسي قناطر
فيه من البرحاء مزنه
ولكم نفوس من نفوس
متن حين أكل متنه
لم يبق إلا زورة
لتزيل لما غبت غبنه
فالله خيب فيك ما
قال الحسود ورد ظنه
قد كاد حتى كاد يمسي
ما تقوله عرضنه
عملا بقول محمد بن
يسير فهو يسير سنه
تخطي النفوس مع العيان
وقد تصيب مع المظنه
كم من مضيق في الفضاء
ومخرج بين الأسنه
مولاي يا قاضي القضاة
ومن عوارفه شهرنه
"""
صفحة رقم 25 """
ومقيل عثره كل من
قلب الزمان له مجنه
ومبلغ الآمال ظمآنا
تشوق ما مجنه
أنا عند غيرك في الورى
ممن عوارفه أضعنه
فلأجل ذا أوقعت نفسي
في الجواب بغير فطنه
خفت الحريق بنار تقصيري
وشيب الرأس قطنه
لكن أجبت فإن أجدت
فلم أظن ولن أظنه
إن الشجاع بلحمه
سمح إذا لم يرض جبنه
فاسلم ودم في نعمة
ما زان زهر الروض حزنه
يقبل الأرض حيث تضع الملائكة بها الأجنحة ويتخذ الأنام من الدعاء في مواطنها مواضي الأسلحة ويفعل الله بها ما أحب فإنه لا يجب عليه شيء وإن راعى المصلحة ويعمل طلاب العلم إليها الركاب بكل يعملة
كأن راكبها غصن بمروحة
وإني بتقبيلي لك الأرض والثرى
على كل من فاخرته لفخور
"""
صفحة رقم 26 """
تقبيلا يثبت به الجوهر الفرد فإن كل جزء منه للقبل يتجزأ ويحط به أثقال خطوب أقعدته عن اللحاق بها عجزا ويتشرف بمشافهة تربها فإن ناله منها أقل الأجزاء أجزا
ترابهم وحق أبي تراب
أعز علي من عيني اليمين
وينهي بعد وصف ولاء حكم بتصديقه لما تصوره كل منطقي ومنطيق ودل بالمطابقة والتضمن والالتزام على أنه في الوفاء عريق عري من تلف التلفيق وأصبح وحده جامع مانع لأن جنسه القريب هو الإخلاص وفصله التحقيق
عرفت بصدق الود فيك لأنني
رفعت بلا عجز لواء ولائي
ورفع أدعية ما أخل بأداء فرضها إن بعد أو دنا ولا أخذها إلا من النابغة حيث قال
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا
ولا أنكرتها ملائكة القبول إلا مرة ثم اعترفت بها فصارت ديدنا
"""
صفحة رقم 27 """
إذا رفعت يوما لذي العرش خيمت
لصدق ولائي فيك بين السرادق
وبث أثنية ما أمسك المسك معها رمقه ولا ثبت لها البدر حتى خسف لما لمح محياها ورمقه ولا طالبت دهاليز الأنهار بين قصور الروض إلا وأنفاس الأزهار منها مسترقة
أثني عليك ولو تشاء لقلت لي
قصرت فالإمساك عني نائل
ورود المثل العالي الذي ما ناله نظير ولا مثال ولا جود ابن العديم في الوجود إلا على سطوره فإنها له مثال ولا مضى له حسن حتى تدخل سين السرور على حاله فتميزه وتخلصه للاستقبال ولا تلقاه شاكي سلاح من البلاغة إلا وراح كما قال امرؤ القيس
ولي بذي رمح وليس بنبال
بلا مثل وإن أبصرت فيه
لكل مغيب حسن مثالا
كم أهدى ألطافا وهز بالطرب أعطافا وجعل القلوب أغراضا لسهام محاسنه وأهدافا وجلب الفرح وسلب الترح فأخذ تاء من الثاني وأهدى فا تروق درر أصدافه وتفوق داري أسدافه
"""
صفحة رقم 28 """
وكيف لا يهول وكل حرف منه جاء لمعنى وكيف لا يطول وكل لفظ منه قد استقر من البديع بمعنى وكيف لا يعرب والأبصار تلفت إليه بأعنة الإعجاب وتثنى وكيف لا يطرب وما فيه سطر واحد إلا ويسمع منه مثلث ومثنى
فما أحسن من نظم وما نثر وما أجود ما جرى في ميدان الإنشاء وما غبر لما عبر وما عثر وما أعف كلامه فإنه لم يلتمس من كلام غيره شيئا وهو يعلم أنه لا قطع في ثمر ولا كثر وما أتقن ما رتب ورتل لما ساق المثل والشاهد والأثر
وما كل من ألقى القلائد نظما
من كل معنى يكاد الميت يفهمه
حسنا ويعبده القرطاس والقلم
وقال المملوك الله أكبر وهي كلمة لا تقال إلا في الصلاة أو الأذان أو عند عجب ماله عن العين حاجب أو عند خبر لا يأخذها إذنا على الآذان أو عند خطب يطرق فيصبح ملتئم الحصى منه وهو شذان
وحق لي أن أقول الله أكبر فإن هذا أمر خرق العادة واستعبد السادة واستقرب
"""
صفحة رقم 29 """
ما استبعد من مدى المادة وأخرج الأدباء عما سلكوه من الجادة وأحرج الكتاب حتى كلت ظبي أقلامهم الحادة
ولقد عالجت ببديعه جراحات الفراق فإنه لها كالمرهم وأنفقت لعجزي أنفة جبل عليها جبلة بن الأيهم وأفلست في جوابي فلو وجدت سطرا مثله يباع كنت كما قال بعض العرب اشتريته بوالله ألف درهم لأنه تلعب بي تلعب الأفعال بالأسماء والبطر بأهل الصحة والنعماء وخلبني سجع هذه الحمامة وسلبني زهر هذه الكمامة وغلبني سكر هذه المدامة
ومن حكمت كأسك فيه فاحكم
له بإقالة عند العثار
وقد عولت على الفكر في أن يلم شعث قريحتي ويضم وقلت للقلم هلم إلى المساعدة على الجواب فقال لا أهلم
وأطرق إطراق الشجاع ولو رأى
مساغا لناباه الشجاع لصمما
ولما ثقل على راسي هذا الجبل الراسي ولم يفد فيه إيناسي قبل إبساسي
وأفضت
"""
صفحة رقم 30 """
بي الحال إلى نسيان ما كنت أعلمه ولا غرو فقد قرأ سعيد بن جبير ) ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ( وقال أبو الفتح البستي
واعذر فأول ناس أول الناس
رجعت إلى ما عندي من فوائد مولانا أعز الله نوافذ أحكامه وما زينت بزهره من مروج تعليقي وأكمامه فلم أدع بقعة ولا سبسبا إلا أثرت فيه أثرا وأثرت نفعه ولفقت هذا الجواب وهو كما يقال من كل زوق رقعة حتى شملتني سعادتك وحملتني بل جملتني إفادتك
ما زال يوقن من يؤمك بالغنى
وسواك مانع فضله المحتاج
وقد أثبت الحصى على المرجان وضاق بي وادي الإنشاء كما اتسع لمولانا من نظمه ونثره المرجان
وأما بيت أبي الحسن علي فإنه أحكم تأسيس بنيته ورفع بكم نون قافيته وحرم
"""
صفحة رقم 31 """
سكناه على غيركم ولو حرك مولانا نون وريه لعام في بحر فضلكم وما كأن الله تعالى أوجد هذا البيت إلا لهذا البيت وللدلالة على فضل الحي منه والميت
وما كل زند يزدهي بسواره
ولا كل فرق لاق من فوفه تاج
وأما قول مولانا وما وما وما أقول وكل دمشق ما فهذه نكتة يأخذ الفاضل حسنها مبرهما والغبي مسلما
وأما ما وصفه من حال مصر المحروسة وإقبالها عليه وإدلالها لديه فما يقول المملوك إلا
تغايرت الأقطار فيك محبة
عليك فهذا القطر يحسد ذا القطرا
لا بل يقول
تغايرت الأقطار فيك فواحد
لفقدك يبكي إذ لقربك يبسم
وكل مكان أنت فيه مبارك
وفي كل يوم فيه عيد وموسم
ولا شك في أن الديار كأهلها
كما قيل تشقى بالزمان وتنعم
"""
صفحة رقم 32 """
وأما ما وصفه من حال الحسدة الباغين والمردة الطاغين فقد رد الله كيدهم في نحرهم وزخر تيار بحر مولانا فأغرق وشل نهرهم
ولو علموا ما يعقب البغي قصروا
ولكنهم لم يفكروا في العواقب
ولو لم يكن مولانا في هذا الكمال ما حسد على ما حازه من غنائم المعالي ولا ودت النفوس الظالمة أن تسلبه ما وهبه الله هو أبهى وأبهر من عقود اللآلي ولا تمالئوا على اهتضام قدره وكم هذا التمادي في التمالي
إن العرانين تلقاها محسدة
ولم تجد للئام الناس حسادا
فالحمد لله على النصرة وضعف أقوال أهل الكوفة وترجيح أقوال أهل البصرة وما يغلق باب إلا ويفتح دونه من الخيرات أبواب وعلى كل حال أبو نصر أبو نصر وعبد الوهاب عبد الوهاب وما يقول المملوك في مولانا إلا كما قال الأول
من بالسنان يصول عند فطامه
لم يخش آخر بالشنان يقعقع
وما بقي غير الخروج من هذا الجواب وثبا وأن نقول لركابه الشريف إذا ورد أهلا وسهلا ورحبا
"""
صفحة رقم 33 """
1353
داود بن يوسف بن عمر بن رسول
الملك المؤيد هزبر الدين ابن الملك المظفر
صاحب اليمن
سمع من الحافظ محب الدين الطبري وغيره
وحفظ التنبيه واجتمع عنده من نفائس الكتب ما قل اجتماعه عند كثير من الناس
توفي في دار ملكه من اليمن في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة
وكان ملكا حسنا محسنا لرعيته فيه فضيلة وخير
1354
عبد الله بن أسعد بن علي اليماني اليافعي
الرجل الصالح صاحب المصنفات الكثيرة والنظم الكثير
اجتمعت به في منى سنة سبع وأربعين وسبعمائة
وتوفي بمكة سنة سبع وستين وسبعمائة في جمادى الأولى منها
"""
صفحة رقم 34 """
1355
عبد الله بن محمد بن أحمد بن خلف بن عيسى الحافظ عفيف الدين أبو السيادة المطري
صاحبنا وحافظ الحرمين الشريفين ومفيد البلدين
رحل وطوف الأقاليم وسمع من خلق
وخرج له شيخنا الذهبي جزءا قرأته عليه في الروضة الشريفة من المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام
مولده سنة ثمان وتسعين وستمائة
وتوفي في السادس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وستين وسبعمائة بالمدينة الشريفة
ولما حججت سنة سبع وأربعين وسبعمائة اجتمعت به وأنشدته لنفسي إذ ذاك مدحا فيه
لله در حافظ
يحكي الزكي المنذري
قد مطرت فوائد
عليه مثل الدرر
فما انتقى إلا الذي
يحكي نفيس الجوهري
وعف عن مكروهها
فهو العفيف المطري
أخبرنا الحافظ العفيف المطري بقراءتي عليه بالروضة الشريفة أخبرنا الرضي
"""
صفحة رقم 35 """
أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الطبري شيخ الحرم أخبرنا علي بن هبة الله بن الجميزي أخبرنا السلفي أخبرنا القاسم بن الفضل أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أخبرنا محمد بن عمرو بن البختري حدثنا محمد بن عبد حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد الواحد بن زياد عن أبي العميس عن إياس بن سلمة ابن الأكوع عن أبيه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أذن في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها بعد
أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس به فوقع بدلا عاليا
1356
خليل بن كيكلدي الشيخ صلاح الدين العلائي الحافظ المفيد أبو سعيد
ولد سنة أربع وتسعين وستمائة
وجد في طلب الحديث فسمع من القاضي تقي الدين سليمان المقدسي وعيسى المطعم وخلائق
وانتقى وخرج وصنف
"""
صفحة رقم 36 """
وتفقه على الشيخين كمال الدين الزملكاني وبرهان الدين بن الفركاح
وكان حافظا ثبتا ثقة عارفا بأسماء الرجال والعلل والمتون فقيها متكلما أديبا شاعرا ناظما ناثرا متفننا أشعريا صحيح العقيدة سنيا لم يخلف بعده في الحديث مثله
درس بدمشق في حلقة صاحب حمص ثم ولي تدريس المدرسة الصلاحية بالقدس فأقام بها إلى أن توفي يصنف ويفيد وينشر العلم ويحيي السنة
وكان بينه وبين الحنابلة خصومات كثيرة
وصنف كتابا في الأشباه والنظائر وكتابا سماه تنقيح الفهوم في صيغ العموم وكتاب حسنا في المراسيل وكتابا في المدلسين وكتب أخر وشرع في أحكام كبرى عمل منها قطعة نفيسة وفسر آيات متفرقة وجمع مجامع مفيدة
أما الحديث فلم يكن في عصره من يدانيه فيه
وأما بقية علومه من فقه ونحو وتفسير وكلام فكان في كل واحد منها حسن المشاركة
توفي بالقدس في المحرم سنة إحدى وستين وسبعمائة
أخبرنا الحافظ أبو سعيد العلائي قراءة عليه وأنا أسمع بالقدس الشريف قال
أخبرنا شيخنا سليمان بن حمزة الحاكم قال أخبرتنا كريمة بنت عبد الوهاب بن علي القرشي قالت أخبرنا أبو المظفر محمد بن أحمد بن علي العباسي كتابة قال أخبرنا
"""
صفحة رقم 37 """
أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي أخبرنا محمد بن عمر بن زنبور الوراق حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا أحمد بن حنبل وجدي وزهير بن حرب وسريج بن يونس وابن المقرئ قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال مر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) برجل وهو يعظ أخاه في الحياء فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( الحياء من الإيمان ) أخرجه مسلم عن زهير بن حرب أبي خيثمة الحافظ
ورواه الترمذي عن جد البغوي وهو أبو جعفر أحمد بن منيع الحافظ ورواه ابن ماجة عن ابن المقرئ وهو محمد بن عبد الله بن يزيد فوقع موافقة لهم في شيوخهم الثلاثة مع العلو
وأخبرنا الحافظ أبو سعيد أيضا سماعا عليه أخبرنا سليمان بن حمزة وعيسى ابن عبد الرحمن الدلال وعبد الأحد بن أبي القاسم العابد بقراءتي عليهم قالوا أخبرنا عبد الله بن عمر الحريمي والثالث حاضر أخبرنا أبو القاسم سعيد ابن أحمد بن الحسن بن البناء حضورا أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد الزينبي أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن زنبور حدثنا أبو بكر عبد الله بن الإمام أبي داود سليمان بن الأشعث الحافظ حدثنا محمد بن بشار ونصر بن علي
"""
صفحة رقم 38 """
قالا حدثنا أبو عبد الصمد العمي حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس الأشعري عن أبيه رضي الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ) أخرجه مسلم عن نصر بن علي الجهضمي
وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة ثلاثتهم عن محمد بن بشار كلاهما عن أبي عبد الصمد به
1357
زكريا بن يوسف بن سليمان بن حامد البجلي
مدرس الطيبة والأسدية بدمشق
"""
صفحة رقم 39 """
سمع من ابن البخاري وغيره
وتوفي في جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة
1358
سالم بن أبي الدر الشيخ أمين الدين أبو الغنائم
تفقه على الشيخ محيي الدين النووي
ورتب صحيح ابن حيان
ودرس بالشامية الجوانية
مولده سنة خمس وأربعين وستمائة
ومات في شعبان سنة ست وعشرين وسبعمائة
1359
سليمان بن عمر بن سالم بن عمر بن عثمان
قاضي القضاة جمال الدين الزرعي
سمع من ابن عبد الدائم والجمال ابن الصيرفي وغيرهما
وولي قضاء زرع مدة ثم تنقلت به الأحوال وهو قوي النفس لا يطلب رزقا عفيف اليد في أحكامه إلا أن ناب عن قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة بالقاهرة ثم عزل قاضي القضاة بدر الدين فولي هو قضاء القضاة بالديار المصرية ثم أعيد القاضي بدر الدين
"""
صفحة رقم 40 """
وبقي القاضي جمال الدين على قضاء العسكر ثم ولي قضاء الشام بعد ابن صصرى ثم عزل بعد عام وبقي شيخ الشيوخ ومدرس الأتابكية
توفي بالقاهرة في صفر سنة أربع وثلاثين وسبعمائة
1360
سليمان بن موسى بن بهرام تقي الدين السمهودي ابن الهمام
ومولده بسمهود سنة ثمان وخمسين وستمائة
وكان فقيها شاعرا ومن شعره
لما في كلام العرب تسعة أوجه
تعجب وصف منكوره وانف واشرط
وصلها وزد واستعملت مصدرية
وجاءت للاستفهام والكف فاضبط
توفي بسمهود سنة ست وثلاثين وسبعمائة
رحمه الله
1361
سليمان بن هلال بن شبل بن فلاح القاضي صدر الدين أبو الفضل الداراني
خطيب داريا
"""
صفحة رقم 41 """
كان رجلا صالحا
تفقه على الشيخ تاج الدين بن الفركاح والشيخ محي الدين النووي
وناب في القضاء عن ابن صصرى
وكان يذكر نسبه إلى جعفر الطيار
حدث عن ابن أبي اليسر والمقداد القيسي
مولده سنة اثنتين وأربعين وستمائة وتوفي في ذي القعدة سنة خمس وعشرين وسبعمائة بدمشق
1362
سنجر الأمير الكبير علم الدين الجاولي
أحد أمراء المشورة الذين يجلسون بحضرة السلطان
سمع مسند الشافعي بالكرك على دانيال
وعمل نيابة السلطنة بغزة مدة وبنى بها مدرسة الشافعية وجامعا حسنا وعمل نيابة حماة مدة
وكان رجلا فاضلا يستحضر كثيرا من نصوص الشافعي وصنف شرح مسند الشافعي جمعه من شروح الرافعي وابن الأثير وشرح مسلم للنووي ونقل عبارة كل واحد بنصها وله عمائر كثيرة خانات ومدارس وغيرها
توفي في رمضان سنة خمس وأربعين وسبعمائة بالقاهرة
"""
صفحة رقم 42 """
1363
طلحة الشيخ علم الدين
كان في أصله مملوكا يدعى بسنجر فغير اسمه بطلحة
قرأ على الشيخ برهان الدين الجعبري
وكان يعرف التعجيز ومختصر ابن الحاجب
توفي بحلب سنة خمس وعشرين وسبعمائة
1364
عبد الله بن شرف بن نجدة المرزوقي
شارح التنبيه
كان معيدا بالمشهد الحسيني بالقاهرة وكان يحضر دروس قاضي القضاة تقي الدين ابن رزين
وله شعر كثير منه من أبيات يصف بها شرحه على النبيه وكتب بها إلى الشيخ بهاء الدين بن النحاس النحوي
وهو كتاب عييت فيه
ولم أنل منتهى مرادي
"""
صفحة رقم 43 """
جمعت فيه عز المعاني
من كتب خمسة عداد
وعاند الدهر فيه حظي
والدهر ما زال ذا عناد
قلت أنطقه الفال فإني لم أر بهذا الشرح إلا نسخة المصنف التي بخطه
إن لم يكن المرزوقي توفي قبل السبعمائة بقليل فبعدها بقليل
1365
عبد الله بن محمد بن علي بن حماد بن ثابت الواسطي
مفتي العراق جمال الدين بن العاقولي البغدادي
مدرس المستنصرية ببغداد
مولده سنة ثمان وثلاثين وستمائة
ومات في ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ببغداد
1366
عبد الله بن محمد بن عسكر بن مظفر بن نجم بن شاذي بن هلال الشيخ شرف الدين أبو محمد القيراطي
سمع من شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد والحافظ شرف الدين الدمياطي وغيرهما
"""
صفحة رقم 44 """
وكانت بينه وبين الوالد صحبة أكيدة وقرأ على الوالد في أصول الفقه ورافقه في القراءة على الباجي وغيره
وقد عرض على المذكور قضاء حلب فأبى
مولده سنة اثنتين وسبعين وستمائة وتوفي سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
ومن شعره
يا دارهم باللوا حييت من دار
ولا تعداك صوب العارض الساري
ودعت طيب حياتي يوم فرقتهم
فالطرف في لجة والقلب في نار
1367
عبد الله بن مروان بن عبد الله الشيخ زين الدين الفارقي
خطيب دمشق وشيخ دار الحديث الأشرفية ومدرس الشامية البرانية
كان رجلا عالما صالحا مهيبا
مولده سنة ثلاث وثلاثين وستمائة في المحرم
وسمع من أبي القاسم بن رواحة وابن خليل بحلب ومن كريمة والسخاوي بدمشق
مات في صفر سنة ثلاث وسبعمائة
"""
صفحة رقم 45 """
وحكى لي غير واحد منهم ابن ولي الله الشيخ فتح الدين يحيى وهو ثقة ثبت سيد كبير أن الشيخ زين الدين نزل به بعض أصحابه ضيفا ومعه أهله وابنة له صغيرة فوقعت من رأس شجرة في الدار وأيس منها فلما أخبر بخبرها قال والله لا أرفع رأسي حتى تقوم هذه الصغيرة وسجد فلم يرفع رأسه حتى أخبر باستقلالها في أسرع وقت
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا عبد الله بن مروان الفقيه أنبأتنا كريمة عن مسعود بن الحسن أخبرنا أبو عمرو بن منده أخبرنا إبراهيم بن عبد الله التاجر حدثنا أبو عبد الله المحاملي حدثنا محمد بن عبد الرحيم صاعقة حدثنا روح حدثنا شعبة أخبرني موسى بن أنس سمعت أنس بن مالك يقول قال رجل يا رسول الله من أبي قال ( أبوك فلان ) فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ( الآية أخرجه البخاري عن صاعقة رحمه الله تعالى
1368
عبد الحمد بن عبد الرحمن بن الجيلوي
بكسر الجيم ثم آخر الحروف ساكنة ثم لام مضمومة ثم واو
الشيخ جمال الدين
صاحب البحر الصغير رحمه الله
"""
صفحة رقم 46 """
1369
عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار بن أحمد الإيجي
بكسر الهمزة ثم إسكان آخر الحروف ثم جيم مكسورة
المطرزي
قاضي القضاة عضد الدين الشيرازي
يذكر أنه من نسل أبي بكر الصديق رضي الله عنه
كان إماما في المعقولات عارفا بالأصلين والمعاني والبيان والنحو مشاركا في الفقه
له في علم الكلام كتاب المواقف وغيرها وفي أصول الفقه شرح مختصر ابن الحاجب وفي المعاني والبيان القواعد الغياثية
وكانت له سعادة مفرطة ومال جزيل وإنعام على طلبة العلم وكلمة نافذة
مولده بإيج من نواحي شيراز بعد سنة ثمانين وستمائة
واشتغل على الشيخ زين الدين الهنكي تلميذ القاضي ناصر الدين البيضاوي وغيره
وكان أكثر إقامته أولا بمدينة سلطانية وولي في أيام أبي سعيد قضاء الممالك
"""
صفحة رقم 47 """
ثم انتقل بالآخرة إلى إيخ
وتوفي مسجونا بقلعة دريميان وهي بكسر الدال المهملة وفتح الراء ثم آخر الحروف ساكنة ثم ميم مكسورة ثم آخر الحروف ثم ألف ونون وإيج بلحف هذه القلعة
غضب عليه صاحب كرمان فحبسه بها فاستمر محبوسا إلى أن مات سنة ست وخمسين وسبعمائة
رحمه الله تعالى
مكاتبة القاضي عضد الدين مع الشيخ فخر الدين الجاربردي
كتب القاضي عضد الدين سؤالا صورته يا أدلاء الهدى ومصابيح الدجا حياكم الله وبياكم وألهمنا الحق بتحقيقه وإياكم ها هو من نوركم مقتبس وبضوء أنواركم للهدى ملتبس ممتحن بالقصور لا ممتحن ذو غرور ينشد بأنطق لسان وأرق جنان
ألا قل لساكن وادي الحبيب
هنيئا لكم في جنان الخلود
أفيضوا علينا من الماء فيضا
فنحن عطاش وأنتم ورود
قد استبهم قول صاحب الكشاف أفيضت عليه سجال الألطاف ) من مثله ( متعلق بسورة صفة لها أي بسورة كائنة من مثله والضمير لما نزلنا أو لعبدنا ويجوز أن يتعلق بقوله
فأتوا
والضمير للعبد حيث جوز في الوجه
"""
صفحة رقم 48 """
الأول كون الضمير لما نزلنا تصريحا وحظره في الوجه الثاني تلويحا فليت شعري ما الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا وفأتوا من مثل ما نزلنا بسورة وهل ثم حكمة خفية أو نكتة معنوية أو هو تحكم بحت بل هذا مستبعد من مثله فإن رأيتم كشف الريبة وإماطة الشبهة والإنعام بالجواب أثبتم أجزل الثواب إن شاء الله تعالى
فكتب في الجواب العلامة الشيخ فخر الدين أحمد الجاربردي رحمه الله تمني الشعور متعلقا بالاستعلام لما وقع بالدخيل مع الأصيل الأدخل في الاستبهام أشعر بأن المتمني يحقق ثبوت شيء ما منها أو الانتفاء رأسا ولا يستراب أن انتفاء الفائدة اللفظية والعائدة المعنوية يجعل التخصيص تحكما فإن رفع الإبهام ينصب البعض للكثير الباقي خبر ما وضحه بفتح جزء المعنى فما مغزى التخصيص على البيان فاضرب عن الكشف صفحا مجانبا الاستدراك كما في الاستكشاف وإن ريم ما يعني بالتحقيق فيه والأخص في الاستعمال فزيغ الداله لا زلة خبير كعثرة عثارها للأدخل
"""
صفحة رقم 49 """
بمنزلة في أنزلنا أولا بشهادة الدعدعة لعثوره عليها في نزلنا ثانيا والتبيين جنس التعيين فإنها من بنات خلعت عليهن الثياب ثم دفنتهن وحثوت عليهن التراب
فبح باسم من تهوى وذرني من الكنى
فلا خير في اللذات من دونها ستر
إني امرؤ أسم القصائد للعدى
إن القصائد شرها أغفالها
والحمد لله رب العالمين ( صلى الله عليه وسلم ) على سيدنا محمد وآله
كتبه الجاربردي ابن الحسن أحمد حامدا
ثم كتب المولى العلامة عضد الدين رحمه الله جواب هذا الجواب
أعوذ بالله من الخطأ والخطل وأستعفيه من العثار والزلل الكلام على هذا الجواب من وجوه
الأول أنه كلام تمجه الأسماع وتنفر عنه الطباع ككلمات المبرسم غير منظوم وكهذيان المحموم ليس له مفهوم كم عرض على ذي طبع سليم وذي ذهن مستقيم فلم يفهم معناه ولم يعلم مؤداه وكفى وكيلا بيني وبينك كل من له حظ من العربية وذكاء ما مع الممارسة لشطر من الفنون الأدبية
"""
صفحة رقم 50 """
الثاني أنه أجمل الاستفهام لشدة الإبهام ففسره بما لا يدل عليه بمطابقة ولا بتضمن ولا بالتزام وحاصله أن ثبوت أحد الأمرين هاهنا متحقق وأن التردد في التعيين فحقيق أن يسأل عنه بالهمزة مع أم دون هل مع أو فإنه سؤال عن أصل الثبوت
الثالث أنه لا نسلم تحقق أحد الأمرين لجواز أن لا يكون لحكمة خفية ولا نكتة معنوية بل لأمر بين في نفسه على السائل أو لشبهة قد تخيلت للحاكم وتضمحل بتأمل ما فلا يكون تحكما بحتا
وإن سلمنا الحصر فلم لا يجوز أن يتجاهل السائل تأدبا واعترافا بالتقصير وتجنبا للتيه والغرور
الرابع أن أو هذه هي الإضرابية أفهذا باعك في الأوجه الإعرابية فأين أنت من قولهم لا تأمر زيدا فيعصيك أو تحسبه غلامك وأقل خدامك أو لا تدري من أمامك أبعيد ما آذيت نفسك ليلا ونهارا في شعب من العربية مذ نيطت بك العمائم إلى أن اشتعل الرأس شيبا يخفى عليك هذا الجلي الظاهر الذي هو مسطور في الجمل لعبد القاهر
"""
صفحة رقم 51 """
الخامس هب هذا خطأ صريحا لا يمكن أن تحمل له محملا صحيحا أليس المقصود هنا كالصبح يتبلج أو كالنار في حندس الظلم على رأس العلم تتأجج فما كان لو اشتغلت بعد ما يعنيك عن الجواب ويطبق مفصل الصواب عما لا يعنيك من التخطئة في السؤال
السادس قد أوجب الشرع رد التحية والسلام وندب إلى التلطف في الكلام فمن زوى عنه فقد اقترف الإثم وأساء الأدب وتجنب الأمم وأشعر بأن ليس له من الخلق خلاق ولم يرزق متابعة من بعث لتتميم مكارم الأخلاق
السابع أنه أعرض صفحا عن الجواب وزعم أنه من بنات خلع عليهن الثياب ثم حثى عليهن التراب فإن كان هذا فلا ريب في أنها تكون ميتة أو بالية ومع هذا فمصداق كلامه أن ينبش عنها أو أن يأتي بمثلها فنرى ماهية
الثامن أن السؤال لم يخص به مخاطب دون مخاطب بل أورد على وجه التعميم والإجمال مرعيا فيه طريق التعظيم والإجلال موجها إلى من وجه إليه ويقال تصدق أنت من أدلاء الهدى ومصابيح الدجا فأنى رأى نفسه أهلا لهذا الخطاب متعينا للجواب وهلا رده عن نفسه معرفة بقدره وعلما بغوره ومحافظة على طوره إلى من هو أجل منه قدرا وأنور بدرا في هذه البلدة من زعماء التحرير وفحولة العلماء النحارير الذين لا يفوتهم سابق ولا يشق غبارهم لاحق وإن كان لا يرى فوقه أحدا
"""
صفحة رقم 52 """
فإنه للعمه والعمى والحماقة العظمى وما لداء القول دواء وليس لمرض الجهل المركب من شفاء
التاسع البليغ من عدت هفواته والجواد من حصرت عثراته
أما من لا يأمن مع الدعدعة سوء العثار ويحتاج إلى من يقود عصاه في ضوء النهار فإذا سابق العتق الجياد وناضل عند الرهن ذوي الأيدي الشداد فقد جعل نفسه سخرة للساخرين وضحكة للضاحكين ودريئة للطاعنين وغرضا لسهام الراشقين
العاشر أظنك قد غرك رهط قد احتفوا من حولك وألقوا السمع إلى قولك يصدقونك في كل هذر ويصوبونك في كل ما تأتي وما تذر ولم تمر بقريع الأبطال اللهاميم ولم تدفع إلى مماسك يعركك عرك الأديم فظننت بنفسك الظنون ورسخ في دماغك هذا الفن من الجنون ولم ترزق أديبا ولا ناصحا لبيبا
فما كل ذي لب بمؤتيك نصحه
ولا كل مؤت نصحه بلبيب
فها أنا أقول لك قول الحق الذي يأتي في غيرة نفس أبية ولا يصرفني عنه هوى ولا عصبية فاقبل النصيحة واتق الفضيحة ولا ترجع بعد هذا إلى مثل هذا فإنه عار في الأعقاب ونار يوم الحساب هدانا الله وإياك سبيل الرشاد
"""
صفحة رقم 53 """
ومن فوائد المولى المعظم كمال الدين عبد الرزاق
لما قال جار الله العلامة من مثله متعلق بسورة صفة لها أي بسورة كائنة من مثله والضمير لما نزلنا أو لعبدنا ويجوز أن يتعلق بقوله فأتوا والضمير للعبد
أوهم قوله إن الضمير إذا كان لما نزلنا كان الكلام مشعرا بثبوت مثل له حتى تأتوا بسورة من جملة ذلك المثل فاحترز عن ذلك بما معناه أن من بيانية لا تبعيضية والمراد بالمثل ما هو على صفته من جنس النظم أي بسورة من جنس كلام هو على صفته من غير قصد إلى مثل له كما ذكر يعني بسورة هي كلام موصوف بصفته كقولك عندي مال من الماشية أي مال هو الماشية فعلى هذا إذا علق من مثله بفأتوا كان المعنى على تقدير عود الضمير إلى المنزل فأتوا من جنس كلام موصوف بصفته بسورة فيكون من مثله إما حالا من السورة مبينة لهيأتها بأنها مثل هذا المنزل والحال من المعمول يقيد عامله وإما صلة للإتيان وكيف كان يقيد الفعل فيكون الإتيان المأمور إتيانا مقيدا بأنه كائن من كلام مثله بسورة
فإن كان المراد به السورة كما قررنا كان المعنى فأتوا إتيانا مقيدا بكونه من سورة مثله بسورة وذلك فاسد لا شك فيه
وإن كان المراد فأتوا من جملة كلام يماثله بسورة واحدة فإن كان ذلك المثل
"""
صفحة رقم 54 """
موجودا لزم المحذور وهو ثبوت المثل وكذا إن كان المراد إتيانا مستندا من كلام مثله بسورة وإن لم يكن موجودا كان الفعل المقيد بابتدائه منه ممتنعا فإن الممكن المقيد وجوده بوجود المعدوم ممتنع الوجود وذلك ينافي التحدي لأن التحدي إنما يكون إذا كان أصل الفعل ممكنا مقدورا للنوع مطلقا لكنه أخص بشيء من زيادة أو تعلق بمفعول لا يسع أحدا من بني نوع الفاعل مثل ذلك الفعل المختص بتلك الزيادة أو بذلك الفعل فيدل على أن ذلك الاختصاص إنما هو لمزية وتأييد من عند الله تعالى لصاحبه وهاهنا أصل الفعل ليس بممكن وإن جعل الأصل مطلق الإتيان والمعجزة الإتيان المقيد كان المتحدى به هو الفعل لا المفعول والمقدر خلافه فإنه إتيان مقيد بوجود معدوم لا نفس الإتيان
فتبين أن كون الضمير عائدا إلى المنزل على تقدير تعلق من مثله بفأتوا لا يخلو عن أقسام كلها باطلة سواء كان من ابتدائية أو تبعيضية أو بيانية
والله أعلم
من فوائد المولى المعظم أمين الدين الحاجي دادا رحمه الله
إن قيل ما وجه تخصيص الضمير بالعبد على تقدير تعلق من مثله بفأتوا مع تجويز كونه له وللمنزل على تقدير تعلقه بالسورة
قلت الجواب يقتضي تقديم مقدمتين الأولى أن مثله يحتمل وجهين
الأول أن يكون المراد من مثل الكلام المنزل والعبد المذكور نفس ذلك
"""
صفحة رقم 55 """
الكلام وذلك من العبد فيكون معنى المثل ملغى كما في مثل قول الشاعر
حاشا لمثلك أن تكون بخيلة
ولمثل وجهك أن يكون عبوسا
وفي بحث تقدير المثل في السورة يستقيم المعنى وإلا لزمك كون المتحدي بإتيان سورة كائنة من القرآن أو صادرة من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو محال
الثاني أن يكون معنى المثل بحاله ويكون المراد منه كلاما آخر مثل القرآن أو شخصا آخر مثل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو ظاهر
المقدمة الثانية أن الأقسام على ما ذكره صاحب الكشاف أربعة
الأول من مثله إما يتعلق بسورة أو بالإتيان وعلى التقديرين الضمير إما أن يكون للعبد أو للمنزل وهذه أربعة وإذا تقرر ذلك فنقول القسم الأول صحيح على الوجهين لأنه التقدير فيه فأتوا بمثل سورة صادرة من مثل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهما مستقيمان
والثاني صحيح على الأول دون الثاني وإلا لم يكن التحدي بإتيان السورة فقط بل يشترط أن يكون بعضا من كلام مثل القرآن وهو باطل
والثالث صحيح على الثاني دون الأول لأن تقديره فيه فأتوا من هذا العبد بمثل سورة وهو لغو
فيكون القسم الرابع فاسدا على الوجهين
"""
صفحة رقم 56 """
من فوائد المولى الفاضل عز الدين التبريزي
جعل ) مثله ( صفة لسورة فإن كان الضمير للمنزل فمن للبيان وإن كان للعبد فمن للابتداء وهو ظاهر
فعلى هذا إن تعلق ) من مثله ( بقوله ) فأتوا ( فلا يكون الضمير للمنزل لأنه يستعدي كونه للبيان والبيان يستدعي تقديم مبهم فإذا تعلق بالفعل فلا يتقدم مبهم فتعين أن تكون للابتداء لفظا أو تقديرا أي أصدروا أو أنشئوا أو استخرجوا من مثل العبد سورة لأن مدار الاستخراج هو العبد لا غير
فتعين في الوجه الثاني عود الضمير إلى العبد والله أعلم بالصواب
من فوائد المولى المعظم قدره صدر فضلاء خوارزم همام الدين
قوله ويجوز أن يتعلق بقوله ) فأتوا ( والضمير للعبد لأنه إذا كان ظرفا مستقرا على أنه صفة سورة بمعنى سورة كائنة من مثله لم يتعين الضمير للعبد بل كما احتمل العود إلى العبد احتمل العود إلى المنزل أما إذا كان ظرفا لغوا متعلقا بقوله ) فأتوا ( لم يحتمل العود إلا إلى العبد لأنك لما علقته به فقد جعلته مبتدأ الإتيان بالسورة ومنشأها فيكون هو المنشئ لها والآتي بها والمصدر أو المملي حتى يتحقق الابتداء منه حقيقة كما إذا قلت ائتني بشعر من فلان كان هو المملي والمنشئ على ما لا يخفى
"""
صفحة رقم 57 """
ولو رجعت الضمير على هذا إلى المنزل أحلت وأما نحو قولك ائتني بماء من دجلة وثمر من بستانك وآية من القرآن وبيت من الحماسة فليس منه على أن في الحمل عليه فسادا لأنه يفيد ثبوت المثل للقرآن أو يوهم والغرض نفي المثل على ما قال ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك قال وفي ثبوت التحدي لأن المعنى فأتوا من مثل القرآن أي من كلام مثل القرآن في الأسلوب والفصاحة بخلاف ما إذا علقته بالسورة لأن حقيقة المعنى على إقحام كلمة من فكأنه قيل بسورة مماثلة نظما وأسلوبا فلا يلزم فيه ما يلزم في الأول وهذا كما إذا قلت ائتني بدرهم كائن من مثل هذه الدراهم المضروبة
كان المعنى أن تأتي بما ينطبع على وجهها ويتكون من مثلها مطلقا لا أن تأتي من مثلها الموجود والله أعلم بالصواب
من فوائد مولانا وسيدنا شيخ الإسلام محيي السنة قامع البدعة خلاصة المجتهدين تقي الملة والحق والدين علي السبكي أعلى الله درجته في عليين مع النبيين والصديقين
قوله تعالى ) وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ( قال الزمخشري رحمه الله من مثله يتعلق بسورة صفة لها أي بسورة كائنة من مثله وليس مراده التعلق الصناعي لأن الصفة إنما تتعلق بمحذوف وقد صرح هو به ومراده أنه لا يتعلق بقوله ) فأتوا (
"""
صفحة رقم 58 """
ثم قال والضمير لما نزلنا أو لعبدنا والأحسن عندي أن يتعلق بعبدنا وإن علق بما نزلنا فيكون بالنظر إلى خصوصيته فيشمل صفة المنزل في نفسه والمنزل عليه وإنما قلت ذلك لأن الله تعالى تحدى بالقرآن في أربع سور في ثلاث منها بصفته في نفسه فقال تعالى ) قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (
وقال تعالى ) أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله (
وقال تعالى ) أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ( والسياق في ذكر القرآن من حيث هو هو ولذلك لم يذكر في هاتين الآيتين لفظة من المحتملة للتبعيض ولابتداء الغاية فتركها يعين الضمير للقرآن
وفي سورة البقرة لما قال ) وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ( قال ) فأتوا بسورة من مثله ( فيكون من لابتداء الغاية والضمير في ) مثله ( للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويكون قد تحداهم فيها بنوع آخر من التحدي غير المذكور في السور الثلاث
وذلك أن الإعجاز من جهتين
إحداهما من فصاحة القرآن وبلاغته وبلوغه مبلغا تقصر قوى الخلق عنه وهو المقصود في السور الثلاث المتقدمة المتحدى به فيها
والثانية من إتيانه من النبي الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب وهو المتحدى به في هذه السورة ولا يمتنع إرادة المجموع كما قدمناه
فإن أراد الزمخشري بعود الضمير على ما نزلنا المجموع بالطريق التي أشرنا إليها
"""
صفحة رقم 59 """
فصحيح وحينئذ يكون ردد بين ذلك وعود الضمير على الثاني فقط وإن لم يرد ذلك فما قلناه أرجح ويعضده أنه أقرب وعود الضمير على الأقرب أوجب ويعضده أيضا أنهم قد تحدوا قبل ذلك وظهر عجزهم عن الإتيان بسورة مثل القرآن لأن سورة يونس مكية فإذا عجزوا عنه من كل أحد فهم عن الإتيان بمثله ممن لم يقرأ ولم يكتب أشد عجزا فالأحسن أن يجعل الضمير لقوله ) عبدنا ( فقط
وهذان النوعان من التحدي يشتملان على أربعة أقسام لأن التحدي بالقرآن أو ببعضه بالنسبة إلى من يقرأ ويكتب وإلى من ليس كذلك والتحدي بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالنسبة إلى مثل المنزل وإلى أي سورة كانت فإن من لم يكتب لا يأتي بها فصار الإتيان بسورة من مثل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ممتنعا شابهت القرآن أم لم تشابهه والإتيان بسورة من مثل القرآن ممتنعا كانت من كاتب قارئ أم من غيره فظهر أنها أربعة أقسام
ثم قال الزمخشري رحمه الله ويجوز أن يتعلق بقوله ) فأتوا ( والضمير للعبد وهذا صحيح وتكون ) من ( لابتداء الغاية
ولم يذكر الزمخشري على هذا الوجه احتمال عود الضمير على ) مما نزلنا ( ولعل ذلك لأن السورة المتحدى بها إذا لم يوجد معها المنزل عليه لا بد أن يخصص بمثل المنزل كما في سورة يونس وهود فإذا علقنا الصلة هنا في سورة البقرة بقوله ) فأتوا ( وعلقنا الضمير بالمنزل كانوا قد تحدوا بأن يأتوا بسورة مطلقة ليست موصوفة ولا من شخص مخصوص فليست على نوع من نوعي التحدي
"""
صفحة رقم 60 """
فإن قلت من على هذا التقدير للتبعيض فتكون السورة بعض مثله يقتضى مماثلتها
قلت المأمور به السورة المطلقة ومن يحتمل أن تكون لابتداء الغاية وإن سلم أنها للتبغيض فالمماثلة إنما يعلم حصولها للسورة بالاستلزام فلم يتحدوا ولم يؤمروا إلا بها من حيث هي مطلقة لا من حيث ما اقتضاه الاستلزام من المماثلة فإن المماثلة بالمطابقة في الكل المبعض لا في البعض فإن لزم حصولها في البعض فليس من اللفظ
وبهذا يعرف الجواب عن قول من قال ما الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا و فأتوا من مثل ما نزلنا بسورة فنقول الفرق بينهما ما ذكرناه فإن المأمور به في الأول سورة مخصوصة وفي الثاني سورة مطلقة من حيث الوضع وإن كانت بعضا من شيء مخصوص
والله أعلم
وما ذكره الفقير إلى الله تعالى إبراهيم الجاربردي في جواب الجواب لعضد الدين الشيرازي نصرة لوالده الشيخ فخر الدين أحمد الجاربردي تجاوز الله عن الجميع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وبه أستعين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين و ( صلى الله عليه وسلم ) على خاتم النبيين وإمام المرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أجمعين
أما بعد فيقول الفقير إلى الله تعالى إبراهيم الجاربردي بينما كنت أقرأ كتاب
"""
صفحة رقم 61 """
الكشاف في سنة ستين وسبعمائة بين يدي من هو أفضل الزمان لا بالدعاوي بل باتفاق أهل العلم والعرفان أعني من خصه الله تعالى بأوفر حظ من العلاء والإحسان مولانا وسيدنا وسندنا الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام والمسلمين الداعي إلى رب العالمين قامع المبتدعين وسيف المناظرين إمام المحدثين حجة الله على أهل زمانه والقائم بنصرة دينه في سره وإعلانه بقلمه ولسانه خاتمة المجتهدين بركة المؤمنين أستاذ الأستاذين قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب السبكي لا زالت رباع الشرع معمورة بوجوده ورياض الفضل مغمورة بجوده ويرحم الله عبدا قال آمين إذ وصلت إلى قوله تعالى ) فأتوا بسورة من مثله ( فرأيت عند بعض الفضلاء الحاضرين شيئا من كلام القاضي عضد الدين الشيرازي على كلام والدي الذي كتبه على سؤاله المشهور عن الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا و فأتوا من مثل ما نزلنا بسورة
فأخذته منه رجاء أن أطلع على بدائع من رموزه وودائع من كنوزه فوجدته قد فطم عن ارتضاع أخلاف التحقيق وحرم عن الاغتراف من بحر التدقيق جعل الإيراد عنادا والمنع ردا والرد صدا والسؤال نضالا والجواب غيابا ركب عميا وخبط خبط عشوا وقال ما هو تقول وافترا وكلام والدي منه برا كأنه طبع على اللغا أو جبل طينه من المرا فمزج الشهد بالسم وأكل الشعير وذم فأضحت حركة
"""
صفحة رقم 62 """
الهمة في استيفاء القصاص فكتبت هذه الرسالة المسماه بالسيف الصارم في قطع العضد الظالم ولأجازيه عن حسناته العشر بأمثالها قال الله تعالى ) ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ( وقال تعالى ) والجروح قصاص ( وجراحة اللسان أعظم من جراحة السنان
قال الشاعر
جراحات السنان لها التئام
ولا يلتام ما جرح اللسان
وقال آخر
وبعض الحلم عند الجهل
للذلة إذعان
وفي الشر نجاة حين
لا ينجيك إحسان
وقال آخر
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم
وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
وأسأل الله تعالى التوفيق وبيده أزمة التحقيق
أقول أيها السائل رحمك الله أما قولك في الجواب إنه كلام تمجه الأسماع وتنفر عنه الطباع إلى آخره فنقول بموجبه لكن بالنسبة إلى من كانت حاسته غير سليمة أو سد عن الإصاغة إلى الحق سمعه وأبى أن ينطق بالحق لسانه وهذا قريب مما حكى الله سبحانه وتعالى عن الكفار المعاندين ) وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب (
"""
صفحة رقم 63 """
وقولك كم عرض على ذي طبع سليم وذي ذهن مستقيم فلم يفهم معناه ولم يعلم مؤداه
نقول هذا كلام متهافت إذ لو كانوا ذا طبع سليم وذهن مستقيم لفهموا معناه وتفطنوا لموجبه ومتقضاه فإن ذا الطبع السليم من يدرك اللمحة وإن لطف شأنها ويتنبه على الرمزة وإن خفي مكانها ويكون مسترسل الطبيعة منقادها مشتعل القريحة وقادها ولكنهم كانوا مثلك كزا جاسيا وغليظا جافيا غير دارين بأساليب النظم والنثر غير عالمين كيف يرتب الكلام ويؤلف وكيف ينظم ويرصف ) أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ( أما سمعت قول بعض الفضلاء
علي فحص المعاني من مكامنها
وما علي إذا لم تفهم البقر
أو نقول فرضنا أنهم كما زعمت ذا فهم سليم وطبع مستقيم لكنهم ما اشتغلوا بالعلوم حق الاشتغال فأين هم من فهم هذا المقال أما سمعوا قول من قال
لو كان هذا العلم يدرك بالمنى
ما كان يبقى في البرية جاهل
وقول آخر
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
ومع أن أمثال هذه الغوامض كما نبه عليه الزمخشري لا يكشف عنها من الخاصة
"""
صفحة رقم 64 """
إلا أوحدهم وأخصهم وإلا واسطتهم وفصهم وعامتهم عماة عن إدراك حقائقها بأحداقهم عناة في يد التقليد لا يمن عليهم بجز نواصيهم وإطلاقهم هذا مع أن مقامات الكلام متفاوتة فإن مقام الإيجاز يباين مقام الإطناب والمساواة وخطاب الذكي يباين خطاب الغبي فكما يجب على البليغ في موارد التفصيل والإشباع أن يفصل ويشبع فكذلك الواجب عليه في خطاب الإجمال والإيجاز أن يجمل ويوجز
أنشد الجاحظ
يرمون بالخطب الطوال وتارة
وحي الملاحظ خيف الرقباء
وأئمة صناعة البلاغة يرون سلوك هذا الأسلوب في أمثال هذه المقامات من كمال البلاغة وإصابة المحز
فنقول إنما أوجز الكلام وأوهم المرام اختبارا لتنبيهك أو مقدار تنبهك أو نقول عدل عن التصريح احترازا عن نسبة الخطأ إليك صريحا والعدول عن التصريح باب من البلاغة يصار إليه كثيرا وإن أورث تطويلا
ومن الشواهد لما نحن فيه شهادة غير مردودة رواية صاحب المفتاح عن القاضي شريح أن رجلا أقر عنده بشيء ثم رجع ينكر فقال له شريح شهد عليك
"""
صفحة رقم 65 """
ابن أخت خالتك آثر شريح التطويل ليعدل عن التصريح بنسبة الحماقة إلى المنكر لكون الإنكار بعد الإقرار إدخالا للعنق في ربقة الكذب لا محالة
وأما قولك ثانيا فسره بما لا يدل عليه بمطابقة ولا بتضمن ولا بالتزام ثم تقول حاصله كذا
فنفيت أولا الدلالات ثم أثبت ثانيا له معنى وذكرته فأنت كاذب إما في الأول أو الثاني
وأيضا قد قلت أولا بأنه كهذيان المحموم ليس له مفهوم ثم قلت حاصله كذا
فقد أدخلت عنقك في ربقة الكذب اتقي الله فإن الكذب صغيرة والإصرار عليها كبيرة والمعاصي تجر إلى الكفر قال الله تعالى ) ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله (
ثم إن قولك حاصله أن ثبوت أحد الأمرين هاهنا متحقق وأن التردد في التعيين فحقيق أن يسأل عنه بالهمزة مع أم دون هل مع أو فإنه سؤال عن أصل الثبوت
يوهم أنك الذي استنبطت هذا المعنى من كلامه وفهمته منه وليس كذلك بل لما بلغك هذا الجواب بقيت حائرا مليا لا تفهم مؤداه ولا تعلم معناه وكنت تعرضه على نمن زعمت أنهم كانوا ذا طبع سليم وفهم مستقيم فما فهموا معناه وما عثروا على مؤداه فصرت ضحكة للضاحكين وسخرة للساخرين فلما حال الحول وانتشر القول
"""
صفحة رقم 66 """
جاء ذاك الإمام الألمعي أعني الشيخ أمين الدين حاجي دادا وتمثل بين يدي والدي وقال كما قلت
أفيضوا علينا من الماء فيضا
فنحن عطاش وأنتم ورود
فقرأه عليه قراءة تحقيق وإتقان وتدقيق فلما كشف الوالد له الغطاء ظهر له أن كلامك كان ) كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ( فجاء إليك وأفرغ في صماخيك وأقر عينيك فكان من الواجب عليك أن تقول حاصله كذا على ما فهمته من بعض تلامذته لئلا يكون انتحالا فإن ذلك خيانة والله لا يحب الخائنين
فإن كابرت وجعلتني من المدعين فقل ) فأت بها إن كنت من الصادقين ( فأقول أما بالنسبة إلى الآخرة فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم وأما بالنسبة إلى الدنيا ففضلاء تبريز فإنهم عالمون بالحال عارفون بأن الأمر على هذا المنوال ولهذا ما وسعك أن تكتب هذه الهذيانات وأنت في تبريز مخافة أن تصير هزأة للساخرين وضحكة للناظرين بل لما انتقلت إلى أهل بلد لا يدرون ما الصحيح تكلمت بكل قبيح لكن وقعت فيما خفت منه
وأما قولك ثالثا لا نسلم تحقق أحد الأمرين حقيقة إلى آخر ما قلتم فكله مخالف للظاهر والأصل عدمه وتحقيق الجواب فيه يظهر مما أذكره في آخر الجواب الرابع
وأما قولك رابعا إن أو هذه هي الإضرابية أفهذا باعك في الأوجه الإعرابية
"""
صفحة رقم 67 """
فنقول
أولا لا شك أنك عند تسطير هذا السؤال ما خطر لك هذا بالبال بل لما اعترض عليك تمحلت هذا المقال
وثانيا المثال الذي ذكرته غير مطابق لكلامك لو فرضنا أنه من كلام الفصحاء
وثالثا أنه لا يستقيم أن تكون أو في كلامك للإضراب لفوات شرطه فإن إمام هذا الفن سيبويه إنما أجاز أو الإضرابية بشرطين أحدهما تقدم نفي أو نهي والثاني إعادة العامل نحو ما قام زيد أو ما قام عمرو ولا يقم زيد أو لا يقم عمرو نقله عنه ابن عصفور هكذا مذكور في مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب ثم قال مصنفه ابن هشام المصري رحمه الله ومما يؤيد نقل ابن عصفور أن سيبويه رحمه الله قال في ) ولا تطع منهم آثما أو كفورا ( ولو قلت أو لا تطع كفورا انقلب المعنى يعني يصير إضرابا عن النهي الأول ونهيا عن الثاني فقط
انتهى
فلا يمكن حمل أو في كلامك على الإضراب فظهر من التقصير باعه في علم الإعراب أمثلك يعرض بهذا لمن كان أدنى تلامذته فارسا في علم الإعراب مقدما في جملة الكتاب لكن نحوك انحصر في الجمل الذي صنف لصبيان الكتاب وحرمت من الكنوز التي أودعها سيبويه في الكتاب
ثم على تقدير تسليم إتيان أو للإضراب مطلقا كما ذهب إليه بعضهم لا يندفع الإيراد لأن من شرط ارتفاع شأن الكلام في باب البلاغة صدوره من بليغ عالم بجهات البلاغة بصير يطرق حسن الكلام وأن يكون السامع معتقدا أن المتكلم قصد هذا في تركيبه عن علم منه لا أنه وقع منه اتفاقا بلا شعور منه فإنه إذا أساء
"""
صفحة رقم 68 """
السامع اعتقاده بالمتكلم ربما نسبه في تركيبه ذلك إلى الخطأ وأنزل كلامه منزلة ما يليق به من الدرجة النازلة
ومما يشهد لك ما نقل صاحب المفتاح عن علي رضي الله عنه أنه كان يشيع جنازة فقال له قائل من المتوفي بلفظ اسم الفاعل سائلا عن المتوفى فلم يقل فلان بل قال الله تعالى ردا لكلامه عليه مخطئا إياه منبها له بذلك على أنه كان يجب أن يقول من المتوفى بلفظ المفعول ويقال إن هذا الواقع كان أحد الأسباب التي دعته إلى استخراج علم النحو فأمر أبا الأسود الدؤلي بذلك فأخذ فيه فهو أول أئمة علم النحو رضي الله عنهم أجمعين
ولا شك أنه يقال توفى على البناء للفاعل أي أخذ وحينئذ يكون كناية عن مات بمعنى أن الميت أخذ بالتمام مدة عمره فمات فالمتوفي هو الميت بطريق الكناية ويقال توفي على البناء للمفعول أي أخذ روحه وحينئذ يكون الميت هو المتوفى حقيقة والمتوفي هو الله ولما سأل من هو من الأوساط من علي كرم الله وجهه
"""
صفحة رقم 69 """
عن الميت بلفظ المتوفي الذي هو من تركيب البلغاء أجابه بما يليق به أن المتوفي هو الله تعالى وفيه بيان أنه يجب أن يقول من المتوفى بلفظ اسم المفعول الذي يليق به كما يقوله الأوساط لأنه لا يخشى الكناية
وإذا سمعت ما تلونا عليك وتأملت المقصود من إيرادنا هذا الكلام عليك يتنفس الجواب عن الثالث والرابع في ذهنك النفس الجلي
وأما قولك خامسا هب هذا خطأ صريحا أليس المقصود هنا كالصبح فما كان لو اشتغلت بالجواب
فنقول الجواب عنه من وجهين أحدهما أن الأئمة قد صرحوا بأنه لا يكتب على الفتوى إلا بعد تصحيح السؤال
والثاني أنه يحتمل أن يكون قد أحسن الظن في حقك بأن مثل هذا لا يخفى عليك ومع ذلك يكون قد خطر له أنك قد فعلت هذا امتحانا هل يتفطن أحد لتركيبك أم لا فعلى هذا كيف يتعدى عن التنبيه إلى المقصود
وأما قولك سادسا قد أوجب الشرع رد التحية والسلام
فالجواب عنه أيضا من وجهين
أحدهما أن الواجب هو الرد لا الكتابة فيحتمل أن يكون قد رد بلسانه وما كتب وما أعرف أحدا من الأصحاب قال بوجوب الكتابة أو ما سمعت ما أجاب الفضلاء عن المزني حيث قيل إنه لم يكتب أول المختصر بسم الله الرحمن الرحيم
والثاني أنك زعمت في الوجه الثامن أنك ما خصصته بالسؤال بل أوردته على وجه التعميم والإجمال
فنقول حينئذ لا يجب عليه بعينه رد السلام بل على واحد لا بعينه لكن أعذرك
"""
صفحة رقم 70 """
في مسألة رد التحية لأنك في الفقه ما وصلت إلى باب الطهارة فكيف بمسائل تذكر في أواخر الفقه
وأما قولك سابعا زعم أنه من بنات خلع عليهن الثياب
فالجواب عنه أن الزعم قول يكون مظنة للكذب وما ذكره من الحق الأبلج ومن ظن خلاف ذلك فقد وقع في الباطل اللجلج لأن مراده ببنات خلع عليهن الثياب نتائج فكره التي انتشرت في البلاد كشرح المنهاج والمصباح وشرح التصريف والنكات وحواشي شرح المفصل والمفصل والمفتاح وحواشي المصابيح وشرح السنة وحواشي الكشال وحواشي الطوالع والمطالع وشرح الإشارات وغير ذلك مما يطول ذكره
وقولك فلا ريب في أنها تكون ميتة أو بالية دال على جهلك لأن قول العالم لا يموت ولو مات العالم ولهذا يحتج به أما قال بعضهم العلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة
قولك مصداق كلامه أن ينبش عنها فنرى ماهيه
"""
صفحة رقم 71 """
قلت الحذر الحذر فإنها نار حامية
وقولك أو يأتي بمثلها فنرى ماهيه
قلت نعم لكن بشرط أن تنزع من صماخيك صمام الصمم حتى أفرغ فيها شيئا من مباحث الحكم
فأقول وبالله التوفيق فما ذكره والدي في الفرق أن صاحب الكشاف إنما حكم بأن قوله ) من مثله ( إذا كان صفة سورة يجوز أن يعود الضمير إلى ) ما ( وإلى ) عبدنا ( وإذا كان متعلقا بفأتوا تعين أن يكون الضمير للعبد لأنه إذا كان صفة فإن عاد الضمير إلى ) ما ( تكون ) من ( زائدة كما هو مذهب الأخفش في زيادة من إذ المعنى حينئذ فأتوا بسورة من مثل القرآن في حسن النظم واستقامة المعنى وفخامة الألفاظ وجزالة التركيب وليس النظر إلى أن يكون مثل بعض القرآن أو كله بل لا وجه لهذا الاعتبار يؤيده قوله تعالى في موضع آخر ) فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ( وقال تعالى في موضع آخر ) فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ( فلا تكون من لتبعيض ولا ابتدائية لأنه ليس المقصود أن يكون مبتدأ الإتيان هذا أو ذاك
وإن عاد الضمير إلى ) عبدنا ( تكون من ابتدائية وهو ظاهر
وأما إذا كان ) من مثله ( متعلقا بفأتوا فلا يجوز أن تكون من زائدة لأن حرف الجر إذا كان زائدا لا يكون متعلقا بشيء فتعين أن يكون المعنى فأتوا بسورة من مثل عبدنا وتكون من ابتدائية
ثم قال أو نقول إنما قال صاحب الكشاف إن ) من مثله ( إن كان صفة سورة
"""
صفحة رقم 72 """
يحتمل عود الضمير إلى ) ما ( وإلى ) عبدنا ( لصحة أن يقال سورة كائنة من مثل ما نزلنا بأن تكون السورة بعض مثل ما نزل أو يكون مثل ما نزل مبتدأ نزوله ولصحة أن يقال سورة كائنة من مثل عبدنا بأن يكون قد قاله ويكون تركيبه وكلامه
وأما إن كان ) من مثله ( متعلقا بفأتوا فيتعين أن يكون عائدا إلى ) عبدنا ( لاستقامة أن يقال فأتوا من مثل عبدنا أي من عبد مثله بأن يكون كلامه ولا يستقيم أن يقال فأتوا من عبد مثل ما نزلنا أي من جهته إذ لا يستقيم أن يقال أتى هذا الكلام من فلان إلا إذا كان ذلك الفلان ممن يمكن أن يكون هذا كلامه ويكون هذا الكلام منقولا منه مرويا عنه وهذا ظاهر ولهذا ما بسط الزمخشري الكلام فيه بل اقتصر على ذكره والله أعلم
وأما قولك ثامنا إن السؤال لم يخص به مخاطب دون مخاطب
فهذا كلام المجانين لأنك بعثت هذا السؤال على يد الشيخ علاء الدين الباوردي إلى خدمته وطلبت منه الجواب لكن لما اشتبه عليك القول أخذت تبدي النزق والعول فتارة تمنع وتخاله صوابا وأخرى ترد وتظنه جوابا أما تستحيي من الفضلاء الذين كانوا مطلعين على هذا الحال ولقد صدق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حيث قال ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت )
"""
صفحة رقم 73 """
ثم إن الذي يقضى منه العجب حالك في قلة الإنصاف وفرط الجور والاعتساف وذلك أن هذا ما هو أول سؤال سألته عنه بل ما زلت منذ توليت القضاء كلا عليه حيث سرت غير منفك من اقتباس الأحكام من فتاويه أينما توجهت تسأله في الأحكام الشرعية عن النقير والقطمير ثم في تضاعيف ذلك لما سألته عن آية من التفسير ونبهك على تصحيح التقرير جاشت منك الحمية فشرعت تجحد فضله وتنكر سبقه هيهات هيهات
اتسع الخرق على الراقع
وقولك راعيت فيه طريق التعظيم والإجلال
نعم هذا كان الواجب عليك لأنك أنت السائل والسائل كالمتعلم والمسئول كالمعلم فالواجب عليك تعظيمه وعليه أن يرشدك وقد فعل بأن هداك إلى تصحيح السؤال
وقولك فأنى رأى نفسه أهلا لهذا الخطاب
قلت من فضل الله العظيم أن جعله أستاذ العلماء في زمانه ) أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ( ولقد أحسن بديع الزمان حيث قال
أراك على شفا خطر مهول
بما أودعت رأسك من فضول
طلبت على تقدمنا دليلا
متى احتاج النهار إلى دليل
وقولك فهل لا رده عن نفسه إلى من هو أجل منه قدرا وأنور منه بدرا
"""
صفحة رقم 74 """
فالجواب عنه من وجهين
الأول أنك بعثت إليه وسألته عنه فصار كفرض العين بالنسبة إليه فلذا قال ما حاصله أن السؤال يحتاج إلى التصحيح بالنظر الدقيق ليصير مستحقا للجواب من أهل التحقيق
والثاني قل لي من كان في البين في ذلك الزمان ممن يماثله أو يدانيه
وقولك في هذه البلدة من زعماء التحرير وعلماء النحارير
فمسلم لكن كلهم أو أكثرهم تلامذته أو من تلامذة تلامذته وهذا مما لا ينكره غير جاهل مارد أو حاسد معاند أو ما كانوا يهذبون إلى درر فوائده من كل فج عميق ويتزاحمون على اجتلاب درر مباحثه فريقا بعد فريق وما أحسن قول من قال
وجحود من جحد الصباح إذا بدا
من بعد ما انتشرت له الأضواء
ما دل أن الشمس ليس بطالع
بل أن عينا أنكرت عمياء
وأما قولك تاسعا البليغ من عدت هفواته والجواد من حصرت عثراته إلى آخر ما هذيت
فالجواب عنه حاشا أن يكون من البلغاء الذين تكون هفواتهم معدودة أو من الجواد الذي تكون عثراته محصورة فإنك قد عثرت في هذا السؤال والجواب تعثيرا كثيرا كما ترى ولولا دعدعتنا لك لبقيت عاثرا أبدا وقد قيل
لحى الله قوما لم يقولوا لعاثر
ولا لابن عم كبه الدهر دعدعا
"""
صفحة رقم 75 """
بل أنت مثل قول الشاعر
فضول بلا فضل وسن بلا سنا
وطول بلا طول وعرض بلا عرض
وأما قولك عاشرا أظنك قد غرك رهط قد احتفوا من حولك وألقوا السمع إلى قولك إلى الآخر
فالجواب أن هذا ظن فاسد قد نشأ من سوء فهمك وخطأ قياسك لأنك قسته على نفسك والأمر على عكس ذلك لأنك قد ركبت الشطط والأهوال وبذلت العمر والأموال حتى اجتمع عندك جمع من الفسقة الجهال لا يعرفون الحرام من الحلال ولا يميزون الجواب عن السؤال يعظمونك في خطاب ويصدقونك في الغياب يمثلونك بذوي الرقاب فقل بالله قولا صادقا هل تقدمت في مدة حياته في مجالس التدريس وحلق المناظرة وهل عليك للعلم جمال وأبهة أو ما كنت بالعامة مشتبه وبالأتراك مقتده يجرونك إلى كل بلد سحيق ويرمونك في كل فج عميق وهل لا سفهت رأي مخدومك محمد بن الرشيد وزير السلطان أبي سعيد حين بنى باسمه المدرسة الحجرية في الربع الرشيدية وحضرت بين يديه يوم الإجلاس صامتا كالبرمة عند الهراس وفقدت الحواس وكنت كالوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس فنعوذ بالله من أمثالك من الجنة والناس
"""
صفحة رقم 76 """
وأما الذين اجتمعوا عند والدي واشتغلوا عليه وتمثلوا بين يديه فهم العلماء الأبرار والصلحاء الأخيار بذلوا له الأنفس والأموال منهم الإمام الهمام الشيخ شرف الدين الطيبي شارح الكشاف والتبيان وهو كالشمس لا يخفى بكل مكان
ومنهم الإمام المدقق نجم الدين سعيد شارح شرح الحاجبية والعروض الساوية وهو الذي سار بذكره الركبان
ومنهم النوران فرج بن أحمد الأردبيلي ومحمد بن أبي الطيب الشيرازي وهما كالتوأمين تراضعا بلبان وأي لبان ورتعا من أكلأ العلوم في عشب أخصب من نعمان
"""
صفحة رقم 77 """
ومنهم قاضي القضاة نظام الدين عبد الصمد وهو مما لا يشق غباره ولا يخفى عن غير المعترض مقداره
فكم لوالدي من مثلهم من التلامذة في كل بلد بحيث إني لو أريد أن أذكرهم ببعض تراجمهم أحتاج إلى مجلدات فيكون تضييعا للقرطاس وتضييقا للأنفاس فهؤلاء لعمري رجال إذا أمعن المتأمل فيهم عرف أن ماءهم بلغ قلتين فلم يحمل خبثا
وقولك فاقبل النصيحة
فنقول يا أيها المستنصح لم لا نصحت نفسك حتى كنا سلمنا من هذه الهذيانات أما سمعت قوله تعالى ) أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم (
وقول الشاعر
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
فأنت الباعث لي على هذه الكلمات وإلا أين أنا والبحث عن أمثال هذه الأسرار والخوض في الجواب عن نتائج قرائح الأخيار قال الشاعر
وما النفس إلا نطفة في قرارة
إذا لم تكدر كان صفوا غديرها
لكن الضرورة إلى هذا المقدار دعتني وفي المثل لو ذات سوار لطمتني
"""
صفحة رقم 78 """
قال الشاعر
فنكب عنهم درء الأعادي
