كتاب صفة الجنة للحافظ ضياء المقدسي

كتاب صفة الجنة -الحافظ ضياء الدين-أأبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الحنبلي المقدسي

Translate

الأربعاء، 18 يناير 2023

ج3وج4.طبقات الشافهية الطبقة الثالثة والطبقة الرابعة

 

 ج3.""" صفحة رقم 7 """
الطبقة الثالثة
74
أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس أبو بكر الإسماعيلى
إمام أهل جرجان والمرجوع إليه فى الفقه والحديث وصاحب التصانيف ولد سنة سبع وسبعين ومائتين
وسمع من الزاهد محمد بن عثمان المقابرى الجرجانى سنة تسع وثمانين ومائتين وسمع قبل ذلك
وسمع إبراهيم بن زهير الحلوانى وحمزة بن محمد بن عيسى الكاتب وأحمد بن محمد ابن مسروق ومحمد بن يحيى بن سليمان المروزى ويحيى بن محمد الحنائى وعبد الله ابن ناجية والفريابى ويوسف بن يعقوب القاضى ومحمد بن عبد الله الحضرمى وإبراهيم بن عبد الله المخرمى ومحمد بن عثمان بن أبى شيبة ومحمد بن الحسن بن سماعة وأبا خليفة المجمحى وبهلول بن إسحاق التنوخى وعبدان وأبا يعلى وخلقا سواهم ببغداد والكوفة والبصرة والأنبار والأهواز والموصل
روى عنه الحاكم وأبو بكر البرقانى وحمزة السهمى وأبو حازم العبدوى وأبو بكر محمد بن إدريس الجرجرائى الحافظ وخلق سواهم
قال حمزة سمعته يقول لما ورد نعى محمد بن أيوب الرازى دخلت الدار وبكيت وصرخت ومزقت على نفسى القميص ووضعت التراب على رأسى فاجمتع على أهلى ومن فى منزلى وقالوا ما أصابك قلت نعى محمد بن أيوب الرازى منعتمونى الارتحال إليه فسلوا قلبى وأذنوا لى فى الخروج عند ذلك وأصحبونى خالى إلى نسا إلى الحسن بن سفيان فكان ذلك أول رحلتى فى الحديث ورجعت  .
"""
صفحة رقم 8 """
قال شيخنا الذهبى كان ذلك سنة أربع وتسعين فإن فيها توفى محمد بن أيوب
قال ثم خرجت إلى بغداد سنة ست وتسعين وصحبنى بعض أقربائى
قال الشيخ أبو إسحاق جمع يعنى الإسماعيلى بين الفقه والحديث ورياسة الدين والدنيا
وقال الدارقطنى كنت عزمت غير مرة أن أرحل إلى أبى بكر الإسماعيلى فلم أرزق
وقال الحسن بن على الحافظ كان الواجب للإسماعيلى أن يصنف لنفسه سننا ويختار على حسب اجتهاده فإنه كان يقدر عليه لكثرة ما كان كتب ولغزارة علمه وفهمه وجلالته وما كان ينبغى أن يتبع كتاب محمد بن إسماعيل فإنه كان أجل من أن يتبع غيره أو كما قال
وقال أبو عبد الله الحاكم كان أبو بكر واحد عصره وشيخ المحدثين والفقهاء وأجلهم فى الرياسة والمروءة والسخاء ولا خلاف بين عقلاء الفريقين من أهل العلم فيه
وقال غيره له التصانيف الكثيرة منها المستخرج على الصحيح والمعجم وله مسند كبير فى نحو مائة مجلد
قال حمزة توفى فى غرة صفر سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة
قول الراوى من السنة كذا
ذكر النووى فى خطبة شرح المهذب أن الصحيح المشهور أن قول الصحابى من السنة كذا فى حكم المرفوع وأنه مذهب الجماهير وأن أبا بكر الإسماعيلى قال له حكم الموقوف على الصحابى
قلت الأكثر كما قال النووى على أنه حجة وقد أغرب المازرى فى شرح . . .


"""
صفحة رقم 9 """
75
أحمد بن إبراهيم بن نومردا أبو بكر
من أهل جرجان وكان أحد أصدقاء أبى بكر الإسماعيلى
ذكره حمزة بن يوسف السهمى فى تاريخ جرجان وقال تفقه على ابن سريج
قال وسمعت أبى يوسف بن إبراهيم يقول إنه مات فجأة سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وكان قد خرج من الحمام فوقع عليه حائط فمات
76
أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد بن عبد الرحمن بن نوح النيسابورى الإمام الجليل أبو بكر بن إسحاق الصبغى
أحد الأئمة الجامعين بين الفقه والحديث
رأى يحيى الذهلى وأبا حاتم الرازى
وسمع الفضل بن محمد الشعرانى وإسماعيل بن قتيبة ويعقوب بن يوسف القزوينى ومحمد بن أيوب
وببغداد الحارث بن أبى أسامة وإسماعيل القاضى
وبالبصرة هشام بن على
وبمكة على بن عبد العزيز
واختلف إلى محمد بن نصر ولم يسمع منه شيئا


"""
صفحة رقم 10 """
روى عنه أبو على الحافظ وأبو بكر الإسماعيلى وأبو أحمد الحاكم وأبو عبد الله الحاكم ومحمد بن إبراهيم الجرجانى وخلق
ولد سنة ثمان وخمسين ومائتين
وكان قد اشتغل فى صباه بعلم الفروسية فلم يسمع إلى سنة ثمانين
قال الحاكم أقام يعنى بنيسابور سبعا وخمسين سنة لم يؤخذ عليه فى فتاويه مسألة وهم فيها
قال وسمعت محمد بن حمدون يقول صحبت أبا بكر بن إسحاق سنين فما رأيته قط ترك قيام الليل فى سفر ولا حضر
قال وسمعته يعنى الصبغى يقول وهو يخاطب فقيها فقال حدثونا عن سليمان بن حرب فقال دعنا من حدثنا إلى متى حدثنا وأخبرنا فقال ما هذا لست أشم من كلامك رائحة الإيمان ولا يحل لك أن تدخل دارى ثم هجره حتى مات
قال وسمعته غير مرة إذا أنشد بيتا يفسده ويغيره يقصد ذلك وكان يضرب المثل بعقله ورأيه ورأيته غير مرة إذا أذن المؤذن يدعو بين الأذان والإقامة ثم يبكى وربما كان يضرب برأسه الحائط حتى خشيت يوما أن تدمى رأسه وما رأيت في مشايخنا أحسن صلاة منه وكان لا يدع أحدا يغتاب فى مجلسه قال وله الكتب المطولة
قال وسمعته يقول رأيت فى منامى كأنى فى دار وأنا أظن أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه فيها فدخلت وفى الدار بستان أردت دخوله فاستقبلنى أبو بكر الصديق رضى الله عنه فعانقنى وقبل وجهي ودعا لى وهذا عند ابتدائى فى تصنيف كتاب الفضائل
قال وسمعته يقول لما فرغت من تصنيف كتاب الفضائل رأيت فى المنام كأنى خارج من منزل شخص ذكره واستقبلنى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ومعه أبو بكر وعمر وعثمان أو على رضى الله عنهم أحدهما فإنى شككت ولم أشك فى أنهم كانوا


"""
صفحة رقم 11 """
أربعة فتقدمت فسلمت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فرد على السلام ثم تقدم إلى أبو بكر رضى الله عنه فقبل بين عينى وقال جزاك الله عن نبيه خيرا وعنا خيرا
قال أبو بكر فأخرجت خاتمى هذا من أصبعى وجعلته فى أصبع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم نزعته فجعلته فى أصبع أبى بكر ثم إلى آخر الأربعة ثم قلت يا رسول الله قد عظمت بركة هذا الخاتم إذ دخل أصابعكم ثم انتبهت
قال الحاكم وقد كان الشيخ أوصى أن يدفن ذلك الخاتم معه
قلت وهذا منه فيه استحسان لما يفعل من دفن المرء معه ما يتبرك به أو دفنه فيما يتبرك به وسيأتى إن شاء الله تعالى نظير هذه فى ترجمة عبد الرحمن بن أبى حاتم ضمن حكاية عنه ويشهد له قول . . .
وذكر الحاكم أن أبا على بن أبى هريرة كتب إلى نيسابور ليكتب له فضائل الأربعة وكتاب الأحكام اللذان للصبغى
قال فكتب وحمل إلى مدينة السلام فأكثر الثناء عليه
قال الحاكم ومصنفاته يعنى الصبغى فى الفقه من أدل الدليل على علمه ومصنفاته فى الكلام لم يسبقه إلى مثلها أحد من مشايخ أهل الحديث
توفى الصبغى فى شعبان سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة
ومن الفوائد عنه
كان يرى أن المأموم إذا لم يقرأ الفاتحة وأدرك الإمام وهو راكع لا يكون مدركا للركعة وهو اختيار ابن خزيمة وابن أبى هريرة وأبى رحمه الله
ويذهب إلى أن تراب الولوغ يجوز أن يكون نجسا وهو وجه غريب حكاه الرافعى


"""
صفحة رقم 12 """
قال العبادى وذكر أنه ركب يوما فأصاب ذراعيه طين من وحل كلب فأمر جاريته بغسله وتعفيره فقالت الجارية أما فى الطين تراب فقال أحسنت أنت أفقه منى
قال الحاكم سمعته وسئل عن حديث ابن عباس أن رجلين صليا مع النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لهما ( أعيدا وضوءكما ) قالا لم يا رسول الله قال ( اغتبتما فلانا ) قال يجوز أن يكون أمرهما بالوضوء ليكون كفارة لمعصيتهما وتطهيرا لذنوبهما لأن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أخبر أن الوضوء يحط الخطايا
قال وسمعته وسئل عن قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ قال إن صح هذا الخبر فمعناه أن يتوضأ قبل حمله شفقة أن تفوته الصلاة بعد الحمل كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) ( من راح إلى الجمعة فليغتسل ) أى قبل الرواح
77
أحمد بن بشر بن عامر العامرى
وعكس الشيخ أبو إسحاق فقال بن عامر بن بشر
هو القاضى أبو حامد المروروذى أحد رفعاء المذهب وعظمائه
ذكره أبو حفص عمر بن على المطوعى فى كتابه المسمى بالمذهب فى ذكر شيوخ المذهب فقال صدر من صدور الفقه كبير وبحر من بحار العلم غزير وهو من أصحاب أبى إسحاق ومن أعيان تلامذته أبو إسحاق المهرانى وأبو الفياض البصرى وكتابه الموسوم بالجامع أمدح له من كل لسان ناطق لإحاطته بالأصول والفروع


"""
صفحة رقم 13 """
وإتيانه على النصوص والوجوه فهو لأصحابنا عمدة من العمد ومرجع فى المشكلات والعقد انتهى
وعن القاضى أبى حامد أخذ فقهاء البصرة وشرح مختصر المزنى وصنف فى الأصول
ومن أخصائه وتلامذته أبو حيان التوحيدى وفى كتابه البصائر أعنى أبا حيان يقول كان القاضى أبو حامد شديد الازورار عن الكلام والفقه فى أهله قال وإنما أولع بذكر ما يقوله هذا الرجل لأنه أنبل من رأيته فى عمرى وكان بحرا يتدفق حفظا للسير وقياما بالأخبار واستنباطا للمعانى وثباتا على الجدل وصبرا فى الخصام
وقال فى مكان آخر كان أبو حامد كثير العلم غزير الحفظ قيما بالسير وكان يزعم أن السير بحر الفتيا وخزانة القضاء وعلى قدر اطلاع الفقيه عليها يكون استنباطه
وقال فى مكان آخر كان أبو حامد إذا رأى تراجع المتكلمين فى مسائلهم وثباتهم على مذاهبهم بعد طول جدلهم ينشد
ومهمه دليله مطوح
يدأب فيه القوم حتى يطلحوا
ثم يظلون كأن لم يبرحوا
كأنما أمسوا بحيث أصبحوا
ومات القاضى أبو حامد سنة اثنتين وستين وثلاثمائة
فوائد ومسائل عن القاضى أبى حامد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


"""
صفحة رقم 14 """
78
أحمد بن الحسين بن أحمد أبو نصر الفقيه
مات ليلة الجمعة ثانى عشر جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة
ذكره ابن باطيش
79
أحمد بن حمزة بن على الحسن السلمى
80
أحمد بن الخضر بن أحمد الأنمارى
بفتح الألف وسكون النون وفتح الميم وفى آخرها الراء نسبة إلى بلدة يقال لها أنمار
هو أبو الحسن إمام كبير من أهل نيسابور
سمع أبا عبدالله البوشنجي وغيره
روى عنه الأستاذ أبو الوليد وأبو على الحافظ وغيرهما
توفى سنة أربع وأربعين وثلاثمائة
81
أحمد بن شعيب بن على بن سنان بن بحر الإمام الجليل أبو عبد الرحمن النسائى
أحد أئمة الدنيا في الحديث والمشهور اسمه وكتابه
ولد سنة خمس عشرة ومائتين


"""
صفحة رقم 15 """
وسمع قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه وهشام بن عمار وعيسى بن حماد والحسين بن منصور السلمى النيسابورى وعمرو بن زرارة ومحمد بن النضر المروزى وسويد بن نصر وأبا كريب ومحمد بن رافع وعلى بن حجر وأبا بريد الجرمى ويونس بن عبد الأعلى وخلقا سواهم بخراسان والعراق والشام ومصر والحجاز والجزيرة
روى عنه أبو بشر الدولابى وأبو على الحسين النيسابورى وحمزة بن محمد الكنانى وأبو بكر أحمد بن السني ومحمد بن عبد الله بن حيوية وأبو القاسم الطبرانى وخلق سواهم
رحل إلى قتيبة وهو ابن خمس عشرة سنة وقال أقمت عنده سنة وشهرين
وسكن مصر وكان يسكن بزقاق القناديل وكان يصوم يوما ويفطر يوما وكان كثير الجماع وله أربع زوجات يقسم لهن ولا يخلو مع ذلك عن السرارى
ودخل دمشق فسئل عن معاوية رضى الله عنه ففضل عليه عليا كرم الله وجهه فأخرج من المسجد وحمل إلى الرملة
وأنكر عليه بعضهم تصنيفه كتاب الخصائص لعلى رضى الله عنه وقيل له كيف تركت تصنيف فضائل الشيخين فقال دخلت إلى دمشق والمنحرف بها عن على كثير فصنفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله ثم صنف بعد ذلك فضائل الصحابة رضى الله عنهم
قال أبو على النيسابورى حافظ خراسان فى زمانه حدثنا الإمام فى الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائى
وقال منصور الفقيه وأبو جعفر الطحاوى رحمهما الله النسائى إمام من أئمة المسلمين
وقال الدارقطنى أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره


"""
صفحة رقم 16 """
وقال ابن طاهر المقدسى سألت سعد بن على الزنجانى عن رجل فوثقه فقلت قد ضعفه النسائى فقال يا بنى إن لأبى عبد الرحمن شرطا فى الرجال أشد من شرط البخارى ومسلم
وقال محمد بن المظفر الحافظ سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائى فى العبادة بالليل والنهار وأنه خرج إلى الفداء مع أمير مصر فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة فى فداء المسلمين واحترازه عن مجالس السلطان الذى خرج معه والانبساط فى المأكل وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد بدمشق من جهة الخوارج
وقال الدارقطنى كان ابن الحداد أبو بكر كثير الحديث ولم يحدث عن غير النسائى وقال رضيت به حجة فيما بينى وبين الله
قلت سمعت شيخنا أبا عبد الله الذهبى الحافظ وسألته أيهما أحفظ مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح أو النسائى فقال النسائى ثم ذكرت ذلك للشيخ الإمام الوالد تغمده الله برحمته فوافق عليه
وقد اختلفوا فى مكان موت النسائى فالصحيح أنه أخرج من دمشق لما ذكر فضائل على قيل ما زالوا يدافعون فى خصيتية حتى أخرج من المسجد ثم حمل إلى الرملة فتوفى بها
قال أبو سعيد بن يونس توفى بفلسطين يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر سنة ثلاث وثلاثمائة
وقيل حمل إلى مكة فدفن بها بين الصفا والمروة


"""
صفحة رقم 17 """
82
أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل أبو الحسين الطرائفى مات ليلة الجمعة من شهر رمضان سنة خمس وستين وثلاثمائة وكان ابن ثمان وسبعين سنة كذا أورد هذه الترجمة ابن باطيش
وقال الحافظ أبو سعد فى كتاب الأنساب أبو النصر أحمد بن محمد بن الحسن الطرائفى الفقيه من أهل نيسابور سمع الحديث ثم تفقه على كبر السن رأى أبا العباس محمد بن إسحاق الثقفى ثم سمع الحديث بعده من مثل أبى على محمد بن عبد الوهاب وطبقته
وتوفى فى شهر رمضان سنة ثمان وستين وثلاثمائة انتهى كلام أبى سعد ولعلهما واحد والصواب مع أبى سعد
83
أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن بشر بن مغفل بن حسان ابن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مغفل الشيخ الجليل أبو محمد المزنى المغفلى الهروى الملقب بالباز الأبيض
قال الحاكم كان إمام أهل العلم والوجوه وأولياء السلطان بخراسان فى عصره بلا مدافعة سمع بهراة ونيسابور ومروالروذ وجرجان ونسا وبغداد والبصرة ومكة ومصر والأهواز
وحج بالناس وخطب بمكة


"""
صفحة رقم 18 """
وقال أبو النصر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامى في تاريخ هراة كان إمام عصره بلا مدافعة فى أنواع العلوم مع رتبة الوزارة وعلو القدر عند السلطان
وقال أبو سعد بن السمعانى إنه الذى يقال له الشيخ الجليل ببخارى
قلت سمع على بن محمد الجكانى وأحمد بن نجدة بن العريان وإبراهيم بن أبى طالب وعمران بن موسى بن مجاشع والحسن بن سفيان ويوسف القاضى وأبا خليفة ومطينا وعبدان وخلقا
روى عنه أبو العباس بن عقدة وهو من شيوخه وأبو بكر الصبغى والقفال الشاشى ومشايخ عصره بخراسان
ومن الرواة عنه الحاكم وأبو عبد الله الحازمى
وذكر الحاكم من عظمة الشيخ الجليل أبى محمد المزنى أنه كان فوق الوزراء وأنهم كانوا يصدرون عن رأيه
وقال أبو كامل البصرى سمعت عبد الصمد بن نصر العاصمى يقول سمعت أبا بكر الأودنى يقول احتاج أبو بكر محمد بن على القفال الشاشى إلى سماع حديث واحد من حديث المزنى فأراد أن يقرأ عليه فاستأذن عليه فقال له إلى يوم المجلس يا أبا بكر فقال القفال أيد الله الشيخ الجليل إنى مع القافلة وهى تخرج اليوم فإن أذن لى بالقراءة عليه قال قد قلت إلى يوم المجلس فلم يقدر له ولم يقرئه ولم يدعه يسمع منه ذلك الحديث الذى فيه حاجة القفال


"""
صفحة رقم 19 """
ومن شعر الشيخ الجليل
نزلنا مكرهين بها فلما
ألفناها خرجنا مكرهينا
وما حب الديار بنا ولكن
أمر العيش فرقة من هوينا
قيل كان الشيخ الجليل قتيل حب الوطن أملى مجلسا فى هذا المعنى ومرض عقبه وتوفى بعد جمعة فى سابع عشر شهر رمضان سنة ست وخمسين وثلاثمائة
قال الحاكم ورأيت الوزير أبا على البلعمى وقد حمل فى تابوته وأحضر إلى باب السلطان يعنى ببخارى للصلاة عليه ثم حمل تابوته إلى هراة فدفن بها فسمعت ابنه بشرا يقول آخر كلمة تكلم بها أن قبض على لحيته ورفع يده اليمنى إلى السماء وقال ارحم شيبة شيخ جاءك بتوفيقك على الفطرة
قال الحاكم وسمعت أبا الفضل السليمانى وكان صالحا يقول رأيت أبا محمد المزنى فى المنام بعد وفاته بليلتين وهو يتبختر فى مشيته ويقول بصوت عال ) وما عند الله خير وأبقى (
84
أحمد بن على بن أحمد بن محمد بن الفرج بن لال أبو بكر الهمذانى
ولد سنة سبع أو ثمان وثلاثمائة
روى عن أبيه والقاسم بن أبى صالح وإسماعيل الصفار وعبد الباقى بن قانع وأبى سعيد بن الأعرابى وخلق
روى عنه جعفر بن محمد الأبهرى وحميد بن المأمون وأبو مسعود أحمد بن محمد


"""
صفحة رقم 20 """
البجلى وخلق كثير من أهل همذان ومن الواردين
وكان إماما ثقة عالما
قال شيرويه كان ثقة أوحد زمانه مفتى البلد يعنى همذان يحسن هذا الشأن يعنى الحديث وله مصنفات فى علوم الحديث غير أنه كان مشهورا بالفقه ورأيت له كتاب السنن ومعجم الصحابة ما رأيت شيئا أحسن منه
وقال الشيخ أبو إسحاق حكى لى سبطه أبو سعد أنه أخذ الفقه عن أبى إسحاق وأبى على بن أبى هريرة وكان ورعا متعبدا أخذ عنه الفقه فقهاء همذان
قلت اضطرب فى وفاته فقيل سنة اثنتين وتسعين وقيل سادس عشر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وقيل سنة تسع وتسعين وقيل وكان يقول اللهم لا تحينى إلى سنة أربعمائة فمات قبلها
قيل والدعاء عند قبره مستجاب


"""
صفحة رقم 21 """
85
أحمد بن على بن طاهر الجوبقى بفتح الجيم ثم واو ساكنة ثم باء مفتوحة ثم قاف نسبة إلى الجوبق موضع بنسف أبو نصر الأديب الشاعر من أهل نسف
رحل إلى العراق بعد سنة عشرين وثلاثمائة واستكثر من شيوخ العراق وخراسان
ودرس الفقه على أبى إسحاق المروزى وعلق عنه شرح مختصر المزنى
ثم رجع إلى نسف وأقام بها سنتين ثم أعاد الرحلة ثم خرج حاجا فى سنة تسع وثلاثين وحج ومات بالبادية منصرفا من الحج سنة أربعين وثلاثمائة
86
أحمد بن عمر بن سريج القاضى أبو العباس البغدادى
الباز الأشهب والأسد الضارى على خصوم المذهب شيخ المذهب وحامل لوائه والبدر المشرق فى سمائه والغيث المغدق بروائه ليس من الأصحاب إلا من هو حائم على معينه هائم من جوهر بحره بثمينه انتهت إليه الرحلة فضربت الإبل نحوه آباطها وعلقت به العزائم مناطها وأتته أفواج الطلبة لا تعرف إلا نمارق البيد بساطها
تفقه على أبى القاسم الأنماطى
وسمع الحسن بن محمد الزعفرانى وعباس بن محمد الدورى وأبا داود السجستانى وعلى بن إشكاب وغيرهم


"""
صفحة رقم 22 """
روى عنه أبو القاسم الطبرانى الحافظ وأبو الوليد حسان بن محمد الفقيه وأبو أحمد الغطريفى وغيرهم
قال الشيخ أبو إسحاق كان يقال له الباز الأشهب وولى القضاء بشيراز
قال وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعى رحمة الله تعالى عليهم حتى على المزنى
قلت أحسب أن ولايته القضاء كانت فى مبادى شأنه وأما بالآخرة فقد سمر على بابه ليلى قضاء القضاة فامتنع كما سنحكى ذلك فى فصل الفوائد عنه
ومن كلام الشيخ أبى حامد الإسفراينى نحن نجرى مع أبى العباس فى ظواهر الفقه دون دقائقه
وقال أبو عاصم العبادى ابن سريج شيخ الأصحاب ومالك المعانى وصاحب الأصول والفروع والحساب
وقال أبو حفص المطوعى ابن سريج سيد طبقته بإطباق الفقهاء وأجمعهم للمحاسن باجتماع العلماء ثم هو الصدر الكبير والشافعى الصغير والإمام المطلق والسباق الذى لا يلحق وأول من فتح باب النظر وعلم الناس طريق الجدل
وقال الإمام الضياء الخطيب والد الإمام فخر الدين فى كتابه غاية المرام إن أبا العباس كان أبرع أصحاب الشافعى فى علم الكلام كما هو أبرعهم فى الفقه
وقال أبو على بن خيران سمعت ابن سريج يقول رأيت كأنما مطرنا كبريتا أحمر فملأت أكمامى وحجرى فعبر لى أن أرزق علما عزيزا كعزة الكبريت الأحمر


"""
صفحة رقم 23 """
وعن ابن سريج يؤتى يوم القيامة بالشافعى وقد تعلق بالمزنى يقول رب هذا قد أفسد علومى فأقول أنا مهلا بأبى إبراهيم فإنى لم أزل فى إصلاح ما أفسده
وروى الخطيب أن أبا العباس قال فى علته التى مات فيها أريت البارحة فى المنام كأن قائلا يقول لى هذا ربك تعالى يخاطبك قال فسمعت الخطاب ب ) ماذا أجبتم المرسلين ( فقلت بالإيمان والتصديق قال فقيل ب ) ماذا أجبتم المرسلين ( قال فوقع فى قلبى أنه يراد منى زيادة فى الجواب فقلت بالإيمان والتصديق غير أنا أصبنا من هذه الذنوب فقال أما إنى سأغفر لك
وفى رواية رواها التنوخى عن بعض أصحاب ابن سريج قال لنا ابن سريج يوما أحسب أن المنية قد قربت فقلنا وكيف قال رأيت البارحة كأن القيامة قامت والناس قد حشروا وكأن مناديا ينادى بم أجبتم المرسلين فقلت بالإيمان والتصديق فقال ما سئلتم عن الأقوال بل سئلتم عن الأعمال فقلت أما الكبائر فقد اجتنبناها وأما الصغائر فعولنا فيها على عفو الله ورحمته فقلنا له ما فى هذا ما يقتضى سرعة الموت فقال أما سمعتم قوله ) اقترب للناس حسابهم ( قال فمات بعد ثمانية عشر يوما
وممن سمع هذا المنام من ابن سريج أبو بكر الفارسى صاحب عيون المسائل ورواه عنه
ولأبى العباس مصنفات كثيرة يقال إنها بلغت أربعمائة مصنف ولم نقف إلا على اليسير منها وقفت له على كتاب فى الرد على ابن داود فى القياس وآخر فى الرد عليه فى مسائل اعترض بها الشافعى وهو حافل نفيس وأما كتاب الخصال المنسوب إليه فقليل الجدوى وعندى أنه لابنه أبى حفص عمر بن أبى العباس
وقد ناظر أبو العباس الإمام داود الظاهرى وأما ابنه محمد بن داود فلأبى العباس


"""
صفحة رقم 24 """
معه المناظرات المشهورة والمجالس المروية وكان أبو العباس يستظهر عليه
وحكى أن ابن داود قال له يوما أبلعنى ريقى فقال أبلعتك دجلة
وأنه قال له يوما أمهلنى ساعة فقال أمهلتك من الساعة إلى قيام الساعة
ومات محمد بن داود قبله فيحكى أن أبا العباس نحى مخادة ومساوره وجلس للتعزية عند موته وقال ما آسى إلا على تراب أكل لسان محمد بن داود
قلت كذا لفظ الحكاية ولعله من المقلوب والمعنى إلا على لسان محمد بن داود كيف أكله التراب وقد جوزت النحاة رفع المفعول به ونصب الفاعل عند أمن اللبس وأنشدوا عليه
مثل القنافذ هداجون قد بلغت
نجران أو بلغت سوآتهم هجر
رفع المفعول وهو هجر لأنها المبلوغة ونصب الفاعل وهو السوآت لأنها البالغة لأمن اللبس
ومن هذا قول الشاعر أيضا
إن سراجا لكريم مفخره
تحلى به العين إذا ما تجهره
أى تحلى العين به