وداووا بالجنون من الجنون
ثم إني أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم غفار الذنوب ستار العيوب وأتوب إليه وأحلف بالله العظيم أن القاضي عضد الدين تغمده الله برحمته ما كان يعتقد في والدي رحمه الله الذي عرض به في الجواب بل كان معظما له غاية التعظيم حضورا وغيبة وحاش لله أن أعتقد أيضا فيه ما تعرضت له في بعض المواضع بل أنا معظم له معتقد أنه كان من أكابر الفضلاء وأماثل العلماء وكذا والدي رحمه الله كان يعظمه أكثر من ذلك نعم إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه والشيطان قد ينزغ بين الأحبة والإخوة وإنما كتبت هذه الكلمات استيفاء للقصاص فلا يظن ظان أني محقر له فإنه قد يستوفى القصاص مع التعظيم ويعرف هذا من يعرف دقائق الفقه
ثم إني أرجو من كرم الله سبحانه وتعالى أن يتجاوز عنا جميع ما زلت به القدم وطغى به القلم وأن يجعلنا ممن قال في حقهم ) ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ( والحمد لله رب العالمين ( صلى الله عليه وسلم ) على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
"""
صفحة رقم 79 """
1380
عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة
قاضي القضاة عز الدين أبو عمر
ولد قاضي القضاة شيخنا بدر الدين أبي عبد الله
أما والده فسبقت ترجمته
وأما هذا فمولده في سنة أربع وتسعين وستمائة بدمشق المحروسة بالمدرسة العادلية الكبرى بمنزل والده حيث كان قاضي القضاة بالشام وربي في عز زائد وسعد كثير وديانة وتصون وطلب للحديث طلب بنفسه وسمع الكثير وارتحل من مصر إلى الشام
سمع من أبي المعالي الأبرقوهي وأبي الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر
ولما عمي والده قاضي القضاة بدر الدين وولي القضاء بالديار المصرية قاضي القضاة جلال الدين استقر القاضي عز الدين على وكالة بيت المال ووكالة الخاص وتدريس زاوية الإمام الشافعي رضي الله عنه بمصر وتدريس الفقه والحديث بجامع طولون ونظره وتدريس جامع الأقمر ونظره وغير ذلك من الشرف والوظائف ولم يزل إلى أن صرف قاضي القضاة جلال الدين فتولى هو قضاء القضاة بالديار المصرية في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة واستمر في عز ورفعة بيده قضاء القضاة والخطابة وما أضيف
"""
صفحة رقم 80 """
إليهما مع الزاوية وجامع طولون إلى سنة تسع وخمسين وسبعمائة في نوبة صرغتمش عزل عن القضاء ومضافاته واستمر على الزاوية وجامع طولون فاستمر على ذلك ثمانين يوما ثم أعيد إلى القضاء وما معه عند ذهاب دولة صرغتمش فعاد مخطوبا مطلوبا
واستمر يتقلق كل وقت من المنصب ويؤثر الانقطاع والعزلة ويطلب الإقالة فلا يجاب إلى شهر جمادى الأولى سنة ست وستين وسبعمائة دخل على نظام الملك الأمير الكبير يلبغا مدبر المملكة أعز الله نصرته وعزل نفسه وصمم على عدم العود
واتفق له ما لم يتفق لقاض قبله من العظمة ونزل الأمير الكبير يلبغا بنفسه وهو ملك البسيطة إلى داره ودخل عليه ورجاه أن يعود فأبى واستمر على الزاوية وجامع طولون وجامع الأقمر وانفصل عن القضاء ومتعلقاته إلى أوان الحج أخبره فقير أنه رأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في المنام يقول له فلان أوحشنا وذكر هو أنه رأى والده يقول في المنام الذي رآه الفقير صحيح
فحج وجاور بمكة إلى جمادى الأولى توجه إلى زيارة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعاد إلى مكة فأقام بها ثلاثة أيام معافى ثم مرض فاستمر به المرض عشرة أيام فتوفي في عاشر جمادى الآخرة سنة سبع وستين وسبعمائة بمكة ودفن في حادي عشر بين الفضيل بن عياض والشيخ نجم الدين الأصفهاني
"""
صفحة رقم 81 """
وبالجملة كان نسمة سعيدة من سعداء الدنيا بالمشاهدة ومن سعداء الآخرة فيما يغلب على الظن محبا للحديث ولسماعه معمور الأوقات بذلك نافذ الكلمة وجيها عند الملوك كثير العبادة كثير الحج والمجاورة ونال ما لم ينله أحد قبله من مزيد السعد مع حسن الشهرة ونفاذ الكلمة وطول المدة وكثرة السكون
1371
عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم بن علي شيخنا نجم الدين الأصفوني أبو القاسم
صاحب مختصر الروضة وقد قرأت عليه بعضه بالحجرة النبوية على ساكنها أفضل ( صلى الله عليه وسلم ) وأتم التحية والإكرام في سنة سبع وأربعين وسبعمائة
مولده سنة سبع وسبعين وستمائة
وتفقه بالصعيد على الشيخ بهاء الدين القفطي وقرأ القرآن وتردد إلى الحج ثم جاور بمكة إلى حين وفاته
وكان رجلا صالحا عالما يعرف الفقه والفرائض وغيرهما
توفي في ثالث عشر ذي الحجة سنة خمسين وسبعمائة بمنى ونقل إلى المعلى
"""
صفحة رقم 82 """
1372
عبد العزيز بن أحمد بن عثمان الشيخ عماد الدين أبو العز الهكاري
قاضي المحلة ويعرف بابن خطيب الأشمونين
سمع من عبد الصمد بن عساكر وغيره
وله الكلام على حديث الأعرابي الذي واقع أهله في نهار رمضان وتصانيف كثيرة حسنة وأدب وشعر
توفي بالقاهرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة
ورأيت في تعاليق الشيخ الإمام الوالد رحمه الله ما نصه ومن خطه نقلته هذه نخبة من الكلام على حديث المجامع في نهار رمضان الذي ألفه القاضي عز الدين عبد العزيز ابن أحمد بن عثمان الهكاري الحاكم بالغربية وما قد يحصل عليه من التعقب أبو هريرة قال وهو في المشهور عند المحدثين عبد الرحمن بن صخر بن عبد ذي الشرى
"""
صفحة رقم 83 """
وذو الشرى صنم لدوس بن طريف بن عتاب بن أبي صعب بن منبه بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس ودوس بطن من الأزد وأمه أميمة بن صفيح بن الحارث دوسية صحابية
قال الشيخ الإمام قوله عبد الرحمن بن صخر بن عبد ذي الشرى لا أعرف من قال به بل هو تركيب من قولين أحدهما عبد الرحمن بن صخر الذي هو المشهور والثاني قول قاله هشام بن الكلبي وغيره وكان يختاره شيخنا الدمياطي أن اسمه عمير بن عامر بن عبد ذي الشرى
وقوله في جد جده عتاب هكذا رأيته مضبوطا في نسخته والذي رأيته في نسخة معتمدة من الطبقات عياز بالعين المهملة والياء آخر الحروف وبعد الألف زاي
وقوله في جده منبه هكذا رأيته والذي في طبقات في موضعين هنية
"""
صفحة رقم 84 """
بالهاء المضمومة وبعدها نون ثم ياء آخر الحروف وحصل التعصيب في نسب أمه فإن جدها الحارث بن شاني بن أبي صعب فالحارث جدها ابن عم طريف جد أبيه
وقال في أبي هريرة وقومه إنهم قدموا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد فتح خيبر
قال الشيخ الإمام هذه المسألة فيها خلاف قديم والصحيح أن أبا هريرة قدم قبل فتحها وفيه حديث في البخاري عن مالك
وقال إن أبا هريرة كان أكثر الصحابة رواية بالإجماع
قال الشيخ الإمام في دعوى الإجماع نظر فإن أبا هريرة قال إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب
ذكر أن عدم تبادر الذهن دليل عدم الحقيقة
قال الشيخ الإمام هذا ليس بصحيح
"""
صفحة رقم 85 """
1373
عبد العزيز بن محمد بن علي الطوسي ضياء الدين
مدرس النجيبية ومعيد الناصرية بدمشق
كان عارفا بالفقه والأصول
صنف شرح الحاوي وشرح مختصر ابن الحاجب
ومات في جمادى الأولى سنة ست وسبعمائة
1374
عبد الغفار بن محمد بن عبد الكافي بن عوض السعدي المصري القاضي تاج الدين أبو القاسم
سمع من المعين أحمد بن علي الدمشقي وعبد الله بن علاق وأحمد بن عبد الله بن النحاس والنجيب عبد اللطيف وعبد العزيز ابني عبد المنعم الحراني وعبد الهادي القيسي وابن خطيب المزة
"""
صفحة رقم 86 """
ورحل إلى الإسكندرية وسمع من عثمان بن عوف وعبد الوهاب بن الفرات وغيرهم
وقرأ بنفسه وانتقى على بعض شيوخه وخرج لنفسه ودرس في الحديث بمصر وناب في الحكم بها
مولده في المحرم سنة خمسين وستمائة ومات في مستهل شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة بمصر
أخبرنا أقضى القضاة عبد الغفار بن محمد السعدي قراءة عليه وأنا حاضر في الخامسة أخبرنا النجيب عبد اللطيف بن عبد المنعم أخبرنا عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب أخبرنا أبو القاسم بن بيان أخبرنا أبو الحسن بن مخلد حدثنا أبو علي الصفار حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا محمد بن خازم أبو معاوية الضرير عن عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن عبد ابله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت لما ثقل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لعبد الرحمن بن أبي بكر ( ائتني بكتف حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه من بعدي ) قالت فلما قام عبد الرحمن قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أبى الله والمؤمنون أن يختلف على أبي بكر )
أخرجه البخاري عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي عن يزيد
"""
صفحة رقم 87 """
ابن هارون عن إبراهيم بن سعد الزهري عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها فوقع لنا عاليا بدرجتين
1375
عبد الغفار بن نوح
كذا يقال وإنما اسم والده أحمد بن عبد المجيد بن عبد الحميد الدوري الأقصري القوصي
الرجل الصالح صاحب كتاب الوحيد في التوحيد
طلب العلم وسمع الحديث من الحافظين أبي محمد الدمياطي والمحب الطبري
وتجرد زمانا وأبصر ألوانا وصحب الشيخين أبا العباس الملثم وعبد العزيز المنوفي
وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر
وقد حكى في كتاب الوحيد الغرائب والعجائب وأورد فيه الكثير من شعر نفسه وكان مراعيا للحضور والخشوع في صلاته تذكر له كرامات كثيرة وأحوال سنية
"""
صفحة رقم 88 """
وله بظاهر قوص رباط كبير معروف به ومن شعره
أنا أفتي أن ترك الحب ذنب
آثم في مذهبي من لا يحب
ذق على أمري مرارات الهوى
فهو عذب وعذاب الحب عذب
كل قلب ليس فيه ساكن
صبوة عذرية ما ذاك قلب
وحج فلما أبصر الكعبة قال لنفسه
دعني أعفر جبهتي بترابها
وأقبل الأعتاب من أبوابها
خود رأيت البدر تحت نقابها
سلبت رجال الحي عن ألبابها
فالكل صرعى دون رفع حجابها
حضر من الصعيد إلى القاهرة في محنة امتحنها ظهرت له فيها كرامات
ومات بمصر في ثامن ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة
وذكر أنه أوصى أنه إذا حصل في القبر ينزع عنه كفنه ويبقى بالشدادة بغير كفن ليلقى الله مجردا وأنه فعل ما وصى به واشترى الناس كفنه بجملة من الذهب تبركا به
"""
صفحة رقم 89 """
1376
عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي
جدي أقضى القضاة زين الدين أبو محمد
"""
صفحة رقم 90 """
سمع من ابن خطيب المزة ومحمد بن إسماعيل بن الأنماطي وغيرهما وأجاز له العز الحراني وابن القسطلاني وغيرهما
وحدث بالقاهرة والمحلة خرج له الحافظ تقي الدين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف بن يحيى السبكي مشيخة حدث بها
وولي قضاء الشرقية وأعمالها والغربية وأعمالها من الديار المصرية
وكان من أعيان نواب الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد
قرأ الأصول على القرافي والفروع على الظهير التزمنتي
وكان رجلا صالحا كثير الذكر وله نظم كثير غالبه زهد ومدح في النبي ( صلى الله عليه وسلم )
توفي يوم الثلاثاء تاسع شبعان سنة خمس وثلاثين وسبعمائة بالمحلة ودفن من الغد بظاهرها حضرت دفنه وأنا شاك في حضور الصلاة عليه
أخبرنا جدي تغمده الله برحمته قراءة عليه وأنا حاضر في سنة ثلاثين وسبعمائة أخبرنا أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف ابن خطيب المزة سماعا أخبرنا عمر بن محمد بن طبرزد أخبرنا القاضي أبو بكر الأنصاري وأبو المواهب أحمد بن محمد بن ملوك قالا أخبرنا القاضي أبو الطيب الطبري أخبرنا أبو أحمد بن الغطريف بجرجان حدثني أبو عوانة الإسفرايني حدثنا يزيد بن سنان حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا إدريس الأودي عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ما قال عبد عند مريض أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات إلا عوفي )
أخرجه النسائي في اليوم والليلة من حديث المنهال بن عمرو
"""
صفحة رقم 91 """
وكثيرا ما كان رحمه الله ينشد
يا أيها المغرور بالله
فر من الله إلى الله
ولذ به واسأله من فضله
لقد نجا من لاذ بالله
وقم له والليل في جنحه
فحبذا من قام لله
واتل من الوحي ولو آية
تكس بها نورا من الله
وعفر الوجه له ساجدا
فعز وجه ذل الله
نقلت من خط الجد رحمه الله سمعت شيخنا الإمام تقي الدين أبا الفتح بن دقيق العيد في درس الكاملية يقول أقمت مدة أطلب الفرق بن الجهر والإسرار فلم أجد إلا قوله ما أسر من أسمع نفسه
نقلت من خط الجد رحمه الله نسبتنا معاشر السبكية إلى الأنصار رضي الله عنهم
وقد رأيت الحافظ النسابة شرف الدين الدمياطي رحمه الله يكتب بخطه للشيخ الإمام الوالد رحمه الله الأنصاري الخزرجي
وصورة ما نقل من خط الجد حدثنا الصاحب بهاء الدين أبو الفضائل تمام الوزير المالكي المذهب ولد يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بين مسوار بن سوار بن سليم بن أسلم الأنصاري الخزرجي وأسلم من خزاعة وقيل لهم خزاعة لأنهم تخزعوا عن الأزد والتخزع التقاسم
وأسلم ابن أفصى بن حارثة بن عمرو مزيقياء بن عامر وهو ماء السماء
"""
صفحة رقم 92 """
ابن حارثة وهو الغطريف بن امرئ القيس وهو البطريق بن ثعلبة بن مازن بن الأزد منهم بريدة بن الحصيب الأسلمي وعبد الله بن أبي أوفى الصحابيان وغيرهما
ومازن من الأزد إليه جماع غسان وغسان اسم ماء شربوا منه قال الشاعر
إما سألت فإنا معشر نجب
الأزد نسبتنا والماء غسان
وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها وعصية عصيت الله ورسوله ) انتهى
وهو عن مسودات بخط الجد رحمه الله وذكر بعده النسبة إلى آدم عليه السلام ثم قال في آخره وقد نقلت هذا من خط الفقيه الفاضل الحافظ شرف الدين محمد بن المخلص بن أسلم السنهوري في سنة اثنتين وخمسين وستمائة
قلت سنة اثنتين وخمسين وستمائة ظرف لخط السنهوري يعني أنه خطه في ذلك التاريخ لا أن الجد كتب هذا الذي نقلته في ذلك التاريخ
ولم يكتب الشيخ الإمام رحمه الله بخطه لنفسه الأنصاري قط وإن كان شيخه الدمياطي يكتبها له وإنما كان يترك الشيخ الإمام كتابة ذلك لوفور عقله ومزيد ورعه
"""
صفحة رقم 93 """
فلا يرى أن يطرق نحوه طعن من المنكرين ولا أن يكتبها مع احتمال عدم الصحة خشية أن يكون قد دعا نفسه إلى قوم وليس منهم
وقد كانت الشعراء يمدحونه ولا يخلون قصائدهم من ذكر نسبته إلى الأنصار وهو لا ينكر ذلك عليهم وكان رحمه الله أورع وأتقى لله من أن يسكت على ما يعرفه باطلا وقد قرأ عليه شاعر العصر ابن نباتة غالب قصائده التي امتدحه بها وفيها ذكر نسبته إلى الأنصار والشيخ الإمام يقره وسمع له قصيدته التي يقول فيها فيه
من بيت فضل صحيح الوزن قد رجحت
به مفاخر آباء وأبناء
قامت لنصرة خير الأنبياء ظبا
أنصاره واستعاضوا خير أنباء
أهل الصريحين من نطق ومن كرم
آل الربيحين من نصر وإيواء
المعربون بألفاظ ولحن ظبا
ناهيك من عرب في الخلق عرباء
مفرغين جفونا في صباح وغى
ومالئين جفانا عند إمساء
مضوا وضاءت بنوهم بعدهم شهبا
تمحى بنور سناها كل ظلماء
"""
صفحة رقم 94 """
فمن هلال ومن نجم ومن قمر
في أفق عز وتمجيد وعلياء
حتى تجلى تقي الدين صبح هدى
يملي وإملاؤه من فكره الرائي
وكتب عليها طبقة السماع بخطه
وكذلك حضر الشيخ الإمام عقد بنات بعض الأكابر وكان الصداق صناعة القاضي الفاضل شهاب الدين بن فضل الله فلما قرئ وجاء ذكر الشيخ الإمام أنشد القاضي شهاب الدين لنفسه ما كتبه في الصداق والشيخ الإمام يسمع
قاضي القضاة بعلمه وضح الهدى
وبجوده ووجوده فاض الندى
من آل يعرب في ذوائبها العلى
جاز السماء علا وجاز الفرقدا
من كل أبيض باسم يوم الوغى
يجتاب من ليل الضلال الأسودا
نصر النبي محمدا بجداله
وجدوده نصروا النبي محمدا
فلما انفصل المجلس وجاء الصداق إلى الشيخ ليكتب عليه اسمه كتب عليه وعلق عليه من خطه في مجاميعه هذه الأبيات ومن خطه نقلتها ولولا أنه رأى ذلك حقا ما كتبه بخطه لما أعلمه من ورعه وشدته في ذلك
نقلت من خط الجد رحمه الله
قطعنا الأخوة عن معشر
بهم مرض من كتاب الشفا
فماتوا على دين رسطالس
ومتنا على ملة المصطفى
"""
صفحة رقم 95 """
1377
عبد الكريم بن علي بن عمر الأنصاري الشيخ علم الدين العراقي الضرير
له في التفسير اليد الباسطة وصنف فيه الإنصاف في مسائل الخلاف بين الزمخشري وابن المنير
وهو مصري وإنما قيل له العراقي لأن أبا إسحاق العراقي شارح المهذب هو جده من جهة الأم
وقد أخذ عنه التفسير والدي أطال لله بقاءه
مولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة وتوفي في سنة أربع وسبعمائة بالقاهرة
سمعت والدي رضي الله عنه يقول سمعت عمي أبا زكريا يحيى بن علي يقول كنا حاضرين في الدرس عند قاضي القضاة صدر الدين ابن بنت الأعز وهو يلقي في حديث ( إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر ) فحضر الشيخ علم الدين
"""
صفحة رقم 96 """
العراقي فما استقر جالسا حتى قال على وجه السؤال لا يخلو إما أن يحصل للطير الحياة بتلك الروح أم لا والأول عين ما تقوله التناسخية والثاني مجرد حبس للأرواح وسجن
قلت والجواب على هذا أنا نلتزم الثاني ولا يلزم كونه مجرد حبس وسجن لجواز أن يقدر الله تعالى لها في تلك الحواصل من السرور والنعيم ما لا تجده في الفضاء الواسع
أنشدنا شيخنا أبو حيان الأندلسي إجازة قال أنشدنا العلم العراقي قال مما نظمت في النوم في قاضي القضاة ابن رزين وأنشدته في النوم له ثم أنشدته في اليقظة وكان والله أعلم قد عزل عن خطة القضاء
يا سالكا سبل السعاد منهجا
يا موضح الخطب البهيم إذا دجا
يا ابن الذين رست قواعد مجدهم
وسرى ثناهم عاطرا فتأرجا
لا تيأسن من عود ما فارقته
بعد السرار ترى الهلال تبلجا
وابشر وسرح ناظرا فلقد ترى
عما قليل في العدا متفرجا
وترى وليك ضاحكا مستبشرا
قد نال من تدميرهم ما يرتجى
"""
صفحة رقم 97 """
1378
عبد اللطيف بن محمد بن الحسين
بدر الدين أبو البركات ابن القاضي تقي الدين بن رزين الحموي المصري
مولده بدمشق سنة تسع وأربعين وستمائة
وسمع من عثمان ابن خطيب القرافة وعبد الله بن الخشوعي وغيرهما
ودرس بالمدرسة الظاهرية بالقاهرة وكان يجتمع عنده من الفضلاء ما لا يجتمع عند غيره وينتسبون لبعضهم بعضا ويحصل منهم الفضائل الجمة بحيث كان طالب التحقيقات يقصد درسه لأجل من يحضره فممن كان يحضره الوالد والشيخ قطب الدين السنباطي والشيخ تاج الدين طوير الليل وجماعة
ودرس أيضا بالسيفية وخطب بالجامع الأزهر وولي قضاء العسكر ومات في الحكم بالقاهرة
توفي في ثامن عشر جمادى الآخرة سنة عشر وسبعمائة
"""
صفحة رقم 98 """
1379
عبد الملك بن أحمد بن عبد الملك تقي الدين الأرمنتي
سمع على الشيخ مجد الدين القشيري وولده شيخ الإسلام تقي الدين وغيرها
وله أرجوزة في الحلى ونظم تاريخ مكة للأزرقي في أرجوزة
مولده بأرمنت سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ومات بقوص سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة
ومن شعره
قالت لي النفس وقد شاهدت
حالي لا تصلح أو تستقيم
بأي وجه تلتقي ربنا
والحاكم العدل هناك الغريم
فقلت حسبي حسن ظني به
ينيلني منه النعيم المقيم
قالت وقد جاهرت حتى لقد
حق له يصليك نار الجحيم
قلت معاذ الله أن يبتلي
بناره وهو بحالي عليم
ولم أفه قط بكفر وقد
كان بتكفير ذنوبي زعيم
قلت وهذا من فن السؤال والجواب الذي لم أسمع فيه أظرف من قول وضاح اليمن
"""
صفحة رقم 99 """
قالت ألا لا تلجن دارنا
إن أبانا رجل غائر
أما ترى الباب ومن بيننا
قلت فإني كاسر عابر
قالت فإن الليث عاد بنا
قلت فسيفي مرهف باتر
قالت فإن القصر من دوننا
قلت فإني فوقه طائر
قالت فإن البحر ما بيننا
قلت فإني سابح ماهر
قالت فإن الله من فوقنا
قلت نعم وهو لنا غافر
قالت فحولي إخوة سبعة
قلت فإني لهم حاذر
قالت لقد أعييتنا حجة
فأت إذا ما هجع السامر
واسقط علينا كسقوط الندى
ليلة لا ناه ولا آمر
ومن قول بعضهم وهو تاج الملوك أبو سعيد بوري بن أيوب
قالت لقد أشمت بي حسدي
إذ بحت بالسر لهم معلنا
قلت أنا قالت نعم أنت هو
قلت أنا قالت لا وإلا أنا
قلت نعم أنت التي ألبست
جفونك المرضى لجسمي الضنا
قالت فلم طرفك فهو الذي
جنى على جسمك ما قد جنى
قلت فقد كان الذي كان من
طرفي فهل لا كنت من أحسنا
"""
صفحة رقم 100 """
قالت فما الإحسان قلت اللقا
قالت لقانا قل ما أمكنا
قلت فمني بتقبيلة
قالت أمنيك بطول العنا
قلت فإن ميت هالك
قال ففي الموت بلوغ المنا
قلت حرام قتل نفس بلا
نفس فقال ذاك حل لنا
من يعشق العينين مكحولة
بالسحر لا يأمن أن يفتنا
وقال أبو نواس
نمت وإبليس إلى جانبي
وكل ما يأمرني إثم
فقال لي هل لك في غادة
يرتج منها كفل ضخم
فقلت لا قال ففي أغيد
يلوح من طرته النجم
فقلت لا قال ففي خمرة
صافية والدها الكرم
فقلت لا قال فنم مخزيا
لا رقدت عيناك يا فدم
وقال الشيخ صفي الدين الحلي
وليلة طال سهادي بها
فجاءني إبليس عند الرقاد
فقال لي هل ليك في سفقة
كيسة تطرد عنك السهاد
"""
صفحة رقم 101 """
قلت نعم قال وفي خمرة
عتقها العاصر من عهد عاد
قلت نعم قال وفي أمرد
مكحولة أجفانه بالسواد
قلت نعم قال في قحبة
في وجنتيها للحياء اتقاد
قلت نعم قال وفي مطرب
إذا شدا يطرب منه الجماد
قلت نعم قال فنم آمنا
يا كعبة الفسق وركن الفساد
وقال الشيخ زين الدين ابن الوردي
نمت وإبليس أتى
بحيلة منتدبه
فقال ما قولك في
حشيشة مطيبه
فقلت لا قال ولا
خمرة كرم مذهبه
فقلت لا قال ولا
أمرد بالبدر اشتبه
فقلت لا قال ولا
مليحة مكتبه
فقلت لا قال ولا
آلة لهو مطربه
فقلت لا قال ولا
نرد رجاء المكسبه
فقلت لا قال فنم
ما أنت إلا حطبه
"""
صفحة رقم 102 """
وقال كاتبه محمد بن علي بن الزاهر عفا الله عنهم في هذا المعنى
وليلة لم أنس إذ بتها
وجاءني فيها أبو مره
فقال ما قولك في سفقة
تطارد الهم مع الفكره
فقلت لا قال ولا خمرة
عتيقة صافية حمره
فقلت لا قال ولا غادة
من فوقها أطلعت الزهره
فقلت لا قال ولا شادن
قد جاءنا في حسنه ندره
فقلت لا قال لي اخسأ فقد
أسمعتني أغلظ ما أكره
1380
عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف ابن الخضر بن موسى التوني الحافظ شرف الدين الدمياطي
من أهل تونة قرية من عمل دمياط بضم التاء المثناة من فوق وإسكان الواو بعدها نون ثم هاء
"""
صفحة رقم 103 """
كان الحافظ زمانه وأستاذ الأستاذين في معرفة الأنساب وإمام أهل الحديث المجمع على جلالته الجامع بين الدراية والرواية بالسند العالي للقدر الكثير وله المعرفة بالفقه
وكان يلقب شرف الدين وله كنيتان أبو محمد وأبو أحمد
تفقه بدمياط على الأخوين الإمامين أبي المكارم عبد الله وأبي عبد الله الحسين ابني الحسن بن منصور السعدي وسمع بها منهما ومن الشيخ أبي عبد الله محمد بن موسى بن النعمان وهو الذي أرشده لطلب الحديث بعد أن كان مقتصرا على الفقه وأصوله
ثم انتقل إلى القاهرة واجتمع بحافظها زكي الدين عبد العظيم المنذري ولازمه سنين وتخرج به وبرز في حياته
وسمع من الجم الغفير والعدد الكثير بالإسكندرية ودمشق وحلب ولازم بها الحافظ أبا الحجاج يوسف بن خليل وسمع بمكة والمدينة وبغداد وماردين وحماة وغيرها
وخرج ببغداد أربعين حديثا للإمام أمير المؤمنين المستعصم الشهيد ابن المستنصر وله مصنفات كثيرة حسنة
وحدث قديما سمع منه الشيخ أبو الفتح محمد بن محمد الأبيوردي وكتب عنه في معجم شيوخه ومات قبله بتسع وثلاثين سنة
"""
صفحة رقم 104 """
وروى عنه من الأئمة تلاميذه الحافظ أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزي وقال ما رأيت أحفظ منه والحافظ أبو عبد الله الذهبي والحافظ أبو الفتح محمد ابن محمد بن سيد الناس والحافظ أبو عبد الله محمد بن شامة الطائي والحافظ الوالد رحمه الله وكان الحافظ الوالد أكثرهم ملازمة له وأخصهم بصحبته هو آخر خلق الله من المحدثين به عهدا
ودرس بالقاهرة لطائفة المحدثين بالمدرسة المنصورية وهو أول من درس فيها لهم
ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة وتوفي فجأة عقيب فراق الوالد له في الخامس عشر من ذي القعدة سنة خمس وسبعمائة ودفن بمقابر باب النصر من القاهرة
وهذا سؤال كتب به إليه الشيخ شرف الدين اليونيني من بعلبك فأجابه بجواب مشتمل على فوائد وأنا أذكر السؤال والجواب
وجدت بخط الشيخ الإمام الوالد رحمه الله وأجازنيه ونقلته من خطه أخبرنا شيخنا الحافظ شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي قراءة من لفظه ونحن نسمع في يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة ثلاث وسبعمائة قال يقول العبد الفقير إلى رحمة الله المستغفر من زلله وذنبه عبد المؤمن بن خلف الدمياطي إنه ورد عليه سؤال من الإمام شرف الدين أبي الحسين علي بن الإمام الزاهد تقي الدين محمد ابن أحمد بن عبد الله اليونيني أيده الله وهو ما يقول فلان يعنيني عن هذه المسألة وهي أن الشيخ الإمام الحافظ جمال الدين أبا الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي رحمه الله ذكر في كتاب من تأليفه نفى النقل ذكر في جملة من الحديث فلما
"""
صفحة رقم 105 """
انتهى في أثنائه إلى حديث توبة كعب بن مالك رضي الله عنه قال في هذا الحديث أن هلال ومرارة شهدا بدر وكذلك أخرجه الإمام أحمد والبخاري ومسلم رضي الله عنهم
وهلال ومرارة ما ذكرها أحد فيمن شهدا بدرا وقد ذكرهما ابن سعد في الطبقة الثانية فيمن لم يشهد بدرا
وما زلت أبحث عن هذا وأعجب من العلماء الذين رووه وكيف لم ينبهوا عليه ولا قال لي فيه أحد من مشايخي شيئا حتى رأيت أبا بكر أحمد بن محمد بن هانئ الإمام الملقب بالأثرم رحمه الله قد نبه عليه في كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه فقال كان الزهري واحد أهل زمانه في حفظ الحديث ولم يحفظ عليه الوهم إلا اليسير
من ذلك قوله في حديث كعب بن مالك إن هلال بن أمية ومرارة بن الربيع شهدا بدرا
ولم يكونا من أهل بدر فهذا من وهم الزهري فهذا آخر كلامه في هذا الكتاب المسمى بنفي النقل
وقال في جامع المسانيد له في آخر حديث كعب بن مالك وقد وهم الزهري في ذكره هلال ومرارة من أهل بدر
وذكر أسماء من شهد بدرا في كتابه التلقيح والمدهش مرتبا على حروف المعجم ولم يذكر هلالا ولا مرارة
وذكر شيخنا الإمام الحافظ ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي رحمه الله في كتابه المسمى بالسنن والأحكام عن المصطفى عليه أفضل ( صلى الله عليه وسلم )
"""
صفحة رقم 106 """
في كتاب غزوات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أسماء من شهد بدرا ورتب أسماءهم على حروف المعجم وبين ما وقع فيهم من الخرف فقال في حرف الميم في الأسماء المفردة مرارة بن الربيع رضي الله عنه ذكره كعب بن مالك رضي الله عنه في حديث توبته ولم أره في شيء من المغازي وحديثه في الصحيحين ثم قال في باب الهاء هلال بن أمية الواقفي لم أر أحدا من أهل المغازي ذكره في أهل بدر وفي حديث توبة كعب بن مالك ذكره من أهل بدر وحديث كعب في الصحيحين والله أعلم بالصواب هذا آخر كلامه
قلت وأنا المملوك العبد الفقير علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله اليونيني عفا الله عنه وقد ذكرهما في أهل بدر الإمام الحافظ إمام أهل المغرب بل والمشرق أيضا أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر رحمه الله في كتابه الاستيعاب أنهما شهدا بدرا عند ذكر ترجمة كل منهما وذكرهما إمام الدنيا أبو عبد الله البخاري رضي الله عنه في غير حديث توبة كعب عند ذكره أسماء من شهد بدرا ذكر مرارة وهلالا وذكرهما الحافظ أبو علي الغساني في تقييده وهل اطلع شيخنا وسيدنا على من ذكرهما غير من ذكره المملوك فيمن شهد بدرا وبين وجه الصواب في ذلك وما يترجح عنده من ذلك مثابين مأجورين رضي الله عنهم
فأجابه عبد المؤمن بأن قال لم يشهد مرارة ولا هلال بدرا ولا أحد أيضا وإن ذكرهما الإمام أحمد والبخري ومسلم وإمام الغرب والشرق وغيرهم لأن بعضهم قلد
"""
صفحة رقم 107 """
بعضا فزل والمقلد الأصلي الإمام أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن حارث بن زهرة بن كلاب ومنه أتى الوهم ومن ذكرهما في الطبقة الثانية ممن شهدا أحدا فلقدم إسلامهما لا لشهودهما الوقعة
وأما قول الإمام شرف الدين أبقاه الله لصاحب الاستيعاب إمام الغرب والشرق فلقد عثرت له على عدة أوهام كثيرة في كتابه
فمنها أنه ذكر عثمان بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم بن مرة بن كعب التيمي في الصحابة ولا تعرف له صحبة ولا إسلام بن الحصبة لولده عبد الرحمن بن عثمان بن أخي طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي أسلم عام الفتح وله صحبة ورواية قتل مع ابن الزبير بمكة
ومنها أنه ذكر جبر بن عتيك بن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن مالك بن الأوس وزاد في نسبه الحارث بين عتيك وقيس والصحيح أن الحارث بن قيس بن هيشة عم جبر لا جده
وأسقط في كتابه جابر بن عتيك بن قيس بن الأسود بن مري بن كعب بن غنم بن سلمة أخا عبد الله بن عتيك بن قيس أحد الخمسة الخزرجيين الذين قتلوا أبا رافع
"""
صفحة رقم 108 """
ابن أبي الحقيق بخيبر وقد روى أبو داود والترمذي لولده عبد الملك بن جابر بن عتيك عن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إذا حدث الرجل القوم ثم التفت فهي أمانة )
ومنها أنه ذكر زيد بن عاصم بن كعب بن منذر بن عمرو بن عوف بن مبذول المازني ولا صحبة له وإنما الصحبة لولديه حبيب وعبد الله صاحب حديث الوضوء وغيره ولأمهما أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف ابن مبذول صحبة ومشاهد ورواية
وكعب ومنذر في نسب عاصم وهم ثان وصوابه زيد بن عاصم بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار المازني وهو ابن عم زوجته أم عمارة نسيبة أخت عبد الله شهدا بدرا وما بعدها وعبد الرحمن شهد أحدا وما بعدها وخالد قتل يوم بئر معونة والحارث قتل يوم اليمامة فهم أولاد كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول
ثم خلف على أم عمارة غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول المازني
"""
صفحة رقم 109 """
فولدت له تميما والد عباد بن تميم وخولة ولهما صحبة
وغزية هو الذي شهدت معه أم عمارة العقبة وأحدا لا زيد بن عاصم كما قال إمام الغرب والشرق
ومنها أنه ذكر أسيد بن ظهير أخي مظهر وخديج أولاد رافع بن عدي ابن زيد بن عمرو بن يزيد بن دشم بن حارثة فأخطأ فيه من وجهين
أحدهما زيادة عمرو بن زيد والثاني يزيد وإنما هو زيد بغير ياء في أوله
وذكر نسبة أبيه على الصواب فقال ظهير بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة
وأخطأ أيضا في نسب ابن عمه فقال رافع بن خديج بن رافع بن عدي بن زيد ابن جشم بن حارثة الأنصاري الخزرجي الحارثي فنسبه إلى الخزرج وهو من الأوس أخى الخزرج ابنى حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن بن الأزد بن الغوث
"""
صفحة رقم 110 """
ابن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان أخى حمير ابنى سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان
وأم الأوس والخزرج قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد هذيم بن قضاعة
فظهير وبيته من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو وهو النبت بن مالك بن الأوس وفي الخزرج بنو الحارث بن الخزرج الذين قال فيهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( خير دور الأنصار دار بني النجار ثم دار بني الحارث بن الخزرج ثم جار بني ساعدة وفي كل دور الأنصار خير )
فمن بني الحارث بن الخزرج نقباءهم عبد الله بن رواحة وسعد بن الربيع المقتول يوم أحد وثابت بن قيس بن شماس خطيب الأنصار وخارجة بن زيد
"""
صفحة رقم 111 """
ختن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبشير بن سعد والد عثمان وأوس بن أرقم وأخوه زيد وخلاد بن سويد المقتول يوم بني قريظة بالرحى وولده السائب وغيرهم فهؤلاء يقال لهم الحارثيون الخزرجيون وأولئك يقال لهم الحارثيون الأوسيون
وذكر أيضا إمام الشرق والغرب حاجبا وحبيبا وحبابا أولاد زيد بن تيم بن أمية بن خفاف بن بياضة بن سعيد
وقال ابن الكلبي بياضة بين خفاف بن سعيد بن مرة بن مالك بن الأوس
فقال في كل واحد منهم الأنصاري البياضي وليسوا ببياضيين لأنهم من الأوس وبياضة من الخزرج وبياضة الذي في نسبهم ليس هو ببطن فينسبوا إليه والذي ينسب إليه هو بياضة أخو زريق ابنا عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الحزرج وحاجب وأخواه من الأوس
وذكر أيضا إمام الغرب والشرق في الصحابة حارثة بن مالك بن غضب بن جشم ابن الخزرج
وهذا من أفحش الغلط وأقبحه من وجهين اثنين
أحدهما أنه جاهلي قديم بينه وبين أولاد من الصحابة نحو من ثمانية آباء
"""
صفحة رقم 112 """
أو تسعة فكيف يصح وجوده في زمن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فضلا عن صحبته إياه
الثاني أن اسمه عبد حارثة وهو جد بياضة وزريق ابني عامر بن زريق بن عبد حارثة فاسقط عبدا وذكر حارثة
وذكر أيضا في كتابه حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن ناصرة بن فصية بضم الفاء تصغير فصاة وهي النواة
وزوجها الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن أخي سليم ومازن أولاد منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان ولا يعرف لها صحبة ولا إسلام
وذكر أنها أتت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم حنين وبسط لها رداءه وروت عنه وروى عنها عبد الله بن جعفر
وهذا كله لا يصح ورواية ابن جعفر عنها منقطعة لم يدركها والتي أتته يوم حنين هي بنتها الشيماء واسمها جدامة وقيل حذافة وكانت تحضن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
"""
صفحة رقم 113 """
مع أمها وتوركه وإنما جاءته حليمة بمكة قديما قبل النبوة وقد تزوج خديجة فأعطتها خديجة أربعين شاة وجملا موقعا للظعينة ثم انصرفت إلى أهلها
وذكر أيضا مرارة بن الربيع العمري من بني عمرو بن عوف ولم يكن منهم صريحا وإنما هو حليف لهم وهو مرارة بن الربيع بن عمرو بن الحارث بن زيد بن الجد بن العجلان بن حارثة بن ضبيعة بن حرام بن جعل بن عمرو بن جشم بن وذم بن ذبيان بن هميم بن ذهل بن هني أخي فران بن بلي بن عمرو بن الحاف ابن قضاعة
وبنو العجلان بطن من بلي حلفاء بني زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف ابن مالك بن الأوس ومنهم عاصم ومعن ابنا عدي بن الجد بن عجلان شهدا بدرا وما بعدها ومنهم عويمر بن الحارث بن زيد بن حارثة بن الجد بن العجلان الذي رمى زوجته بشريك بن عبدة بفتح الباء بن مغيث بن الجد بن العجلان وهو ابن سحماء وهي أمه وشهد عبدة أحدا
"""
صفحة رقم 114 """
وذكر أيضا هلال بن أمية الواقفي ولم يصل نسبه بواقف بل قصر فيه وهو هلال بن أمية بن عامر بن قيس بن عبد الأعلم بن عامر بن كعب بن واقف واسمه سالم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس ولم يشهد من بني واقف أحد بدرا ولا أحدا أيضا وإنما ذكر في الطبقة الثانية مع من شهد أحدا لقدم إسلامه
وذكر أيضا علبة بن زيد فقصر في نسبه وهو علبة بن زيد أخى جبر والد أبي عبس بن جبر أحد قتلة كعب بن الأشرف وأخى صيفي وقيظي أيضا والد مربع وأوس المنافقين
وزيد بن مربع هو الذي بعثه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم عرفة إلى قوم بالموقف
"""
صفحة رقم 115 """
يقول لهم ( كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم )
أربعتهم زيد وصيفي وجبر وقيظي أولاد عمرو أخى عدي بن زيد بن جشم بن حارثة
وعلبة أحد البكائين الذين ) تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون (
ولما حض النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على الصدقة وجاء كل رجل من الأنصار بطاقته وما عنده قال اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به إلا عرض وسادة حشوها ليف ودلو استسقي به الماء اللهم إني أتصدق بعرضي على من ناله من خلقك فأمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مناديا ينادي أيها المتصدق بعرضه فقام علبة
فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله قد قبل صدقتك )
وفي كتاب إمام الشرق والغرب أوهام أخر تركت ذكرها اختصارا وكنت عزمت على جمعها في كتاب فإن يسر الله فعلت
وأما إمام الدنيا أبو عبد الله البخاري ففي جامعه الصحيح أوهام منها
في باب من بدأ بالحلاب والطيب عند الغسل ذكر فيه حديث عائشة ( كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب فأخذ
"""
صفحة رقم 116 """
بكفه ) الحديث ظن البخاري أن الحلاب ضرب من الطيب فوهم فيه وإنما هو إناء يسع حلب الناقة وهو أيضا المحلب بكسر الميم
وحب المحلب بفتح الميم من العقاقير الهندية
وذكر في باب مسح الرأس كله من حديث مالك عن عمرو بن يحيى عن أبيه أن رجلا قال لعبد الله بن زيد وهو جد عمرو بن يحيى أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتوضأ
قوله جد عمرو بن يحيى وهم وإنما هو عم أبيه وهو عمرو بن أبي حسن وعمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن تميم بن عمرو بن قيس بن محرث ابن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار المازني ولأبي حسن صحبة وقد ذكره في الباب بعده على الصواب من حديث وهيب عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الحديث
وذكر في أيضا في باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة من حديث شعبة عن سعد بن إبراهيم عن حفص بن عاصم عن رجل من الأزد يقال له مالك بن بحينة
وقد وهم شعبة في قوله مالك بن بحينة وإنما هو ولده عبد الله بن بحينة وقد رواه مسلم والنسائي وابن ماجة على الصواب
"""
صفحة رقم 117 """
فأما ابن ماجة فرواه من حديث إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن حفص عن عبد الله بن بحينة ورواه مسلم والنسائي من حديث أبي عوانة عن سعد بن إبراهيم عن حفص عن ابن بحينة يعني عبد الله وليس لمالك صحبة وإنما الصحبة لولده عبد الله بن مالك بن القشب
هذا قول ابن سعد
وقال ابن الكلبي مالك بن معبد بن القشب وهو جندب بن نضلة بن عبد الله بن رابع بن محضب بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد
وبحينة أم عبد الله بنت الحارث بن المطلب بن عبد مناف واسمها عبدة أخت عبيدة بن الحارث بن المطلب المقتول يوم بدر رفيق حمزة وعلي الذين برزوا يوم بدر لعتبة بن ربيعة وأخيه شيبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف والوليد ابن عتبة
"""
صفحة رقم 118 """
ولبحينة صحبة
وذكر فيه أيضا في باب من يقدم في اللحد في الجنائز قال جابر فكفن أبي وعمي في نمرة واحدة ولم يكن لجابر عم وإنما هو عمرو بن الجموح بن زيد ابن حرام بن كعب كانت عنده عمه جابر هند بنت عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة
وذكر فيه أيضا في غزوة المرأة البحر عن عبد الله بن محمد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري عن أنس قال دخل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على بنت ملحان الحديث
قال أبو مسعود سقط بين أبي إسحاق وبين أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم زائدة بن قدامة الثقفي
وذكر فيه أيضا في مناقب عثمان بن عفان أن عليا جلد الوليد بن عقبة ثمانين
"""
صفحة رقم 119 """
والذي رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة من حديث عبد العزيز بن المختار عن الداناج عبد الله بن فيروز عن حضين بن المنذر عن علي أن عبد الله بن جعفر جلده وعلي يعد فلما بلغ أربعين قال علي أمسك
وذكر فيه أيضا في باب وفود الأنصار حدثنا علي حدثنا سفيان قال كان عمرو يقول سمعت جابر بن عبد الله يقول شهد بي خالاي العقبة قال عبد الله بن محمد قال ابن عيينة أحدهما البراء بن معرور
وهذا وهم إنما خالاه ثعلبة وعمرو ابنا عنمة بن عدي بن سنان بن نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة أختهما أنيسة بنت عنمة أم جابر بن عبد الله
"""
صفحة رقم 120 """
وذكر فيه أيضا في باب فضل من شهد بدرا فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف خبيبا وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر
وهذا وهم ما شهد خبيب بن عدي بن مالك بن عامر بن مجدعة بن جحجبا ابن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بدرا ولا قتل الحارث وإنما الذي شهد بدرا وقتل الحارث بن عامر هو خبيب بن إساف بن عنبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج
وفي الجامع أوهام غير ذلك
وهذا قول عبد المؤمن بن خلف الدمياطي خادم السنة النبوية بالديار المصرية وهي الجند الغربي السالم من الفتن لما روى أبو شريح عبد الرحمن بن شريح الإسكندري عن عميرة بن أبي ناجية عن أبيه عن عمرو بن الحمق الخزاعي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( تكون فتن خير الناس فيها أو أسلم الناس فيها الجند الغربي ) فلذلك قدمت عليكم مصر
"""
صفحة رقم 121 """
وعمرو بن الحمق مدفون بظاهر بال العمادي من الموصل زرته في رحلتي قتله عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بتشديد الياء ابن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم بن ثقيف المدعو بابن أم الحكم وهي أمه بنت أبي سفيان وحمل رأسه إلى خاله معاوية بالشام وكان خاله ولاه الكوفة ومصر وقال الشعبي وهو أول رأس نقل
وكان عمرو بن الحمق أحد الرءوس الذين ساروا إلى أمير المؤمنين أبي عبد الله وأبي عمرو عثمان بن عفان أخي عفيف وعوف والحكم والمغيرة أولاد أبي العاص أخى العاص وأبي العيص والعيص وهم الأعياص والعصاة وإخواتهم حرب وأبو حرب وسفيان وأبو سفيان ويقال هم العنابس لأنهم كانوا يوم عكاظ مع أخيهم خرب فقاتلوا قتالا شديدا فشبهوا بالأسد فقيل لهم العنابس والأسد يقال له عنبسة
وأخورهم عمرو الجواد وأبو عمرو جد عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو عشرتهم أولاد أمية الأكبر أخى حبيب أمهما بعجن بنت عبيد بن رؤاس
وأمية الأصغر هو جد الثريا بنت عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر تزوجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف فقال
"""
صفحة رقم 122 """
أيها المنكح الثاريا سهيلا
عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت
وسهيل إذا ما استقل يماني
وعبد أمية ونوفل وأمهم عبلة بنت عبيد من بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة ابن تميم وإليها ينسب ولدها فيقال لهم العبلات وأخواهم عبد العزى وربيعة أولاد عبد شمس أخى هاشم والمطلب ونوفل أولاد عبد مناف واسمه المغيرة قال الشاعر وهو مطرود الخزاعي في أولاد عبد مناف
إن المغيرات وأبناءهم
لخير أحياء وأموات
أربعة كلهم سيد
أبناء سادات لسادات
أخلصهم عبد مناف فهم
عن لوم من لام بمنجاة
ميت بسلمان وميت بردمان
وميت وسط غزات
وميت أوجعني فقده
مات بشرقي البنيات
مات هاشم بغزة ومات المطلب بردمان ومات نوفل بسلمان ماء على طريق مكة من العراق ومات عبد شمس بمكة ودفن بالحجون
آخره والحمد لله وحده
"""
صفحة رقم 123 """
أنشدنا الشيخ الإمام الوالد رحمه الله من لفظه في ثاني عيد الأضحى سنة اثنتين خمسين وسبعمائة قال أنشدنا شيخنا الحافظ أبو محمد الدمياطي من لفظه لنفسه
روينا بإسناد عن ابن مغفل
حديثا شهيرا صح من علة القدح
بأن رسول الله حين مسيره
لثامنة وافته في غزوة الفتح
تلا خير مقروء على خير مرسل
فرجع في الآيات من سورة الفتح
1381
عبد الوهاب بن عبد الرحمن الإخميمي المراغي
ومراغة قرية من الصعيد
هو الشيخ بهاء الدين وربما سمي هارون
ولد في حدود سنة سبعمائة
وتفقه بالقاهرة على والدي رحمه الله قرأ عليه في الفقه والأصول ثم لازم الشيخ علاء الدين القونوي ثم خرج إلى دمشق واستوطنها
وكان إماما بارعا في علمي الكلام والأصول ذا قريحة صحيحة وذهن صحيح وذكاء مفرط ويعرف الحاوي الصغير في الفقه معرفة جيدة وعند دين كثير وتأله وعبادة ومراقبة وصبر على خشونة العيش
"""
صفحة رقم 124 """
وكانت بين وبينه صداقة ومحبة ومراسلات كثيرة في مباحث جدت بيننا أصولا وكلاما وفقها
وصنف في علم الكلام كتابا سماه المنقذ من الزلل في العلم والعمل
وأحضره لي لأقف عليه فوجدته قد سلك طريقا انفرد بها وفي كتابه هذا مويضعات يسيرة لم أرتضها
توفي مطعونا شهيدا في تاسع عشر ذي القعدة سنة أربع وستين وسبعمائة بداره بدرب الحجر بدمشق حضرت الصلاة عليه ودفنه
رحمه الله تعالى
1382
عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن ذؤيب الأسدي
الشيخ كمال الدين ابن قاضي شهبة
سمع من ابن أبي الخير وابن علان والشيخ شمس الدين بن أبي عمر وابن البخاري وغيرهم
وكان عارفا بالمذهب والنحو مجدا في تعليم الطلبة يشغلهم مدة مديدة بالجامع الأموي
مولده سنة ثلاث وخمسين وستمائة
وتفقه على الشيخ تاج الدين الفركاح
وتوفي في حادي عشرين ذي الحجة سنة ست وعشرين وسبعمائة
"""
صفحة رقم 125 """
1383
عثمان بن علي بن يحيى بن هبة الله بن إبراهيم بن المسلم القاضي فخر الدين ابن بنت أبي سعد
ولد بداريا من غوطة دمشق سنة أربع وعشرين وستمائة
وكان والده وزيرا بدمشق في أيام الملك الصالح عماد الدين إسماعيل المعروف بأبي الخيش ابن الملك العادل ابن أيوب
ونشأ هو بمصر وتفنن في العلوم وسمع صحيح مسلم من الرضي إبراهيم وتفقه على شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام وفي الأصول على الشيخ شرف الدين التلمساني
أنشدنا الوالد تغمده الله برحمته قال أنشدنا العلامة فخر الدين ابن بنت أبي سعد للشيخ شرف الدين المرسي صاحب كتاب ري الظمآن
قالوا محمد قد كبرت وقد أتى
داعي الحمام وما اهتممت بزاد
قلت الكريم من القبيح بضيفه
عند القدوم مجيئه بالزاد
توفي الشيخ فخر الدين ليلة الأحد رابع عشري جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وسبعمائة بالقاهرة
"""
صفحة رقم 126 """
1384
عثمان بن علي بن إسماعيل القاضي فخر الدين أبو عمرو الطائي المعروف بابن خطيب جبرين
فقيه حلب وحاكمها
مولده سنة اثنتين وستين وستمائة
وتفقه بقاضي حلب شمس الدين بن بهرام
وكان رجلا فاضلا متفننا يشغل الطلبة في غالب الفنون
ولي قضاء القضاة بحلب ثم طلبه السلطان إلى مصر وزجره فخرج من بين يديه ونزل بالمدرسة المنصورية بين القصرين بالقاهرة فتوفي في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
ومن تصانيفه شرح الشامل الصغير وشرح التعجيز وشرح مختصر ابن الحاجب وشرح البديع لابن الساعاتي وغير ذلك
"""
صفحة رقم 127 """
ومن شعره في أسماء الولائم
بوليمة سم كل دعوة مأكل
بتقيد لكن لعرف أطلق
ولدى الختان فتلك إعذار وما
للطفل فهي عقيقة بتحقق
وسلامة الحبلى من الطلق اجعلن
خرسا لها ولأجل غائب انطق
بنقيعة ووكيرة لعمارة
ووضيمة لمصيبة بتصدق
وسيم اللتيا مالها سبب بمأدبة
وخذ يا صاح قول محقق
وليمة الختان إعذار بالعين المهملة والذال المعجمة والراء عذرت الغلام إذا ختنته
ووليمة سلامة الحبلى خرس بضم الخاء المعجمة وسكون الراء وبعدها سين مهملة
ووليمة قدوم الغائب نقيعة بفتح النون وكسر القاف ثم سكون آخر الحروف ثم عين مهملة
ووليمة الدار وكيرة بفتح الواو وكسر الكاف ثم سكون آخر الحروف ثم راء
وطعام المآتم وضيمة بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة ثم آخر الحروف ثم ميم وهاء
والطعام بلا سبب مأدبة بفتح الميم وسكون الهمزة وضم الدال المهملة وفتح الباء الموحدة وبعدها هاء
"""
صفحة رقم 128 """
1385
علي بن أحمد بن أسعد بن أبي بكر الأصبحي اليمني
متأخر وهو صاحب كتاب معين أهل التقوى على التدريس والفتوى
لقبه ضياء الدين
قال المطري فيما كتبه إلي من التراجم اليمنية إنه مات في أول سنة سبعمائة
وقد وقفت على المجلد الأول من هذا الكتاب فإذا به قد جمع فيه فأوعى وقال في خطبته إنه طالع عليه نيفا وأربعين مصنفا للأصحاب وعدد أكثرها وذكر منها الروضة للشيخ محيي الدين النووي فدلنا بذلك على تأخر زمانه
والتزم في هذا الكتاب أن لا يذكر فيه إلا المسائل التي وقع فيها خلاف مذهبي أما المتفق عليها بين الشافعية فلا يذكرها وأن لا يذكر من مسائل الخلاف إلا ما يقع فيها تصحيح ليعين على الفتوى ولم يحذف من الكتب التي ذكرها إلا مسائل قليلة بالنسبة إلى كثرة عددها وهي متون قليلة تركها لأنه لم يجد فيها تصحيحا
"""
صفحة رقم 129 """
قال ولعل أن يفتحها ويسوق على تصحيحها فألحقها في مواضعها
قال وقد يجيء التصحيح في بعض المسائل بخلاف الخبر فأشير إلى ما أوجب ترك العمل به
قال وقد يوجد نص إمام المذهب والتصحيح بخلافه فتكون الفتوى على النص إذ نحن مقلدون
ورتب الكتاب على مسائل المهذب والتنبيه فإذا استوعب ذلك مع ما يضيف إليه من زيادة قيود من بقية الكتب وتصحيح وغير ذلك عقد فصلا لما في البيان ثم فصلا لما في تصانيف الغزالي وشرح الرافعي وغيرها يفعل ذلك في كل باب
وبالجملة هو كتاب حافل فإن المجلد الأول عندي إلى باب المزارعة مع شدة الاختصار وحذف المسائل المتفق عليها وكيف لا وقد أودعه غالب ما في هذه الكتب ومن جملتها الأم وتصانيف الشيخ أبي إسحاق وصاحبه الشاشي وشيعتهما كشراح التنبيه إلى زمن الجيلي وتصانيف ابن أبي عصرون وكذلك الشامل وتعليقه الشيخ أبي حامد والنهاية للإمام وتصانيف صاحبه الغزالي
والبحر وغيره من تصانيف الروياني والرافعي وغير ذلك
وهذا الكتاب أعني المعين هو الذي نقل عنه الشيخ نجم الدين أحمد بن حرمى القمولي في كتابه البحر المحيط في شرح الوسيط في كتاب النكاح حيث قال رأيت في كتاب المعين لعلي بن أحمد الأصبحي عن الشيباني وهو من فقهاء اليمن المتأخرين تخصيص الخلاف أي في نظر الرجل إلى فرج زوجته بغير حالة الجماع والجزم بالحل فيها قولا واحدا
"""
صفحة رقم 130 """
1386
علي بن إبراهيم بن داود الشيخ علاء الدين أبو الحسن بن العطار
شيخ دار الحديث النورية ومدرس القوصية بدمشق
سمع من ابن عبد الدائم وابن أبي اليسر والقطب بن أبي عصرون وغيرهم
وخرج له شيخنا الذهبي معجما نيفا فيه على ثمانين شيخا
وهو من أصحاب الشيخ محيي الدين النووي
ولد سنة أربع وخمسين وستمائة وتوفي في مستهل ذي الحجة سنة أربع وعشرين وسبعمائة
1387
علي بن أحمد بن جعفر بن علي بن محمد بن عبد الظاهر ابن عبد الولي بن الحسين بن عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم ابن عبد الله بن يحيى بن عبد الله بن يوسف بن يعقوب بن محمد ابن أبي هاشم بن داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب
الشيخ كمال الدين ابن عبد الظاهر الهاشمي الجعفري القوصي
"""
صفحة رقم 131 """
نزيل إخميم ذو العلم والعبادة والمكاشفات والأحوال والتكلم على الخواطر
سمع أبا الحسن علي بن هبة الله بن الجميزي وشيخه أبا الحسن علي بن وهب ابن مطيع القشيري وبه تفقه وبرع
ثم أسفر له صباح السعادة وتطلع إليه طالع المجد فقدم إلى قوص الشيخ علي الكردي رجل ذو ورع وتقوى فاجتمع عليه ابن عبد الظاهر هذا والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد والشيخ جلال الدين الدشنائي وجماعة ولازموا الذكر وجدوا في العبادة غاية الجد
وحكي أن ابن عبد الظاهر رأى مرحاضا قد أخرج ما فيه ووضع إلى جانب المسجد الذي هم فيه فقال في نفسه لا بد أن أحمل هذا فنازعته نفسه إذ هو من بيت رياسة وأصالة فاستدرجها إلى حمله في النهار ومر به والناس تتعجب منه وتظن أن عقله حصل فيه خلل
ثم استوطن إخميم وبنى بها رباطا وعمت بركاته على مريديه واشتهر من كراماته ما كثر
وحكى بعض الثقات عن نفسه قال لازمت الذكر مدة حتى خطر لي أني تأهلت وسافرت فرافقت في سفري شابا نصرانيا جميل الصورة فلما فارقته وجدت
"""
صفحة رقم 132 """
ألما كثيرا لفراقه فدخلت إخميم وأنا على تلك الحال متألم فحضرت ميعاد ابن عبد الظاهر فتكلم على عادته ثم نظر إلي وقال لا إله إلا الله ثم أناس يظنون أنهم من الخواص وهم من عوام العوام قال الله تعالى ) قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ( ومن للتبعيض ومعنى التبعيض أن لا ترفع شيئا من بصرك إلى شيء من المعاصي
وكراماته كثيرة
توفي في رجب سنة إحدى وسبعمائة بإخميم
1388
علي بن إسماعيل بن يوسف قاضي القضاة الشيخ علاء الدين القونوي
شيخ الشيوخ
قدم دمشق قديما وسمع الحديث بهذه الديار من أبي الفضل أحمد بن هبة الله ابن عساكر وأبي حفص عمر بن القواس وأبي العباس الأبرقوهي وابن الصواف وابن القيم والحافظين أبي محمد الدمياطي وشيخ الإسلام ابن دقيق العيد
"""
صفحة رقم 133 """
وشغل الناس بالعلم شاما ومصرا ومع ملازمة التقوى وحسن السمت وكثرة العلم والإفادة
انتفع به أهل مصر ثم ولي قضاء الشام فسار سيرة حسنة
ذكره كمال الدين جعفر الأدفوي في كتاب البدر السافر فقال شيخ الدهر وعالمه من شادت به أركان التصوف ومعالمه إن ذكر التفسير فالزمخشري أو الفقه فالطبري أو البيان والبديع فالسكاكي والجزري أو النحو فالجياني العكبري أو التصوف فالجنيد والسري أو الأصول فالبحر العجاج والعارض الصيب أو الكلام فابن فورك وأبو الطيب أو الجدل والخلاف فالنسفي والعميدي يسلمان له فيه أو المنطلق فالخونجي والأبهري يتلقيانه من فيه مع عقل وافر ونسل طاهر
أقام بالقاهرة قريبا من ثلاثين سنة يلقي دروسا يدير من المعارف على أهل العوارف كئوسا إذا طلع الفجر خرج من مسكنه للصلاة بسكون ووقار ثم يستمر في إفادة الطلبة إلى منتصف النهار
انتهى
وذكر أن شيخ الإسلام ابن دقيق العيد قال إنه يطلق على القونوي اسم الفاضل استحقاقا قال وناهيك بابن دقيق العيد من عالم متضلع ومحتاط بما يقوله متورع
"""
صفحة رقم 134 """
قلت لا شك أن هذه من ابن دقيق العيد منقبة للقونوي عظيمة
درس بدمشق بالمدرسة الإقبالية ثم قدم القاهرة وأقام بها مدة في غاية من الفقر مع عزة النفس إلى أن ولي تدريس الشريفية ومشيخة الخانقاه الصلاحية
وصنف شرح الحاوي واختصر منهاج الحليمي وشرح كتاب التعرف في التصوف واختصر المعالم في الأصول
ثم ولي قضاء الشام وأقام دون عامين إلى أن مات في رابع عشر ذي القعدة سنة تسع وعشرين وسبعمائة وعمره اثنتان وستون سنة
ومن شعره أبيات أجاب بها سائلا قصد الطعن في الشريعة ذكرناها في ترجمة الشيخ علاء الدين علي بن محمد الباجي الرسباني
"""
صفحة رقم 135 """
أنشدنا الحافظ أبو المعالي محمد بن رافع بقراءتي عليه قال أنشدنا قاضي القضاة علاء الدين القونوي لنفسه في الشجاج
إذا رمت إحصاء الشجاج فهاكها
مفسرة أسماؤها متواليه
فحارصة إن شقت الجلد ثم ما
أسالت دما وهي المسماة داميه
وباضعة ما تقطع اللحم والتي
لها الغوص فيه للتي مر تاليه
وتلك لها وصف التلاحم ثابت
وما بعدها السمحاق فافهمه واعيه
وقل ذاك ما أفضى إلى الجلدة التي
تكون وراء اللحم للعظم غاشيه
وموضحة ما أوضح العظم باديا
وهاشمة بالكسر للعظم ناعيه
ومن بعدها ما ينقل العظم واسمها
منقلة ثم التي هي آتيه
فمأمومة أمت من الرأس أمه
وقد بقيت أخرى بها العشر وافيه
فدامغة تسمى بحرق جليدة
هي الأم كيس للدماغ وحاويه
وهذا هو المشهور في عدها وإن
ترد ضبط حكم الكل فاسمع مقاليه
ففي الخمسة الأولى الحكومة ثم ما
بإيضاح عمد فالقصاص وجانيه
وخصت بهذا الموضحات بضبطها
فلا عشر في استيفائها متكافيه
"""
صفحة رقم 136 """
وإن حصلت في غير عمد أو انتهت
إلى المال عفوا فاقدر الأرش ثانيه
على دية النفس التي أوضحت بها
فتلك لنصف العشر منها مساويه
وذا القدر أرش الهشيم والنقل مفردا
وزد لانضمام بالحساب مراعيه
ففي اثنين منها العشر ثم لثالث
تزيد عليه نصفه إن تحاشيه
ومأمومة فيها من النفس ثلثها
ودامغة مثل لها ومكافيه
وقيل بأن للدفع ليس جراحة
لتذفيفه كالجز يوحي ملاقيه
وقد نجز المقصود والعي واضح
وعجمتي العجماء في النظم باديه
مناظرة بين الشيخ علاء الدين والشيخ الإمام الوالد رحمهما الله
1389
علي بن الحسين بن القاسم بن منصور بن علي
الشيخ زين الدين أبو الحسن ابن شيخ العوينة الموصلي . . . . .
"""
صفحة رقم 137 """
1390
علي بن الحسين السيد شرف الدين الحسيني
وكيل بيت المال بالديار المصرية ونقيب الأشراف بها ومدرس المشهد الحسيني وغيره
وكان رجلا فاضلا ممدحا أديبا هو والشيخ جمال الدين ابن نباتة والقاضي شهاب الدين ابن فضل الله أدباء العصر إلا أن ابن نباتة وابن فضل الله يزيدان عليه بالشعر فإنه لم يكن له في النظم يد وأما النثر فكان فيه أستاذا ماهرا مع معرفة بالفقه والأصول والنحو
ومولده سنة إحدى وتسعين وستمائة
وكتب إلي كتابا من القاهرة يعزيين في الشيخ الإمام الوالد رحمه الله
مات السيد شرف الدين في ثالث عشر جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وسبعمائة بالقاهرة ودفن بالقرافة
1391
علي بن عبد الله بن أبي الحسن بن أبي بكر الأردبيلي
الشيخ تاج الدين التبريزي
نزيل القاهرة المتضلع بغالب الفنون من المعقولات والفقه والنحو والحساب والفرائض ببلاده
وأخذ عن قطب الدين الشيرازي وعلاء الدين النعمان الخوارزمي وخلق
"""
صفحة رقم 138 """
قال شيخنا الذهبي هو عالم كبير شهير كثير التلامذة حسن الصيانة من مشايخ الصوفية
قلت كان ماهرا في علوم شتى وعني بالحديث بالآخرة وسمع بدمشق ومصر من جماعة من مشيختنا واستكتب كتاب الميزان في الجرح والتعديل لشيخنا الذهبي وصنف في التفسير والحديث والأصول والحساب ولازم شغل الطلبة بأصناف العلوم إلى أن توفي بالقاهرة في شهر رمضان سنة ست وأربعين وسبعمائة
رحمه الله تعالى
1392
علي بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد العلي
الخطيب عماد الدين ولد فخر الدين ولد قاضي القضاة عماد الدين ابن السكري
روى عن جده لأمه الشيخ بهاء الدين ابن الجميزي وعن والده الشيخ فخر الدين ابن السكري وعن جده لأبيه قاضي القضاة الفقيه عماد الدين
وحدث بالقاهرة ودمشق
ومولده في خامس المحرم سنة ثمان وثلاثين وستمائة
جهز إلى التتار رسولا فدخل بلاد أذربيجان وأقام بها أربع سنين ثم عاد
روى عنه البرزالي وشيخنا الذهبي وجماعة
وذكره أبي العلاء القوصي وقال صدر جليل عالم وكان يدرس بمشهد الحسين بالقاهرة ومنازل العز بمصر ويخطب بالجامع الحاكمي
توفي في صفر سنة ثلاث عشرة وسبعمائة
"""
صفحة رقم 139 """
1393
علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام ابن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار ابن سليم السبكي
الشيخ الإمام الفقيه المحدث الحافظ المفسر المقرئ الأصولي المتكلم النحوي
"""
صفحة رقم 140 """
اللغوي الأديب الحكيم المنطقي الجدلي الخلافي النظار
شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن
إمام الناس جامع كل علم
فريد الدهر أسمى من تسامى
له التفسير للقرآن ألقت
إليه معادن العلم الزماما
وفي فن الحديث إليه تنضى
ركائب من يه طلب القياما
وفي فن الأصول له سمو
وفي نوع الفروع غدا الهماما
وفي العربية الأمثال سارت
بها في الخافقين له دواما
حوى لغة وتصريفا ونحوا
وأبياتا به تسمو نظاما
وأنسابا وتاريخا مبينا
لأحوال الذين غدوا عظاما
بديع بيان أسلوب المعاني
إذا شرح اسمها للمرء هاما
وفي علم العروض وفي القوافي
والاستدلال لم يأل اهتماما
وفي علم الكلام وكل بحث
غدا الحبر المقدم والإماما
شيخ المسلمين في زمانه والداعي إلى الله في سره وإعلانه والمناضل عن الدين الحنيفي بقلمه ولسانه
أستاذ الأستاذين وأحد المجتهدين وخصم المناظرين
جامع أشتات العلوم والمبرز في المنقول منها والمفهوم والمشمر في رضا الحق وقد أضاءت النجوم
"""
صفحة رقم 141 """
شافعي الزمان وحجة الإسلام المنصوب من طرق الجنان والمرجع إذا دجت مشكلة وغابت عن العيان
عباب لا تكدره الدلاء وسحاب تتقاصر عنه الأنواء وباب للعلم في عصره وكيف لا وهو علي الذي تمت به النعماء
وكان من العلوم بحيث يقضى
له من كل علم بالجميع
وكان من الورع والدين وسلوك سبيل الأقدمين على سنن ويقين إن الله مع المتقين
صادع بالحق لا يخاف لومة لائم صادق في النية لا يختشي بطشة ظالم صابر وإن ازدحمت الضراغم
منوط به أمر المشكلات في دياجيها محطوط عن قدره السماء ودراريها مبسوط قلمه ولسانه في الأمة وفتاويها
شيخ الوقف حالا وعلما وإمام التحقيق حقيقة ورسما وعلم الأعلام فعلا واسما
إذا تغلغل فكر المرء في طرف
من مجده غرقت فيه خواطره
لا يرى الدنيا إلا هباء منثورا ولا يدري كيف يجلب الدرهم فرحا والدينار
"""
صفحة رقم 142 """
سرورا ولا ينفك يتلو القرآن قائما وقاعدا راكبا وماشيا ولو كان مريضا معذورا
وكان دعواته تخترق السبع الطباق وتفترق بركاتها فتملأ الأفاق وتسترق خبر السماء وكيف لا وقد رفعت على يد ولي الله تفتح له أبوابها ذوات الإغلاق
وكانت يداه بالكرم مبسوطتين لا يقاس إلا بحاتم ولا ينشد إلا
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
ولا يعرف إلا العطاء الجزل
وتأتي على قدر الكرام المكارم
يد تلوح لأفواه تقبلها
فتستقل الثريا أن تكون فما
وللمعاني الحسان الغر تكتبها
بأحسن الخط لما تمسك القلما
وللعفاة لتوليهم عوائدها
فلا يرى الغيث شيئا لو وفى وهمى
وللدعائي طول الليل يرفعها
إلى الإله ليولين به النعما
أعظم بها نعما كالبحر ملتطما
والغيث منسجما والجود منقسما
يواظب على القرآن سرا وجهرا لا يقرن ختام ختمة إلا بالشروع في أخرى ولا يفتتح بعد الفاتحة إلا سورة تترى
مع تقشف لا يتردع معه غير ثوب العفاف ولا يتطلع إلى ما فوق مقدار الكفاف ولا يتنوع إلا في أصناف هذه الأوصاف
"""
صفحة رقم 143 """
يقطع الليل تسبيحا وقرآنا وقياما لله لا يفارقه أحيانا وبكاء يفيض من خشية الله ألوانا
أقسم بالله أنه لفوق ما وصفته وإني لناطق بها وغالب ظني أني ما أنصفته وإن الغبي سيظن في أمرا ما تصورته
وما علي إذا ما قلت معتقدي
دع الحسود يظن السوء عدوانا
هذا الذي تعرف الأملاك سيرته
إذا ادلهم دجى لم يبق سهرانا
هذا الذي يسمع الرحمن صائحه
إذا بكى وأفاض الدمع ألوانا
هذا الذي يسمع الرحمن دعوته
إذا تقارب وقت الفجر أو حانا
هذا الذي تعرف الغبراء جبهته
من السجود طوال الليل عرفانا
هذا الذي لم يغادر سيل مدمعه
أركان شبيبته البيضاء أحيانا
والله والله والله العظيم ومن
أقامه حجة في العصر برهانا
وحافظا لنظام الشرع ينصره
نصرا يلقيه من ذي العرش غفرانا
كل الذي قلت بعض من مناقبه
ما زدت إلا لعلي زدت نقصانا
وما زال في علم يرفعه وتصنيف يضعه وشتات تحقيق يجمعه إلى أن سار إلى دار القرار وما ساد أحد ناواه ولا كان ذا استبصار ولا ساء من والاه بل عمه
"""
صفحة رقم 144 """
بالفضل المدرار ولا ساغ بسوى طريقه الاهتداء والاعتبار ولا ساح بغير ناديه نيل يخجل وابل الأمطار ولا ساخ قدم فتى قام بنصرته وقال أنصر بقية الأنصار ولا سال إلا ويداه مبسوطتان وابل كرم في هذه الديار ولا سامة أحد بسوء إلا وكانت عليه دائرة الفلك الدوار ولا ساقه الله حين قبضه إلا إلى جنة عدن أعدت لأمثاله من المتقين الأبرار
ولد في ثالث صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة
وتفقه في صغره على والده وكان من الاشتغال على جانب عظيم بحيث يستغرق غالب ليله وجميع نهاره وحكى لي أنه لم يأكل لحم الغنم إلا بعد العشرين من عمره لحدة ذهنه وأنه كان إذا شم رائحته حصل له شرى وإنما كان يخرج من البيت صلاة الصبح فيشتغل على المشايخ إلى أن يعود قريب الظهر فيجد أهل البيت قد عملوا له فروجا فيأكله ويعود إلى الاشتغال إلى المغرب فيأكل شيئا حلوا لطيفا ثم يشتغل بالليل وهكذا لا يعرف غير ذلك حتى ذكر لي أن والده قال لأمه هذا الشاب ما يطلب قط درهما ولا شيئا فلعله يرى شيئا يريد أن يأكله فضعي في منديل درهما أو درهمين فوضعت نصف درهم
"""
صفحة رقم 145 """
قالت الجدة فاستمر نحو جمعتين وهو يعود والمنديل معه والنصف فيه إلى أن رمى به إلي وقال أيش أعمل بهذا خذوه عني
وكان الله تعالى قد أقام والده ووالدته للقيام بأمره فلا يدري شيئا من حال نفسه
ثم زوجه والده بابنة عمه وعمره خمس عشرة سنة وألزمها أن لا تحدثه في شيء من أمر نفسها وكذلك ألزمها والدها وهو عمه الشيخ صدر الدين فاستمرت معه ووالده ووالدها يقومان بأمرهما وهو لا يراها إلا وقت النوم وصحبته مدة ثم إن والدها بلغه أنها طالبته بشيء من أمر الدنيا فطلبه وحلف عليه بالطلاق ليطلقها فطلقها فانظر إلى اعتناء والده وعمه بأمره وكان ذلك خوفا منهما أن يشتغل باله بشيء غير العلم
ثم إنه دخل القاهرة مع والده وعرض محافيظ حفظها التنبيه وغيره على ابن بنت الأعز وغيره وقيل إن والده دخل به إلى شيخ الإسلام تقي الدين ابن دقيق العيد عرض عليه التنبيه وإن الشيخ تقي الدين قال لوالده رد به إلى البر إلى أن يصير فاضلا عد به إلى القاهرة فرد به إلى البر
قال الوالد رحمه الله فلم أعد إلا بعد وفاة الشيخ تقي الدين ففاتتني مجالسته في العلم
وسمعت الوالد يقول أنا ما أتحقق الشيخ تقي الدين ولكني أذكر أني دخلت دار الحديث الكاملية بالقاهرة ورأيت شيخا هيئته كهيئة الشيخ تقي الدين الموصوفة
"""
صفحة رقم 146 """
لنا لعله هو وسمعت الحافظ تقي الدين أبا الفتح ابن العم رحمه الله يقول هو الشيخ تقي الدين ولكن الشيخ الإمام لورعه لا يجزم مع أدنى احتمال
ثم لما دخل القاهرة بعد أن صار فاضلا تفقه على شافعي الزمان الفقيه نجم الدين ابن الرفعة وقرأ الأصلين وسائر المعقولات على الإمام النظار علاء الدين الباجي والمنطق والخلاف على سيف الدين البغدادي والتفسير على الشيخ علم الدين العراقي والقراءات على الشيخ تقي الدين ابن الصائغ والفرائض على الشيخ عبد الله الغماري المالكي
وأخذ الحديث عن الحافظ شرف الدين الدمياطي ولازمه كثيرا ثم لازم بعده وهو كبير إمام الفن الحافظ سعد الدين الحارثي
وأخذ النحو عن الشيخ ابن حيان وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين ابن عطاء الله
وسمع بالإسكندرية من أبي الحسين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن الصواب وعبد الرحمن بن مخلوف بن جماعة ويحيى بن محمد بن عبد السلام
وبالقاهرة من علي بن نصر بن الصواف وعلي بن عيسى بن القيم وعلي بن محمد بن هارون الثعلبي والحافظ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي وشهاب بن علي
"""
صفحة رقم 147 """
المحسني والحسن بن عبد الكريم سبط زيادة وموسى بن علي بن أبي طالب ومحمد بن عبد العظيم بن السقطي ومحمد بن المكرم الأنصاري ومحمد بن محمد بن عيسى الصوفي ومحمد بن نصير بن أمين الدولة ويوسف بن أحمد المشهدي وعمر بن عبد العزيز بن الحسين بن رشيق وشهدة بنت عمر بن العديم
وبدمشق من ابن الموازيني وابن مشرف وأبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وأحمد بن موسى الدشتي وعيسى المطعم وإسحاق بن أبي بكر بن النحاس وسليمان بن حمزة القاضي وخلق
وأجاز له من بغداد الرشيد بن أبي القاسم وإسماعيل بن الطبال وغيرهما
وجمع معجمه الجم الغفير والعدد الكثير وكتب بخطه وقرأ الكثير بنفسه وحصل الأجزاء الأصول والفروع وسمع الكتب والمسانيد وخرج وانتقى على كثير من شيوخه وحدث بالقاهرة ودمشق
سمع منه الحفاظ أبو الحجاج المزي وأبو عبد الله الذهبي وأبو محمد البرزالي وغيرهم
ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال القاضي الإمام العلامة الفقيه المحدث الحافظ فخر العلماء تقي الدين أبو الحسن السبكي ثم المصري الشافعي ولد القاضي الكبير زين الدين
"""
صفحة رقم 148 """
مولده سنة ثلاث وثماني وستمائة
سمع من الدمياطي وطبقته وبالثغر من شيخنا يحيى الصواب لحقه بآخر رمق وبدمشق من ابن الموازيني وابن مشرف وبالحرمين
وكان صادقا متثبتا خيرا دينا متواضعا حسن السمت من أوعية العلم يدري الفقه ويقرره وعلم الحديث ويحرره والأصول ويقرئها والعربية ويحققها ثم قرأ بالروايات على تقي الدين ابن الصائغ وصنف التصانيف المتقنة وقد بقي في زمانه الملحوظ إليه بالتحقيق والفضل
سمعت منه وسمع مني وحكم بالشام وحمدت أحكامه فالله يؤيده ويسدده سمعنا معجمه بالكلاسة انتهى
وذكره أيضا في معجم شيوخ وفي تذكرة الحفاظ وغيرهما من كتبه
ذكره الفاضل الأديب أبو العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري في كتاب مسالك الأبصار فقال بعد ذكر نسبه حجة المذاهب مفتي الفرق قدوة الحفاظ آخر المجتهدين قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن صاحب التصانيف التقي البر العلي القدر
سمي علي كرم الله وجهه الذي هو باب العلم ولا غرو أن كان هذا المدخل إلى ذلك الباب والمستخرج من دقيق ذلك الفضل هذا اللباب والمستمير من تلك المدينة التي ذلك الباب بابها والواقف عليها من سميه فذاك بابها وهذا بوابها
وبحر لا يعرف له عبر وصدر لا يداخله كبر وأفق لا تقيسه كف
"""
صفحة رقم 149 """
الثريا بشبر وأصيل قدره أجل مما يموه به لجين النهار ذائب التبر
إمام ناضح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بنضاله وجاهد بجداله ولم يلطخ بالدماء حد نصاله
حمى جناب النبوة الشريف بقيامه في نصره وتسديد سهامه للذب عنه من كنانة مصره فلم يخط على بعد الديار سهمه الراشق ولم يخف مسام تلك الدسائس فهمه الناشق
ثم لم يزل حتى نقي الصدور من شبه دنسها ووقي من الوقوع في ظلم حندسها
قام حين خلط على ابن تيمية الأمر وسول له قرينه الخوض في ضحضاح ذلك الجمر حين سد باب الوسيلة يغفر الله له ولا حرمها وأنكر شد الرحال لمجرد الزيارة لا واخذه الله وقطع رحمها
وما برح يدلج ويسير حتى نصر صاحب ذلك الحمى الذي لا ينتهك نصرا مؤزرا وكشف من خبء الضمائر في الصدور عنه صدرا موغرا فأمسك ما تماسك من باقي العرى وحصل أجرا في الدنيا وفي الآخرة يرى حتى سهل السبيل إلى زيارة صاحب القبر عليه الصلاة والسلام وقد كادت تزور عنه قسرا صدور الركائب وتجر قهرا أعنة القلوب وهن لوائب بتلك الشبهة التي كادت شرارتها تعلق بحداد
"""
صفحة رقم 150 """
الأوهام وتمد غيهب صداها صدأ على مزايا الأفهام وهيهات كيف يزار المسجد ويخفى صاحبه ( صلى الله عليه وسلم ) أو يخفيه الإبهام أو تذاد المطي عنه وهي تتراشق إليه كالسهام ولولاه ( صلى الله عليه وسلم ) لما عرف تفضيل ذلك المسجد ولا يم إلى ذلك المحل تأميل المغير ولا المنجد ولولاه لما قدس الوادي ولا أسس على التقوى مسجد في ذلك النادي وكذلك قبلها شكر الله له قام في لزوم ما انعقد عليه الإجماع وبعد الظهور بمخالفته على الأطماع
ومنع في مسألة الطلاق أن تجري في الكفارة مجرى اليمين وأن تجلى في صورة إن حققت لا تبين خوفا على محفوظ الأنساب ومحظوظ الأحساب لما كانت تؤدي إليه هذه العظيمة وتستولي عليه هذه المصيبة العميمة
وصنف في الرد على هاتين المسألتين كتابيه بل جرد سيفه وأرهف ذبابيه ورد القرن وهو ألذ خصيم وشد عليه وهو يشد على غير هزيم وقابله وهو الشمس التي تعشي الأبصار وقاتله وكم جهد ما يثبت البطل لعلي وفي يده ذو الفقار
وتطاعنا وتواقفت خيلاهما
وكلاهما بطل اللقاء مقنع
"""
صفحة رقم 151 """
وما زالا حتى تقصدت الصفاح وتقصفت الرماح وتحيفت الكلم الأدلة وجف القلم حتى لم يبق في فيه بلة وانجلت غياهب ذلك العثير تبرق فيه صفحات الحق السوي والحظ السعيد النبوي والنصر المحمدي إلا أنه بالفتوح العلوي بجهاد أيد صاحب الشريعة وآزره ورد على من سد باب الذريعة وخذل ناصره وأمضى يسابق إليه مرمى طرفه
جواد جرى على أعراقه وجاء على إثر سباقه
من عصابة الأنصار حيث يعرف في الحسب التليد ويدخر شرف النسب للمواليد وتصغر عظائم الأخيار وتصعر هامة كل جبار وتنشر ذؤابة يعرب على كتف شرفها وتركز عصابة المجد المؤثل لسلفها
والله أوس آخرون وخزرج
لا بل هو ممن تشيدت به حصونهم الحصينة وحميت به أن يدخل الدجال أنقاب المدينة واستله الفخار من بقايا تلك الأسرة في أكرم ظهورها وأعظم شموسها
"""
صفحة رقم 152 """
المجللة للآفاق بظهورها وأعلى آياتها في مراقي الشريعة الشريفة درجا وأسرى في أرجاء طيبة الطيبة أرجا وأحوى لعلومها أشتاتا ولعلوها في أسانيد العوالي إثباتا ولحنوها على من نزل بها فيما هو أدفأ وأكن أبياتا وأسكن في صدور محافلها من الأسرار وأطلع في أفق جحافلها من الأقمار
بزغ من مطلع الصحابة رضي الله عنهم ونزع به عرقه إلى التابعين لهم بإحسان وهو مثلهم إن لم يكن منهم
ثم خرج من بيت الوزارة حتى تتقاصر النجوم وتتناصر ثم تتناصف الخصوم وتخفض أعناق الغيوم ويجري رحضاء البرق كأنه محموم وتخضر أندية الأفق وسهيل قد نبذ بالعراء كأنه ملوم ويسري هودج النجم وكأنه برسن الجوزاء مزموم ويباري صدر صدره الليل فيربد حنقا ولو ألقي في تياره لما استطاع أن يقوم ويتطاير زبد شبهه ويتنفس سحره كأنه مظلوم ويظهر على آخر فجره ثم يخفى كأنه غيظ مكظوم ويضاهي مرآه مرآة الضوي النهار وأنى له ووجه صباحه كأنه من حمرة الشفق ملطوم ولو بذل ألفا مثل دينار شمسه لما بلغ ما يروم
"""
صفحة رقم 153 """
وبرز في طلب العلم حتى أسكت لسان كل متكلم وأمات ذكر كل متقدم
وأحيا إمامة الشافعي بنشر مذهبه ونصر ذي النسب القرشي في علياء رتبه
وقام بالاحتجاج لإمام بني المطلب في الائتمام بشريعة سيد بني عبد المطلب وإقامة الحجة في سبب تقديمه وحسب ما أحرز في حديثه مضافا إلى قديمه يحتج لقوليه ويحتل كنف مذهبه الممتنع من طريقيه حتى أصبحت تسفر له وجوهه سافرة النقب ضاهرة المحاسن من وراء الحجب
لا ترد الهيم إلا حياضة ولا يعد النسيم إلا رياضة حتى تفرد والزمان بعدد أهله مشحون والعصر بمحاسن بنيه مفتون وساد أهل مصر قاطبة واستوطنها وضرتها الشام له خاطبة وكان بها لدين يقيمه ويقين يديمه وتقى هو وصفه وعلا أراد مطاولتها الطود وما هو نصفه
وقطع بها مدة مقامه في علم ينشره وحق ينصره وضال يهديه وطالب يجديه وسنة يؤيدها وبدعة في دكادك الخذلان يلحدها وزيغ يقوم منآده وزيف يعجل انتقاده وطريقة سلف ما عادها وحقيقة خلف ما أنكرتها عداها
وفتاو يعتمد عليها فقهاء الآفاق ويستند إليها علماء مصر والشام والعراق
"""
صفحة رقم 154 """
وتصانيف هي جادة السبيل ومادة الدليل تصد الأضاليل وترد الأباطيل وترد على العلماء فغاية المجيد أن يستحضر ما حوته من نقول أو يمتد إلى أن يعد نفسه معه فلا يزيد على أن يكتب تحت خطه كذلك نقول
ثم ولي قضاء الشام فأزال عطله وأزاح خطله وأصلح فاسده ونفق كاسده وتوقل ذروة منصبه حتى لا يمتطى السنام ولا يستصلح الأنام ولا يوجد المؤهل واحد في مصر ولا شامه في الشام فحكم بسيرة العمرين في الإنصاف وحكى صورة القمرين في الأوصاف
وانتهت إليه مشيخة دار الحديث بالاستحقاق فوليها وعرضت له أخواتها فما رضيها
وتدارك العلم ولم يبق منه إلا آخر الرمق وصان المذهب وما له وجه إلا ظاهر الرهق
وانتاش الطلبة من مراقد الخمول ومقاعد الونى عن أوائل الحمول حتى نقضت كواكبهم عن مقلها الكرى ورفضت سحائبهم إلا مواصلة السرى إلا أن كثر العلم وطالبه وعز ذو الفضل وصاحبه بكرم لله دره ما أغزره وجود ما أقل لديه حد البحر وما أنزره
"""
صفحة رقم 155 """
لو عاصره حاتم وهو في الكرم لما ذكر أو كعب بن مامة وقد سمح حتى بحص جناحه لما شكر بندى يغص به البحر شرقا ويتفصد جبين السحاب عرقا ويتهيبه البرق فترتعد فرائصه فرقا ويختشي صوائبه الرعد فيتعوذ ولا ينفعه الرقى
هذا كله وهو بعض ما في كرم سجاياه وأقل مما في كثير مزاياه
هذا إلى جبين كالهلال ووقار عليه سميا الجلال وأدب أعذب في المقبل من الماء الزلال وأطيب في المقيل من برد الظلال بنوادر أحر من الجمر وألعب بالعقول أستغفر الله من الخمر
حدا على طريقة سلفه المعرب ما قصرت عن مداه الأوائل واستجدت من نداه النائل وطرف علمه منه بمقدار ما أعانه على التفسير الذي أسكت عارضه كل قائل وغير هذا من انتزاع الميل وأقامة الدلائل
ثم سرح إلى حيث يسرح الطرف ويدئب الطرف ويلم بنادي المتيمين
"""
صفحة رقم 156 """
وينزل بوادي سلف أهل الصبابة المغرمين ويخالط تلك العصابة في كيسها ويذكر حديث ليلى وقيسها لطائف لو أنها لأهل ذلك الزمان السالف لما قالوا الأسمار إلا في طرائف ظرائفها ولا قالوا في سمرات الحي إلا في ظل وارفها ولا زادوا في ربيع بن أبي ربيعة إلا بعض زخارفها ولا عدوا جميلا إلا ما نشر من فضل مطارفها ولا رجعوا عنها إلى مذهب جرير في أوبه ولا خيموا عزل الأناشيد بتوبه كل ذلك بطرف أدب غض الجنى لي منه إلا إطراب السامع وتنويع ما لا إثم فيه إذا قيل في فضله الجامع هو الله الجامع الذي لا يضاهي بيوت عبادته المساجد ولا يساهر مقل قناديلها طرفه الهاجد ولا تضم ضلوع محاريها مثل صدره ولا تشتمل أحناء عقودها على مثل سره بسيرة زينها العفاف فما تدنست صحف أيامها وأقنعها الكفاف فما رأت ما زاد عليه إلا من آثامها
وقد عادت دمشق به معمورة الأندية مأثورة الأنحية باهرة العلماء ظاهرة بزينة نجوم السماء ماضية على منهج القدماء قاضية على سواها بأن العلم فيها بالحقيقة وفي غيرها بالأسماء
"""
صفحة رقم 157 """
وهذا هو اليوم والله يبقيه خير من أظلته خضراؤها وصغرت لدى قدره الجليل كبراؤها قد ملك قلوب أهلها المتباينة وساق بعصاه سوائم شردها المتعاصية واستوسق به أمر الشام لعلي وكان لا يطيع إلا معاوية
انتهى
وذكر بعد ذلك شيئا من حاله وقال في آخره وانتهت إليه رياسة العلم في القراءات والحديث والأصلين والفقه
هذا كلام ابن فضل الله ولا يخفى ما كان بينه وبين الوالد من الشحناء
وذكره الشيخ الإمام الأديب صلاح الدين أبو الصفاء خليل بن أيبك الصفدي في كتاب أعيان العصر فقال بعد ذكر نسبه الإمام العالم العامل الزاهد العابد الورع الخاشع البارع العلامة شيخ الإسلام حبر الأمة مفتي الفرق المقرئ المحدث الرحلة المفسر الفقيه الأصولي البليغ الأديب المنطيقي الجدلي النظار جامع الفنون علامة الزمان قاضي القضاة أوحد المجتهدين تقي الدين أبو الحسن الأنصاري الخزرجي السبكي الشافعي الأشعري
يا سعد هذا الشافعي الذي
بلغه الله تعالى رضاه
يكفيه يوم الحشر أن عد في
أصحابه السبكي قاضي القضاة
أما التفسير فيا إمساك ابن عطية ووقوع الرازي معه في رزية
وأما القراءات فيا بعد الداني وبخل السخاوي بإتقان السبع المثاني
وأما الحديث فيا هزيمة ابن عساكر وعي الخطيب لما أن يذاكر
"""
صفحة رقم 158 """
وأما الأصول فيا كلال حد السيف وعظمة فخر الدين كيف تحيفها الحيف
وأما الفقه فيا وقوع الجويني في أول مهلك من نهاية المطلب وجر الرافعي إلى الكسر بعد انتصاب علمه المذهب في المذهب
وأما المنطق فيا إدبار دبيران وقذى عينه وابتهار الأبهري وغطاء كشفه بمينه
وأما الخلاف فيا نسف جبال النسفي وعمى العميدي فإن إرشاده خفي
وأما النحو فالفارسي ترجل إليه يطلب إعظامه والزجاجي تكسر جمعه ما فاز بالسلامة
وأما اللغة فالجوهري ما لصحاحة قيمة والأزهري أظلمت لياليه البهيمة
وأما الأدب فصاحب الذخيرة استعطى وواضع اليتيمة تركها وذهب إلى أهله يتمطى
وأما الحفظ فما سد السلفي خلة ثغره وكسر قلب الجوزي لما أكل الحزن لبه وخرج من قشره
"""
صفحة رقم 159 """
هذا إلى إتقان فنون يطول سردها ويشهد الامتحان أنه في المجموع فردها واطلاع على معارف أخر وفوائد متى تكلم فيها قلت بحر زخر
إذا مشى الناس في رقراق علم كان هو خائض اللجة وإذا خبط الناس عشواء سار هو في بياض المحجة
وأما الأخلاق فقل أن رأيتها في غيره مجموعة أو وجد في أكياس الناس دينار على سكتها المطبوعة
فم بسام ووجه بين الجمال والجلال قسام وخلق كأنه نفس السحر على الزهر نسام
وكف تخجل الغيوث من ساجمها وتشهد البرامكة أن نفس حاتم في نقش خاتمها
وحلم لا يستقيم معه الأحنف ولا يرى المأمون معه إلا خائنا عند من روى أو صنف ولا يوجد له فيه نظير ولا في غرائب أبي مخنف ولا يحمل عليه حمل فإنه جاء فيه بالكيل المكنف
لم أره انتقم لنفسه مع القدرة ولا شمت بعدو هزم بعد النصرة بل يعفو ويصفح عمن أجرم ويتألم لمن أوقد الدهر نار حربه وأضرم
"""
صفحة رقم 160 """
ورعاية ود لصاحبه الذي قدم عهده وتذكر لمحاسنه التي كاد يمحوها بعده
وطهارة لسان لم يسمع منه في غيبة بنت شفة ولا تسف طيور الملائكة منه على سفه
وزهد في الدنيا وأقلامه تتصرف في الأموال ويفضها على ممر الأيام والجمع والأشهر والأحوال واطراح للملبس والمأكل وعزوف عن كل لذة وإعراض عن أعراض هذه الدنيا التي خلق الله النفوس إليها مغذة
هذا ما رآه عياني وختم عليه جناني
وأما ما وصف لي من قيام الدجا والوقوف في مقام الخوف والرجا فأمر أجزم بصدقه وأشهد بحقه فإن هذا الظاهر لا يكون له باطن غير هذا ولا يرى غيره حتى المعاد معاذا
علم الزمان حساب كل فضيلة
بجماعة كانت لتلك محركه
فرآهم متفرقين على المدا
في كل فن واحدا قد أدركه
فأتى به من بعدهم فأتى بما
جاؤوا به جمعا فكان الفذلكه
"""
صفحة رقم 161 """
ثم اندفع القاضي صلاح الدين في ذكر شيء من أحواله وكراماته وأخباره فإنه كان يحبه وله به خصوصية
"""
صفحة رقم 162 """
"""
صفحة رقم 163 """
"""
صفحة رقم 164 """
"""
صفحة رقم 165 """
"""
صفحة رقم 166 """
رحل الوالد رحمه الله إلى الشام في طلب الحديث في سنة ست وسبعمائة وناظر بها وأقر له علماؤها وعاد إلى القاهرة في سنة سبع مستوطنا مقبلا على التصنيف والفتيا وشغل الطلبة وتخرج به فضلاء العصر
"""
صفحة رقم 167 """
ثم حج في سنة ست عشرة وزار قبر المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) ثم عاد وألقى عصا السفر واستقر والفتاوى ترد عليه من أقطار الأرض وترد إليه بعضا على بعض
وانتهت إليه رياسة المذهب بمصر فما طافت على نظيره وإن سقاها النيل ورواها ولا اشتملت على مثله أباطحها ورباها ولا فخرت إلا به حتى لقد لعبت بأعطاف البان مهاب صباها
وفي هذه المدة رد على الشيخ أبي العباس ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة وألف غالب مؤلفاته المشهورة كالتفسير وتكملة شرح المهذب وشرح المنهاج للنووي وغير ذلك من مبسوط ومختصر
وطار اسمه فملأ الأقطار وحلق على الدنيا ولم يكتف بمصر من الأمصار شهرة بعدت أطرافا وعمدت إلى الربع العامر من جانبيه تحاول عليه إشرافا
"""
صفحة رقم 168 """
وتمادى الأمر إلى سنة تسع وثلاثين وسبعمائة في تاسع عشر جمادى الآخرة منها وكان قد تهيأ لملازمة بيته وذلك أنه كان من عادته من حين يهل شهر رجب لا يخرج من بيته حتى ينسلخ شهر رمضان إلا لصلاة الجمعة فطلبه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون رحمه الله وذكر له أن قضاء الشام قد شغر بوفاة جلال الدين القزويني وأراده على ولايته فأبى فما زال السلطان إلى أن ألزمه بذلك بعد ممانعة طويلة في مجلس متماد يطول شرحه فقبل الولاية يالها غلطة أف لها وورطة ليته صمم ولا فعلها
فقدم دمشق وسار على ما يليق به من قدم ما نرى القاضي بكارا زاد عليه إلا بتبكيره ومجيئه في أول الزمان وهذا جاء في أخيره مصمما في الحق لا تأخذه فيه لومة لائم صادعا بالشرع لا يهاب بطش الظالم غير ملتفت إلى شفيع ولا مكترث بذي قدر رفيع
حتى يقول لسان الحال ينشده
يا ثبت لله هذا الصبر والجلد
المسلمون بخير ما بقيت لهم
وليس بعدك خير حين تفتقد
وربما خاطبته الملوك وهو لا يسمع لهم كلاما ولا يرد عليهم جوابا
"""
صفحة رقم 169 """
يدع الجواب فلا يراجع هيبة
والسائلون نواكس الأذقان
أدب الوقار وعز سلطان التقى
فهو العزيز وليس ذا سلطان
وجلس للتحديث بالكلاسة فقرأ عليه الحافظ تقي الدين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف السبكي جميع معجمه الذي خرجه له الحافظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أيبك الحسامي الدمياطي رحمه الله وسمعه عليه خلائق منهم الحافظ الكبير أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزي والحافظ الكبير أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي
وقد تولى بدمشق مع القضاء خطابة الجامع الأموي وباشرها مدة لطيفة وأنشدني شيخنا الذهبي لنفسه إذ ذاك
ليهن المنبر الأموي لما
علاه الحاكم البحر التقي
شيوخ العصر أحفظهم جميعا
وأخطبهم وأقضاهم علي
وولي بعد وفاة الحافظ المزي مشيخة دار الحديث الأشرفية فالذي نراه أنه ما دخلها أعلم منه ولا أحفظ من المزي ولا أورع من النووي وابن الصلاح
وقال لي شيخنا الذهبي حين ولي الخطابة إنه ما صعد هذا المنبر بعد ابن عبد السلام أعظم منه
"""
صفحة رقم 170 """
ثم ولي تدريس الشامية البرانية عند شغورها بموت الشيخ شمس الدين ابن النقيب فما حل مفرقها واقتعد نمرقها أعلم منه كلمة لا استثناء فيها كذا يكون من يتولى المناصب وبمثل هذا تناط المراتب
ذكر شيء من الرواية عنه
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ مناولة مقرونة بالإجازة الخاصة قال أخبرنا علي بن عبد الكافي الحافظ بكفر بطنا بقراءتي أخبرنا يحيى بن أحمد أخبرنا محمد ابن عماد أخبرنا ابن رفاعة أخبرنا الخلعي أخبرنا عبد الرحمن بن عمر أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا سعدان حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأوبر عن أبي هريرة قال رأيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي حافيا وناعلا وقائما وقاعدا وينفتل عن يمينه وعن شماله
قال لنا شيخنا أبو عبد الله الذهبي الحافظ رضي الله عنه هذا حديث غريب صالح الإسناد واسم أبي الأوبر زياد الحارثي كوفي سماه يحيى بن معين
"""
صفحة رقم 171 """
أخبرنا أبي تغمده الله برحمته أخبرنا أقسيان بن محفوظ بقراءتي أخبرنا قايماز بن عبد الله أخبرنا السلفي أخبرنا الخانساري بجرباذقان أخبرنا أبو طاهر عبد الرحيم أخبرنا ابن حيان حدثنا عبد الله بن محمد بن زكريا حدثنا محرز حدثنا المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر قال جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن أبي يريد أن يأخذ مالي قال ( أنت ومالك لأبيك )
قال لنا شيخ الإسلام الوالد رضي الله عنه رواه ابن ماجة عن هشام بن عمار عن عيسى بن يونس عن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر وهو إسناد جيد
والمنكدر بن محمد الذي وقع في روايتنا هذه غلبت عليه العبادة فقطعته عن الحفظ
ومحرز الراوي عنه هو ابن سلمة روى عنه ابن ماجة وذكره ابن حيان في الثقات
وهذا الحديث متأول عند أكثر العلماء ويدل له أمران أحدهما قوله أنت ومن المعلوم أن الحر لا يملك
والثاني قوله ومالك ومن المعلوم أن المال لا يكون في الوقت الواحد لمالكين
"""
صفحة رقم 172 """
فالمقصود أن الولد يعد بنفسه وماله لأبيه حتى لا يستأثر عنه بشيء
انتهى كلام الوالد رحمه الله
أخبرنا شيخ الإسلام الوالد رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع قال أخبرنا أبو العباس الدشتي بقراءة الذهبي الحافظ عليه وأنا أسمع أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ ح
وأخبرتنا زينب بنت الكمال في كتابها عن يوسف بن خليل أخبرنا خليل بن أبي الرجاء ومسعود الخياط قالا أخبرنا أبو علي المقرئ أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أحمد بن يوسف حدثنا الحارث حدثنا عبد الله بن بكر حدثنا حميد عن أنس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان بالبقيع فنادى رجل يا أبا القاسم فالتفت إليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لم أعنك يا رسول الله إنما دعوت فلانا قال ( تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي )
قال لنا الشيخ الإمام الوالد تغمد الله برحمته هذا حديث صحيح متفق عليه رواه البخاري من حديث زهير بن معاوية الكوفي عن حميد ورواه مسلم من حديث مروان بن معاوية الفزاري عن حميد
وقد اختلف العلماء في التكني بأبي القاسم والمختار عندي امتناعه مطلقا لمن اسمه محمد ولغيره في زمانه ( صلى الله عليه وسلم ) وبعده لإطلاق النهي وليس للتخصيص أو التقييد دليل قوي وقد تكنى جماعة من العلماء به كأنهم رأوا تقييد
"""
صفحة رقم 173 """
النهي وذلك عذر لهم منم الرافعي وأقرانه وعندي تحرج إذا ذكرتهم أن أذكر هذه الكنية وإن كان ذكري ليس تكنية حتى يدخل في النهي لأن التسمية وضع اللفظ للمعنى والتسمي قبول المسمى ذلك وهما الواردان في النهي وأما الإطلاق فأمر ثالث لكنه يظهر امتناعه أيضا إما لأنه في معنى التسمي لأنه رضى بذلك وإما لأن ذلك كالتقرير على المنكر اللهم إلا أن يكون ذلك الشخص لا يعرف إلا به فيكون عذرا مانعا من الإلحاق مع عدم دخوله في النهي فليتنبه لذلك
انتهى كلام الوالد رحمه الله إملاء
وما ذكره من البحث دقيق حق وبه اعتذر في شرح المنهاج عن الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله حيث كنى في خطبة المنهاج الرافعي بأبي القاسم مع اختياره المنع
أخبرنا الشيخ الوالد رضي الله عنه قراءة عليه وأنا أسمع قال أخبرنا الشيخان أبو الحجاج يوسف بن بدران بن بدر الحجوي المقدسي وأم محمد زينب بنت أحمد ابن عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسية سماعا عليهما قالا أخبرنا أبو الفضل جعفر ابن علي بن هبة الله الهمداني قراءة عليه ونحن نسمع قال أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي في جمادى الأولى سنة سبعين وخمسمائة قال أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني ببغداد سنة أربع وتسعين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 174 """
قال أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزاز قال أخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن الحسن بن محمد بن نصر السقطي المعروف بابن أبي رؤبة حدثنا أبو بكر محمد بن سليمان بن الحارث الباغندي الواسطي قال حدثنا عبيد الله ابن موسى أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال شكونا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو متوسد بردة له عند الكعبة أن يدعو الله لنا قلنا ألا تستنصر لنا قال فجلس مغضبا محمرا وجهه فقال ( كان الرجل من قبلكم يؤخذ فيوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب وليتمن الله هذا الدين حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون )
أخرجه البخاري عن مسدد وابن المثنى كلاهما عن يحيى عن إسماعيل
"""
صفحة رقم 175 """
وعن الحميدي عن سفيان عن بيان وإسماعيل
وأبو داود عن عمرو بن عون عن هشيم وخالد بن عبد الله كلاهما عن يحيى ببعضه كلاهما عن إسماعيل
والنسائي عن عبدة بن عبد الرحيم عن سفيان به وعن يعقوب بن إبراهيم وابن المثنى كلاهما عن يحيى ببعضه كلاهما عن قيس بن أبي حازم به
أخبرنا شيخ الإسلام الشيخ الإمام بقراءتي عليه قال أخبرنا إسحاق بن أبي بكر النحاس قال أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ قال أخبرنا يحيى بن أسعد الأزجي قال أخبرنا أبو طالب عبد القادر بن محمد وأبو نصر أحمد بن عبد الله وأبو غالب بن البناء أخبرنا الحسن بن علي الجوهري أخبرنا أبو بكر بن حمدان القطيعي حدثنا بشر بن موسى الأسدي حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ عن أبي حنيفة عن الهيثم عن محمد بن سيرين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ليس في العوامل والحوامل صدقة
محمد بن سيرين لم يذكر له ترجمة في الأطراف عن علي
"""
صفحة رقم 176 """
وأبو عبد الرحمن المقرئ الراوي عن أبي حنيفة هو عبد الله بن يزيد العدوي مولى آل عمر بن الخطاب أصله من ناحية البصرة سكن مكة
ولا معنى للتطويل بذكر الكثير من حديث شيخ الإسلام الشيخ الإمام وقد اشتمل كتابنا هذا على الكثير منه فنكتفي منه في ترجمته بذكر ما أوردناه
أنشدنا شيخ الإسلام الشيخ الإمام لنفسه وقد وقف على كتاب صنفه ابن تيمية في الرد على ابن المطهر الرافضي
إن الروافض قوم لا خلاق لهم
من أجهل الخلق في علم وأكذبه
والناس في غنية عن رد إفكهم
لهجنة الرفض واستقباح مذهبه
وابن المطهر لم تطهر خلائقه
داع إلى الرفض غال في تعصبه
لقد تقول في الصحب الكرام ولم
يستحي مما افتراه غير منجبه
ولابن تيمية رد عليه وفى
بمقصد الرد واستيفاء أضربه
لكنه خلط الحق المبين بما
يوشبه كدرا في صفو مشربه
يخالط الحشو أنى كان فهو له
حثيث سير بشرق أو بمغربه
يرى حوادث لا مبدا لأولها
في الله سبحانه عما يظن به
لو كان حيا يرى قولي ويفهمه
رددت ما قال أقفو إثر سبسبه
كما رددت عليه في الطلاق وفي
ترك الزيارة ردا غير مشتبه
"""
صفحة رقم 177 """
وبعده لا أرى للرد فائدة
هذا وجوهره مما أضن به
والرد يحسن في حالين واحدة
لقطع خصم قوي في تغلبه
وحالة لانتفاع الناس حيث به
هدى وربح لديهم في تطلبه
وليس للناس في علم الكلام هدى
بل بدعة وضلال في تكسبه
ولي يد فيه لولا ضعف سامعه
جعلت نظم بسيطي في مهذبه
وأنشدنا أيضا لنفسه قصيدته التي يخاطب بها أخي الأكبر أبا بكر محمدا تغمد الله برحمته وهي طويلة منها
أبني لا تهمل نصيحتي التي
أوصيك واسمع من مقالي ترشد
احفظ كتاب الله والسنن التي
صحت وفقه الشافعي محمد
واعلم أصول الفقه علما محكما
يهديك للبحث الصحيح الأيد
وتعلم النحو الذي يدني الفتى
من كل فهم في القرآن مسدد
واسلك سبيل الشافعي ومالك
وأبى حنيفة في العلوم وأحمد
وطريقة الشيخ الجنيد وصحبه
والسالكين طريقهم بهم اقتد
واتبع طريق المصطفى في كل ما
يأتي به من كل أمر تسعد
واقصد بعلمك وجه ربك خالصا
تظفر بسبل الصالحين وتهتد
"""
صفحة رقم 178 """
واخش المهيمن وأت ما يدعو إليه
وانته عما نهى وتزهد
وارفع إلى الرحمن كل ملمة
بضراعة وتمسكن وتعبد
واقطع عن الأسباب قلبك واصطبر
واشكر لمن أولاك خيرا واحمد
وعليك بالورع الصحيح ولا تحم
حول الحمى واقنت لربك واسجد
وخذ العلوم بهمة وتفطن
وقريحة سمحاء ذات توقد
واستنبط المكنون من أسرارها
وابحث عن المعنى الأسد الأرشد
وعليك أرباب العلوم ولا تكن
في ضبط ما يلقونه بمفند
وإذا أتتك مقالة قد خالفت
نص الكتاب أو الحديث المسند
فاقف الكتاب ولا تمل عنه وقف
متأدبا مع كل حبر أوحد
فلحوم أهل العلم سمت للجنة
عليهم فاحفظ لسانك وابعد
هذي وصيتي التي أوصيكها
أكرم بها من والد متودد
وأنشدنا لنفسه
إلهي فوضت الأمور جميعها
إليك فدبرها بما شئت والطف
وسلمني اللهم يا رب واحمني
وخذ بيدي وامنن وجد وتعطف
"""
صفحة رقم 179 """
وأنشدنا من لفظه لنفسه
لعمرك إن لي نفسا تسامى
إلى ما لم ينل دارا بن دارا
فمن هذا أرى الدنيا هباء
ولا أرضى سوى الفردوس دارا
وأيضا
إن الولاية ليس فيها راحة
إلا ثلاث يبتغيها العاقل
حكم بحق أو إزالة باطل
أو نفع محتاج سواها باطل
وأيضا وقد أوردها عنه ابن فضل الله في تاريخه
قلبي ملكت فما به
مرمى لواش أو رقيب
قد حزت من أعشاره
سهم المعلى والرقيب
يحييه قربك إن مننت
به ولو مقدار قيب
يا متلفي ببعاده
عني أما خفت الرقيب
وأيضا وهو مما أورده ابن فضل الله عنه في التاريخ
في كل واد بليلى وإله شغف
ما إن يزال به من مسها وصب
"""
صفحة رقم 180 """
ففي بني عامر من حبها دنف
ولابن تيمية من عهدها سغب
وكان قد قالهما وقد وجد إكثار ابن تيمية من ذكر ليلى وتمنيها وأراد بعهد ليلى ظاهرا ما هو له وباطنا يمينها واليمين العهد
وأيضا
كمال الفتى بالعلم لا بالمناصب
ورتبة أهل العلم أسنى المراتب
هم ورثوا علم النبيين فاهتدى
بهم كل سار في الظلام وسارب
ولا فخر إلا إرث شرعة أحمد
ولا فضل إلا باكتساب المناقب
وبحث وتدقيق وإيضاح مشكل
وتحرير برهان وقطع مغالب
وإحكام آيات الكتاب وسنة
أتت عن رسول من لؤي بن غالب
إذا المرء أمسى للعلوم محالفا
أضاء له منها جميع الغياهب
وينزاح عنه كل شك وشبهة
وتبدو له الأنوار من كل جانب
هي الرتبة العليا تسامى بأهلها
إلى مستقر فوق متن الكواكب
فدونكها إن كنت للرشد طالبا
تنل خير مرجو الدنا والعواقب
ولا تعدلن بالعلم مالا ورفعة
وسمر القنا أو مرهفات القواضب
وهبك ازوت دنياك عنك فلا تبل
فعنها لقد عوضت صفو المشارب
فما قدر ذي الدنيا وما قدر أهلها
وما اللهو بالأولاد أو بالكواعب
إذا قست ما بين العلوم وبينها
بعقل صحيح صادق الفكر صائب
فما لذة تبقى ولا عيش يقتنى
سوى العلم أعلى من جميع المكاسب
"""
صفحة رقم 181 """
نقلت من خط أخي شيخنا شيخ الإسلام أبي حامد أحمد سلمه الله تعالى أن الوالد أنشد هذه الأبيات حين أخذت منه مشيخة جامع طولون في سنة تسع عشرة وأن والدته الجدة ناصرية أسفت عليه وكان ذلك بعد ولادة الأخ أبي حامد قال فكان الوالد يقول ها يا أم وما أدراك أن هذا الميعاد يعود ويكون رزق هذا المولود فعاد إليه في سنة سبع وعشرين واستمر بيده إلى سنة تسع وثلاثين لما ولي قضاء الشام واستمر باسم الأخ أبي حامد وهو الآن بيده جعله الله كلمة باقية في عقبه
قلت وقد ضمن صاحبنا الحافظ الكبير صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي البيت الأول من هذه القصيدة في أبيات له وهي
ألا إنما الدنيا مطية راكب
تسير به في مهمة وسباسب
فإما إلى خير يسر نواله
وإما إلى شر وسوء معاطب
فلولا ثلاث هن أفضل مقصد
لما كنت في طول الحياة براغب
ملازمة خير اعتقاد منزها
عن النقص والتشبيه رب المواهب
ونشر علوم للشريعة ناظما
عقود معانيها لتفيهم طالب
وصوني نفسي عن مزاحمة على
دني حطام أو علي مناصب
ففي ذاك بالقنوع وراحة
معجلة من خوف ضد مغالب
وحسبك في ذا قول عالم عصره
مقال محق صادق غير كاذب
كمال الفتى بالعلم لا بالمناصب
ورتبة أهل العلم أسنى المراتب
"""
صفحة رقم 182 """
ومع ذاك أرجو من إلهي عفوه
وخاتة الحسنى ونيل الرغائب
ويطمعني في ذي الثلاث ثلاثة
بهم اعتصامي من وبيل المصائب
محبة خير الخلق أحمد مصطفى المهيمن
من عليا لؤي بن غالب
وأني موال للصحابة كلهم
ومن بعدهم من تابع في المذاهب
وبالأولياء الغر حسن تعلقي
أرى حبهم حتما علي كواجب
فحسبي بهذا كله لي عدة
حياتي وموتي والإله محاسبي
وأنشدنا الشيخ الإمام الوالد رحمه لله لنفسه جوابا عن سؤال ورد عليه في السماع أيما أحل هو أو الغيبة
يا صاحب الأحوال والزفرات
والذكر والتسبيح في الخلوات
أما اغتياب الناس فهو محرم
قطعا بنص الله في الحجرات
فحذار منه حذار لا تعدل به
لهوا به نوع من الشبهات
واعلم بأن الرقص والدف الذي
عنه سألت وقلت في أصوات
فيه خلاف للأئمة قبلنا
سرج الهداية سادة السادات
لكنه لم تأت قط شريعة
طلبته أو جعلته في القربات
والعارف المشتاق إن هو هزه
وجد فقام يهيم في سكرات
لا لوم يلحقه ويحمد حاله
يا طيب ما يلقى من اللذات
إن نلت ذا يوما فقد نلت المنى
وغنيت فيه عن فتاوى الفاتي
هذا جواب علي السبكي ذي الحجب
العظيمة صاحب الحسرات
"""
صفحة رقم 183 """
أنشدنا الشيخ الإمام لنفسه قصيدته التي نظمها في الشطرنج عند اقتراح الشيخ أبي حيان ذلك على أهل العصر على زنة خاصة
ومن نبأ ذلك أن أبا حيان اقترح أن ينظم الشعراء على عروض قول ابن حزمون وقافية قوله
إليك إمام الخلق جبت المفاوزا
وخلفت خلفي صبية وعجائزا
وشرط أبو حيان على من عارضه أن يتغزل ثم يذكر الغرض ثانيا ثم يمدحه ثالثا
فمطلع قصيدة الشيخ الإمام
أخا العذل لا تفرط وكن متجاوزا
فما كل عذل في المحبة جائزا
ولا كل ذي وجد يطيق احتماله
وإن كان ذا أيد شديدا مبارزا
ولا كل صب يحسب الغي رشده
وكيف ومثلي من يفك المرامزا
وهي طويلة عدتها مائة واثنا عشر بيتا لم يتكرر عليه فيها قافية منها
وإني لفي أسر الهوى ووثاقه
حليف الضنا من حين كنت مناهزا
تقاذفني أمواجه وبحوره
ولم ألق فيها بين بحرين حاجزا
ولا أبتغي عنها زوالا وإنني
لفي لذة منها أحاذر غامزا
وما من رياض الأنس إلا ولي بها
مراتع لهو جاهرا لا مغامزا
وكم من ربى زهر بها عشت طيبا
خمائلها تسبي النهى والنحائزا
"""
صفحة رقم 184 """
فطورا أغاني الغانيا وتارة
أغازل غزلانا نفارا نوافزا
تصيد بأجفان مراض نواعس
أسود عرين خادرات نواشزا
وطورا بألحان تعبد معبد
بها مهجتي أهدى إليها هزاهزا
وطورا براح راحة القلب عندها
ينازعنيها أحور بات قافزا
صبوت إليها حين طاب عزائزا
فصد فألقى في القلوب حزائزا
وعز فذلت نفس حر على الهوى
وصال فقلت اسفك دمي لك جائزا
لا حرام ولا مكروه بل يتخير بين طرفيه
سلوي محال والصبابة واجب
أليس وصالي يا أخا الحسن جائزا
فجد واغتنم أجري وكن متعطفا
ولو بخيال في منامي حائزا
أنشدنا الشيخ الإمام لنفسه جوابا لبعض الصوفية من أبيات في الذكر
إذا ما رمت إدراكا بفكري
يقصر عن مدى معشار عشر
ويدهش أن يفكر في جلال
من السبحات والتنزيه سري
فهيبة ذي الجلال تثير وجدي
ورؤية ذي الكمال تبيح سكري
أتاني منك يا شيخ المعاني
سؤال جل في تحقيق ذكر
وأنت بشرحه أولى وأدرى
وفي مثل وما خبر كخبر
إذا رمنا اقتناصا من معان
تدق فأنت مقصد كل حبر
"""
صفحة رقم 185 """
وإن رمنا المعارف أو صلاح القلوب
فأنت لجة كل بحر
وأحوال القلوب عليك تجلى
معارفها فتأخذ كل بكر
إذا ما السيف برح عن خفاء
رأينا منه كل مصون در
وإن أبدى من الأحوال كشفا
فدونك فاستمع لحلال سحر
ولكني أقول ومنك قولي
وليس بنافد ودي وشكري
ولولا العبد معتقدا محبا
لأمسك خوف تقصير وقصر
سألت عن المداد جرى مضافا
إلى كلماته في ضمن ذكر
وهل مدد يضاف لها مناف
مرادا أو على مجراه يجري
وما الأولى بأوراد لعبد
يحاسب نفسه بجزيل أجر
فدونك يا مربي كل شيخ
وعارف وقتنا بديار مصر
مدادا لفظة صحت لدينا
عن الهادي البشير بغير نكر
رواها مسلم واللفظ فيه
كما قلنا كذا نقرا ونقري
وما مدد بلفظ في حديث
وفي معناه بعد عند سبر
مداد ما تسطر منه خط
وذلك ممكن في كل أمر
فيفنى الخط والكلمات تبقى
بقاء مهيمن رحمن بر
وأما قولنا مدد فأصل
لفرع ناشئ عنه بنشر
"""
صفحة رقم 186 """
هذا ما أحفظ من هذا الجواب وكانت القصيدة طويلة أجاب بها بعض العارفين عند ورود سؤال منه عليه ولم أقف على السؤال ولا عرفت السائل
وقد كانت الأسئلة تأتيه من شرق الأرض وغربها فما كان منها متعلقا بعلوم الظاهر نقف عليه ونبحث عنه وما كان منها متعلقا بعلم الباطن قل أن يوقفنا عليه أو يعرفنا سائله وكان يكتم أحوال من يعرفه من الأولياء
وأنا أجوز أن يكون هذا السائل شيخه الشيخ أبا العباس بن عطاء الله فإني أرى في هذا النظم من تعظيمه للسائل ووصفه إياه بأنه عارف وقته بديار مصر ما ينبئ عن ذلك
أنشدنا الشيخ الإمام لنفسه أرجوزته المسماة بلمعة الإشراق في أمثلة الاشتقاق وهي
يقول راجي الله ذي الألطاف
حقا علي بن عبد الكافي
من بعد حمد الله والصلاة
على النبي دائم الأوقات
"""
صفحة رقم 187 """
"""
صفحة رقم 188 """
"""
صفحة رقم 189 """
"""
صفحة رقم 190 """
وأنشدنا لنفسه وقد وقف على كتاب المناقضات للأخ الشيخ الإمام العلامة بهاء الدين أبي حامد أحمد أمتع الله ببقائه
أبو حامد في العلم أمثال أنجم
وفي النقد كالإبريز أخلص بالسبك
فأولهم من إسفراين نشؤه
وثانيهم الطوسي والثالث السبكي
وهذه منقبة للأخ سلمه الله فأي مرتبة أعلى من تشبيه والده وهو من هو علما ودينا وتحرزا في المقال له بالغزالي وأبي حامد الإسفرايني
ولقد كان الوالد رضي الله عنه يجل الأخ ويعظمه سمعته غير مرة يقول أحمد والد وهذا يشبه قول الأستاذ أبي سهل الصعلوكي في ولده الأستاذ أبي الطيب
"""
صفحة رقم 191 """
سهل بن أبي سهل الصعلوكي سهل والد
وكذلك سمعت الشيخ الإمام رحمه الله يقول في مرض موته والأخ غائب في الحجاز غيبة أحمد أشد علي مما أنا فيه من المرض وقد قال أبو سهل هذه الكلمة في مرض موته وولده أبو الطيب غائب
وبلغه أن دروس الأخ خير من دروسه فقال
دروس أحمد خير من دروس علي
وذاك عند علي غاية الأمل
وأنشدنا لنفسه وكتب بهما على الجزء الذي خرجته في الكلام على حديث المتبايعين بالخيار
عبد الوهاب مخرجه
من فضل الله علي نشا
يا رب قه ما يحذره
واقدر فيه الخيرات وشا
وكتب بخطه على ترجمته التي أنشأتها في كتاب الطبقات الوسطى وقد كانت الطبقات الوسطى تعجبه ويضعها غالبا بين يديه ينظر فيها رأيته كتب بخطه على ترجمته وهو عندي الآن ما نصه
عبد الوهاب نظرت إلى
ورم باد يحكي سمنا
وشغاف بي يدعوك إلى
حسبانك في حالي حسنا
يا رب اغفر لابني فيما
قد خط وقال هوى وجنا
والله إني في نفسي أحقر من أن أنسب إلى غلمان واحد من المذكورين ومن
"""
صفحة رقم 192 """
أنا في الغابرين أسأل الله خاتمة حسنة بمنه وكرمه وبمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) كتبه علي السبكي في يوم السبت مستهل جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة بظاهر دمشق هذا صورة خطه على حاشية كتاب الطبقات الوسطى لي
وأنشدوني عنه وقد جلست للشغل في العلم عقيب وفاة الشيخ الإمام فخر الدين المصري إلى جانب الرخامة التي بالجامع الأموي التي يقال إن أول من جلس إلى جانبها شيخ الإسلام فخر الدين ابن عساكر ثم تلميذه شيخ الإسلام عز الدين ابن عبد السلام ثم تلميذه الشيخ تاج الدين ابن الفركاح الفزاري ثم تلميذه ولده الشيخ برهان الدين ثم تلميذه الشيخ فخر الدين المصري ثم أنا وكتبتها من خط الوالد رحمه الله تعالى