"""
صفحة رقم 25 """
قالوا وعليه قوله تعالى ) ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة ( وقول العرب خرق الثوب المسمار
ويحتمل أن تكون على فى الحكاية حرف تعليل والمعنى بسبب تراب أكل لسان ابن داود على حد قول الشاعر
علام تقول الرمح أثقل عاتقى
إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت
وعليه قوله تعالى ) ولتكبروا الله على ما هداكم ( أى لهدايته إياكم
قال بعضهم اجتمع ابن سريج ومحمد بن داود فاحتج ابن داود على أن أم الولد تباع قال أجمعنا أنها كانت أمة تباع فمن ادعى أن هذا الحكم يزول بولادتها فعليه الدليل
فقال له ابن سريج وأجمعنا على أنها لما كانت حاملا لا تباع فمن ادعى أنها تباع إذا انفصل الحمل فعليه الدليل فبهت أبو بكر
قال أبو الوليد النيسابورى الفقيه سمعت ابن سريج يقول قل ما رأيت من المتفقهة من اشتغل بالكلام فأفلح يفوته الفقه ولا يصل إلى معرفة الكلام
وقدمنا فى خطبة هذا الكتاب الحكاية المشهورة عن ابن سريج وأن شيخنا قام فى مجلسه وقال أبشر أيها القاضى . . الحكاية وفيها أن ذلك كان سنة ثلاث وثلاثمائة
واعلم أن وفاة ابن سريج كانت سنة ست وثلاثمائة بإجماع وهو عالم ذلك القرن فيما قاله جماعة وقد تقدم فى الخطبة استيعاب القول فى ذلك


"""
صفحة رقم 26 """
وكان شيخنا الذهبى يقول الذى أعتقده فى حديث يبعث الله من يجدد أن من للجمع لا للمفرد
ويقول مثلا على رأس الثلاثمائة ابن سريج فى الفقه والأشعرى فى أصول الدين والنسائى فى الحديث وعلى الستمائة مثلا الحافظ عبد الغنى فى الحديث والإمام فخر الدين فى الكلام ونحو هذا
قال الخطيب بلغ سن ابن سريج فيما بلغنى سبعا وخمسين سنة وستة أشهر
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا المسلم بن محمد ابن علان القيسى إجازة أخبرنا زيد بن الحسن أبو اليمن الكندى أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الخطيب أبو بكر الحافظ أخبرنا على بن المحسن التنوخى أخبرنا أبى حدثني أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن البخترى القاضى الداوودى حدثنى أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن محمد بن المغلس الداوودى قال كان أبو بكر محمد بن داود وأبو العباس بن سريج إذا حضرا مجلس القاضى أبى عمر يعنى محمد بن يوسف لم يجر بين اثنين فيما يتفاوضانه أحسن مما يجرى بينهما وكان ابن سريج كثيرا ما يتقدم أبا بكر فى الحضور فى المجلس فتقدمه أبو بكر يوما فسأله حدث من الشافعيين عن العود الموجب للكفارة فى الظهار ما هو فقال إنه إعادة القول ثانيا وهو مذهبه ومذهب داود فطالبه بالدليل فشرع فيه ودخل ابن سريج فاستشرحهم ما جرى فشرحوه فقال ابن سريج لابن داود أولا يا أبا بكر أعزك الله هذا قول من من المسلمين تقدمكم فيه فاستشاط أبو بكر من ذلك وقال أتقدر أن من اعتقدت أن قولهم إجماع فى هذه المسألة إجماع عندى أحسن أحوالهم أن أعدهم خلافا وهيهات أن يكونوا كذلك فغضب ابن سريج وقال أنت يا أبا بكر بكتاب الزهرة


"""
صفحة رقم 27 """
أمهر منك فى هذه الطريقة فقال أبو بكر وبكتاب الزهرة تعيرنى والله ما تحسن تستتم قراءته قراءة من يفهم وإنه لمن أحد المناقب إذ كنت أقول فيه
أكرر فى روض المحاسن مقلتى
وأمنع نفسى أن تنال محرما
وينطق سرى عن مترجم خاطرى
فلولا اختلاسى رده لتكلما
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم
فما إن أرى حبا صحيحا مسلما
فقال له ابن سريج أو على تفخر بهذا القول وأنا الذى أقول
ومساهر بالغنج من لحظاته
قد بت أمنعه لذيذ سناته
ضنا بحسن حديثه وعتابه
وأكرر اللحظات فى وجناته
حتى إذا ما الصبح لاح عموده
ولى بخاتم ربه وبراته
فقال ابن داود لأبى عمر أيد الله القاضى قد أقر بالمبيت على الحال التى ذكرها وادعى البراءة مما يوجبه فعليه إقامة البينة
فقال ابن سريج من مذهبى أن المقر إذا أقر إقرارا وناطه بصفة كان إقراره موكولا إلى صفته
فقال ابن داود للشافعى فى هذه المسألة قولان
فقال ابن سريج فهذا القول الذى قلته اختيارى الساعة
أخبرنا جدى القاضى أبو محمد عبد الكافى بن على بن تمام السبكى تغمده الله برحمته بقراءة أبى رحمة الله عليه وأنا حاضر أسمع أخبرنا أبو محمد عبد الرحيم بن يوسف ابن خطيب المزة سماعا عليه أخبرنا عمر بن طبرزد حضورا فى الخامسة أخبرنا أبو المواهب أحمد بن محمد بن عبد الملك بن ملوك الوراق والقاضى أبو بكر محمد بن عبد الباقى بن محمد الأنصارى قالا أخبرنا القاضى الجليل أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبرى الشافعى حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن الغطريف الغطريفى بجرجان سنة إحدى


"""
صفحة رقم 28 """
وسبعين وثلاثمائة حدثنا الإمام أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج حدثنا أبو يحيى الضرير محمد بن سعيد العطار حدثنا عبيدة بن حميد حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبى ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال كنت رجلا مذاء وكنت أكثر الاغتسال فسألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يكفيك منه الوضوء
ذكر نخب وفوائد عن أبى العباس رضى الله عنه
قال شيخنا أبو حيان رحمه الله فى الارتشاف ركب أبو العباس ابن سريج ما دخلت عليه لو تركيبا غير عربى فقال
(
ولو كلما كلب عوى ملت نحوه
أجاوبه إن الكلاب كثير
ولكن مبالاتى بمن صاح أو عوى
قليل فإنى بالكلاب بصير
انتهى
ولم يبين وجه خروج أبى العباس عن اللسان فى هذا فإن أراد تسليطه حرف لو على الجملة الإسمية فهو مذهب كثير من النحاة منهم الشيخ جمال الدين بن مالك جوزوا أن يليها اسم ويكون معمول فعل مضمر مفسر بظاهر بعد الاسم
قال فى التسهيل وإن وليها اسم فهو معمول فعل مضمر مفسر بظاهر بعد الاسم وربما وليها اسمان مرفوعان انتهى
ومثال ما إذا وليها اسم ما روى فى المثل مثل قولهم لو ذات سوار لطمتنى وقول عمر رضى الله عنه لو غيرك قالها يا أبا عبيدة وقال الشاعر
أخلاى لو غير الحمام أصابكم
عتبت ولكن ما على الدهر معتب


"""
صفحة رقم 29 """
وقال آخر
لو غيركم علق الزبير بحبله
أدنى الجوار إلى بنى العوام
وقال آخر
فلو غير أخوالى أرادوا نقيصتى
جعلت لهم فوق العرانين ميسما
فالأسماء التى وليت لو فى هذا كله معمولة لفعل مضمر يفسره ما بعده كأنه قال ولو لطمتنى ذات سوار لطمتنى وكذا نقول فى قول ابن سريج ولو كلما كلب المعنى ولو كان كلما كلب عوى ويدل على ذلك قوله تعالى ) قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق (
ولا يلزم من رد أبى حيان لهذا المذهب ودعواه أنه غير مذهب البصريين أن يكون مردودا فى نفسه
وإن أراد حذف الجواب إذ التقدير ولو كان كلما عوى كلب ملت نحوه كى أجاوبه لسئمت أو تعبت أو نحو ذلك لأن الكلاب كثير فقد نص هو وغيره على جواز حذف جواب لو لدلالة المعنى عليه وعليه قوله تعالى ) ولو ترى إذ وقفوا على النار ( وشواهده كثيرة
قال الحاكم أبو عبد الله سمعت الأستاذ أبا الوليد النيسابورى يقول سألت ابن سريج ما معنى قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن فقال إن القرآن أنزل ثلثا منه أحكام وثلثا منه وعد ووعيد وثلثا أسماء وصفات وقد جمع في ) قل هو الله أحد ( الأسماء والصفات


"""
صفحة رقم 30 """
قال القاضى أبو على البندنيجى فى الذخيرة حكى عن أبى العباس ابن سريج أنه كان يوصل الماء إلى أذنيه تسع مرات يغسلهما ثلاثا مع الوجه ويمسح عليهما ثلاثا مع الرأس ويفردهما بالمسح ثلاثا
قلت وقد استحسن النووى فى الروضة صنع ابن سريج هذا وغلط من غلطه فيه
ونظيره ما حكاه القاضى الحسين فى تعليقه فى باب صلاة المسافر عنه ضمن فرع حسن
قال القاضى رحمه الله بعد تعديد مسائل يستحب فيها الخروج من الخلاف ما نصه فى الفصد والحجامة يستحب له أن يتوضأ إذا صار وضوءه خلقا بأن أدى به فرضا أو نافلة فأما إذا لم يؤد به شيئا فلا يستحب لأن تجديد الوضوء مكروه قبل أن يؤدى بالأول صلاة ما لأنه يؤدى إلى الزيادة على الأربع
ويحكى عن ابن سريج أنه كان بعد ما افتصد مس ذكره ثم توضأ وهذا ليس بقوى لأنه لا فرق عندنا بين ما لو أحدث أو مس ذكره انتهى
وما ذكره من عدم استحباب التجديد إذا لم يؤد به صلاة لأن الغسلة تصير رابعة حكم ظاهر وتعليل حسن
ونظيره قول الشيخ أبى محمد فى الفروق ما نصه إذا توضأ فغسل وجهه مرة ويديه مرة ومسح رأسه مرة وغسل رجليه مرة ثم عاد فغسل وجهه ثانية ويديه ثانية إلى آخرها ثم فعل ذلك مرة ثالثة لم تجز انتهى
وسنعيد للفرع ذكرا إن شاء الله تعالى فى ترجمة الشيخ أبى محمد
قال أبو حفص المطوعى كان على بن عيسى الوزير منحرفا عن أبى العباس لفضل ترفعه وتقاعده عن زيارته منصبا بالميل إلى أبى عمر المالكى القاضى لمواظبته على خدمته ولذلك كان ما قلده من القضاء وكانت فى أبى عمر نخوة على أكفائه من فقهاء بغداد لعلو مرتبته فحمل ذلك جماعة من الفقهاء على تتبع فتاويه حتى ظفروا له بفتوى


"""
صفحة رقم 31 """
خالف فيها الجماعة وخرق الإجماع وانهى ذلك إلى الخليفة والوزير فعقدوا مجلسا لذلك وكان خذ أبى عمر فيه الأضرع وفيمن حضر أبو العباس ابن سريج فلم يزد على السكوت فقال له الوزير فى ذلك فقال ما أكاد أقول فيهم وقد ادعوا عليه خرق بالإجماع وأعياه الانفصال عما اعترضوا به عليه ثم إن ما أفتى به قول عدة من العلماء وأعجب ما فى الباب انه قول صاحبه مالك وهو مسطور فى كتابه الفلانى فأمر الوزير بإحضار ذلك الكتاب فكان الأمر على ما قاله فأعجب به غاية الإعجاب وتعجب من حفظه لخلاف مذهبه وغفلة أبى عمر عن مذهب صاحبه وصار هذا من أوكد أسباب الصداقة بينه وبين الوزير وما زالت عناية الوزير به حتى رشحه للقضاء فامتنع أشد الامتناع فقال إن امتثلت ما مثلته لك وإلا أجبرتك عليه قال افعل ما بدا لك فأمر الوزير حتى سمر عليه بابه وعاتبه الناس على ذلك فقال أردت أن يتسامع الناس أن رجلا من أصحاب الشافعى عومل على تقلد القضاء بهذه المعاملة وهو مصر على إبائه زهدا فى الدنيا
قلت كان هذا فى آخر حال ابن سريج وكان المسؤول عليه قضاء بغداد وأما فى أول أمره فقد قدمنا عن الشيخ أبى إسحاق أنه ولى القضاء بمدينة شيراز
ومن شعر أبى العباس ابن سريج فى مختصر المزنى
لصيق فؤادى منذ عشرين حجة
وصيقل ذهنى والمفرج عن همى
عزيز على مثلى إعارة مثله
لما فيه من علم لطيف ومن نظم
جموع لأصناف العلوم بأسرها
فأخلق به أن لا يفارقه كمى
قال القاضى أبو عاصم استدرك أبو العباس على محمد بن الحسن مسألة


"""
صفحة رقم 32 """
فى الحساب وهي إذا خلف ابنين وأوصى لرجل بمثل نصيب أحد ابنيه إلا ثلث جميع المال فإن محمدا قال المسألة محال لأنه استثنى ثلث المال فسقط
وقال أبو العباس المسألة من تسعة لأحد ابنيه أربعة والثانى مثله وواحد للموصى له وهو نصيب أحد ابنيه إلا ثلث جميع المال لأن ثلث جميع المال إذا ضم إلى نصيب الموصى له صار أربعة
قلت وهذا حسن بالغ وسواه غلط وإنما استفاد أبو العباس ذلك فيما نحسب من كلام الشافعى رضى الله عنه فى مسألة إن كان فى كمى دراهم أكثر من ثلاثة وفى كمة أربعة وهى المسألة التى ذكرناها فى ترجمة البوشنجى أبى عبد الله فقد سلك أبو العباس فى هذه المسألة ما سلكه الشافعى فى تلك كما تقدم التنبيه عليه فى ترجمة البوشنجى ووجهه أن أبا العباس جعل إلا ثلث جميع المال قيدا فى مثل النصيب يعنى مثل النصيب خارجا منه ثلث الأصل كما جعل الشافعى دراهم قيدا فى الزائد على الثلاثة
وأما قول أبى العباس إن المسألة تصح من تسعة فظاهر وقد يقال هو استثناء مستغرق وكأنه استثنى ثلثا من ثلث فتصح من ثلاثة لكل واحد سهم
قال ابن القاص فى كتاب أدب القضاء سمعت أحمد بن عمر بن سريج ينزع الحكم بشاهد ويمين من كتاب الله عز وجل من قوله تعالى ) أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ( إلى قوله تعالى ) فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله ( وسأحكى معانى ما انتزع به وإن لم أجد ألفاظه


"""
صفحة رقم 33 """
قال رحمه الله لما قال تعالى ) فإن عثر ( يعنى تبين ) على أنهما استحقا إثما ( يعنى بذلك الوصيين ) فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان ( الآية فيحلفان بالله يعنى وارثى الميت اللذين كان الوصيان حلفا أن مافى أيديهما من الوصية غير ما زاد عليهما
قال ابن سريج فالبيان الذى عثر على أنهما استحقا إثما به لا يخلو من أحد أربعة معان إما أن يكون إقرارا منهما بعد إنكارهما أو يكون شاهدى عدل أو شاهدا وامرأتين أو شاهدا واحدا وقد أجمعنا على أن الإقرار بعد الإنكار لا يوجب يمينا على الطالبين وكذلك لو قام شاهدان أو شاهد وامرأتان فلم يبق إلا شاهد واحد وكذلك استحلاف الطالبين
قال ابن القاص وقد رويت القصة التى نزلت فيها هذه الآية بنحو ما فسرها ابن سريج
ثم روى ابن القاص بإسناده حديث ابن عباس عن تميم الدارى فى هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ( الآية قال برىء الناس منها غيرى وغير عدى ابن بداء وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام فأتيا الشام لتجارتهما وقدم عليهما مولى لبنى سهم يقال له بديل بن أبى مريم بالتجارة ومعه جام من فضة يريد به الملك وهو عظيم تجارته فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله
قال تميم فلما مات أخذنا الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناها أنا وعدى بن بداء فما جئنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا وفقدوا الجام فسألوا عنه فقلنا ما ترك غير هذا


"""
صفحة رقم 34 """
قال تميم فلما أسلمت بعد قدوم النبى ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبى مثلها فوثبوا عليه فأتوا به النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم على أهل دينه فحلف فأنزل الله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا ( إلى قوله ) أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ( فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا فنزعت الخمسمائة من عدى بن بداء
وهذا الحديث هكذا أخرجه الترمذى وقال غريب وقال ليس إسناده بصحيح
وأخرج البخارى وأبو داود والترمذى أيضا أصل الحديث من غير ذكر القصة بتمامها
وفيه إشكال لأن أهل الحرب إذا أتلف بعضهم على بعض مالا لم يلزمه ضمانه وإن أسلم وقضية هذا ألا يلزم تميما ولا عديا شىء وبتقدير اللزوم فاللازم قيمة الجام بالغة ما بلغت لا الثمن الذي بيع به
وقد يجاب عن الأول بأنه إنما ضمن لأنه مقبوض بعقد لأنه كان فى يدهما إما بالوديعة أو بالوصية وكلاهما عقد وأهل الحرب لا يسقط عنهم بالإسلام قرض اقترضوه ولا معاملة تعاملوا بها بخلاف محض الإتلاف
وعن الثانى بأن الجام لعل قيمته ألف كما بيع
وقد يعترض على أصل استدلال ابن سريج بأن اليمين فى الآية ليست مع شاهد واحد كما هو محل النزاع بل مع شاهدين


"""
صفحة رقم 35 """
ويجاب بأن معنى ) لشهادتنا ( كشهادة شاهدنا وما هو إلا واحد نعم المدعى اثنان
تسمية الحاكم الشهود
كان ابن سريج يذهب كما حكاه الماوردى فى الحاوى فى باب ما على القاضى فى الخصوم والشهود إلى رأي أهل الكوفة أن الأولى للحاكم إذا ثبت الحق ألا يسمى فى سجله الشهود بل يقول ثبت عندى بشهادة من رأيت قبول قولهما احتياطا للمحكوم له فإنه متى سماهما فتح باب الطعن والقدح عليه
والمعروف عن الشافعية قاطبة عكسه احتياطا للمحكوم عليه وأنه يقول ثبت عندى بشهادة فلان وفلان
والمسألة على علو شأنها غير مصرح بها فى شرح الرافعى ولا كتب المتأخرين والخلاف فيها في الأولوية وأى الأمرين فعل كان سائغا
كذا ذكر الماوردى فى باب ما على القاضى فى الخصوم والشهود ولكن رأيت الدبيلى صرح فى كتاب أدب القضاء بأن الخلاف فى الوجوب وهذه عبارته اختلف أصحابنا هل يجب ذكر أسامى الشهود أم لا على وجهين منهم من قال يجب أن يذكر وهو أولى لطلب المشهود عليه جرحهم وذكرهم خير له ومنهم من قال إذا قال الحاكم شهد عندى جماعة عدول أرضاهم وعرفتهم أو قال سألت عن عدالتهم فرجعت المسألة إلى تزكيتهم وعدالتهم فقبلت شهادتهم جاز وإن لم يذكر أسامى الشهود انتهى
وصرح الرويانى فى البحر بالوجهين أيضا وأنه لا يجوز إبهام الحجة على أحدهما
وإلى وجه المنع أشار إليه الرافعى بقوله وفى فحوى كلام الأصحاب إشارة إلى وجه مانع من إبهام الحجة ذكره عند الكلام فى القضاء بالعلم


"""
صفحة رقم 36 """
وقد تعانى الشروطيون المتأخرون أن يجمعوا بين الأمرين فيقولون بشهادة فلان وفلان وبما يثبت بمثله الحقوق الشرعية وبعد اعتبار ما يجب اعتباره شرعا وهو عندى غير حسن فإنه إن لم يكن للحاكم مستند إلا ما صرح به وهو الغالب فذكر هذه الزيادة يوهم أن هناك شيئا آخر ويسد الباب على من لعله محق فهو كذب وظلم وإن كان له مستند آخر طواه فلا هو الذى أبداه تتميما لرعاية المحكوم عليه ولا الذى طوى غيره معه تتميما لرعاية المحكوم له ففى هذا خروج عن سبيل الفريقين
والأولى عندنا مخالفة ابن سريج والجريان على قول علمائنا فى التصريح بالمستند إلا إن كان يخاف مجادلة من يجادل بالباطل فإن استبان للقاضى وجه الصواب فى واقعة بطريق القطع أو الظن الغالب وخشى إن هو صرح بالمستند أن يجادل بالباطل ويبطل الحق فالأولى كتمان المستند وإلا فالصواب ذكره فإنه أدفع للتهمة وأنفى للريبة وأصون للدين
والرافعى اقتصر على قوله ويجوز أن لا يتعرض لأصل الشهادة فيكتب حكمت بكذا لحجة أوجبت الحكم لأنه قد يحكم بشاهد ويمين وقد يحكم بعلمه إذا جوزنا القضاء بالعلم وهذه حيلة يدفع بها القاضى قدح أصحاب الرأى إذا حكم بشاهد ويمين وفى فحوى كلام الأصحاب وجه مانع من إبهام الحجة انتهى
وهذا الوجه المانع قد يرجح ذكر الحجة لئلا ينقض عليه قضاه إذا لم يذكرها إن كان فى الناس من ينقض قضاه من يبهم الحجة فليحترز الحاكم فى ذلك والضابط أن إبداء الحجة أولى إلا أن يخاف فوات حق فليحتط الحاكم والله يعلم المفسد من المصلح وسنعيد في ترجمة الماوردى ذكر المسألة وطريق الشافعية وتقديمهم الداخل على الخارج وتبقيتهم الأمور على ما هى عليه حتى يتبين خلافه كل ذلك


"""
صفحة رقم 37 """
يقتضى توقفهم فى الأحكام ومراعاتهم جانب من يحكم عليه وطريق من يقدم بينه الخارج بالعكس


"""
صفحة رقم 38 """
فرع مستغرب ضمن فرع عن أبى العباس
نقل الرافعى فى الباب الثانى من كتاب اللقيط عن ابن سريج فيمن أقر بالرق لزيد فكذبه فأقر لعمرو تخريج القبول كما لو أقر بمال لزيد فكذبه فأقر به لعمرو والمقيس مشكل ومستدرك على أبى العباس فإن المنصوص خلافه
وقد قال الرافعى قبل هذا بقليل ما نصه الحالة الرابعة أن يقر على نفسه بالرق وهو عاقل بالغ فينظر إن كذبه المقر له لم يثبت الرق ولو عاد بعد ذلك فصدقه لم يلتفت إليه لأنه لما كذبه ثبتت حريته بالأصل فلا يعود رقيقا ولم يحك فيه خلافا فإن كان ابن سريج يوافق عليه فهو منه تناقض
لكن حكى الرافعى بعد ذلك قبل الفرع وجهين فقال ولو ادعى إنسان رقة فأنكره ثم أقر له ففي قبوله وجهان وأما المقيس عليه وهو غرضنا بالذكر فأغرب ولم يذكروه فى مظنته فى باب الإقرار فى مسألة ما إذا أقر لمنكر فربما وقع ذكره فى باب اللقيط استطرادا كما ترى
فرع اختلف فيه على أبى العباس
إذا بلغ الصبى فى أثناء الصلاة فالمحكى فى الرافعى وأكثر الكتب عن ابن سريج أنه يستحب الإتمام وتجب الإعادة عكس الصحيح من المذهب ولكن ذكر صاحب البيان أن الشيخ أبا حامد رحمه الله قال رأيت فى كتاب الانتصار لأبى العباس وجوب الإتمام واستحباب الإعادة وحكى عن أبى العباس عكسه
المشهور عن مالك رحمه الله أن من علق الطلاق بما يتحقق وجوده وقع فى الحال احتجاجا بأنه إذا أجل صار ناكحا إلى مدة وهو باطل كالمتعة
قال ابن الرفعة فى المطلب فى شرح المفتاح لابن القاص إن أبا العباس


"""
صفحة رقم 39 """
ابن سريج قال بمثل قوله فيما إذا قال إن طلعت الشمس فأنت طالق وليس المشهور عنه بل المشهور عنه فى قوله إن لم أطلقك اليوم فأنت طالق اليوم ينافى ذلك
87
أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أسباط مولى جعفر بن أبى طالب الدينورى الحافظ
هو أبو بكر ابن السنى صاحب النسائى
سمع منه ومن عمر بن أبى غيلان البغدادى وأبى خليفة وزكرياء الساجى وأبى عروبة وطبقتهم بمصر والعراق والشام والجزيرة
روى عنه أبو على أحمد بن عبد الله الأصبهانى ومحمد بن على العلوى وعلى بن عمر الأسداباذى وأحمد بن الحسين الكسار
وصنف فى القناعة وفى عمل يوم وليلة واختصر سنن النسائى
وكان رجلا صالحا فقيها شافعيا عاش بضعا وثمانين سنة
قال القاضى أبو زرعة روح بن محمد سبط ابن السنى سمعت عمى على بن أحمد بن محمد يقول كان أبى رحمه الله يكتب الحديث فوضع القلم فى أنبوبة المحبرة ورفع يديه يدعو الله تعالى فمات وذلك فى آخر سنة أربع وستين وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 40 """
88
أحمد بن محمد بن إسماعيل بن نعيم الفقيه أبو حامد الطوسى الإسماعيلى
الفقيه المحدث الزاهد
سمع بخراسان أبا عبد الله البوشنجى وطبقته
وبالجبال محمد بن أيوب وطبقته
وبالعراق أبا خليفة وطبقته
وبالكوفة أبا جعفر الحضرمى وطبقته
روى عنه الحاكم وغيره
وكان من تلامذة ابن سريج قال فيه الحاكم إنه صاحب أبا العباس ابن سريج وإنه مفتى الناحية وزاهدها
قال وكان يرد نيسابور قديما ويحدث بها
قال وأما أنا فكتبت عنه بالطابران
توفى سنة خمس وأربعين وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 41 """
89
أحمد بن محمد بن حاتم الفقيه أبو حاتم الحاتمي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
90
أحمد بن محمد بن الحسن الإمام الحافظ أبو حامد بن الشرقى تلميذ مسلم
كان قريع زمانه وحافظ وقته وفيه يقول إمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة حياة أبى حامد تحجز بين الناس والكذب على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""
صفحة رقم 42 """
قلت ولا عبرة بكلام من تكلم فيه وكان سكوته أولى به
قال السلمى سألت الدارقطنى عن أبى حامد فقال ثقة مأمون إمام قلت ممن تكلم فيه ابن عقدة قال سبحان الله ترى يؤثر فيه مثل كلامه ولو كان بدل ابن عقدة يحيى بن معين قلت وأبو على قال ومن أبو على حتى يسمع كلامه فيه وقال الخطيب أبو حامد ثبت حافظ متقن
قلت ولد سنة أربعين ومائتين
وسمع محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف وأحمد بن الأزهر وأحمد بن حفص بن عبد الله وأبا حاتم ومحمد بن إسحاق الصاغانى وعبد الله بن أبى مسرة وخلقا
روى عنه أبو بكر محمد بن محمد الباغندى وأبو العباس ابن عقدة وأبو أحمد العسال وأبو أحمد بن عدى وأبو على الحافظ وزاهر بن أحمد والحسن بن أحمد المخلدى وأبو بكر الجوزقى وغيرهم
وصنف الصحيح وحج مرات
توفى فى شهر رمضان سنة خمس وعشرين وثلاثمائة
91
أحمد بن محمد بن زكريا الأستاذ أبو العباس النسوى الزاهد الصوفى شيخ الحرم وصاحب تاريخ الصوفية
صحب الأستاذ أبا عبد الله بن خفيف وكان عارفا بمذهب الشافعى
وسمع ابن عدى وأحمد بن عطاء الروذبارى وأبا بكر الربعى وطائفة بالشام والعراق والعجم


"""
صفحة رقم 43 """
روى عنه أبو نصر بن الخباز وأبو على الأهوازى وأبو يعلى إسحاق الصابونى وطائفة
قال الخطيب كان ثقة
مات بين مصر ومكة سنة ست وتسعين وثلاثمائة
92
أحمد بن محمد بن سعيد بن إسماعيل الحافظ أبو سعيد بن أبى بكر ابن الشيخ الزاهد أبى عثمان الحيرى النيسابورى
سمع أبا عمرو الخفاف وعبد الله بن شيرويه والحسن بن سفيان وخلقا
روى عنه الحاكم أبو عبد الله وغيره
وصنف التفسير الكبير والصحيح المخرج على صحيح مسلم والأبواب وغير ذلك
ودخل بغداد فى خلق كثير
وقال واجتمع عليه الناس بها وكان من محبته للحديث يكتب بخطه ويسمع إلى أن استشهد بطرسوس فى سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة وله خمس وستون سنة
93
أحمد بن محمد بن سليمان الشيخ الإمام أبو الطيب الصعلوكى الحنفى نسبا الشافعى مذهبا عم الأستاذ أبى سهل
كان مقدما فى معرفة الفقه واللغة وكان محدثا أدرك الأسانيد العالية وصنف فى الحديث