الجامع الأموي فيه رخامة
يأوي لها من للفضائل يطلب
الشيخ فخر الدين نجل عساكر
والشيخ عز الدين عنه ينسب
والشيخ تاج الدين نجل فزارة
عنه تلقاها يفيد ويدأب
ثم ابنه أكرم به من سيد
ورع له كل المناصب تخطب
وتلاه فخر الدين واحد مصره
بذكائه كالنار حين تلهب
وابني يليهم زاده رب السما
علما وفهما ليس فيه ينصب
وكتب إلي الشيخ الإمام الوالد تغمده الله برحمته وقد وليت توقيع الدست
"""
صفحة رقم 193 """
بالشام المحروس بين يدي ملك الأمراء الأمير علاء الدين أمير علي ين علي المارديني نائب الشام
أقول لنجلي البر المفدى
مقالا وثقت منه عراه
وليت كتابة في دست ملك
رست أحكامه وسمت ذراه
فلا تكتب بكفك غير شيء
يسرك في القيامة أن تراه
ولا تأخذ من المعلوم إلا
حلالا طيبا عطرا ثراه
ونصحك صاحب الدست اتخذه
شعارك فالسعادة ما تراه
ثلاث يا بني بها أوصي
فمن يأخذ بها يحمد سراه
وتقوى الله رأس المال فالزم
فما للعبد إلا من براه
فكتبت إليه الجواب رضي الله عنه
أتت والقلب في الغفلات ساه
تنبه كل ساه من كراه
وصاية والد بر شفوق
يقوم مع ابنه فيما عراه
رءوف بابنه لو بيع مجد
بمقدور لبادر واشتراه
ألا يأيها الرجل المفدى
ومن فوق السماء نرى ثراه
أنلت فنلت في الدنيا منالا
يسرك في القيامة أن تراه
"""
صفحة رقم 194 """
وكتب إلي وقد جمع لي بين نيابته في الحكم وتوقيع الدست وكانت قد وردت عليه فتيا في لعب الشطرنج أجبنا أيها الإمام أحلال هو أم حرام ونحن قد عرفنا مذهب الشافعي ولكنا نريد أن نعرف رأيك واجتهادك فألقاها إلي وقال اكتب عليها مبسوطا مستدلا ثم اعرضها
فكتبت كتابة مطولة جامعة للدلائل ونصرت مذهب الشافعي فكتب إلى جانبها
أموقع الدست الشريف ونائب الحكم
العزيز ومفتي الإسلام
خف من إلهك أن يراك وقد نهاك
وما انتهيت وملت للآثام
رضي الله عنه ما كان أكثر مراقبته لربه سبحانه وتعالى كان ربه بين عينيه في كل آونة
ذكر شيء من ثناء الأئمة عليه رضي الله عنه وعنهم ونفعنا به وبهم في الدنيا والآخرة
وقليل مما شاهدنا من أحواله الزاهرة وأخلاقه الطاهرة وكراماته الباهرة
قد قدمنا كلام الشيخ الحافظ الذهبي فيه وقال فيه في مكان آخر كتبه في سنة عشرين وسبعمائة انتهى إليه الحفظ ومعرفة الأثر بالديار المصرية وله كلام كثير في تعظيمه وقد قدمنا في ترجمته قوله فيه من أبيات
وكابن معين في حفظ ونقد
وفي الفتيا كسفيان ومالك
وفخر الدين في جدل وبحث
وفي النحو المبرد وابن مالك
وصح من طرق شتى عن الشيخ تقي الدين بن تيمية أنه كان لا يعظم أحدا من أهل العصر كتعظيمه له وأنه كان كثير الثناء على تصنيفه في الرد عليه
"""
صفحة رقم 195 """
وفي كتاب ابن تيمية الذي ألفه في الرد على الشيخ الإمام في رده عليه في مسألة الطلاق لقد برز هذا على أقرانه
وهذا الرد الذي لابن تيمية على الوالد لم يقف عليه ولكن سمع به وأنا وقفت منه على مجلد
وأما الحافظ أبو الحجاج المزي فلم يكتب بخطه لفظة شيخ الإسلام إلا له وللشيخ تقي الدين ابن تيمية وللشيخ شمس الدين ابن أبي عمر
وقد قدمنا قول ابن فضل الله إنه مثل التابعين إن لم يكن منهم
وكان الشيخ تقي الدين أبو الفتح السبكي رحمه الله يقول إذا رأيته فكأنما رأيت تابعيا
وصح أن شيخه الإمام علاء الدين الباجي رحمه الله أقبل عليه بعض الأمراء وكان الشيخ الإمام إلى جانبه الأيمن وعن جانبه الأيسر بعض أصحابه فقعد الأمير بين الباجي والشيخ الإمام ثم قال الأمير للباجي عن الذي عن يساره هذا إمام فاضل فقال له الباجي أتدري من هذا هو إمام الأئمة قال من قال الذي جلست فوقه تقي الدين السبكي ولعل هذا كان في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة
وأما شيخه ابن الرفعة فكان يعامله معاملة الأقران ويبالغ في تعظيمه ويعرض عليه ما يصنفه في المطلب
وكذلك شيخه الحافظ أبو محمد الدمياطي لم يكن عنده أحد في منزلته
"""
صفحة رقم 196 """
ولو أخذت أعد مقالة أشياخه فيه لطال الفصل
وبلغني أن ابن الرفعة حضر مرة إلى مجلس الحافظ أبي محمد الدمياطي فوجد الشيخ الإمام
الوالد بين يديه فقال محدث أيضا وكان ابن الرفعة لعظمة الوالد في الفقه عنده يظن أنه لا يعرف سواه فقال الدمياطي لابن الرفعة كيف تقول قال قلت للسبكي محدث أيضا فقال إمام المحدثين فقال ابن الرفعة وإمام الفقهاء أيضا فبلغت شيخه الباجي فقال وإمام الأصوليين
وبالجملة أجمع من يعرفه على أن كل ذي فن إذا حضره يتصور فيه شيئين أحدهما أنه لم ير مثله في فنه والثاني أنه لا فن له إلا ذلك الفن
وسمعت صاحبنا شمس الدين محمد بن عبد الخالق المقدسي المقرئ يقول كنت أقرأ عليه القراءات وكنت لكثرة استحضاره فيها أتوهم أنه لا يدري سواها وأقول كيف يسع عمر الإنسان أكثر من هذا الاستحضار
وسمعت الشيخ سيف الدين أبا بكر الحريري مدرس المدرسة الظاهرية البرانية يقول لم أر في النحو مثله وهو عندي أنحى من أبي حيان
"""
صفحة رقم 197 """
وسمعت عن سيف الدين البغدادي شيخه في المنطق أنه قال لم أر في العجم ولا في العرب من يعرف المعقولات مثله
وسمعت جماعة من أرباب علم الهيئة يقولون لم نر مثله فيها وكذلك سمعت جماعة من أرباب علم الحساب
وعلى الجملة لا يماري في أنه كان إمام الدنيا في كل علم على الإطلاق إلا جاهل به أو معاند
ولقد سمعت الحافظ العلامة صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي يقول الناس يقولون ما جاء بعد الغزالي مثله وعندي أنهم يظلمونه بهذا وما هو عندي إلا مثل سفيان الثوري
قلت أما أنا فأقول والله على لسان كل قائل كان ذهنه أصح الأذهان وأسرعها نفاذا وأوثقها فهما وكان آية في استحضار التفسير ومتون الأحاديث وعزوها ومعرفة العلل وأسماء الرجال وتراجمهم ووفياتهم ومعرفة العالي والنازل والصحيح والسقيم عجيب الاستحضار للمغازي والسير والأنساب والجرح والتعديل آية في
"""
صفحة رقم 198 """
استحضار مذاهب الصحابة والتابعين وفرق العلماء بحيث كان تبهت الحنفية والمالكية والحنابلة إذا حضروه لكثرة ما ينقله عن كتبهم التي بين أيديهم آية في استحضار مذهب الشافعي وشوارد فروعه بحيث يظن سامعه أنه البحر الذي لا تغيب عنه شاردة إذا ذكر فرع وقال لا يحضرني النقل فيه فيعز على أبناء الزمان وجدانه بعد الفحص والتنقيب وإذا سئل عن حديث فشذ عنه عسر على الحفاظ معرفته
وكان يقال إنه يستحضر الكتب الستة غير ما يستحضره من غيرها من المسانيد والمعاجم والأجزاء
وأنا أقول يبعد كل البعد أن يقول في حديث لا أعرف من رواه ثم يوجد في شيء من الكتب الستة أو المسانيد المشهورة
وأما استحضار نصوص الشافعي وأقواله فكان يكاد يحفظ الأم ومختصر المزني وأمثالهما
وأما استحضاره في علم الكلام والملل والنحل وعقائد الفرق من بني آدم فكان عجبا عجابا
وأما استحضاره لأبيات العرب وأمثالها ولغتها فأمر غريب لقد كانوا يقرؤون عليه الكشاف فإذا مر بهم بيت من الشعر سرد القصيدة غالبها أو عامتها من حفظه وعزاها إلى قائلها وربما أخذ في ذكر نظائرها بحيث يتعجب من يحضر
وأما استحضاره لكتاب سيبويه وكتاب المقرب لابن عصفور فكان عجيبا ولعله درس عليهما
"""
صفحة رقم 199 """
وأما حفظه لشوارد اللغة فأمر مشهور وكنت أنا أقرأ عليه في كتاب التلخيص للقاضي جلال الدين في المعاني والبيان أنا وآخر معي ولم يكن فيما أظن وقف على التلخيص قبل ذلك وإنما أقرأه لأجلي وكنا نحكم المطالعة قبل القراءة عليه فيجيء فيستحضر من مفتاح السكاكي وغيره من كلام أهل المعاني والبيان ما لم نطلع عليه نحن مع مبالغتنا في النظر قبل المجيء ثم يوشح ذلك بتحقيقاته التي تطرب العقول
وكنت أقرأ عليه المحصول للإمام فخر الدين والأربعين في الكلام له والمحصل فكنت أرى أنه يحفظ الثلاث عن ظهر قلب
وأما المهذب والوسيط فكان في الغالب ينقل عبارتهما بالفاء والواو كأنه درس عليهما
وأما شرح الرافعي الذي هو كتابنا ونحن ندأب فيه ليلا ونهارا فلو قلت كيف كان يستحضره لاتهمني من يسمعني
هذا وكأنه ينظر تعليقة الشيخ أبي حامد والقاضي الحسين والقاضي أبي الطيب والشامل والتتمة والنهاية وكتب المحاملي وغيرهم من قدماء الأصحاب ويتكلم لكثرة ما يستحضره منها بالعبارة
حكى لي الحافظ تقي الدين ابن رافع قال سبقنا مرة إلى البستان فجئنا بعده ووجدناه نائما فما أردنا التشويش عليه فقام من نومه ودخل الخلاء على عادته وكان يريد أن يكون دائما على وضوء فلما دخل ظهر لنا كراس تحت رأسه فأخذناه فإذا هو من شرح المنهاج وقد كتب عن ظهر قلب نحو عشرة أوراق قال فنظرها رفيق كان معي وقال ما أعجب لكتابته لها من حفظه ولا مما نقله من كلام الرافعي
"""
صفحة رقم 200 """
والروضة وإنما أعجب من نقله عن سليم في المجرد وابن الصباغ في الشامل ما نقل ولم يكن عنده غير المنهاج ودواة وورق أبيض وكنا قد وجدنا فيها نقولا عنهما
قلت أنا من نظر شرح المنهاج بخطه عرف أنه كان يكتب من حفظه ألا تراه يعمل المسطرة والورق على قطع الكبير أحد عشر سطرا وما ذلك إلا لأنه يكتب من رأس القلم ويريد أن ينظر ما يلحقه فلذلك يعمل المسطرة متسعة ويترك بياضا كثيرا
قلت وكنت أراه يكتب متن المنهاج ثم يفكر ثم يكتب وربما كتب المتن ثم نظر الكتب ثم وضعها من يده وانصرف إلى مكان آخر وجلس ففكر ساعة ثم كتب
وكثير من مصنفاته اللطاف كتبها في دروج ورق المراسلات يأخذ الأوصال ويثنيها طولا ويجعل منها كراسا ويكتب فيه لأنه ربما لم يكن عنده ورق كراريس فيكتب فيها من رأس القلم وما ذلك إلا في مكان ليس عنده فيه لا كتب ولا ورق النسخ
وأما البحث والتحقيق وحسن المناظرة فقد كان أستاذ زمانه وفارس ميدانه ولا يختلف اثنان في أنه البحر الذي لا يساجل في ذلك كل ذلك وهو في عشر الثمانين وذهنه في غاية الاتقاد واستحضاره في غاية الازدياد
ولما شغرت مشيخة دار الحديث الأشرفية بوفاة الحافظ المزي عين هو الذهبي لها فوقع السعي فيها للشيخ شمس الدين ابن النقيب وتكلم في حق الذهبي بأنه ليس بأشعري وأن المزي ما وليها إذ وليها إلا بعد أن كتب خطه وأشهد على نفسه بأنه أشعري العقيدة واتسع الخرق في هذا فجمع ملك الأمراء الأمير علاء الدين
"""
صفحة رقم 201 """
ألطنبغا نائب الشام إذ ذاك العلماء فلما استشار الشيخ الإمام أشار بالذهبي فقام الصائح بين الشافعية والحنفية والمالكية وتقفوا فيه أجمعون وكان من الحاضرين الشيخ نجم الدين القحفازي شيخ الحنفية فقال له الشيخ الإمام أيش تقول فقال
وإليكم دار الحديث تساق
أبدل هذا بدار
فاستحسن الجماعة هذا منه ودار إلى ملك الأمراء وقال أعلم الناس اليوم بهذا العلم قاضي القضاة والذهبي وقاضي القضاة أشعري قطعا وقطع الشك باليقين أولى
فوليها الشيخ الإمام ولم يكن مختارا ذلك بل كان يكرهه وقام من وقته إلى دار الحديث وبين يديه الذهبي وخلق فروى بسنده من طرق شتى منه إلى أبي مسهر حديث يا عبادي وتكلم على رجاله ومخرجه بحيث لم يسع المجلس الكلام على
"""
صفحة رقم 202 """
أكثر من رجال الحديث ومخرجه إلى أن بهت الحاضرون لعلمهم أن الشيخ الإمام من سنين كثيرة لا ينظر الأجزاء ولا أسماء الرجال ولقد قال الذهبي
وما علمتني غير ما القلب عالمه
والله كنت أعلم أنه فوق ذلك ولكن ما خطر لي أنه مع الترك والاشتغال بالقضاء يحضر من غير تهيئة ويسند هذا الإسناد
انتهى
وبالجملة كان مع صحة الذهن واتقاده عظيم الحافظة لا يكاد يسمع شيئا إلا حفظه ولا يحفظ شيئا فينساه وإن طال بعده عن تذكره جمعت له الحافظة البالغة والفهم الغريب فما كان إلا ندرة في الناس ووحق الحق لو لم أشاهد وحكي لي أن واحدا من العلماء احتوى على مثل هذه العلوم وبلغ أقصى غاياتها نقلا وتحقيقا مع صحة الذهن وجودة المناظرة وقوة المغالبة وحسن التصنيف وطول الباع في الاستحضار واستواء العلوم بأسرها في نظهر أحسبه وهما
وأقول كيف تفي القوى البشرية بذلك ولكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
وليس لله بمستنكر
أن يجمع العالم في واحد
"""
صفحة رقم 203 """
كان بالآخرة قد أعرض عن كثرة البحث والمناظرة وأقبل على التلاوة والتأله والمراقبة
وكان ينهانا عن نوم النصف الثاني من الليل ويقول لي يا بني تعود السهر ولو أنك تلعب والويل كل الويل لمن يراه نائما وقد انتصف الليل
واجتمعنا ليلة أنا والحافظ تقي الدين أبو الفتح والأخ المرحوم جمال الدين الحسين والشيخ فخر الدين الأقفهسي وغيرهم فقال لي بعض الحاضرين نشتهي أن نسمع مناظرته وليس فينا من يدل عليه غيرك فقلت له الجماعة يريدون سماع مناظرتك على طريق الجدل فقال بسم الله وفهمت أنه إنما وافق على ذلك لمحبته في وفي تعليمي
فقال أبصروا مسألة فيها أقوال بقدر عددكم وينصر كل منكم مقالة يختارها من تلك الأقوال ويجلس يبحث معي
فقلت أنا مسألة الحرام
فقال بسم الله انصرفوا فليطالع كل منكم ويحرر ما ينصره
فقمنا وأعمل كل واحد جهده ثم عدنا وقد كاد الليل ينتصف وهو جالس يتلو هو وشيخنا المسند أحمد بن علي الجزري الحنبلي رحمه الله فقال عبد الوهاب هات حسين هات هكذا يخصني أنا وأخي بالنداء
"""
صفحة رقم 204 """
فابتدأ واحد من الجماعة فقال له إن شئت كن مستدلا وأنا مانع وإن شئت بالعكس
فحاصل القضية أن كلا منا صار يستدل على مقالته وهو يمنعه ويبين فساد كلامه إلى أن ينقطع ويأخذ في الكلام مع الآخر حتى انقطع الجميع
فقال له بعضنا فأين الحق
فقال أنا أختار المذهب الفلاني الذي كنت يا فلان تنصره ونصره إلى أن قلنا هو الحق ثم قال بل أختار المذهب الذي كنت يا فلان تنصره
وهكذا أخذ ينصر الجميع إلى أن قال له بعضنا فأين الباطل
فقال الآن حصحص الحق المختار مذهب الشافعي وطريق الرد على المذهب الفلاني كذا والمذهب الفلاني كذا والمذهب الفلاني كذا وقرر ذلك كله إلى أن قضينا العجب وكل منا يعرف أن أقل ما يكون للشيخ الإمام عن النظر في مسألة الحرام سنين كثيرة
وحضر عندنا مرة الشيخ جمال الدين المزي الحافظ رحمه الله إلى البستان وكان هناك جماعة من المشايخ ي جزء الأنصاري أحضرهم الوالد لإسماع الأطفال فقال لي الشيخ شرف الدين عبد الله بن الواني المحدث رحمه الله كنا نود لو سمعنا بقراءة الشيخ الإمام فقلت له فأخذ الجزء وقرأه على الجماعة قراءة قضى كل منا العجب من حسنها وسرعتها وبيانها
"""
صفحة رقم 205 """
وأما باب العبادة والمراقبة فوالله ما رأت عيناي مثله كان دائم التلاوة والذكر وقيام الليل جميع نومه بالنهار وأكثر ليله التلاوة وكانت تلاوته أكثر من صلاته ويتهجد بالليل ويقرأ جهرا في النوافل ولا تراه في النهار جالسا إلا وهو يتلو ولو كان راكبا ولا يتلو إلا جهرا وكان يتلو في الحمام وفي المسلخ
وأما باب الغيبة فوالله لم أسمع اغتاب أحدا قط لا من الأعداء ولا من غيرهم ومن عجيب أمره أنه كان إذا مات شخص من أعدائه يظهر عليه من التألم والتأسف شيء كثير ولما مات الشيخ فخر الدين المصري رثاه بأبيات شعر وتأسف عليه وكذلك لما مات القاضي شهاب الدين ابن فضل الله الذي سقنا كلامه فيه فيما مضى ولا يخفى ما كان بينهما ومن الغريب أنه قرأ طائفة من القرآن ثم أهداها له فقلت له لم هذا أنت لم تظلمه قط وهو كان يظلمك فما هذا فقال لعلي كرهته بقلبي في وقت لحظ دنيوي فانظر إلى هذه المراقبة
ومما يدلك على مراقبته قوله في كتاب الحلبيات وقد ذكر أن القاضي لا تسمع عليه البينة فإن قوله أصدق منها وأن في كلام الرافعي ما يقتضي سماعها وتابعه ابن الرفعة وأنه ليس بصحيح ما صورته وتوقفت في كتابة هذا وخشيت أن يداخلني شيء لكوني قاضيا حتى رأيت في ورقة بخطي من نحور أربعين سنة كلاما في هذه المسألة وفي آخرها وما ينبغي أن تسمع على القاضي بينة ولا أن يطلب بيمين
انتهى
فانظر خوفه مداخلات الأنفس بحيث لو لم يجد هذه الورقة السابقة على توليته القضاء بسنين عديدة لتوقف في كتابة ما اختاره خشية وفرقا على دينه جزاه الله عن دينه خيرا
"""
صفحة رقم 206 """
وأما الدنيا فلم تكن عنده بشيء ولا يستكثرها في أحد يهب الجزيل ولا يرى أنه فعل شيئا ويعجبني قول الشيخ جمال الدين ابن نباتة شاعر العصر فيه من قصيدة امتدحه بها
مغني الأنام فما تعطل عنده
في الحكم غير محاضر الإفلاس
ومعجل الجدوى جزافا لا كمن
هو ضارب الأخماس في الأسداس
وأما الصوم فكان يعسر عليه ولم أره يصوم غير رمضان وست من شوال قلت له لم تواظب على صوم ست من شوال فقال لأنها تأتي وقد أدمنت على الصوم
وما كان ذلك إلا لحدة ذهنه واتقاد قريحته فكان لا يطيق الصوم وقد مات في عشر الثمانين بالحدة وربما كان يقعد والثلج ساقط من السماء وهو على رأسه طاقية
وكان يقول الشام توافقني أكثر من مصر لبردها ويسكن ظاهر البلد شتاء وصيفا
"""
صفحة رقم 207 """
وكان لا يصبر إذا طلعت الشمس إلى أن يستوي طعام البيت بل يأكل من السوق وما ذلك إلا لسهره بالليل مع حدة ذهنه فيجوع من طلوع الشمس ولا يطيق الصبر ثم إذا أكل اجتزأ بالعلقة من الطعام واليسير من الغذاء
وأما مأكله وملبسه وملاذه الدنيوية فأمر يسير جدا لا ينظر إلى شيء من ذلك بل يجتزئ بيسير المأكل ونزر الملبس
وأما عدم مبالاته بالناس فأمر غريب ولقد شاهدته غير مرة يخرج بملوطته وعمامته التي ينام فيها إلى الطريق ورأيته مرة خرج كذلك وكانت الملوطة التي عليه وسخة مقطعة
راح إلى الجامع يوم ختم البخاري وجلس في أخريات الناس بحيث لم يشعر به أحد ثم كأنه عرضت له حالة فرفع يديه وتوجه ساكتا على عادته وصار رافع يديه قبل أن يشرعوا في الدعاء بنحو ساعة زمانية أو أزيد ثم استمر كذلك إلى أن فرغ وصارت العوام يرونه ويتعجبون من لبسه وحاله ومجيئه على تلك الصورة وما تم المجلس إلا وقد حضر النقيب والغلمان فقام وحضر إلى البيت وهم بين يديه كأنه بينهم غلام واحد منهم وعليه من المهابة ما لا يعبر عنه
وكنت مع ذلك أراه أيام المواكب السلطانية يلبس الطيلسان مواظبا عليه وكنت أعجب لأن طبعه لا يقتضي الاكتراث بهذه الأمور فتجاسرت عليه وسألته فقلت له أنت تقعد وتحكم وعليك ثياب ما تساوي عشرين درهما وأراك تحرص على لبس الطيلسان يوم الموكب
"""
صفحة رقم 208 """
فقال يا بني هذا صار شعار الشافعية ولا نريد أن ينسى وأنا ما أنا مخلد سيجيء غيري ويلبسه فما أحدث عليه عادة في تبطيله
ورأيته غير مرة يكون راكبا البغلة فيجد ماشيا فيردفه خلفه ويعبر المدينة وهما كذلك والنقيب والغلمان بين يديه لا يقدر أحد أن يعترضه
وحضر مرة ختمة بالجامع الأموي وحضرت القضاة وأعيان البلد بين يديه وهو جالس في محراب الصحابة فأنشد المنشد قصيدة الصرصري التي أولها
قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب )
فلما قال
وأن ينهض الأشراف عند سماعه
البيت
حصلت للشيخ الإمام حالة وقام واقفا للحال فاحتاج الناس كلهم أن يقوموا فقاموا أجمعون وحصلت ساعة طيبة
وكان لا يحابي في الحق أحدا وأخباره في هذا الباب عجيبة حكم مرة في واقعة حريثا وصمم فيها وعانده أرغون الكاملي نائب الشام وكاد الأمر يطلخم شاما ومصرا فذكر القاضي صلاح الدين الصفدي أنه عبر إليه وقال يا مولانا قد أعذرت ووفيت ما عليك وهؤلاء ما يطيعون الحق فلم تلقي بنفسك إلى التهلكة وتعاديهم قال فتأمل في مليا ثم قال
"""
صفحة رقم 209 """
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
والله لا أرضي غير الله
قال فخرجت من عنده وعرفت أنه لا يرجع عن الحق بزخارف من القول
قلت ولقد نزل لي شيخنا شمس الدين الذهبي في حياته عن مشيخة دار الحديث الظاهرية فلم يمض النزول وقال لي والله يا بني أعرف أنك مستحقها ولكن ثم مشايخ هم أولى منك لطعنهم في السن
ثم لما حضرت الذهبي الوفاة أشهد على نفسه بأنه نزل لي عنها فوالله لم يمضها لي وها خطه عندي يقول فيه بعد أن ذكر وفاة الذهبي وقد نزل لولدي عبد الوهاب عن مشيخة الظاهرية وأنا أعرف استحقاقه ولكن سن الشباب منعني أن أمضي النزول له
ولما نزل عن مشيخة دار الحديث الأشرفية واتفق أنه بعد أشهر حضر درسا عمله الولد تقي الدين أبو حاتم محمد ابن الأخ شيخنا شيخ الإسلام بهاء الدين أبي حامد سلمهما الله وكان أشار هو بذلك ليفرح بتدريس ولد ولده بحضوره قبل وفاته قال للجماعة الحاضرين ما أعلم أحدا يصلح لمشيخة دار الحديث غير ولدي عبد الوهاب وشخص آخر غائب عن دمشق
وأكثر الناس لم يفهم الغائب وأنا أعرف أنه الشيخ صلاح الدين العلائي شيخ بيت المقدس وحافظه
"""
صفحة رقم 210 """
وكان يقول لي في أيام مرضه قبل أن يحصل لي القضاء إياك ثم إياك أن تطلب القضاء بقلبك فضلا عن قالبك فأنا أطلبه لك لعلمي بالمصلحة في ولايتك لك ولقومك وللناس وأما أنت فاحذر لئلا يكلك الله إليه على ما قال ( صلى الله عليه وسلم ) ( يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة ) الحديث
وحضرته وقد جاء إليه بعض الفقراء فقال أريد ثلاثا ولاية ابني هذا موضعي ورؤية ولدي أحمد وموتي بمصر أشهد بالله لسمعت ذلك منه
فقال له الفقير سل الله في ذلك إن كان مصلحة
فقال قد تحققت أن كل واحد من الثلاثة مصلحة
فقال له القضاء مصلحة لهذا
فقال نعم تحققت أنه مصلحة له في الدنيا والدين جميعا
وقال في ذلك المجلس أنا في بر ولدي أحمد يعني الأخ أبا حامد ووصفه بالعلم الكثير
وأما أحواله فكانت عجيبة جدا ما عانده أحد إلا وأخذ سريعا وكان لا يحب أن يظهر عليه شيء من الكرامات ويتأذى كل الأذى من ظهورها وممن يظهرها وقد اتفقت له في القاهرة ودمشق عجائب منها واقعته في مشيخة جامع طولون التي ذكرتها عند ذكر قصيدته التي أولها
"""
صفحة رقم 211 """
كمال الفتى بالعلم لا بالمناصب
ومنها أنه كان بيده تدريس المنصورية أخذها عن قاضي القضاة جمال الدين الزرعي عند ولايته قضاء الشام ثم عزل الزرعي وأرغون النائب في الحجاز وكان كثير الصداقة له فلما بلغ ذلك أرغون شق عليه وعزم على أنه إذا وصل إلى مصر ينزع المنصورية من الوالد ويعديها للزرعي فلما قيل إن أرغون وصل ويطلع غدا بات الوالد في قلق لأنه لم يكن له رزق غيرهما إلا اليسير فأخبرني أخي الشيخ بهاء الدين أنه أخبره أنه صلى في الليل ركعتين فسمع قائلا يقول له أرغون مات فلما أصبح وحضر الدرس قيل له إن أرغون طلع القلعة فتوجه إلى جهة القلعة للسلام عليه فبلغه في الطريق أن أرغون أمسك
ومنها واقعته مع إيتمش نائب الشام فإنه عانده وضاجره فحكى لي أخي الشيخ بهاء الدين أنه لما اشتد به ذلك عزم على عزل نفسه من القضاء فحضر
"""
صفحة رقم 212 """
درس الأتابيكة بالصالحية ثم دخل إلى مسجد في دهليزها وأغلق عليه الباب وصلى ركعتي الاستخارة في ذلك فلما كانت السجدة الثانية من الركعة الثانية سمع قائلا يقول ) إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ( فأحجم عن ذلك إلى آخر حياته
وآخر أمره مع إيتمش أنه أمر شاد الأوقاف بجمع الفقهاء للفتوى عليه فبينا شاد الأوقاف بعد صلاة الجمعة يجمعهم وإذا بالبريدي قدم من مصر يطلبه إلى باب السلطان معززا مكرما
وكان الإمام تاج الدين المراكشي الذي ذكرت ترجمته يحكى أنه رأى في منامه قائلا يقول سيأتي شخص من مماليك ألجاي الدويدار يقتل هؤلاء كلهم فعن قريب حضر البريدي المذكور وهو قيصر مملوك ألجاي أحد مقدمي الحلقة وتوفي سنة ستين وسبعمائة فانطوى ذلك البساط وعاد الذين كانوا من قبل بلحظة يجمعون الغض منه واقفين على بابه يستغفرون ويعتذرون
وأعجب من ذلك أن البريدي ذكر أنه أراد أن يتخلف في الطريق لشغل عرض له فصادف أن غلامه سبقه وما أمكنه التخلف فصار غلامه وهو أمامه يسوق كل
"""
صفحة رقم 213 """
السوق ظنا منه أن البريدي سبقه والبريدي يلحقه إلى أن وصل في ذلك الوقت ولو تأخر بعده ساعة واحدة لحصل التعب لنا
ثم سافر إلى مصر وما اتفقت إقامته بها وصار يصعب عليه العود إلى دمشق وأيدغمش بها والإقامة مصر لا تمكنه فبلغني أن الأمير الكبير بدر الدين جنكلي ابن البابا وهو أكبر أمراء الدولة قال نحن مع هذا السبكي في صداع لا يمكن إقامته بمصر ولا يهون عليه عوده إلى دمشق وإيتمش بها ولا يمكننا عزل إيتمش بسبب قاض إن كانت له كرامة عند الله فالله يريحه من إيتمش فجاءهم الخبر ثاني يوم بوفاة إيتمش فجأة فلما أن بلغه الخبر لم يزد على أن ذرفت عيناه بالدموع ثم نهض إلى الصلاة
وكان ممن يحط عليه عنده القاضي شهاب الدين ابن فضل الله فعزل وصودر واتفق له ما اتفق
وكان القاضي شهاب الدين أرسل إليه من قبل بشهر يقول له مع مملوكه عرفتني فقال قل له نعم عرفتك ولكن أنت ما عرفتني فبعد شهر صودر واتفق له ما اتفق
ومنها أمره مع طقزتمر نائب الشام وكان من أصحب الناس له في مصر فلما جاء إلى الشام غيره الشاميون عليه وأعانهم امتناعه من امتثال أوامره فطلب إلى مصر واستوحشنا من رواحه فما وصلها إلا وهو في النزع ومات
ومنها أمره مع أرغون شاه نائب الشام أيضا وقد جرت له معه فصول وأنا رأيته مرة يمسك بطرزه ويقول له أنا أموت وأنت تموت
"""
صفحة رقم 214 """
وقال له مرة يا قاضي كم نائبا رأيت في هذه المدينة
قال كذا كذا نائبا
فقال ما يروحك إلا أنا
فقال الشيخ الإمام سوف تبصر
فبعد أيام يسيرة ذبح أرغون شاه صبرا
وله فيه أعجوبة حكى لي القاضي شرف الدين خالد بن القيسراني موقع الدست قال أنا كنت السبب في موت أرغون شاه
قلت كيف
قال لأني غيرت خاطر أبيك عليه فقلت له يوم الاثنين يوم قال له ما قال قبل أن يجلس أرغون شاه يا مولانا قاضي القضاة نحن نعرف أن لك مددا من سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهذا قد زادت إساءته عليك
فقال لي ما نبالي اسكت إذا تعرض للشرع عملنا شغلنا
قال فوالله لما قعدنا بدرت من أرغون شاه تلك الكلمات في حق والدك وكلمات أخر قبيحة في الشرع فاتفق ما اتفق
قلت أما الذي اتفق لأرغون شاه فإنه ذبح صبرا ليلة الجمعة
وأما الذي اتفق من الشيخ الإمام فإنا صلينا المغرب واجتمعنا على العشاء ثم صلى الشيخ الإمام عشاء الآخرة وأوتر وصعد السطح فحكى أهل البيت أنه استمر واقفا في السطح مكشوف الرأس مطرقا ساكتا لا يتكلم قائما على رجليه إلى أن طلع الفجر ثم نزل فصلى الصبح بوضوء العشاء وأنه قال للنساء وهو نازل انقضى شغل أرغون شاه لا يتكلم أحد فحسبنا
"""
صفحة رقم 215 """
ففي يوم الثلاثاء خرج الجيبغا من طرابلس ووصل إلى دمشق ليلة الخميس وأمسكه تلك الليلة ثم ذبحه ثاني ليلة
وهذه كانت حالة الشيخ في توجهه يكشف رأسه ويجعل المنديل في رقبته ويقوم على رجله مطرقا ساكتا ويصير عليه من المهابة ما يعجز الواصف عن وصفه ويكاد نم يراه في تلك الحالة يوقن أنه لو لسعه زنبور في تلك الحالة لما أحس به
وكانت أيضا عوائده إذا كانت له حاجة أن يكتب قصة بخطه إلى الله تعالى ويعلقها على خشبة في السطح وربما أنزلها بعد أيام وكأن ذلك علامة قضاء الشغل ما أدري
وهذه الحكاية التي لأرغون شاه أنا سمعت النساء الثقات في البيت يحكينها
وأما أنا ففي ليلة الخميس بلغني الخبر عقيب مسك أرغون شاه فعبرت إليه وطرقت الباب فسمعت صوته في قراءة التهجد فأمسكت فقضى الركعتين وخرج وهو يتلو فلما أخذ في فتح الباب ترك التلاوة وقال لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك
فلما فتح قلت له أمسك أرغون شاه
قال من قال اسكت أيش هذا الفشار
فما أدري لما قال لي لا تظهر الشماتة بأخيك هل كان ذهنه حاضرا أو أجراها الله على لسانه من غير قصد الله يعلم
"""
صفحة رقم 216 """
ومنها ما حكاه الأخ الشيخ الإمام العلامة بهاء الدين أبو حامد سلمه الله ونقلته من خطه قال لما عدت من الحجاز في المحرم سنة ست وخمسين وسبعمائة وجدته ضعيفا فاستشارني في نزوله لولده سيدنا قاضي القضاة تاج الدين عن قضاء الشام ووجدته كالجازم بأن ذلك سيقع وقال لي سبب هذا أني قبل أن أمرض بأيام أغلب ظني أنه قال خمسة أيام رحت إلى قبر الشيخ حماد خارج باب الصغير وجلست عند قبره منفردا ليس عندي أحد وقلت له يا سيدي الشيخ لي ثلاثة أولاد أحدهم قد راح إلى الله والآخر في الحجاز ولا أدري حاله والثالث هنا وأشتهي أن موضعي يكون له
قال فلما كان بعد أيام أغلب ظني أنه قال يومين أو ثلاثة جاءني الخالدي يشير إلى شخص كان فقيرا صالحا يصحب الفقراء فقال لي فلان يسلم عليك ويقول لك تقاطع عليه الدورة تروح للشيخ حماد تطلب حاجتك منه ولا تقول له
قال فقلت له على سبيل البسط سلم عليه وقل له ألست تعلم أنه فقير بائس وأنا كل أحد رآني ذاهبا إلى قبر الشيخ حماد ولكن الشطارة أن تقول له أيش هي حاجته
قال فتوجه الخالدي إليه ثم عاد وقال يقول لك لا تكن تعترض على الفقراء الشيخ حماد يقول لك انقضت حاجتك التي هي كيت وكيت
قال فقلت له أما الآن فنعم فإن هذا لم يشعر به أحد
قال فقلت له سله هل ذلك كشف أو منام
"""
صفحة رقم 217 """
قال فعاد وقال ليس ذلك إليك
انتهى المنقول من خط الأخ
ومنها حاله مع إيتمش نائب الشام أيضا كرهه في الآخرة وكلمه كلاما وحشا فراح الشيخ ذلك اليوم إلى قبر الشيخ حماد وعاد فما مضت عشرة أيام إلا وجاء الخبر بعزله من نيابة الشام
فأشهد على الشيخ أنه قال من ساعة زرت قبر الشيخ حماد عرفت هذا
وقال لي دعوت عليه وندمت وقال لي لم أدع قبلها على غيره
ومنها حكايته مع أرغون الكاملي نائب الشام أيضا وآخرها أنه قال كم ينغص حالنا الله يقابله
فوالله لقد عزل بعد شهر أو أقل من نيابة الشام ونقل إلى حلب ولم يهنأ عيشه بها بل عزل قريبا ونقل إلى مصر ولم يهنأ بها بل قعد يويمات ثم أمسك وأودع سجن الإسكندرية ثم أخرج وأقر ببيت المقدس إلى أن مات بطالا حزينا كئيبا
قال أخي الشيخ أبو حامد ولقد حضر عنده دار العدل في يوم خميس ثم حضر فأخبرني أنه قدم إليه الوالي شخصا لم يستحق القتل فأمره بقتله فالتفت الوالد إلى الوالي وقال هذا لا يحل قتله فتوقف الوالي فقال له أرغون اقتله فقال له الوالد هذا لا يحل فاغتاظ أرغون من الوالي فأخذه وذهب به ليقتله
فلما عاد من دار العدل حكى لي الحكاية وقال لي لقد عزمت على
"""
صفحة رقم 218 """
أن لا أحضر دار عدل عنده أبدا بعدها فلم يتكمل النهار حتى ورد الخبر بأن يلبغا نائب حلب خرج قادما لدمشق فسافر أرغون إلى جهة مصر ثم لحلب ثم لم يحضر دار عدل بدمشق بعد ذلك إلى أن مات
وأغرب من ذلك ما حكاه القاضي صلاح الدين الصفدي في كتاب أعيان العصر أنه قال عنه ما يفلح ويموت
وأنا أعرف وقت هذا القول وسببه كان سببه أنه لما مرض الشيخ وصار يقول في خاطري ثلاث عود ولدي أحمد من الحجاز قبل موتي وولاية عبد الوهاب القضاء ووفاتي بمصر بعد ذلك وأخذ يتكلم لي في القضاء قيل له إن أرغون الكاملي قد استقر بمصر أميرا كبيرا ولا بد أن يشاور على قضاء الشام وإن استشير فهو لا يشير بابنك لبغضه فيك
فقال أو لا يصل الخبر إلا وأرغون ليس في مصر ولا يفلح ويموت
فكان كذلك
وكانت أموره في حال مرضه في غاية العجب وقاسى الشدائد ولم يسمعه أحد يقول آه ولا يطلب العافية بل غاية ما يطلب ولايتي ورؤية الأخ والوصول إلى مصر قبل الوفاة وقضيت له الحاجات الثلاث
"""
صفحة رقم 219 """
ولم أره قط برح بألم يعترضه ولا بأذى يحصل له بل يصبر عند الحادثات ويحتسب رضي الله عنه
وكان كثير التعظيم للصوفية والمحبة لهم ويقول طريق الصوفي إذا صحت هي طريقة الرشاد التي كان السلف عليها ويقول مع ذلك هو مسلك وعر جدا وينشد
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا
قدما وظنوه مشتقا من الصوف
ولست أنحل هذا الاسم غير فتى
صافى فصوفي حتى لقب الصوفي
وكانت تعجبه الفائدة ممن كان ولا يستنكف أن يسمعها من صغير بل يستحسنها منه
وكان كثير الحياء جدا لا يحب أن يخجل أحدا
وإذا ذكر الطالب بين يديه اليسير من الفائدة استعظمها وأوهمه أنه لم يكن يعرفها لقد قال له مرة بعض الطلبة بحضوري حكى ابن الرفعة عن مجلي وجهين في الطلاق في قول القائل بعد يمينه إن شاء الله تعالى هل هو رافع لليمين فكأنها لم توجد أو نقول إنها انعقدت على شرط
فقلت أنا هذا في الرافعي أي حاجة إلى نقله عن ابن الرفعة عن مجلي
فقال لي الشيخ الإمام اسكت من أين لك هات النقل وانزعج
فقمت وأحضرت الجزء من الرافعي وكان ذلك الطالب قد قام فوالله حين أقبلت به قبل أن أتكلم قال الذي ذكرته في أوائل كتاب الأيمان من الرافعي وأنا أعرف
"""
صفحة رقم 220 """
هذا ولكن فقيه مسكين طالب علم يريد أن يظهر لي أنه استحضر مسألة غريبة تريد أنت أن تخجله هذا ما هو مليح
وكان يتفق له مثل هذا كثيرا ينقل عنده طالب شيئا على سبيل الاستغراب فلا يبكته بل يستحسنه وهو يستحضره من أماكن كثيرة بحيث يخرج الطالب وهو يتعجب منه لأنه يظنه أنه لم يكن مستحضرا له وما يدري المسكين أنه كان أعرف الناس به ولكنه أراد جبره
وكان كثير الأدب مع العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين
وأما محبته للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وتعظيمه له وكونه أبدا بين عينيه فأمر عجاب
فهذه نبذة مما شاهدته من حاله وعرفته من مكارم أخلاقه وأنا أعرف أن الناظرين في هذه الترجمة على قسمين قسم عرف الشيخ كمعرفتي وخالطه كمخالطتي فهو يحسبني قصرت في حقه وقسم مقابله فهو يحسبني بالغت فيه والله المستعان
ذكر سلسلة الحفاظ
وقد كان شيخنا الذهبي يوردها وكتبها بخطه وقرأتها عليه وأنا أرى إيرادها هنا من قبلي
فأقول لم تر عيناي احفظ من أبي الحجاج المزي وأبي عبد الله الذهبي والوالد رحمهم الله وغالب ظني أن المزي يفوقهما في أسماء رجال الكتب الستة والذهبي يفوقهما في أسماء رجال من بعد الستة والتواريخ والوفيات والوالد يفوقهما في العلل والمتون
"""
صفحة رقم 221 """
والجرح والتعديل مع مشاركة كل منهم لصاحبيه فيما يتميز به عليه المشاركة البالغة
وسمعت شيخنا الذهبي يقول ما رأيت أحدا في هذا الشأن أحفظ من الإمام أبي الحجاج المزي وبلغني عنه أنه قال ما رأيت أحفظ من أربعة ابن دقيق العيد والدمياطي وابن تيمية والمزي فالأول أعرفهم بالعلل وفقه الحديث والثاني بالأنساب والثالث بالمتون والرابع بأسماء الرجال
قال وسمعته يقول في شيخنا أبي محمد الدمياطي إنه ما رأى أحفظ منه وكان الدمياطي يقول إنه ما رأى شيخا أحفظ من زكي الدين عبد العظيم وما رأى الزكي أحفظ من أبي الحسن علي بن المفضل ولا رأى ابن المفضل أحفظ من الحافظ عبد الغني ولا رأى عبد الغني أحفظ من أبي موسى المديني إلا أن يكون الحافظ أبا القاسم ابن عساكر فقد رآه ولم يسمع منه هذا كلام الذهبي
قلت لا ريب أن ابن عساكر أحفظ من ابن المديني والذهبي يعرف هذا ولكن عذره عدم سماع عبد الغني منه كما ذكر فكأنه يسلسل للرؤية مع السماع لا لمجرد الرؤية
ثم قال شيخنا وسمعت منه ولا رأى ابن عساكر والمديني أحفظ من أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي
ولا رأى إسماعيل أحفظ من أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي
ولا رأى ابن طاهر أحفظ من نصر ابن ماكولا
ولا رأى ابن ماكولا أحفظ من أبي بكر الخطيب
ولا رأى الخطيب أحفظ من أبي نعيم
"""
صفحة رقم 222 """
وأبو نعيم ما رأى أحفظ من الدارقطني وأبي عبد الله بن منده ومعهما الحاكم
وكان ابن منده يقول ما رأيت أحفظ من أبي إسحاق بن حمزة الأصبهاني
وقال ابن حمزة ما رأيت أحفظ من أبي جعفر أحمد بن يحيى بن زهير التستري وقال ما رأيت أحفظ من أبي زرعة الرازي
وأما الدارقطني فما رأى مثل نفسه
وأما الحاكم فما رأى مثل الدارقطني بل وكان يقول الحاكم ما رأيت أحفظ من أبي علي النيسابوري ومن أبي بكر ابن الجعابي
وما رأى الثلاثة أحفظ من أبي العباس ابن عقدة
ولا رأى أبو علي النيسابوري مثل النسائي
ولا رأى النسائي مثل إسحاق بن راهويه
ولا رأى أبو زرعة أحفظ من أبي بكر ابن أبي شيبة
ولا رأى أبو علي النيسابوري مثل ابن خزيمة
ولا رأى ابن خزيمة مثل أبي عبد الله البخاري
ولا رأى البخاري فيما ذكر مثل علي بن المديني
ولا رأى أيضا أبو زرعة والبخاري وأبو حاتم وأبو داود مثل أحمد بن حنبل ولا مثل يحيى بن معين وابن راهويه
ولا رأى أحمد ورفاقه مثل يحيى بن سعيد القطان
"""
صفحة رقم 223 """
ولا رأى هو مثل سفيان ومالك وشعبة
ولا رأوا مثل أيوب السختياني
نعم ولا رأى مالك مثل الزهري
ولا رأى الزهري مثل ابن المسيب
ولا رأى ابن المسيب أحفظ من أبي هريرة رضي الله عنه
ولا رأى أيوب مثل ابن سيرين
ولا رأى مثل أبي هريرة
نعم ولا رأى الثوري مثل منصور
ولا رأى منصور مثل إبراهيم
ولا رأى إبراهيم مثل علقمة
ولا رأى علقمة كابن مسعود فيما زعم
قلت هذه السلسلة التي كان شيخنا الذهبي يذكرها ولولا كراهتي للكلام في التفضيل لا سيما فيمن لم نلقهم لكنت أتكلم عليها
وأقول على نمطها ما رأت عيناي أعلم بالتفسير من الشيخ الوالد ولا رأى هو فيما ذكر عنه كشيخه العراقي ونقطع الكلام من هنا ولو شئنا لوصلناه إلى ابن عباس رضي الله عنهما ولكن الكلام في التفضيل صعب
وأقول ما رأت عيناي أعرف بالقراءات منه لأني وإن أدركت الشيخ ابن بصخان فلم آخذ عنه
"""
صفحة رقم 224 """
وكان الشيخ الوالد يقول ما رأيت فيها كابن الصائغ
وأقول ما رأت عيناي أفقه من الشيخ الوالد ولا رأى هو أفقه من ابن الرفعة ولا رأى ابن الرفعة فيما ذكر أفقه من الظهير التزمنتي
وأقول ما رأيت بعد أبي حيان أنحى منه وكان يفوقه في حسن التصرف فيه وتصانيفهما تنبيك عن ذلك وكان هو يقول لم نلق في صناعة اللسان كأبي حيان
ولا رأت عيناي في المعقولات بأسرها وفي علم الكلام على طريق المتكلمين مثله وكان يقول إنه لم يلق فها كالباجي ولم يلق الباجي كالشيخ الخسروشاهي ولم يلق الخسروشاهي كالإمام فخر الدين الرازي
ولنتبرك عند ختم هذه السلاسل بذكر حديث مسلسل بالفقهاء
فنقول أخبرنا إمام الفقهاء والمحدثين الوالد رحمه الله بقراءتي عليه أخبرنا الفقيه الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف في كتابه ح
وحدثنا الفقيه الحافظ أبو سعيد بن خليل بن كيكلدي من لفظه بالمسجد الأقصى أخبرنا محمد بن يوسف بن المهتار الفقيه بقراءتي قالا أخبرنا الفقيه الحافظ أبو عمرو
"""
صفحة رقم 225 """
عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح قال أبو محمد كتابة وقال ابن المهتار سماعا قال أخبرنا الفقيه ابن الفقيه ابن الفقيه أبو بكر القاسم بن عبد الله ابن عمر النيسابوري بها قراءة مني عليه أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفقيه ابن الفقيه ابن الفقيه حدثنا جدي أبو عبد الرحمن الشحامي وأبو علي الجاجرمي الفقيهان في فنهما قالا حدثنا الإمام أبو منصور البغدادي الفقيه حدثنا أبو زكريا يحيى بن أحمد السكري الفقيه والقاضي أبو زيد عبد الرحمن ابن محمد الختني الفقيه والإمام أبو طاهر محمد بن محمد الزيادي الفقيه قالوا حدثنا أبو الوليد حسان بن محمد القرشي الفقيه حدثنا القاضي أبو العباس أحمد ابن عمر بن سريج الفقيه قال حدثنا أبو داود السجستاني الفقيه الحافظ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري الفقيه حدثنا زيد بن الحباب
"""
صفحة رقم 226 """
البارع في الفقه والحديث عن محمد بن مسلم الطائفي أفقه أقرانه عن عمرو بن دينار فقيه آل الزبير عن عكرمة فقيه مكة عن ابن عباس الذي دعا له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) قال قتل رجل من بني عدي فجعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ديته اثنى عشر ألفا
ذكر شيء مما انتحله مذهبا وارتضاه رأيا لنفسه
وذلك على قسمين أحدهما ما هو معترف بأنه خارج عن مذهب الشافعي رضي الله عنه وإن كان ربما وافق قولا ضعيفا في مذهبه أو وجها شاذا
فمنه اختياره أن الغسالة طاهرة مطلقا طهر المحل أو لم يطهر
وفي مذهبنا ثلاثة أقوال الجديد أنه إن انفصل وقد طهر المحل فهو طاهر وإن انفصل ولم يطهر المحل فهو نجس
والثاني نجس بكل حال
والثالث وهو القديم طاهر طهور بكل حال
ومن نظر شرح المنهاج يحسب أن الشيخ الإمام رحمه الله يختار القديم وليس كذلك لأنه يقول الغسالة طاهرة وهنا يوافق القديم ولكن غير طهور وهذا يفارق القديم صرح بذلك في كتاب الرقم الإبريزي في شرح مختصر التبريزي قال ولم أر من قال به في المذهب وهو الذي اختاره وليس من القديم ولا الجديد
"""
صفحة رقم 227 """
قلت أحسبه وجها شاذا
وأنه إن شهد طبيب واحد أن المشمس يورث البرص كره استعماله أو حرم
وأن الشعر يطهر بالدباغ وصححه ابن أبي عصرون وهاتان المسألتان أجدر أن تعدا من ترجيحات المذهب لا من اختياراته لنفسه
وأن ما لا دم له سائل إن كان مما يعم كالذباب فلا ينجس المائع وإلا فينجس كالعقارب وهو رأى صاحب التقريب
وأنه إذا تخلل النبيذ المتخذ من التمر والزبيب بعد أن كان خمرا بنفسه يطهر قال ولم أجد من صرح به قال والمنقول عن أصحابنا أنه لا يطهر نقله القاضي أبو الطيب وغيره
وأن شارب الخمر ينجس باطنه ثم لا يمكن تطهيره أبدا
وأن من كان في المسجد فأدركته فريضة لم يحل له الخروج بغير ضرورة حاقة حتى يؤديها فيه
"""
صفحة رقم 228 """
وأن من أدرك الإمام وهو راكع لا يكون مدركا للركعة وهو رأى ابن خزيمة والصبغي
وأن المرور إلى المسجد مثلا من باب فتح في الجدار حيث لا يجوز فتحه لا يحل
وأنه يصح اقتداء المخالف بمخالفه كشافعي بحنفي ما لم يعلم أنه ترك واجبا إما في اعتقاد الإمام أو اعتقاد المأموم فيبطل مثلا فيما إذا اقتدى بحنفي افتصد أو مس ذكره
ويجوز أن يكون هذا هو قول الأستاذ أبي إسحاق في المسألة إلا أن الأستاذ أطلق منع الاقتداء إطلاقا فإن كان هذا هو قول الأستاذ لم تكن مقالة الشيخ الإمام خارجة عن المذهب من كل وجه بل ونفقة لوجه فيه
وأن الأقرأ لا يقدم على الأسن الأورع إذا كان حافظا لبعض القرآن مساويا للأقرإ في الفقه
وأن السعي إلى الجمعة تجب المبادرة إليه حتى لو كانت داره قريب من المسجد وهو يعلم أنه إذا سعى في أثناء الخطبة أو في الركعة الأولى أدرك لا يجوز له التأخر بل حتم واجب عليه المبادرة بالسعي أول النداء وهذا لم يفصح به أصحابنا ولا تأباه أصولهم وإنما الشيخ الإمام استخرجه استنباطا
"""
صفحة رقم 229 """
وأن المسافر إذا نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج لا يتعلق ترخصه بهذه النية بل بعدد الصلوات كما هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل فيتعلق بإحدى وعشرين صلاة مكتوبة وإذا نوى إقامة أكثر من ذلك أثم
وأن تارك الصلاة يقتل في آخر الوقت ولا يشترط إخراجه إياها عن الوقت وهذا رأي ابن سريج كما حكاه عنه الشيخ أبو إسحاق في النكت
وأنه لا تضرب عنقه ولا ينخس بحديدة وإنما يضرب بالعصي إلى أن يصلي أو يموت وهو اختيار ابن سريج في كيفية قتله
وأن الوارث يصلي عن الميت كما يصوم على القديم المختار وهو رأى ابن أبي عصرون
وأن الانتظار في القراءة في الصلاة للحاق آخرين إذا كان في مسجد جرت العادة بإتيان الناس إليه فوجا فوجا لا يكره ما لم يبالغ فيشوش على الحاضرين
وأن الكلام الكثير في الصلاة إذا كان نسيانا لا يضر ولا يبطلها كما قال رأي المتولي
وأنه يزاد ركوع لتمادي الكسوف كما هو رأي ابن خزيمة
وأنه لو قيل بوجوب إخراج زكاة الفطر قبل الصلاة صلاة العيد لم يبعد
وأنه يجوز صرف زكاة الفطر إلى ثلاثة أيام من الفقراء والمساكين وهو رأي الإصطخري وعن صاحب التنبيه أنه يجوز إلى النفس الواحدة وتوقف فيه الوالد رحمه الله
"""
صفحة رقم 230 """
وأن قول ابن بنت الشافعي وابن خزيمة وابن المنذر أن المبيت بمزدلفة ركن لا يصح الحج إلا به قوي
وأنه لا يجوز الرمي في أيام التشريق إلا بعد زوال وهو قول الغزالي
قال الشيخ الإمام وأما رمي يوم النحر قبل الزوال وبعده فإنه جائز خلافا للغزالي
وأنه لا يجوز تجاوز الشبع في الأكل والري في الشرب وإن لم يضر إذا لم يكن فيه نفع معتبر
وأنه لا يجوز للجندي ذبح فرسه الصالحة للجهاد إلا بإذن الإمام وتردد في جواز ذبح الفرس الصالحة للكر والفر مطلقا أذن الإمام أم لم يأذن كانت لجندي أم لم تكن ومال إلى المنع
وأن التفريق بين المحارم كالتفريق بين والدة وولدها وهو قول في المذهب قال والظاهر اختصاص ذلك بمن كان ذا رحم محرم ليخرج بنو العم
وأنه يجوز الانتفاع بالمبيع في مدة المسير لرده وإذا اطلع على عيبه بشرط وقوع الانتفاع في المدة التي يغتفر التأخير فيها من السير
وأنه إذا قال اشترته بمائة ثم قال بل بمائة وعشرة وكذبه المشتري ولم يبين لغلطه وجها محتملا ولكن أقام بينة بذلك فإنها تقبل وإن كان بإقراره السابق
"""
صفحة رقم 231 """
مكذبا لها وهو رأي ابن المغلس من الظاهرية ولكن ابن المغلس علل رأيه بجواز كونه غافلا أو ناسيا والوالد يختار قبول البينة وإن قال كنت قد تعمدت فمذهبه أعم وأشد من مذهب ابن المغلس
وأنه يجوز بيع نصف معين من ثوب نفيس وإناء وسيف ونحوه مما تنقص قيمته بقطعة وهو قول صاحب التقريب والقاضي أبي الطيب والماوردي وابن الصباغ لكن نص الشافعي والجمهور على خلافه
وأن إثبات الربا في الستة المنصوص عليها الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح تعبد ويقول مع ذلك يثبت الربا في كل مطعوم لكن لا بالقياس بل لعموم قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( الطعام بالطعام ) وسبقه إلى هذا المذهب إمام الحرمين
وأن بيع النقد الثابت في الذمة بنقد ثابت في الذمة لا يظهر دليل منعه وجنح إلى جوازه كما هو مذهب مالك وأبي حنيفة وأما الشافعي والأصحاب فمتفقون على المنع واستدلوا بحديث ( نهى عن بيع الكاليء بالكاليء )
ونقل أحمد بن حنبل الإجماع على أن لا يباع دين بدين
قال الشيخ الإمام وجوابه أن ذلك فيما يصير دينا كما لو تصارفا على موصوفين ولم يتقابضا أما دينان ثابتان يقصد طرحهما فلا
"""
صفحة رقم 232 """
وأن من أتلف على شخص حجة وثيقة تتضمن دينا له على إنسان ولزم من إتلافها ضياع ذلك الدين لزمه الدين
وأن القراض على الدراهم المغشوشة جائز
وأن المخابرة والمزارعة جائزتان
وأن المساقاة غير لازمة
وأن التوقيت غير شرط فيها
وأن المساقاة على جميع الأشجار المثمرة المحتاجة إلى عمر جائزة ولا يجوز على ما لا يحتاج منها إلى عمل فتوسط بين الجديد الذي خصها بالعنب والنخل والقديم الذي جوزها على كل الأشجار
وأن الوقف على سبيل البر مصرفه ذوو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلون والرقاب وأهل ود أبي الواقف وأمه
قال ولم أر أحدا قاله قال ولا يبعد أن يضاف إليهم الأسير وفي آخر كلامه في شرح المنهاج ما يشير إلى تنزيل كلام الأصحاب عليه بعد أن صرح بخلافهم وخلاف غيرهم فيه
وأن الوفاء بالوعد واجب
وأنه يكفي إشهاد الوصي على كتابة نفسه مبهما من غير أن يطلع الشاهدان على تفصيل ما كتبه فإذا شهدا عليه أن هذا خطي أو أن هذه وصيتي ولم يعلما ما فيها كفى وهو قول محمد بن نصر المروزي
"""
صفحة رقم 233 """
وأنه إذا أوصى للعلماء دخل فيهم القراء قال وليس هو مذهب الشافي وإن حاول ابن الرفعة جعله مذهبه
وأن من فقأ العينين أو قطع اليدين والرجلين لا يستحق السلب بل إنما يستحق بالقتل وفاء بقول ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قتل قتيلا )
وأن من مات وعليه دين وكان قد استحق في بيت المال بصفة من الصفات مقداره وجب على الإمام أداؤه عنه وإن كان الميت المديون غنيا
وأن الغلول لا يمنع شهادة من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا بل يكون معصية يؤاخذ بها مع كونه شهيدا
وأن القاضي الحنفي إذا قضى بصحة النكاح بلا ولي ينقض قضاؤه وهو رأي الإصطخري
قال الشيخ الإمام أنا أستحيي من الله أن يرفع لي نكاح صح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه باطل فأستمر به على الصحة لرأي حاكم من الناس
وأن علة الإجبار في النكاح البكارة مع الصغر جميعا وهو خلاف مذهب الشافعي وأبي حنيفة جميعا
وأن الإمام الفاسق لا يزوج الأيامى ولا يقضي ولكن يولي من يفعل ذلك وهو رأي القاضي الحسين
وأنه لو قال لجاريته التي لا يأمن وفاءها بالنكاح إذا أعتقها ولم ترد العتق إن لم تنكحه وإن كان في علم الله أني أنكحك أو تنكحيني بعد عتقك فأنت حرة فرغبت
"""
صفحة رقم 234 """
وجرى النكاح بينهما عتقت وحصل الغرض وإلا استمر الرق وهو رأي ابن خيران وقاله أيضا صاحب التقريب وعبارته أن الطريق أن يقول إن يسر الله بيننا نكاحا فأنت حرة قبله بيوم وما إليه الغزالي وأما الأصحاب سواهم فمطبقون على أنه لا يصح النكاح ولا يحصل العتق
وأن الخلع ليس شيء
وأنه تجب المتعة لكل مطلقة وهو مذهب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه والجديد وجوبها إلا لمن لم توطأ والقديم عدم وجوبها إلا لمن لا مهر لها ولا دخول فخالف الشيخ الإمام القديم والجديد معا ووافق عليا رضي الله عنه
وأن قاتل من لا وارث له للإمام العفو عنه مجانا إذا رأى ذلك مصلحة والأصحاب جزموا بأنه ليس له ذلك بل إما أن يعفو على الدية أو يقتص
وأنه لا صغيرة في الذنوب بل الكل كبائر ولكن بعضها أكبر من بعض وهو رأي الأستاذ أبي إسحاق ونسبه الشيخ الإمام إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري
وأن ساب سيدنا ومولانا محمد المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) إذا كان مشهورا قبل صدور السب منه بفساد العقيدة وتوفرت القرائن على أنه سب قاصدا للتنقيص يقتل ولا تقبل له توبة وكتب على فتيا وردت عليه في ذلك
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم
فهذه نبذة من مقالاته لنفسه
"""
صفحة رقم 235 """
القسم الثاني ما صححه من حيث المذهب
وإن كان الرافعي والنووي رجحا خلافه أو كان النووي وحده رجح خلافه فنحن نذكر في هذا القسم ما كان من هذا النمط ولا نذكر شيئا وافق فيه النووي وإن خالف الرافعي لظهور ذلك ولأن العمل على قول النووي فيه لا سيما إذا اعتضد بتصحيح الشيخ الإمام
وأما ما عقدنا له بهذا الفصل مما خالف فيه الشيخين جمعيا أو النووي وحده فلا يخفى أنه ينبغي تلقيه بكلتا اليدين فإني لا أشك في أنه لا يجوز لأحد من نقلة زماننا مخالفته لأنه إمام مطلع على مآخذ الرافعي والنووي ونصوص الشافعي وكلام الأصحاب وكانت له القدرة التامة على الترجيح فمن لم ينته إلى رتبته وحسبه من الفتيا النقل المخض حق عليه أن يتقيد بما قاله وأما من هو من أهل النظر والترجيح فذاك محال عن نظره لا على فتيا الرافعي والنووي والشيخ الإمام
فمن ذل رجح أنه إن شهد طبيبان أن الماء المشمس يورث البرص كره وإلا فلا
وتقدم اختياره من حيث الدليل الاكتفاء بطبيب واحد
وأن المني ينقض الوضوء وفاقا للقاضي أبي الطيب في أحد قوله وللرافعي في كتابه الكبير المسمى بالمحمود ولابن الرفعة
وأن فضلات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) طاهرة وهو رأي أبي جعفر الترمذي
"""
صفحة رقم 235 """
وأن موت الراهن قبل القبض مبطل للرهن
وأنه إذا جنى المرهون ففداه المرتهن وشرط كونه مرهونا بالدين والفاداء فهو على القولين في رهن المرهون عند المرتهن بدين آخر حتى يكون الأصح المنع
والأظهر في الرافعي وهو المذهب في الروضة الصحة وأن هذا يستثنى من محل القولين
وأن المرتهن يخاصم إذا لم يخاصم الراهن
وأنه إذا رهن نصيبه من بيت معين ثم قسمت الدار فوقع البيت في نصيب شريكه بقي مرهونا كما اقتضاه كلام صاحب التهذيب خلافا للإمام والرافعي والنووي حيث رجحوا أن الراهن يغرم القيمة لتكون رهنا بدله وضعف مقالتهم جدا وقال أوجه منها وأرجح أن يجعل ذلك كالآفة السماوية وهو احتمال للإمام وأرجح من الكل ما اخترناه وأشار إليه صاحب المهذب
وأن بعض الغرماء إذا طلب الحجر على المديون حجر وإن لم يقتض دينه الحجر به لو انفرد ذكره في شرح مختصر التبريزي ولم يذكره لا في شرح المهذب ولا في شرح المنهاج وهو الأظهر عند الرافعي وقوي النووي في الروضة خلافه
وأن السرف وهو إنفاق الرجل زائدا على ما يليق بحاله وإن لم يكن في معصية حرام
وأنه إذا بلغ الصبي وادعى على الولي بيع ماله من غير ضرورة ولا غبطة يصدق الولي في غير العقار والصبي في العقار
"""
صفحة رقم 236 """
وأن المموه بذهب أو بفضة حرام وإن لم يحصل منه شيء بالعرض على النار قال والتمويه بما لا يحصل منه شيء بالعرض أصعب من التمويه بما يحصل منه
وأن تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة حلال قال والمنع منه في الكعبة شاذ غريب في المذاهب كلها
وأن المحدث حدثا أصغر إذا انغمس في الماء ناويا رفع الجنابة عامدا ولم يكن تقدير ترتيب فيه لم يصح وضوءه لأنه متلاعب والرافعي والنووي صححا الصحة والحالة هذه
وأن من تيقن الطهارة والحدث وشك في السابق منهما يلزمه الوضوء بكل حال وهذا صححه النووي مرة
وأن الغسالة إذا انفصلت وقد زاد وزنها عند الانفصال على ما كان فليست نجسة بمثابة ما تغير خلافا للرافعي بل هو كما لو لم يزد وزنها
وأن ماسح الجبيرة إذا تيمم لفرض ثان ولم يحدث فإن كان جنبا لم يعد الغسل وإن كان محدثا أعاد ما بعد عليله خلافا للنووي ووفاقا للرافعي
وأن العاصي بسفره لا يتيمم لأن سفر المعصية لا يتعلق به رخصة فعليه أن يعود ولا سيما إذا أمكنه الرجوع والصلاة بالماء قبل خروج الوقت
"""
صفحة رقم 237 """
وأن تارك الصلاة إنما يقتل إذا ضاق وقت الثانية كما هو قول أبي إسحاق وقد قدمنا اختياره من حيث الدليل في تارك الصلاة
وأن الإبراد بالظهر لا يختص بالبلد الحار بل شدة الحر كافية ولو في أبرد البلاد
وأن الحائض والجنب لا يجيبان المؤذن إذا سمعاه على خلاف ما جزم به الرافعي والنووي
وأن وقت الأذان الأول للصبح قبل طلوع الفجر قال وهو وقت السحر ورجحه القاضي الحسين والمتولي والبغوي وصحح النووي أنه من نصف الليل والرافعي أنه في الشتاء من سبعه الأخير وفي الصيف من نصف سبعه
وأن العبد الفقيه في إمامة الصلاة أولى من غير الفقيه وإن كان حرا
وأن تأخير العشاء ما لم يخرج وقت الاختيار أفضل من تقديمها وهو الجديد
وأنه لا يجوز جمعتان في بلد وإن عظم وعسر اجتماع أهله في جامع واحد
"""
صفحة رقم 238 """
وأن وقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس كما في التنبيه لا من طلوعها
وأن العبرة في الاقتداء باعتقاد الإمام وهو رأي القفال فلو اقتدى شافعي بحنفي مس فرجه أو افتصد صح في المس دون الفصد خلافا للرافعي والنووي حيث عكسا هذا اختياره مذهبا وتقدم اختياره دليلا
وأن من سها في صلاته وسلم قبل أن يسجد للسهو ساهيا ولم يطل الفصل لا يصير عائدا إلى الصلاة إذا سجد دون ما إذا لم يسجد كما ذهب إليه الرافعي والنووي وكثيرون بل إما أن لا يصير عائدا كقول صاحب التهذيب وإما أن يسلم مرة أخرى ولا يعتد بذلك السلام كما هو وجه في النهاية ولم يرجح واحدا من هذين الوجهين بل تردد بينهما
وأن من أوتر بأكثر من ركعة ينوي قيام الليل إلا في الذي يقع به الإيتار في الآخر فينوي به الوتر والأصح عند النووي أنه ينوي لكل شفع ركعتين في الوتر
وأن التنحنح في الصلاة لا يبطلها وإن بان منه حرفان وهو ما عزاه ابن أبي هريرة إلى النص
وأن من لا يحسن الفاتحة يأتي بالذكر ولا يقوم الدعاء مقامه
وأن الجماعة فرض كفاية على المقيمين والمسافرين خلافا للرافعي حيث قال سنة مطلقا وللنووي حيث قال فرض كفاية على غير المسافرين
وفي كلام الوالد ما يؤخذ منه ميله إلى أنها فرض عين
وأن من شرع في الصلاة إلى القبلة بالاجتهاد وتغير اجتهاده في القبلة في أثناء الصلاة يستأنف خلافا لهما حيث قالا ينحرف إلى الجهة الثانية
"""
صفحة رقم 239 """
وأن وقت الضحى من ارتفاع الشمس لا من طلوعها وفاقا للرافعي وخلافا للنووي في اختياره أنه من طلوعها ونقله إياه أيضا عن الأصحاب وقال الرافعي في العيد نظيره
وأن من أحرم بأكثر من ركعة لا يزيد على تشهدين
وأن الإمام إذا أحس بداخل وهو راكع لا يستحب له انتظاره بل يكره
وأن تصحيح الأصحاب قول أبي إسحاق أن المقيم غير المستوطن لا تنعقد به الجمعة لم يتضح عليه دليل ومال إلى قول ابن أبي هريرة أنها تنعقد به
وأن الوجه تخصيص الخلاف في أن الكلام وقت الخطبة هل يحرم لمن عدا الأربعين أما الأربعون فيحرم عليهم الكلام ويجب السماع جزما وهذه طريق الغزالي واستبعدها الرافعي وتبعه النووي
وأن مقدار ما يحل التطريز أو التطريف به من الحرير أربع أصابع وهو رأي النووي في التطريز وقال في متن الروضة يرجع في التطريف إلى العادة
وقال الرافعي في المحرر يرجع إلى العادة فيهما جميعا
قال الوالد رحمه الله الصحيح الضبط بأربع أصابع فيهما جميعا
وأن الإعلام بموت الميت بمجرد الصلاة من غير ذكر شيء من المناقب حسن مستحب وما عداه مكروه قال وقد ينتهي إلى التحريم
"""
صفحة رقم 240 """
وأن من عجل الزكاة إذا ثبت إلى آخر الحول والمعجل تالف يجب ضمانه بالمثل مثليا كان أو متقوما وهو وجه وجزم الرافعي أن المتقوم يضمن بالقيمة
وأنه إذا باع في أثناء الحول نقدا بنقد أو سائمة بسائمة بقصد التجارة لم ينقطع الحول وتجب الزكاة وهي طريقة الإصطخري التي نسب أبا العباس ابن سريج في مخالفتها في النقد إلى خرق الإجماع والرافعي والنووي تبعا طريق ابن سريج فصححا انقطاع الحول
وأنه إذا اشترى عرضا يساوي مائة وعجل زكاة مائتين وحال الحول وهو يساوي مائتين لا يجزيه
وأنه إذا تعذر إيجاب زكاة العين فيما إذا اجتمعت مع التجارة لنقصان الماشية المشتراة للتجارة عن قدر النصاب ثم بلغت بالنتاج في أثناء الحول نصابا ولم تبلغ بالقيمة نصابا في آخر الحول فتنتقل إلى زكاة العين خلافا للنووي حيث صحح أنه لا زكاة ولا تصحيح للرافعي في المسألة
وأنه يلزم الابن فطرة زوجة أبيه الذي تجب نفقته وهو ما صححه الغزالي
وأن من أخفى الزكاة عن الإمام الجائر ولم يدفعها إلى المستحقين يعزر ولا يكون جور الإمام عذرا في عدم تعزيره
وإن دفها إلى الأصناف في موضع يأمن الفتنة ولم يطلب الإمام ولا أوجبنا الدفع إليه لم يعزر من منعها بعد الطلب حيث لا فتنة
وإن لم يكن عذر عزر وإن كان بأن ادعى الجهل بذلك وكان محتملا في حقه لم يعزر
"""
صفحة رقم 241 """
فإن اتهم حلف وإن كان لا يخفى عليه ذلك لمخالطته العلماء لم يقبل ويعزر
والشافعي والأصحاب أطلقوا أن الإمام إذا كان جائرا يأخذ فوق الواجب أو يضع الصدقة في غير موضعها لم يعزر من أخفاها عنه
أن قبلة الصائم إن حصل بها مجرد التلذذ لم تحرم ولا تكره أو ظن الإنزال حرمت أو خوفه كرهت
وأن صوم يوم وفطر يوم أفضل من صوم الدهر وإن فرعنا على أنه مستحب
وأن صوم الدهر مكروه مطلقا
وأن ليلة القدر تطلب في جميع رمضان ولا تختص بالعشر الأخير بل كل الشهر محتمل لها وهو ما قاله صاحب التنبيه وسبقه المحاملي في التجريد وأنكره الرافعي
وأنه إذا نذر اعتكاف مدة ونوى بقلبه تتابعها لزمه خلافا للرافعي والنووي حيث قال الأصح لا يلزمه إلا إذا تلفظ
وأن المغصوب إذا كان قادرا على الاستئجار على الحج وامتنع من الاستئجار استأجر عنه الحاكم وكذلك إذا بذل الطاعة فلم يقبل المطاع ينوب عنه الحاكم
وأن الرمل يختص بطواف القدوم
وأن طواف الوداع نسك
وأن على من سافر من مكة ولو سفرا قصيرا الوداع كما قال النووي قال الشيخ الإمام إلا أن يكون لغير منزله على نية العود فلا وداع فإذا الوداع عنده مختص بسفر طويل أو قصير على نية الإقامة وعند النووي وغيره من الأصحاب مطلق السفر وعند صاحب التهذيب وغير السفر الطويل فالوالد متوسط
"""
صفحة رقم 242 """
وأنه يسمن للرامي يوم النحر قبل أن ينزل أن يستقبل الجمرة والكعبة والذي جزم به الرافعي وآخرون أنه يستقبل الجمرة ويستدبر الكعبة
وأنه يجوز في اليوم الثاني الرمي قبل الزوال وفي الليل سواء قلنا قضاء أم أداء
وأن ما ورد من ذكر خاص أو دعاء خاص في الطواف أفضل من القراءة وأما ما ورد من دعاء أو ذكر لا يختص بالطواف فالقراءة أفضل منه خلافا للرافعي والنووي حيث فضلا مأثور الدعاء على القراءة مطلقا
وأن الزرافة يحل أكلها وإن ادعى النووي في شرح المهذب الاتفاق على التحريم وتوقف الوالد نفي تحريم الببغاء والطاوس
وأن التفرقة بين والدة وولدها بالرد بالعيب حرام وأنكر دعوى شيخه ابن الرفعة أن المذهب الجواز
وأن الخمر والخنزير حيث قيل بتقويمهما في تفريق الصفقة فالمعتبر قيمتهما عند أهلهما وهو احتمال للإمام صححه الغزالي ولا تقوم الخمر خلا والخنزير بقرة خلافا للنووي ومن سبقه
وأن قول البائع شريت ليس صريحا كبعتك بل هو كناية خلافا للرافعي حيث تبع في ادعاء صراحتها المتولي
وأن بيع الحديقة المساقى عليها في المدة جائز مطلقا وسنعيد ذلك عند ذكر قسمتها
وأنه لا يجوز بيع الكافر كتابا في علم شرعي وإن خلا عن الآثار تعظيما للعلم
"""
صفحة رقم 243 """
وأن بيع العبد الجاني جناية تعلق برقبته مالا بعد اختيار الفدا وقبل وقوع الفدا باطل والبغوي قال إنه يصح ونقله الرافعي عن إطلاه ساكتا عليه وتبعه النووي
وأنه لو اشترى جارية بكرا مزوجة علم زواجها ورضي به ثم وجد عيبا قديما بعدما أزيلت البكارة لا يرد وفاقا للمتولي وقال ينبغي القطع به
وأن البيع ينفسخ إذا حصل اختلاط الثمرتين ثمرة البائع وثمرة المشتري فيما ينذر الاختلاط فيه في البيع خلافا للرافعي والنووي قال وإن قلنا بثبوت الخيار كما يقولان فهو للبائع لا للمشتري خلافا لهما أيضا حيث صححا ثبوته وقالا أنه للمشتري
وأن خيار التصرية يمتد إلى ثلاثة أيام
وأنه لا يشترط في بيع الحاضر للبادي عموم الحاجة بل يكفي أصلها وهو وجه في المطلب معزو إلى النص
وأنه إذا قال بعته بمائة ثم قال بل بمائة وعشرة في المرابحة وبين للغلط وجها محتملا لا تسمع بينته ولا يحلف هذا من حيث المذهب وأما من حيث الدليل فقد قدمنا مذهبه في هذه المسألة
وأنه إذا واطأ شخصا فباع منه ما اشتراه بعشرة ثم اشتراه منه بعشرين وخبر بالعشرين حرم ذلك وأكثر الأصحاب على أنه مكروه كراهة تنزيه
"""
صفحة رقم 244 """
وأن خل الرطب لا يتأتى إلا بالماء فلا يباع بعضه ببعض وبه صرح الماوردي
وأنا إذا قلنا اللحمان جنس واحد كما هو أحد القولين فاللحم البري مع البحر جنسان قال وبه قال أبو علي الطبري والشيخ أبو حامد الماوردي والمحاملي وقال إنه المنصوص وصاحب المهذب وقال إنه المذهب والروياني وما في متن الروضة من تصحيح أنهما جنس واحد ليس في الرافعي
وأنه إذا باع نصف الثمار على رءوس الشجب مشاعا قبل بدو الصلاح لم يصح وهو قول ابن الحداد
وأنه لا يصح السلم في الشهد وعزاه إلى النص
وأنه لو أسلم إلى أول شهر أو آخره صح وحمل على الجزء الأول من كل نصف وهو قول الإمام والبغوي قال ودعوى الرافعي أن المنقول عن عامة الأصحاب مقابلة ممنوعة
وأنه يجوز السلم في الأرز في قشره الأسفل والأحمر
وأنه يصح أن يستبدل عن المسلم في نوعه دون جنسه خلافا للرافعي والنووي حيث منعا الاستبدال مطلقا
وأن أحد المتصارفين إذا أقرض من الآخر ما قبضه قبل التفرق ورده عليه عما بقي له يصح ومن قال قال لو قبض المسلم إليه رأس المال ورده في المجلس على المسلم بدين كان له عليه يكون أولى بالصحة
والمنقول في الشرح والروضة عن أبي العباس الروياني في هذه المسألة أنه لا يصح وسكتا عليه وفي التي قبلها أن الأصح المنع فخالف الشيخ الإمام في المسألتين
"""
صفحة رقم 246 """
وأن السفه يسلب الولاية وإن لم يتصل به حجر القاضي وهو وجه صححه ابن الرفعة
وأن مطل الغني كبيرة وإن لم يتكرر خلافا للنووي حيث اشترط التكرر
وأن الحوالة استيفاء وأن معنى الاستيفاء التحويل
وأن الوكيل لا ينعزل بالإغماء
وأنه لو قال اقض الألف التي لي عليك فقال أقضي غدا أو أمهلني يوما أو حتى أقعد أو أفتح الكيس أو أجد
فليس بإقرار بخلاف ما لو قال نعم
وأنه إذا قال علي كذا وكذا درهم لم يلزمه إلا درهم واحد وهو رأي المزني
وأن الأب إذا أقر بعين مال لابنه ثم ادعى عنه عن هبة منه وأراد الرجوع فليس له ذلك وهو رأي أبي عاصم العبادي والقاضي أبي الطيب وخالفهما القاضي الحسين والماوردي
قال الرافعي ويمكن أن يتوسط بين أن يقر بانتقال الملك منه فيرجع وإلا فلا
وأنه لو ضرب ليصدق فأقر مضروبا لم يكن إقرارا مطلقا إلا أن يكون المكره عالما بالصدق والنووي اختار كونه إقرارا مطلقا بعد أن استشكله
"""
صفحة رقم 247 """
قال لأنه مكره على الصدق ولا ينحصر الصدق في الإقرار وأنه إذا أعاد الإقرار بعد الضرب وحدث خوف تسبب لم يعمل به
وأنه إذا استعار عينا ليرهنها بدين معلوم فرهن بأكثر منه بطل في الزائد وخرج في المأذون على تفريق الصفقة خلافا للرافعي والنووي حيث صححا البطلان في الكل ونص الشافعي يشهد لهما
وأن المستعير إذا لم يوافق المعير عند اختياره القلع بالأرش يكلف تفريغ الأرض قال ولا يكلف التفريغ عند اختيار الإبقاء بأجرة أو التملك وهو رأي البغوي
وأنه إذا خلط الطعام المغصوب فتعذر التمييز لا يجعل كالهالك خلافا للرافعي والنووي والأكثرين لأن لآحاد الناس انتزاع العين المغصوبة من الغاصب
وأن الشفعة ثابتة للشفيع إلى أن يصرح بالإسقاط وهو الوجه القائل بثبوتها له أبدا والأصح عند الرافعي والنووي أنها على الفور
وأن القراض لا ينفسخ بإتلاف العامل وهو رأي المتولي
وأن العامل إذا قارض بلا إذن فالربح للثاني
"""
صفحة رقم 248 """
وأن ما يأخذه الحمامي ثمن الماء وأجرة الحمام والسطل وحفظ الثياب وفاقا لابن أبي عصرون وخلافا للرافعي والنووي حيث منعا كونه في مقابلة الماء
وأن كسح البئر وتنقية البالوعة على المؤجر
وأن الطعام المحمول ليؤكل إذا كان شرط قدرا يكفيه للطريق كلها لا يبدل ما دام الباقي كافيا لبقية الطريق وإن شرط قدرا يعلم أنه لا يكفيه فيبدل
وأنه لو اكترى اثنان دابة وركباها فاتردفها ثالث بغير إذنهما فتلفت قسط الغرم على الأوزان ولزم الثالث حصة وزنه وهو ما صححه ابن أبي عصرون وصحح النووي أنه يلزمه الثلث وفي وجه يلزمه النصف
"""
صفحة رقم 249 """
وأن المقطع إذا قام من مكانه ونقل عنه قماشه لم يكن لغيره أن يقعد فيه وهو رأي صاحب التنبيه
وأن الوقف على طبقة بعد طبقة أو بطن بعد بطن يقتضي الترتيب ونقله عن جماعات
وأن الوقف على معين لا يحتاج إلى القبول وقد اختاره النووي في كتاب السرقة
قال الوالد هو ظاهر نصوص الشافعي ورأي الشيخ أبي حامد وكثيرين
وأن لفظ الصدقة كناية في الوقف فإذا نواه حصل به سواء أضافه إلى معين أو جهة
وأن الوقف الموقت صحيح مؤبد فيما يضاهي التحرير وهو رأي الإمام
وأن المعتبر في الوقف قصد القربة لا مجرد انتفاء المعصية
وأنه لا يجوز بيع الدار المتهدمة والحصر البالية والجذوع المتكسرة إذا كان وقفا أبدا وذكر أنه لم يقل أحد من الأصحاب ببيع الدار المتهدمة وأن ما في الحاوي الصغير غلط وما أوهمه كلام الرافعي مؤول
وأنه إذا شرط في وقف المسجد اختصاصه بطائفة كالشافعية لا يختص وقال بشرط أن يصرح بلفظ المسجد
وأن الوقف لا يرتد برد الموقوف عليه وإن لم يقبل وفرعه على اختياره أنه لا يشترط قبول الموقوف عليه
"""
صفحة رقم 250 """
وأن المشروط له النظر في وقف كذلك لا يشترط قبوله ولا يرتد برده
وأن الولد إذا وهبه والده حبا فبذره فصار زرعا أو بيضا فأحضنه فصار فرخا لم يمنع ذلك والده من الرجوع في هبته
وأن هبة الدين لغير المديون صحيحة وهو ما صححه النووي في كتاب البيع
وأن تعلق حق غرماء الولد المتهب بماله للحجر عليه لا يمنع رجوع الوالد في الهبة
وأن اللقيط إذا وجد في ثيابه رقعة فيها أن تحته دفينا حكم بدفع المنازع فيه وما يترتب عليه من التصرف ولا يحكم بصحة ملكه له ابتداء وهو توسط بين وجهين للأصحاب إن قيل يرفعه ما اتفقوا عليه فهو من مذاهبه الخارجة عن قواعد المذهب فليلحق بالقسم الأول وإلا فهو من مصححاته على أصل الشافعي
وتوقف فيما إذا أرشدت الرقعة إلى دفين بالبعد عن اللقيط
وأن اللقيط المحكوم بكفره لا ينفق عليه من بيت الماء بل إن تطوع مسلم أو ذمي وإلا قسط على أهل الذمة
وأن الجد إذا أسلم والابن حي لا يستتبع الابن قال ولم يذهب أحد من
"""
صفحة رقم 251 """
الأصحاب إلى أن الجد لا يستتبع سواء كان الابن حيا أو ميتا ولو ذهب أحد إلى تصحيحه لكان له وجه قوي هذا كلامه في شرح المنهاج ولا أحفظ عنه الذهاب إلى ما لم يذهب أحد إلى تصحيحه لا مذهبا لنفسه ولا تخريجا على أصل إمامه وبحثت معه غير مرة في المسألة فلم أسمعه يزيد على أنه لو ذهب إليه ذاهب من الأصحاب لكان متجها كان يقول لنا ذلك في مجالس المناظرة ولم يزد في شرح المنهاج عليه فلذلك لم أعز إليه في القسم الأول أنه يذهب إلى عدم الاستتباع
وأن الصبي إذا أسلم وقلنا بمشهور المذهب وهو عدم صحة إسلامه تجب الحيلولة بينه وبين أبويه وأهله الكفار خلافا لهما حيث رجحا أن الحيلولة مستحبة
وأن الأصول والفروع يدخلون في الوصية للأقارب
وأن قول الوصي هو له من مالي صريح في الوصية والذي في الشرح والروضة أنه كناية
وأنه إذا أوصى لشخص بدينار كل سنة صح في السنين كلها وهو ما رجحه الرافعي
وأن المودع وغيره من الأمناء إذا مات ولم نجد الوديعة في تركته ولا أوصى بها فإن وجدنا جنسها ضمن ضمان العقد لا العدوان وإن لم نجد جنسها لم يضمن
"""
صفحة رقم 252 """
وأن صاحب الوديعة في صورة الضمان يتقدم على الغرماء
وأن مجرد التمييز يزول به التقصير
وأن ذكر الجنس كقوله مثلا عندي ثوب وديعة تمييز إذا لم يكن ثم ثوب غيرن
وأنه إذا مات ولم يوجد غيره نزل عليه وإن وجد أثواب أعطي واحدا منها
وأن الوديعة إذا تلفت بعد الموت بلا وصية وقلنا بالضمان كان مستندا إلى ما قبيل الموت لا إلى أول المرض
وأن دعوى الورثة رد مورثهم على المودع أو تلفها قبل نسبته إلى التقصير بغير بينة لا تسمع
وأن من انقطع خبره لا يقسم ماله بين ورثته ولا يحكم القاضي بموته وإن مضت مدة تغلب على الظن موته ما لم تقم بينة بموته وعزاه إلى النص
وأنه إذا حكم بموته لا يعطى ماله من يرثه وقت الحكم ولا قبيل الحكم بل من يرثه في الزمان الذي استند إليه الحكم فإذا حكم سنة خمس بأنه مات سنة أربع ورثه من يرثه سنة أربع لا سنة خمس
قال الشيخ الإمام ولعل هذا مرادهم وإن لم يصرحوا به
وأن المرأة تجاب إذا عينت كفؤا وعين الولي غيره خلافا للرافعي والنووي
"""
صفحة رقم 253 """
وقال محل الخلاف في المجبر أما غيره فهو المجابة قولا واحدا
وأن النكاح ينعقد بالمستور كما قاله الرافعي والنووي ولكنه خالفهما في تفسيره فقال المستور من عرفت عدالته باطنا وشك هل هي موجودة حال العقد لا من لا يعرف منه إلا الإسلام فقط وهذا صعب
وأنه لا يحل نظر العبد إلى سيدته
وأنه لا يحل نظر الممسوح إلى الأجنبية
وأنه إذا أوجب النكاح فقال القائل الحمد لله والصلاة على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قبلت لم يصح للفصل وبه قال الماوردي
وأن قول ابن الحداد في المرأة لها ابنا معتق إن المعتق نفسه لو أراد نكاحها وأحد هذين الابنين منه والآخر من غيره فيزوجها ابنه منها دون ابنة من غيرها محتمل وإن كان معظم الأصحاب غلطوه من جهة أن ابن المعتق لا يزوج في حياة المعتق ولكن إذا خطبها زوجها السلطان
قال الوالد في كتاب الغيث المغدق في ميراث ابن المعتق الولاء بمجرد العتق يثبت لجميع العصبات مع المعتق ويترتب عليه أحكامه لكن يقدم المعتق فإذا كان به مانع لم يمنع غيره
وأطال في ذلك في كتابه المذكور ولخصه في شرح المنهاج
وأن ما حكاه أبو الفرج السرخسي من أن ابن المعتقة يزوج عتيقها محتمل ظاهر
"""
صفحة رقم 254 """
وكاد يرجحه في الكتاب المذكور ولكن لم يفصح بالترجيح بل أطال فيما يدل عليه
وأن الإجابة في سائر الولائم واجبة
وأن ظهور النشوز من المرأة مرة لا يبيح الضرب وهو ما ذكر الرافعي في المحرر أنه الأولى
وأن الإعسار بالمهر قبل الدخول لا يثبت خيار الفسخ قال وكذلك الإعسار ببعضه
وأنه إذا قال إن طلقتك أو متى أو إذا فأنت طالق قبله ثلاثا فطلقها وقع الثلاث وكان يذهب أولا إلى أنه لا يقع شيء ثم رجع عنه إلى قول الثلاث
وصورة المسألة عنده أن تقيد القبلية بما قبله بلحظة والرافعي والنووي رجحا وقوع المنجز فقط
وأنه إذا قال إن كان أول ولد تلدينه من هذا الحمل ذكرا فأنت طالق طلقة وإن كان آخر ولد منه جارية فأنت طالق ثلاثا
فولدت ذكرا ولم يكن غيره لا يقع الطلاق وهو وجه ذكر النووي أنه ضعيف شاذ مردود ولم يوافقه الوالد بل نصره وأطنب فيه في تفسير سورة الحشر
وأن ما مثل متى فإذا قال ما لم أطلقك فأنت طالق
يكون كما إذا قال متى لا كما إذا قال إذا لم أطلقك
"""
صفحة رقم 255 """
وأن نفقة القريب لا تستقر في الذمة وإن فرضها القاضي
وأن من ضرب كوع شخص بعصا فتورم ودام الألم حتى مات فاحتمال القصاص فيها قائم ولم يجزم به لأنه نقل عدمه عن النص لكنه مال إليه
وفي كلام الرافعي والنووي في غرز الإبرة ما يشير إليه ولكنهما نقلا عدم الوجوب في أول الجراح عن الغزالي ولم يتعقباه بنكير واستدلا عليه بحديث
وأن الطريقة المفرقة بين الجارح والمثقل في العمد غيره هي الراجحة
وأنه لا يشترط في كون الجرح عمدا أن يعلم حصول الموت منه بل يكفي كون الجرح بصفة السريان
وأن المرتد لو قال عرضت لي شبهة فأزيلوها بعد وجوب قتله ناظرناه وأزحنا شبهته قبل القتل ما لم يظهر منه التسويف والمماطلة والمنقول في الروضة في هذه المسألة عن الغزالي خلاف الموجود في الوجيز المنقول في الشرح
قال الشيخ الإمام في كتاب السيف المسلول ومحل الخلاف إذا لم يظهر التسويف فإن ظهر لم تناظره قطعا
وأنه لا يجوز للولد السفر في تعلم ما هو فرض كفاية ولا في تجارة وإن كان الأمن غالبا إذا منعه أحد الوالدين
وأن طاعة الوالدين في الشبهات واجبة وأن طاعتهما تجب في ترك السنن إن لم يكن ذلك منهما على الدوام وإن كان على الدوام لم تجب طاعتهما
"""
صفحة رقم 256 """
وأن الكنائس لا يعاد منها شيء إذا انهدم وإن قل وذكر أن الأمة أجمعت على أنا لا نأذن في الإعادة وإنما الخلاف في أن هل نمكن وأن الإعادة معناها الإعادة بتلك الآلة نفسها كما هو ظاهر لفظ الإعادة وذكر أن أحدا لم يقل تعاد بآلة أخرى وأن الخلاف في التمكين إذا انهدمت أو انهدم بعضها وبه صرح الشيخ أبو حامد في التعليق وغيره
وأنه إذا غصب فرسا وقاتل عليه لم يكن السهم له بل لصاحب الفرس
وأن الذمي إذا حضر الوقعة بإذن الإمام بلا أجرة لا يرضخ له من الأخماس الأربعة بل من خمس الخمس
وأن الحقيبة المشدودة على الفرس تدخل في السلب هي وما فيها
وأنه إذا جاء واحد من الغزاة يطلب سهم المقاتلة ويدعي أنه بالغ يعطى بغير يمين كما رجح الرافعي والنووي نظيره في مدعي البلوغ بالاحتلام
وأنه إذا قامت عليه البينة بالسرقة فسئل فصدق الشهود ثم رجع سقط عنه القطع قال لأنه لما أقر صار الثبوت بإقراره لا بالبينة ولم يحوج إلى البحث عنها وهو قول أبي إسحاق في نظيره من الزنا
وأن نقل الثبوت في البلد جائز وإن قلنا بما صححه الرافعي والنووي من أنه ليس بحكم
وأن الثبوت حكم إن كان ثبوتا للمسبب دون ما إذا كان ثبوتا للسبب فإذا أثبت أن لزيد على عمرو ألفا كان حكما بها وإن أثبت أن زيدا باع عمرا دارا بألف لم يكن حكما بها
وأن القاضي لا تسمع عليه بينة ولا يطلب بيمين أبدا فيما يتعلق بالقضاء بخلاف ما يتعلق بخاصة نفسه
"""
صفحة رقم 257 """
وأن القاضي المعزول لا يحلف وهو رأي الإصطخري واستحسنه الرافعي في المحرر
وأنه إذا استعدى على حاضر في البلد وقعت الإجارة على عينه وكان حضوره مجلس الحكم يعطل حق المستأجر لم يحضره حتى تنقضي مدة الإجارة
وأن السيد يحلف إذا ادعت أمته الاستيلاد ليمنع من بيعها وتعتق بالموت قال وقول الرافعي والنووي وابن الرفع لا يحلف محمول على ما إذا كانت المنازعة لإثبات النسب
وأنه يصح قسمة الحديقة القابلة لقسمة التعديل المساقى عليها قبل انقضاء مدة المساقاة ويجبر الممتنع ولا يشترط رضا العامل قال ولكن يحذر من الربا بأن تجري القسمة بعد وجود الثمرة ويقع في كل من النصيبين فيصير بيع نخل ورطب بمثله وهو باطل من قاعدة مد عجوة وبناه على أصله أنه لا يصح بيع الأشجار المساقى عليها
والرافعي شبهه ببيع المستأجر ونقل فيه تفصيلا عن صاحب التهذيب استحسنه النووي
وابن الرفعة ألحقه ببيع الثوب عند القصار الأجير على قصارته
والشيخ الإمام خالف كلامهم أجمعين واختار الصحة والقسمة ثم وجد ذلك منصوصا في البويطي
وأن قسمة الرطب والعنب على الشجر ممتنعة ولو قلنا القسمة في ذلك إفراز وهو ما رجحه المحاملي وقال إنه المنصوص والبغوي وغيرهما
"""
صفحة رقم 258 """
وأن الملك لا يقسم على الوقف وإن قلنا القسمة إفراز
وأن الشهادة بالردة لا تقبل مطلقة بل لا بد من التفصيل والبيان
وأن من قال أشهد أني رأيت الهلال تقبل شهادته وإن أخبر عن فعل نفسه
وأنه لا يحل لشافعي لعب الشطرنج مع من يعتقد تحريمه
قلت ولما وقف الشيخ الإمام الأديب الماهر بدر الدين الحسن بن عمر بن الحسن
"""
صفحة رقم 258 """
وحينئذ يرجى له فتح كل ما
غدا مرتجا من باب فضل ورحمة
فإن قضاء الله يطلق تارة
بكفر وإيمان فيحفى لحكمة
وآونة يجري تعلقه بنا
على سبب نعتاده كالشريطة
كسم لموت أو دواء لصحة
وطوع وعصيان لسعد وشقوة
وقد جعل الله الحكيم لعبده اختيارا
لأسباب الرضا والقطيعة
ويسره من بعد هذا لما قضى
عليه ليمضي فيه حكم المشيئة
وقطع لسان الإعتراض ونفي لم
ولبس جميل الصبر عند المصيبة
وأما رضانا بالقضاء فواجب
ومعناه تسليم لحكم المشيئة
وكونك ترضى بالشقاء شقاوة
لأنك لا تدري القضاء بأية
وآيته أن تخلي القلب من هوى
وترضى بإيمان صحيح العقيدة
وترضى بما يرضى الله وبالذي
قضاه وتلغي حيرة بعد حيرة
وقولك ربي إن يشا الكفر شئته
صحيح كذا إن شئت إحداث توبة
وثبت تثبيتا مشيئته لها
كما بان بالمعلول تأثير علة
وأنت فعاص حين خالفت أمره
وإن كنت قد وافقت حكم الإرادة
وللعبد لا شك اختيار فقائل
بتأثيره مع قدرة أزلية
وآخر قال الفعل مشتمل على
خصوص صفات مثل حج وزنية
للفاعل التأثير في كونه زنا
وحجا وأصل الفعل فعل القديمة
ومذهب أهل الحق والأشعر أنه
ليس بتأثير بحادث قدرة
"""
صفحة رقم 259 """
ابن حبيب على هذا الترجمة ورأى هذه الترجيحات انتخب من الترجمة أماكن نمقها وضم إليها نفائس من ألفاظه التي يسامي الرياض رونقها وعرضها علي فوجدتها مشتملة
"""
صفحة رقم 259 """
ولله خلق الفعل والقدرة التي
تقارنه للعبد كالسبيبة
وهذا اختيار ماله أثر به
علينا غدا لله أعظم حجة
وجملة ما فصلته لك راجع
إلى أننا ملك لباري البرية
جواب الشيخ نجم الدين أحمد بن محمد الطوسي تغمده الله برحمته
ألا أصغ يا ذمي إن كنت سامعا
جواب سؤال رمته بالأدلة
ودبر بعقل مدرك سر ما بدا
بإنشاء رب الكون في كل حالة
فأوجد كل الكائنات بعلمه
وقدرته جبرا لمحض الإرادة
تصرف في مخلوقه بمراده
لما شاء لا يدري خفي النهاية
فأبدع كل الكون من حيث لم يكن
له صورة موجودة في البداية
سؤالك يا هذا فليس بوارد
لإيراثه إظهار كل قبيحة
تصرف مملوك بإنشاء مالك
على فعله بالنفع ثم المضرة
وإقداره فهم الحقائق كلها
وتمييزه بين العطاء ومنحة
وتشريكه في ملكه ومراده
ونسبته بالقبح في بعض خلقة
وإبدائه منع التصرف في الورى
وإلزامه إبداء كل صنيعة
على وفق معلوم الخليقة كلها
وذا شقوة تبدي خلائل زلة
"""
صفحة رقم 260 """
من نظمه ونثره على السحر الحلال ورأيتها أروى لكبد الظامئ من الماء الزلال وقلت له لم لا نظمت هذه الترجيحات في قصيدة تحفظ وخرطت نظام هذه المسائل في سلك يحرس ألفاظه أن تلفظ
فقال على أي زنة تريد وعلى أي قافية يبتغيها المستفيد
فقلت وكان قد اختتم الترجمة التي أنشأها بأبيات جيمية امتدحني فيها دونك قافية الجيم
فما كن بعد ليال إلا وقد وافى بعروس يجتليها ذو اللب ويجتنيها وأنشدني لنفسه ولم يستوعب الأماكن وإنما اقتصر على ما ستراه
الحمد لله الذي برسوله
خير الورى عنا نفى حرب الحرج
هذا مقال الشيخ فيما اختاره
رأيا حباه ربنا أعلى الدرج
أعني تقي الدين قوام الدجى
الحاكم السبكي خواض اللجج
قال الوفا بالوعد أمر واجب
والخلع لا شيء فحقق ما نهج
والوارث الباقي يصلي مثل ما
يأتي بصوم فائت عمن درج
في آخر الوقت اجتهد في قتل من
ترك الصلاة فحظه يحكي البسج
لا تشترط إخراج تاركها لها
عن وقتها اسلك من السبل الثبج
يا مدركا خلف الإمام ركوعه
هي ركعة ما أدركت فدع اللهج
"""
صفحة رقم 261 """
أما الكسوف إذا تمادى وقته
فزد الركوع له ولا تخش الحرج
ما لا دم يجري له ما ماع لم
ينجس به إن عم وافاك الأرج
نحو الذباب نعم وإلا فهو ينجس
كالعقارب إن لم يكن فيه ولج
وكذا الغسالة طهرها حق وإن
فقد المحل الطهر لقنت الحجج
بين المحارم لا تفرق إنه
كالأم والولد الذي عنها نتج
خذ علة الإجبار فهي بكارة
يا صحا مع صغر تراه بها امتزج
لا يذبح الجندي طرفا للوغى
إلا بمرسوم الإمام إذا خرج
وكذاك لا يقضي إمام فاسق
وزواج الأيم لا يلي ذات البلج
لكن يولي من يقوم بفعله
أحسن بمؤتم على هذا نسج
يا من يخابر أو يزارع جائز
هذا وأفلح من بذا القول ابتهج
ليست بلازمة مساقاة ولا
توقيتها شرط فعج نحو النهج
إن القراض على الدراهم جائز
مغشوشة وبها لعامله فرج
كل الذنوب كبائر بتفاوت
من غير ما صغر فلا تنس الحرج
من سب خير الرسل فاقتله ولا
تقبل متابا منه صار بل العوج
فصل وخذ ما سار من تصحيحه
في المذهب المذهب مغرى بالدلج
"""
صفحة رقم 262 """
قال المني إذا تدفق ناقض
ياذا النهى لوضوء من منه خرج
جنب ومن حاضت جواب مؤذن
لا يذكرا عند السماع إذا نأج
وقت لثانية إذا ضاق اضربن
بالسيف من ترك الصلاة على الودج
إبراد ظهر لا يرى تخصيصه
بالبلدة التي يلازمها الأمج
بل شدة الحر ولو في أبرد البلدان
يكفي من أقام ومن سهج
وأذان صبح أول حرره فهو
قبيل أن يفتر فجر للأبج
وصلاة عيد وقتها لا من طلوع
الشمس بل من رفعها نحو الدرج
وبلذة تقبيل من قد صام لم
يحرم ولم يكره وذا قول رعج
إن ظن إنزالا فحرم فعله
أو خافه كره إلى نقص حنج
وصيام داود ففضله على
إمساك دهر كم أنال وكم خلج
وكذاك صوم الدهر مكروه على الإطلاق
أطلقك الزمان من الهرج
في كل شهر الصوم تطلب ليلة القدر
التي في طيها تقضى الحوج
"""
صفحة رقم 265 """
قال الإمام وهكذا إعساره
بالبعض فافهم واطرح قول الهمج
إن النشوز من القرينة مرة
للضرب ليس يبيح هاجرك الزمج
تجب الإجابة في الولائم كلها
حتما على ذي فاقة ومن ارتعج
إن الكنائس لا يعاد مهدم
منها وإن هو قل قارنك الفرج
نقل الثبوت يجوز في البلد الذي
فيه القضاة المنقذون من الزلج
البينات أصبت لم تسمع على القاضي
وذا قول به الحق اندمج
كلا ولم تطلب يمين منه في
علق القضا دع من لهذا قد ذعج
وإذا وكيل موكل أغمى عليه
ليس يعزل فاكتبن ذا في الدرج
إن الوصية للأقارب داخل
فيها الأصول مع الفروع ولا حرج
دار وخشب هدمت وتكسرت
والحصر إن بليت وقارنها السحج
لا جائز إن كان وقفا بيعه
يا حبذا علم كذا العلم اختلج
إن خص واقف مسجد قوما به
كالشافعية يلغ سدا للرتج
والوقف بطنا بعد بطن يقتضي الترتيب
أنصف من إلى هذا ثلج
"""
صفحة رقم 266 """
ومعين وقف عليه ليس يحتاج
القبول فدع مقالة من مشج
إن رد موقوف عليه الوقف لا
يرتد فاترك ما يقول وإن نأج
وقبول ذي نظر لوقف ليس شرطا
فاستمع هذا وعد عن الهزج
كلا ولا يرتد إن هو رده
هذا مقال ما عليه من رهج
وصلاتنا وسلامنا أبدا على
من للسموات العلى ليلا عرج
(
وعلى الأكارم آله وصحابه طوبى لمن في حبهم بذل المهج
ذكر شيء من مباحثه ولطائفه التي سمعناها منه ولم يودعها تصانيفه وربما وجد بعضها بخطه في مجاميعه
اعلم أن بابا مباحثه بحر لا ساحل له بحيث سمعت بعض الفضلاء يقول أنا أعتقد أن كل بحث يقع اليوم على وجه الأرض فهو له أو مستمد من كلامه وتقريراته التي طبقت طبق الأرض
ولما كان هذا شيئا كثيرا عمدنا إلى أمور سمعناها منه شفاها ولم يودعها تصنيفا له فذكرنا بعض ما حضرنا منها ومنها ما هو موجود بخطه في مجاميعه ورأيت جمعها هنا أثبت لها وأقر
سمعت الوالد رحمه الله يقول وقد سئل عن العلقة السوداء التي أخرجت
"""
صفحة رقم 267 """
من قلب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في صغره حيث شق فؤاده وقول الملك هذا خط الشيطان منك إن تلك العلقة خلقها الله تعالى في قلوب البشر قابلة لما يلقيه الشيطان فيها فأزيلت من قلبه ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يبق فيه مكان قابل لأن يلقي الشيطان فيه شيئا
قال هذا معنى الحديث ولم يكن للشيطان فيه ( صلى الله عليه وسلم ) حظ قط وإنا الذي نفاه الملك أمر هو في الجبلات البشرية فأزيل القابل الذي لم يكن يلزم من حصوله حصول القذف في القلب
قال فإن قلت فلم خلق هذا القابل في هذه الذات الشريفة وكان يمكنه أن لا يخلق فيها
قلت لأنه من جملة الأجزاء الإنسانية فخلقه تكملة للخلق الإنساني فلا بد منه ونزعه أمر رباني طرأ بعده
ورأيت بخط الأخ شيخنا الإمام أبي حامد أحمد سلمه الله أنه رأى الوالد في النوم على جبل مرتفع على بساتين عظيمة وأن بيد الأخ قنديلا يضيء عليه وهو يقرأ عليه هذا البحث فظن أن القنديل انطفأ فقال للوالد إن القنديل انطفأ مرات فرفع رأسه وقال له لا قال فتأملت فإذا هو كما قال ولكن كانت على الوالد أنوار ضعفت معها نور القنديل فظننت أنه انطفأ قال ووقع في نفسي في النوم أن تلك الأنوار ببركات هذا البحث
سمعت الوالد يقول ثم نقتله من خطه في قوله تعالى ) وكذلك نري إبراهيم (
"""
صفحة رقم 268 """
إلى قوله ) وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ( ما نصه تكلم الناس في تفسيرها كثيرا وفهمت منها أن ذلك تعليم من الله سبحانه لإبراهيم عليه الصلاة والسلام للحجة على قومه فأراه ملكوت السموات والأرض وعلمه كيف يحاجج قومه ويقول لهم إذا حاججهم في مقام بعد مقام على سبيل التنزل إلى أن يقطعهم بالحجة ولا يحتاج مع هذا إلى أن نقول ألف الاستفهام محذوفة ويؤخذ منه أن المقول على سبيل التنزل ليس اعترافا وتسليما مطلقا وقول الفقهاء تسليم على سبيل التنزل معناه هذا أي إنه يقول نقدر أن الخصم نطق به فلينظر ما يترتب عليه
وهذا الذي فهمته أرجو أنه أقرب من كل ما قيل فيها ويرشد إليه صدر الآية وعجزها أما صدرها فقوله ) وكذلك نري إبراهيم ( وأما عجزها فقوله ) وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه (
سمعت الوالد يقول ينبغي للمصلي في الركوع عند قوله خشع سمعي وبصري وعظمي وشعري وبشري وما استقل به قدمي لله أن يحرص على صدقه في هذا الكلام بأن يكون الخشوع محققا في القلب ويظهر أثره في هذه الأعضاء ليتحقق صدق هذا الخبر وإلا فالإخبار في هذا المقام بين يدي الله تعالى على خلاف الواقع صعب إلا أن يراد أنه متصورة في حال من هو كذلك وهو مجاز
"""
صفحة رقم 269 """
سمعت الوالد في درس الشامية العصي يقول وقد قيل له كانت العادة قديما أن يذكر المدرس العصر نكتة فقال اذكروا مسألة أستخرج منها نكتة
فقلت أنا النكاح بلا ولي
فقال على الفور النكاح بلا ولي باطل لأن قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ) إما أن يراد به حقيقة اللفظ أو صورة النزاع وهو الحرة البالغة العاقلة أو مقيد بقيد يندرج فيه أو شيء يلزم منه أو أحد هذه الأمور الأربعة أو القدر المشترك بين الأول والثاني والأول والثالث والأول والرابع أو بين الثاني والثالث أو الثالث والرابع فهذه أحد عشر قسما على تقدير إرادة واحد منها يلزم ثبوت الحكم في صورة النزاع وواحد منها مراد لأنه جائز الإرادة مع صلاحية اللفظ له وغيرها منتف بالأصل فإذا ثبت أحد الملزومات الأحد عشر فيثبت اللازم وهو أن النكاح بلا ولي باطل
وأيضا فاعتقاد البطلان راجح لأنه على أحد عشر تقديرا كلها عليه دليل واحتمال الصحة على احتمال واحد لا دليل عليه فيكون مرجوحا فاعتقاد الصحة مع ذلك ممتنع لأنه يلزم منه الترجيح بلا مرجح وهو باطل فيكون اعتقاد الصحة باطل فيثبت مقابله وهو اعتقاد البطلان
سمعت الوالد رحمه الله في درس الغزالية يقول وقد سئل عن الدليل على تقبيل المصحف دليله القياس على تقبيل الحجر الأسود ويد العالم والوالد والصالح ومن المعلوم أن المصحف أفضل منهم
"""
صفحة رقم 270 """
وسبب تقبيل الحجر الأسود ما ورد أنه يمين الله في الأرض والعادة تقبيل يمين من يقصد إكرامه فجعل إشارة إلى ذلك تعالى الله عن التشبيه
قال وهذا معنى لطيف في تقبيل الحجر الأسود والقرآن صفة الله فهو بذلك أحق
سمعت الوالد يقول في قوله تعالى ) أرأيت من اتخذ إلهه هواه ( إنه سمع شيخه أبا الحسن الباجي يقول لم لا قيل اتخذ هواه إلهه قال الوالد فما زلت مفكرا في الجواب مذ أربعين سنة حتى تلوت ما قبلها وهو قوله ) وإذا رأوك ( إلى قولهم ) إن كاد ليضلنا عن آلهتنا ( فعلمت أن المراد الإله المعبود بالباطل الذي عكفوا عليه وصبروا وأشفقوا من الخروج عنه فجعلوه هواهم
سمعت الوالد يقول إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف روي له عن عمر بن الخطاب
"""
صفحة رقم 271 """
وقال الواقدي لا نعلم أحدا من ولد عبد الرحمن بن عوف روى عن عمر سماعا غيره وكذلك قال يعقوب بن شيبة
قال الوالد في سماعه من عمر نظر لأنه توفي سنة خمس أو ست وتسعين وعمره خمس وسبعون سنة فيكون عند وفاة عمر ابن أربع فيكف يسمع
قال وقد روى له عن عمر البخاري والنسائي وذكر روايته عنه عمر عن البخاري والمزي في الأطراف حديث أذن عمر رضي الله عنه لأزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في آخر حجة حجها ولم يرقم له في التهذيب إلا للنسائي
نقلت من خط الوالد رحمه الله وكنت أسمعه منه
فائدة قال الغزالي رحمه الله في نية الصلاة هي بالشروط أشبه وهذا ليس تصريحا بخلاف بل يحتمل أن يكون مراده أنها ركن يشبه الشرط
واعلم أن الفعل المجرد لا أثر له في نظر الشرع في العبادة وإنما يصير عبادة بالنية والنية فيها أميران أحدهما قصد الناوي والثاني الأثر الذي ينشأ عن ذلك القصد فذلك الأثر الناشئ الذي يكسب الفعل صفة العبادة وهو كون الفعل واقعا
"""
صفحة رقم 272 """
على وجه الامتثال هو ركن بلا شك وهو مع الفعل كالروح مع البدن وتوجه قصد الناوي إلى ذلك خارج لأن القصد إلى الشيء غير الشيء فمن هنا أشبه الشرط
ولهذا اشتبه الأمر في كونها ركنا أو شرطا وصح أن يقال هي ركن باعتبار ذلك المعنى المقوم للفعل المقارن له المصاحب له من أوله إلى آخره فهو روحه وقوامه وصح أن يقال شرط لذلك القصد القائم بذات الناوي فهما أمران أحدهما قائم بذات الناوي والثاني صفة للفعل فالأول شرط والثاني ركن
ولا نعتقد أن الناوي يقصد الفعل المجرد وإنما يقصد الفعل بوصف كونه مطلوبا للرب تعالى وذلك الفعل مكتسب من ذلك الوصف صفة ينسبغ بها كما ينسبغ الثوب المصبوغ صبغه جزء منه والصبغ الذي هو فعل الفاعل خارج عنه وشرط فيه كذلك العبادة
وتأمل إذا قلت قمت إجلالا لك كيف صار القيام مكتسبا صفة الإجلال ولولاها لم يكن إلا مجرد نهوض فتأثر وتقوم بالإجلال وأشبه شيء به الروح والبدن فالقيام و البدن والإجلال هو الروح والقصد كنفخ الروح في البدن
ومن تأمل هذا المعنى لم يخالجه شك في أنها ركن مقارنة للفعل مقومة له داخلة في ماهية العبادة التي هي مجموع الفعل المنوي وليست المقارنة خاصة بالتكبير
"""
صفحة رقم 273 """
فإن تلك مقارنة ذكرية والمقارنة الحكمية حاصلة في جميع الصلاة ألا ترى أن القيام إجلالا الإجلال مقارن له دائم معه وإن وصفناه بالخروج عن الماهية في التعقل فهو من جهة دون جهة وهو معه كالفاعل والمنفعل إذا نظرت إلى الفعل وجدت له خروجا من وجه ودخولا من وجه
وجدت بخط الوالد رحمه اله وكنت أسمعه منه اختلف الناس في شرط الحديبية من جاءك منا ترده هل هو مخصوص أو منسوخ في النساء بقوله تعالى ) فلا ترجعوهن (
والذي اختاره أنه منسوخ وفسخ للعقد في بعض المعقود من الله تعالى الذي له أن يحدث من أمره ما شاء ولا ينبغي أن يقال إنه تخصيص لأن التخصيص بيان المراد فيكون قد أطلق في العقد العام وأريد به الخاص والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ينزه عن أن يظهر في العقود خلاف ما يضمره
ويحتمل أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أطلق اللفظ بأمر الله تعالى من غير إرادة عموم ولا خصوص بل على مراد الله تعالى ثم جاء البيان من الله تعالى تخصيصا من عند الله تعالى
"""
صفحة رقم 274 """
وجدت بخط الوالد رضي الله عنه كل من زرع أرضا ببذره فالزرع له إلا أن يكون فلاحا يزرع بالمقاسمة بينه وبين صاحب الأرض كعادة الشام فإن الزرع يكون على حكم المقاسمة على ما عليه عمل الشام
وأنا أراه وأرى وجهه من جهة الفقه أن الفلاح كأنه خرج عن البذر لصاحب الأرض بالشرط المعلوم بينهما فيثبت على ذلك
وإذا عرف هذا وتعدى شخص على أرض وغصبها وهي في يد الفلاح فزرعها على عادته لا نقول الزرع للغاصب بل للمغصوب منه على حكم المقاسمة وهذه فائدة جليلة تنفع في الأحكام
وجدت بخطه رحمه الله وكنت أسمعه منه قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ( هل الضمير في ) فاغسلوا ( للذين آمنوا فيكونوا مأمورين الآن بالغسل وقت القيام أو للذين آمنوا القائمين إلى الصلاة لما دل عليه الشرط فلا يكونوا مأمورين إلا وقت القيام للصلاة
وفيه بحث والأظهر الثاني
وهذه قاعدة شريفة ينبني عليها مباحث كثيرة
"""
صفحة رقم 275 """
ويشهد لاختيار الثاني قوله تعالى ) يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن ( فطابق الأمر ما دل الشرط عليه
ومن المباحث المتعلقة به إذا قلت يا زيد إذا زالت الشمس فصل هل هو مأمور الآن أو لا يكون مأمورا إلا وقت الزوال وهو المختار
ولا يرد عليه أنا نختار أن الأمر قديم لأنه لا يلزم من قدم الأمر قدم كونه مأمورا
ولا يرد عليه أنا نختار قدم التعلق لأن التعلق بحسبه فالتعلق إنما هو بفعله وقت الزوال وبالقائمين وقت القيام فهم بهذا القيد متعلق الأمر وهم بدون القيد ليسوا متعلق الأمر
ولا يرد عليه أنا نختار في قوله إن طلعت الشمس فأنت طالق أن الإيقاع الآن والوقوع عند الطلوع لأنا لا نعني بالإيقاع إلا إيقاع ما يقع عند الطلوع
فافهم هذا فإنه من نفائس المباحث ولم أجده منقولا لكن حركني له قول الشافعي في الآية إن ظاهرها من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ
فتأملت كلامه لم يقل عليهم أن يتوضؤوا إذا قاموا إلى الصلاة
فانظر ما أنفع تأمل كلام العلماء رضي الله عنهم لا سيما إمام العلماء وخطيبهم رحمه الله
انتهى
"""
صفحة رقم 276 """
قلت وقد تكلم الوالد في تفسيره على هذا أيضا وأطال فيه ذكره عند الكلام على قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة (
وجدت بخط الوالد أحسن الله إليه قوله تعالى ) ولا هم يحزنون ( قيل إنه نفي للحصر فلا يلزم نفي الحزن
وجوابه على تسليم أن ) هم يحزنون ( للحصر تقدير ) هم ( داخلة على ) ولا هم يحزنون ( كما إذا دخل النفي على الفعل المؤكد يقدر التأكيد داخلا بعد النفي لا قبله وما أشبه ذلك وقدم في اللفظ بلا ليقابل بها ) لا خوف عليهم ( و ) لا ( مسلطة على ) يحزنون ( لا على الجملة
وسبب الحصر عند من يقول به يختص بالمضارع لأنه الذي يمكن أن يرفع الفاعل الذي يمكن تحويله إلى المبتدأ مثل زيد يقوم أصله يقوم زيد فاقتضى التقديم الحصر وهذا لا يتأتى في غيره
سمعت الشيخ الوالد رضي الله عنه يقول وقد ذكره في النوادر الهمداني من تصانيفه من قواعد الفلاسفة الفاسدة أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد لأنه لو صدر عنه أكثر من واحد فكونه مصدرا لج مثلا مخالف لكونه مصدرا لب فالمفهومان
"""
صفحة رقم 277 """
إن كانا داخلين في الذات لزم التركيب أو خارجين لزم التسلسل الممتنع أو الانتهاء إلى التركيب إلى آخر ما نظموه من الشبهة
وهذا الذي قالوه بعينه يلزمهم في الواحد الصادر مع كونه صادرا عن الذات والنسب عندهم ثبوتية فيقال لهم الصادر وتأثير القادر فيه إما أن يكونا داخلين أو خارجين أو أحدهما داخلا والآخر خارجا وينقض كل قسم بنا نقضوه به فيتبين فساد كلامهم والله المستعان
سمعت الشيخ الوالد يقول وقد ذكر قول عبد الغني بن سعيد الحافظ إن الرجل الذي أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر أنه وطئ أهله في رمضان سلمة بن صخر البياضي وأن ذلك كان نهارا وأنه أصح من قول ابن إسحاق ليلا إن ابن إسحاق لم ينفرد به بل رواه الترمذي أيضا وحسنه وأن رجال إسناده ثقات وأن المختار عنده أنهما واقعتان وأن حديث أبي هريرة في الوقاع وحديث سلمة بن صخر في الظهار
قال وسواء أكان المبهم في حديث أبي هريرة هو سلمة بن صخر فيكون قد وقعت له واقعتان أم كان غيره
سمعت الشيخ الوالد يقول بعد أن ذكر اختلاف النحاة في لو تتبعت مواقع لو من الكتاب العزيز والكلام الفصيح فوجدت المستمر فيها انتفاء الأول وكون وجوده لو فرض مستلزما لوجود الثاني وأما الثاني فإن كان الترتيب بينه وبين الأول مناسبا ولم يخلف الأول غيره فالثاني منتف في هذه الصورة كقوله تعالى ) لو كان (
"""
صفحة رقم 278 """
فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) وكقول القائل لو جئتني لأكرمتك لكن المقصود الأعظم في المثال الأول نفي الشرط ردا على من ادعاه وفي المثال الثاني أن الموجب لانتفاء الثاني هو انتفاء الأول لا غير
وإن لم يكن الترتيب بين الأول والثاني مناسبا لم يدل على انتفاء الثاني بل على وجوده من باب الأولى كقوله نعما العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه فإن المعصية منتفية عند عدم الخوف فعند الخوف أولى