"""
صفحة رقم 44 """
سمع يحيى بن الذهلى وعبد الله بن أحمد ومحمد بن عبد الوهاب العبدى وعلى بن الجنيد ومحمد بن أيوب وجماعة ببلاده وببغداد والرى
روى عنه الأستاذ أبو سهل والحافظ أبو عبد الله بن الأخرم
قال الحاكم وسمعت منه حديثا فى المذاكرة
قال وقد كان أمسك عن الرواية بعد أن عمر فكنا نراه حسرة
قلت عمر بضم العين وتشديد الميم ثم الراء طعن فى السن إنما ضبطته لوقوعه بخط الحفاظ مصحفا فإنه كتب عمى موضع عمر وأراه تصحيفا
توفى أبو الطيب فى رجب سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة بنيسابور
94
أحمد بن محمد بن سهل الفقيه أبو الحسين الطبسى . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


"""
صفحة رقم 45 """
95
أحمد بن محمد بن شارك الفقيه أبو حامد الهروى الشاركى عالم هراة وإمامها ومحدثها وأديبها وفقيهها ومفسرها
سمع محمد بن عبد الرحمن السامى والحسن بن سفيان النسوى وأبا يعلى الموصلى وجماعة
روى عنه أبو عبد الله الحاكم وأبو إبراهيم النصراباذى وغيرهما
قال فيه الحاكم مفتى هراة فى عصره وكان من الأدباء المذكورين
قال وكان حسن الحديث
قال وورد نيسابور سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة على أن يخرج إلى الحج وكان أبو عبد الله بن أبى ذهل الرئيس بنيسابور فمنعه عن الخروج وقال للسلطان إن خرج هذا الشيخ من هراة ظهرت غيبته على السلطان والرعية فأقام بنيسابور مدة ثم انصرف إلى هراة فتوفى بها
قلت وللحافظ أبى حامد الشاركى كتاب المخرج على صحيح مسلم لم أقف عليه


"""
صفحة رقم 46 """
قال الحاكم توفى سنة خمس وخمسين وثلاثمائة
وكذلك قال أبو النصر الفامى فى موضع وقال فى آخر توفى سنة ثمان وخمسين وهذا فيما أحسب وهم والصواب سنة خمس وخمسين
96
أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
97
أحمد بن محمد بن عبدوس بن حاتم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


"""
صفحة رقم 47 """
98
أحمد بن محمد بن الحسن بن يحيى القصرى أبو بكر السيبى أحد الأئمة
تفقه على أبى إسحاق المروزى ونشر الفقه ببلده قصر ابن هبيرة
وتوفى فى رجب سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة وله ست وسبعون سنة


"""
صفحة رقم 48 """
99
أحمد بن محمد بن القاسم بن منصور بن شهريار الشيخ أبو على الروذبارى
أحد أئمة الصوفية
واختلف فى اسمه والأصح ما ذكرناه وإياه أورد الشيخ أبو عبد الرحمن السلمى والأستاذ أبو القاسم القشيرى والشيخ أبو عمرو بن الصلاح
وقيل الحسن بن همام
وقال الخطيب وابن السمعانى محمد بن أحمد
وروذبار بضم الراء وسكون الواو والذال المعجمة وفتح الباء الموحدة وفى آخرها الراء
كان هذا الشيخ بغدادى الأصل من أبناء الوزراء والرؤساء والكتبة يتصل نسبه بكسرى أنوشروان
صحب فى التصوف الشيخ الجنيد وفى الفقه ابن سريج وفى النحو ثعلبا وفى الحديث إبراهيم الحربى وكان يفتخر بمشايخه هؤلاء
أقام بمصر وصار شيخها
وكان فقيها محدثا روى عن مسعود الرملى وغيره
روى عنه محمد بن عبد الله بن شاذان الرازى وغيره
قال أبو على الكاتب ما رأيت أحدا أجمع لعلم الشريعة والحقيقة من الروذبارى
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيرى أظرف المشايخ وأعلمهم بالطريقة
توفى سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 49 """
ومن كلامه وفوائده
قال فى حد الصوفى إنه من لبس الصوف على الصفا وسلك طريق المصطفى وأطعم الهوى ذوق الجفا وكانت الدنيا منه على القفا
وقال أنفع اليقين ما عظم الحق فى عينك وصغر ما دونه عندك وأثبت الرجاء والخوف فى قلبك
وسئل عمن يسمع الملاهى وزعمها حلالا له وقال لأنى وصلت إلى درجة لا يؤثر فى اختلاف الأحوال
فقال نعم قد وصل لعمرى ولكن إلى سقر
قلت وقد توصل من حكى هذه الحكاية إلى دعوى أنه كان لا يرى السماع والأظهر عندى فى معنى قوله أنه أنكر من هذا القائل إظهاره الوصول إلى هذه الدرجة فإن الواصل إلى هذه الدرجة لا يتظاهر بذلك إلا عن إذن وليس مراد الروذبارى تحريم السماع ولا إنكار أن بعض الناس لا يؤثر فيه اختلاف الأحوال وكيف يكون ذلك ومن كلام الروذبارى أيضا السماع مكاشفة الأسرار إلى مشاهدة المحبوب أسنده عنه الأستاذ أبو القاسم فى الرسالة
وعن الروذبارى جزت بقصر فرأيت شابا حسن الوجه مطروحا وحوله ناس فسألت عنه فقالوا إنه جاز بهذا القصر وجارية تغنى
كبرت همة عبد
طمعت فى أن تراكا
أو ما حسب لعينى
أن ترى من قد رآكا
أسنده القشيرى أيضا عنه


"""
صفحة رقم 50 """
وعن فاطمة أخت أبى على الروذباري قالت لما قرب أجل أخى أبى على وكان رأسه فى حجرى فتح عينيه وقال هذه أبواب السماء فتحت وهذه الجنان قد زينت وهذا قائل يقول لى يا أبا على قد بلغناك الرتبة القصوى وإن لم تردها ثم أنشد يقول
وحقك لا نظرت إلى سواكا
بعين مودة حتى أراكا
أراك معذبى بفتور لحظ
وبالخد المورد من جناكا
ثم قال يا فاطمة الأول ظاهر والثانى فيه إشكال
كذا أورد الحكاية القشيرى وغيره
وما أحسن إشكاله الثانى وليس هو عند التحقيق بمشكل ولكنه والله أعلم استقصر عقول النساء عن دركه وخشى عليهن غائلة أن يفهمن أن الأمر على ظاهره
وعن الروذبارى رأيت فى البادية حدثا فلما رآنى قال أما يكفيك أنه شغفنى بحبه حتى علنى ثم رأيته يجود بروحه فقلت له قل لا إله إلا الله فأنشأ يقول
أيا من ليس لى عنة
وإن عذبنى بد
ويا من نال من قلبى
منالا ما له حد
وعنه قدم علينا فقير فمات فدفنته وكشفت عن وجهه لأضعه فى التراب ليرحم الله غربته ففتح عينيه وقال يا أبا على أتذللنى بين يدى من دللنى فقلت له يا سيدى أحياة بعد موت فقال بل أنا حى وكل محب لله حى لأنصرنك غدا بجاهى يا روذبارى
وعنه من الاغترار أن تسئ فيحسن إليك فتترك الإنابة توهما أنك تسامح فى الهفوات وترى أن ذلك من بسط الحق لك


"""
صفحة رقم 51 """
وعنه المريد الذى لا يريد لنفسه إلا ما أراد الله له والمراد لا يريد من الكونين شيئا غيره
وقال الصول على من دونك ضعف وعلى من فوقك قحة
وقال التوبة الاعتراف والندم والإقلاع
وأنشد لنفسه
روحى إليك بكلها قد أجمعت
لو أن فيك هلاكها ما أقلعت
تبكى إليك بكلها عن كلها
حتى يقال من البكاء تقطعت
فانظر إليها نظرة فلطالما
متعتها من نعمة فتمتعت
وقال كيف تشهده الأشياء وبه فنيت ذواتها عن ذواتها أم كيف غابت الأشياء عنه وبه ظهرت بصفاته فسبحان من لا يشهده شئ ولا يغيب عنه شئ
وقال أظهر الحق الأسامى وأبداها للخلق ليسكن بها شوق المحبين إليه وتأنس قلوب العارفين له
وأنشد لنفسه
إن الحقيقة غير ما تتوهم
فانظر لنفسك أى حال تعزم
أتكون فى القوم الذين تأخروا
عن حقهم أو فى الذين تقدموا
لا تخدعن فتلوم نفسك حين لا
يجدى عليك تأسف وتلوم
ومن شعر الروذبارى
لو كل جارحة منى لها لغة
تثنى عليك بما أوليت من حسن
لكان مازان شكرى إذا أشرب به
إليك أجمل فى الإحسان والمنن


"""
صفحة رقم 52 """
ومنه
ولو مضى الكل منى لم يكن عجبا
وإنما عجبى للبعض كيف بقى
أدرك بقية فيك قد تلفت
قبل الفراق فهذا آخر الرمق
قال أبو على التفكر على أربعة أوجه فكرة فى آيات الله وعلامتها تولد المحبة وفكرة فى وعد الله بثوابه وعلامتها تولد الرغبة وفكرة فى وعيده تعالى بالعذاب وعلامتها تولد الرهبة وفكرة فى جفاء النفس مع إحسان الله وعلامتها تولد الحياء من الله
وأنشد
فإن شئتم وصلى فذاك أريده
وإن شئتم هجرى فذلك أوثر
ألست أرى أهلا بحال يسركم
بذلك أزهو ما حييت وأفخر
ومن شعره أيضا
بك كتمان وجده بك عنه
لك منه وعنك مالك منه
من إذا لاح مشرقى
هام وجدا عليك إن لم تكنه
وإذا قال لا أقول ببين
بان عنه فبان إن لم تبنه
يا فتى الحب بل فتى الحق سرى
عنك مستودع لديك فصنه
وقال ما ادعى أحد قط إلا لخلوة عن الحقائق ولو تحقق فى شئ لنطقت عنه الحقيقة وأغنته عن الدعوى


"""
صفحة رقم 53 """
وقال كان عندنا ببغداد عشرة فتيان معهم عشرة أحداث مع كل واحد واحد وكانوا مجتمعين فى موضع فوجهوا واحدا من الأحداث ليأخذ لهم حاجة فأبطأ عليهم وغضبوا من تأخيره ثم أقبل وهو يضحك وبيده بطيخة يقلبها ويشمها فقالوا له احتبست عنا ثم جئتنا تضحك
فقال جئتكم بفائدة رأيت بشر بن الحارث وضع يده على هذه البطيخة فلم أزل واقفا حتى اشتريتها بعشرين درهما أتبرك بموضع يده عليها
فأخذ كل واحد منهم البطيخة وجعل يقبلها ويضعها على عينيه فقال واحد منهم بشر كان معنا صاحب عصبية أيش بلغ به هذا كله حتى تفعلوا به هذا
قالوا تقوى الله والعمل الصالح
فقال أنا أشهد الله وأشهدكم أنى تائب إلى الله من كل شئ لا يرضاه منى وأنا على حالة بشر وطريقته
فقالوا كلهم مثل ذلك فتابوا بأجمعهم وخرجوا إلى طرسوس وغزوا واستشهدوا كلهم فى موضع واحد
وأنشد أبو على لنفسه
فلاذوا به من بعد كل نهاية
لياذ مقر بالخضوع مع الحد
بعجز وتقصير عن الواجب الذى
به عرفوه للودود من الود
وكان لهم بالعز فى غاية المنى
شكورا لما أولاه من رتب الحمد
ومن بأسرار الذخائر بينه
وبينهم عن مضمر الكتم للجهد
وروى أن أبا على اتخذ مرة أحمالا من السكر الأبيض ودعا بجماعة من الحلاوانيين حتى عملوا من السكر جدارا عليه شرافات ومحاريب على أعمدة ونقشوها كلها من سكر ثم دعا الصوفية حتى هدموها وكسروها وانتهبوها


"""
صفحة رقم 54 """
ومن كلامه المشاهدات للقلوب والمكاشفات للأسرار والمعاينات للبصائر والمرايات للأبصار
100
أحمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن عبدة التميمي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
101
أحمد بن محمد بن محمد بن جعفر أبو بشر الهروى . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


"""
صفحة رقم 55 """
102
أحمد بن محمد أبو العباس الديبلى الخياط الزاهد
سكن مصر
قال ابن الصلاح ذكره أبو العباس النسوى فى كتابه وذكر أنه كان فقيها جيد المعرفة بالفقه على مذهب الشافعى
وكان قوته وكسبه من خياطته كان يخيط قميصا فى جمعة بدرهم ودانقين طعامه وكسوته من ذلك غلاء ورخصا ما ارتفق من أحد بمصر بشربة ماء
وكان رجلا صالحا من أرباب الأحوال والمكاشفات له كرامات ظاهرة وأحوال سنية
حضر أبو العباس النسوى وأبو سعد المالينى وفاته فذكرا العجب من حضوره وتلاوته إلى أن خرجت روحه


"""
صفحة رقم 56 """
مات فى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة
وقد ظن بعض الناس أنه الدبيلى صاحب أدب القضاء وليس كذلك ذاك على ابن أحمد وهذا أحمد بن محمد
وليس فى كتاب الأنساب لابن السمعانى واحدة من هاتين النسبتين
103
أحمد بن مسعود بن عمرو بن إدريس بن عكرمة أبو بكر الزنبرى بفتح الزاى ثم النون ثم الباء بنقطة من تحتها نسبة إلى الجد
ذكره ابن ماكولا وابن السمعانى وقالا إنه سمع الربيع بن سليمان وبحر بن نصر ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم
روى عنه أبو بكر بن المقرى وأبو حفص ابن شاهين وأبو سعيد ابن يونس وأبو القاسم الطبرانى وغيرهم
مات فى شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 57 """
وتقدم محمد بن بشر الزنبرى فى الطبقة الثانية وهذان وإن اختلفا من طبقة واحدة غير أن سنة وفاة ذاك لم تتحرر فأوردناه مع أصحاب الإمام الأعظم
104
أحمد بن منصور بن عيسى . . . . . . . . . . . . . . . . . .
105
أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد المقرىء أبو بكر
شيخ القراء فى وقته ومصنف السبعة
ولد سنة خمس وأربعين ومائتين
سمع الرمادى وسعدان بن نصر ومحمد بن عبد الله المخرمى وأبا بكر الصغانى وجماعة
قرأ القرآن على قنبل وأبى الزعراء بن عبدوس وغيرهما


"""
صفحة رقم 58 """
روى عنه الحديث أبو حفص بن شاهين وأبو بكر بن شاذان والدارقطنى وخلق
وكان ثقة مأمونا قرأ عليه القرآن خلائق
قال عبد الواحد بن أبى هاشم سأل رجل ابن مجاهد لم لا تختار لنفسك حرفا يحمل عنك قال نحن إلى أن نعمل أنفسنا فى حفظ ما مضى عليه أئمتنا أحوج منا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا
وقال ثعلب ما بقى فى عصرنا أعلم بكتاب الله من ابن مجاهد
وعن عبيد الله الزهرى قال انتبه أبي فقال رأيت يا بنى كأن من يقول مات مقوم وحى الله فلما أصبحنا إذا بابن مجاهد قد مات
وقال أبو عمرو الدانى فاق ابن مجاهد فى عصره سائر نظاره من أهل صناعته مع اتساع علمه وبراعة فهمه وصدق لهجته وظهور نسكه
توفى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة
ومن كلامه وفوائده
قال من قرأ لأبى عمرو وتمذهب للشافعى واتجر فى البز وروى شعر ابن المعتز فقد كمل ظرفه
قيل إن ابن مجاهد قال للشيخ أبى بكر الشبلى رضى الله عنه أين في العلم إفساد ما ينتفع به
قال له فأين قوله ) فطفق مسحا بالسوق والأعناق ( ولكن أين معك يا مقرىء فى القرآن المحب لا يعذب حبيبه
فسكت قال الشبلى قوله تعالى ) وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه (


"""
صفحة رقم 59 """
106
أحمد بن أبى أحمد الطبرى الشيخ الإمام أبو العباس بن القاص
إمام عصره وصاحب التصانيف المشهورة التلخيص والمفتاح وأدب القاضى والمواقيت وغيرها فى الفقه
وله مصنف فى أصول الفقه والكلام على حديث يا أبا عمير رواه عنه تلميذه القاضى أبو على الزجاجى
كان إماما جليلا أخذ الفقه عن أبى العباس بن سريج
وحدث عن أبى خليفة ومحمد بن عبد الله المطين الحضرمى ومحمد بن عثمان بن أبى شيبة ويوسف بن يعقوب القاضى وعبد الله بن ناجية وغيره
وحديثه موجود فى أدب القضاء وغيره من تصانيفه
أقام بطبرستان وأخذ عنه علماؤها وأظن أبا على الزجاجى أخذ عنه هناك ثم انتقل بالآخرة إلى طرسوس ليقيم على الرباط
والمشهور أنه ابن القاص وجعله أبو سعد بن السمعانى نفسه القاص
قال وإنما سمى بذلك لدخوله ديار الديلم ووعظه بها وتذكيره فسمى القاص لأنه كان يقص
قال وكان من أخشع الناس قلبا إذا قص فمن ذلك ما يحكى أنه كان يقص على الناس بطرسوس فأدركته روعة مما كان يصف من جلال الله وعظمته وملكوته من خشية ما كان يذكر من بأسه وسطوته فخر مغشيا عليه ومات


"""
صفحة رقم 60 """
وحكى تلميذه القاضى أبو على الزجاجى أن رجلا حمل ثورا من طريق قرية إلى قرية أخرى لإنسان آخر فتعرض له بعض اللصوص وخوفه بالقتل إن لم يسلمه إليه فأعطاه الثور خوفا منه على روحه لبقاء مهجته فاختلف علماء الوقت فى تغريم قيمة الثور من حمله فأوجب أبو العباس بن القاص الغرامة على حامله لأنه افتدى نفسه بمال غيره وهذا ما صححوه فى الوديعة وقال أبو جعفر الحناطى لا غرامة عليه لأنه أكره على ذلك فاتفق أن أبا على الزجاجى الحاكى رأى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى المنام وسأله عن هذه المسألة فقال الصواب ما قال أستاذك ابن أبى أحمد ففرح القاضى أبو على الزجاجى لموافقة أستاذه الصواب
قلت أبو جعفر الحناطى هو والد أبى الحسين الحناطى المشهور ويقال إنه قرأ على ابن القاص وسنترجمه إن شاء الله تعالى آخر هذه الطبقة عند ذكر المعروفين بكناهم
مات ابن القاص بطرسوس سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة
ومن الغرائب عنه
قال ابن القاص فى أدب القضاء فيما إذا رجع شاهدا الأصل المشهود على شهادتهما وقالا ما أشهدنا شهود الفرع أو سكتا ولم يقولا شيئا إنه لا ضمان عليهما ولا على شهود الفرع وقال قلته تخريجا
وقال فيه أيضا فى باب ما لا يجب فيه اليمين إن الشافعى قال لو ادعى على رجل أنه ارتد وهو منكر لم أكشف عن الحال وقلت له اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنه برىء من كل دين خالف الإسلام انتهى
وهو نص حسن يؤخذ منه ما تعم به البلوى فيمن يدعى عليه بالكفر وهو ينكر فلا يتوقف الحكم بإسلامه على تقريره به وبذلك أفتى الوالد رحمه الله وصنف فيه


"""
صفحة رقم 61 """
مصنفا رد به على الشيخ تقى الدين ابن دقيق العيد فى دعواه خلافه ولم يكن الوالد وقف على هذا النص فلما وقفت أنا عليه أريته له فأعجبه
وقال ابن القاص في المفتاح فى زكاة التجارة إنها تجب فى الموروث والموهوب
ولا يعرف من قال به فى الموروث مطلقا ولا فى الموهوب إلا إذا كان شرط الثواب أو كان مطلقا وقلنا المطلقة تقتضى الثواب وقد تكلمت على كلامه من أجوبة سؤالات وردت على من حلب أرسلها الشيخ شهاب الدين الأذرعى تتعلق بكتابى التوشيح وغيره وذكرت قول الأستاذ أبى منصور في خطبة شرح المفتاح إن هذا لا يوافق المذهب
تحليف المقذوف
فى الرافعى و الروضة حكاية قولين فى أنه هل للقاذف تحليف المقذوف أنه لم يزن وأن الموافق بجواب الأكثرين أن له ذلك ولم يفصحا بكيفية الحلف على القول به بل قولهما إنه لم يزن قد يشيرإلى الاكتفاء بهذه العبارة فى الحلف ولا يكتفى بذلك فى المسألة فإنه وقع استطرادا غير مقصود ولم يكن مقصودهما إلا أصل ثبوت الحلف لا تعريف صيغته والمسألة مسطورة
قال ابن القاص يحلف بالله أنه عفيف
وقال أبو زيد المروزى يحلف بالله أنه ليس بزان
قلت ووجه قول أبي زيد ولعله المستقر فى نفس الرافعى ولذلك عبر باللفظ الذى حكيناه أنه صورة جوابه فإن المقذوف إنما يقول فى جواب أنت زان لست


"""
صفحة رقم 62 """
بزان أو نحوه وقد لا يكون زانيا ولا عفيفا ألا ترى أن من وطئ محرما مملوكة له ليس بعفيف على المذهب ومن ثم لا يحد قاذفه وما هو بزان للشبهة وبهذا يتوجه كلام ابن القاص فإنه يقول إنما يثبت الحد بوجود العفة لا بانتفاء الزنا فليحلف على العفة
والخلاف بين ابن القاص وأبى زيد حكاه شريح فى أدب القضاء وغيره ومن العجب أن القفال ذكر فى أوائل أدب القضاء من شرح التلخيص كلام أبى زيد مقتصرا عليه ولم يذكر كلام ابن القاص
فرع هل يكفى فى الشهادة على الشهادة مطلق الاسترعاء أو لابد من استرعاء الشاهد بخصوصه
هذه المسألة من مخرجات أبى العباس بن القاص ذكر فى كتاب أدب القضاء فى باب ذكر الشهادة على الشهادة أن الشافعى وأبا حنيفة اختلفا فيها
فقال الشافعى يجوز لهما أن يشهدا على شهادة من سمعاه يسترعى شاهدا وإن لم يسترعهما قال قلته تخريجا
وبهذا جزم الرافعى فقال وإذا حصل الاسترعاء لم يختص التحمل بمن استرعاه بل لزيد التحمل والأداء باسترعاء عمرو خلافا لأبى حنيفة ولم يزد على هذا القدر مع أن المسألة كبيرة خلافية وقد بسطها الإمام فى النهاية فجزم بما جزم به الرافعى وبين وجهه فقال
ثم أجمع أصحابنا على أن الاسترعاء فى عينه ليس شرطا بل إذا جرى لفظ الشهادة من شاهد الأصل على وجه لا يحتمل إلا الشهادة فيصير السامع فرعا له وإن لم يصدر من جهته أمرا وأذن فى تحمل الشهادة إلى أن قال ولو أشهد شاهد الأصل زيدا على


"""
صفحة رقم 63 """
شهادته وكان عمرو بالحضرة فلعمرو أن يتحمل الشهادة كما لزيد المسترعى فإنه لما استرعى زيدا فقد تبين تجريد القصد فى الشهادة وهو المطلوب فيتحملها عنه وإن لم يتعلق الاسترعاء به فإن الشهادة على الشهادة ليست استنابة من شاهد الأصل ولا توكيلا وإنما الغرض منه حصول الشهادة فى حقها مقصودة مجردة مرفاة عن احتمال الكلام الذى قد يجريه الإنسان من غير ثبت انتهى
وأقول اقتصر صاحب البيان على عزو ذلك إلى ابن القاص والمسعودى ولكن جزم به أيضا القاضى أبو سعد فى الإشراف وكلام طوائف من أصحابنا العراقيين وغيرهم كالصريح فى اشتراط استرعاء الشاهد بخصوصه وعلى ذلك تدل عبارة صاحب التنبيه وصرح القاضى شريح فى أدب القضاء بالخلاف فيه
المحمدون من أهل هذه الطبقة
107
محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يوسف أبو الحسن الكاتب
من أجل فقهائنا
قال ابن باطيش ولد سنة إحدى وثمانين ومائتين بالحسنية
108
محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الهروى أبو منصور الأزهرى الهروى
اللغوى صاحب تهذيب اللغة
ولد سنة اثنتين وثمانين ومائتين


"""
صفحة رقم 64 """
وسمع بهراة من الحسين بن إدريس ومحمد بن عبد الرحمن السامى وطائفة
ثم رحل إلى بغداد فسمع أبا القاسم البغوى وأبا بكر بن داود وإبراهيم بن عرفة نفطويه وابن السراج وأبا الفضل المنذرى وعبد الله بن عروة وغيرهم
روى عنه أبو يعقوب القراب وأبو ذر عبد بن أحمد وأبو عثمان سعيد القرشى والحسين الباشانى وعلى بن أحمد بن خمرويه وغيرهم
وكان إماما فى اللغة بصيرا بالفقه عارفا بالمذهب عالى الإسناد ثخين الورع كثير العبادة والمراقبة شديد الانتصار لألفاظ الشافعى متحريا فى دينه أدرك ابن دريد وامتنع أن يأخذ عنه اللغة
وقد حمل اللغة عن الأزهرى جماعة منهم أبو عبيد الهروى صاحب الغريبين
ومن مصنفات الأزهرى التهذيب عشرة مجلدات وكتاب التقريب فى التفسير وكتاب تفسير ألفاظ المزنى وكتاب علل القراءات وكتاب الروح وما ورد فيها من الكتاب والسنة وكتاب تفسير الأسماء الحسنى وتفسير إصلاح المنطق وتفسير السبع الطول وتفسير ديوان أبى تمام
وأسر مرة أسرته القرامطة فحكى عن نفسه أنه وقع فى أسر عرب نشأوا فى البادية يتتبعون مساقط الغيث أيام النجع ويرجعون إلى أعداد المياه فى محاضرهم زمن القيظ ويتكلمون بطبائعهم البدوية ولا يكاد يوجد فى منطقهم لحن أو خطأ فاحش


"""
صفحة رقم 65 """
قال فبقيت فى أسرهم دهرا طويلا واستفدت منهم ألفاظا جمة ثم توفى فى شهر ربيع الآخر سنة سبعين وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 66 """
ومن الرواية والفوائد عن أبى منصور
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أخبرنا أبو على الخلال أخبرنا عبد الله بن عمر


"""
صفحة رقم 67 """
ح وكتب إلى أحمد بن أبى طالب عن ابن عمر أخبرنا عبد الأول بن عيسى


"""
صفحة رقم 68 """
أخبرنا أبو إسماعيل عبد الله بن محمد أخبرنا على بن أحمد بن خميرويه حدثنا محمد ابن أحمد بن الأزهر إملاء حدثنا عبيد الله بن عروة حدثنا محمد بن الوليد عن غندر عن شعبة عن الحكم عن على بن الحسين عن مروان بن الحكم قال شهدت عثمان وعليا فنهى عثمان عن المتعة وأن يجمع بينهما فلما رأى ذلك على أهل بهما فقال لبيك بحجة وعمرة فقال عثمان ترانى أنهى الناس وأنت تفعله فقال لم أكن لأدع سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لقول أحد من الناس
قال شيخنا أبو عبد الله الحافظ إسناده صحيح
قال وهو شئ غريب إذ فيه رواية على بن الحسين عن مروان وفيه تصويب مروان اجتهاد على رضى الله عنه على اجتهاد عثمان رضى الله عنه مع كون مروان عثمانيا
قيل وجد على أصل كتاب التهذيب بخط الأزهرى
وإن عناء أن تعلم جاهلا
ويحسب جهلا أنه منك أعلم
متى يبلغ البنيان يوما تمامه
إذا كنت تبنيه وآخر يهدم
فكيف بناء خلفه ألف هادم
وألف وألف ثم ألف وأعظم