وإن كان الترتيب مناسبا ولكن للأول عند انتفائه شيء آخر يخلفه مما يقتضي وجود الثاني كقولنا لو كان إنسانا لكان حيوانا فإنه عند انتفاء الإنسانية قد يخلفها غيرها مما يقتضي وجود الحيوانية
قال وهذا ميزان مستقيم مطرد حيث وردت لو وفيها معنى الامتناع وخاصيتها فرض ما ليس بواقع واقعا إما في الماضي والحال وهو الأكثر أو المستقبل وهو قليل كقوله
ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا
ومن دون رمسينا من الأرض سبسب
لظل صدى صوتي ولو كنت رمة
لصوت صدى ليلى يهش ويطرب
"""
صفحة رقم 279 """
وقوله
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت
علي ودوني تربة وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا
إليها صدى من داخل القبر صائح
إلى غير ذلك من الأمثلة
وقد ترد لو بمعنى إن لمجرد الربط كقوله
ولو باتت بأطهار
فليست من هذا القسم لأن امتناع الأول غير مقصود فيها بوجه وللاستقبال الذي دل عليه إذا حاربوا
وإنكار كون لو امتناعية جحد للضروريات ودعوى ذلك مطلقا منقوضة بما لا قبل به والضابط في ما ذكرته وأنشد لنفسه
مدلول لو ربط وجود ثان
بأول في سابق الزمان
مع انتفاء ذلك المقدم
حقا بلا ريب ولا توهم
أما الجواب إن يكن مناسبا
وليس غير شرطه مصاحبا
فاحكم له بالنفي أيضا واعلم
بأن كلا داخل في العدم
أو لم يكن مناسبا فواجب
من باب أولى ذاك حكم لازب
"""
صفحة رقم 280 """
وفي مناسب له إذ يفقد
مناسب سواه قد لا يوجد
هذا جواب لو بتقسيم حصل
ممتنع وواجب ومحتمل
ومعظم المقصود فيما يجب
إثباته في كل حال يطلب
مثاله نعم الذي لو لم يخف
لما عصى إلهه ولا اقترف
ومعظم المقصود في الممتنع
بيان نفي شرطه الذي ادعى
كلو يكون فيهما شريك
لفسدا فالواحد المليك
أو أن ذاك النفي حقا أثرا
في عدم الذي يلي بلا مرا
كلو أتيتني لكنت تكرم
كرامتي لمن قلاني تعدم
قلت وهذا ملخص ما ذكره في كتاب كشف القناع في حكم لو للامتناع ولا أعرف الآن في بلاد الشام نسخة من هذا الكتاب فلذلك كتبت هذا ليستفاد فهو كما تراه في التحقيق
سمعت الشيخ الإمام الوالد رحمه الله يقول وقد سئل عن قول الشاعر
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
إنما قال بالضحى ولم يقل بالدجى لأنها إذا لمعت وقت الضحى كان أبلغ وأدل على عظمها فإن القليل يلمع في الدجى ولا يلمع في الضحى إلا الكثير
سمعت الشيخ الوالد رحمه الله يقول وقد سئل عن معنى الرضع في قول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه يخاطب الذين أخذوا لقاح النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين رماهم بالسهام
"""
صفحة رقم 281 """
واليوم يوم الرضع
الرضع اللئام أي اليوم يومكم أيها اللئام يقال رضع يرضع ثدي أمه بكسر الضاد في ماضيه وفتحها في مضارعه ورضع يرضع بالكسر في مضارعه والفتح في ماضيه عكس الأول إذا تلام والرجل راضع أي لئيم
سمعت الشيخ الإمام يجيب وقد سئل عن خندف التي ذكرها العباس رضي الله عنه في قوله
حتى علا بيتك المهيمن في
خندف علياء تحتها النطق
فقال خندف هذه امرأة الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان قال وكانت من سراة نساء العرب وأخذ يذكر من نبئها ما يطول شرحه
"""
صفحة رقم 282 """
سألت الشيخ الإمام الوالد رحمه الله لم يقول المصلي في الاعتدال كلنا لك عبد ولا يقول عبيد مع عود الضمير في كلنا على جمع
فقال لأنه قصد أن يكون الخلق أجمعون بمنزلة عبد واحد وقلب واحد
سألت الشيخ الوالد لم لا يفترق الحال عند الصوفية بين إبداء الصدقة وإخفائها وقد نص القرآن على تفضيل الإخفاء
فقال المراد أن قلب الصوفي لا يتأثر بالإعلان لأنه لا يرى غير الله فكانا بالنسبة إليه سواء وإن كان الستر من حيث هو أفضل من الجهر من حيث هو
سألت الشيخ الإمام ما الحنث العظيم المشار إليه في قوله تعالى ) وكانوا يصرون على الحنث العظيم (
فقال هو القسم على إنكار البعث المشار إليه في قوله تعالى ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت (
سئل الشيخ الإمام الوالد رضي الله عنه عن قول الشريف الرضي
فاتني أن أرى الديار بطرفي
فلعلي أرى الديار بسمعي
"""
صفحة رقم 283 """
وقول القاضي الفاضل
مثلته الذكرى لسمعي كأني
أتمشى هناك بالأحداق
فقال وكتبته من خطه قول الشريف يحتمل ثلاث معان بعد فهم ثلاث قواعد إحداها قال الغزالي وغيره الوجودات أربعة وجود في الأعيان ووجود في الأذهان ووجود في البيان ووجود في البنان
وأنا أقول هذه الوجودات الأربعة في كل موجود معقولا كان أو محسوسا فإن كان محسوسا فيزاد خامسا وهو الوجود في الحس والأمثلة معروفة ولا حاجة إلى التطويل بها
القاعدة الثانية أن الرؤية تكلم الحكماء فيها هل هي بالانطباع أو باتصال الشعاع وبسط هذا معروف في محله فلا حاجة إلى التطويل به
القاعدة الثالثة أن الحواس هل هي كالحجاب أو كالطاقات وفيه خلاف
إذا عرفت هذه القواعد الثلاث رجعنا إلى الاحتملات الثلاثة وهي في قوله أرى الديار بطرفي أحدها أن أرى الديار في محلها بطرفي المتصل شعاعه إليها فتكون الرؤية حقيقة والباء للاستعانة حقيقة
والثاني أن أرى الديار بانطباعها في ناظري فالرؤية حقيقة والباء في بطرفي للظرفية بمعنى في وهي أيضا حقيقة وإن كان مجيئها لذلك أقل من مجيئها للاستعانة
"""
صفحة رقم 284 """
والثالث أن أرى الديار في قلبي بطرفي الذي هو كالطاق في الكشف لي عنها فالرؤية على هذا على قول من يجعل الحواس كالطاقات حقيقة وعلى قول من يجعلها كالحجاب مجاز والباء في بطرفي للاستعانة على القولين
هذه الاحتمالات الثلاثة في أرى الديار بطرفي
وأما أرى الديار بسمعي ففيه ثلاثة احتمالات أيضا أحدها الأول وعلى هذا يكون أرى مجازا عن أسمع والديار حقيقة وأوقع الرؤية عليها لإرادة السمع المتعلق بلفظها فهو من مجاز التركيب فقد اجتمع فيه مجاز الإفراد ومجاز التركيب في لفظها والباء للاستعانة
الثاني الثاني ويكون أرى مجازا عن أسمع والديار مجاز في الإفراد عن لفظها الحاصل في الحس تنزيلا للفظ منزلة المعنى والباء للظرفية والمجاز في الفعل والمفعول من مجاز الإفراد
الثالث الثالث فعلى قول من يجعل الحواس كالطاقات يكون أرى يمكن أن يكون حقيقة ويمكن أن يكون مجازا وكذا الديار أما الحقيقة فيهما فلأن الديار تتمثل في قلب السامع بسبب سماع لفظها فيكون السمع استعارته في حصول معناها في القلب وأما المجاز فلأن الحاصل في القلب علم عند قوم وسمع عند آخرين فوصفه بالرؤية ولم يحصل من حاسة الرؤية تجوز
إذا عرفت هذه الاحتمالات في بيت الشريف الرضي فالأبلغ إرادة المعنى الثالث وهو فاتني أن يشهدها قلبي بسبب رؤيتي بطرفي فلعل أن يشهدها قلبي بسبب سماع لفظها
"""
صفحة رقم 285 """
وهذا المعنى كشفه القاضي الفاضل بقوله مثلته الذكرى وقال لسمعي لأنه طريق إما حاجب أو طاق والأبلغ أنه جعله كالطاق وأشار إليه وإلى حضوره في قلبه بقوله كأني أتمشى هناك وقال بالأحداق ليعلم أن السماع لم ينقص عن الرية ولأجل الطباق ولما في المشي بالأحداث من الخضوع والذلة والمحبة ولما في مد الأحداق إلى مواضع المنظور وتنقلها من مكان إلى مكان من زيادة التمتع والنعيم وهو المراد بالتمشي والله أعلم
ذكر الوالد رضي الله عنه مرة ما قاله السهيلي في قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أومخرجي هم ) وأن فيه دليلا على حب الوطن ثم قال أحسن من حب الوطن أن يقال تحركت نفسه لما في الإخراج من فوات ما ندب إليه من إيمانهم وهدايتهم فإن ذلك مع التكذيب والإيذاء مترقب ومع الإخراج منقطع وذلك هو الذي لا شيء عند الأنبياء عليهم السلام أعظم منه لأنه امتثال أمر الله تعالى وأما مفارقة الوطن فهو أمر جبلي والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أجل وأعلى مقاما من الوقوف عنده في هذا الموطن العظيم
حضرت الوالد رحمه الله مرة في ختمة وقد وصل القراء إلى سورة الإخلاص فقرءوها ثلاث مرات على العادة وكان على يمينه قاضي القضاة عماد الدين علي بن أحمد الطرسوسي الحنفي فالتفت إلى الشيخ الإمام وقال في خاطري دائما أن أسأل عن الحكمة في إطباق الناس على تكريرها ثلاثا
فقال له الشيخ الإمام لأنه قد ورد أنها تعدل ثلث القرآن فتحصل بذلك ختمة
فقال القاضي عماد الدين فلم لا يقرءنها ثلاثا بعد الواحدة التي تضمنتها الختمة ليحصل ختمتان
"""
صفحة رقم 286 """
فقال الشيخ الإمام مقصود الناس تحقيق ختمة واحدة فإن القارئ إذا وصل إليها فقرأها ثم أعادها مرتين كان على يقين من حصول ختمة إما التي قرأها من الفاتحة إلى آخر القرآن وإما ثوابها بقراءة الإخلاص ثلاثا وليس المقصود ختمة أخرى وهذا معنى مليح
سمعت الشيخ يقول في الدرس نقل الشيخ أبو حامد مذهب الزهري الجلد يحل الانتفاع به قبل الدباغ ونقله صاحب التتمة وقال إنه ليس بنجس وهو صحيح وزاد فقال إنه وجه لأصحابنا عن ابن القطان أن الزهومة التي فيها نجسة فهو كثوب متنجس وهذا خلاف مذهب الزهري فجعله إياه مثله ليس بجيد
ونقل الرافعي ما في التتمة بدون ذكر الزهومة نجسة وجعله كالثوب النجس فأوهم أنه طاهر يحل الانتفاع به مطلقا وليس بجيد وزاد بعضهم فنقل الوجه أنه يجوز أكله قبل الدباغ وهذا لما أوهمه كلام الرافعي وليس بجيد وإنما يأتي ذلك على مذهب الزهري أما عندنا فلا
"""
صفحة رقم 287 """
وجدت بخط الشيخ الوالد رضي الله عنه فكرت عند الاضطجاع في قول المضطجع باسمك اللهم وضعت جنبي وباسمك أرفعه فأدرت أن أقول إن شاء الله تعالى في أرفعه لقوله تعالى ) ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ( ثم قلت في نفسي إن ذلك لم يرد في الحديث في هذا الذكر المنقول عند النوم ولو كان مشروعا لذكره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الذي أوتي جوامع الكلم فتطلبت فرقا بينه وبين كل ما يجريه الإنسان من الأمور المستقبلة المستحب فيها ذكر المشيئة
ولا يقال إن أرفعه حال ليس بمستقبل لأمرين أحدهما أن لفظه وإن كان كذلك لكنا نعلم أن رفع جنب المضطجع ليس حال اضطجاعه
والثاني أن استحباب المشيئة عام فيما ليس بمعلوم الحال أو المضي
وظهر لي أن الأولى الاقتصار على الوارد في الحديث في الذكر عند النوم بغير زيادة وأن ذلك ينبه على قاعدة يفرق بها بين تقدم الفعل على الجار والمجرور وتأخره عنه فإنك إذا قلت أرفع جنبي باسم الله كان المعنى الإخبار بالرفع وهو عمدة الكلام وجاء الجار والمجرور بعد ذلك تكملة وإذا قلت باسم الله أرفع جنبي كان المعنى الإخبار بأن الرفع كائن باسم الله وهو عمدة الكلام
فافهم هذا السر اللطيف وتأمله في جميع موارد كلام العربية تجده يظهر لك به شرف كلام المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) وملازمة المحافظة على الأذكار المأثورة عنه عليه أفضل ( صلى الله عليه وسلم )
"""
صفحة رقم 288 """
وإياك ثم إياك أن تنظر إلى إطلاق أن الجار والمجرور فضله في الكلام وتأخذه على الإطلاق بل تأمل موارد تقدمه وتأخره في الكتاب العزيز والسنة وكلام الفصحاء وتفهم هذه القاعدة الجليلة التي يفهم منها اللفظ والمعنى واعلم أنه لا بد من المحافظة على قواعد العربية وعلى فهم معنى كلام العرب ومقاصدها
وقواعد العربية تقتضي أن الجار والمجرور فضلة في الكلام لا عمدة له وأن الفعل هو المخبر به والاسم هو المخبر عنه فهذا أصل الكلام ووضعه ثم قد يكون ذلك مقصود المتكلم وقد لا يكون على هذه الصورة فإنه قد يكون المخبر عنه والمخبر به معلومين أو كالمعلومين ويكون محط الفائدة في كونه على الصفة المستفادة من الجار والمجرور كما نحن فيه فإن المضطجع ووضع جنبه معلوم ورفعه كالمعلوم وإنما قلنا كالمعلوم ولم نقل معلوم لأنه قد يموت
حضرت الشيخ رضي الله عنه وقد جاءه بريدي من جهة أرغون نائب الشام يقول له عنه قال لك ملك الأمراء بأي مستند تكتب على كتاب بعلبك وهو ملك غيرك بغير إذن صاحبه وقد أفسدته بكتابتك عليه
اكتب لنا جوابك
وكان الوالد قد كتب على مكتوب قرية حريثا من بعلبك أنه إثبات باطل فلا يغتر به وكان قصده الحق والخشية من الاغترار بالكتاب
"""
صفحة رقم 289 """
فأخذ الوالد ورقا وكتب من رأس القلم ما أعطاه للبريدي ليوصله إلى ملك الأمراء
ونصه إن قيل ما مستندكم في الكتابة على كتاب بعلبك فالجواب أن مستندنا كتاب الله وسنة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وإجماع المسلمين والقياس
أما كتاب الله فقوله ) ليحق الحق ويبطل الباطل ( فإبطال الباطل من سنة الله فكتابتي عليه بالإبطال لذلك
وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( من رأى منكم منكرا فلغيره بيده ) وكتابتي عليه تغيير بيدي وفي الحديث الصحيح ( أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن نقول أو نقوم بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ) فكتابتي عليه من القيام بالحق
وقال الله تعالى ) وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ( فكتابتي عليه من البيان للناس
"""
صفحة رقم 290 """
وقال ( صلى الله عليه وسلم ) ( ليس لعرق ظالم حق ) والكتاب الزور عرق باطل فيجب إزالته
وقال ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له أنت ظالم فقد تودع منهم ) والآيات والأحاديث في ذلك أكثر من هذا فهذا من الكتاب والسنة
وأما الإجماع فإجماع الصحابة مع عثمان رضي الله عنهم على تحريق المصاحف الباطلة لما فيها من زيادة أو نقص على المصحف المجمع عليه فإذا جاز تحريق الكتاب لباطل فيه فالكتابة عليه بالإبطال أولى
وأما القياس فعلى خصم الكتب في الابتياعات والأوقاف وغيرها حتى لا يغتر الناس بها إذا لم يكتب عليها فكان الواجب في هذا الكتاب بيان ما فيه وهو عندي في هذا الوقت أولى من إعدامه لأنه عند إعدامه قد يقول قائل كان ما فيه حقا وأما عند وجوده فالفاضل يتأمله فيفهم بطلانه
"""
صفحة رقم 291 """
ولا ينبغي أن يعطى لمن كان في يده لأمرين
أحدهما أنه يتعلق به وقد يحصل منه إزالة ما كتب عليه وتلبيس يوصل إلى البطل ولكن يحفظ ي سلة الحكم فيراه كل قاض يأتي فيعتمد الحق ويجتنب الباطل
والثاني أن الكتب إنما يملكها من له فيها حق فإذا بيعت الدار فكتبها ينتقل ملكها بانتقال الدار إلى المشتري لتشهد له بملكها
وهذا الكتاب لا حق فيه لمن هو في يده لتزويره وبطلانه فلم يجب تسليمه إليه بل ولا يجوز إلا أن يغسل ويمحى ما فيه ويدفع له الرق مغسولا فلا يمنع ذلك وتوهم من نظر بعد ذلك فيه مندفع بعلمه بفعل ولاة الأمور لذلك الذين هم منتصبون لتحقيق الحق وإبطال الباطل
وقد أزال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الأصنام التي كانت على الكعبة بيده ونص الفقهاء على جواز إتلاف ما يوجد من التوراة والإنجيل وإن كان لورقها مالية وقد كانت ملك شخص معين أو أشخاص أو المسلمين فإذهاب ماليتها عليهم إنما هو لانطوائها على الباطل فهذا مثله لو كانت له قيمة فكيف ولا قيمة له لأنه إنما ينتفع به لشهادته بما فيه وما فيه باطل فلا منفعة له وما منفعة له لا قيمة له
وأيضا فإن الذي في يده هذا الكتاب قد دفع إلينا هذا الكتاب وهو مع غريمه
"""
صفحة رقم 292 """
متداعيا في حكم الشرع وقد تبين في حكم الشرع أنه لا حق له فيه فوجب علينا بحكم الشرع أن نبطله ونرفع يده عنه ويصير في يد الشرع ليستمر عمل الحق فيه وفي مقابله
وما برح الناس من العلماء والقضاة والشهود والكتاب في الديار المصرية وغيرها يكتبون على المكاتيب ما تجب كتابته من انتقال أو خصم أو غيره فكذلك هذا
والقول بأن هذا ملك الغير فلا يجوز إمساكه جهل من قائله أو عدم تأمل
"""
صفحة رقم 293 """
"""
صفحة رقم 294 """
ذكر شيء من مقالاته في أصول الديانات
ذهب إلى أن الكلام النفسي يسمع وهو أحد قولي الأشعري
وأن التعلق قديم وهو أيضا رأي الأشعري
"""
صفحة رقم 295 """
وتردد في فناء الروح عند قيام القيامة قال والأظهر أنها لا تفنى أبدا
ورأى انحصار اللذات في العلوم والمعارف وهو رأي الإمام فخر الدين الرازي قال وما عداها دفع آلام
وذهب إلى امتناع المعاصي صغيرها وكبيرها عمدها وسهوها على الأنبياء عليهم السلام قبل النبوة وبعدها كما نص عليه في تفسيره في سورة الزمر
وقال البشر أفضل من الملك ولكن لا يجب على المكلف اعتقاد ذلك ولو لقي الله ساذجا من هذه المسألة لم يبال
وقال إن الرضا غير الإرادة ذكره في التفسير في سورة الزمر وحكى فيه أقوالا أحدها أنه نفسها والثاني غيرها وهو صفة فعل والثالث غيرها وهو صفة ذات وعزا هذين القولين إلى ابن كلاب ولم يرجح منهما شيئا
ومن كلامه في التصوف والمواعظ والحكم
وهذا بحر واسع يسع مجلدات وقد تضمن الكثير منه تصانيف له لطاف ونحن نشير إلى يسير مما لم يخصه بالتصنيف
سمعت الشيخ الإمام يقول الصوفي من لزم الصدق مع الحق والخلق مع الخلق
نقلت من خط الشيخ الإمام فكرت وجدت منشأ الفساد كله من الكبر
"""
صفحة رقم 296 """
وهو أول المعاصي لما استكبر إبليس وذلك أن القلب إذا كبر استعلى واحتقر غيره فيمنعه ذلك من قبول الموعظة ومن الانقياد وإذا صغر وحقر انقاد واستسلم وانطاع لمن هو أكبر منه فيؤثر فيه كلامه ووعظه ويعرف به الحق فيحصل له كل خير
ووجدت الصلاح كله في كلمتين من الحديث النبوي قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( وعليك بخويصة نفسك وليسعك بيتك ) أما قوله ( وعليك بخويصة نفسك ) فإن في الاشتغال بنفسه تهذيبها وتنقيتها من الدنس وتكسبها الصفات الحميدة التي تجاور بها رب العالمين والاشتغال بالناس لا خير فيه
وأما قوله ( وليسعك بيتك ) فالسلامة في العزلة ومتى خرج الإنسان من بيته تعرض للشقاء وانظر إلى قوله تعالى ) فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ( وقد نظمت هذا المعنى في قولي
(
كبر القلب مانع من قبول لرشاد فكن صغيرا حقيرا )
(
والزم البيت لا تفارقه شبرا
تلق عند الخروج شرا كثيرا )
انتهى
قلت رأيت بخط الشيخ الإمام رضي الله عنه في حائط خلوته تجاه وجهه ما نصه ( كن حلس بيتك )
(
انصر أخاك )
(
كل المسلم على المسلم حرام )
"""
صفحة رقم 297 """
(
دع ما يريبك )
(
عليك بخويصة نفسك ويسعك بيتك ) انتهى كأنه كتبه تذكرة لنفسه كلما أراد أن يخرج من البيت رحمه الله ما كان أكثر مجاهدته للنفس
نقلت من خطه قدس الله روحه كل عمل العبد الصالح ينبغي له أن يخفيه عن كل أحد حتى يلاقي به الله تعالى يوم القيامة فهو أعلم به ويجازيه به وإذا تكلم مع أحد بقدر الضرورة في علم أو نحوه فينوي به إما إفادته أو الاستفادة فهذان الأمران ينبغي للعاقل أن يلزمهما ولا يغفل عنهما والتجربة تفيدهما وتفيد أن الناس عدم بالكلية لا ينفعون شيئا وإذا تحقق العبد ذلك انتفى عنه الرياء وخرج من قلبه محبته ولزم الأمرين المذكورين والله أعلم
"""
صفحة رقم 298 """
"""
صفحة رقم 299 """
"""
صفحة رقم 300 """
"""
صفحة رقم 301 """
"""
صفحة رقم 302 """
"""
صفحة رقم 303 """
"""
صفحة رقم 304 """
وفي أصول الفقه والمنطق والبيان والنحو وفنون المغازي والسير والأنساب وغيرها
ذهب إلى أن المفهوم حجة في الشرع دون اللغة والعرف
وأن تقديم المعمول يفيد الاختصاص
وأن الاختصاص غير الحصر
وأن تعميم النكرة في سياق النفي باللزوم لا بالوضع
وأن العام المخصوص حقيقة قال والمراد به الخصوص مجاز بالإجماع
وأن قريشا ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وهو رأي شيخه الحافظ أبي محمد الدمياطي
وأن دمشق فتحت عنوة
وأن من الاستفهامية ليست للعموم في الإفراد بل للماهية ولا يظهر بينه وبين الأصوليين خلاف معنوي
وأن قولك من عندك يطلب به التصور لا التصديق قال ومن زعم أن المطلوب بها التصديق فقد غلط
وأن الجواب فيها مفرد لا مركب ولا يقدر له مبتدأ ولا خبر
"""
صفحة رقم 305 """
قال وعلى هذا قوله تعالى ) ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ( قال وقد جاء في الآية الأخرى ) خلقهن العزيز العليم (
قال وهو ابتداء كلام يتضمن الجواب وليس اقتصارا على نفس الجواب بخلاف الآية قبلها
قال فقوله ) الله ( في جواب ) ولئن سألتهم من خلقهم ( اسم مفرد والذي تقدره النحاة من أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف ونحو ذلك إنما يصح بأحد طريقين أحدهما أن لا يراد الاقتصار على الجواب بل زيادة إفادة الإخبار كما قلناه في قوله تعالى ) خلقهن العزيز العليم ( ويحصل في ضمن ذلك الجواب وهو إفادة التصور
والثاني أن يراد الاقتصار على الجواب لفظا ويدل بالالتزام على المعنى التصديقي وهو أن الله خلقهم فنظر النحاة إلى هذا المعنى الالتزامي وأعربوا عليه لأن صناعتهم تقتضي النظر فيه ليكون كلاما تاما وليس من صناعتهم النظر في المفرد
قال لكن يبقى بعد هذا بحث وهو أنه إذا كان مفردا فحقه أن لا يعرب لأن الأسماء قبل التركيب لا معربة ولا مبنية وإذا لم يكن معربا فحقه أن ينطق به موقوفا وهو قد جاء في القرآن مرفوعا فلعل هذا مراعاة لما استفيد منه بدلالة الالتزام فجعل
"""
صفحة رقم 306 """
كالمركب وهو الذي بنى عليه النحاة إن ثبت أن الأسماء المفردة لا يجوز النطق بها مرفوعة وإلا فقد يقال إنها ينطق بها على هيئة المرفوع لأن الرفع أقوى الحركات ولهذا نقول في العدد واحد اثنان بالألف كهيئة المرفوع
قال وأصل هذا إذا قيل ما الإنسان فقيل الحيوان الناطق فإنه مفرد ليس بكلام إنما يقصد به ذكر هذا لتصور حقيقة الإنسان ولهذا يعد المنطقيون الحد خارجا عن الكلام ومتى قيل هو الحيوان الناطق كان دعوى لا حدا والنحاة لم يتعرضوا لذلك
وذهب إلى أن الجار والمجرور والظرف إذا وقعا خبرا يكونان خبرا ولا يقدر فيهما كائن ولا استقر
وقد رأيته معزوا إلى أبي بكر بن السراج شيخ أبي علي الفارسي في كتاب الشيرازيات
وذهب إلى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر كما هو رأي البخاري وخالف فيه شيخه الدمياطي وأهل المغازي ابن إسحاق وابن سعد والواقدي وموسى بن عقبة وخليفة بن خياط وغيرهم
وذهب إلى أن الحسن لم يسمع من سمرة شيئا لا حديث العقيقة ولا غيره وهو رأي أحمد بن حنبل ويحيى بن معين
وأنكر أن يكون يعقوب أو شعيب أو غيرهما من الأنبياء عليهم السلام حصل له عمى وشدد النكير على مدعيه وأول جميع الظواهر الواردة فيه
قال الشيخ الإمام يقال جاء شيء
ولا يقال جاء جاء
وإن كان الجائي أخص من شيء وذلك لأن جاء مسند والمسند إليه الفاعل ومعرفة المسند إليه متقدمة
"""
صفحة رقم 307 """
على معرفة المسند فمن عرف الجائي عرف المجيء فلا يبقى في الإسناد فائدة والشيء قد يعرف ولا يعرف مجيئه
ذكر عدد مصنفاته رحمه الله
الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم لم يكمل
تكملة المجموع في شرح المهذب بنى على النووي رحمه الله من باب الربا ووصل إلى أثناء التفليس في خمس مجلدات
التحبير المذهب في تحرير المذهب وهو شرح مبسوط على المنهاج كان ابتدأ فيه من كتاب الصلاة فعمل قطعة نفيسة ذكر لي أن الشيخ علاء الدين أبا الحسن الباجي وقف عليها فقال له هذا ينبغي أن يكون على الوسيط لا المنهاج فأعرض عنه
الابتهاج في شرح المنهاج للنووي وصل فيه إلى أوائل الطلاق
الإيهاج في شرح المنهاج في أصول الفقه عمل منه قطعة يسيرة فانتهى إلى مسألة مقدمة الواجب ثم أعرض عنه فأكملته أنا
رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب بدأ فيه فعمل قليلا من أوله ومن المنطق وأنا لم أقف على هذه القطعة ولكن بلغني أنها نحو كراسة واحدة وقد
"""
صفحة رقم 308 """
وسمت أنا شرحي على المختصر بهذا الاسم تبركا بصنع الوالد رضي الله عنه
الرقم الإبريزي في شرح مختصر التبريزي
الوشي الإبريزي في حل التبريزي لم يكملا
كتاب التحقيق في مسألة التعليق وهو الرد الكبير على ابن تيمية في مسألة الطلاق
رافع الشقاق في مسألة الطلاق وهو الصغير
أحكام كل وما عليه تدل
بيان حكم الربط في اعتراض الشرط على الشرط
شفاء السقام في زيارة خير الأنام ( صلى الله عليه وسلم ) وهو الرد على ابن تيمية وربما سمي شن الغارة على من أنكر السفر للزيارة
السيف المسلول على من سب الرسول ( صلى الله عليه وسلم )
التعظيم والمنة في ) لتؤمنن به ولتنصرنه (
منية الباحث عن حكم دين الوارث
نور الربيع من كتاب الربيع وهو كتاب جليل حافل كان وضعه على الأم لم يتمه وما كتب منه إلا قليلا
الرياض الأنيقة في قسمة الحديقة
"""
صفحة رقم 309 """
الإقناع في الكلام على أن لو للامتناع
وشي الحلى في تأكيد النفي بلا
الرد على ابن الكتناني
الاعتبار ببقاء الجنة والنار
ضرورة التقدير في تقويم الخمر والخنزير
كيف التدبير في تقويم الخمر والخنزير
السهم الصائب في قبض دين الغائب
الغيث المغدق في ميراث ابن المعتق
فصل المقال في هدايا العمال
مختصر فصل المقال
نور المصابيح في صلاة التراويح ضياء المصابيح ضوء المصابيح إشراق المصابيح تقييد التراجيح ومصنفان آخران في ذلك تكملة سبعة
إبراز الحكم من حديث ( رفع القلم )
الكلام على حديث ( رفع القلم )
الكلام على حديث ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث )
الكلام مع ابن أندراس في المنطق
"""
صفحة رقم 310 """
جواب سؤال علي بن عبد السلام
أجوبة أهل طرابلس
رسالة أهل مكة
أجوبة أهل صفد
فتوى أهل الإسكندرية
الفتوى العراقية
جواب سؤالات الشيخ الإمام نجم الدين الأصفوني نزيل مكة
المناسك الكبرى
المناسك الصغرى
كشف الغمة في ميراث أهل الذمة
الفتاوى
فتوى كل مولود يولد على الفطرة
مسألة فناء الأرواح
مسألة في التقليد في أصول الدين
النوادر الهمدانية
إحياء النفوس في صنعة إلقاء الدروس
المفرق في مطلق الماء والماء المطلق
الاتساق في بقاء وجه الاشتقاق
الطوالع المشرقة في الوقف على طبقة بعد طبقة
المباحث المشرفة
"""
صفحة رقم 311 """
النقول والمباحث المشرقة
طليعة الفتح والنصر في صلاة الخوف والقصر
مختصر طبقات الفقهاء
أحاديث رفع اليدين
المسائل الحلبية وهي التي سئل عنها من حلب
أمثلة المشتق وهي أرجوزة
القول الصحيح في تعيين الذبيح
القول المحمود في تنزيه داود
الجواب الحاضر في وقف بني عبد القادر
حديث نحر الإبل
قطف النور في مسائل الدور
النور في الدور وله فيها مصنف ثالث وهذا في الديار المصرية ثم رجع عن مقالة ابن الحداد وصنف في الشام مصنفين آخرين في ذلك أحدهما أملاه علي
مسألة ما أعظم الله
مسائل سئل عن تحريرها في باب الكتابة
مسألة هل يقال العشر الأواخر
مختصر كتاب الصلاة لمحمد بن نصر
الإقناع في تفسير قوله تعالى ) ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع (
"""
صفحة رقم 312 """
الرفده في معنى وحده
جواب سؤال من القدس الشريف
منتخب تعليقه الأستاذ في الأصول
عقود الجمان في عقود الرهن والضمان
مختصر عقود الجمان
ورد العلل في فهم العلل
وقف بني عساكر
البصر الناقد في لا كلمت كل واحد
الكلام على الجمع في الحضر لعذر المطر
الصنيعة في ضمان الوديعة النقول البديعة في ضمان الوديعة حسن الصنيعة في ضمان الوديعة
التهدي إلى معنى التعدي
بيان المحتمل في تعدية عمل
الحلم والأناة في إعراب قوله ) غير ناظرين إناه (
القول الجد في تبعية الجد
الإغريض في الحقيقة والمجاز والكناية والتعريض
"""
صفحة رقم 313 """
تفسير ) يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا ( وهو غير التهدي وغير بيان المحتمل أبسط منهما
المواهب الصمدية في المواريث الصفدية
كشف الدسائس في هدم الكنائس
تنزيل السكينة على قناديل المدينة
الطريقة النافعة في المساقاة والمخابرة والمزارعة
من أقسطوا ومن غلوا في حكم نقول لو
نيل العلا بالعطف بلا
حفظ الصيام عن فوت التمام
جواب سؤال ورد من بغداد
كتاب الحيل وهو جواب سؤال بيبغاروس نائب حلب الوارد من حلب
كم حكمة أرتنا أسئلة أرتنا وهو جواب عن أسئلة وردت من أرتنا ملك الروم
جواب أهل مكة
جواب المكاتبة في حارة المغاربة
"""
صفحة رقم 314 """
هرب السارق
خروج المعتدة
معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي
سبب الانكفاف عن إقراء الكشاف
وقف بيسان
وقف أولاد الحافظ
النظر المعيني في محاكمة أولاد اليونيني
موقف الرماة في وقف حماه مركز الرماة
القول النقوي في الوقف التقوي
القول المختطف في دلالة كان إذا اعتكف
كشف اللبس عن المسائل الخمس
غيرة الإمان لأبي بكر وعمر وعثمان
أجوبة سؤالات أرسلت إليه من مصر حديثية أوردها بعض المشايخ على كتاب تهذيب الكمال للحافظ المزي
مسألة زكاة مال اليتيم
الكلام على لباس الفتوة وهو فتوى الفتوة
بيع المرهون في غيبة المديون
"""
صفحة رقم 315 """
الألفاظ هل وضعت بإزاء المعاني الذهبية أو الخارجية
أجوبة مسائل سألته أنا عنها في أصول الفقه
العارضة في البينة المتعارضة
مسألة تعارض البينتين
كتاب بر الوالدين
أجوبة أسئلة حديثية وردت من الديار المصرية
الكلام على قوله تعالى ) لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن (
نصيحة القضاة
الاقتناص في الفرق بين الحصر والقصر والاختصاص في علم البيان
ذكر النبأ عن وفاته رضي الله تعالى عنه وأرضاه
ابتدأ به الضعف في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وسبعمائة واستمر عليلا إلا أنه لم يحم قط
وسمعته يقول كنت أقرأ سيرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لابن هشام في سنة ست وسبعمائة فعرضت لي حمى في بعض الأيام وجاء وقت الميعاد فأتى كاتب الأسماء وقال وأنا محموم قد اجتمعت الناس فكدت أبطل ثم قلت لا والله لا بطلت مجلسا تذكر فيه سيرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فتحاملت وأنا محموم وقرأت الميعاد ووقع في نفسي أني لا أحم أبدا فما حصلت لي حمى بعدها
واستمر بدمشق عليلا إلى أن وليت أنا القضاء ومكث بعد ذلك نحو شهر وسافر إلى الديار المصرية وكان يذكر أنه لا يموت إلا بها فاستمر بها عليلا يويمات يسيرة
"""
صفحة رقم 316 """
ثم توفي ليلة الاثنين المسفرة عن ثالث جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة بظاهر القاهرة ودفن بباب النصر تغمده الله برحمته ورضوانه وأسكنه فسيح جنانه
وأجمع من شاهد جنازته على أنه لم ير جنازة أكثر جمعا منها
قالوا إنه لما مات ليلا بالجزيرة ما انفلق الفجر إلا وقد ملأ الخلق ما بين الجزيرة إلى باب النصر ونادت المنادية مات آخر المجتهدين مات حجة الله في الأرض مات عالم الزمان وهكذا ثم حمل العلماء نعشه وازدحم الخلق بحيث كان أولهم على باب منزل وفاته وآخرهم في باب النصر وقيل لم يحاك ما يقال عن جنازة الإمام أحمد بن حنبل سوى جنازة الشيخ الإمام في كثرة اجتماع الناس تغمده الله برحمته
حكى لي الشيخ الإمام العالم الصالح فخر الدين الضرير قال لم أكن اجتمعت بالشيخ الإمام وليلة موته قلت هذا شيخ المسلمين فأقوم للصلاة عليه وشهود جنازته خالصا لله فإني لا أعرفه ولا أعرف أحدا من أولاده ولا من خواصه
قال ولم أكن أعرف أحدا منكم
قال ففعلت ذلك ثم نمت ليلتي تلك فرأيته في المنام في مكان مرتفع وهو يقول بلغني صنيعك
وتكاثرت المنامات عقب وفاته من الصالحين وغيرهم بما هو الظن به عند ربه ولو حكيناها لطال الشرح
"""
صفحة رقم 317 """
وحكى بعض الصالحين قال رأيته في المنام بعد ليلتين أو ثلاث من موته فقلت له ما فعل الله بك قال فتحت لي أبواب الجنة وقال لي ادخل
فقلت وعزتك لا أدخل حتى يدخل كل من حضر الصلاة علي
رحمه الله تعالى
ذكر شيء مما سمعناه من مراثيه
وما أنشد أهل العصر فيه
أما المدائح فتربو على مجلدات فلا معنى للتطويل بها وأما المراثي فنذكر منها ما حضرنا
كتب إلي شاعر الوقت جمال الدين محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة وسمعتها من لفظه
نعاه للفضل والعياء والنسب
ناعيه للأرض والأفلاك والشهب
ندب رأينا وجوب الندب حين مضى
فأي حزن وقلب فيه لم يجب
نعم إلى الأرض ينعى والسماء على
فقيدكم يا سراة المجد والحسب
بالعلم والعمل المبرور قد ملئت
أرض بكم وسماء عن أب فأب
مقدم ذكر ماضيكم ووارثه
في الوقت تقديم بسم الله في الكتب
آها لمجتهد في العلم يندبه
من بات مجتهدا في الحزن والحرب
"""
صفحة رقم 318 """
بينا وفود العلى والعلم ينزلهم
إذ نازلتنا الليالي فيه عن كثب
وأقبلت نوب الأيام واترة
إذ كان عونا على الأيام والنوب
ففاجأتنا يد التفريق مسفرة
عن سفرة طال فيها شجو مرتقب
وجاء من نحو مصر مبتدا خبر
لكن به السمع منصوب على النصب
قالت دمشق بدمع النهر واخبرا
فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا
شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
وكلمتنا سيوف الكتب قائلة
ما السيف أصدق إنباء من الكتب
وقال موت فتى الأنصار مغتبطا
الله أكبر كل الحسن في العرب
لقد طوى الموت من ذاك الفرند حلى
كانت حلى الدين والأحكام والرتب
وخص مغنى دمشق الحزن متصلا
بفرقتين أباتتها على وصب
"""
صفحة رقم 319 """
بين وموت يؤوب الغائبون ومن
يجمع مغيبهما تالله لم يؤب
كادت رياح الأسى والشجو يعكسها
حتى الغصون بها معكوسة العذب
والجامع الرحب أمسى صدره حرجا
والنسر ضم جناحيه من الرهب
وللمدارس هم كاد يدرسها
لولا تدارك أبناء له نجب
من للهدى والندى لولا بنوه ومن
للفضل يسحب أذيالا على السحب
من للفتوة والفتوى مجانسة
في الصيغتين وفي الحالين للأدب
من للتواضع حيث القدر في صعد
على النجوم وحيث الحلم في صبب
من للتصانيف فيها زينة وهدى
ورجم باغ فيالله من شهب
أمضى من النصل في نصر الهدى فإذا
سلت نصال العدى أوقى من اليلب
من للفضائل والأفضال قد جمعت
بين السراة إلى دار بها درب
ذو همة في العلا والعلم قد بلغت
شأو السماك وما تنفك في دأب
"""
صفحة رقم 320 """
حتى رأى العلم شفع الشافعي به
وقال من ذا وذا أدركت مطلبي
من للتهجد أو من للدعا بسطت
به وبالجود فينا راحتا تعب
من للمدائح منا قد صفت وحلت
كأنما افتر منها الطرس عن شنب
من للمحامد قد قامت خطابتها
على معاليه في قاص ومقترب
لهفي وقد لبست حزنا لفرقته
حدادها أسطر الأشعار والخطب
لهفي لنظام مدح فكر أجمعهم
بالهم لا بالذكا أمسى أبا لهب
كأن أيدي الورى تبت أسى فغدت
من عي أقلامها حمالة الحطب
لهفي على الطهر في عرض وفي سمة
وفي لسان وفي حلم وفي غضب
واقي الشريعة من تخليط من ردعوا
فما يخوضون في جد ولعب
محجب غير ممنوع اللقا بسنا
عليائه ومهيب غير محتجب
أضحى لسبك بجزء من مناقبه
على العراق فخار غير منتقب
لهفي لعلمين مروي ومجتهد
لهفي لفضلين موروث ومكتسب
آها لمرتحل عنا وأنعمه
ملء الحقائب للطلاب والحقب
"""
صفحة رقم 321 """
إيمان حب إلى الأوطان حركه
حتى قضى نحبه يا طول منتحب
لهفي لكل وقور من بنيه بكى
وهو الصواب بصوب الواكف السرب
وكل نادبة في الحجب قلن لها
يا أخت خير أخ يا بنت خير أب
إلى الحسين انتهى مسرى علي فلا
هنئت يا خارجي الهم بالغلب
بعد الإمام علي لا ولاء لنا
من الزمان ولا قربى من النسب
يا ثاويا والثنا والحمد ينشره
بقيت أنت وأفنتنا يد الكرب
نم في مقام نعيم غير منقطع
ونحن في نار حزن غير متئب
سهام حزن تقسمنها عليك فإن
تقسم توف وإن ترم الحشا تصب
تحلبت بالبكا أجفان مدكر
أخلاف برك إن نستسقها نصب
ما أعجب الحال لي قلب بمصر وفي
دمشق جسم ودمع العين في حلب
من لي بمصر التي ضمتك تجمعنا
ولو بطون الثرى فيها فيا طربي
بالرغم منا رثاء بعد مدحك لا
يسلى ونحن مع الأيام في شجب
ما بين أكبادنا والهم فاصلة
كلا ولا لصنيع الشعر من سبب
أما القريض فلولا نسلكم كسدت
أسواقه وغدت مقطوعة الجلب
"""
صفحة رقم 322 """
قاضي القضاة عزاء عن إمام تقى
بالفضل أوصى وصاة المرء بالعقب
فأنت في رتب العليا وما وسقت
بحر يحدث عنه بالحر بالعجب
ما غاب عنا سوى شخص لوالدكم
وعلمه والتقى والجود لم يغب
جادت ثراك أبا السادات سحب رضى
تزهى بذيل على مثواك منسحب
وسار نحوك منا كل شارقة
سلام كل شجي القلب مكتئب
تحية الله نهديها ونتبعها
فبعد فقدك ما في العيش من أرب
وخفف الحزن إنا لاحقون بمن
مضى فأمضى شباة الحادث الذرب
إن لم يسر نحونا سرنا إليه على
أيامنا والليالي الدهم والشهب
إنا من الترب أشباح مخلقة
فلا عجيب مآل الترب للترب
وقال أديب الزمان القاضي صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي أمته الله به
أي طود من الشريعة مالا
زعزعت ركنه المنون فزالا
أي ظل قد قلصته المنايا
حين أعيا على الملوك انتقالا
"""
صفحة رقم 323 """
أي بحر كم فاض بالعلم حتى
كان منه بحر البسيطة آلا
أي حبر مضى وقد كان بحرا
فاض للواردين عذاب زلالا
أي شمس قد كورت في ضريح
ثم أبقت بدرا يضي وهلالا
مات قاضي القضاة من كان يرقى
رتب الإجتهاد حالا فحالا
مات من فضل علمه طبق الأرض
مسيرا وما تشكي كلالا
كان كالشمس في علوم إذا ما
أشرقت أصبح الأنام ذبالا
كان كل الأنام من قبل ذا العصر
عليه في كل علم عيالا
كان فرد الوجود في الدهر يزهى
بمعالي أهل العلوم جمالا
فمضوا قبله وكان ختاما
بعدهم فاعتدى الزمان وصالا
كملت ذاته بأوصاف علم
علم البدر في الدياجي الكمالا
وأنام الأنام في مهد عدل
شمل الخلق يمنة وشمالا
فلمن بعده نشيد رحابا
ولمن بعده نشد رحالا
وهو إن رمت مثله في علاه
لم تجد في السؤال عنه سوى لا
أحسن الله للأنام عزاهم
فهم بالمصاب فيه ثكالى
ومصاب السبكي قد سبك القلب
وأودى منا الجلود انتحالا
خزرجي الأصول لو فاخر النجم
علا مجده عليه وطالا
خلق كالنسيم مر على الروض
سحيرا وعرفه قد توالى
يد جودها يفوق الغوادي
تلك ماء همت وذا صب مالا
"""
صفحة رقم 324 """
أيها الذاهب الذي حين ولى
صار منه عز الدموع مدالا
لو أفاد الفداء شخصا لجدنا
بنفوس على الفدا تتغالى
أنفس طال ما تنفس عنها
منك كرب يكظها واستحالا
أنت بلغتها المنى في أمان
فاستفادت غنى وعزت منالا
من لنا إن دجت شكوك شكونا
من أذاها في الدهر داء عضالا
كنت تجلو ظلامها ببيان
حل من عقلنا الأسير عقالا
من يعيد الفتوى إلى كل قطر
منه جاءت جوابها يتلالا
قد صببت الصواب فيها وأهديت
هداها وقد محوت المحالا
فيقول الورى إذا ما رأوها
هكذا هكذا وإلا فلالا
فليقل من يشاء ما شاء إن الموت
أردى الغضنفر الرئبالا
وإذا ما خلا الجبان بأرض
طلب الطعن وحده والنزالا
قد تقضى قاضي القضاة تقي الدين
سبحان من يزيل الجبالا
فالدراري من بعده كاسفات
وإذا ما بدت تراها خجالى
"""
صفحة رقم 325 """
كان طودا في علمه مشمخرا
مد في الناس من بنيه ظلالا
فبهاء بها ونعمت وتاج
فوق فرق العلياء راق اعتدالا
هو قاضي القضاة صان حماه
من عوادي الزمان ربي تعالى
وهداه للحكم في كل يوم
فيه يرعى الأيتام والأطفالا
وحباه الصبر الجميل ووفاه
ثوابا يهمي سحابا ثقالا
ليبيد العدى جلادا ويغدو
فيفيد الندى ويبدي الجدالا
وقال أيضا مما كتب به إلى الشيخ بهاء الدين أبي حامد أحمد
أهكذا جبل الإسلام ينهدم
وهكذا سيفه المسلول ينثلم
وهكذا جيشه المعهود نصرته
على أعاديه بعد اليوم ينهزم
وهكذا مجده الراسي قواعده
تنحط منه أعاليه وتنحطم
وهكذا البدر في أعلى منازله
وسعده قد محت أنواره الظلم
وهكذا البحر يمسي وهو ذو يبس
من بعد ما كان بالأمواج يلتطم
وهكذا الدين قد أزرى به خنس
من بعد ما كان في عرنينه شمم
وهكذا كل ميت حل في جدث
بكى له الفاقدان العلم والكرم
وقد نعى العدل منه سيرة كرمت
يحفها الزاهران الحلم والنعم
"""
صفحة رقم 326 """
والورق تملي لنا في وصفه خطبا
يقلها المنبران البان والسلم
ولو أراد الأعادي كتمها اعترفت
بفضلها الشاهدان العرب والعجم
قل للعدي إن جهلتم قدر رتبته
فالبيت يعرفه والحل والحرم
والليل والذكر والمحراب شاهده
والشرع والحكم والتصنيف والقلم
ومن يقل إنه يدري مكانته
فما خفي عنهم أضعاف ما علموا
فكم كماة من النظار قد مهروا
في البحث جاءوا بما ظنوا وما زعموا
فكر فيهم بلا فكر وجدلهم
جداله ثم لما سلموا سلموا
وقصروا عن مبادي غاية حصلت
له وأين عقاب الجو والرخم
ولوا فرارا وقد ألقوا سلاحهم
وهم أناس على التحقيق قد وهموا
عليه هزمهم في كل معركة
وما عليه بهم عار إذا انهزموا
شكوا فتورا رأوه في بصائرهم
ولو ألموا به من قبل ما ألموا
ما الناس إلا سواء في بيوتهم
ما الشأن في أمرهم إلا إذا التحموا
كل يرى أنه إذ راح منفردا
ليث وأقلامه من حوله أجم
فإن تضمهم وقت الجدال وغى
فعندها يظهر الأقدار والقيم
تزايد الحلم من زاكي سجيته
فلم يكن من عداه قط ينتقم
موفق الحكم والفتوى على رشد
ما ند منه على ما قد مضى ندم
"""
صفحة رقم 327 """
كم بات ينصر مظلوما رآه وقد
أوذي وجانبه بالضعف يهتضم
كان ابن تيمية بالفضل معترفا
وهو الألد الذي في بحثه خصم
يثني عليه وقد أبدى بفكرته
أوهامه فيراها وهو يبتسم
وما أقر لمخلوق سواه وفي
زمانه كل حبر علمه علم
قاضي القضاة تقي الدين حين قضى
غدا أولو الحلم لم يهناهم الحلم
وكيف يهنأ عيش بعده وبه
قد كان شمل الهدى بالحق يلتئم
فاليوم أقفر ربع المكرمات وقد
شط المزار وأقوت دونها الخيم
مات الذي كانت الأعلام تسأله
في غامض العلم للسؤال يحتلم
مات الذي كان إن تسأله غامضة
خلاك من حليها في العلم تحتكم
يا سائرا فوق أعناق الرجال وكم
سعت له في المعالي والهدى قدم
خدمت علمك وقتا والأنام إلى
يوم القيامة فيما قلته خدم
تركت فينا تصانيفا تخاطبنا
فأنت حي ولما تنشر الرمم
ما مثل سيرتك المثلى إذا ذكرت
بالحمد تبدا وبالتقريظ تختتم
أقمت في مصر والأخبار نافحة
طيبا تسير بها الوخادة الرسم
ما كنت إلا إمام الناس قاطبة
في النقل والعقل تقضي كلما اختصموا
"""
صفحة رقم 328 """
وكل مشكلة في الدين معضلة
يضيق فيها على سلاكها اللقم
تحل شبهتها من حيث ما عرضت
بالحق إذ ليس في الترجيح تتهم
تأوي إليك نفوس العارفين لما
تراه منك وترعى عندك الذمم
مطهر الذات من عيب تضير لنا
منك العوارف والأخلاق والشيم
يكاد من رقة فيه يهب صبا
هذا وقد برحت أجداثه الحطم
من أجل ذاك غدت أيامه غررا
بيضا ولم يقض فيها أن يراق دم
كف على عدد الأيام في هبة الأنفال
ما سامها من بذلها سأم
أقول لما نأى عن جلق ونأت
عنها غوادي الحيا وانجابت الديم
يا من يعز علينا أن نفارقهم
وجداننا كل شيء بعدكم عدم
لكن صبرنا على التفريق وهو أذى
وما لجرح إذا أرضاكم ألم
مهما نسيت فما أنسبت برك بي
عند الظما ونداك البارد الشبم
وفرط جبرك إذ تثني علي بما
لا أستحق وذاك الحفل مزدحم
حتى أغالط نفسي في حقيقة ما
أدريه منها وفي علمي بها أهم
فعلا من طبع الباري سجيته
على مكارم منها الناس قد حرموا
وكاد دهري لياليه تسالمني
وكاد يصرف عني الشيب والهرم
"""
صفحة رقم 329 """
والله لا فترت مني الشفاه عن الدعا
ولا افتر لي من بعد ذاك فم
فاصبر أبا حامد فالناس قد فجعوا
فيمن مضى لم تخصص أنت دونهم
تشارك الناس في هذا العزاء كما
نعمى أياديه فيها الناس تقتسم
وانظر وقس يا إمام الناس كلهم
فإن سلمت فكل الناس قد سلموا
هذي المصيبة بالإسلام قد نزلت
فانظر عرى الدين مها كيف تنفصم
ما مثل من قد مضى يبكى عليه ولا
تجري على وجنتيك الأدمع السجم
فإنه في جنان الخلد في دعة
لكفه الحور والولدان تستلم
فقدس الله ذاك الروح منه ولا
أراه يوم اللقا والحشر ما يصم
وقال أيضا
الله أكبر أي بحر غاضا
من بعد ما جعل العلوم رياضا
قاضي القضاة قضى فيالمصيبة
لم تبق في جفن الهدى إغماضا
تمت فعمت كل شخص مسلم
واستوفت الأبعاد والأبعاضا
فجعت أئمة عصرنا في حبرهم
فقلوبهم أمست لذاك مراضا
إني لأعجب للمنية كيف قد
كفت لسانا عنده نضناضا
قد كان نقادا فإن هو جاءه النقال
يرجع بعد ذا نقاضا
من للشريعة إن أتاها مبطل
أو حص ريش جناحها أوهاضا
إن غاضه بالحق حين يقوله
أضحى يحرك رأسه إنغاضا
"""
صفحة رقم 330 """
ويكون منه لكل داء حاسما
يعطي ويأخذ من نهاه قراضا
ذهن يفوت البارقات تسرعا
ويفوقها في جوها إيماضا
وبه على المقصود يصبح واقعا
إن غاض فهم سواه منه فاضا
وله التصانيف التي في الفقه قد
أمست طوالا في الأنام عراضا
لم يبق علم مشكل بين الورى
إلا وشق البحر منه وخاضا
حتى انتقى منه لآليه التي
تمسي الجواهر عندها أعراضا
وغدا تكون مسودات علومه
منها صحائفه تشف بياضا
كم حجة لمعاند أو ملحد
أمسى لنظم دليلها دحاضا
ما كان يخشى من أفاعي البحث في
يوم الجدال إذا نحته عضاضا
قد كان فارس كل علم غامض
تلقاه في ميدانه ركاضا
ما راح إلا كي تحل لقربه
حلل القبول من العلى وتفاضا
كم قد تغمد حلمه من مذنب
عنه تغافل تارة وتغاضى
وإذا توعد من أسا ينسى وإن
وعد الولي ما احتاج أن يتقاضى
أراؤه الحسنى إذا ما أرسلت
منها السهام أصابت الأغراضا
ما ينقضي منه الجميل لطالب
حتى يشاهد غيره قد آضا
وتراه إن أبدى الزمان قطوبه
وخطوبه متبسما مرتاضا
"""
صفحة رقم 331 """
من ظن أن سيرى لذلك ثانيا
في عمره فأنا أراه خضاضا
عزفت عن الدنيا الدنية نفسه
وتجنبت في فعلها الأغراضا
من كفه ظفرت بجوهر فوزه
أتراه يطلب بعدها الأعراضا
ما أقبلت يوما عليه بوجهها
إلا ويمنح قربها الإعراضا
غيظ الأعادي كونه أسدا وقد
جعل الإله له الوقار غياضا
كم قد شفى قلبا من الشبه التي
جعلته طول زمانه ممراضا
وعظ به سيف الشريعة مصلت
وترى مهنا فضله فياضا
تلقاه سارية الفتاوى في الورى
فيقلها لما غدا عرباضا
وإذا الزمان أتى بخطب فادح
أبصرت قواما به نهاضا
قسما بما أبدت يداه من ندى
حتى لقد ملأ الوفاض وفاضا
لا حلت عن عهد الوفاء له وما
قلبي الذي يعتاد أن يعتاضا
بئس الحياة أعيشها من بعده
من يرتضي الإضرام والأمراضا
فسق ضريحا قد حواه سحابة
حملت وأثقلها الغمام مخاضا
وقال الشيخ برهان الدين إبراهيم القيراطي
أمسى ضريحك موطن الغفران
ومحل وفد ملائك الرحمن
حيا المهيمن منك روحا مذ علت
حييت بذاك الروح والريحان
وتبوأت غرف الجنان وجوزيت
فيها على الإحسان بالإحسان
"""
صفحة رقم 332 """
وتلقيت بتحية وأتت لها
تحف الجنان على يدي رضوان
واستبشرت بقدومها أملاكها
وسعى لها رضوان بالرضوان
روح لها حور الجنان تشوقت
حبا لها كتشوق الولدان
كانت لها الدنيا محلا أولا
والجنة العليا محلا ثان
لا شيء بعدك يا علي من الورى
حسن بعين بصيرتي وعياني
سقيا لمعهدك الذي قد شاقني
ومحل منزلك الذي أبكاني
قبر عليه من العلوم مهابة
تبدو وأنس تلاوة القرآن
ناديته فأجابني بعلومه
مستبشرا فكأنه ناداني
من للمذاهب والمواهب عندما
يخشى ظهور الفقر والحرمان
ومدارس العلم التي قد أصبحت
وكأنهم دواوس البنيان
من بعد ما قد كان في أفلاكها
شمسا يشار لنحوها بنيان
يأبى الجواب فما يراجع هيبة
والسائلون نواكس الأذقان
ما خف فوق صراطه إلا وقد
ثقلت له الحسنات في الميزان
في حالتي حفظ الشريعة والندى
سيف على الجاني وروض الجاني
إن صال وقت البحث قلنا هكذا
فليفعل الأقران بالأقران
إن أجريت مستنبطات علومه
وقف البرية موقف الإذعان
"""
صفحة رقم 333 """
كم شبهة كالليل يعدو لبسها
فيردها كالصبح بالبرهان
أبكيك يوم تنازع الخصمين في
شك يحار بأمره الخصمان
يا شمس طال الليل بعد مغيبها
كيف الصباح وأنت في الأكفان
يا ثاني الفجرين بل يا ثالث القمرين
بل يا واحد الأزمان
يمضي الجديد من الزمان وحزننا
باق على قدم الزمان الفاني
قف بالقبور وناد فيها نادبا
من كان في شغل عن الحدثان
أين الذين إذا هم عقدوا الحبى
حلوا بأرفع رتبة ومكان
قوم إذا حضروا مجالس علمهم
حكمت عمائمهم على التيجان
قم باكيا متأوها مسترجعا
لمصاب هذا العالم الرباني
أعظم بيوم مصابه من مصرع
في مصر حل بسائر البلدان
حبر له بالشام أعظم موقع
ساق العداء إلى شج حران
أدى البريد نعيه فيها فيا
فضل الأصم على ذوي الآذان
أعزز علي بأن أصوغ رثاء من
كان المديح لبابه من شاني
أهدي إليه طيبات تحية
من عبده القاصي المحل الداني
وأزور بالتسليم تربة قبره
متتابع العبرات والأشجان
قبر لثمت تراه فتعرفت
في تربه الأنفاس عرف جنان
لا زال عفو الله في أرجائه
هامي السحائب دائم الهملان
وقال السيد الشريف الأديب الفاضل شهاب الدين الحسين بن محمد الحسيني موقع الدست الشريف بالأبواب الشريفة عفا الله عنه ورحمه
لقد حق بعد الدمع بالدم أن تبكي
عيون البرايا بعد قاضي الهدى السبكي
"""
صفحة رقم 334 """
وقد سفكت في تربه عبراتهم
وليس ملوما من بها كان ذا سفك
مضى حبر هذا الدهر جادته رحمة
تروض قبرا جامع العلم والنسك
وأغمد سيف بالشريعة مرهف
سطا بذوي العدوان والإثم والإفك
وغاض ببطن الأرض بحر فضائل
يؤم هداه الوفد بالنحب والفلك
يجيب سؤالا أو يجود لسائل
فمن يشك من جهل وفقر له يشك
وزلزل طود الحكم من بعد ما علا
وفاق سماك الأفق مرتفع السمك
حكى السلف الأخيار دينا وعفة
ومجموعه في العلم قد قل من يحكي
فتاواه قد سارت لشرق ومغرب
وفي طيبة جدواه والحرم المكي
وأحكامه في الخلق بالحق أيدت
وأقلامه في نصرة الدين كالبتك
تملك أحرارا بأنعمه التي
قضت بولاء تابع سابق الملك
وأدرك أوطارا من المجد والعلا
وفاز بحمد العرب والعجم والترك
يعزى الإمام الشافعي بموته
وأصحابه كل له رزؤه منك