"""
صفحة رقم 69 """
109
محمد بن أحمد بن حمدان بن على بن عبد الله بن سنان أبو عمرو ابن الزاهد أبى جعفر الحيرى النيسابورى
الزاهد المقرئ الفقيه المحدث النحوى
أدرك أبا عثمان الحيرى وسمع منه سنة خمس وتسعين ومائتين
سمع أبا بكر محمد بن زنجويه بن الهيثم وأبا عمرو أحمد بن نصر وجعفر بن أحمد الحافظ
ورحل فسمع من الحسن بن سفيان سنة تسع وتسعين مسنده ومسند شيخه أبى بكر بن أبى شيبة وسمع من أبى يعلى الموصلى مسنده ومن عبدان الأهوازى وزكرياء الساجى ومحمد بن جرير الطبرى وأبى العباس بن السراج وابن خزيمة وخلق
روى عنه الحاكم أبو عبد الله وأبو نعيم الحافظ وأبو سعيد محمد بن على النقاش وأبو العلاء صاعد بن محمد الهروى وأبو حفص بن مسرور وعبد الغافر بن محمد الفارسى وأبو سعد الكنجروذى وأبو عثمان سعيد بن محمد البحيرى وأبو سعد وآخرون
وكان المسجد فراشه نيفا وثلاثين سنة ثم لما عمى وضعف نقل إلى بعض أقاربه بالحيرة من نيسابور وصحب الزهاد


"""
صفحة رقم 70 """
قال الحاكم ولد له بنت وهو ابن تسعين سنة وتوفى وزوجته حبلى فبلغنى أنها قالت له عند وفاته قد قربت ولادتى فقال سلميه إلى الله فقد جاءوا ببراءتى من السماء وتشهد ومات فى الوقت رحمه الله
توفى فى الثامن والعشرين من ذى القعدة سنة ست وسبعين وثلاثمائة وصلى عليه أبو أحمد الحاكم الحافظ
وقع لنا حديثه بعلو
110
محمد بن أحمد بن الربيع بن سليمان بن أبى مريم أبو رجاء الأسوانى أحد فقهائنا
ذكره أبو سعيد بن يونس وقال كتب عن على بن عبد العزيز وكان فقيها على مذهب الشافعى أديبا فصيح اللسان وله نظم ومن نظمة قصيدة ذكر فيها أخبار العالم وقصص الأنبياء عليهم السلام وكتاب مختصر المزنى والطب والفلسفة وغير ذلك
سئل قبل موته كم بلغت قصيدتك قال ثلاثين ألفا ومائة ألف بيت وبقى على أشياء تحتاج إلى زيادة
توفى فى ذى الحجة سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة
قلت وقفت له على كتاب جمل الأصول الدالة على الفروع فى الفقه فى مجلدين لطيفين وقف دار الحديث الأشرفية بدمشق ويعنى بالأصول نصوص الشافعى فيما أحسب ذكر أنه اختصره من كتب الشافعي وقد أجاد فيه تلخيص النصوص وربما اعترض أو نظر كقوله فى باب الوصية منه وإن أوصى له بجمل أو بعير لم يعط ناقة وفيه نظر انتهى


"""
صفحة رقم 71 """
فإن أراد التنظير بالنسبة إلى البعير فقد قاله الأصحاب واستشكلوا النص على أن البعير لا يتناول الناقة وصححوا أنه يتناوله وإن أراد بالنسبة إلى الجمل أيضا كما هو ظاهر إطلاقه فغريب فالمعروف عند الأصحاب ما هو المنصوص من أن الجمل لا يتناول الناقة وبالعكس
وقال فى هذا الباب أيضا وإن أوصى بثلثه للغازى فى سبيل الله أو للمساكين فهم الذين من البلد الذي فيه ماله انتهى
وهذا وجه والصحيح جواز النقل والصرف إلى من فى بلد أخرى وقد نبهنا قوله البلد الذى فيه ماله على أنه لو كان فى بلد وماله فى آخر كانت العبرة عند من لا يرى النقل ببلد ماله لا بلده وهى مسألة
111
محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد الفاشانى
من قرية فاشان إحدى قرى مرو بفاء مفتوحة ثم ألف ثم شين معجمة ثم ألف ثم نون
هو الشيخ الإمام الجليل شيخ الإسلام أبو زيد المروزى المنقطع القرين فليس من يساجله والمنقطع القرين يتركه مصفرا أنامله والمنقطع إلى رب العالمين فلا يعامر سواه ولا يعامله فرد الأمة فى عصره وواحد الزمان باتفاق أهل مصره وغير مصره أبو زيد فى العلم وعمرو وبكر وخالد وشيخ كل صادر من المريدين ووارد أحد الأفراد علما وورعا وواحد الآحاد إفرادا وجمعا
مولده سنة إحدى وثلاثمائة
حدث عن محمد بن يوسف الفربرى وعمر بن علك المروزى ومحمد بن عبد الله السعدى وأبى العباس الدغولى وأحمد بن محمد المنكدرى وغيرهم


"""
صفحة رقم 72 """
روى عنه الهيثم بن أحمد الصباغ وعبد الواحد بن مشماس وعبد الوهاب الميدانى وأبو عبد الله الحاكم وأبو عبد الرحمن السلمى وغيرهم من النيسابوريين
وأبو الحسن الدارقطنى كذا قال الذهبى مع تقدمه ولم يتقدم لا مولدا ولا وفاة نعم هو أكثر الرواة عنه وأبو بكر البرقانى ومحمد بن أحمد المحاملى وغيرهم من البغداديين
والفقيه أبو محمد عبدالله بن إبراهيم الأصيلي وآخرون
وكان ممن أجمع الناس على زهده وورعه وكثرة علمه وجلالته فى العلم والدين قال الحاكم كان أحد أئمة المسلمين ومن أحفظ الناس لمذهب الشافعى وأحسنهم نظرا وأزهدهم فى الدنيا سمعت أبا بكر البزار يقول عادلت الفقيه أبا زيد من نيسابور إلى مكة فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة
وقال الخطيب كان أحد أئمة المسلمين حافظا لمذهب الشافعى حسن النظر مشهورا بالزهد والورع
وقال الشيخ أبو إسحاق كان حافظا للمذهب حسن النظر مشهورا بالزهد وحدث بالجامع الصحيح للبخارى
قال الحاكم وهى من أجل الروايات لجلالة أبى زيد
وقال الخطيب أبو زيد أجل من روى ذلك الكتاب
قلت وعجبت من إغفال الحاكم سماع صحيح البخارى منه إن كان أغفله ثم عجبت من إغفال الناس أخذه عن الحاكم إن كان لم يغفله
وقد جاور أبو زيد بمكة على علو السن مدة حتى كاد يعرفه ركن الحطيم ويألفه مقام إبراهيم ويشكر سعيه الصفا ويذكر محامده إخوان الصفا ينشر العلم ويشيعه


"""
صفحة رقم 73 """
ويطوى الليل ولا يضيعه حتى تضوع منه مسكا بطن نعمان وترفع بحلوله قدرا ما هنالك من الأركان
قال الحاكم سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد الفقيه يقول سمعت أبا زيد المروزى يقول لما عزمت على الرجوع إلى خراسان من مكة تقسم قلبى بذلك وكنت أقول متى يمكننى هذا والمسافة بعيدة والمشقة لا أحتملها وقد طعنت فى السن فرأيت فى المنام كأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قاعد فى صحن المسجد الحرام وعن يمينه شاب فقلت يا رسول الله قد عزمت على الرجوع إلى خراسان والمسافة بعيدة فالتفت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الشاب وقال ( يا روح الله آصحبه إلى وطنه )
وقال أبو زيد فأريت أنه جبريل عليه السلام فانصرفت إلى مرو ولم أحس بشئ من مشقة السفر هذا أو نحوه فإنى لم أراجع المكتوب عندى من لفظ أبى الحسن انتهى كلام الحاكم
وفيه كما أرى أبو الحسن محمد بن أحمد وحكاه كذلك عن الحاكم الحافظ ابن عساكر فى كتاب تبيين كذب المفترى وابن الصلاح فى الطبقات وأبو الحسن تقدم فى الأحمدين وتقدمت عنه هذه الحكاية وتقدم قول الحاكم أخبرنى الثقة أنه أحمد بن محمد فلا تتوهمن أنه اثنان وإنما هو واحد فى اسمه اختلاف وذكر الحاكم ترجمته فى موضعين فليضبط ذلك


"""
صفحة رقم 74 """
ومما يذكر من ورع الشيخ أبى زيد قال القاضى الحسين فى التعليقة قال الشيخ القفال سألت الشيخ أبا زيد لم جوز الشافعى صلاة النفل فى السفر راكبا وماشيا غير مستقبل
فقال إن للناس أورادا كثيرة وربما يحتاج المرء إلى الخروج إلى السفر فى معاشه ومكاسبه فلو قلنا إنه لا تجوز له النافلة فى السفر لأدى ذلك إلى أن يشتغل بالأوراد وينقطع عن معايشه
وقال أيضا سألت أبا عبد الله الخضرى عن هذا فقال ربما كان للإنسان أوراد كثيرة وخرج إلى السفر فى بعض حوائجه لأمر معاشه فلو قلنا لا تجوز له النافلة فى السفر لأدى ذلك إلى تركه الأوراد واشتغاله بمعاشه
قال القفال انظروا إلى فضل ما بينهما فإن أبا زيد كان رجلا زاهدا فقدم أمر الدين على الدنيا فى الجواب وكان الخضرى مشغولا بالدنيا وصلاته كصلاة الفقهاء فقدم أمر الدنيا
قلت ثم ما كان ورع الشيخ أبى زيد بحيث يخرجه إلى الحد الذى ينتهى إليه أهل الوسوسة من عوام المتورعين الذين إذا أعطوا يسيرا من الديانة مع الجهل تنطعوا فى الجزئيات يدل على ذلك أن أصحابنا يقولون فيما إذا تنجس الخف بخرزه بشعر الخنزير ثم غسل سبعا إحداهن بالتراب أنه يطهر ظاهره دون باطنه وهو موضع الدروز
وقال الرافعى فى أواخر باب الأطعمة ويقال إن الشيخ أبا زيد كان يصلى مع الخف النوافل دون الفرائض فراجعه القفال فيه فقال إن الأمر إذا ضاق اتسع


"""
صفحة رقم 75 """
قال الرافعى أشار به إلى كثرة النوافل
قال النووى بل الظاهر أنه أشار إلى أن هذا القدر مما تعم به البلوى ويتعذر أو يشق الاحتراز منه فعفى عنه مطلقا وإنما كان لا يصلى فيه الفريضة احتياطا لها وإلا فمقتضى قوله العفو فيهما ولا فرق بين الفرض والنفل فى اجتناب النجاسة ويدل على صحة ما تأولته أن القفال قال سألت أبا زيد عن جواز الصلاة فى الخف يخرز بشعر الخنزير فقال الأمر إذا ضاق اتسع
قال القفال مراده أن بالناس حاجة إلى الخرز به فللضرورة جوزنا ذلك
قلت لم يتضح لى مخالفة كلام النووى للرافعى بل قول الرافعى إن أبا زيد أشار به إلى كثرة النوافل معناه ما ذكره النووى من أن كثرتها اقتضت ألا يحتاط لها كما يحتاط للفريضة من أجل المشقة
وذكر ابن الرفعة فى باب مسح الخف أن أبا زيد فى كلامه هذا متبع للشافعى
قال فإن الخطابى حكاه عنه عند الكلام فى الذباب يقع فى الماء القليل أن مبنى الشريعة على أن الأمر إذا ضاق اتسع
قال ابن الرفعة على أنه يمكن أن يعلل ذلك بأن الداخل من مواضع الخرز قد انسد بالخيط فصار فى حكم البطون والنجاسة فى الباطن لا تمنع الصحة بدليل أن ظاهر نص الشافعى صحة الصلاة فى جلد الميتة المدبوغ وإن قلنا الدباغ لا يطهر باطنه ونصه على أنه لو سقى سيفه شيئا نجسا طهر بإفاضة الماء على ظاهره ولأجله والله أعلم قال بعض أصحابنا إذا حمل قارورة فيها نجاسة بعد تصميم رأسها فى صلاته تصح انتهى
قلت وحاصله محاولة أنه معفو عنه وأنه صار باطنا لا يعطى حكم النجاسة
وقد يقال لو كان كذلك لصلى فيه الفرض والنفل جميعا
ويجاب بأن القول بأنه لا تمتنع الصحة ليس قطعيا بل هو مظنون فاحتيط فيه للفرض ما لم يحتط للنفل


"""
صفحة رقم 76 """
توفى الشيخ أبو زيد بمرو فى يوم الخميس ثالث عشر رجب سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة
ذكر نخب وفوائد ومسائل عن الشيخ أبى زيد
نقل الشيخ أبو على قبيل كتاب الصلاة من شرح الفروع أن بعض أصحابنا قال إن الطواف وإن كان نفلا يلزم بالشروع فيه ثم ذكر ما حاصله أن الشيخ أبا زيد موافق على ذلك وهذا غريب
ذكر إمام الحرمين فى آخر النهاية فى الفروع المنثورة أن الحليمى كتب إلى الشيخ أبى زيد يستفتيه فيمن اشترى جارية فأتت بولد فادعى أنها ولدته بعد الشراء وقال البائع بل قبله
فأجابه أبو زيد بأن القول قول البائع لأن الأصل ثبوت ملكه فى الحمل والأصل عدم البيع فى وقت الولادة
قال الإمام هكذا حكاه الشيخ أبو على ولم يزد عليه
قال وكذا حكاه الإمام ولم يزد عليه ولم أر من تكلم عليه وفيه نظر
وصورة المسألة أن يكون الحمل موجودا عند البائع ثم يوجد الولد عند المشترى ويشك أكانت ولادته قبل البيع أو بعده والذى ينبغى أن يقال إنه إن كان فى يد المشترى فهو له ولا يرفع يده بمجرد وجود الحمل فى يد البائع ويشهد لهذا قول الأصحاب فى باب الكتابة فيمن زوج أمته من عبده ثم كاتب العبد ثم باع منه زوجته وأتت بولد فقال السيد ولدت قبل الكتابة فهو لى وقال المكاتب بل بعد الكتابة والشراء وقد يكاتب على أن المكاتب يصدق بيمينه لأنه يدعى ملك الولد ويده مقرة عليه واليد تدل على الملك


"""
صفحة رقم 77 """
فائدة أخرى
نقل صاحب البيان فى باب سترالعورة فى فاقد السترة إذا صلى عريانا أن الشيخ أبا زيد قال إن كان فى الحضر ففى الإعادة قولان وإن كان فى السفر لم تلزمه الإعادة قولا واحدا
وقال سائر أصحابنا لا تلزمه الإعادة قولا واحدا فى سفر ولا فى حضر لأن العرى عذر عام وربما اتصل ودام وقد يعدم ذلك فى الحضر كما يعدمه فى السفر فلو ألزمناه الإعادة لشق ذلك هذا كلام البيان
والقول بالتفرقة فى لزوم الإعادة بين الحضر والسفر شهير حكاه أيضا ابن يونس فى شرح التنبيه ولم يذكره الرافعى وإنما أطلق فى آخر باب التيمم حكاية وجهين أظهرهما عدم لزوم الإعادة والمسألة عنده تبعا للإمام والغزالى فى باب التيمم فى فصل القضاء وعند صاحب المهذب وأتباعه فى ستر العورة ولعله أنسب ثم اختلاف الاصطلاح فى وضعها ربما طرق بعض التقصير فى شرحها لمن يقتصر نظره على أحد المكانين
112
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن أبو الحسين الملطى الفقيه المقرئ
حدث عن عدى بن عبد الباقى وخيثمة بن سليمان وأحمد بن مسعود الوزان وجماعة
روى عنه إسماعيل بن رجاء وعمر بن أحمد الواسطى وغيرهما
وأخذ القراءة عرضا عن أبى بكر بن مجاهد وأبى بكر بن الأنبارى وجماعة
وله قصيدة فى نعت القراءة أولها
أقول لأهل الكتب والفضل والحجر
مقال مريد للثواب وللأجر


"""
صفحة رقم 78 """
مات سنة سبع وسبعين وثلاثمائة
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أخبرنا عبد الحافظ بن بدارن أخبرنا أحمد ابن طاووس أخبرنا حمزة بن أحمد السلمى أخبرنا نصر بن إبراهيم الفقيه أخبرنا عمر بن أحمد الخطيب أخبرنا أبو الحسين الملطى حدثنا أحمد بن محمد بن إدريس الإمام بحلب حدثنا سهل بن صالح الأنطاكى حدثنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لهند ( خذى من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف ) وكانت قالت له يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطينى ما يكفينى ويكفى بنى فآخذ من ماله وهو لا يعلم فهل على منه شئ
113
محمد بن أحمد بن على بن شاهويه . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


"""
صفحة رقم 79 """
114
محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الإمام الجليل أبو بكر بن الحداد المصرى
صاحب الفروع وساحب ذيل الفضل الذى هو على الرؤوس محمول وعلى العيون موضوع ذو الفكرة المستقيمة والفطرة السليمة فكره فى محتجبات المعانى سارية وفى سماء المعالى سامية وقريحه عجيبة الحال ما أدراك ماهية نار حامية إمام لا يدرك محله وجواد لا يجاريه إلا ظله سارت مولداته فى المغارب والمشارق وطرق فكره الأسماع وما أدراك ما الطارق وناطق قال فكان له من القول بسيطه ووجيزه ومصرى صح على نقد الأذهان إبريزه ووضح حليه فعوذ من شر الوسواس الخناس واصطفت الأئمة معه فقال لسان الحق مروا أبا بكر فليصل بالناس
يقف التوهم عنه حدة ذهنه
فقضى على غيب الأمور تيقنا
أمضى إرادته فسوف له قد
واستقرب الأقصى فتم له هنا
ولد يوم موت المزنى
وأخذ الفقه عن أبى سعيد محمد بن عقيل الفريابى وبشر بن نصر غلام عرق ومنصور بن إسماعيل الضرير
وجالس أبا إسحاق المروزى لما ورد مصر
ودخل بغداد سنة عشر وثلاثمائة فاجتمع بجرير وأخذ عنه واجتمع أيضا بالصيرفى وبالإصطخرى ولم يتهيأ له الاجتماع بأبى العباس ابن سريج فكان يتأسف ويقول وددت أنى رأيت ابن سريج وأنى أحم فى كل ليلة إلى أن أموت


"""
صفحة رقم 80 """
وأخذ العربية عن محمد بن ولاد
وسمع الحديث من جماعة منهم محمد بن عقيل الفريابى الفقيه وأبو يزيد القراطيسى وعمر بن مقلاص والنسائى وغيرهم ولكنه لم يحدث عن غير النسائى
قال الدارقطنى كان ابن الحداد كثير الحديث ولم يحدث عن غير أبى عبد الرحمن النسائى وقال جعلته حجة فيما بينى وبين الله تعالى
وكان كثير التعبد يختم كل يوم وليلة ويصوم يوما ويفطر يوما ويختم يوم الجمعة ختمة أخرى فى ركعتين فى الجامع قبل الصلاة سوى التى يختمها كل يوم
وكان عارفا بالحديث والأسماء والكنى والنحو واللغة واختلاف الفقهاء وأيام الناس وسير الجاهلية حافظ لشئ كثير من الشعر
وكان حسن الثياب رفيعها حسن المركوب
وولى القضاء بمصر نيابة لابن هروان الرملى ولغيره أيضا
وكان نسيج وحده فى حفظ القرآن إمام عصره فى الفقه بحرا واسعا فى اللغة تجمل به وجوده يجلس فى خلوة للشغل بالعلم فيغشى حلقته الجم الغفير الذين يفوتون الحصر وله كلمة نافذة عند الملوك وجاه رفيع
وأما غوصه على المعانى الدقيقة وحسن استخراجه للفروع المولدة فقد أجمع الناس على أنه فرد فى ذلك ولم يلحقه أحد فيه
وله كتاب الباهر فى الفقه قيل إنه فى مائة جزء وكتاب أدب القضاء فى أربعين جزءا وكتاب جامع الفقه وكتاب الفروع المولدات المختصر المشهور الذى شرحه عظماء الأصحاب منهم القفال والشيخ أبو على السنجى والقاضى أبو الطيب الطبرى والقاضى الحسين المروزى وغيرهم
قال الرافعى فى كتاب العدد من الشرح ونقل القاضى الرويانى فى جمع الجوامع أن الإمام أبا بكر بن الحداد كان فقيد الخصية اليمنى وكان لا ينزل وكانت لحيته طويلة


"""
صفحة رقم 81 """
وقال أبو عبد الرحمن السلمى سمعت الدارقطنى يقول سمعت أبا إسحاق إبراهيم ابن محمد المعدل النسوى المعدل بمصر يقول سمعت أبا بكر بن الحداد وذكره بالفضل والدين والاجتهاد يقول أحدث نفسى بما رواه الربيع عن الشافعى أنه كان يختم فى رمضان ستين ختمة سوى ما كان يقرأ فى الصلاة فأكثر ما قدرت عليه تسعا وخمسين ختمة وأتيت فى غير رمضان بثلاثين ختمة
قلت وفى ابن الحداد يقول بعضهم
الشافعى تفقها والأصمعى
م تفننا والتابعون تزهدا
وقال ابن زولاق فى شوال سنة أربع وعشرين وثلاثمائة سلم محمد بن طغج الإخشيد قضاء مصر إلى أبى بكر بن الحداد وكان أيضا ينظر فى المظالم ويوقع فيها فنظر فى الحكم خلافة عن الحسين بن محمد بن أبي زرعة محمد بن عثمان الدمشقى وهو لا ينظر وكان يجلس فى الجامع وفى داره وربما جلس فى دار ابن أبى زرعة ووقع فى الأحكام وكاتب خلفاء النواحي
وكان فقيها متعبدا يحسن علوما كثيرة منها علم القرآن وقول الشافعى وعلم الحديث والأسماء والكنى وسير الجاهلية والشعر والنسب ويحفظ شعرا كثيرا ويجيد الشعر
ويختم كل يوم وليلة فى صلاة ويصوم يوما ويفطر يوما ويختم يوم الجمعة ختمة أخرى فى ركعتين فى الجامع قبل صلاة الجمعة سوى التى يختمها كل يوم
حسن الثياب رفيعها حسن المركوب فصيحا غير مطعون عليه فى لفظ ولا فضل ثقة فى اليد والفرج واللسان مجموعا على صيانته وطهارته
كان من محاسن مصر حاذقا بعلم القضاء أخذ ذلك عن أبى عبيد القاضى
إلى أن قال وكل من وقف على ما ذكرناه يقول صدقت


"""
صفحة رقم 82 """
ثم قال وكان من محبته للحديث لا يدع المذاكرة وكان ينقطع إليه أبو منصور محمد ابن سعد الباوردى الحافظ فأكثر عنه من مصنفاته فذاكره يوما بأحاديث فاستحسنها أبو بكر وقال اكتبها لى فكتبها له فقال له يا أبا منصور اجلس فى الصفة ففعل فقام أبو بكر وجلس بين يديه وسمعها منه وقال هكذا يؤخذ العلم فاستحسن الناس ذلك منه
وكانت ألفاظه تتبع وأحكامه تجمع ورميت له رقعة فيها
قولا لحدادنا الفقيه
والعالم الماهر الوجيه
وليت حكما بغير عقد
وغير عهد نظرت فيه
ثم أبحت الفروج لما
وقعت فيها على البديه
فى أبيات يعنى أن مادة ولايته من الإخشيد لا من الخليفة
وقد أجاب عن هذه الأبيات جماعة
ثم قال ولم يزل ابن الحداد يخلف ابن أبى زرعة فى القضاء إلى آخر أيامه وكان ابن أبى زرعة يتأدب معه ويعظمه ولا يخالفه فى شىء
قلت وماأحسن قول ابن الرفعة فى المطلب فى حق ابن الحداد بعد ما نصره فى فرعه المشهور بأنه وهم فيه وهو ما إذا أوصى بعبد لرجلين يعتق على أحدهما القصد دفع نسبة هذا الإمام الجليل عن الغلط إلى أن قال فإنه كما قال الإمام فى حق الحليمى إمام غواص لا يدرك كنه علمه الغواصون والبلدية علة جامعة للنصرة فإنه مصرى انتهى
وليس هو كقول الرافعى فى كتاب الطلاق إن ابن الحداد فوق ما قال إلا أن العجب أخذ برجله فزل


"""
صفحة رقم 83 """
حج ابن الحداد ومرض فلما وصل إلى الجب توفى عند البئر والجميزة يوم الثلاثاء لأربع بقين من المحرم سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وقيل سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وهو يوم دخول الحاج إلى مصر وعاش تسعا وسبعين سنة وشهورا ثمانين سنة إلا قليلا وصلى عليه يوم الأربعاء ودفن بسفح المقطم عند قبر والدته وحضر أبو القاسم الإخشيد وأبو المسك كافور والأعيان جنازته
ومن الفوائد والملح والمسائل عن أبى بكر
كادت الملاعنة بين زوجين تقع فى زمانه وذلك أنه تقدم إليه رجل أنماطى فجحد بنتا من مولاة له كان قد أعتقها وتزوجها فشرع أبو بكر فى اللعان وتهيا له وعزم على المضى إلى الجامع العتيق بمصر بعد العصر وأن يجلس على المنبر ويقيم الرجل والمرأة
وعين واحدا من جلسائه لأن يضرب على فم الرجل بعد فراغه من الشهادة الرابعة ويخوفه من قول الخامسة ويقول إنها موجبة
وعين امرأة تضرب على فم المرأة أيضا عند فراغها من الشهادة الرابعة وتقول لها مثل ما قيل للرجل
وتبادر الناس وازدحموا على الاجتماع وحضرت الشهود فحسده أبو الذكر المالكى الذى كان حاكما بمصر قبله على شرف هذا المجلس وترفق بالرجل حتى اعترف بالبنت وسأل الزوجة إعفاءه من الحد
فما علم أبو بكر بفعله وأبو بكر من أذكى الخلق قريحة أمر بأن تحمل البنت على كتف أبيها وأن يطاف به فى البلد وينادى عليه هذا الذي جحد ابنته فاعرفوه
وهذا التعزير على هذا الوجه من ذكائه وقد عمله فى مقابلة ما عمل عليه فى المكيدة


"""
صفحة رقم 84 """
ولأبى بكر فى هذا أسوة بمعلمه القضاء وهو أبو عبيد بن حربوية فإنه كان يرى أن الطفل إذا أسلمت أمه دون أبيه لا يتبعها في الإسلام وإنما يتبع الأب وهو رأى شيخه أبى ثور فأسلمت امرأة ذمية ولها ولد طفل ولم يسلم الأب ومات فدس على أبى عبيد من يسأله الحكم ببقاء كفر الطفل تبعا لأبيه فتفطن إلى أنه إن فعل ذلك قامت عليه الغوغاء ونصحه أبو بكر ابن الحداد نفسه وقال له لا تعمل بهذا وإياك والخروج فيه عن مذهب الشافعى فإنك إن فعلت ذلك نالك الأذى من الخاصة والعامة وعلم أنه إن لم يفعل خرج عن معتقده
فلما جلس أبو عبيد فى الجامع اجتمع الخلق بهذا السبب المبيت عليه بليل وقام رجل على سبيل الاحتساب وقال أيد الله القاضى هذه المرأة أسلمت ولها هذا الطفل فيكون مسلما أو على دين أبيه فقال أين أبوه وقد كان علم أنه مات فقالوا مات فقال شاهدين يشهدان أنه مات نصرانيا وإلا فالطفل مسلم
فكثر الدعاء له والضجيج من العامة وستر علمه بفهمه
ذكر أبو عاصم العبادى أن ابن الحداد ذكر فى فروعه أن الذمى إذا زنا وهو محصن ثم نقض العهد ولحق بدار الحرب ثم استرق أنه يرجم
قلت ولم أجد هذا فى شىء من نسخ الفروع التى وقفت عليها بل وجدته فى شرحها للشيخ أبى على السنجى وعبارته ينبغى أن يرجم والواقف عليه لا يكاد يشك فى أنه من كلام أبى على لا من كلام ابن الحداد
قال ابن الحداد فى فروعه ولو أن وصيا على يتيم ولى الحكم فشهد عدلان بمال لأبى الطفل على رجل وهو منكر لم يكن له أن يحكم حتى يصير إلى الإمام أو الأمير فيدعى على المشهود عليه
هذا لفظه وعلله شارحوه بأنه حينئذ يكون خصما ومدعيا للصبى وهو الحاكم


"""
صفحة رقم 85 """
ومن كان خصما فى حكومة لم يجز أن يكون حاكما فيها كما لا يجوز أن يحكم على غيره لنفسه وأيضا فإنه لو شهد للصبى الذى هو قيمه بمال لم يقبل ومن لايجوز شهادته لشخص لم يجز حكمه له
قال القفال فى شرح الفروع واختلف أصحابنا فى هذه المسألة فمنهم من وافقه ومنهم من خالفه لأن القاضى يلى أمر الأيتام كلهم وإن يكن وصيا من قبل فلا تهمة هذا ملخص كلامه فى شرحه
والرافعى صحح أن له الحكم وعزاه إلى القفال وتبع في ذلك الشيخ أبا على فإنه ذكر فى شرح الفروع أنه سمعه من القفال
واعلم أن ما صححه الرافعى غير بين ولا جمهور أئمتنا عليه بل البين الذى يظهر ترجيحه قول ابن الحداد وقد ذكر ابن الرفعة فى المطلب أنه الصواب
قال والفرق بينه وبين غيره من الأيتام أن ولاية القاضى إذا لم يكن وصيا تنقطع عن المال الذى حكم به بانقطاع ولايته ولا كذلك الوصى إذا تولى القضاء فإن ما حكم فيه لليتيم الذي تحت وصيته يبقى ولايته بعد العزل فقويت التهمة فى حقه وضعفت فى حق غيره
قلت وهذا فرق صحيح ولا شك أن الحاكم الوصى يتصرف لليتيم الذى هو قيمه ويجتمع فى تصرفه وصفان بينهما عموم وخصوص كونه حاكما وكونه وصيا وحينئذ فينبغى أن يكون التصرف بكونه وصيا وهو وصف لا يحكم به فلا سبيل إلى حكمه إذ لو حكم لكان بكونه حاكما ولو حكم بكونه حاكما لاحتاج إلى مدع ولا مدعى إلا الوصى وهو هو فلو كان حاكما لم يكن حاكما وهو خلف آيل إلى دور وهذا سر دقيق أوضحته فى كتاب الأشباه والنظائر فى قاعدة منع التعليل بعلتين
وبقى فى هذا الفرع تنبيه على عقدة فى الفرع لم أر من تكلم عليها لا ممن شرح الفروع ولا من غيرهم وذلك أن ابن الحداد فرض الفرع فى وصى ولى القضاء


"""
صفحة رقم 86 """
فشهد عنده شاهدان فاقتضت عبارته تقييد المسألة بطرآن ولاية القضاء على كونه وصيا بأن يشهد عنده شاهدان وتبعه على التقدير من تقدم وتأخر آخرهم الرافعى والنووى وابن الرفعة
فأما القيد الأول وهو طرآن القضاء على الوصاية فقد يقال إنه لا فرق بينه وبين عكسه وهذا هو منتهى فهم أكثر من بحث معه فى المسألة
والذى ظهر لى أن القاضى إذا أسندت إليه وصية فإن كان مسندها أبا أو جدا فالأمر كذلك فإنه لم يكن عليه ولاية وإنما يتجدد بعدهما فيقارن تجددهما بالوصية تجددهما بفقدهما أو نحوه لكونه حاكما فينظر هنا فى أنه هل يتصرف بالوصفين عند من تعلل بعلتين أو إنما يتصرف بالوصفين عند من تعلل بعلتين أو إنما يتصرف بأحدهما وهو الذى ينصره فى الأصول
وإن كان مسندها وصيا جعل له الإسناد فيحتمل أن يكون كذلك ويحتمل أن لا يتجدد له بذلك شئ لأن ولايته من قبل هذا الإسناد فإن له مع الأوصياء ولاية
وهذا الإحتمال هو الذى يترجح عندى لكن يظهر على سياقه أن لا يصح قبوله لهذا الإسناد ما دام قاضيا ولم أجسر على الحكم به فإن تم ظهر به السر فى تقييد ابن الحداد
وأما القيد الثانى وهو قوله فشهد عنده شاهدان فقد يقال أيضا لا فائدة له بل لا فرق بين أن يشهد عنده شاهدان أو يحكم هو بعلمه وقد يقال لا يحكم هنا بعلمه جزما لشدة التهمة وما أظنهم يسمحون بذلك ولا يستثنونه من القضاء بالعلم بل من يجوز له الحكم فيما يظهر لا يفرق بين أن يقضى بالعلم أو بالبينة كسائر الأيتام وسائر الأقضية
نعم عبارة ابن الحداد يشهد عنده شاهدان وقد اختصرها الرافعى فقال هل له


"""
صفحة رقم 87 """
أن يسمع البينة ويحكم ولو اقتصر على قوله هل له أن يحكم لأفاد أنه هل يسمع البينة لأن من جوز سماع البينة جوز الحكم
ولعله أشار إلى أن قول ابن الحداد فشهد عنده شاهدان ليس على ظاهره إذ لا يقول أحد إنهما يشهدان عنده على وجه التأدية ثم لا يحكم وإنما المراد بشهادتهما عنده اختيارهما إياه فقول الرافعى هل له أن يسمع البينة من هذا الوجه خير من قول ابن الحداد فشهد عنده شاهدان لإنهائها أنه يسمع البينة ولا يحكم لكن قول ابن الحداد شاهدان خير من إطلاق الرافعى البينة لأنها قد توهم أن للشاهد واليمين هنا مدخلا ولا يمكن لأنه لو كان لكان الحالف هو ولا سبيل إلى أنه يحلف ويحكم لأن الحالف غير الحاكم ولأن الولى لا يحلف
وللرافعى أن يقول إنما عنيت بالبينة الكاملة وهى شاهدان
وأما قول ابن الحداد حتى يصير إلى الإمام أو الأمير فقد يقال من الذى يعنيه بالأمير فإن الأمير قد يطلق ويراد به أمراء العسكر الذين لا حكم لهم وإليه الإشارة فى مسألة ابن القطان وابن كج فيما إذا دعى الشاهد إلى أمير أو وزير هل له تأدية الشهادة عنده أولا لأن تأدية الشهادة إنما هو للحكام فأطلقا الأمير على من ليس بحاكم
وقد يطلق ويراد به الحاكم كقولنا أمير البلد
والأظهر أنه أراد الثانى فإن الأول لا حكم له والمراد أمير من قبل الإمام الأعظم جعل له الحكم وكذلك عبر الشيخ أبو على عن هذا الغرض بقوله ينبغى للحاكم أن يأتى إلى الإمام الأعظم أو الأمير الذى ولاه القضاء أو إلى حاكم آخر انتهى
وهذا على مصطلح بلادهم فى أن أمراء البلد يولون القضاة وقصد فى هذا التوقف فى أنه هل يدعى هذا الحاكم الذى هو وصى عند خليفته على الحكم أولا لكونه خليفة


"""
صفحة رقم 88 """
وفيه خلاف صرح به الشيخ أبو على وغيره فى هذه الصورة وصرح به الرافعى وغيره فيما إذا امتنع حكم الحاكم لنفسه أولا يعارضه هل له أن يتحاكم إلى خليفته
فرع ادعى فيه تناقض ابن الحداد
وأنا جامع أطرافه لتبددها فى كلام الرافعى رحمه الله وملخص القول فيه بحسب ما اجتمع لى
إذا وقعت الفرقة قبل الدخول بين الزوجين لا بسبب من واحد منهما فهل تجعل كأنها واقعة بسبب الزوجة فيسقط المهر بالكلية أو كأنها واقعة بسبب من جهة الزوج فيشطره
هذا أصل يقع خلافيا بين ابن الحداد والقفال رحمهما الله ابن الحداد يقول بالأول أبدا والقفال يقول بالثانى ولعله الراجح عند الرافعى تأصيلا وتفريعا أما تفريعا فلما ستراه عند ذكر الصور وأما تأصيلا فلإطلاقه فى باب تشطير الصداق أن موضعه كل فرقة لا بسبب من المرأة لكن يشبه أن يكون مراده هنا بالعام الخاص أى بكل سبب من جهة الزوج بدليل أنه قابله بقوله فأما إذا كان الفراق منها أو بسبب فيها ويكون قد سكت عما إذا لم يكن من واحد منهما وفيه صور
منها إذا تزوج جارية مورثة كجارية أبيه أو أخيه أو عمه أو غيرهم فمات السيد وزوجها وارث إما كل التركة أو بعضها انفسخ النكاح لأن النكاح والملك لا يجتمعان
وأما المهر إذا كان الموت قبل الدخول فقال ابن الحداد يسقط وهذا بناء على أصله لأن الفسخ لم يكن من قبل الزوج وإنما دخلت فى ملكه بالميراث أحب أو كره
قال الشيخ أبو على واشهدا على قول المرأة مشترى الزوج من سيده قبل الدخول


"""
صفحة رقم 89 """
سقط لأنه لم يكن للزوج فيه صنع ولذلك لو وجدت بالزوج عيبا قبل الدخول واختارت الفسخ سقط المهر كذلك مثله فى مسألتنا
وقال القفال ومن شرح الفروع له نقلت هذه الطريقة يسلكها صاحب الكتاب يعنى ابن الحداد فى مسائل كثيرة فتقول الفروع إذا انفسخ النكاح ولم يكن الزوج لانفساخه متسببا فلا مهر عليه وهذا عندى غلط بل الواجب أن يقال إذا انفسخ النكاح ولم تكن المرأة سببا فى الفسخ فلها المهر انتهى واستدل بما سنذكره
وهذه مقالة القفال المروزى صرح بها كما تراه فى هذه المسألة وفى نظائرها ونقلها عنه فى هذه المسألة القاضى أبو الطيب الطبرى فى شرح الفروع كما سنحكى كلامه ومع ذلك لم ينقلها عنه تلميذه الشيخ أبو على فى هذه الصورة بل قال ورأيت بعض أصحابنا يقول لا يسقط كل المهر فمن العجب أنه يخفى عنه مذهب شيخه مع نقله عنه نظيره فى نظائر المسألة فلقد قضيت من هذا العجب وكاد يوجب لى توقفا فى العزو إلى القفال ولكنى رأيته قد أفصح به فى شرح الفروع إفصاحا ونقله القاضى أبو الطيب عنه صريحا ونقل الشيخ أبو على عنه كما سترى فى نظائره مثله فاستتم لى قضاء العجب
ثم الأرجح من هذين الوجهين عند الرافعى قول القفال كما ذكره فى كتاب النكاح فى باب نكاح الأمة والعبد قبل فصل الدور الحكمى وهو أيضا لم يفصح بذكر القفال ولكن حكى الوجهين وعزا الأول لابن الحداد ورجح الثانى وعلى هذا الراجح يكون النصف تركة تقضى منه الديون وتنفذ الوصايا فإن لم يكن سقط إن كان النكاح جائزا لأنه لا يثبت له على نفسه وإلا سقط نصيبه وللآخر نصيبه
وسنذكر توجيه هذا الوجه من كلام القفال ونتكلم عليه


"""
صفحة رقم 90 """
ومنها إذا تزوج ذمى ذمية صغيرة من أبيها ثم أسلم أحد أبويها قبل الدخول وتبعته فى الإسلام فانفسخ النكاح
قال ابن الحداد يسقط المهر لأن سبب فساد النكاح لم يوجد من الزوج
وقال الشيخ أبو على قال بعض أصحابنا لها نصف المهر لأن الفسخ وإن لم يكن من الزوج فليس منها أيضا وإذا لم يكن لها صنع فى الفراق لم يسقط كل المهر
قلت وقائل ذلك هو شيخه القفال فمن العجب كونه لم يصرح باسمه وكذلك حكى الإمام المقالة عن بعض الأصحاب قبيل باب الصداق ولم يصرح باسم القفال أيضا فمن أعجب العجب تصريح القفال بمقالة فى كلامه أطنب فيها فى شرح الفروع ثم لا يحكيها عنه الحاكون للقليل والكثير فى كلامه الحريصون على البعيد والقريب من أنفاسه العارفون بغالب حركاته فى الفقه وسكناته
وهذه عبارته فى شرح الفروع إذا تزوج نصرانى صغيرة ابنة كتابيين فأسلم أحد الأبوين انفسخ نكاحها لأنها غير مدخول بها وحكم لها بالإسلام لإسلام أحد الأبوين
ثم قال صاحب الكتاب لا مهر لها على الزوج لأن الزوج لم يكن سببا فى الفسخ
وهذا غلط وهو لا يزال يسلك هذه الطريقة بل يجب أن يقال إذا لم يحصل الفسخ من جهة المرأة فلها المهر سواء جاء الفسخ من جهة الزوج أو من جهة غيره انتهى
ثم ذكر دليله على ذلك وسنذكره
ولم يحك القاضى أبو الطيب فى شرح الفروع عن القفال هنا شيئا وإنما عزا هذه المقالة إلى بعض أصحابنا كما فعل الشيخ أبو على والإمام رحمهما الله تعالى
والقاضى أبو الطيب فى أوسع العذر فإنه أكبر من أن يحكى مقالات القفال وحكايته فى مسألة الميراث عنه مما يستغرب وإنما العجب إغفال الشيخ أبى على والإمام ذكر القفال الذى قاله فى كتابه وحكاه عنه قاضى العراق فيالله العجب عراقى يحكى مقالة خراسانى لا يحكيها أصحابه عنه مع ثبوتها عليه وهذا عندى من عقد المنقولات


"""
صفحة رقم 91 """
وهذه المسألة لم يصرح بها الرافعى فى كتابه وإنما جرم فى باب المتعة فى ذمية صغيرة تحت ذمى أسلم أحد أبويها فانفسخ النكاح أنه لا متعة كما لو أسلمت بنفسها وهذا يوافق ما رجحه فى مسألة الميراث ويستمر على منوال واحد فى وفاق القفال
ومنها إذا أسلم على أم وبنتها ولم يدخل بواحدة منهما تعينت البنت واندفعت الأم على الصحيح بناء على صحة أنكحتهم
وفى قول يتخير
ثم قال ابن الحداد إن خيرناه فللمفارقة نصف المهر لأنه دفع نكاحها بإمساك الأخرى وإن قلنا تتعين البنت فلا مهر للأم لاندفاع نكاحها بغير اختياره
وقال القفال فى شرح الفروع ما نصه وقد قال الشيخ أبو زيد والشيخ أبو عبد الله الخضري وأصحابنا هذا خطأ على أصل الشافعي
وينبغي أن يكون الجواب على عكس ما قاله فى القولين جميعا عندى فإذا قلنا له الخيار فاختار احداهما فلا مهر للثانية وإن قلنا لا خيار ويمسك البنت ويفارق الأم فلها المهر
والحال فى تقرير هذا ونقله عنه تلميذه الشيخ أبو على في شرح الفروع سماعا فقال وسمعت شيخى رضى الله عنه يقول الجواب على عكس ما ذكره صاحب الكتاب واندفع فى ذكر كلام القفال ولم يذكر أبا زيد ولا الخضرى فعرفت من ذلك أنه لم ينظر شرح شيخه على الفروع وإنما كانوا يتكلون على حفظهم وما يسمعونه من أفواه مشايخهم رضى الله عنهم
وكأن الرافعى اقتصر على النظر فى شرح الشيخ أبى على فإنه نقل المسألة عن القفال وغيره وأشار بقوله وغيره إلى ترجيحه ولو وقف على شرح القفال لأفصح


"""
صفحة رقم 92 """
بذكر أبى زيد والخضرى وقد نازعهم القاضى أبو الطيب الطبرى ورجح قول ابن الحداد وأطال وأطاب
والنزاع فى هذا الفرع عائد إلى الأصل المتقدم وربما زاد أن المنازع يدعى أن إسلامه سبب لاندفاع نكاح الأم فالفرقة من جهته ولعلنا نتكلم على ذلك فيما بعد
ومنها ردتهما معا لم يذكر الرافعى هذه المسألة إلا استطرادا فى باب نكاح المشركات أشار إلى الوجهين فيها وفيها ثلاثة أوجه
أحدها إضافة الفرقة إلى الزوج فيتشطر
والثانى إضافة الفرقة إليها لأنها أتت بالجناية التى لو انفردت سقط حقها فإذا انضم إليه جناية الغير لا يؤثر فى ذلك كما لو قال اقطع يدى فقطع وهما مشهوران
قال الرويانى والأول أظهر
والثالث حكاه الماوردى وتبعه الرويانى لها ربع المهر لاشتراكهما فى الفسخ فسقط من النصف نصفه لأنه فى مقابلة ردة الزوجة وبقى نصفه لأنه فى مقابلة ردة الزوج
والمسألة شهيرة ذكرها الأصحاب فى باب ارتداد الزوجين وهو باب عقدة الشافعى رضى الله عنه فى كتاب النكاح قبل باب طلاق المشرك وبعد نكاح المشركات والرافعى تبعا للغزالى لم يذكر هذا الباب بالكلية فمن ثم لم يستوعب مسائله
وذكر الرافعي أيضا ارتدادهما معا فى المتعة وصحح أنه لا متعة
واعلم أن الوجهين جاريان فى التشطير مشهوران فيه وإن لم يذكرهما الرافعى إلا استطرادا
وقال ابن الرفعة في باب نكاح المشركات إذا ارتد الزوجان معا قبل الدخول ففى تشطير المهر إحالة على ردته أو سقوط كله إحالة على ردتها وجهان مشهوران وربما يعزى الثانى منهما لابن الحداد


"""
صفحة رقم 93 """
قلت وهو جار على أصله وإذا تأملت ما ذكرته علمت أن الفرقة قد تكون من جهته وقد تكون من جهتها وقد تكون من جهتهما وقد تكون لا من جهة واحد منهما أربعة أحوال لم يذكر الرافعى فى باب التشطير إلا الأولين فقط
فإن قلت قد قال فى باب التشطير موضع التشطير كل فرقة تحصل لا بسبب من المرأة وهذا يشمل ما إذا كانت لا بسبب منهما ثم مثل له بما إذا أرضعت أم الزوجة الزوج وهو صغير إلى آخر ما ذكره
قلت مسألة الرضاع سنتكلم عليها وقولى لا بسبب من المرأة إنما نعنى به إذا كانت من جهة الزوج بدليل قوله بعده أما إذا كان الفراق منها أو بسبب فيها
وبالجملة لا تصريح من الرافعى فى باب التشطير بهاتين الحالتين إنما أشار إليهما فى باب المتعة وفى باب نكاح العبد والأمة ولو جمع شمل النظائر فى فصل واحد كان أولى بل لم يصرح بمسألتين عظيمتين بين الأصحاب ردتهما معا هل تشطر وإن كان ذكر أنها هل تسقط المتعة وإسلام أبى الزوجة الصغيرة إذا انفسخ نكاحها هل يشطر وإن كان ذكر أنه هل يمتع
إذا عرفت هذا كله فقد تبين لك أن ابن الحداد يجعل الفرقة لا من واحد منهما مسقطة ملحقة بما إذا كانت من جهتها والقفال يخالفه ويجعلها مشطرة ملحقة بما إذا كانت منه
ثم يقول ابن الحداد ومن صور القاعدة أن يرث الزوج بعض زوجته وهذا تصوير لا يخالف فيه وإن أسلم على أم وبنتها وإن سلم فتتبعه الزوجة وهذان ينازع فيهما تصويرا كما ينازع فيهما حكما فيقال لم يكن إسلامه على أم وبنتها وإن


"""
صفحة رقم 94 """
قلنا يديم نكاح البنت وتندفع الأم فهى فرقة كائنة من جهته لأنه ربما صار بإسلامه وإسلامه تبعا لأنها فرقة كائنة من جهتها
ونحن نلخص القول فى المقامين أما المقام الأول وهو دعوى ابن الحداد أن الفرقة لا من واحد منهما ملحقة بالواقعة منها فيسقط فلم يحتج عليه بأكثر من أن الفسخ لم يكن من قبله بل هو قهرى أحب أو كره
وللقفال أن يقول له لم قلت إنه إذا لم يكن من قبله لا يلحق بما يكون من قبله فليس قولك لا يشطر لكونه ليس من قبله ما يبعد من قولنا يشطر لكونه ليس من قبلها بل التشطير معتضد بالأصل فإن الأصل بعد تسمية الصداق وجوبه فلا يسقط إلا النصف للفرقة قبل الدخول ويبقى النصف الآخر بالأصل ما لم يتحقق زواله بتحقق كونه من جهتها
واستشهد القفال لعدم سقوط النصف بمسألة الرضاع وغيرها فقال فى شرح الفروع مشيرا إلى قول ابن الحداد هذا عندى غلط بل الواجب أن يقال إذا انفسخ النكاح ولم تكن المرأة سببا فى الفسخ فلها المهر ألا ترى أن الرجل إذا تزوج امرأة وتزوج أبوه أمها فغلط الابن فوطئ امرأة الأب وهى أم امرأة الابن انفسخ نكاح امرأة الابن بوطء أمها بشبهة ووجب لها المهر لأنها لم تكن سببا للفسخ
وكذلك لو أن رجلا كان له امرأتان أحداهما كبيرة والأخرى صغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة انفسخ نكاح الصغيرة ووجب لها على الزوج نصف المهر وليس الزوج ها هنا سببا للفسخ إلا أن الفسخ لما لم يكن بسبب من المرأة وجب لها المهر
فكذلك فى مسألة الكتاب إذا تزوج جارية أبيه فمات أبوه وملكها انفسخ النكاح وعليه المهر لأن المرأة لم تكن سببا للفسخ إلا أن مسألة الرضاع تباين هذه


"""
صفحة رقم 95 """
المسألة من وجه وهو أن فى هذه المسألة إذا غرم المهر فليس له أن يرجع على الكبيرة بما غرم
والفرق بينهما أن موت الإنسان لا يكون باختياره ولا ينتمى إلى جناية فلذلك لا يغرم المهر وأما الكبيرة إذا أرضعت الصغيرة فإنها تنتمى إلى جناية فلذلك يغرم المهر حتى إنها لو أرضعت من غير أن تنسب فى الإرضاع إلى جناية سقط عنها الغرم أيضا مثل أن ترى الصغيرة ملقاة فى موضع لو لم ترضعها خيف عليها التلف ولم يكن بقربها من يتعهدها فأرضعتها انفسخ النكاح ولا غرم عليها لأنها لا تنسب إلى جناية فى إرضاعها إياها فصار ذلك كما لو دبت الصغيرة إلى ثدى الكبيرة فارتضعت وهى نائمة انفسخ النكاح ولا غرم عليها وعلى الزوج المهر وإنما لم يجب المهر فى هذه المسألة لوجود فعل من الكبيرة وسبب من الصغيرة فيجب المهر إذا مات الأب فملك جاريته المنكوحة إذا لم يحصل منها سبب فى الفسخ انتهى كلام القفال
ثم أعاد نظره بعد ورقات فى مسألة ما إذا أسلم أبو الصغيرة وعزا ما ذكره من أنه لا يجب الغرم على كبيرة أرضعت صغيرة وقت الضرورة إلى أصحابنا فقال قال أصحابنا وذكر المسألة وهى مسألة حسنة غريبة لا أعتقدها مسلمة وقد عرفت ما ذكره وحاصله الاستشهاد على ما ادعاه بمسألة الرضاع
وقال القاضى أبو الطيب الطبرى هذا الذى قال أبو بكر القفال واضح ومن قال بقول صاحب الكتاب فإنه يقول إذا كان الفسخ بالشرع سقط حقها ألا ترى إذا تزوجها وكان النكاح فاسدا بالشرع وجب أن يفرق بينهما ولا حق لها إذا كان قبل الدخول بها لأن التحريم والفسخ بالشرع فكذلك ها هنا
فإن قيل إذا كان النكاح فاسدا فإن المهر لم يجب
قيل له إنما لم يجب لأن التحريم والفسخ بالشرع وهذا المعنى موجود ها هنا
ويخالف هذا ما ذكره من وطء الأب وإرضاع الكبيرة لأن ذلك ليس من جهة


"""
صفحة رقم 96 """
الشرع وإنما هو بفعل آدمى يتعلق به الضمان ولهذا نقول إن الزوج يرجع على الأب بنصف المهر وكذلك يرجع على المرضعة فسقط ما قاله انتهى كلام القاضى أبى الطيب ثم أعاد مثله فيما بعد
وأقول لا حاجة إلى استشهاده بالنكاح الفاسد وفيما ذكره من الفرق كفاية فلابن الحداد أن يقول إنما أقول بالسقوط فى موجب شطر يقر قراره على الزوج أما ماله مرد وما الزوج فيه إلا طريق فلا أمنعه وهذا فرق واضح ويكون عنده هكذا الفرقة الواردة لأمر منهما إذا آلت إلى تغريم الزوج شطرا لا يرفع به لا يوجب عليه شيئا بخلاف ما إذا لم يكن إلا طريقا فحسب فهذا ملخص الكلام على أصل القاعدة وهى مصورة تصويرا واضحا فى مسألة الميراث
أما إسلام الأب فتتبعه الزوجة أو إسلام الكافر على أم وبنتها فمن قال كل فرقة لا ترد من جهة المرأة تشطر سواء أوردت من جهة الزوج أم لم تنسب إلى واحد منهما وهو القفال وقبله أبو زيد والخضرى وبعده الرافعى فيما يظهر ومن تبعه فيقول بالتشطير لا محالة وأما من قال بقول ابن الحداد إن كل فرقة لا ترد من جهة الرجل تسقط سواء أوردت من جهة المرأة أم لم تنسب لواحد منهما فقد نقول فى هاتين المسألتين إنها فرقة لا من جهة واحد منهما ويحكم بالسقوط وبذلك صرح ابن الحداد وقد نقف وندعى أنها فرقة من جهتها فمن ثم يقال لابن الحداد اذهب إنا نسلم ما تدعيه من الأصل لكن لا نسلم أن الفرقة فى هاتين الصورتين لا من واحد منهما بل هى منها


"""
صفحة رقم 97 """
واعلم أن مسألة إسلام الرجل على أم وابنتها قد أفصح القفال فيها بتغليط ابن الحداد وزعم أنه عكس التفريع فإنه قال إن قلنا باستمرار نكاح البنت كما هو الصحيح سقط نكاح الأم بناء على أصله أنها فرقة وردت بالشرع قهرية فلا تشطر وإن قلنا يتخير فالمفارقة منسوب إليه اختيار فراقها فقال القفال ومتابعوه بل الأمر بالعكس بل الجواب على عكس ما ذكره إن قلنا بصحة أنكحتهم فقد أفسدنا نكاح الأم بكل حال للعقد على البنت وحينئذ ففسخ النكاح إنما وقع بإسلامه وإسلامها جميعا والفسخ إذا وقع قبل الدخول بسبب يشترك فيه الزوجان يجب المهر كما لو تخالعا فلا يسقط المهر بل يتشطر وتجب المتعة
وأما على القول الذى يقول يمسك أيتهما شاء فإذا أمسك إحداهما جعل الثانية كأن لم ينكحها قط فلا مهر ولا متعة ويجوز لابنه أن يتزوج بها ويكون بمنزلة من لم يعقد عليها هذا حاصل ما ذكره
وقال القاضى أبو الطيب الطبرى منتصرا لابن الحداد وهذا ليس بصحيح لأنه على القولين جميعا جعل الاختيار إليه والوصلة والفرقة إلى إرادته فمن اختارها من أكثر من أربع ومن المرأة وعمتها أو خالتها فنكاحها صحيح ومن فارقها منهن وقلنا إنها بمنزلة من لم يعقد عليها فإنما يصير بهذه المنزلة باختياره وقد كان يمكنه أن يقيم على نكاحها باختياره إياها فأوجب عليه نصف المهر بذلك وأجرى مجرى المطلق لهذه العلة ويفارق المنكوحة نكاحا فاسدا فى الإسلام فإنه يجب أن يفرق بينهما ولا اختيار له فيها فبان الفرق بينهما
هذا كلام القاضى أبى الطيب وهو محتمل جيد يحتمل أن يقال عدم إمساكه الواحدة مع قدرته ولكن الشارع له من إمساكها بمنزلة طلاقها ويحتمل ألا يقال به


"""
صفحة رقم 98 """
وما أظن ابن الرفعة وقف على كلام القاضى أبى الطيب هذا فإنه ذكر نحوه بحثا لنفسه ولو وقف عليه لاستظهر به فإن ابن الرفعة قال فى باب نكاح المشركات فيما إذا أسلم على أختين وطلق كل واحدة ثلاثا وقد نقل عن ابن الحداد التخيير بينهما مع كونه يميل فى أنكحة الكفار إلى الوقف وأن مقتضاه ألا يجب مهر وقد حكى عنه الرافعى إيجاب المهر وأن قول الوقف يناسبه ألا يجب مهر
قال ابن الرفعة قد يكون مأخذ ابن الحداد فى إيجاب المهر للمندفعة وإن بان فساد النكاح فيه كونه عينها للفراق مع صلاحيتها للبقاء باختياره الأخرى مع أنه لا ترجيح ومثل ذلك وإن كان جائزا فيناط به الإيجاب على رأى بعض الأصحاب فيما إذا أفاق المجنون أو طهرت الحائض وقد بقى من الوقت ما يتسع لها أو للظهر فقط أو بقى منه ما يدرك به العصر وهو ركعة فإنا نلزمه الظهر والعصر بإدراك أربع ركعات على رأى صاحب الإفصاح وبإدراك ركعة فقط على رأى غيره وهو الذى قيل إنه المصحح فى المذهب وكل ذلك مع قولنا إنه لو أدرك دون ذلك لا يكون به مدركا لواحدة من الصلاتين وإذا تأملت ذلك وجدت إلزامه للصلاتين بما يلزمه به إحداهما إنما هو لأن كل واحدة منهما تقبل أن توقع فى ذلك الوقت على البدل لا مع المعية فكذا فيما نحن فيه جاز أن يتعلق الإيجاب بالقبولية على البدل وإن لم يمكن الجمع ويصح هذا المأخذ إن كان يقول بأنه إذا أسلم على أكثر من أربع وأسلمن معه أنه يجب للمندفعات باختياره لغيرهن الشطر فإن لم يقل به فلا تمام والظاهر أنه يقول به انتهى
وما ذكره من أنه قد يكون مأخذ ابن الحداد قد عرفت أن القاضى أبا الطيب قاله وللبحث فيه مجال قد يقال تعيين الفراق فيمن له أن يعين فيها البقاء بمنزلة الطلاق وقد يقال بل إذا جعل له ذلك فقد جعل له أن يعين فيها انتفاء للزوجية بالكلية فمن أين المهر فليتأمل فى ذلك فإنى لم أشبعه بحثا