علي بعدن سوف يرقى أرائكا
ويعطى الذي يرضيه من مالك الملك
وبالروح والريحان روحك نعمت
وإن كان منك الجسم بالسقم في نهك
خطبت لحكم الشام بعد تعين
له ولك العليا معينة الدرك
وسيرة عدل سبع عشرة حجة
سريت وفي الأقطار شكرك كالمسك
وكنت به سترا على كل أهله
ولم تك للعورات حاشاك ذا هتك
"""
صفحة رقم 335 """
وما زلت رحب الباع والصدر والفنا
تلقيت بالترحاب في المنزل الضنك
ثكلت حسينا واحتملت لأجله
لواعج أحزان لنار الجوى تذكي
مرضت شهورا فالأجور تضاعفت
كذا الذهب الإبريز يحسن بالسبك
وسافرت حتى جئت بلدة مولد
وبادرت حكم الشام بالزهد والترك
فغالك صرف ليس يمكن صرفه
وكم شمل الشبان والشيب بالفتك
على كل مخلوق جرى حكمه الذي
براه على المملوك يمضي وفي الملك
بكتك دمشق والشآم جميعه
وحق على الإسلام بعدك أن يبكي
ستذكر عند المعضلات لكشفها
كمثل افتقاد البدر في الظلم الحلك
فأف لدنيانا الدنية إنها
لتخدعنا بالمين والمكر والمحك
فكم بعلي القدر صالت خطوبها
وكم من مشيد قد أعادته ذا دك
وكم قد وهت بالنفس نفسا نفيسة
وكم طرقت بيتا بمر ذوي الدهك
أرت غيرا بالغير نرمي بمثلها
ونحن كأنا من يقين على شك
سبيل الردى حتم علينا سلوكه
وكل امرئ في قبضة الموت والهلك
"""
صفحة رقم 336 """
رثيتك يا قاضي القضاة لصحبة
قضت لي أن أبكي عليك وأستبكي
وفاء عن الأطهار آلي ورثته
هداة البرايا هادمي ملة الشرك
أعد السنين الأربعين وعهدها
أكيد فلا يمنى بفسخ ولا فك
أبا حامد جددت عهدا بوالد
زكي له علم به رشد مستزك
رأى من بنيه الغر عقد سيادة
وأنت حماك الله واسطة السلك
ومتع تاج الدين صنوك رفعة
لسامي علام عنه سما خير محكي
وقبري علي والحسين سقاكما
سحاب من الرضوان ليس بمنفك
وقال ولده أحمد في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة وهو شهر الوفاة
أيا طالبا للعم والدين والفخر
رويدك لا ترحل لهن ولا تسر
فإن الذي تبغيه غيب في الثرى
وأودى مع الأجداث في جانب القبر
ألا في سبيل الله مصرع ماجد
تقي نقي طاهر علم حبر
"""
صفحة رقم 337 """
"""
صفحة رقم 338 """
"""
صفحة رقم 339 """
1394
علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الشيخ الإمام علاء الدين الباجي
إمام الأصوليين في زمانه وفارس ميدانه وله الباع الواسع في المناظرة والذيل
"""
صفحة رقم 340 """
الشاسع في المشاجرة وكان أسدا لا يغالب وبحرا تتدفق أمواجه بالعجائب ومحققا يلوح به الحق ويستبين ومدققا يظهر من خفايا الأمور كل كمين
وكان من الأوابين المتقين ذوي التقوى والورع والدين المتين
وعنه أخذ الشيخ الإمام الوالد الأصلين وبه تخرج في المناظرة وفيه يقول عند موته من قصيدة رثاه بها
فلا تعذلنه أن يبوح بوجده
على عالم أوري بلحد مقدس
تعطل منه كل درس ومجمع
وأقفر منه كل ناد ومجلس
ومات به إذا مات كل فضيلة
وبحث وتحقيق وتصفيد مفلس
وإعلاء دين الله إن يبد زائغ
فيخزيه أو يهدي بعلم مؤسس
قلت ماذا عسى الواصف أن يقول في الشيخ الباجي بعد مقالة الشيخ الإمام الذي كان لا يحابي أحدا في لفظة في حقه هذه المقالة
وكان شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد كثير التعظيم للشيخ الباجي ويقول له إذا ناداه يا إمام
سمعت الشيخ الإمام رحمه الله يقول كان ابن دقيق العيد لا يخاطب أحدا السلطان أو غيره إلا بقوله يا إنسان غير اثنين الباجي وابن الرفعة يقول للباجي يا إمام ولابن الرفعة يا فقيه
وكان الباجي أعلم أهل الأرض بمذهب الأشعري في علم الكلام وكان هو بالقاهرة والهندي بالشام القائمين بنصرة مذهب الأشعري والباجي أذكى قريحة وأقدر على المناظرة
"""
صفحة رقم 341 """
وكان فقيها متقنا سمعت بعض أصحابه يقول كان الباجي لا يفتي بمسألة حتى يقوم عنده الدليل عليها فإن لم ينهض عنده قال مذهب الشافعي كذا أو الأصح عند الأصحاب كذا ولا يجزم
ومع اتساع باعه في المباحث لم يوجد له كتاب أطال فيه النفس غير كتاب الرد على اليهود والنصارى بل له مختصرات ليست على مقداره منها كتاب التحرير مختصر المحرر في الفقه ومختصر في الأصول ومختصر في المنطق قيل ما من علم إلا وله فيه مختصر
تفقه على شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام بالشام فإن الشيخ علاء الدين مبدأ اشتغاله فيها
وكانت بينه وبين الشيخ محيي الدين النووي صداقة وصحبة أكيدة ومرافقة في الاشتغال حكى لي ناصر الدين بن محمود صاحب الباجي قال حكى لي الباجي قال ابتدأت أنا والنووي في حفظ التنبيه فسبقني إلى النصف الأول وسبقته إلى ختمه قال وكان النووي يحب طعام الكشك فكان إذا طبخه يرسل إلي يطلبني لآكل معه فلا أجد إلا كشكا وماء مائعا فتعافه نفسي فرحت إليه مرة بعد مرة للصحبة التي بيننا فلما كانت المرة الأخيرة امتنعت فجاء بنفسه إلي وقال والله يا شيخ علاء الدين أنا أحبك وأحب الكشك وما أشهى أن أطبخه إلا وآكل أنا وأنت فإما تجيء إلي وإما آخذه
"""
صفحة رقم 342 """
وأجيء إليك قال فقلت له والله يا شيخ محيي الدين أنا أحبك إلا والله ما أحب كشكك
وسمع جزء ابن جوصا من أبي العباس بن زيري
مولده سنة إحدى وثلاثين وستمائة
وولي قضاء الكرك قديما ثم استقر بالقاهرة
وكان إليه مرجع المشكلات ومجالس المناظرات ولما رآه ابن تيمية عظمه ولم يجر بين يديه بلفظة فأخذ الشيخ علاء الدين يقول تكلم نبحث معك وابن تيمية يقول مثلي ليا تكلم بين يديك أنا وظيفتي الاستفادة منك
وتوفي بها في سادس ذي القعدة سنة أربع عشرة وسبعمائة
ومن الرواية عنه
أخبرنا الوالد رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا شيخنا أبو الحسن الباجي بقراءتي عليه على بدء أخبرنا أبو العباس أحمد بن يوسف بن عبد الله بن زيري التلمساني بدمشق ح
وأخبرنا تاج الدين عبد الرحيم بن إبراهيم بن أبي اليسر بقراءتي عليه ومحمد بن علي بن يحيى الشاطبي قراءة عليه وأنا أسمع قالا أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر
"""
صفحة رقم 343 """
ح
وأخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الخباز بقراءتي عليه أخبرنا كمال الدين بن عبد الحارثي حضورا قالوا أخبرنا بركات بن إبراهيم الخشوعي أخبرنا عبد الكريم بن حمزة بن الخضر السلمي أخبرنا أبو القاسم الحسين بن محمد بن إبراهيم الحنائي أخبرنا أبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد بن موسى بن راشد الكلابي أخبرنا أحمد بن عمير بن يوسف الحافظ قراءة عليه حدثنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن ابن عوف أن أبا هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من حلف منكم فقال في حلفه باللات فليقل لا إله إلا الله ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق ) رواه النسائي عن كثير بن عبيد هذا فوقع لنا موافقة عالية ولله الحمد
ومن شعره أنشدنا الشيخ الإمام الوالد رحمه الله من لفظه قال أنشدنا شيخنا علاء الدين لنفسه من لفظه في الصفات التي أثبتها شيخ السنة أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه
(
حياة وعلم قدرة وإرادة وسمع وإبصار كلام مع البقا )
(
صفات لذات الله جل قديمة
لدى الأشعري الحبر ذي العلم والتقى )
قلت أرشق من هذا قول الشاطبي في الرائية
(
حي عليم قدير والكلام له
فرد سميع بصير ما أراد جرى )
قلت أنا أبدل قوله فرد بباق لتتم الصفات في نسق واحد
أنشدنا الشيخ الإمام لفظا أنشدنا شيخنا الباجي لنفسه
"""
صفحة رقم 344 """
رثى لي عودي إذ عاينوني
وسحب مدامعي مثل العيون
وراموا كحل عيني قلت كفوا
فأصل بليتي كحل العيون
"""
صفحة رقم 345 """
أنشدنا الشيخ ناصر الدين محمد بن محمود البساسي المنجد وهو من أخصاء الشيخ الباجي بقراءتي عليه بالقاهرة قال أنشدنا شيخنا علاء الدين من لفظه لنفسه
يقول أضعف العبيد الراجي
مغفرة علي بن الباجي
الحمد لله على التوفيق
لفهم ما ألهم من تحقيق
وكم له من نعمة وجود
أوله إفاضة الوجود
ثم الصلاة والسلام الأبدي
على النبي المصطفى محمد
"""
صفحة رقم 346 """
وآله وصحبه وعترته
والتابعين بعدهم لسنته
اعلم فدتك النفس يا حبيب
أن السعيد العالم الأديب
وهو الذي حوى العلوم كلها
وفك مشكلاتها وحلها
كالفقه والأصلين والتوريث
والنحو والتصريف والحديث
والعلم بالتفسير والمعاني
ومنطق الأمين والبيان
والبحث واللغات والإخبار
عن قصص الماضين في الأعصار
والطب للأبدان والقلوب
وكل علم نافع مطلوب
واستثبت المنقول منها ضابطا
وحقق البرهان والمغالطا
وسار في مسالك العقول
على الطريق الواضح المعقول
فحقق الأصول والفروعا
مقيسا العقلي والمسموعا
وانقاد طائعا لأمر الشرع
في حكم أصل دينه والفرع
مجتهدا في طاعة الرحمن
بالقول والفعل وبالجنان
مكمل الإيمان بالإحسان
إلى جميع الإنس والحيوان
كيما يحوز الفوز بالجنان
وحورها العين وبالولدان
وكل ما لم تره العينان
وكل ما لم تسمع الأذنان
فانهض بإقدام على الأقدام
إن كنت للعلياء ذا مرام
وشمر الساق عن اجتهاد
مثل اجتهاد السادة العباد
واستنهض الهمة في التحصيل
من كل شيخ عالم فضيل
وارحل إلى من يستحق الرحله
خلف الفرات أو وراء الدجله
حيث انتهت أخباره إليكا
فقصده محتم عليكا
"""
صفحة رقم 347 """
واطرح رداء الكبر عن عطفيكا
وقل لداعي العلم يالبيكا
واسع إليه ماشيا أو راكبا
كما استطعت للتقى مصاحبا
تضع لك الأملاك من رضاها
أجنحة وكم كذا سواها
من سنة دلت على التفضيل
وآية في محكم التنزيل
كإنما يخشى وخذ موزونا
هل يستوي الذين يعلمونا
وتوج العلم بتاج العمل
مزين بحليه والحلل
فإنه له على الفحول
من الرجال خلعة النحول
من سهر الليل على الأقدام
بين يدي مصور الأنام
وإنه المقصود بالعلوم
عند ذوي الفطنة والفهوم
وأخلص النية في الأعمال
لصانع العالم ذي الجلال
فإنما الأعمال بالنيات
وكونها لله خالصات
وليس يرضى ربنا عباده
أشركت فيها معه عباده
فوحد القصد بها لله
ولا تكن عن قصده باللاهي
واعمر بذكر الله قلبا خاليا
من غيره تنل مقاما عاليا
يذكرك في الأملاك فوق الفوق
فانتهز الفرصة ياذا الشوق
واغتنم الصلاة في الدياجي
إن المصلي ربه يناجي
ودق بالجبهة وجه الأرض
في الصلوات النفل بعد الفرض
يحببك ربي وتنل بحبه
ما في الحديث من عطاء قربه
وما أجل ذا المقام وقتا
حتى تجله وأنت أنتا
فذا المقام فهمه يهول
تعجز عن تحقيقه العقول
"""
صفحة رقم 348 """
وقد علمت شطحة الحلاج في
مقاله فإثره لا تقتف
إن الطريق همة وحال
تثمرها الأعمال لا المقال
واسلك طريق العلم والأعمال
كلاهما محقق الآمال
هما طريق الفوز لا محاله
يسلكها مشايخ الرساله
كالليث والجنيد والدينوري
والعجمي والسري والثوري
جواهر الرجال في الوجود
بعد النبيين لدى المعبود
تفز بأعلى الأجر والأحوال
وأوضح الفتوح للرجال
وربما نلت المقام العالي
بالكشف والتفريق بالمقال
حتى إذا قال الولي كن كذا
كان سواء كان نفعا أو أذى
بإذن ربه وطوع قدرته
على سبيل فضله ونعمته
كذا أتى عن سالكي الطريقه
وكن بذاك مؤمنا حقيقه
إذ مذهب السنة وهو الأحسن
أن كرامات الولي تمكن
لأنها وإن تكن كالمعجزه
فالخرق بالتقييد عنها محرزه
فيها التحدي دائما معدوم
وذاك فرق واضح معلوم
وكثرة الأخبار عنها مانعه
كذب الجميع فهي حتما واقعه
وهذه طريقة ظريفه
ليست سخيفة ولا ضعيفه
كنسب إتيان السخا لحاتم
بكثرة الأخبار بالمكارم
"""
صفحة رقم 349 """
وقد أتى بنقلها الكتاب
واتضح الباطل والصواب
كقصة الخضر مع الكليم
تحوي كرامات فخذ تفهيمي
مواهب تصدر عن كريم
وعن قدير عالم حكيم
أسعد من أراد بالتقديم
بفضله في حكمه القديم
سبحان من أنعم بالتكريم
وقربه وفضله العميم
وما حكى من قصة لمريما
وأنه يرزقها تكرما
يأتي إليها كل وقت رزق
من عالم الغيب وذاك صدق
فهل بقي للاعتزال مستند
من بعد ما بينته فيعتمد
وجاء في الآثار أيضا عن عمر
من ذاك ما بين الرواة قد ظهر
صياحه بمنبر المدينة
الجبل اقصده تجد كمينه
يريد إرشاد الأمير ساريه
إلى مكايد الأسود الضاريه
وفي نهاوند أتاه الصوت
وكاد لولاه يكون الفوت
فأسرع الأمير بالسريه
ممتثل الأوامر المرضيه
فأدركوا الكمين خلف الجبل
فاستأصلوه بالقنا والأسل
وامتلت الفلاة بالجماجم
وفاز حزب الله بالغنائم
وذاك فيه الكشف والتصريف
العلم والأسماع يا ظريف
جل الإله مظهر العجائب
على يدي عبيده الحبائب
من جاءه يمشي أتاه هروله
برغم أنف سائر المعتزله
ينيل أولياءه الآمالا
وفوقها من يده تعالى
وما جرى لأحمد الرفاعي
وشيخ كيلان كما سماعي
"""
صفحة رقم 350 """
لما خطا في الجو فوق المنبر
عشرا وعاد قائلا للحضر
عند ورود وارد شريف
من حضر القدس بلا تكييف
على رقاب الأولياء رجلي
والحكم الوارد لا المستحلي
أجابه أحمد في الرواق
في وقته المذكور يا رفاقي
معترفا لقوله بالصدق
وشاهدا بقوله وعتق
فقيل ماذا قال عبد القادر
قال كذا مقال صدق ظاهر
فأرخوا مقاله فكانا
في وقت شطح شيخنا نشوانا
كأنه من جملة الحضار
يشاهد الميعاد بالأبصار
ما صده عن كشف هذا الحال
بعد فجل مانح الأحوال
وذاك من كليهما كرامه
على ارتفاع قدره علامه
وما أتى عن شيخنا السبتي
وذاك أمر ليس بالمخفي
تأتي الكرامات على يديه
سلام ربي دائما عليه
مهما أراد كان لا محاله
من خالق سبحان من أناله
يقترح المرء شفاء عن مرض
لأهله أو دفع ضر قد عرض
أو سقي بستان له أو زرع
أو رد ما قد ضاع بين الجمع
"""
صفحة رقم 351 """
يبذل شيئا من فتوح الفقرا
يرى يسيرا حسب ما تيسرا
فيحصل المراد بالتلطف
بلا تعسف ولا تكلف
كأنه أفعاله المعتاده
وهذه لعمرك السعاده
لا الجاه والبنون والأموال
والخيل والحمير والبغال
جميعها على الفتى وبال
ومنتهاها أبدا زوال
لذاتها مشوبة بالألم
نعيمها مكدر بالنقم
فحل ما من بعد من حساب
ومن عقاب فيه أو عتاب
بل من سؤال منكر في القبر
ومن مواقف ليوم الحشر
وخفة الميزان بالأعمال
وخوف دقة الصراط العالي
وهول أحوال لظى نيران
نعوذ بالله من الخسران
نسأل رب العرش والعباد
بالمصطفى الهادي إلى الرشاد
إلهامنا طرائق السداد
من قول أو فعل أو اعتقاد
وعفوه لنا وللأجداد
وسائر الأهلين والأولاد
والمسلمين حيهم والغادي
تحت الثرى في باطن الألحاد
من كل ذنب سالف وآت
برحمة منه إلى الممات
فإنه المرجو والمأمول
والملتجى إليه والمسؤول
لا راحم سواه قط يقصد
ولا إله غيره فيعبد
كل إلى رحمته فقير
وفي يدي عقابه أسير
في كل ممكن له تقدير
وهو به وغيره خبير
"""
صفحة رقم 352 """
وهو على ما شاءه قدير
والنفع والضر به يصير
لا مشبه له ولا نظير
ولا شريك لا ولا وزير
فرد قديم واجب بالذات
منزه بالذات والصفات
أرسل خير الخلق في الآفاق
مكملا مكارم الأخلاق
محمدا خاتم رسل ربنا
مبشرا ومنذرا ومحسنا
صلى عليه ربنا وسلما
ما لاح فجر طالع وكرما
وآله وصحبه الأخيار
الطيبين السادة الأطهار
ولما ظهر السؤال الذي أظهره بعض المعتزلة وكتم اسمه وجعله على لسان بعض أهل الذمة وهو
أيا علماء الدين ذمي دينكم
تحير دلوه بأوضح حجة
إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم
ولم يرضه مني فما وجه حيلتي
دعاني وسد الباب عني فهل إلى
دخولي سبيل بينوا لي قضيتي
قضى بضلالي ثم قال ارض بالقضا
فها أنا راض بالذي فيه شقوتي
فإن كنت بالمقضي يا قوم راضيا
فربي لا يرضى لشؤم بليتي
وهل لي رضا ما ليس يرضاه سيدي
وقد حرت دلوني على كشف حيرتي
إذا شاء ربي الكفر مني مشيئة
فها أنا راض باتباع المشيئة
وهل لي اختيار أن أخالف حكمة
فبالله فاشفوا بالبراهين حجتي
"""
صفحة رقم 353 """
ويقال إن هذا الناظم هو ابن البققي الذي ثبت عليه أقوال تدل على الزندقة وقتل بسيف الشرع الشريف في ولاية الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد القشيري
وكان مقصد هذا السائل الطعن على الشريعة فانتدب أكبر علماء مصر والشام لجوابه نظما منهم الشيخ علاء الدين فقال فيما أنشدنا عنه الشيخ ناصر الدين البساسي من لفظه قال أنشدنا الشيخ علاء الدين الباجي لنفسه من لفظه
أيا عالما أبدى دلائل حيرة
يروم اهتداء من أهيل فضيلة
لقد سرني أن كنت للحق طالبا
عسى نفحة للحق من سحب رحمة
فبالحق نيل الحق فالجأ لبابه
كأهل النهى واترك حبائل حيلتي
قضى الله قدما بالضلالة والهدى
بقدرة فعال بلا حكم حكمة
إذا العقل بل تحسينه بعض خلقه
وليس على الخلاق حكم الخليقة
وأفعالنا من خلقه كذواتنا
وما فيهما خلق لنا بالحقيقة
ولكنه أجرى على الخلق خلقه
دليلا على تلك الأمور القديمة
عرفنا به أهل السعادة والشقا
كما شاءه فينا بمحض المشيئة
كإلباس أثواب جعلن أمارة
على حالتي حب وسخط لرؤية
تصاريفه فينا تصاريف مالك
سما عن سؤال الكيف والسببية
أمات وأحيا ثم صار معافيا
وقبح تحسين العقول الضعيفة
فكن راضيا نفس القضاء ولا تكن
بمقضي كفر راضيا ذا خطيئة
"""
صفحة رقم 354 """
وتكليفنا بالأمر والنهي قاطع
لأعذارنا في يوم بعث البرية
فعبر بسد أو بفتح وعد عن
ضلالة تشكيك بأوضح حجة
وقد بان وجه الأمر والنهي واضحا
ولا شك فيه بل ولا وهم شبهة
قلت هذا الجواب هو حاصل كلام أهل السنة وخلاصته أن الواجب الرضا بالتقدير لا بالمقدور وكل تقدير يرضى به لكونه من قبل الحق
ثم المقدور ينقسم إلى ما يجب الرضا به كالإيمان وإلى ما يحرم الرضا به ويكون الرضا به كفرا كالكفر إلى غير ذلك
وقد أخذ أهل العصر هذا الجواب فنظموه على طبقاتهم في النظم والكل مشتركون في جواب واحد ونحن نسوق ما حضرنا من الأجوبة
جواب الشيخ تقي الدين بن تيمية الحنبلي
سؤالك يا هذا سؤال معاند
يخاصم رب العرش باري البرية
وهذا سؤال خاصم الملأ العلي
قديما به إبليس أصل البلية
وأصل ضلال الخلق من كل فرقة
هو الخوض في فعل الإله بعلة
فإن جميع الكون أوجب فعله
مشيئة رب العرش باري الخليقة
وذات إله الخلق واجبة بما
لها من صفات واجبات قديمة
فقولك لي قد شاء مثل سؤال من
يقول فلم قد كان في الأزلية
وذاك سؤال يبطل العقل وجهه
وتحريمه قد جاء في كل شرعة
وفي الكون تخصيص كثير يدل من
له نوع عقل أنه بإرادة
"""
صفحة رقم 355 """
وإصداره عن واحد بعد واحد
إذ القول بالتجويز رمية حيرة
ولا ريب في تعليق كل مسبب
بما قبله من علة موجبية
بل الشأن في الأسباب أسباب ما ترى
وإصدارها عن حكم محض المشيئة
وقولك لم شاء الإله هو الذي
أضل عقول الخلق في قعر حفرة
فإن المجوس القائلين بخالق
لنفع ورب مبدع للمضرة
سؤالهم عن علة السر أوقعت
أوائلهم في شبهة الثنوية
وإن ملاحيد الفلاسفة الألى
يقولون بالعقل القديم لعلة
بغوا علة للكون بعد انعدامه
فلم يجدوا ذاكم فضلوا بضلة
وإن مبادي الشر في كل أمة
ذوي ملة ميمونة نبوية
تخوضهم في ذاكم صار شركهم
وجاء دروس البينات لفترة
ويكفيك نقضا أن ما قد سألته
من العذر مردود لدى كل فطرة
وهبك كففت اللوم عن كل كافر
وكل غوي خارج عن محجة
فيلزمك الإعراض عن كل ظالم
من الناس في نفس ومال وحرمة
ولا تغضبن يوما على سافك دما
ولا سارق مالا لصاحب فاقة
"""
صفحة رقم 356 """
ولا شاتم عرضا مصونا وإن علا
ولا ناكح فرجا على وجه زنية
ولا قاطع للناس نهج سبيلهم
ولا مفسد في الأرض من كل وجهة
ولا شاهد بالزور إفكا وفرية
ولا قاذف للمحصنات بريبة
ولا مهلك للحرث والنسل عامدا
ولا حاكم للعالمين برشوة
وكف لسان اللوم عن كل مفسد
ولا تأخذن ذا جرمة بعقوبة
وسهل سبيل الكاذبين تعمدا
على ربهم من كل جاء بفرية
وهل في عقول الناس أو في طباعهم
قبول لقول النذل ما وجه حيلتي
كآكل سم أوجب الموت أكله
وكل بتقدير لرب المشيئة
فكفرك يا هذا كسم أكلته
وتعذيب نار بعد جرعة غصة
ألست ترى في هذه الدار من جنى
يعاقب إما بالقضا أو بشرعة
ولا عذر للجاني بتقدير خالق
كذلك في الأخرى بلا مثنوية
فإن كنت ترجو أن تجاب بما عسى
ينجيك من نار الإله العظيمة
فدونك رب الخلق فاقصده ضارعا
مريدا لأن يهديك نحو الحقيقة
وذلل قياد النفس للحق واسمعن
ولا تعص من يدعو لأقوم رفعة
وما بان من حق فلا تتركنه
ولا تعرضن عن فكرة مستقيمة
وأما رضانا بالقضاء فإنما
أمرنا بأن نرضى بمثل المصيبة
كسقم وفقر ثم ذل وغربة
وما كان من مؤذ بدون جريمة
وأما الأفاعيل التي كرهت لنا
فلاهن مأتي في رضاها بطاعة
وقد قال قوم من أولى العلم لا رضا
بفعل المعاصي والذنوب الكريهة
"""
صفحة رقم 357 """
وقال فريق نرتضي بقضائه
ولا نرتضي المقضي لأقبح خلة
وقال فريق نرتضي بإضافة
إليه وما فينا فيلقى بسخطه
فنرضى من الوجه الذي هو خلقه
ونسخطه من وجه اكتساب بحيلة
جواب الأديب ناصر الدين شافع بن عبد الظاهر
سألت ولم تعرف وكم من مباحث
جرت من أهيل العلم في ذي الحقيقة
وما أنت يا ذمي مبتكر كما
توهمته من دون ماضي البرية
نعم كل شيء كائن بقضائه
وتقديره حتما بأوضح حجة
وهل واقع ما لا يشاء بملكه
لقد ضل من ذا رأيه في القضية
وإن الرضا غير القضاء فلا تكن
تنازع فيما شاءه من مشيئة
له المحو والإثبات جل جلاله
فلا تعترض في حكمه وتثبت
وكن بجوابي مسلما ومسلما
وكن باتباع الحق من خير أمة
جواب الشيخ شمس الدين بن اللبان
ألا بعد حمد الله باري البرية
على ما هدانا من كتاب وسنة
بأفضل مبعوث إلى خير أمة
عليه من الرحمن أزكى تحية
فإن صحيحا كون ما شاء ربنا
ونفي سوى ما شاءه من مشيئة
ولم يرض كفر العبد أي لا يحبه
له لا ولا يثني عليه بمدحه
وحيلة من لم يهده الله أنه
يلاحظ وجه العجز في كل لحظة
وينفي القذى عن عين فكرته ولا
يميل بأسباب الحجى عن محجة
ويجهد كل الجهد في قصد ربه
بصدق وعزم وابتهال وحرقة
"""
صفحة رقم 360 """
وكل الذي قلنا مساخط ربنا
كرد عبيد فعل مولاه بالتي
فما لم نشاهد نفعه ليس منكرا
كموت خليل عند تلسيع حية
ولا ظلم عند السلب قدرة خلقه
وإلزامه ما لم يدع في الجبلة
لإيجاده أشياء من غيب علمه
وأحيا بها جودا وجودا برأفة
فيفعل في مخلوقه ما مراده
وإن خفت من ذا ظواهر حكمة
فلولا يقول الله بالكسب معلنا
لما جاء تخصيص لفعل بنسبة
إذا ذات مخلوق مجازا وغيره
لتنصيصه جزما بنفي المشيئة
فلا ينظر الراؤون إلا بعقلهم
قياسات وهم عاهدوها بعادة
كقيد غلام ثم أمر بمشية
قبيح وذا من ملحقات السفاهة
وهذا قيسا باطل في فعاله
إذ الكل موجود بحكم الإرادة
ولو قيل هذا قيل لم أوجد الورى
فأعدمه من بعد حين بذلة
تنزه عن نفع وضر بفعله
وذا قول من يجري بضرب بدرة
هو الخالق الرحمن كلا وجملة
وبين في المنشا بعين حصيفة
بما شاء من أنواره وحياته
وتسيير بعض في حنادس ظلمة
ورتب أجزاء الوجود محققا
من الفعل والأرواح في بدو فطرة
وأبدى محلا ثالثا في انتهائها
لإظهار أسرار الغيوب الغريبة
"""
صفحة رقم 361 """
وأبدع بعد الكل مظهر وصفه
وكمله فهما وعلما بعزة
وعرفه ما شاء من كونه له
وطاعته في أمره المستديمة
وذاك هو الإنسان أفخر خلقه
على كل كون بارتفاع وزلفة
فأعطاه عقلا يفهم الخير والتقى
ويثبت باريه بأوضح حجة
وعلما وسمعا ثم نورا به يرى
مراتب أشكال بدت في الشهادة
وخيره فيما يريد لنفسه
بما احتاج إصلاحا لقومه صورة
ومكنه فيما يروم تكسبا
بآثار فضل من نتائج نفحة
وركب فيه قوة غضبية
لدفع الأذى من موبقات البلية
وتمم فيه شهوة سبعية
لجلب مرادات له في الغريزة
فيثبت ما محبوبه لمراده
ويدفع ما مبغوضه لشكيمة
فكلفه الرحمن بالشرع بعدما
نفى عنه كل النقص في أصل خلقة
فلما سرى في مهمه النفس والهوى
وخاض بحار الجهل من غير ريبة
أنت رسل من عند باريه معلنا
مناهج ما أبدى لنفس منيرة
وأوجب إتباع الرسول على الورى
وكلفهم إثبات فرض وسنة
وبين أن الكل من عنده بدا
وطاعته حتم لكل البرية
قضى أزلا بالكفر والجهل والنوى
لبعض فلا ينفعه قفوى الشريعة
وآخر مفطور صفى معارض
إجازة كل المدركات بقوة
"""
صفحة رقم 362 """
ولم يعلم المقتضي علم قضائه
ليتبعه فيما أراد برأفة
ولكن لما مال نفس خسيسة
إلى عدم الإسلام والتبعية
أضاف إلى الباري إرادة فعله
وليس له علم بذا في الحقيقة
وأبقاؤها في الكفر ليس أمارة
على أنها من بابه بطريدة
فقد عاش شخص كافرا طول عمره
فأدركه سبق له بالسعادة
فأسلم ثم أمحى جلائل ذنبه
فصار بفضل الله من أهل جنة
وآخر في الإسلام أذهب عمره
بورد وأذكار وإكثار حجة
فأدركه سبق الكتاب بعلمه
فصيره من أهل ذل وشقوة
وهذا هو الحكم المحقق دائما
خفي على الألباب والألمعية
بيان وقوع الحكم من أول الدنا
إلى آخر الأعصار في كل ذروة
فيا أيها الذمي هل أنت عارف
بكفرك حتما عند أهل الشريعة
لتحكم أن الله بالكفر قاضيا
ولم يرضه حاشاه في كل ملة
إذا كان قاضي الكفر في بدء خلقه
فليس له تغيير حكم الإرادة
لقول نبي الله ما جف سابقا
لتحقيق ما أبدى بحكم المشيئة
فليس لنا جزم بأنك كافر
ولا حتم بالإسلام في كل حقبة
ولكن يبين الحكم قرب انتقاله
بآية خير أو بسوء الأمارة
فإن كنت من أهل السعادة آخرا
فما ضرك التهويد قبل الإنابة
وإن كنت من أهل الشقاوة واللظى
فلا لك نفع إن أتيت بتوبة
"""
صفحة رقم 363 """
طوف القدوم بأشرف البلدان مخصوص
به الرمل العري من الخمج
إن الوداع طوافه نسك فودع
طائفا يا من لبيت الله حج
يا من يفارق مكة ودع ولو
سفرا قصيرا كان ودعك الهوج
سرفا يحرمه وإن هو لم يكن
يا صاح في العصيان يأتيك الجرح
ويحل أكل زرافة وإن ادعى
تحريمها من كان من أهل الحجج
وتوقف الأستاذ في تحريم طاووس
كذا في الببغا فاقف النهج
ما بين والدة ونجل فرقة
بالرد من عيب حرام كالشنج
والشهد ليس يصح فيه عنده
ياذا الحجى سلم سلمت من الوهج
في أول للشهر أو في آخر
أسلم صحيح ذا فمن يسلم فلج
والحمل في هذا لجزء أول
من كل نصف حبذا قول بهج
في أرزهم في قشرة السفلى أسلم
جائز هذا كوردك من فلج
"""
صفحة رقم 363 """
فليس بمعلوم قضا الحكم جازما
ولا عدم الرضوان حتما لشقوة
بل أعطاك عقلا ثم فهما محققا
وأعلن منهاجا حوى كل خصلة
تشهد وجز تحت الشريعة مؤمنا
بقدرتك الخيرية المستخيمة
كما أنت مختار لنفسك كل ما
تحاوليه من مشبهات وشهوة
فإن لم تقل بالنسخ كنت مكذبا
بما جاء موسى من بيان وشرعة
لرفعهما أحكام من كان قبله
كتزويج بعض بين أخت بإخوة
وإن كنت بالنسخ المحقق قائلا
فتابع لشرع حاز كل مليحة
وإن قلت بالنسخ المخصص واقعا
فذا هو ترجيح بغير الأدلة
فهل أنت ساع إن أتتك خصاصة
بوسعك حوبيا لاتقاء جوعة
وهل أنت إن فاجاك فعل منافر
بقتل ونهب أو بشر وفتنة
تكون مضيفا كل ذاك حقيقة
إلى الخالق الرحمن في كل لحظة
وإن كنت مختارا لنفسك عزها
فبشر لها حتما بقول الشهادة
إذ الخاص ملزوم من العام مطلقا
يبين هذا في دلائل حكمة
وإن كنت تسعى في بلائك مسرعا
وتدفع ما لاقاك من كل هفوة
فلبست حينئذ بافك ولم تكن
بفعل إله راضيا بالحقيقة
"""
صفحة رقم 364 """
ثبتت لرب الشفع شفعته إلى
إسقاطه فأصخ لقول ذي نعج
ووفاة رب الرهن تبطل رهنه
من قبل قيض فاستمع ودع الهرج
وخيار تصرية يمد إلى مضي
ثلاثة أيام شهر من حجج
سير الأقارب لا يقر بذمة
كلا ولو بالفرض من قاض عرج
ولمؤجر كسح لبئر ما نقا
بالوعة هو لازم وإن زعج
ولئن وهبت الدين يا رب التقى
غير المدين يصح فاتبع من عمج
سفه المولى للولاية سالب
من غير حجر الحاكم العالي الدرج
لا ينظرن عبد إلى مولاته
حرم عليه ذا كمن غصب الجرح
كلا ولا الممسوح ينظر طرفه
للأجنبية إن تربص أو درج
إن عينت كفؤا وعين غيره
أعني الولي تجاب صاحبه البرج
وكذاك ينعقد النكاح نعم بمستور
فدع من قال لا ثم انحضج
والعسر قبل دخوله بالمهر لم
يثبت خيار الفسخ عن ذات الزجج
"""
صفحة رقم 364 """
دعاك ولم ينسد دونك بابه
فلج فيه واطلب منه خير الطريقة
فلو كنت مخلوقا لإسعار ناره
فلا نفع في إقفاء كل شريعة
رضاؤك في هذا كلا شيء هاهنا
لأنك مقبوض على شر قبضة
فأوجب رب الكائنات الرضا بما
قضاه وأبداه بعلم وقدرة
ولم يرض أن ترضى بمقضيه كذا
نهاك عن الفحشاء في كل لمحة
فليس الرضا عما نهاك رضاؤه
ولكن رضاه في اتباع الإرادة
لما لاح بعد الكون عند وجوده
لرؤية مكنون سرى في السجية
إذا شاء منك الكفر كنت معاندا
ولم تقبل الشرع الجليل بخشية
وجود الرضا حسب القضا منك لا رضا
فلا صدق في إقفاء حكم المشيئة
تناولك العمر القديم بصورة
لإمضاء حكم بل لتركيب حجة
فليس اختيار في خلاف قضائه
ولا عدل عن أحكامه لعزيمة
بل أعطاك حولا ثم كسبا محققا
وجاد بأنعام الفهوم العميمة
فما قلت يا ذمي قول مسفسط
فليس له عند العقول بعبرة
فلا دخل في قول الإله وفعله
فيختار ما يختار من كل فعلة
ولا نجح فيما رمت إذ هو حسرة
حوتها نفوس قسطها من شقاوة
جوابك يا ذمي أعداد ستة
وتسعين بيتا من جواهر صنعتي
تروم دحاض الحق ويحك طامعا
بأبياتك المدحوضة المستحيلة
إلهي تعطف وارحم العبد أحمدا
بطوس بدت فيها له من ولادة
"""
صفحة رقم 365 """
يخوض بحار العلم والحكم التي
هي الغاية القصوى بنور العناية
بما نال من أحوال رفعة شيخه
من الوجد والإجلال وقت الإنابة
أحاط بما أبدى من العلم والهدى
بتعريفه ذا من جلائل نعمة
فمن مال صدقا نحو حضرته التي
هي الملجأ الأقصى لكل سريرة
يحيط بأسرار وجل معارف
يكون سراها روح روح قريرة
أيا ناظرا في ذا الجواب لفهمه
تدبر بعلم لا تكن متفوت
وطبق معاني اللفظ من كل موطن
لإدراجنا فيه فضائل جمة
فلا تك ممن واخذ الغير قبل أن
يحقق ما أنشا بحسن الروية
تكون مسيئا عند من أوجد النهى
وخصصها بالفهم في كل ساعة
على سيد الكونين منا صلاته
نفوز بها يوم الجزاء بزلقة
جواب الشيخ علاء الدين القونوي الذي وعدت بذكره في ترجمته السابقة
حمدت إلهي قبل كل مقالة
وصليت تعظيما لخير البرية
وحاولت إبداع النصيحة منصفا
لمن طلب الإيضاح في حل شبهة
فأول ما يلقى إلى كل طالب
لتحقيق حق واتباع حقيقة
يزوع الذي في كل عقد وشبهة
يصد عن الإمعان في نظم حجة
وإلقاء سمع واجتناب تعنت
فلا خير في المستمحن المتعنت
إذا صح منك الجد في كشف غمة
بليت بها فاسمع هديت لرشده
صدقت قضى الرب الحكيم بكل ما
يكون وما قد كان وفق المشيئة
"""
صفحة رقم 366 """
وهذا إذا حققته متأملا
فليس يسد الباب من بعده دعوة
لأن من المعلوم أن قضاءه
بأمر على تعليقه بشريطة
يجوز ولا يأباه عقل كما ترى
حدوث أمور بعد أخرى تأدب
كما الري بعد الشرب والشبع الذي
يكون عقيب الأكل في كل مرة
وليس ببدع أن يكون معلقا
قضاء الإله الحق رب الخليقة
بكفرك مهما كنت بالبغي رافضا
تعاطي أسباب الهدى مع مكنة
فمن جملة الأسباب فيما رفضته
مع الأمر والإمكان لفظ شهادة
فأنت كمن لا يأكل الدهر قائلا
أموت بجوع إذا قضى لي بجوعتي
فلو أنتم أقبلتم بضراعة
إلى الله والدين القويم الطريقة
ووفيتم حسن التأمل حقه
وأحسنتم الإمعان في كل نظرة
لكان الذي قد شاءه الله من هدى
وليس خروج عن قضاء بحالة
ألا نفحات الرب في الدهر جمة
ولكن تعرض كي تفوز بنفحة
ولا تتكل واعمل فكل ميسر
لما هو مخلوق له دون ريبة
ولو كنت أدري أن ذهنك قابل
لفهم كلام ذي غموض ودقة
لأشبعت فيه القول بسطا محققا
على نمطي علمي كلام وحكمة
ولكنما المقصود إقناع مثلكم
فهناك قصيرا من فصول طويلة
ولولا ورود النهي عن هذه التي
سألت لصار الفلك في وسط لجة
فها أنا أطوي ما نشرت بساطه
وأستغفر الله العظيم لزلتي
"""
صفحة رقم 367 """
1395
علي بن محمد بن علي بن وهب بن مطيع محب الدين بن شيخ الإسلام تقي الدين
مولده بقوص سنة سبع وخمسين وستمائة
وسمع من والده وغيره وحدث بالقاهرة
وكان فقيها فاضلا درس بالفاضلية والكهارية والسيفية بالقاهرة
وعلق عل التعجيز شرحا لم يكمله
توفي سنة ست عشرة وسبعمائة
1396
علي بن محمد بن محمود بن أبي العز بن أحمد بن إسحاق بن إبراهيم ظهير الدين الكازروني البغدادي
مولده سنة إحدى عشرة وستمائة
وسمع الحديث من الأمير أبي محمد الحسن بن علي بن المرتضى وأبي عبد الله محمد ابن سعيد الواسطي وغيرهما
وكان حيسوبا فرضيا مؤرخا شاعرا
"""
صفحة رقم 368 """
وله كتاب النبراس المضيء في الفقه وكتاب المنظومة الأسدية في اللغة وكتاب روضة الأريب في التاريخ
وله شعر حسن
توفي في حدود السبعمائة
1397
علي بن هبة الله بن أحمد بن إبراهيم بن حمزة نور الدين بن الشهاب الأسنائي
أخذ الفقه عن الشيخ بهاء الدين القفطي والشيخ جلال الدين الدشناوي بالصعيد
وسمع الحديث من الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وحفظ مختصر مسلم للحافظ المنذري ودرس بقوص
وتوفي بها سنة سبع وسبعمائة
"""
صفحة رقم 369 """
1398
علي بن محمد بن منصور بن داود الأرجيشي
نسبة إلى أرجيش بالفتح ثم السكون وكسر الجيم وتاء ساكنة وشين معجمة قال ياقوت في معجم البلدان هي مدينة قديمة من نواحي أرمينية الكبرى
تفقه للشافعي وأقام بحلب معيدا بمدرسة الزجاجين قانعا باليسير من الرزق فإذا زيد شيئا لم يقبله ويقول في الواصل إلي كفاية وكان مقدار ذلك اثنى عشر درهما
قام لقيته وأقمت معه بالمدرسة فوجدته كثير العبادة والصمت
"""
صفحة رقم 370 """
1399
علي بن يعقوب بن جبريل
الشيخ نور الدين البكري
أبو الحسن المصري
كان يذكر نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه
سمع مسند الشافعي من وزيره بنت المنجا
وصنف كتابا في البيان
وكان من الأذكياء سمعت الوالد رحمه الله يقول إن ابن الرفعة أوصى بأنه يكمل شرحه على الوسيط
وكان رجلا خيرا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وقد واجه مرة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون بكلام غليظ فأمر السلطان بقطع لسانه فحكى إلى الوالد رحمه الله فيما كان يحكيه من محاسن الشيخ صدر الدين بن المرحل وقوة جنانه أنه بلغه
"""
صفحة رقم 371 """
الخبر وهو في زاوية السعودي فركب حمارا وصعد في الحال إلى القلعة فرأى البكري وقد أخذ ليمضي فيه ما أمر به السلطان فاستمهل صاحب الشرطة ثم صعد الإيوان والسلطان جالس بغير إذن وأخذ في النحيب والبكاء ولم يزل يشفع فيه ويضرع حتى قبل السلطان شفاعته فيه وخرج سالما والقضاء حضور لا يقدر واحد منهم أن يواجه السلطان بكلمة لشدة ما كان حصل للسلطان من الغيظ
توفي البكري في سابع شهر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وسبعمائة
ومولده سنة ثلاث وسبعين وستمائة
1400
عمر بن أحمد بن أحمد بن مهدي المدلجي الشيخ عز الدين النشائي
كان فيها كبيرا ورعا صالحا
درس بالفاضلية والكهارية بالقاهرة
وسمع من الحافظ شرف الدين الدمياطي وغيره
وله إشكالات على الوسيط وفوائد كثيرة
"""
صفحة رقم 372 """
وعليه تفقه شيخنا مجد الدين الزنكلوني
توفي بمكة في ذي الحجة سنة ست عشرة وسبعمائة
1401
عمر بن محمد بن عبد الحاكم بن عبد الرزاق
شيخنا قاضي القضاة زين الدين أبو حفص ابن البلفيائي
جبل فقه منيع يرد عنه الطرف وهو كليل وفارس بحث يناديه لسان الإنصاف ما على المحسنين من سبيل وطود علم رسا أصله تحت الثرى وسما به إلى النجم فرع لا ينال طويل
مجموع لشوارد الفقه جموع وأصل موضوع متكاثر الفروع
مولده بعد الثمانين والستمائة
"""
صفحة رقم 373 """
وسمع من أبي المعالي الأبرقوهي وعلي بن محمد بن هارون وعلي بن عيسى بن القيم وغيرهم
وقد خرجت له أيام تفقهي عليه أجزاء من مروياته حدث بها
وكان الوالد يجله ويعظمه في الفقه كان بين يدي الوالد في دروس القاهرة ثم ولي قضاء القضاة بحلب فأقام بها أشهرا ثم صرف عنها وفيه يقول إذ ذاك الشيخ زين الدين ابن الوردي
كان والله عفيفا نزها
وله عرض عريض ما اتهم
وهو لا يدري مدارة الورى
ومداراة الورى أمر مهم
وورد دمشق فولاه الوالد تدريس المدرسة النورية بحمص فأقام بها مدة ثم دخل مصر وحضر الدروس على عادته ثم ولي قضاء البر ثم ولي قضاء صفد فحضر إليها وبها توفي في أول شهر ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وسبعمائة
وله شرح على مختصر التبريزي ذكر فيه لنفسه مباحث يسيرة
1402
عمر بن مظفر بن محمد بن أبي الفوارس
الشيخ الفقيه الأديب النحوي
زين الدين ابن الوردي
تفقه على قاضي القضاة شرف الدين البارزي
وولي القضاء في بلاد حلب ثم ترك وأقام بحلب
"""
صفحة رقم 374 """
ومن تصانيفه نظم الحاوي وهو حسن جدا وله فوائد فقهية منظومة وأرجوزة في تعبير المنامات واختصار ملحة الإعراب وغير ذلك وشعره أحلى من السكر المكرر وأغلى قيمة من الجوهر
توفي في سابع عشري من ذي الحجة سنة تسع وأربعين وسبعمائة بحلب في الطاعون
وله في الطاعون رسالة بديعة
أنشدنا لنفسه إجازة
لا تقصد القاضي إذا أدبرت
دنياك واقصد من جواد كريم
كيف ترجي الرزق من عند من
يقضي بأن الفلس مال عظيم
وأيضا
قلت وقد عانقته
عندي من الصبح قلق
قال وهل يحسدنا
قلت نعم قال انفلق
وأيضا
لما رأى الزهر الشقيق انثنى
منهزما لم يستطع لمحه
"""
صفحة رقم 375 """
وقال من جا فقلنا له
جاء شقيق عارضا رمحه
وأيضا
دهرنا أمسى ضنينا
باللقا حتى ضنينا
يا ليالي الوصل عودي
واجمعينا أجمعينا
وأيضا
رأيت في الفقه سؤالا حسنا
فرعا على أصلين قد تفرعا
قابض شيء برضا مالكه
ويضمن القيمة والمثل معا
يعني إذا استعار المحرم صيدا فأتلفه فإنه يلزمه القيمة لمالكه والمثل لله تعالى
وأيضا
وأغيد يسألني
ما المبتدا والخبرا
مثلهما لي مسرعا
فقلت أنت القمر
وأيضا
من ترى علمها على مهى
وحشاها من نفار من حشاها
ضرة للشمس والبدر فلو
أدركتها ضرتاها ضرتاها
"""
صفحة رقم 376 """
بك يا عاشق منها شبهة
لو أباحت لك فاها لكفاها
وسويداؤك فيها غلة
لو تدانت شفتاها شفتاها
غض من طرفيك إن قابلتها
كل نفس مقتلاها مقتلاها
ليس يدري الأمر من لم يرها
ودرى من قد رآها قدر آها
وله أيضا في مليح خليفة
يا أمير المؤمنين اعطف ولا
تحتجب عنا بمن قد شرفك
لو كشفت الستر قبلنا الثرى
وترحمنا على من خلفك
وله أيضا
علقت أعرابية ريقها
شهد ولي عذاب مذاب
طرفي بها نبهان والرأس من
شيبان والعذال فيها كلاب
وأيضا في مليح نصراني
قال زنار خصره
كم كذا ترجع البصر
قلت لا تنفرد به
لك شد ولي نظر
وله أيضا دوبيت
إن بكت لي الوشاة عينا عينا
من مثلك نحوهم وحرنا حرنا
"""
صفحة رقم 377 """
أو شبهك الأنام غصنا غصنا
في لومهم فأنت معنى معنا
وأيضا موشح
مذهبي حب رشا ذي جسد مذهب
قد حبي حسنا به يستعذب القدح بي
عاذلا ما أنت فيما قلته عادلا
سائلا يخبرك دمع قد همى سائلا
أه لا تعذل فما قلبي لذا آهلا
منصبي والعقل أذهبتهما من صبي
ما ربي إلا وقد ربي به ما ربي
1403
عمر بن أبي الحرم بن عبد الرحمن بن يونس الشيخ زين الدين ابن الكتاني
الفقيه الأصولي شيخ الشافعية الشيخ زين الدين
ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة
"""
صفحة رقم 378 """
وحدث عن ابن عبد الدائم بالإجازة وقرأ أصول الفقه على البرهان المراغي بدمشق وأقام بدمشق مدة ثم انتقل إلى مصر وتولى قضاء المحلة فانصرف إليها وأقام بها مدة ثم عاد إلى القاهرة ودرس للمحدثين بالقبة المنصورية وشاع اسمه حتى ضربت به الأمثال
وكان قد ولع في آخر عمره بمناقشة الشيخ محيي الدين النووي وأكثر من ذلك وكتب على الروضة حواشي وقف والدي أطال الله عمره على بعضها وأجاب عن كلامه
توفي بمسكنه على شاطئ النيل في خامس عشر شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
وكان بينه وبين الشيخ الإمام الوالد رحمه الله ما يكون بين الأقران ولم يحفظ أحد عن الشيخ الإمام في حقه كلمة سوء وقد كان الشيخ الإمام رحمه الله لا يغتاب أحدا لا ابن الكتاني ولا غيره
وحدثني الشيخ ناصر الدين محمد بن محمود البساسي أعاد الله علينا من بركاته قال جرت بينهما مناظرة فنقل الشيخ الإمام عن الشيخ أبي إسحاق مسألة في الأصول ثم انصرفا قال ناصر الدين فرآني ابن الكتناني فقال لي قل لصاحبك يعني الشيخ الإمام الذي نقلته عن الشيخ ليس هو في اللمع
قال ناصر الدين فجئت فوجدت الشيخ الإمام راكبا فحدثته فقال هات دواة فأخذت له دواة من الكتاب فكتب
سمعت بإنكار ما قلته
عن الشيخ إذ لم يكن في اللمع
ونقلي لذلك من شرحه
وخير خصال الفقيه الورع
"""
صفحة رقم 379 """
لو وقفت على شرح اللمع لما أنكرت النقل فانظره فإنه كتاب نافع مفيد
حدثني الشيخ ناصر الدين قال هذا كان جوابه فأعدته على ابن الكتناني فسكت
وكان ابن الكتناني أسن من الشيخ الإمام ثم حصل للشيخ الإمام من الرواج والشهرة والعظمة في أنفس الناس ما هو جدير بأضعافه فصار بهذا السبب عند الثلاثة ابن الكتناني وابن عدلان وابن الأنصاري ما يكون بين أهل العصر ولم يكن فيهم إلا من هو أعلى سنا من الشيخ الإمام رحمهم الله
1404
عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن المخزومي مجد الدين ابن الخشاب
تفقه على شيخ الإسلام عز الدين ابن عبد السلام
وسمع من أصحاب البوصيري
وحدث بالقاهرة وولي الحسبة بالقاهرة ووكالة بيت المال ونظر الأحباس وتدريس زاوية الشافعي وتدريس الناصرية وتدريس القراسنقرية
وكان فقيها فاضلا
توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة وسبعمائة
"""
صفحة رقم 380 """
1405
فرج بن محمد بن أبي الفرج الشيخ نور الدين الأردبيلي
قرأ المعقولات بتبريز وتخرج بالشيخ فخر الدين أحمد بن الحسن الجاربردي
ثم قدم دمشق وأعاد بالبادرائية مدة ثم درس بالظاهرية البرانية ثم درس بالناصرية الجوانية والجاروخية ومات عنهما
وشغل الناس بالعلم وأفاد الطلبة
وشرح منهاج البيضاوي في أصول الفقه وشرح من منهاج النووي قطعة جيدة وقد أرسل إلي بعضها لأقف عليه فوقفت عليه
وكان فاضلا مجموعا على نفسه من أكثر أهل العلم اشتغالا بالعلم وكان ذا همة في الطلب عالية قال لي إنه كان يقرأ بتبريز الكشاف على شيخ من فضلائها وإنه كان يروح إليه في كل يوم من تبريز الصبح فيصل قريب الظهر لأن منزله كان بعيدا عن البلد وما زال حتى أكمله قراءة عليه
وحكى لي أنه وقف في بلاد العدم على كتاب للرافعي صنفه في سفرته إلى الحج سماه الإيجاز في أخطار الحجاز
"""
صفحة رقم 381 """
وأن الرافعي قال فيه خطر لي أن من سمع المؤذن وأجابه وصلى في جماعة ثم سمع مؤذنا ثانيا لا يجيبه لأنه غير مدعو بهذا الأذان
وهذا بحث صحيح ومأخذ حسن ومنه يؤخذ أنه لو لم يصل استحب له الإجابة لأنه مدعو به
وهذا المأخذ أحسن من تخريج المسألة على أن الأمر هل يقتضي التكرار
توفي الشيخ نور الدين بمدرسته الجاروخية في نهار الاثنين ثالث عشر جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين وسبعمائة ودفن بباب الصغير بدمشق
1406
القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي علم الدين أبو محمد الإشبيلي
الحافظ الكبير المؤرخ أحد الأربعة الذين لا خامس لهم في هذه الصناعة
ذكره الشيخ شهاب الدين بن فضل الله في المسالك فقال ممن ولدته دمشق والفحل فحل معرق وأوجدته الأيام فسطع ضوؤها المشرق وتمخضت منه الليالي عن واحدها واحد أهل المشرق ومشى فيها على طريق واحد ما تغير عن سلوكها ولا تقهقر في سلوكها
انتهى
"""
صفحة رقم 382 """
قلت مولده في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وستمائة
وسمع سنة ثلاث وسبعين وستمائة وهلم جرا فجمع معجمه العدد الكثير والجم الغفير منهم أبوه وأحمد بن أبي الخير وابن البخاري وابن علان والقاسم الأربلي وابن الدرجي ومن يطول ذكرهم
وكان مفيد جماعة المحدثين على الحقيقة
ولما ورد الوالد إلى الشام في سنة ست وسبعمائة كان هو القائم بتسميعه على المشايخ واستقرت بينهما صحبة فلما عاد الوالد إلى الشام في سنة تسع وثلاثين في رجب قاضيا لازمه الشيخ علم الدين إلى أوان الحج فحج ومات محرما في خليص في رابع ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
أنشدنا القاضي شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله إذنا قصيدته التي رثاه بها ومنها
قد كان في قاسم من غيره عوض
فاليوم لا قاسم فينا ولا قسم
من لو أتى مكة مالت أباطحها
به سرورا وجادت أفقها الديم
أقسمت منذ زمان ما رأى أحد
لقاسم شبها في الأرض لو قسموا
هذا الذي يشكر المختار هجرته
والبيت يعرفه والحل والحرم
ما كان ينكره رمي الحطيم به
لو أخر العمر حتى جاء يستلم
له إليه وفادات تقر بها
جبال مكة والبطحاء والأكم
محدث الشام صدقا بل مؤرخه
جرى بهذا وذا فيما مضى القلم
"""
صفحة رقم 383 """
يا طالب العلم في الفنين مجتهدا
في ذا وهذا ينادى المفرد العلم
منها
وحقق النقد حتى بان بهرجه
وصحح النقل حتى ما به سقم
وعرف الناس كيف الطرق أجمعها
إلى النبي فما حاروا ولا وهموا
وعلم الخلق في التاريخ ما جهلوا
وبعض ما جهولا أضعاف ما علموا
يريك تاريخه مهما أدت به
كأن تاريخه الآفاق والأمم
أخبرنا القاسم بن محمد الحافظ إذنا بياض
1407
محمود بن بي القاسم عب الرحمن بن أحمد بن محمد الأصبهاني
شيخنا الإمام شمس الدين أبو الثناء
ولد بأصبهان سنة أربع وسبعين وستمائة
وبرع في فنون العقليات وقدم دمشق فدرس بالرواحية ثم قدم مصر فدرس بالمعزية وأقام بها إلى حين وفاته
"""
صفحة رقم 384 """
وله التصانيف الكثيرة شرح مختصر ابن الحاجب وشرح الطوالع وشرح المطالع وناظر العين وغيرها وشرع في تفسير كبير لم يتمه أوقفني على نفسه
توفي في ذي القعدة سنة تسع وأربعين وسبعمائة بطاعون مصر
1408
محمود بن علي بن إسماعيل القونوي الشيخ محب الدين
ولد قاضي القضاة علاء الدين
درس بالمدرسة الشريفية بالقاهرة سنين كثيرة وكان فقيها فاضلا
مولده سنة تسع عشرة وسبعمائة
وصنف شرحا على مختصر ابن الحاجب وتصحيحا للحاوي الصغير ذكر فيه تصحيحات الرافعي والنووي
توفي في يوم الأربعاء ثامن عشري شهر ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وسبعمائة بالقاهرة ودفن بباب النصر
"""
صفحة رقم 385 """
1409
محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة
الخطيب جمال الدين أبو الثناء المحجي الأصل
من قرية محجة بفتح الميم والحاء والجيم المشددة ثالثا من ناحية زرع
الصالحي المولد من صالحية دمشق
مولده تقريبا سنة سبع وسبعمائة
سمع الحديث من يحيى بن محمد بن سعد وجماعة غيره
واشتغل على عمه قاضي القضاة جمال الدين يوسف
ولما ولي عمه قضاء القضاة بالشام نزل له عن إعادة المدرسة القيمرية بدمشق واستنابه في الحكم فحكم يوما واحدا ثم صرف واستمر على إعادة القيمرية وإعادة مدرسة أم الصالح وإفادة الشامية الجوانية إلى أن مات الشيخ سيف الدين الحريري مدرس الظاهرية البرانية فولي تدريسها واستمر بها إلى طاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة توفي الخطيب تاج الدين ولد قاضي القضاة جلال الدين القزويني فولاه نائب الشام أرغون شاه خطابة الجامع المذكور فاستمر بها إلى أن مات متعففا متصونا دينا مجموعا على طلب العلم
وذكر لي أن له تعاليق في الفقه والحديث
"""
صفحة رقم 386 """
مات يوم الاثنين العشرين من شهر رمضان سنة أربع وستين وسبعمائة وصلي عليه من الغد بالجامع الأموي ودفن بالصالحية وكان جمعا مشهودا قل أن رأيت نظيره حضرت الصلاة عليه ودفنه رحمه الله تعالى
ووقعت عندي في المحاكمات مسألة اقتضى نظري فيها أمرا حكمت به ووافقني جماعة من المفتين فرفعت إليه فتيا فيها فخالف في ذلك وأنا ذاكر كلامي وكلامه هنا فأقول بياض
1410
محمود بن مسعود بن مصلح الفارسي الإمام قطب الدين الشيرازي
صاحب التصانيف شرح مختصر ابن الحاجب وشرح مفتاح السكاكي وشرح الكليات وغيرها
تخرج على النصير الطوسي وبرع في المعقولات ولازم بالآخرة الحديث سماعا ونظرا في جامع الأصول وشرح السنة للبغوي وما أشبه ذلك
مولده بشيراز سنة أربع وثلاثين وستمائة
ودخل بغداد ودمشق ومصر واستوطن بالآخرة تبريز وانقطع عن أبواب الأمراء إلى أن مات في شهر رمضان سنة عشر وسبعمائة
"""
صفحة رقم 387 """
1411
هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم ابن هبة الله الجهني
قاضي القضاة شرف الدين ابن البارزي
قاضي حماه
ولد في خامس رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة بحماه
وسمع من أبيه وجده والشيخ عز الدين الفاروثي والشيخ جمال الدين بن مالك وجماعة
وأجازه الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ ندم الدين البادرائي والحافظ رشيد الدين العطار وأبو شامة وطائفة
انتهت إليه مشيخة المذهب ببلاد الشام وقصد من الأطراف وكان إماما عارفا بالمذهب وفنون كثيرة
له التصانيف الكثيرة منها شرح الحاوي والتمييز وترتيب جامع
"""
صفحة رقم 388 """
الأصول والمغنى ومختصر التنبيه والوفا في سرائر المصطفى ( صلى الله عليه وسلم )
ذكره شيخنا الذهبي في المعجم المختص وقال كان عديم النظير له خبرة تامة بمتون الأحاديث وانتهت إليه رياسة المذهب
توفي في وسط ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
أخبرنا هبة الله بن عبد الرحيم الفقيه إذنا وأخبرنا عنه أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه قال أخبرنا جدي أبو طاهر سنة تسع وخمسين وستمائة أخبرنا إبراهيم ابن المظفر البرني سنة ست وتسعين وخمسمائة بالموصل أخبرنا عبد الله بن أحمد النحوي ويوسف بن محمد بن مقلد قال عبد الله أخبرنا محمد بن الحسين السمناني وقال الآخر أخبرنا عمر بن إبراهيم التنوخي قالا أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي أخبرنا ابن محمش أخبرنا محمد بن الحسن المحمدابادي حدثنا أحمد بن يوسف حدثنا عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( العمرتان تكفران ما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )
"""
صفحة رقم 389 """
أخرجه مسلم والترمذي من طريق الثوري هذه
أفتى قاضي القضاة شرف الدين باستحباب إجابة الأذان الأول للجمعة وهو ما أفتى به الشيخ عز الدين بن عبد السلام في الفتاوي الموصلية
وقد نقل الشيخ أبو حامد عن النص كراهة الأذان الأول لها
وأفتى القاضي شرف الدين باستحباب إجابة المؤذن في الترجيع
وبأنه إذا شهد عليه رجل وامرأتان وأعطاهم أجرة يأخذ الرجل النصف والمرأتان النصف لكل منهما الربع قياسا على ما إذا شهدوا على رجل بحق مال ورجعوا يغرم الرجل النصف وكل من المرأتين الربع
وبأنه إذا وكله في الطلاق فطلق في زمن الحيض ينفذ
وبأنه إذا كان شخص نائبا في جهتين عن شخصين لم يكن له أن يطلب غريما من إحدى الجهتين إلى الأخرى وإن كان نافذ الحكم فيهما لأنه فرع عن ذينك وكل منهما لا يقدر على الطلب فكيف يجوز له مالا يجوز لأصله
وبأن النذر قربة
وبأن القاضي إذا أحرم لا يمتنع نوابه عن العقد
واستدرك قول الأصحاب أن ما يقبل التعليق من التصرفات يصح إضافته إلى بعض محل ذلك التصرف كالطلاق والعتاق ومالا فلا كالنكاح والرجعة إلا في مسألة واحدة وهي الإيلاء فإنه يقبل التعليق ولا تصح إضافته إلى بعض المحل إلا الفرج
فقال بقيت مسألة أخرى وهي الوصية فإنه يصح تعليقها ولا يصح أن تضاف إلى بعض المحل ذكره في التمييز
"""
صفحة رقم 390 """
ولك أن تقول بقيت مسائل أخر منها أن تعليق الفسخ لا يجوز كما ذكره الرافعي في نكاح المشركات
وإذا اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيبا وقلنا لا يجوز إفراد المعيب بالرد فلو رده كان ردا لهما على وجه
ومنها الكفالة لا يصح تعليقها ويصح أن تضاف إلى بعض المحل على خلاف فيهما
ومنها يصح تعليق التدبير ولو قال دبرت يدك أو رجلك لم يصح التدبير على وجه
ومنها لا يصح تعليق الرجوع في التدبير إن قلنا يرجع بالقول فيه كما جزم به الرافعي
ولو قال رجعت في رأسك فهل يكون رجوعا في جميعه فيه وجهان حكماهما الماوردي
ومنها لو قال إن دخلت الدار فأنت زان لا يكون قاذفا
ولو قال زنى قبلك أو دبرك كان قاذفا
وقال في كتابه التمييز ويرفع يقين الحدث لا الطهر بالظن وهذه المسألة ليست في الوجيز ولا في التعجيز وإنما هي شيء ذكره الرافعي وتبعه عليه صاحب الحاوي الصغير وكان لابن البارزي اعتناء تام بالحاوي الصغير فتبعه في هذا
"""
صفحة رقم 391 """
وقال لي الشيخ الإمام الوالد رحمه الله ذكر لي شيخنا ابن الرفعة قال لي شيخنا الشريف العباسي هذا المكان غلط في الرافعي ولم يفرق أحد بين المسألتين واليقين لا يرفع بالظن فيهما
1412
يحيى بن عبد الله بن عبد الملك أبو زكريا الواسطي
كان فقيها أصوليا له مصنف في الناسخ والمنسوخ
تفقه على والده
وحدث ببغداد ودرس بالمدرسة البرانية بواسط
وسمع من الفاروثي صحيح البخاري
توفي بواسط سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
1413
يحيى بن علي بن تمام بن يوسف السبكي
القاضي صدر الدين أبو زكريا
عم والدي رحمهما الله
تفقه على السديد والظهير التزمنتيين
"""
صفحة رقم 392 """
وقرأ أصول الفقه على الفقيه الشيخ أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي المالكي
وسمع الحديث من ابن خطيب المزة وغيره
وبرع في الفقه وأصوله وتولى قضاء بعض البلاد المصرية ثم درس بالمدرسة السيفية بالقاهرة واستمر بها إلى حين وفاته
توفي في سنة خمس وعشرين وسبعمائة ودفن بالقرافة
1414
يوسف بن إبراهيم بن جملة المحجي
من محجة من بلاد حوران الشام
قاضي القضاة جمال الدين
ولد سنة ست وثمانين وستمائة
وتفقه على الشيخ صدر الدين ابن المرحل ولازمه وبه عرف
وناب في الحكم بدمشق عن قاضي القضاة جلال الدين القزويني
ودرس بالدولعية ثم ولي قضاء القضاة بعد وفاة القاضي علم الدين الأخنائي
"""
صفحة رقم 393 """
واستمر إلى أن عمل عليه ووشي به إلى الأمير سيف الدين تنكز فعزل واعتقل بالقلعة ظلما ثم أفرج عنه بعد أشهر وولي تدريس الشامية البرانية
ثم توفي قريبا في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
وكان من أقران القاضي فخر الدين المصري
1415
يوسف بن دانيال بن منكلي بن صرفا
القاضي بدر الدين ابن القاضي ضياء الدين
قاضي الشوبك
تفقه على الشيخ تاج الدين ابن الفركاح
وسمع من الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وابن البخاري وحدث بدمشق والكرك والشوبك
ومات في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة
1416
يوسف بن سليمان بن أبي الحسن بن إبراهيم الخطيب جمال الدين
الصوفي الشاعر
تفقه على مذهب الشافعي وقال النظم الفائق وكان سريع الجواب في النادر
"""
صفحة رقم 394 """
وله في الوالد رحمه الله مدائح جمة
وكان سريع الجواب حسن الابتدار رأيته وقد دخل إلى الوالد يوم جاء نعي الشيخ ابن حيان فقال له الوالد رحمه الله
خبر أتى على شيخنا الأستاذ
أجب فقال له
كان ابتداء تفتت الأكباد
ثم انصرف إلى منزله وعاد آخر النهار وقد كمل عليه مرثية حسنة ممزوجة بمدح الشيخ الإمام
ومن شعره في فرس أدهم
وأدهم اللون فاق البرق وانتظره
فغارت الريح حتى غيبت أثره
فواضع رجله حيث انتهت يده
وواضع يده أنى رنا بصره
شهم تراه يحاكي السهم منطلقا
وماله غرض مستوقف خبره
يعفر الوحش في البيداء فارسه
وينثني وادعا لم يستتر غيره
إذا توقل قطب الدين صهوته
رأيت ليلا بهيما حاملا قمره
"""
صفحة رقم 395 """
ومنه
كأن ضوء البدر لما بدا
ونوره بين غضون الغصون
وجه حبيب زار عشاقه
فاعترضت من دونه الكاشحون
توفي في شهر ربيع الآخر سنة خمسين وسبعمائة في طاعون دمشق
وكان قد رافقنا في الحج سنة سبع وأربعين وسبعمائة وسمعت منه ثم من نظمه مالا أحققه
1417
يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن علي بن عبد الملك ابن علي بن أبي الزهر الكلبي القضاعي الدمشقي
شيخنا وأستاذنا وقدوتنا
الشيخ جمال الدين أبو الحجاج المزي
حافظ زماننا حامل راية السنة والجماعة والقائم بأعباء هذه الصناعة والمتدرع جلباب الطاعة
"""
صفحة رقم 396 """
إمام الحفاظ كلمة لا يجحدونها وشهادة على أنفسهم يؤدونها ورتبة لو نشر أكابر الأعداء لكانوا يودونها
واحد عصره بالإجماع وشيخ زمانه الذي تصغي لما يقول الأسماع والذي ما جاء بعد ابن عساكر مثله وإن تكاثرت جيوش هذا العلم فملأت البقاع
جد طول حياته فاستوعب أعوامها واستغرق بالطلب لياليها وأيامها وسهر الدياجي في العلم إذا سهرها غيره في الشهوات أو نامها
ذكره شيخنا الذهبي في تذكرة الحافظ وأطنب في مدحه وقال نظر في اللغة ومهر فيها وفي التصريف وقرأ العربية وأما معرفة الرجال فهو حامل لوائها والقائم بأعبائها لم تر العيون مثله
انتهى
وذكره في المعجم المختص وأطنب ثم قال يشارك في الفقه والأصول ويخوض في مضايق المعقول فيؤدي الحديث كما في النفس متنا وإسنادا وإليه المنتهى في معرفة الرجال وطبقاتهم
انتهى
ولا أحسب شيخنا المزي يدري المعقولات فضلا عن الخوض في مضايقها فسامح الله شيخنا الذهبي
وقد قدمنا في ترجمة الشيخ الإمام الوالد أني سمعت شيخنا الذهبي يقول ما رأيت أحفظ منه وأنه بلغني عنه أنه قال ما رأيت أحفظ من أربعة ابن دقيق العيد والدمياطي وابن تيمية والمزي وترتيبهم حسبما قدمناه
وأنا لم أر من هؤلاء الأربعة غير المزي ولكن أقول ما رأيت أحفظ من ثلاثة المزي والذهبي والوالد على التفصيل الذي قدمته في ترجمة الوالد
"""
صفحة رقم 397 """
وعاصرت أربعة لا خامس لهم هؤلاء الثلاثة والبرزالي فإني لم أر البرزالي وكان البرزالي يفوقهم في معرفة الأجزاء ورواتها الأحياء وكانت الثلاثة تعظم المزي وتذعن له ويقرءون عليه ويعترفون بتقديمه
وبالجملة كان شيخنا المزي أعجوبة زمانه يقرأ عليه القارئ نهارا كاملا والطرق تضطرب والأسانيد تختلف وضبط الأسماء يشكل وهو لا يسهو ولا يغفل يبين وجه الاختلاف ويوضح ضبط المشكل ويعين المبهم يقظ لا يغفل عند الاحتياج إليه وقد شاهدته الطلبة ينعس فإذا أخطأ القارئ رد عليه كأن شخصا أيقظه وقال له قال هذا القارئ كيت وكيت هل هو صحيح وهذا من عجائب الأمور
وكان قد انتهت إليه رئاسة المحدثين في الدنيا
ومن ذكرناه من الثلاثة قد عرفناك أنهم مع علو رتبتهم يعترفون له أما الذهبي فثناؤه عليه قد أنبأناك به وقد ملأ تصانيفه وأما البرزالي فتلميذه وقارئه في دار الحديث الأشرفية وغيرها وأما الشيخ الإمام فلقد كان كثير الإجلال له كان الشيخ الحافظ يجيء في كثير من الأيام ومعه جماعة من الطلبة وجزء من سماع الشيخ الإمام وربما كان مما اشترك معه في سماعه فيقرأ على الشيخ الإمام وعليه والشيخ الإمام مع ذلك يعطيه من التعظيم ما هو مستحق له
ولقد حكى لي فيما كان يحكيه من تسكين فتن أهل الشام أنه عقب دخوله دمشق بليلة واحدة حضر إليه الشيخ صدر الدين سليمان بن عبد الحكم المالكي وكان الشيخ الإمام يحبه قال دخل إلي وقت العشاء الآخرة وقال أمورا يريد بها تعريفي بأهل دمشق
"""
صفحة رقم 398 """
قال فذكر لي البرزالي وملازمته لي ثم انتهى إلى المزي فقال وينبغي لك عزله من مشيخة دار الحديث الأشرفية قال الشيخ الإمام فاقشعر جلدي وغاب فكري وقلت في نفسي هذا إمام المحدثين والله لو عاش الدارقطني استحيي أن يدرس مكانه
قال وسكت ثم منعت الناس من الدخول علي ليلا وقلت هذه بلدة كبيرة الفتن
فقلت أنا للشيخ الإمام إن صدر الدين المالكي لا ينكر رتبة المزي في الحديث ولكن كأنه لاحظ ما هو شرط واقفها من أن شيخها لا بد وأن يكون أشعري العقيدة والمزي وإن كان حين ولي كتب بخطه بأنه أشعري إلا أن الناس لا يصدقونه في ذلك
فقال أعرف أن هذا هو الذي لاحظه صدر الدين ولكن من ذا الذي يتجاسر أن يقول المزي ما يصلح لدار الحديث والله ركني ما يحمل هذا الكلام
فانظر عظمة المزي عنده
وكنت أنا كثير الملازمة للذهبي أمضي إليه في كل يوم مرتين بكرة والعصر وأما المزي فما كنت أمضي إليه غير مرتين في الأسبوع وكان سبب ذلك أن الذهبي كان كثير الملاطفة لي والمحبة في بحيث يعرف من عرف حال معه أنه لم يكن يحب أحدا كمحبته في وكنت أنا شابا فيقع ذلك مني موقعا عظيما وأما المزي فكان رجلا عبوسا مهيبا
وكان الوالد يحب لو كان أمري على العكس أعني يحب أن ألازم المزي أكثر من ملازمة الذهب لعظمة المزي عنده
"""
صفحة رقم 399 """
وكنت إذا جئت غالبا من عند شيخ يقول هات ما استفدت ما قرأت ما سمعت فأحكي له مجلسي معه فكنت إذا جئت من عند الذهبي يقول جئت من عند شيخك وإذا جئت من عند الشيخ نجم الدين القحفازي يقول جئت من جامع تنكز لأن الشيخ نجم الدين كان يشغلنا فيه وإذا جئت من عند الشيخ شمس الدين ابن النقيب يقول جئت من الشامية لأني كنت أقرأ عليه فيها وإذا جئت من عند الشيخ أبي العباس الأندرشي يقول جئت من الجامع لأني كنت أقرأ عليه فيه وهكذا وأما إذا جئت من عند المزي فيقول جئت من عند الشيخ ويفصح بلفظ الشيخ ويرفع بها صوته وأنا جازم بأنه إنما كان يفعل ذلك ليثبت في قلبي عظمته ويحثني على ملازمته
وشغر مرة مكان بدار الحديث الأشرفية فنزلني فيه فعجبت من ذلك فإنه كان لا يرى تنزيل أولاده في المدارس وها أنا لم أل في عمري فقاهة في غير دار الحديث ولا إعادة إلا عند الشيخ الوالد وإنما كان يؤخرنا إلى وقت استحقاق التدريس على هذا ربانا رحمه الله فسألته فقال ليقال إنك كنت فقيها عند المزي
ولما بلغ المزي ذلك أمرهم أن يكتبوا اسمي في الطبقة العليا فبلغ ذلك الوالد فانزعج وقال خرجنا من الجد إلى اللعب لا والله عبد الوهاب شاب ولا يستحق الآن هذه الطبقة اكتبوا اسمه مع المبتدئين فقال له شيخنا الذهبي والله هو فوق هذه الدرجة وهو محدث جيد هذه عبارة الذهبي فضحك الوالد وقال يكون مع المتوسطين
هذا ما نعرفه في المزي من جهة علم الحديث
وكان كما قال الذهبي عارفا باللغة والتصريف وله مشاركة في الفقه ويخوض في شيء من مسائل الصفات في أصول الديانات ليته برئ منها
وأما المعقولات فلم يكن يدريها ولعل الذهبي خطر له أن ذلك القدر الذي كان
"""
صفحة رقم 400 """
يخوض فيه من أصول الديانات هو مضايق المعقولات وهذا ظن من لا يدري مدلول المعقولات وأنها علوم وراء علم الكلام يعرفها أهلها
وقال الذهبي في التذكرة إن المزي كان يقرر طريقة السلف في السنة فيعضد ذلك بقواعد كلامية ومباحث نظرية
قال وجرى بيننا مجادلات ومعارضات في ذلك تركها أسلم
انتهى
وليس المزي والذهبي عندنا في هذا المقام والحق أحق ما قيل وليت الذهبي فهم مدلول هذه الكلمات فإن قوله جرى بيننا معارضات في ذلك بقد قوله كان يعضد السنة كلام معناه أني عارضته في نصرة السنة فانظر لهذه العظيمة التي لو تفطن شيخنا لقائلها لأبعد عنها
واعلم أن هذه الرفقة أعني المزي والذهبي والبرزالي وكثيرا ما أتباعهم أضر بهم أبو العباس ابن تيمية إضرارا بينا وحملهم على عظائم الأمور أمرا ليس هينا وجرهم إلى ما كان التباعد عنه أولى بهم وأوقفهم في دكادك من نار المرجو من الله أن يتجاوزها لهم ولأصحابهم
وكان للمزي ديانة متينة وعبادة وسكون وخير
مولده في ليلة العاشر من شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة بظاهر حلب
"""
صفحة رقم 401 """
وسمع من أحمد بن أبي الخير سلامة والقاسم بن أبي بكر الإربلي وإبراهيم بن إسماعيل بن الدرجي وأبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر والمقداد بن هبة الله القيسي وعمر بن محمد بن أبي عصرون والمسلم بن محمد بن علان وأحمد بن شيبان وخلق بالشام
ورحل إلى مصر فسمع من العز عبد العزيز الحراني وابن خطيب المزة وغازي الحلاوي وخلق
وسمع ببلاد كثيرة وجمع له الدراية والرواية وعلو الإسناد وحدث نحو خمسين سنة
سمع منه ابن تيمية والبرزالي والذهبي وابن سيد الناس والشيخ الإمام الوالد وخلق لا يحصون
وصنف تهذيب الكمال المجمع على أنه لم يصنف مثله وكتاب الأطراف
وقد قرأت عليه وسمعت عليه الكثير
توفي في يوم السبت ثاني عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بدار الحديث الأشرفية ودفن بمقابر الصوفية
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة وحدثني عنه أبو الحجاج الحافظ عن مسعود الجمال أخبرنا أبو علي الحداد أخبرنا أبو نعيم حدثنا ابن خلاد حدثنا الحارث بن محمد حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد
"""
صفحة رقم 402 """
حدثنا معبد بن هلال حدثنا الحسن قال سمعت أنس بن مالك يقول قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في حديث الشفاعة ( يقول الله تعالى وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله ) أخرجه البخاري عن سليمان
أخبرنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المزي بقراءتي عليه أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري قراءة عليه ونحن نسمع أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد ابن زريق أخبرنا القاضي أبو الغنائم محمد بن علي بن علي بن الحسن بن الدجاجي أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد بن الحسن بن شاذان الحربي حدثنا
"""
صفحة رقم 403 """
أبو بكر القاسم بن زكريا المطرز المقري حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الضحاك بن مخلد عن سفيان عن طعمة بن غيلان عن الشعبي عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن أبا بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين لا تخبرهما يا علي ) أخرجه الترمذي عن يعقوب الدورقي عم ابن عيينة قال ذكر داود عن الشعبي عن الحارث الأعور عن علي رفعه
وابن ماجه عن هشام بن عمار عن ابن عيينة عن الحسن بن عمارة عن فراس عن الشعب عن الحارث به
من الفوائد عنه
كتب الشيخ الإمام الوالد رضي الله عنه من الديار المصرية يسأل شيخنا الحافظ المزي ما صورته ما يقول سيدنا وشيخنا الإمام العلامة الحافظ الناقد حجة أهل الحديث فريد دهره جمال الدين أبو الحجاج المزي نفع الله به في هلال بن رداد المذكور في آخر فترة الوحي في أول البخاري ما حاله
وفيما رواه النسائي في باب غسل الرجلين باليدين قال أخبرنا محمد بن
"""
صفحة رقم 404 """
بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة أخبرني أبو جعفر المدني سمعت ابن عثمان بن حنيف يعني عمارة قال حدثني القيسي وفي نسخة التيمي أنه كان مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الحديث ما حال هذا الإسناد
وكذلك جاء في حديث في أول غسل الرجلين في نسخة محمد بن آدم وفي نسخة محمود بن آدم ما الصواب من ذلك يحقق لنا ذلك والله يديم النفع به
الجواب بخط شيخنا الحافظ المزي الحمد لله وسلام على عباده الذي اصطفى أما هلال بن رداد هذا فهو الطائي ويقال الكناني الشامي الكاتب روى عن الزهري وروى عنه ابنه أبو القاسم محمد بن هلال بن رداد
قال محمد بن يحيى الذهلي في حديث الزهري عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس بن البكير عن ابن عباس وغيره في الطلاق حدثني به محمد بن مسلم الرازي قال حدثني أبو القاسم بن هلال بن رداد الطائي قال حدثنا أبي وكان من كتبة هشام قال سمعت ابن شهاب يقول وذكر الحديث
"""
صفحة رقم 405 """
قال الذهلي وكان هلال بن رداد الطائي أسوقهم للحديث باقتصاصه ولم يذكره البخاري في تاريخه ولا ابن أبي حاتم في كتابه وإنما ذكر ابنه محمد بن هلال بن رداد بن الكناني وقال فيه ابن أبي حاتم عن أبيه مجهول
وقال أبو بكر أحمد بن محمد بن عيسى البغدادي صاحب الحمصيين فيمن روى عن الزهري عن أهل حمص ورداد الطائي الكاتب لم يزد على ذلك فلا أدرى هو هذا أو أبوه
وأما أبو جعفر المدني المذكور في حديث النسائي فهو عمير بن يزيد الخطمي وهو ثقة وثقة يحيى بن معين وغيره وأخرج له أصحاب السنن الأربعة في كتبهم
وأما شيخه عمارة بن عثمان بن حنيف فلم يخرج له سوى النسائي أخرج له هذا الحديث وحديثا آخر
وأما القيسي فلا يعرف اسمه وقد أخرج حديثه هذا الإمام أحمد في مسنده هكذا ولم يسمه وكذلك ذكره الحافظ أبو القاسم بن عساكر في الأطراف
وأما النسخة التي وقع فيها التيمي فهو تصحيف
وأما محمد بن آدم فهو المصيصي روى عنه أبو داود أيضا وهو ثقة مشهور
ومحمود بن آدم تصحيف لا يعلم للنسائي ولا لغيره من الأئمة رواية عن محمود ابن آدم المروزي سوى ما حكى بعض من صنف في رجال البخاري أن محمود الذي روى
"""
صفحة رقم 406 """
عنه البخاري ولم ينسبه هو ابن آدم وقال غير واحد هو محمود بن غيلان وهو الصحيح
والله أعلم
وكتب الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور الحلبي إليه من مصر يسأله ما تقول في قول الحافظ مسلم رحمه الله في خطبة كتابه فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم كعبد الله بن مسور أبي جعفر المدائني وعمرو بن خالد من هو عمرو بن خالد هذا ففي الضعفاء رجلان كل منهما عمرو بن خالد أحدهما أبو يوسف الأعشى والثاني أبو خالد القرشي الكوفي ثم الواسطي
وفي الخطبة أيضا في هذا الضرب من المحدثين عبد الله بن محرر ويحيى بن أبي أنيسة والجراح بن المنهال أبو العطوف وعباد بن كثير وفي الضعفاء اثنان كل منهما عباد بن كثير أحدهما الثقفي والآخر الرملي فمن أراد مسلم منهما
وفيما إذا ورد حديث لعبد الرزاق عن سفيان عن الأعمش أي السفيانين هو وإن كان أكثر روايته عن الثوري فهل يكتفى بذلك أم يحتاج إلى زيادة بيان
وفي قول النسائي في مواضع أخبرنا محمد بن منصور أخبرنا سفيان عن الزهير وللنسائي شيخان كل منهما محمد بن منصور ويروى عن ابن عيينة أحدهما أبو عبد الله
"""
صفحة رقم 407 """
الجواز المكي والثاني أبو جعفر الطوسي العابد فمن الذي عناه النسائي منهما
وفي قول النسائي أيضا في أول كتابه تأويل قوله تعالى ) إذا قمتم إلى الصلاة ( ثم ساق حديث إذا استيقظ أحدكم من نومه ما وجه مطابقة إيراده لهذا الحديث بعد هذه الترجمة
وفيما إذا طلب من شخص أن يجيز لجماعة كتبوا في استدعاء وهو أحدهم كيف يكتب هل يطلق الإجازة على العادة أم يقيدها بما يخرج نفسه منهم
أجاب شيخنا الحافظ المزي عن ذلك بما ملخصه أما عمرو بن خالد الذي ذكره مسلم في مقدمة كتابه فهو الواسطي لأنه مشهور دون الأعشى وقد ذكره مسلم في معرض ضرب المثل وإنما يضرب المثل بالمشهور دون المغمور
وأما عباد بن كثير فهو الثقفي البصري العابد نزيل مكة لا الرملي والقول فيه كالذي تقدم وأيضا فإن الرملي مختلف في تضعيفه فإن يحيى بن معين وثقه في رواية ابن أبي خيثمة عنه وأخرج له البخاري حديثا في كتاب الأدب له
وأما سفيان الذي روى عنه عبد الرزاق فهو الثوري لأنه أخص به منه ابن عيينة ولأنه إذا روى عن ابن عيينة ينسبه وإذا روى عن الثوري فتارة ينسبه وتارة لا ينسبه وحين لا ينسبه إما أن يكتفي فكونه روى له عن شيخ لم يرو عنه ابن عيينة فيكتفي بذلك تمييزا وهو الأكثر وإما أن يكتفى بشهرته واختصاصه به وهذه القاعدة جارية في غالب من يروي عن سميين أو يروي عنه سميان
"""
صفحة رقم 408 """
وأما محمد بن منصور الذي يروي عنه النسائي ولا ينسبه فهو المكي لا الطوسي والقول فيه نحو القول في الذي قبله وقد روى النسائ عن الطوسي عن ابن المنذر إسماعيل بن عمر والحسن بن موسى الأشيب ويعقوب بن إبراهيم بن سعد وينسبه في عامة ذلك قال ولا أعلمه روى عنه عن ابن عيينة شيئا
وأما المطابقة بين الترجمة والحديث فإنه جرى على الغالب لأن غالب النوم يكون بالليل وغالب الاستيقاظ من نوم الليل يكون عند صلاة الصبح
وأما الكتابة في الإجازة فإن كتب على العادة كفى لأن العموم يجوز تخصيصه القرينة وهي موجودة هنا وإن قيد العبارة بحيث أخرج نفسه من المجاز لهم فهو أولى
والله أعلم
وهذه مواقف استدركها بعض محدثي العصر بديار مصر وهو الشيخ علاء الدين مغلطاي شيخ الحديث بالمدرسة الظاهرية بالقاهرة وانتقاها مما استدركه على كتاب تهذيب الكمال لشيخنا المزي وحضرت معي إلى دمشق لما جئت من القاهرة في سنة أربع وخمسين وسبعمائة لأسأل عنها الشيخ الإمام الوالد فأجاب عنها رحمه الله وقد كتبتها من خطه
قال رحمه الله أسئلة وردت من الديار المصرية مع ولدي عبد الوهاب في الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وسبعمائة
السؤال الأول
قال قال الحافظ المزي رحمه الله تبعا لصاحب الكمال همام بن يحيى بن دينار
"""
صفحة رقم 409 """
العوذي مولاهم المحلمي وعوذ بن سود بن الحجر بن عمرو بن عمران أخو طاحية وزهران من الأزد
انتهى
محلم لا يجتمع مع عوذ بحال لأنه قيسي وعوذ يمني على هذا جمع النسابين
وأما زهران فليس بأخ لعوذ بحال لأنه ابن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله ابن مالك بن نصر من الأزد
وأما عوذ فيزعم ابن سيده في كتابيه المخصص والمحكم وابن التياني في كتابه الموعب وأبو المعالي في كتابه المنتهى في اللغة أنه عوذة
قال الشيخ ذكره ابن حبان في كتاب الثقات قال مات سنة أربع وستين ومائة في رمضان
انتهى
الذي في كتاب الثقات مات سنة ثلاث أو أربع وستين ومائة في رمضان
الجواب قوله قال الحافظ المزي رحمه الله تبعا لصاحب الكمال يقتضي أنهما قالا ذلك وأن المزي قاله تبعا لصاحب الكمال فأما هذا فلا مناقشة فيه وإن
"""
صفحة رقم 410 """
كان يحتمل أنه قاله موافقة لا متابعة والفرق بينهما أن المتابعة أن يقول لأجل قوله ولم يتحقق ذلك
وأما كونهما قالاه فلفظ المزي عندي بخطه همام بن يحيى بن دينار العوذي المحملي أبو عبد الله ويقال أبو بكر البصري مولى بني عوذ بن سود ابن الحجر بن عمرو بن عمران أخو صاحية وزهران من الأزد
وأما الكمال فعندي نسخة معتمدة سمعها النووي علي الزين خالد الحافظ وخطهما عليها ولفظه همام بن يحيى بن دينار العوذي من بني عوذ ابن سود بن الحجر بن عمرو بن عمران أخو طاحية وزهران أبو عبد الله المحلمي ويقال أبو بكر البصري
فاللفظ المنقول عنهما في السؤال لم يوافق واحدا منهما في جميع ما قال بل خالف المزي فزاد مولاهم في الأول ونقصها في الأخير وجعل عوذا مبتدأ ونقص الهاء من آخره
وخالف صاحب الكمال فاسقط من بني وزاد من الأزد فالنقل عنهما غير محرر والمزي لم يوافق صاحب الكمال فضلا عن كونه تابعه
وقوله محلم لا يجتمع مع عوذ إنما يراد به لو ادعى أنه صليبة منهما وقد صرح المزي بأنه مولى بني عوذ فلا يمتنع مع ذلك أن يكون محلميا صليبة وممن قال
"""
صفحة رقم 411 """
إنه مولى بني عوذ ابن أبي حاتم وذكر في آخر كلامه أنه سمع أباه يقول ذلك وناهيك بهما والظاهر أن المزي أخذ منه فإنه عبارته
وقوله لأنه قيسي يعني محلميا فصحيح لأنه محلم بن ذهل بن شيبان ابن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى من دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان هذا هو الصحيح في نسبه ومنهم من يذكر غير ذلك
وقيس هو قيس عيلان بن مضر بن نزار فأطلق عليهم كلهم قيس وإن لم يكن بنو ربيعة ولا أولادهم من ولد قيس وربما أطلق قيس على كل من ينتسب إلى عدنان وعدنان من ولد إسماعيل عليه السلام بلا شك
وقال أبو علي الغساني من نسبه يعني همام بن يحيى في الأزد قال العوذي ومن نسبه في ربيعة بن نزار قال المحلمي الشيباني
وهذا الكلام يقتضي أن فيه خلافا وممن قال إنه محلمي شيباني ابن أبي حاتم وممن ذكر أنه محلمي ابن السمعاني في الأنساب
وقوله عوذ يمني صحيح بحسب النسب الذي وجده عوذ بن سود بن حجر
"""
صفحة رقم 412 """
ابن عمرو بن عمران بن عمرو مزيقياء الخارج من اليمن أيام سيل العرم بن عامر ماء السماء بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت ابن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان والأزد كلهم يمنيون وربما أطلق يمن على قحطان كلهم فيقال قحطان يمن وعدنان قيس ومرجع أنساب العرب كلهم إلى هذين الاسمين عدنان وقحطان
وقال وهو قضاعة والناس مختلفون في قضاعة قيل إنهم من معد بن عدنان وقيل قضاعة بن مالك بن حمير وقيل غير ذلك ولم يتحقق في قحطان وقضاعة قيل هم من ولد إسماعيل أو لا
وقال ابن السمعاني عن أحمد بن الحباب عوذ وعائذ وعياذ بنو سود وساق النسب لكنه أسقط عمرو بن عمران
وقد ذكر ابن سيده عائذا فقال عائذ الله حي من اليمن فإن كان هذا الذي قاله ابن سيده هو الذي قاله ابن الحباب فهو أخو عوذ
وقال ابن السمعاني عن ابن الحباب أيضا إنه قال في نسب كندة أبو الحرام
"""
صفحة رقم 413 """
ابن القمرط بن غنم بن عوذ بن عبيد بن بدر بن غنم بن أريش وعوذ مناة بن يقدم
انتهى كلامه
ويقدم بن يذكر بن عنزة بن أسد
وقال ابن ماكولا عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس وفي الرواة جماعة عوذيون أشهرهم بهذه النسبة همام بن يحيى صاحب الترجمة ومنهم معمر بن واسع العوذي وابنه عوذ بن معمر ثقة
ورأيت شجرة عملها بعض المتأخرين ووافق فيها ما ذكرناه عن ابن الحباب في نسب عوذ وقال فيه ابن عبيد بن زر بن أريش بن إراش بن جريلة بن لخم بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان
"""
صفحة رقم 414 """
ابن سبأ وضبط بخطه عبيد بفتح العين وأريش بفتح الراء وجريلة بفتح الجيم وكسر الراء
فهذه ثلاثة أقوال في نسب عوذ فعلى قول ابن ماكولا لا يمتنع أن يقال عوذ قيسي ويجتمع مع محلم وسيأتي عن ابن دريد ما يوافق ابن ماكولا
وفي الشجرة التي أشرت إليها عوذ من الأزد بن الحجر
ومن عنزة ومن بجيلة
وقوله زهران ليس بأخ لعوذ إن أورده على صاحب الكمال فإنما يراد أحرف نسبها وقد رأيت الاختلاف في نسب عوذ على أقوال وربما يكون فيه قول آخر
وأما نسب زهران المشهور القبيلة التي ينسب إليها كل زهراني فصحيح هو ابن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد
ورأيت في الشجرة المذكورة مع ذلك أن زهران بن الحجر بطن نقله عن أبي عبيد ومقتضاه أن يكون زهران آخر وأن يكون أخا عوذ أو عمه وينسب إليه
وأما زهران بن كعب فقبيلة عظيمة ينسب إلى من دونها كما يقال الدوسي ودوس بن عبد الله بن زهران بن كعب ومقتضاه أن يكون زهران آخر وأن يكون أخا عوذ أو عمه فلا يرد السؤال ولا يكون المراد به زهران الأول
"""
صفحة رقم 415 """
وإن أورده على المزي فهو لم يقل إن زهران أخو عوذ وإنما قال إن بني عوذ إخوة طاحية وزهران
وقوله عن ابن سيده وغيره إن أراد به إنكار عوذ فالنسابون قد ذكروه ونسبوه لا واحد ولا اثنان وكذا المحدثون
وقال ابن حبان عوذ الله
وقد تقدم من سمي من الرواة
ولم يقل ابن سيده إن ذلك الشخص يسمى عوذة حتى يكون اختلافا في اسمه وإنما قال وبنو عوذة من الأزد فيحتمل أن يكون عوذة أمهم ويحتمل أن يكون عرفوا بذلك وإن كان جدهم عوذا ويحتمل أن يكون عوذة واقتصر النسابون على عوذ لأنه المنسوب إليه والهاء تسقط
ورأيت في الشجرة التي أشرت إليها لما ساق نسبه كما قدمته عوذة وقيل عوذ وهذا يقتضي خلافا فيه
وقال أيضا عوذ بن أزد الحجر ومن بجيلة وإن عوذا من لخم وعائذ الله من ربيعة ومن مذحج وعائذة من ضبة ومن جذام وعبد الله بن مذحج وعبدة ابن جذام وعبد الله بن فهرة وكذا النسابون طاحية بن سود بن الحجر بطن من الأزد فلا إشكال أنه أخو عوذ وذكر منهم امرأ القيس بن المنذر بن النعمان بن امرئ القيس بن عتبة بن الحرام بن العمرط بن غنم بن عوذة وقيل عوذ بغير الهاء
وقال أبو بكر بن دريد في أماليه أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لرجل من
"""
صفحة رقم 416 """
بني هدم بن عوذ بن غالب ثم من بني عبس وذكر أبياتا وهذا عوذ آخر وهو موافق لما قدمناه عن ابن ماكولا ويقتضى أن يكون في قيس عوذ لأن عبسا من قيس إلا أنه قيل إن عبسا في قيس وفي مراد فالله أعلم بذلك يضعف ما أورده المعترض
وقوله في وفاته عن كتاب الثقات في رمضان فالذي رأيته في الثقات لابن حبان سنة ثلاث أو أربع وستين ومائة وليس فيها في رمضان لا كما قاله المزي ولا كما قاله المعترض عليه والنسخة التي رأيتها جيدة ولكن ذلك قريب وزيادة في رمضان إذا ثبتت في نسخة أخرى عمل بها وهي صحيحة لأن خليفة ابن خياط قال في شهر رمضان لكنه إنما قال سنة ثلاث وستين ومائة كذا رأيته في تاريخ خليفة
السؤال الثاني قال وقال أيضا عياض بن حمار ابن أبي حماري واسمه ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان نسبه خليفة كذا هو موجود بخط المهندس وقرأته على الشيخ
والذي رأيت في كتاب الطبقات لخليفة المكتوب عن تلميذه أبي عمران عنه ابن أبي حمار بغير ياء ابن ناجية بن عقال وكذا نقله عن خليفة أيضا أبو أحمد العسكري في كتاب الصحابة والباوردي أبو منصور وابن عبد البر
"""
صفحة رقم 417 """
والدارقطني وآخرون آخرهم ابن الأثير قال عياض بن حمار بن أبي حمار ابن ناجية كذا نسبه خليفة بن خياط
الجواب لفظ المزي في كتابه بخطه عندي عياض بن حمار المجاشعي التميمي من بني مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم له صحبة وهو عياض بن حمار بن أبي حمار بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان ابن مجاشع نسبه خليفة بن خياط
فالذي قاله المزي كما قاله غيره من الأئمة ونسخة من قال خلاف ذلك غلط
وهذه الترجمة في الجزء الرابع والستين من تهذيب الكمال وقد سمعه المهندس بقراءة جمال الدين رافع كما قلناه
وقد رأيت في طبقات المحدثين لخليفة ومن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ثم من بني مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ابن تميم عياض بن حمار بن أبي حمار بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم وأمه وطيفة
وذكر ابن حزم من هذه القبيلة الأقرع بن حابس بن عقال والفرزدق وامرأته النوار بنت أعين بن ضبيعة بن ناجية بن عقال
"""
صفحة رقم 418 """
السؤال الثالث قال وقال أيضا عيسى بن عبد الرحمن بن فروة الأنصاري الزرقي من ولد النعمان بن بشير
انتهى
النعمان من ولد سعد بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج فلا يجتمع مع زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج
الجواب كما ذكره المزي ذكره ابن أبي حاتم والخطيب في تاريخ بغداد
وقد ذكر الأزدي فقال عيسى بن عبد الرحمن الحكم بن النعمان بن بشير لكنه منكر غير معروف وعيسى بن عبد الرحمن الزرقي معروف ووالده عبد الرحمن ذكره شيخنا الحافظ النسابة في قبائل الخزرج وهو عبد الرحمن بن فروة بن أبي عبادة بن عثمان بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقياء فنسبه إلى بني زريق معروف ولا يمكن بعد ذلك أن يكون من ولد النعمان بن بشير إلا أن يكون من ولد البنات قد تكون أمه أو أم أبيه من ذرية النعمان فصح ذلك
وذكر البخاري عيسى بن عبد الرحمن عن الزهري وقال منكر الحديث
"""
صفحة رقم 419 """
قال وروى ابن لهيعة عن عيسى بن عبد الرحمن عن الزهري مقلوبا ولم يتعرض لكونه من ولد النعمان
وقد وقع من المعترض في نسب النعمان هنا تقصير كثير فإن النعمان ابن بشير ابن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد مناة بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأصغر بن الحارث بن الخزرج الأكبر الذي هو صاحب القبيلة والمعترض نقص فأوهم
والخزرج خزرجان الخزرج الأكبر بن حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء
والخزرج الأصغر بن الحارث بن الخزرج الأكبر ولكل من الخزرجين أن كعب وزيد مناة المذكور يقال له زيد أيضا
وابنه خلاس بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وقيل بضمها وتشديد اللام وقيل بالجيم المضمومة
وسعد هو جد النعمان ليس قبيلة
ولم يبين المعترض نسب عيسى بن عبد الرحمن فلو قال له قائل يحتمل أن يكون من ولد النعمان كما قال الأزدي ويكون زرقيا إما بالولاية وإما بغيره لم يجد عن ذلك جوابا
"""
صفحة رقم 420 """
والخزرج المذكور في نسب بني زريق هو الخزرج الأكبر فلا يقال ابنه جشم بابن ابن ابنه كعب
السؤال الرابع قال قال أيضا عيسى بن عبد الرحمن السلمي ثم البجلي وبجيلة من سليم
كذا هو بخط المهندس وقرأته على الشيخ والذي في سليم إنما هو بجلة بسكون الجيم من غير ياء بعدها على هذا النسابون حتى قال علي ابن حمزة البصري في كتاب التنبيهات على أغلاط الرواة أخبرني أبو حاتم السجستاني قال أنشد الأصمعي يوما قول عنترة
وآخر منهم أجررت رمحي
وفي البجلي معبلة وقيع
فناداه الأعرابي أخطأت يا شيخ إنما هو البجلي وما لعبس وبجيلة
قال أبو حاتم فسألت الأعرابي فما أراد عنترة قال أراد بجلة أولاد ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة
قال أبو حاتم فكان الأصمعي بعد ذلك لا ينشده إلا كما قال الأعرابي
وقال الهجري في نوادره وعلي وبهز وبجلة ولد ثعلبة بن بهثة بن سليم لا يزيدون أبدا على العشرة وقال في موضع آخر امتحنوا إلا نفرا يسيرا
"""
صفحة رقم 421 """
الجواب هذا اعتراض صحيح لأن بجلة بالسكون في سليم أمر مشهور ولأن السمعاني ذكر عيسى بن عبد الرحمن هذا في بجلة بالإسكان وهو رهط من سليم بعد ذكره بجيلة فالنسبتان معروفتان والرجل معروف والجوهري في الصحاح ذكر بجلة التي بالسكون والمزي اختصر الصحاح ولا يخفى عنه ذلك ولكن الوهم قل من يسلم منه على أن البخاري قال في تاريخه عيسى بن عبد الرحمن السلمي وقال محمد بن يحيى حدثنا سلم بن قتيبة حدثنا عيسى بن عبد الرحمن البجلي حي من بني سليم
وكذا قال ابن أبي حاتم
ولكنهما لم يعتدا بتحريك ولا إسكان فلعلهما اكتفيا بأن ذلك معلوم
وبجلة بالإسكان هو مالك بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان سموا بذلك باسم أمهم بجلة بنت هناءة بن مالك بن فهم من الأزد وهم قصية ومازن وفتيان أولاد مالك بن ثعلبة
"""
صفحة رقم 422 """
فما حكاه المعترض عن أبي حاتم وعن الهجري ليس فيه ثقات
وأما بجيلة بكسر الجيم وياء بعدها فالمشهور أنه ابن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث أخي الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ وقيل اسم أمهم وهي من سعد العشرية وأختها باهلة ولدتا قبيلتين عظيمتين وقد تفرقت في القبائل تفرقا كثيرا قال زياد الأعجم
لعمرك ما بجيلة من نزار
ولا قحطان فانظر من أبوها
وبعض القبائل يدخل بعضها في بعض فلذلك أقول يحتمل أن يكون أيضا في سليم أحد من بجيلة وقد دخل في سليم غاضرة وعاينة وهما من قضاعة وإنما دخلا في سليم فقيل ابنا سليم بن منصور بن عكرمة فلذلك لم أقطع بأن هذا خطأ محض
وبيت عنترة مضبوط هكذا في الأشعار الستة بالسكون وقبله
تركت جبيلة بن أبي عدي
يبل ثيابه علق نجيع
وجبيلة رجل من بجلة بالسكون وبجلة بالسكون من قيس وبجيلة بالياء من يمن
"""
صفحة رقم 423 """
وهما متباعدان وعنترة من بني عبس وعبس هو ابن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس فالتباعد بينه وبين بجيلة أي بين عنترة وبجيلة أشد فلذلك قال الأعرابي ذلك ما لعبس وبجلية أي ما لعنترة وبجيلة
ويصح أن يقول ما للمقتول وهو من قيس وبجيلة
وممن ينسب إلى بجلة بالسكون عمرو بن عبسة الصحابي وقبيصة بن وقاص الصحابي السلمي
وذكر خليفة أن بجلة ذكوان ومالكا ابنا ثعلبة بن بهثة
السؤال الخامس قال وقال أيضا الفضل بن العباس بن عبد المطلب قتل يوم اليرموك في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه
انتهى
الجواب الذي في كتاب المزي قال عباس الدوري عن يحيى بن معين قتل يوم اليرموك في عهد أبي بكر رضي الله عنه وقال غيره قتل يوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة وقال الواقدي مات بالشام في طاعون عمواس في عهد عمر رضي الله عنه
"""
صفحة رقم 424 """
فإن كان إيراد فعلى ابن معين لا عليه ودعوى الإجماع أن اليرموك في عهد عمر فممنوعة قد قال سيف إنها في عهد أبي بكر في صفر وشهري ربيع من سنة ثلاث عشرة لكن المشهور خلافه
وأجنادين في عهد أبي بكر بلا شك وذكرها خليفة في تاريخه وفيه عن أبي الحسن وأظنه الراوي عن الراوي عنه وعن ابن الكلبي أن الفضل توفي يومئذ ولعله يوم أجنادين استشهد وجاء إلى اليرموك فمات بها فإنها قريبة منها فيجتمع القولان ولا يكون المراد يوم اليرموك الذي هو في عهد عمر رضي الله عنه
السؤال السادس قال وقال أيضا الفضل بن يعقوب الرخامي قال محمد ابن مخلد وابن قانع مات سنة ثمان وخمسين ومائتين زاد ابن مخلد في أول شهر جمادى الأولى
انتهى
الذي في كتاب الوفيات لمحمد بن مخلد وفي خطه أنقل توفي في شهر جمادى الأولى وأما ابن قانع فقال في تاريخه كما قاله ابن مخلد مات في شهر جمادى الأولى فلا فرق بين القولين
الجواب قول المزي أول زيادة والزيادة من العدل مقبولة ودعه لا يكون في خط المصنف فلعله ألحقه في نسخة أخرى وسمعت منه وبها يفترق القولان
ويرد على جميعهم استعمال شهر في جمادى وهو خطأ
"""
صفحة رقم 425 """
السؤال السابع قال وقال طيسلة بن علي النهدي روى عن ابن عمر وعائشة روى عنه أيوب بن عتبة وعكرمة ويحيى بن أبي كثير وأبو معشر ثم قال طيلسة بن مياس السلمي ويقال النهدي روى عن ابن عمر روى عنه زياد ابن مخراق ويحيى بن أبي كثير كذا فرق بينهما وقال ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه والذي قبله في ترجمة واحدة
انتهى
وهو بنفسه يرد على نفسه لأن النسبة واحدة والمروي عنه واحد والراوي عنهما واحد فأي تفرقة تكون بينهما سوى الاختلاف في اسم الأب فقط ولو نظر كتاب أحمد بن هارون البرديجي لوجده قد بين ذلك بيانا شافيا فقال طيسلة بن مياس ومياس لقب وهو طيسلة بن علي روى عنه يحيى بن أبي كثير وزياد ابن مخراق
انتهى وممن جمع بينهما ولم يفردهما البخاري في تاريخه ويعقوب بن سفيان الفسوي في تاريخه الكبير وابن خلفون الأونبي وابن شاهين في كتاب الثقات فينظر من سلف الشيخ
الجواب إيضاح الجمع والتفريق من أحسن العلوم في الحديث وللخطيب فيه تصنيف ذكر للبخاري أربعة وسبعين وهما على ما زعم
والمزي ذكر طيسلة بن علي من مسائل أبي داود والراوي عنه فيه زياد فلم يتحد
"""
صفحة رقم 426 """
الراوي ومثل ذلك لا يحكم فيه بالاتحاد إلا بدليل وكان الأخلص ذكرهما ترجمتين ويقع الاتحاد في محل الاحتمال والبخاري وابن أبي حاتم ذكرا ترجمة واحدة ولم يحكما بالاتحاد
لكن ذكر الاختلاف وأشار إلى احتمال الاتحاد والافتراق ولكن كلام البرديجي متين حسن فيه زيادة فائدة والاعتراض إنما يكون على من يحكم بالاتحاد في محل الافتراق أو بالافتراق في محل الاتحاد أما من ينقل ترجمة واحدة كما فعل البخاري ويحكى الخلاف أو ترجمتين كما فعل المزي ويحكي الاختلاف فليس في الاعتراض عليه كبير أمر وإنما يكون زيادة فائدة إذا صحت وإلى الآن لم تصح
والمزي لم يرد على نفسه بنفسه بل قال كلام ابن أبي حاتم فالواو عطفا على كلامه إشارة إلى الخلاف وقول البرديجي قد لا يوافق عليه وهذا إنما قلناه لبيان أنه فيه احتمال ما والبرديجي إمام موثوق به والأولى الرجوع إلى قوله ما لم يتبين خلافه
السؤال الثامن قال وقال أيضا عبد الله بن أنيس الجهني قال أبو سعيد بن يونس توفي بالشام سنة ثمانين روى عنه من أهل مصر ربيعة بن لقيط تبعا لصاحب الكمال
انتهى
ابن يونس لم يقل هذا الكلام إلا في ترجمة عبد الله بن حوالة الأزدي بيانه أن أبا سعيد لما ذكر ابن أنيس قال صلى القبلتين وفي الحديث أنه غزا إفريقية وفيما روي عنه نظر وهو ابن أنيس بن أسعد بن حرام أبو يحيى القضاعي حليف الأنصار روى عنه معاذ
انتهى
"""
صفحة رقم 427 """
ثم ذكر بعده عبد الله بن قيس له صحبة مات سنة تسع وأربعين وبعده عبد الله بن شفي وبعده بورقة عبد الله بن حوالة الأزدي يكنى أبا حوالة قدم مصر مع مروان يروى عنه من أهل مصر ربيعة بن لقيط وذكر له حديثنا ثم قال توفي بالشام سنة ثمانين وكذا قاله في تاريخ الغرباء وكأن صاحب الكمال انقلبت عليه في تاريخ ابن يونس ورقة إن كان نقله من أصل
وكذا هو في نسختي من التاريخ ولعلها هي التي نقل منها لأن آخر الكلام في ابن أنيس آخر الورقة
وقوله روى عنه من أهل مصر أول الأخرى
والله أعلم
الجواب هذا أحسن الأسئلة مع ما فيه مما يرد عليه وعلى المزي أيضا
أما كونه أحسن الأسئلة فلأن ابن يونس لم ينقل تاريخ وفاة ابن أنيس وإنما نقل تاريخ وفاة ابن حوالة ويبعد جدا أن يكون ابن أنيس تأخر إلى سنة ثمانين لأنه شهد العقبة مع السبعين قبل الهجرة بسنة وأمره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة وقتل سفيان بن خالد بن نبيح الذي أراد أن يغزو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وإنما توفي في زمن معاوية قال ابن عبد البر سنة أربعة وخمسين وقال غيره سنة ثمان وخمسين
وأما ابن حوالة فقال ابن سعد وجماعة إن وفاته سنة ثمان وخمسين وقال ابن يونس يقال توفي عبد الله بن حوالة بالشام سنة ثمانين
فنقل هذا عن ابن يونس في ترجمة ابن أنيس التباس كما قاله المعترض
وأما ما فيه فمنه ما يرد على المزي وعلى المعترض في الحكاية عن ابن يونس
"""
صفحة رقم 428 """
وابن يونس لفظه كما حكيته لك يقال توفي ابن حوالة هكذا نقلته من نسخة من تاريخ ابن يونس بخط أبي عبد الله الصوري فنقل ذلك عن ابن يونس نفسه لا يتبع في ابن حوالة فضلا عن الانتقال منه إلى ابن أنيس فعلى المزي نقدان وعلى المعترض نقد واحد
ومنه على المعترض خاصة قوله عن المزي عن ابن يونس روى عنه ربيعة بن لقيط والمزي لم يقل ذلك عن ابن يونس بل عن نفسه وإن كان الحامل له على ذلك قول ابن يونس الذي انقلب عليه أو على صاحب الكمال
ومنه قوله وهو ابن أنيس
إلى آخره وهذا ليس هو لفظ ابن يونس وابن يونس ساق نسب ابن أنيس أولا
ومنه قوله عن ابن يونس روى عنه معاذ وعليه فيه اعتراضان أحدهما إيهامه أنه معاذ بن جبل وهو إيهام قبيح جدا والثاني أن هذا لم يقله ابن يونس وإنما قال أخبرنا أحمد بن شعيب النسائي حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن أيوب ابن موسى عن معاذ بن عبد الله بن أنيس عن أبيه وكان صلى مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) القبلتين كلتيهما أنه خرج مع أبيه إلى أفريقية ومعاذ هذا هو معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني مات سنة ثمان عشرة ومائة
"""
صفحة رقم 429 """
وفي الصحابة عبد الله بن أنيس آخر أنصاري
وفي الرواة عبد الله بن أنيس ثالث
ولم يذكر ابن عساكر ابن أنيس والظاهر أنه لم يدخل الشام وإن كان في رحلة حار إليه على الشك في الشام أو مصر والصحيح مصر والله أعلم
ومن الفوائد غير الحديثية عنه مما يدل على تبحره في لسان العرب وقد كانت الأئمة إذا قرءوا الحديث بحضرته جبنوا وقيل لم يسلم قارئ بحضوره من رده عليه وقرأ عليه أبو العباس بن تيمية جزءا فرد عليه غير موضع في الأسماء وغيرها
وحضرت قارئا يقرأ عليه فانتهى إلى حديث المصراة فقال لا تصروا الإبل والبقر والغنم بفتح التاء وضم الصاد فقال له الشيخ تصروا أي بضم التاء وفتح الصاد فقال القارئ وهو من فضلاء عصرنا كيف قال مثل تصلوا تزكوا وأخذ يسترسل في ذكر أخوات اللفظة
وقد قرأ عليه الشيخ شهاب الدين ابن المرحل النحوي أستاذ صاحبنا الشيخ جمال الدين عبد الله بن هشام في النحو كتاب سيرة ابن هشام فمرت به لفظ رشد فجرى على لسانه رشد بكسر الشين فرد عليه الشيخ رشد بالفتح وقال له قال الله تعالى ) لعلهم يرشدون ( بضم الشين ولم يزد وكان من عادته الإشارة دون
"""
صفحة رقم 430 """
تطويل العبارة ومراده أن يفعل إنما يكون مضارعا لفعل ولا قائل به هنا أو لفعل وهو المدعي
قال له ابن المرحل وكذا قال تعالى ) فأولئك تحروا رشدا ( فسكت الشيخ وظن ابن المرحل كما نقلته من خط تلميذه ابن هشام عنه أن الشيخ لم يفهم توجيه السؤال في ) رشدا ( على رشد
قلت وشيخنا أيضا عندنا أعظم من ذلك ولكن رأى ما ذكره مختلا فسكت عليه وكان لا يرى توسيع العبارة وغالب مجالسه السكوت
قال ابن هشام ورأيت في كتاب سيبوه رشد يرشد رشدا مثل سخط يسخط سخطا وهذا عين ما ذكره شيخنا ابن المرحل فلله دره قد جاء السماع على وفق قياسه
انتهى
قلت لا يغنيه هذا السماع الغريب ولا القياس في قراءة كتب الحديث فإنها إنما تقرأ على جادة اللغة وكما وقعت الرواية به والرواية لم تقع إلا على ما قاله شيخنا وهو مشهور اللغة
"""
صفحة رقم 431 """
1418
يونس بن أحمد بن صلاح
الشيخ شرف الدين أبو النور القلقشندي
كان من أعيان فقهاء مصر
توفي في شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وسبعمائة
1419
يونس بن عبد المجيد بن علي بن داود الهذلي
القاضي سراج الدين الأرمنتي
فقيه أديب
سمع من الشيخ مجد الدين القشيري والحافظ يحيى بن علي العطار وغيرهما
وصنف المسائل المهمة في اختلاف الأئمة وكتاب الجمع والفرق
وولاه قاضي القضاة تقي الدين ابن بنت الأعز قضاء إخميم ثم ولي قضاء البهنسا عن شيخ الإسلام تقي الدين ابن دقيق العيد ثم ولي قضاء بلبيس والشرقية ثم قضاء قوص وتوفي بها من لسعة ثعبان في خامس عشر شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وسبعمائة
ومولده بأرمنت سنة أربع وأربعين وستمائة
"""
صفحة رقم 432 """
وهو القائل رحمه الله تعالى
شرط الكفاءة ستة قد حررت
ينبيك عنها بيت شعر مفرد
نسب ودين صنعة حرية
فقد العيوب وفي اليسار تردد
وله
مجاز وإضمار ونقل وبعده اشتراك
وقبل الكل رتبة تخصيص
متى ما يكن إثنان منها تعارضا
تقدم ما قدمت واحظ بتلخيص
وقد قلت أنا في هذا ما سطرته في شرح المنهاج
تجوز ثم إضمار وبعدهما
نقل تلاه اشتراك فهو يخلفه
وأرجح الكل تخصيص وآخرها
نسخ فما بعده قسم يخلفه
ومن شعره أيضا
إن ترمك الأقدار في أزمة
أوجبها أجرامك السالفه
فافزع إلى ربك في كشفها
ليس لها من دونه كاشفه
"""
صفحة رقم 433 """
وله
وشادن زار بعد يأس
كالغيث وافى على قنوط
وبات يجلو علي كأسا
جاءت بحل الدم العبيط
ولم يثلث إذ اختلسنا
إلا بإثم بنا محيط
فقلت والليل في شباب
عاجله الصبح بالوخوط
مشمر ذيله لسير
تشمير ذي الرحلة النشيط
بالله يا صبح لا تزرنا
فالصبح حرب لقوم لوط
آخر الطبقات على ما وجد بخط المصنف تغمده الله برحمته=

قلت المدون  تم بحمد الله ثم قلت :سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني أسألك أن تََشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  اللهم تقبل واستجب

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام لمحمد رشيد رضا

  حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح  المحمدي العام لمحمد رشيد رضا تعليق: محمد ناصر الدين الألباني  ( صحيح ) عن عائشة رضي الله ...