"""
صفحة رقم 99 """
115
محمد بن أحمد بن مت أبو بكر الإشتيخنى . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
116
محمد بن أحمد بن يحيى الفقيه أبو نصر . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


"""
صفحة رقم 100 """
117
محمد بن أحمد المروزى الإمام الكبير أبو عبد الله الخضرى نسبة إلى الخضر رجل من جدوده
إمام مرو وشيخها وحبرها ومقدم الأصحاب بها وهو ختن أبى على الشنوى حدث عن القاضى أبى عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملى وغيره
وعقد مجلس الإملاء والتدريس
وتفقه عليه جماعة منهم الأستاذ أبو على الدقاق والفقيه حكيم بن محمد الذيمونى
وكأنه كان صاحب مال وثروة يدل عليه ما حكيناه عن القاضى عن القفال فى ترجمة أبى زيد
وكان فيما أحسب من أقران الشيخ أبى زيد وما أرى القفال إلا من المتفقهة عليه وطالما قال القفال سألت أبا زيد وسألت الخضرى
وقال القاضى فى التعليقة فى مسألة هل يقلد المراهق فى القبلة قال القفال سألت أبا زيد عن ذلك فقال نص الشافعى على أنه يجوز تقليد المراهق ثم سألت أبا عبد الله الخضرى عن ذلك فقال لا يجوز نصا فأخبرته بقول أبى زيد فقال أنا لا أتهمه فى ذلك ويحتمل أن الشافعى أراد بذلك النص إذا دله على المحراب فإنه يجوز وبالنص الثانى أن يخبره بجهة القبلة أو يقول رأيت القطب من هذا الجانب فإنه يأخذ بقوله ويصلى إلى تلك الجهة وليس هذا بتقليد له لأنه لما أخبره ولا يخبره إلا


"""
صفحة رقم 101 """
عن تحر واجتهاد صار هذا كالعالم أم عاميا فى مسألة واحدة فإن أفتاه بنص من كتاب الله أو سنة يجوز له أن يفتى غيره وإن أفتاه بالاجتهاد لا يجوز بذلك الاجتهاد
قلت الصحيح أنه لا يجوز تقليد الصبى وهو النص الذى حكاه الخضرى والفرع مشهور
وفيما نقل من خط الشيخ أبى محمد الجوينى عن شيخه القفال إذا تزوج امرأة على ظن أنها حرة فإذا هى أمة فالنكاح صحيح وولده منها رقيق وإن كان يطؤها على توهم الحرية إذ التوهم حديث النفس فلا يغير حكما
قيل للشيخ يعنى القفال لو أن رجلا وطئ أمة بالشبهة يتوهم أنها امرأته فقال كان الشيخ أبو عبد الله الخضرى يقول إن كانت امرأته حرة فولده من هذه الأمة حر وعليه القيمة وإن كانت امرأته أمة فولده من الموطوءة بالشبهة مملوك على حسب القصد والنية
قال الرويانى فى البحر فى كتاب النكاح وهذا حسن ذكره فى باب الزنا لا يحرم الحلال
قلت وقد أشار الأصحاب إلى هذا فى باب عتق أمهات الأولاد فقالوا إذا استولد أمة الغير بشبهة ثم ملكها فينظر إن وطئها على ظن أنها زوجته المملوكة فالولد رقيق ولا يثبت الاستيلاء أو أنها زوجته الحرة أو أمته فالولد حر وفى ثبوت الاستيلاد قولان


"""
صفحة رقم 102 """
118
محمد بن إبراهيم بن المنذر الإمام أبو بكر النيسابورى
نزيل مكة أحد أعلام هذه الأمة وأحبارها
كان إماما مجتهدا حافظا ورعا
سمعت الحديث من محمد بن ميمون ومحمد بن إسماعيل الصائغ ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وغيرهم
روى عنه أبو بكر ابن المقرئ ومحمد بن يحيى بن عمار الدمياطى شيخ الطلمنكى والحسن بن على بن شعبان وأخوه الحسين وآخرون
وله التصانيف المفيدة السائرة كتاب الأوسط وكتاب الإشراف فى اختلاف العلماء وكتاب الإجماع والتفسير وكتاب السنن والإجماع والاختلاف
قال شيخنا الذهبى كان على نهاية من معرفة الحديث والاختلاف وكان مجتهدا لا يقلد أحدا
قلت المحمدون الأربعة محمد بن نصر ومحمد بن جرير وابن خزيمة وابن المنذر من أصحابنا وقد بلغوا درجة الاجتهاد المطلق ولم يخرجهم ذلك عن كونهم من أصحاب الشافعى المخرجين على أصوله المتمذهبين بمذهبه لوفاق اجتهادهم اجتهاده بل قد ادعى من هو بعد من أصحابنا الخلص كالشيخ أبى على وغيره أنهم وافق رأيهم رأى الإمام الأعظم فتبعوه ونسبوا إليه لا أنهم مقلدون فما ظنك بهؤلاء الأربعة فإنهم وإن خرجوا عن رأى الإمام الأعظم فى كثير من المسائل فلم يخرجوا فى الأغلب


"""
صفحة رقم 103 """
فاعرف ذلك واعلم أنهم فى أحزاب الشافعية معدودون وعلى أصوله فى الأغلب مخرجون وبطريقه متهذبون وبمذهبه متمذهبون
قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى توفى ابن المنذر سنة تسع أو عشر وثلاثمائة
قال شيخنا الذهبى وهذا ليس بشئ لأن محمد بن يحيى بن عمار لقيه سنة ست عشرة وثلاثمائة
ومن المسائل والغرائب عن ابن المنذر
ذهب إلى أن المسافر يقصر الصلاة فى مسيرة يوم تام كما قال الأوزاعى
واعلم أن عبارات الشافعى رضى الله عنه فى حد السفر مضطربة وقال الأصحاب على طبقاتهم الشيخ أبو حامد والماوردى والإمام وغيرهم المراد بها شئ واحد لا يختلف المذهب فى ذلك وأن السفر الطويل مرحلتان فصاعدا وما قاله ابن المنذر خارج عن المذهب
وقيد كون إذن البكر فى النكاح صماتها بما إذا علمت قبل أن تستؤذن أن إذنها صماتها وهذا حسن
وقال إن الزانى المحصن يجلد ثم يرجم
وأنه لا تجب الكفارة فى قتل العمد
وأن الخلع لا يصح إلا فى حالة الشقاق
ونقل فى الإشراف عن الشافعى أنه قال فيمن سافر لمسافة القصر ثم رجع إلى داره لحاجة قبل أن ينتهى إلى مسافة القصر إن الأحب له أن يتم وإن جاز القصر
وهذا غريب والمعروف فى المذهب إطلاق القول بأن القصر أفضل وكأن الشافعى


"""
صفحة رقم 104 """
رضى الله عنه استثنى هذه الصورة للخروج من خلاف العلماء فقد قال سفيان الثورى وغيره فيمن رجع لحاجة عليه أن يتم
قال أبو بكر فى كتاب الإشراف ما نصه ذكر الإمام يخص نفسه بالدعاء دون القوم ثبت أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول إذا كبر فى الصلاة قبل القراءة ( اللهم باعد بينى وبين خطيئتى كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقنى من خطاياى كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلنى من خطاياى بالثلج والماء والبرد ) قال أبو بكر وبهذا نقول
وقد روينا عن مجاهد وطاوس أنهما قالا لا ينبغى للإمام أن يخص نفسه بشئ من الدعوات دون القوم وكره ذلك النووى والأوزاعى وقال الشافعى لا أحب ذلك انتهى
وإنما نقلته بحروفه لأن بعض الناس نقل عنه أنه نقل فى هذا الفصل عن الشافعى أنه لا يحب تخصيص الإمام نفسه بالدعاء بل يأتى بصيغة الجمع فى نحو اللهم باعد بينى وبين خطيئتى الحديث وهذا لا يقوله أحد بل الأدعية المأثورة يؤتى بها كما وردت فإذا كانت صيغة إفراد لم يستحب للإمام أن يأتى بصيغة الجمع ولا ينبغى له ذلك وإنما الخير كل الخير فى الإتيان بلفظ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
وأما أنه يستحب للإمام ألا يخص نفسه بالدعاء فهو أثر ذكره أصحابنا لكن معناه فى غير الأدعية المأثورة وذلك بأن يستفتح لنفسه دعاء فيفرد نفسه بالذكر وأبو بكر إنما صدر بالحديث استشهادا لما يقوله من جواز التخصيص فقال قد خصص النبى ( صلى الله عليه وسلم ) نفسه بهذه الكلمات التى ذكرها فى موضع لا تأمين فيه للمأمومين وليس مراده أن من ذكره يخالف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى ذلك معاذ الله وإنما حاصل كلامه أن التخصيص جائز فى غير المأثور بدليل ما وقع فى المأثور وأن كره التخصيص أن يجيب بأنه إنما خصص نفسه حيث يسر بالدعاء ولا تأمين للقوم فيه


"""
صفحة رقم 105 """
نقل ابن المنذر خلافا بين الأمة فى جواز إطعام فقراء أهل الذمة من الأضحية قال رخص فيه الحسن وأبو حنيفة وأبو ثور وقال مالك غيره أحب إلينا وكره مالك أيضا إعطاء النصرانى جلد الأضحية أو شيئا من لحمها وكرهه أيضا الليث فإن طبخ لحمها فلا بأس بأكل الذمي مع المسلمين منه
هذا كلام ابن المنذر ونقله عنه النووى فى شرح المهذب وقال لم أر لأصحابنا كلاما فيه
قال ومقتضى المذهب جواز إطعامهم من أضحية التطوع دون الواجبة
قلت نقل ابن الرفعة فى الكفاية أن الشافعى قال لا يطعم منها يعنى الأضحية أحدا على غير دين الإسلام وأنه ذكره فى البويطى
قول المريض لفلان قبلى حق فصدقوه
قال ابن المنذر فى كتاب السنن والإجماع والاختلاف وهو كتاب مبسوط حافل فى أواخر باب الإقرار منه ما نصه وإن قال لفلان قبلى حق فصدقوه فإن صدقه الورثة بما قال فإن النعمان قال أصدق الطالب بما بينه وبين الثلث أستحسن ذلك فإن أقر بدين مسمى مع ذلك كان الدين المسمى أولى بماله كله ولو لم يقر بدين مسمى وأوصى بوصية كانت أولى بالثلث من ذلك الإقرار أيضا فى قوله وإذا قال المريض فى مرضه الذى مات فيه لفلان على حق فصدقوه فيما ادعى فادعى مالا يكون أكثر من الثلث فإنه لا يصدق وله أن يحلف الورثة على علمهم فإن نكلوا عن اليمين قضيت له بذلك ولو حلفوا قضيت له بالثلث هذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد
قال أبو بكر والذى نقول به فى هذا أن المدعى يصدق فيما ادعى إذا أقر المريض بتصديقه وذلك أن الرجل إذا ادعى عليه قال وقال المريض صدق يؤخذ به فكذلك إذا قال صدقوه أو هو صادق فيما ادعى كان هذا إقرارا منه قد عقده انتهى لفظه


"""
صفحة رقم 106 """
قلت وهو فرع تعم به البلوى والنقل فيه عزيز يقول المرء فى مرض موته مهما ادعى به فلان فصدقوه أو فهو صادق أو له على شئ لا أتحقق قدره فمهما عين فهو صدوق أو يقول المرء كل من ادعى على بعد موتى فأعطوه ما يدعيه ولا تطالبوه بالحجة والذى تحرر لى بعد النظر فى هذا الألفاظ أنه تارة يعين المرء بشخصه كما فى الصور الأول وتارة يعمم كما فى الصورة الأخيرة ولا يخفى أن كونه إقرارا فى الصور الأول أولى من الأخيرة فإن عين فتارة يقول مهما ادعى به فهو صادق أو فهو صحيح أو حق وتارة يقول مهما ادعى به فصدقوه وتارة يقول مهما ادعى به فأعطوه وكونه إقرارا فى الأول أولى من الثانية وفى الثانية أولى من الثالثة والذى يظهر فى الثالثة أنه وصية كما فى الصورة الأخيرة
وقد صرح بالصورة الأخيرة صاحب البحر فقال فى باب الوصايا ما نصه إذا قال كل من ادعى على بعد موتى فأعطوه ما يدعيه ولا تطالبوه بالحجة فادعى اثنان بعد موته حقين مختلفى المقدار ولا حجة لواحد منهما كان ذلك كالوصية تعتبر من الثلث وإذا ضاق عن الوفاء قسم بينهما على قدر حقيهما الذى يدعيانه كالوصايا سواء انتهى
وأما إذا قال إذا ادعى فلان أو كل ما يدعى به فلا يشك أنه أولى بالصحة من التعميم فى قوله كل من ادعى
ثم قد يقول فأعطوه وقد يقول فصدقوه وقد يقول فهو صادق فإن قال فأعطوه فيظهر أنه وصية وإن قال فصدقوه فقد رأيت قول ابن المنذر أنه إقرار وظاهر كلامه أنه يصدق فى كل ما يدعيه وإن زاد على الثلث وعلى ما يعينه الوارث حتى لو ادعى جميع المال يصدق
وهذا احتمال رأى أبى على الثقفى من أصحابنا نقله عنه القاضى أبو سعد فى


"""
صفحة رقم 107 """
كتاب الإشراف وتبعه القاضى شريح فى أدب القضاء فقال ما نصه إذا قال ما يدعيه فلان فصدقوه قال الثقفى يحتمل أن يصدق فى الجميع وقال الزجاجى هو إقرار مجهول يعينه الوارث قال أبو عاصم العبادى هذا أشبه بالحق انتهى
وإن قال فهو صادق فقد رأيت قول ابن المنذر أيضا ولا يشك أنها أولى بالإقرار من قوله فصدقوه
فإن قلت هل للمسألة شبه بما إذا قال إن شهد على فلان بكذا أو شاهدان بكذا فإنهما صادقان فإن الأصحاب ذكروا فى باب الإقرار أنه إقرار وإن لم يشهدا على أظهر القولين وإن قال إن شهدا صدقهما فليس بإقرار قطعا
قلت هى مفارقة لها من جهة أنه عين هنا المشهود به كما عين الشاهد فقال إن شهد بكذا وفيما نحن فيه لم يعين المشهود عليه بل عممه أو جهله فمن ثم لم يلزم من جعله مقرا فى هذه جعله مقرا فى تلك ومن ثم يكون مقرا فى هذه فى الحال ولا يتوقف على شهادة فلان وفى مسألتنا لابد من الدعوى ليتحقق ما قاله
وقد وقع فى المحاكمات رجل قال جميع ما يدعى به فلان فى تركتى حق أو نحو ذلك وأقر لمعين بشئ فادعى فلان بجميع ما وجد ومقتضى التصحيح أن يتحاصص هو والمعين المقر له بمعين كبينتين تزاحمتا ولكن لم أجسر على الحكم بذلك ووجدت النفس تميل إلى تقديم المعين بجميع ما عين له ولم أقدم على الحكم بذلك أيضا


"""
صفحة رقم 108 """
وقول أبى حنيفة الذى نقله عنه ابن المنذر إن المسمى أولى يشهد لذلك وهو نظير قوله إن الإقرار بالدين فى الصحة يقدم على الإقرار به فى المرض وهو قول عندنا اتفق الأصحاب على خلافه
119
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران بن عبد الله أبو العباس السراج الثقفى مولاهم النيسابورى الحافظ
محدث خراسان ومسندها
سمع قتيبة وإبراهيم بن يوسف البلخى وإسحاق بن راهويه وأبا كريب ومحمد ابن بكار وداود بن رشيد وخلقا سواهم
روى عنه البخارى ومسلم وأبو حاتم الرازى وأبو بكر بن أبى الدنيا وهم من شيوخه وأبو العباس بن عقدة وأبو حاتم بن حبان وأبو إسحاق المزكى وأبو حامد أحمد بن محمد بن بالويه والحسن بن أحمد المخلدى وأبو سهل الصعلوكى وأبو بكر بن مهران المقرى وخلائق آخرهم أبو الحسين الخفاف
وكان شيخا مسندا صالحا سعيدا كثير المال وهو الذى قرأ عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ( اثنتى عشرة ألف ختمة وضحى عنه اثنتى عشرة ألف أضحية وكان يركب حماره ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر )
وفيه يقول الأستاذ أبو سهل الصعلوكى السراج كالسراج
وقال الأستاذ أبو سهل أيضا حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق الأوحد فى فنه الأكمل فى وزنه


"""
صفحة رقم 109 """
وقال أبو عمرو بن نجيد رأيت السراج ركب حماره وعباس المستملى بين يديه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يقول يا عباس غير كذا اكسر كذا
وقال أبو زكرياء العنبرى سمعت أبا عمرو الخفاف يقول للسراج لو دخلت على الأمير ونصحته
قال فجاء وعنده أبو عمرو فقال هذا شيخنا وأكبرنا وقد حضر لينتفع الأمير بكلامه
فقال السراج أيها الأمير إن الإقامة كانت فرادى وهى كذا بالحرمين وأما فى جامعنا فصارت مثنى مثنى وإن الدين خرج من الحرمين فإن رأيت أن تأمر بالإفراد
قال فخجل الأمير وأبو عمرو والجماعة إذ كانوا قصدوه فى أمر البلد فلما خرج عاتبوه فقال استحييت من الله أن أسأل أمر الدنيا وأدع أمر الدين
توفى السراج فى ربيع الآخرة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وله سبع وتسعون سنة
120
محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر إمام الأئمة أبو بكر السلمى النيسابورى
المجتهد المطلق البحر العجاج والحبر الذى لا يخاير فى الحجى ولا يناظر فى الحجاج جمع أشتات العلوم وارتفع مقداره فتقاصرت عنه طوالع النجوم وأقام بمدينة نيسابور إمامها حيث الضراغم مزدحمة وفردها الذى رفع العلم بين الأفراد علمه والوفود تفد على ربعه لا يتجنبه منهم إلا الأشقى والفتاوى تحمل عنه برا وبحرا وتشق الأرض شقا وعلومه تسير فتهدى فى كل سوداء مدلهمة وتمضى علما تأتم الهداة به وكيف لا وهو إمام الأئمة


"""
صفحة رقم 110 """
كالبحر يقذف للقريب جواهرا
كرما ويبعث للغريب سحائبا
مولده فى صفر سنة ثلاث وعشرين ومائتين
سمع من خلق منهم إسحاق بن راهويه ومحمد بن حميد الرازى ولم يحدث عنهما لكونه سمع منهما فى الصغر ولكن حدث عن محمود بن غيلان ومحمد بن أبان المستملى وإسحاق بن موسى الخطمى وعتبة بن عبد الله اليحمدي وعلى بن حجر وأبى قدامة السرخسى وأحمد بن منيع وبشر بن معاذ وأبي كريب وعبد الجبار بن العلاء ويونس بن عبد الأعلى ومحمد بن أسلم الزاهد والزعفرانى ونصر ابن على الجهضمى وعلى بن خشرم وغيرهم
وكان سماعه بنيسابور فى صغره وفى رحلته بالرى وبغداد والبصرة والكوفة والشام والجزيرة ومصر وواسط
روى عنه خلق من الكبار منهم البخارى ومسلم خارج الصحيح ومحمد ابن عبد الله بن عبد الحكم شيخه وأبو عمرو أحمد بن المبارك المستملى وإبراهيم بن أبى طالب وهؤلاء أكبر منه ويحيى بن محمد بن صاعد وأبو على النيسابورى وإسحاق بن سعد النسوى وأبو عمرو بن حمدان وأبو حامد أحمد بن محمد بن بالويه وأبو بكر أحمد بن مهران المقرئ ومحمد بن أحمد بن على بن نصير المعدل وحفيده محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق وخلائق
ومن الأخبار عن حاله
قيل لابن خزيمة يوما من أين أوتيت العلم فقال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ماء زمزم لما شرب له ) وإنى لما شربت ماء زمزم سألت الله علما نافعا


"""
صفحة رقم 111 """
وقيل له يوما لو قطعت لنفسك ثيابا تتجمل بها فقال ما أذكر نفسى قط ولى أكثر من قميصين
قال أبو أحمد الدارمى وكان له قميص يلبسه وقميص عند الخياط فإذا نزع الذى يلبسه ووهبه غدوا إلى الخياط وجاؤا بالقميص الآخر
وقيل له يوما لو حلقت شعرك فى الحمام فقال لم يثبت عندى أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دخل حماما قط ولا حلق شعره إنما تأخذ شعرى جارية لى بالمقراض
وقال أبو أحمد الدارمى سمعت ابن خزيمة يقول ما حللت سراويلى على حرام قط
وقال أبو بكر بن بالويه سمعت ابن خزيمة يقول كنت عند الأمير إسماعيل بن أحمد فحدث عن أبيه بحديث وهم فى إسناده فرددته عليه فلما خرجت من عنده قال أبو ذر القاضى قد كنا نعرف أن هذا الحديث خطأ منذ عشرين سنة فلم يقدر واحد منا أن يرده عليه فقلت له لا يحل لى أن أسمع حديثا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيه خطأ أو تحريف فلا أرد
قال الحاكم سمعت أبا عمرو بن إسماعيل يقول كنت فى مجلس ابن خزيمة فاستمدنى مدة فناولته بيسارى إذ كانت يمينى قد اسودت من الكتابة فلم يأخذ القلم وأمسك فقال لى بعض أصحابه لو ناولت الشيخ بيمينك فأخذت القلم بيمينى فناولته فأخذ منى
وقال أبو أحمد الدارمى سمعت ابن خزيمة يحكى عن على بن خشرم عن إسحاق أنه قال أحفظ سبعين ألف حديث


"""
صفحة رقم 112 """
قال أبو أحمد الدارمى فقلت له كم يحفظ الشيخ فضربنى على رأسى وقال ما أكثر فضولك ثم قال يابنى ما كتبت سودا فى بياض إلا وأنا أعرفه
مات ابن خزيمة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة
وفى مرثيته قال بعض أهل العلم
ياابن إسحاق قد مضيت حميدا
فسقى قبرك السحاب الهتون
ما توليت لا بل العلم ولى
ما دفناك بل هو المدفون
ومن أراد الإحاطة بترجمته فعليه بها فى تاريخ نيسابور للحاكم أبى عبد الله رحمه الله
ومن ثناء الأئمة عليه
قال القفال الشاشى سمعت أبا بكر الصيرفى يقول سمعت ابن سريج يقول ابن خزيمة يخرج النكت من حديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالمنقاش
وقال الربيع بن سليمان استفدنا من ابن خزيمة أكثر مما استفاد منا
وقال الحاكم سمعت محمد بن إسماعيل البكرى يقول سمعت ابن خزيمة يقول حضرت مجلس المزنى يوما وسأله سائل من العراقيين عن شبه العمد فقال السائل إن الله عز وجل وصف القتل فى كتابه صنفين عمدا وخطأ فلم قلتم إنه على ثلاثة أصناف وزدتم شبه العمد فذكر الحديث فقال له أتحتج بعلى بن زيد بن جدعان فسكت المزنى
فقلت لمناظره قد روى هذا الخبر غير على بن زيد


"""
صفحة رقم 113 """
فقال ومن رواه غير على
قلت أيوب السختيانى وخالد الحذاء
قال لى فمن عقبة بن أوس
قلت عقبة بن أوس رجل من أهل البصرة قد رواه عنه أيضا محمد بن سيرين مع جلالته
فقال للمزنى أنت تناظر أو هذا
فقال إذا جاء الحديث فهو يناظر لأنه أعلم بالحديث منى ثم أتكلم أنا انتهى قلت الشافعى رضى الله عنه لم يقتصر على رواية الحديث من طريق ابن جدعان بل رواه أيضا عن عبد الوهاب الثقفى عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة ابن أوس عن رجل من أصحاب النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر الحديث
وكذلك رواه هشيم وبشر بن المفضل ويزيد بن زريع عن خالد الحذاء
أخرجه النسائى من طريقهم إلا أن يزيد قال فيه يعقوب بن أوس ويعقوب وعقبة واحد
ثم حديث الشافعى عن على بن زيد أخرجه هكذا عن سفيان بن عيينة عن على بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ألا إن فى قتيل عمد الخطأ بالسوط والعصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة فى بطونها أولادها )
وهكذا رواه النسائى وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة


"""
صفحة رقم 114 """
وأخرجه أبو داود من طريق عبد الوارث بن عبد الصمد عن على بن زيد كذلك ورواه عبد الرزاق عن معمر عن على بن زيد عن القاسم
قال عبد الرزاق كان مرة يقول القاسم بن محمد ومرة ابن ربيعة
ورواه حماد بن سلمة عن على بن زيد بن جدعان عن يعقوب السدوسى عن عبد الله بن عمرو به لم يذكر القاسم بن ربيعة هكذا ذكره ابن أبى حاتم فى كتاب العلل من طريق يزيد بن هارون وأسد بن موسى عن حماد بن سلمة
وذكره أيضا هو والدارقطنى من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة فقال فيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص
قال ابن أبى حاتم قلت لأبى من يعقوب السدوسى قال هو يعقوب بن أوس ويقال عقبة بن أوس
وأما حديث أيوب السختيانى فأخرجه النسائى وابن ماجه من طريق شعبة عنه عن القاسم بن ربيعة الغطفانى عن عبد الله بن عمرو بن العاص
وأما حديث خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس فقد عرفناك طريق الشافعى فيه والنسائى


"""
صفحة رقم 115 """
ورواه أيضا أبو داود والنسائى وابن ماجه من طريق حماد بن زيد
وأبو داود أيضا من طريق وهيب بن خالد كلاهما عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص
ورواه النسائى أيضا من حديث خالد عن القاسم عن عقبة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره مرسلا
ومن طريق حميد الطويل عن القاسم بن ربيعة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره مرسلا أيضا
فالحاصل فى الحديث الاختلاف فى أنه هل هو من مسند عبد الله بن عمر أو ابن عمرو وذلك لا يضر لأن الصحابة كلهم عدول ولا يبعد أن يكون الحديث عنهما جميعا وإليه ميل الحافظ المنذرى وأن ابن جدعان ممن سمعه إلى غير ذلك مما رأيت
وبسببه قضى ابن عبد البر باضطراب الحديث وحكم بأن عقبة بن أوس مجهول ولعل عرق العصبية للمالكية لحقه وإلا فليس عقبة بمجهول بل معروف روى عنه ابن سيرين كما ذكر ابن خزيمة


"""
صفحة رقم 116 """
وروى عنه أيضا القاسم بن ربيعة وابن جدعان وقال فيه أحمد بن عبد الله العجلى بصرى تابعى ثقة ولم يتكلم فيه أحد بجرح
والقاسم بن ربيعة مشهور روى عنه جماعة ووثقة ابن المدينى وأبو داود وغيرهما وكان من العلماء المذكورين للقضاء
وغلط ابن جدعان فى اسم أبيه مرة أو مرارا لا يضر والإرسال لا ينافى الإسناد
والعمل على أن الحديث مسند صحيح لا قادح فيه وله شاهد أخرجه البيهقى من طريق الوليد بن مسلم عن ابن جريح عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( وشبه العمد مغلظة ولا يقتل صاحبه وذلك أن ينزو الشيطان بين القبيلة فيكون بينهم رميا بالحجارة فى عميا فى غير ضغينة ولا حمل سلاح ) وهو من رواية أبى حاتم الرازى عن عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل ابن عبيد الله المخزومى وقد ذكره ابن حبان فى كتابه الثقات وباقى رواته من شيوخ الصحيحين


"""
صفحة رقم 117 """
والرميا بكسر الراء والميم المشددتين وتشديد الياء أيضا وكذلك العميا على وزن الهجيرا والخصيصا وهى مصادر للمبالغة فى الرمى والعمى أى يعمى أمر القتيل
عدنا إلى شأن إمام الأئمة
قال الحاكم وسمعت الحسين بن الحسن يقول سمعت عمى أبا زكريا يحيى بن محمد بن يحيى التميمى يقول استلقينا الأمير أبا إبراهيم إسماعيل بن أحمد لما ورد نيسابور مع ابن خزيمة ومعنا أبو بكر بن إسحاق وقد تقدمنا أبو عمرو الخفاف ومعه جماعة من مشايخ البلد فيهم أبو بكر الجارودى فوصلنا إليه وأبو عمرو عن يمينه والجارودى عن يساره والأمير يتوهم أن الجارودى هو ابن خزيمة لأنه لم يكن قبل ذلك عرفهم بأعيانهم فلما تقدمنا إليه سلم ابن خزيمة عليه فلم يلتفت إليه الالتفات إلى مثله وكان أبو عمرو يساره وهو يحدثه إذ سأله عن الفرق بين الفىء والغنيمة فقال له أبو عمرو هذه من مسائل شيخنا أبى بكر محمد بن إسحاق
فاستيقظ الأمير مما كان فيه من الغفلة وأمر الحاجب أن يقدمه إليه واستقبله وعانقه واعتذر إليه من التقصير فى أول اللقاء ثم سأله ماالفرق بين الفىء والغنيمة فقال قال الله تعالى ) واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ( ثم جعل يقول حدثنا وأخبرنا ثم قال قال الله عز وجل ) ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى ( وأخذ يقول حدثنا وأخبرنا


"""
صفحة رقم 118 """
قال عمى وعددنا مائة ونيفا وسبعين حديثا سردها من حفظه فى الفىء والغنيمة
وقال محمد بن حبان التميمى ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن ويحفظ ألفاظها الصحاح وزياداتها حتى كأن السنن كلها بين عينيه إلا محمد بن إسحاق فقط
وقال أبو بكر محمد بن سهل الطوسى سمعت الربيع بن سليمان وقال لنا هل تعرفون ابن خزيمة قلنا نعم قال استفدنا منه أكثر مما استفاد منا
وقال دعلج سمعت أبا عبد الله البوشنجى يقول وأشار إلى أبى بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة محمد بن إسحاق كيس وأنا لا أقول هذا لأبى ثور نقله الحاكم فى ترجمة البوشنجى
وقال أبو على الحسين بن محمد الحافظ لم أر مثل محمد بن إسحاق
قال وكان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارىء السورة
وقال الدارقطنى كان ابن خزيمة إماما ثبتا معدوم النظير
وحكى أبو بشر القطان قال رأى جار لابن خزيمة من أهل العلم كأن لوحا عليه صورة نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وابن خزيمة يصقله فقال المعبر هذا رجل يحيى سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
وقال الحاكم فى علوم الحديث فضائل ابن خزيمة مجموعة عندى فى أوراق كثيرة ومصنفاته تزيد على مائة وأربعين كتابا سوى المسائل والمسائل المصنفة أكثر من مائة جزء وله فقه حديث بريرة فى ثلاثة أجزاء
وعن عبد الرحمن بن أبى حاتم وسئل عن ابن خزيمة فقال ويحكم هو يسأل عنا ولا نسأل عنه هو إمام يقتدى به


"""
صفحة رقم 119 """
قال محمد بن الفضل كان جدي أبو بكر لا يدخر شيئا جهده بل ينفقه على أهل العلم ولا يعرف صنجة الوزن ولا يميز بين العشرة والعشرين
وقيل إن ابن خزيمة عمل دعوة عظيمة ببستان جمع فيها الفقراء والأغنياء ونقل كل ما فى البلد من الأكل والشوا والحلوا
قال الحاكم وكان يوما مشهودا بكثرة الخلق لا يتهيأ مثله إلا لسلطان كبير
ومن المسائل والفوائد عن إمام الأئمة
ذهب إلى أن رفع اليدين ركن من أركان الصلاة نقله الحاكم فى ترجمة محمد ابن على العلوى أبي جعفر الزاهد عن أبى على محمد بن على بن محمد بن نصروية المقرىء عنه
وقال إن الجماعة شرط فى صحة الصلاة نقله الإمام وغيره
وإن من صلى خلف الصف وحده يعيد نقله الدارمى فى الاستذكار وغيره
قال أبو عاصم قال ابن خزيمة فى معنى قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله خلق آدم على صورته ) فيه سبب وهو أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) رأى رجلا يضرب وجه رجل فقال ( لا تضرب على وجهه فإن الله تعالى خلق آدم على صورته ) قلت دعوى أن الضمير فى صورته عائد على رجل مضروب قاله غير ابن خزيمة أيضا ولكنه من ابن خزيمة شاهد صحيح لما لا يرتاب فيه من أن الرجل
برىء عما ينسبه إليه المشبهة وتفتريه عليه الملحدة وبراءة الرجل منهم ظاهرة فى كتبه وكلامه ولكن القوم يخبطون عشواء ويمارون سفها
وممن ذكر من أصحابنا أن الضمير فى صورته عائد على رجل أبو على بن أبى هريرة فى تعليقه فى باب التعزير


"""
صفحة رقم 120 """
121
محمد بن إسماعيل بن إسحاق بن بحر أبو عبد الله الفارسى البغدادى
مولده سنة تسع وأربعين ومائتين
روى عن أبى زرعة الدمشقى وعثمان بن خرزاذ وإسحاق بن إبراهيم الدبرى وبكر بن سهل الدمياطى وغيرهم
روى عنه الدارقطنى فأكثر وإبراهيم بن خرشيد قوله وأبو عمر بن مهدى مات سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة
122
محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الإمام الجليل المجتهد المطلق أبو جعفر الطبرى
من أهل آمل طبرستان أحد أئمة الدنيا علما ودينا
ومولده سنة أربع أو خمس وعشرين ومائتين
طوف الأقاليم فى طلب العلم


"""
صفحة رقم 121 """
وسمع من محمد بن عبد الملك بن أبى الشوارب وإسحاق بن أبى إسرائيل وإسماعيل ابن موسى الفزارى وأبى كريب وهناد بن السرى والوليد بن شجاع وأحمد بن منيع ومحمد بن حميد الرازى ويونس بن عبد الأعلى وخلق سواهم
روى عنه أبو شعيب الحرانى وهو أكبر منه سنا وسندا ومخلد الباقرحى والطبرانى وعبد الغفار الحضينى وأبو عمرو بن حمدان وأحمد بن كامل وطائفة سواهم
وقرأ القرآن على سليمان بن عبد الرحمن الطلحى صاحب خلاد
ومن تصانيفه كتاب التفسير وكتاب التاريخ وكتاب القراءات والعدد والتنزيل وكتاب اختلاف العلماء وتاريخ الرجال من الصحابة والتابعين وكتاب أحكام شرائع الإسلام ألفه على ما أداه إليه اجتهاده وكتاب الخفيف وهو مختصر فى الفقه وكتاب التبصير فى أصول الدين
وابتدأ تصنيف كتاب تهذيب الآثار وهو من عجائب كتبه ابتدأ بما رواه أبو بكر الصديق رضى الله عنه كما صح عنده بسنده وتكلم على ل حديث منه بعلله وطرقه وما فيه من الفقه والسنن واختلاف العلماء وحججهم وما فيه من المعانى والغريب فتم منه مسند العشرة وأهل البيت والموالى ومن مسند ابن عباس قطعة كثيرة ومات قبل تمامه


"""
صفحة رقم 122 """
وابتدأ بكتاب البسيط فخرج منه كتاب الطهارة فى نحو ألف وخمسمائة ورقة وخرج منه أكثر كتاب الصلاة وخرج منه آداب الحكام وكتاب المحاضر والسجلات وغير ذلك
قال الخطيب كان ابن جرير أحد الأئمة يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره فكان حافظا لكتاب الله بصيرا بالمعانى فقيها فى أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين فى الأحكام ومسائل الحلال والحرام عارفا بأيام الناس وأخبارهم وله الكتاب المشهور فى تاريخ الأمم والملوك وكتاب فى التفسير لم يصنف أحد مثله وكتاب سماه تهذيب الآثار لم أر سواه فى معناه إلا أنه لم يتمه وله فى أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة
قال وسمعت على بن عبد الله عبد الغفار اللغوى المعروف بالسمسمانى يحكى أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب فى كل يوم منها أربعين ورقة


"""
صفحة رقم 123 """
قال وبلغنى عن الشيخ أبى حامد الإسفراينى أنه قال لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيرا أو كلاما هذا معناه انتهى
وذكر أبو محمد الفرغانى فى صلة التاريخ أن قوما من تلامذة محمد بن جرير حسبوا لأبى جعفر منذ بلغ الحلم إلى أن مات ثم قسموا على تلك المدة أوراق مصنفاته فصار لكل يوم أربع عشرة ورقة
قلت وهذا لا ينافى كلام السمسمانى لأنه منذ بلغ لابد أن يكون مضت له سنون فى الطلب لا يصنف فيها
وذكر أن أبا العباس ابن سريج كان يقول محمد بن جرير الطبرى فقيه العالم
وذكر أن محمد بن جرير قال أظهرت فقه الشافعى وأفتيت به ببغداد عشر سنين وتلقنه منى ابن بشار الأحول أستاذ أبى العباس بن سريج
وروى أن أبا جعفر قال لأصحابه أتنشطون لتفسير القرآن قالوا كم يكون قدره فقال ثلاثون ألف ورقة فقالوا هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه
فاختصره فى نحو ثلاثة آلاف ورقة
ثم قال هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا قالوا كم قدره فذكر نحوا مما ذكره فى التفسير فأجوبوه بمثل ذلك فقال إنا لله ماتت الهمم فاختصره فى نحو ما اختصر التفسير


"""
صفحة رقم 124 """
قال الحاكم سمعت أبا بكر بن بالويه يقول قال لى ابن خزيمة بلغنى أنك كتبت التفسير عن ابن جرير قلت نعم إملاء قال كله قلت نعم قال فى كم سنة قلت من سنة ثلاث وثمانين إلى سنة تسعين قال فاستعاره منى ابن خزيمة ثم رده بعد سنين ثم قال نظرت فيه من أوله إلى آخره وما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير ولقد ظلمته الحنابلة
وقال أبو على الطومارى كنت أحمل القنديل فى شهر رمضان بين يدى أبى بكر بن مجاهد لصلاة التراويح فخرج ليلة من ليالى العشر الأواخر من داره واجتاز على مسجده فلم يدخله وأنا معه وسار حتى انتهى فوقف على باب مسجد محمد بن جرير وابن جرير يقرأ سورة الرحمن فاستمع قراءته طويلا ثم انصرف فقلت له يا أستاذ تركت الناس ينتظرونك وجئت تستمع قراءة هذا فقال يا أبا على دع هذا عنك ما ظننت أن الله خلق بشرا يحسن أن يقرأ هذه القراءة
وذكر أن المكتفى الخليفة قال للحسن بن العباس أريد أن أوقف وقفا تجتمع أقاويل العلماء على صحته ويسلم من الخلاف قال فأحضر ابن جرير فأملى عليهم كتابا لذلك فأخرجت له جائزة سنية فأبى أن يقبلها فقيل له لابد من جائزة أو قضاء حاجة فقال نعم الحاجة أسأل أمير المؤمنين أن يتقدم إلى الشرط أن يمنعوا السؤال من دخول المقصورة يوم الجمعة فتقدم بذلك وعظم فى نفوسهم
قال أبو محمد الفرغانى صاحب ابن جرير أرسل العباس بن الحسن الوزير إلى ابن جرير قد أحببت أن أنظر فى الفقه وسأله أن يعمل له مختصرا فعمل له كتاب الخفيف وأنفذه فوجه إليه ألف دينار فلم يقبلها فقيل له تصدق بها فلم يفعل
وقال حسينك بن على النيسابورى أول ما سألنى ابن خزيمة قال كتبت عن


"""
صفحة رقم 125 """
محمد بن جرير قلت لا قال ولم قلت لأنه كان لا يظهر وكانت الحنابلة تمنع من الدخول عليه فقال بئس ما فعلت ليتك لم تكتب عن كل من كتبت عنهم وسمعت منه
قلت لم يكن عدم ظهوره ناشئا من أنه منع ولا كانت للحنابلة شوكة تقتضى ذلك وكان مقدار ابن جرير أرفع من أن يقدروا على منعه وإنما ابن جرير نفسه كان قد جمع نفسه عن مثل الأراذل المتعرضين إلى عرضه فلم يكن يأذن فى الاجتماع به إلا لمن يختاره ويعرف أنه على السنة وكان الوارد من البلاد مثل حسينك وغيره لا يدرى حقيقة حاله فربما أصغى إلى كلام من يتكلم فيه لجهله بأمره فامتنع عن الاجتماع به
ومما يدلك على أنه لم يمنع قول ابن خزيمة لحسينك ليتك سمعت منه فإن فيه دلالة أن سماعه منه كان ممكنا ولو كان ممنوعا لم يقل له ذلك وهذا أوضح من أن ننبه عليه وأمر الحنابلة فى ذلك العصر كان أقل من ذلك
قال الفرغانى كان محمد بن جرير ممن لا تأخذه فى الله لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات من جاهل وحاسد وملحد فأما أهل العلم والدين فغير منكرين علمه وزهده فى الدنيا ورفضه لها وقناعته بما كان يرد عليه من حصة خلفها له أبوه بطبرستان يسيرة ولما تقلد الخاقانى الوزارة وجه إليه بمال كثير فأبى أن يقبله فعرض عليه القضاء فامتنع فعاتبه أصحابه وقالوا له لك فى هذا ثواب وتحيى سنة قد درست وطمعوا فى أن يقبل ولاية المظالم فانتهرهم وقال قد كنت أظن أنى لو رغبت فى ذلك لنهيتمونى عنه
وقال الفرغانى رحل ابن جرير من مدينة آمل لما ترعرع وسمح له أبوه بالسفر وكان طول حياته ينفذ إليه بالشئ بعد الشئ إلى البلدان فسمعته يقول أبطأت عنى نفقة والدى واضطررت إلى أن فتقت كمى القميص فبعتهما


"""
صفحة رقم 126 """
وقال ابن كامل توفى عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاثمائة ودفن فى داره برحبة يعقوب ولم يغير شيبه وكان السواد فى رأسه ولحيته كثيرا وكان أسمر إلى الأدمة أعين نحيف الجسم مديد القامة فصيحا واجتمع عليه من لا يحصيه إلى الله تعالى وصلى على قبره عدة شهور ليلا ونهارا ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب
من ذلك قول أبى سعيد بن الأعرابى
حدث مفظع وخطب جليل
دق عن مثله اصطبار الصبور
قام ناعى العلوم أجمع لما
قام ناعى محمد بن جرير
وقول ابن دريد
إن المنية لم تتلف به رجلا
بل أتلفت علما للدين منصوبا
كان الزمان به تصفو مشاربه
والآن أصبح بالتكدير مقطوبا
(
كلا وأيامه الغر التى جعلت للعلم نورا وللتقوى محاريبا
عجيبة تتضمن مسألة
إذا ادعى المقضى عليه أن القاضى حكم عليه بشهادة فاسقين قال ابن الرفعة فى المطلب فى باب الشهادة على الشهادة يجب على شاهد الفرع تسمية شهود الأصل خلافا لمحمد بن جرير الطبرى الذى أفهم كلام صاحب الإشراف عند الكلام فى دعوى المقضى عليه أن القاضى قضى عليه بشهادة فاسقين أنه من أصحابنا انتهى
وهذا كلام عجيب يوهم أن ابن جرير هذا غير ابن جرير الإمام المشهور صاحب الترجمة فإن فى هذا اللفظ تجهيلا عظيما للمسمى بهذا الاسم وابن جرير إمام شهير


"""
صفحة رقم 127 """
لا يخفى حاله على ابن الرفعة ولا من دونه وإنما قصد ابن الرفعة بهذا الكلام الإشارة إلى أنه وإن كان مجتهدا مطلقا معدود من أصحابنا بشهادة صاحب الإشراف فليلتحق قوله بهذا بالمذهب ويعد وجها فيه وهذا أيضا غير لائق بعلو قدر ابن الرفعة فابن جرير معدود من أصحابنا لا يمترى أحد فى ذلك ولو عد عاد ذكر ابن الرفعة له ولأقواله من أصحابنا لأكثر المعدود فلا طائل تحت كلامه هذا بل هو كلام موهم كان السكوت عنه أجمل بقائله وما حمله عليه إلا كثرة استحضاره لما بعد وما قرب وحيث ذكره فى المظنة فاستحضره من غير المظنة ولو أنه قال الذى اقتضى كلام صاحب الإشراف موافقة غيره من أصحابنا له على مقالته فى عدم سماع الدعوى على القاضى بأنه حكم بشهادة فاسقين لكان أحسن فإن موافقة غير ابن جرير من أصحابنا له تؤكد عد قوله من المذهب بخلاف ما إذا لم يوجد له موافق فإن النظر إذ ذاك قد يتوقف في إلحاق أقواله بالمذهب لأن المحمدين الأربعة ابن جرير وابن خزيمة وابن نصر وابن المنذر وإن كانوا من أصحابنا فربما ذهبوا باجتهادهم المطلق إلى مذاهب خارجة عن المذهب فلا نعد تلك المذاهب من مذهبنا بل سبيلها سبيل من خالف إمامه فى شئ من المتأخرين أو المتقدمين
وإنما قلت إن صاحب الإشراف ذكر موافقة غير ابن جرير له على عدم الدعوى بأنه حكم بشهادة فاسقين لأن عبارة الإشراف
فصل
إذا ادعى المقضى عليه أن القاضى قضى عليه بشهادة فاسقين
قال محمد بن جرير وغيره من أصحابنا لا ينبغى أن يفوق سهم هذه الدعوى نحو القاضى لأن فيه تشنيعا عليه وهو مستغن عن هذا التشنيع عليه بأن يقيم البينة على فسق الشهود ويفارق إذا ادعى على القاضى أنه أخذ منه الرشوة وفسرها وهى مال


"""
صفحة رقم 128 """
مبذول ليصير الحق باطلا والباطل حقا لأنه أمر خفى لا يمكنه إقامة البينة عليه دون الادعاء على القاضى فلما لم يكن مستغنيا عن الادعاء عليه جاز له الادعاء ليصون القاضى ماء وجهه فيرد المال عليه
وقال بعض أصحابنا دعوى الطعن على الشهود مسموعة على القاضي لأنه ربما يتعذر عليه إقامة البينة على فسق الشهود انتهى
وحكى بعده الوجهين المشهورين فى تحليفه إذا أنكر
فإن قلت الوجهان فى الدعوى عليه بشهادة فاسقين مشهوران
قلت كلا إنما المشهور الوجهان فى إحضاره إذا ادعى عليه هكذا أما أصل الدعوى فقال الرافعى إنهم متفقون على سماعها على الجملة وأنكر على الغزالى جعله الوجهين فى أصل الدعوى وكلام ابن جرير هذا صريح فى أن الدعوى لا تسمع ففيه تأييد عظيم للغزالى لا سيما مع اعتضاده بموافقة بعض الأصحاب بل غالبهم كما أشار إليه القاضى أبو سعد فإن فى قوله قال ابن جرير وغيره من أصحابنا مع قوله فى مقابله وقال بعض أصحابنا ما يعطى أن الجادة على قول ابن جرير على خلاف دعوى الرافعى الاتفاق نعم محل ذلك فصل الدعوى على القاضى المعزول من كتاب الأقضية لا باب الشهادة على الشهادة وقول ابن جرير لا يشترط تسمية شهود الأصل هو المختص بباب الشهادة على الشهادة فكان طريق ابن الرفعة إن لم يجد له من خلص الأصحاب متابعا أن يقول ولا متابع له لكنه من أصحابنا


"""
صفحة رقم 129 """
123
محمد بن جعفر بن أحمد بن عيسى أبو عبد الله ابن بنت عبد الله ابن أبى القاضى
من علماء خوارزم من بيت العلم والزهد
قال صاحب الكافى كان رجلا حليما وقورا فاضلا رحل فى طلب العلم إلى العراق
وتفقه على أبى العباس ابن سريج فيما أظن
وسمع الحديث بها من محمد بن جرير الطبرى
تكلم يوما فى مسألة مع سعيد بن أبى القاضى فقال له يا أبا عبد الله لم يأن لك بعد قال فدخلت المنزل فأقمت فيه ستة أشهر حتى استظهرت كتاب المزنى ثم تكلمت فقال لى سعيد إيها الآن
توفى فى ربيع الآخر سنة ثمان عشرة وثلاثمائة
ومن الفوائد عنه
قيل له الرجل السعيد فى دنياه يتمنى الولد ولا يتمناه فى الجنة فقال تمنى الناس أولادا فى الدنيا لحبهم فيها حتى إذا انقرضوا يبقى لهم نعيمهم ببقاء الولد وقد أمنوا الانقراض فى الجنة


"""
صفحة رقم 130 """
ووقع سؤال فى زمانه عن بيع التراب على الأرض المسبلة فأفتى عامة الفقهاء بالمنع ورفعت الفتيا إليه فقال ما زاد فيها بعد الوقف يجوز بيعه فانتهوا لذلك ووافقوه
ذكر ذلك صاحب الكافى في تاريخ خوارزم
124
محمد بن جعفر بن محمد بن خازم الخازمى بالخاء المعجمة والزاى الفقيه أبو جعفر
من أهل جرجان تفقه على أبى العباس ابن سريج وروى عنه وعن أبى بكر عبد الله ابن أبى بكر ابن خيثمة
روى عنه على بن أحمد بن موسى الجرجانى وغيره
ويحكى أن أبا العباس ابن سريج قال ما عبر جسر النهروان أفقه من أبى جعفر ابن خازم
وقد اختصر الذهبى فى ترجمته جدا
توفى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 131 """
125
محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد أبو حاتم بن حبان البستى التميمى
الحافظ الجليل الإمام
صاحب التصانيف الأنواع والتقاسيم والجرح والتعديل والثقات وغير ذلك
سمع الحسين بن إدريس الهروى وأبا خليفة والنسائى وعمران بن موسى وأبا يعلى والحسن بن سفيان وابن خزيمة والسراج وخلائق لا يحصون كثرة بخراسان والعراق والحجاز والشام ومصر والجزيرة وغيرها من الأقاليم
قال فى كتابه التقاسيم والأنواع لعلنا كتبنا عن ألف شيخ ما بين الشاش والإسكندرية
روى عنه الحاكم ومنصور بن عبد الله الخالدى وأبو معاذ عبد الرحمن بن محمد بن رزق السختيانى وأبو الحسن محمد بن أحمد بن هارون الزوزنى ومحمد بن أحمد بن منصور النوقانى وغيرهم
قال أبو سعد الإدريسى كان على قضاء سمرقند زمانا وكان من فقهاء الدين


"""
صفحة رقم 132 """
وحفاظ الآثار عالما بالطب والنجوم وفنون العلم ألف المسند الصحيح والتاريخ والضعفاء وفقه الناس بسمرقند
وقال الحاكم كان من أوعية العلم فى الفقه واللغة والحديث والوعظ ومن عقلاء الرجال
ثم ذكر أنه قدم نيسابور مرتين ثم ولى قضاء نسا ثم قدم نيسابور ثالثة وبنى فيها خانكاه وقرئت عليه جملة من مصنفاته ثم عاد إلى وطنه سمرقند وكانت الرحلة إليه لسماع مصنفاته
وقال الخطيب كان ثقة نبيلا فهما
وقال ابن السمعانى كان أبو حاتم إمام عصره رحل فيما بين الشاش والإسكندرية
توفى ليلة الجمعة لثمان بقين من شوال سنة أربع وخمسين وثلاثمائة رحمه الله
ذكر ما رمى به أبو حاتم وتبيين الحال فيه
قدمنا فى الطبقة الثانية فى ترجمة أحمد بن صالح المصرى أن مما ينبغى أن ينظر فيه ويتفقد وقت الجرح والتعديل حال العقائد فإنه باب مهم وقع بسببه كلام بعض الأئمة فى بعض لمخالفة العقيدة إذا تذكرت ذلك فاعلم أن أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الهروى الذى تسميه المجسمة شيخ الإسلام قال سألت يحيى بن عمار عن ابن حبان قلت رأيته قال وكيف لم أره ونحن أخرجناه من سجستان كان له علم كثير ولم يكن له كبير دين قدم علينا فأنكر الحد لله فأخرجناه من سجستان انتهى
قلت انظر ما أجهل هذا الجارح وليت شعرى من المجروح مثبت الحد لله أو نافيه


"""
صفحة رقم 133 """
وقد رأيت للحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدى العلائى رحمه الله على هذا كلاما جيدا أحببت نقله بعبارته قال رحمه الله ومن خطه نقلت يا لله العجب من أحق بالإخراج والتبديع وقلة الدين
وهذه نخب وفوائد عن الإمام أبى حاتم
ذكر فى صحيحه حديث أنس فى الوصال وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إنى لست كأحدكم إنى أطعم وأسقى )
ثم قال فى هذا الخبر دليل على أن الأخبار التى فيها ذكر وضع النبى ( صلى الله عليه وسلم ) الحجر على بطنه كلها أباطيل وإنما معناها الحجز لا الحجر والحجز هو طرف الإزار إذ الله عز وجل كان يطعم رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ويسقيه إذا واصل فكيف يتركه جائعا مع عدم الوصال حتى احتاج إلى شد الحجر على بطنه وما يغنى الحجر عن الجوع
قلت فى هذا نظر وقد أخرج ابن حبان قبل هذا بأوراق يسيرة حديث ابن عباس خرج أبو بكر بالهاجرة . . . الحديث وفيه قول النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ( والذى نفسى بيده ما أخرجنى إلا الجوع ) وفى الجوع أحاديث كثيرة والجوع لا يقتضى نقصا بل فيه رفعة لدرجاته العليا ( صلى الله عليه وسلم )
والجمع بين ذلك وقضية الوصال أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كانت له أحوال بحسب ما يختاره الله تعالى له ويرتضيه فتارة الجوع وتارة التقوية على الصوم وكل حال بالنسبة إليه فى وقتها أكمل وأولى هكذا كان خطر لى والذى أنا عليه الآن أنى لا أدرى من حاله ( صلى الله عليه وسلم ) فى الجوع شيئا والذى أعتقده أنه كان جوعا اختياريا لا اضطراريا وأنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقدر على طرده عن نفسه إما بأن تنصرف عنه شهوة الطعام والشراب مع بقاء القوة بإذن الله وإما بتغذية الله المغنية له عن الطعام والشراب وإما بتناول الغذاء فقد كان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قادرا على ذلك


"""
صفحة رقم 134 """
وسماعى مرات كثيرات من الشيخ الإمام الوالد رحمه الله وهو معتقدى أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لم يكن فقيرا قط ولا كانت حالته حالة الفقراء بل كان أغنى الناس بالله وكان الله تعالى قد كفاه أمر دنياه فى نفسه وعياله ومعاشه
وأحفظ أن الشيخ الإمام رحمه الله أقام من مجلسه من قال كان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقيرا قياما صعبا وكاد يسطو به وما نجاه منه إلا أنه استتابه واستسلمه
وكان رحمه الله يقول فى قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اللهم أحينى مسكينا ) إن المراد به استكانة القلب لا المسكنة التى هى أن يجد ما لا يقع موقعا من كفايته وذكر ذلك فى باب الوصية من شرح المنهاج وسمعته منه كذا كذا مرات لا أحصى لها عددا
وكان رحمه الله يشدد النكير على من يعتقد ذلك والحق معه رضى الله عنه فإن من جاءت إليه مفاتيح خزائن الأرض وكان قادرا على تناول ما فيها كل لحظة كيف يوصف بالعدم ونحن لو وجدنا من معه مال جزيل فى صندوق من جوانب بيته لو سمناه بسمة الغناء المفرط مع العلم بأنه قد يسرق أو تغتاله غوائل الزمان فيصبح فقيرا فكيف لا يسمى من خزائن الأرض بالنسبة إليه أقرب من الصندوق إلى صاحب البيت وهى فى يده بحيث لا تتغير بل هو آمن عليها بخلاف صاحب الصندوق فما كان ( صلى الله عليه وسلم ) فقيرا من المال قط ولا مسكينا نعم كان أعظم الناس جوارا إلى ربه وخضوعا له وأشدهم فى أظهار الافتقار إليه والتمسكن بين يديه
ذكر أبو حاتم حديث قوائم المنبر رواتب فى الجنة وبوب عليه برجاء نوال الجنان بالطاعة عند منبر المصطفى ( صلى الله عليه وسلم )
وحديث ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة وبوب عليه رجاء نوال المرء بالطاعة روضة من رياض الجنة إذا أتى بها بين القبر والمنبر


"""
صفحة رقم 135 """
ثم قال حاصله أن الخطاب فى هذين الخبرين من باب إطلاق المسبب على السبب والمعنى أن المسلم يرجى له الجنة بتقربه عند هذين الموضعين
قال وهو كحديث منبرى على حوضى لرجاء المرء نوال الشرب من الحوض بطاعته فى ذلك الموضع وكحديث عائد المريض فى مخرفة الجنة وحديث الجنة تحت ظلال السيوف ونظائره كثيرة
أشار أبو حاتم إلى أن حج المرء بامرأته لتقضى فريضة حجها إذا لم يكن لها محرم غيره أفضل من جهاد التطوع وذكر حديث اكتتبت فى غزاة كذا وخرجت امرأتى حاجة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اذهب فحج بامرأتك )
وأشار إلى أنه يستحب للملبى عند التلبية إدخال الأصبعين فى الأذنين لحديث كأنما أنظر إلى موسى واضعا أصبعيه فى أذنيه له جوار إلى الله بالتلبية
126
محمد بن حسان بن محمد بن أحمد أبو منصور الفقيه القرشى ابن الأستاذ أبى الوليد النيسابورى
قال الحاكم كان من أفقه أصحاب أبيه الأستاذ أبى الوليد وكان يصوم صوم داود قريبا من ثلاثين سنة وسمع الحديث الكثير وصنف كتابا فى الرد على كتاب الرياضة
سمع أبا العباس محمد بن إسحاق وأبا العباس الماسرجسى والمؤمل بن الحسن وغيرهم
واستشهد وذاك أنه كان منصرفا من عيد الأضحى فرفسته دابة فوقع فى بئر


"""
صفحة رقم 136 """
وحمل إلى منزله وغشى عليه ثم توفى غداة يوم الأحد آخر أيام التشريق من سنة سبع وستين وثلاثمائة ودفن بجنب أبيه
كتب عنه الحاكم فى التاريخ
127
محمد بن الحسن بن إبراهيم الشيخ الإمام أبو عبد الله الختن الفارسى ثم الإستراباذى
أحد أئمة الأصحاب وعرف بالختن لأنه كان ختن الإمام أبى بكر الإسماعيلى
مولده سنة إحدى عشرة وثلاثمائة
قال الحاكم أحد أئمة الشافعيين فى عصره وكان مقدما فى الأدب ومعانى القرآن والقراءات ومن العلماء المبرزين فى النظر والجدل
سمع أبا نعيم عبد الملك بن محمد بن عدى وأقرانه فى بلده وورد نيسابور سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة فأقام عندنا إلى آخر سنة تسع
وسمع أكثر كتب مشايخنا ثم دخل أصبهان فسمع مسند أبي داود من عبد الله بن جعفر وسمع من سائر المشايخ بها
ودخل العراق بعد الأربعين وأكثر
وكان كثير السماع والرحلة
قدم نيسابور سنة تسع وستين وأقم مدة وانتفع الناس بعلومه وحدث وحضر مجلس الأستاذ الإمام أبى سهل قلت وأكثر الرواية عن الأصم وعبد الله بن فارس وأبى بكر الشافعى وأبى القاسم الطبرانى ودعلج وغيرهم
وله شرح مشهور على تلخيص ابن القاص


"""
صفحة رقم 137 """
وذكر الحاكم أنه جرت بينه وبين الأستاذ أبى سهل مناظرة فأغلظ له الأستاذ القول فخرج أبو عبد الله مستوحشا فكتب إليه الأستاذ أبو سهل
أعيذ الفقيه الحر من سطوة السخط
مصونا عن الأنظار يجلبها الغلط
تضايق حتى لا يسوغ لفظة
ويعتب من لفظ يفور على اللغط
أحاكمه فيه إليه محكما
وأسأله عفوا لنادرة السقط
ومهما غدا وجه الصواب حفاظه
فإن سداد الرأى يلزمه النمط
ونشرى لمطوى خلاف إمامنا
وطيى لمنشوروفاء بما شرط
شددت على باغى الفساد ولم أدع
عليه من الحب اليسير لمن لقط
على رمد جاء القريض مرمدا
ورائقه بالبر قد يحمل السفط
قال الحاكم فأنشدنى أبو عبد الله جوابه عنها
جفاء جرى جهرا لدى الناس وانبسط
وعذر أتى سرا فأكد ما فرط
متى طالب الشيخ الفقيه بحقه
وضيع حقا لى عليه فقد قسط
سبيلى إذا ضايقته فى العلوم أن
يضايقنى فيها ولا يركب الشطط
وعدت أناديه التى خصنى بها
فلا حاسب أحصى ولا كاتب ضبط
فمن أجلها فى داره إذ حضرتها
سطا واعتدى فى القول والفعل واحتلط
فأى ملام يلحق الحر بعدها
إذا هو من جيرانه أبدا قنط
هجرت اقتراض الشعر لما انقضى الصبا
ولما رأيت الشيب فى عارضى وخط
ولولاه لا نثالت قواف محلها
صدور ذوى الآداب لا فارغ السفط


"""
صفحة رقم 138 """
وقال حمزة الجرجانى كان أبو عبد الله الختن من الفقهاء المذكورين فى عصره درس سنين كثيرة وتخرج به عدة من الفقهاء وكان له ورع وله أربعة أولاد أبو بشر الفضل وأبو النضر عبيد الله وأبو عمرو عبد الرحمن وأبو الحسن عبد الواسع وكان له إملاء من سنة سبع وسبعين إلى أن توفى بجرجان يوم عيد الأضحى سنة ست وثمانين وثلاثمائة وهو ابن خمس وسبعين سنة
ومن الفوائد عنه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
128
محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية الإمام أبو بكر الأزدى البصرى
نزيل بغداد
مولده سنة ثلاث وعشرين ومائتين
وتنقل فى جزائر البحر وفارس فى طلب اللغة والأدب وكان أبوه من رؤساء زمانه وأما هو فكان رأسا فى العربية وأشعار العرب


"""
صفحة رقم 139 """
حدث عن أبى حاتم السجستانى وأبى الفضل العباس الرياشى وابن أخى الأصمعى وغيرهم
روى عنه أبو سعيد السيرافى وأبو بكر بن شاذان وأبو الفرج صاحب الأغانى وأبو العباس إسماعيل بن ميكال وغيرهم
قال أحمد بن يوسف الأزرق ما رأيت أحفظ من ابن دريد وما رأيته قرئ عليه ديوان قط إلا وهو يسابق إلى روايته لحفظه له
وعن أبى بكر الأسدى قال كان يقال ابن دريد أعلم الشعراء وأشعر العلماء
ولابن دريد قصيدة طنانة مدح بها الشافعى رضى الله عنه أولها
بملتفتيه للمشيب مطالع
ذوائد عن ورد التصابى روادع
تصرفنه طوع العنان وربما
دعاه الصبا فاقتاده وهو طائع
ومن لم يزعه لبه وحياؤه
فليس له من شيب فوديه وازع
ومنها
لرأى ابن إدريس ابن عم محمد
ضياء إذا ما أظلم الخطب صادع
إذا المعضلات المشكلات تشابهت
سما منه نور فى دجاهن ساطع
أبى الله إلا رفعه وعلوه
وليس لما يعليه ذو العرش واضع
ومنها
سلام على قبر تضمن جسمه
وجادت عليه المدجنات الهوامع
لقد غيبت أكفانه شخص ماجد
جليل إذا التفت عليه المجامع
وأما قصيدته الدريدية فقد سارت بها الركبان مدح بها عبد الله بن محمد بن ميكال وابنه أبا العباس إسماعيل وأخاه
قال الحاكم فى ترجمة أبى العباس إسماعيل سمعت أبا منصور الفقيه يقول كنت باليمن سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة فبينا أنا ذات يوم أسير بمدينة عدن إذ رأيت مؤدبا يعلم


"""
صفحة رقم 140 """
مستأجرا له مقصورة ابن دريد وقد بلغ ذكر الميكالية فقال لى يا خراسانى أبو العباس هذا له عندكم عقب فقلت هو بنفسه حى فتعجب من هذا أشد العجب وقال أنا أعلم هذه القصيدة منذ كذا سنة
الإقواء فى الشعر
قال أبو سعيد السيرافى حضرت مجلس أبى بكر بن دريد ولم يكن يعرفنى قبل ذلك فجلست فأنشد أحد الحاضرين بيتين يعزيان لآدم عليه السلام
تغيرت البلاد ومن عليها
فوجة الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذى حسن وطيب
وقل بشاشة الوجه المليح
فقال ابن دريد هذا الشعر قد قيل قديما وجاء فيه الإقواء
قال فقلت إن له وجها يخرجه عن الإقواء نصب بشاشة وحذف التنوين منها لالتقاء الساكنين فيكون بهذا التقدير نكرة منتصبة على التمييز ثم رفع الوجه بإسناد قل إليه فيصير اللفظ وقل بشاشة الوجه المليح
قال فرفعنى حتى أقعدنى بجانبه
قلت وحاصله إنكار الجر ودعوى نصب بشاشة على التمييز وأن التنوين حذف منه للضرورة وأن الوجه مرفوع بالفاعلية والمليح على الصفة وهذا جيد لكن فيه دعاوى كثيرة وإذا كان الإقواء واقعا فى كلامهم والرواية بالجر فلا حاجة إلى هذا التكليف وقد جاء فى كلامهم
لا مرحبا بغد ولا أهلا به
إذ كان ترحال الأحبة فى غد


"""
صفحة رقم 141 """
زعم البوارح أن رحلتنا غدا
وبذاك خبرنا الغراب الأسود
وقال عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلى من شعراء الإسلاميين
تعالوا أعينونى على الليل إنه
على كل عين لا تنام طويل
ولا تخذلونى فى البكاء فإننى
لكم عند طول الجهد غير خذول
ثم قال فيها
فويلى وعولى فرجوا بعض كربتى
وإلا فإنى ميت بقليل
فإن كان هذا الشوق لابد لازما
وليس لكم فيه الغداة حويل
قوله حويل أى ما أحتال فيه
وقال آخر
أحب أبا مروان من أجل تمره
وأعلم أن اليمن بالمرء أوفق
ووالله لولا تمره ما حببته
ولو كان أدنى من سعيد ومشرق
وأنشد الأصحاب منهم ابن الصباغ فى الشامل وقد ذكروا ما شاع عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما من تجويز نكاح المتعة أن شاعرا فى عصره قال
قالت وقد طفت سبعا حول كعبتها
يا صاح هل لك فى فتوى ابن عباس
تقول هل لك فى بيضاء بهكنة
تكون مثواك حتى يصدر الناس


"""
صفحة رقم 142 """
غير أنى رأيت أبا العلاء المعرى فى رسالته التى سماها رسالة الغفران قد أنكر على ابن دريد إنشاد هذا الشعر على وجه الإقواء وذكر أن الرواية الصحيحة
وغودر فى الثرى الوجه المليح
قال أبو العلاء والوجه الذى قاله أبو سعيد فى تخريجه شر من الإقواء عشر مرات وأطال فى هذا
وحكى أبو محمد بن جعفر البلخى فى كتابه أن أبا محمد يحيى بن المبارك اليزيدى النحوى سأل الكسائى عن قول الشاعر
ما رأينا خربا نقر عنه البيض صقر
لا يكون العير مهرا
لا يكون المهر مهر
فقال الكسائى يجب أن يكون المهر منصوبا على أنه خبر كان وفى البيت على هذا التقدير إقواء
وقال اليزيدى بل الشعر صواب لأن الكلام قد تم عند قوله لا يكون الثانية وهى مؤكدة للأولى ثم استأنف فقال المهر مهر ثم ضرب بقلنسوته الأرض وقال أنا أبو محمد
وكان بحضرة الخليفة فقال يحيى البرمكى أتكتنى بحضرة أمير المؤمنين والله إن خطأ الكسائى مع حسن أدبه لأحسن من صوابك مع سوء أدبك
فقال اليزيدى إن حلاوة الظفر أذهبت عنى التحفظ
ومما ينسب لابن دريد من الشعر
فنعم فتى الجلى ومستنبط الندى
وملجأ مكروب ومفزع لاهث
غياث بن عمرو بن الحليت بن جابر بن
زيد بن منصور بن حارث


"""
صفحة رقم 143 """
129
محمد بن الحسن بن سليمان أبو جعفر الزوزنى البحاث أحد الفقهاء المبرزين قضاة المسلمين
تولى القضاء بنواحى خراسان وما وراء النهر
وسماه الحاكم فى تاريخ نيسابور محمد بن على بن عبد الله والصواب ما أوردناه
ولم يزد شيخنا الذهبى على أن قال محمد بن الحسن أبو جعفر الفقيه الشافعى له ترجمة طويلة عند ابن الصلاح انتهى
وهذا القاضى كان من أساطين العلم وكان من أقران الأودنى وكان يكون بينهما من المنافرة فى المناظرة ما يكون بين الأقران
وذكر أن مصنفاته فى التفسير والحديث والفقه وأنواع الأدب تربو على المائة
وقدم أبو جعفر البحاث على الصاحب بن عباد فارتضى تصرفه فى العلم وتفننه فى أنواع الفضل وعرض عليه القضاء على شرط انتحال مذهبه يعنى الاعتزال فامتنع وقال لا أبيع الدين بالدنيا فتمثل له الصاحب بقول القائل
فلا تجعلنى للقضاء فريسة
فإن قضاة العالمين لصوص
مجالسهم فينا مجالس شرطة
وأيديهم دون الشصوص شصوص
فأجازه البحاث بديهة بقوله
سوى عصبة منهم تخص بعفة
ولله فى حكم العموم خصوص
خصوصهم زان البلاد وإنما
يزين خواتيم الملوك فصوص


"""
صفحة رقم 144 """
والقاضى أبو جعفر هذا هو جد القاضى أبى جعفر محمد بن إسحاق البحاثى الأديب شيخ الباخرزى صاحب دمية القصر وكلاهما أديب
وكان القاضى أبو جعفر الكبير صاحب هذه الترجمة مع علو مرتبته فى العلم يحب منصب القضاء
ومن شعره قصيدة قالها فى الشيخ العميد أبى على محمد بن عيسى يخطب قضاء مدينة فرغانة ويصف الربيع
اكتست الأرض وهى عريانة
من نشر نور الربيع ألوانه
واتزرت بالنبات وانتشرت
حين سقاها السحاب ألبانه
فالروض يختال فى ملابسه
مرتديا ورده وريحانة
تضاحكت بعد طول عبستها
ضحك عجوز تعود بهتانه
كم سائل لح فى مسائلتى
عن حالتى قلت وهى وسنانه
قلب كسير فمن يجبره
قال نرى من يحب جيرانه
سوى الوزير الذى يلوذ به
يخدم برد الغداة إيوانه
قلت متى قال قد أتى فدنا
مفتتح العام كان إبانه
فقلت ماذا الذى تؤمله
فقال أبشر قضاء فرغانه
ومن شعره قال الباخرزى وهو أبلغ ما سمعت منه
إن الخزائن للملوك ذخائر
ولك المودة فى القلوب ذخائر
أنت الزمان فإن رضيت فخصبه
وإذا غضبت فجدبة المتعاسر
فإذا رضيت فكل شئ نافع
وإذا غضبت فكل شئ ضائر


"""
صفحة رقم 145 """
وشعره كثير وكذلك شعر حفيده أبى جعفر
قال الحاكم توفى ببخارى سنة سبعين وثلاثمائة
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الدمشقى قراءة عليه وأنا أسمع عن يوسف بن محمد بن المهتار عن العلامة أبى عمرو ابن الصلاح قال أنبئت عن أبى سعد ابن السمعانى قلت وأذن لى أبو عبد الله الحافظ فى طائفة عن أبى الفضل بن عساكر عن أبى المظفر السمعانى عن أبيه . . .
130
محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون بن جعفر بن سند أبو بكر النقاش الموصلى ثم البغدادى
الإمام فى القراءات والتفسير وكثير من العلوم
ولد سنة ست وستين ومائتين
وعنى بالقراءات من صغره فقرأ على جماعة
وطاف فى الأمصار وجال فى البلاد
وحدث عن أبى مسلم الكجى وإسحاق بن سنين الختلى ومحمد بن على الصائغ والحسن بن سفيان وغيرهم


"""
صفحة رقم 146 """
روى عنه ابن مجاهد وهو من شيوخه وجعفر الخلدى وابن شاهين وأبو أحمد الفرضى وأبو على ابن شاذان وغيرهم
ومن تصانيفه كتاب شفاء الصدور فى التفسير وفيه موضوعات كثيرة
وثقة أبو عمرو الدانى وقبله وزكاه وضعفه قوم مع الاتفاق على جلالته فى العلم
ولنذكر أحاديث مما كانت سبب الكلام فيه
فمنها أنه قال حدثنا أبو غالب ابن بنت معاوية بن عمرو واسمه على بن أحمد حدثنا جدى معاوية عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه )
قال الدارقطنى أنكرت هذا على النقاش وقلت له إن أبا غالب ليس بابن بنت معاوية وإنما أخوه لأبيه محمد هو ابن بنت معاوية ومعاوية وزائدة ثقتان وهذا حديث موضوع فرجع عنه
قال أبو بكر الخطيب لا أعرف وجة قول الدارقطنى فى أبى غالب أنه ليس بابن بنت معاوية لأن أبا غالب يذكر أن معاوية جده وقد رواه أبو على الكوكبى عن أبى غالب عن جده معاوية بن عمرو فذكره
قلت فليس فيه ما يقتضى جرحا فى أبى بكر النقاش ولله الحمد
ومنها قال النقاش حدثنا يحيى بن محمد المدينى حدثنا إدريس بن عيسى القطان عن شيخ له ثقة عن الثورى عن قابوس بن أبى ظبيان عن أبيه عن ابن عباس


"""
صفحة رقم 147 """
131
محمد بن الحسن الطبرى أبو جعفر الفقيه
قال حمزة السهمى إنه كان فقيها يفتى على مذهب الشافعى وإنه توفى سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة
132
محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم بن عبد الله الآبرى أبو الحسين السجستانى
مصنف كتاب مناقب الشافعى
وآبر من قرى سجستان وكتابه هذا المناقب من أحسن ما صنف فى هذا النوع وأكثره أبوابا فإنه رتبه على خمسة وسبعين بابا فلا أكثر أبوابا منه إلا كتاب القراب فإن أبواب تنيف على المائة
وللآبرى فى طلب الحديث رحلة واسعة
سمع أبا العباس السراج وابن خزيمة وأبا عروية الحرانى وزكرياء بن أحمد البلخى ومكحولا البيروتي وآخرين
روى عنه على بن بشرى ويحيى بن عمار السجستانيان وغيرهما
ومن عجيب ما رأيت فى كتابه مناقب الشافعى أنه عد بشرا المريسى فى أصحاب


"""
صفحة رقم 148 """
الشافعى وليس بشر من أصحاب الشافعى بل من أعدائه لأنه لم يتبعه على رأيه بل خالف وعاند وقد قال هو أعنى الآبرى فى هذا الكتاب إنه من أهل الإلحاد
وروى في كتابه أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن سبب تسمية قريش قريشا فقال قريش حوت فى البحر يغلب الحيتان ويقهرهم وهو أكبر دواب البحر ويصطاد الحيتان وسائر دواب البحر فيأكلها فلذلك سميت قريش قريشا لأنها أغلب الناس وأشجعهم
قلت ويقال إن فى البحر شيئا يقال له القرش يفترس الآدمى وقد تكلمت على حل أكله فى كتابى التوشيح فلعل اسمه قريش وهو هذا وإنما غلطت العامة فقالت له القرش
وفى هذه المناقب أيضا أن حرملة قال سمعت الشافعى رضى الله عنه يقول من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن أبطلنا شهادته لقوله تعالى ) إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ( إلا أن يكون الزاعم نبيا
توفى الآبرى فى شهر رجب سنة ثلاث وستين وثلاثمائة
133
محمد بن الحسين بن داود بن على بن الحسين بن عيسى بن محمد بن القاسم ابن الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب السيد أبو الحسن بن أبى عبد الله الحسنى النقيب
جد النقباء بنيسابور رضى الله عنه وعن أسلافه
كذا ساق نسبه الحاكم وأثنى عليه وقال شيخ الشرف فى عصره ذو الهمة العالية والعبادة الظاهرة والسجايا الطاهرة


"""
صفحة رقم 149 """
قال وكان يسأل التحديث فيأبى ثم أجاب آخرا وعقد له الحاكم مجلس الإملاء وانتقى عليه ألف حديث فحدث
قال وكان يعد فى مجالسه ألف محبرة
توفى رحمه الله فجأة
134
محمد بن الحسين بن عبد الله أبو بكر الأجرى الفقيه المحدث صاحب المصنفات منها الأربعون فى الحديث وقعت لنا بإسناد عال
سمع أبا مسلم الكجى وأبا شعيب الحرانى وجعفر بن محمد الفريابى وأحمد بن يحيى الحلوانى وغيرهم
روى عنه أبو الحسن الحمامى وأبو الحسين بن بشران والحافظ أبو نعيم الأصبهانى وغيرهم
وكان مقيما بمكة شرفها الله وبها توفى بالمحرم سنة ستين وثلاثمائة
قال ابن خلكان أخبرنى بعض أهل العلم أنه لما دخل مكة أعجبته فقال اللهم ارزقنى الإقامة بها سنة فسمع هاتفا يقول بل ثلاثين سنة فعاش بعد ذلك ثلاثين سنة
135
محمد بن خفيف بن إسفكشاد الشيرازى الشيخ أبو عبد الله بن خفيف
شيخ المشايخ وذو القدم الراسخ فى العلم والدين كان سيدا جليلا وإماما حفيلا


"""
صفحة رقم 150 """
يستمطر الغيث بدعائه ويؤوب المصر بكلامه من أعلم المشايخ بعلوم الظاهر وممن اتفقوا على عظيم تمسكه بالكتاب والسنة
وكانت له أسفار وبدايات وأحوال عاليات ورياضات لقى من النساك شيوخا ومن السلاك طوائف رسخ قدمهم فى الطريق رسوخا وصحب من أرباب الأحوال أحبارا وأخيارا وشرب من منهل الطريق كاسات كبارا وسافر مشرقا ومغربا وصابر النفس حتى انقادت له فأصبح مبنى الثناء عليها معربا صبر على الطاعة لا يعصيه فيه قلبه واستمرار على المراقبة شهيده عليه ربه وجنب لا يدرى القرار ونفس لا تعرف المأوى إلا البيداء ولا المسكن إلا القفار
كان ابن خفيف من أولاد الأمراء فتزهد حتى قال كنت أذهب وأجمع الخرق من المزابل وأغسله وأصلح منه ما ألبسه
حدث عن حماد بن مدرك والنعمان بن أحمد الواسطى ومحمد بن جعفر التمار والحسين المحاملى وجماعة
وصحب رويما والجريرى وطاهر المقدسى وأبا العباس بن عطاء
ولقى الحسين بن منصور
وروى عنه أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعى والحسين بن حفص الأندلسى ومحمد بن عبد الله بن باكويه والقاضى أبو بكر بن الباقلانى شيخ الأشعرية وطائفة رحل ابن خفيف إلى الشيخ أبى الحسن الأشعرى وأخذ عنه وهو من أعيان تلامذته


"""
صفحة رقم 151 """
قال الحافظ أبو نعيم كان شيخ الوقت حالا وعلما
قال وهو الخفيف الظريف له الفصول فى الأصول والتحقق والتثبت فى الوصول
وقال أبو العباس النسوي بلغ ما لم يبلغه أحد من الخلق فى العلم والجاه عند الخاص والعام وصار أوحد زمانه مقصودا من الآفاق مفيدا فى كل نوع من العلوم مباركا على من يقصده رفيقا بمريديه يبلغ كلامه مراده وصنف من الكتب ما لم يصنفه أحد وعمر حتى عم نفعه
وحكى عنه أنه قال كنت فى ابتدائي بقيت أربعين شهرا أفطر كل ليلة بكف باقلا فمضيت يوما وافتصدت فخرج من عرقى شبيه ماء اللحم وغشى على فتحير الفصاد وقال ما رأيت جسدا بلا دم إلا هذا
وروى عنه أنه قال ما سمعت شيئا من سنن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) إلا استعملته حتى الصلاة على أطراف الأصابع وأنه ضعف فى آخر عمره عن القيام فى النوافل فجعل بدل كل ركعة من أوراده ركعتين قاعدا للخبر ( صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم )
وقال مرة ما وجبت على زكاة الفطر أربعين سنة مع مالى من القبول العظيم بين الخاص والعام
وعنه ربما كنت أقرأ فى ابتداء عمرى القرآن كله فى ركعة واحدة وربما كنت أصلى من الغداة إلى العصر ألف ركعة
وعنه وسئل عن فقير يجوع ثلاثة أيام فيخرج ويسأل بعد ذلك مقدار كفايته أيش يقال له فقال يقال له مكد ثم قال كلوا واسكتوا فلو دخل فقير فى هذا الباب لفضحكم
وكان إذا أراد أن يخرج إلى صلاة الجمعة يفرق كل ما عنده من ذهب وفضة وغير ذلك


"""
صفحة رقم 152 """
ويخرج فى كل سنة جميع ما عنده ويخرج من الثياب حتى لا يبقى عنده ما يخرج به إلى الناس
وقال بعض أصحابه أمرنى ابن خفيف أن أقدم كل ليلة إليه عشر حبات زبيب لإفطاره قال فأشفقت عليه ليلة فجعلتها خمس عشرة حبة فنظر إلى وقال من أمرك بهذا وأكل منها عشر حبات وترك الباقى
وقال ابن خفيف سمعت أبا بكر الكتانى يقول سرت أنا وأبو العباس ابن المهتدى وأبو سعيد الخراز فى بعض السنين وضللنا عن الطريق والتقينا بحيرة فبينا نحن كذلك إذا بشاب قد أقبل وفى يده محبرة وعلى عنقه مخلاة فيها كتب فقلنا له يا فتى كيف الطريق فقال لنا الطريق طريقان فما أنتم عليه فطريق العامة وما أنا عليه فطريق الخاصة ووضع رجله فى البحر وعبره
وحكى عن ابن خفيف قال دخلت بغداد قاصدا للحج وفى رأسى نخوة الصوفية ولم آكل أربعين يوما ولم أدخل على الجنيد وخرجت ولم أشرب وكنت على طهارتى فرأيت ظبيا فى البرية على رأس بئر وهو يشرب وكنت عطشان فلما دنوت من البئر ولى الظبى وإذا الماء فى أسفل البئر فمشيت وقلت يا سيدى مالى عندك محل هذا الظبى فسمعت من خلفى يقول جربناك فلم تصبر ارجع فخذ الماء إن الظبى جاء بلا ركوة ولا حبل وأنت جئت مع الركوة والحبل فرجعت فإذا البئر ملآن فملأت ركوتى وكنت أشرب منها وأتطهر إلى المدينة ولم ينفد الماء فلما رجعت من الحج دخلت الجامع فلما وقع بصر الجنيد على قال لو صبرت لنبع الماء من تحت قدمك لو صبرت ساعة
قلت قوله نخوة الصوفية يعنى شدة المجاهدة والذى يقع لى فى هذه الحكاية أنها منبهة


"""
صفحة رقم 153 """
له من الله على الأخذ فى طريق التوكل وطرح الأسباب وهذا يقع كثيرا لأرباب العنايات من الله تعالى فى أثناء المجاهدات يقيض الله تعالى لهم منبها من صوت يسمع أو إشارة تحس أو أنحاء ذلك يدلهم على مراد الله تعالى منهم أو غير ذلك عناية بهم فقيض الله تعالى هذا الظبى منبها له ثم أكده بكلام الجنيد له آخرا عند عوده من الحج
وكذلك أقول فى الحكاية قبلها إن ذاك الشاب قد يكون قدره الله تعالى ذلك الوقت اعتناء بابن خفيف ورفيقيه لئلا تعظم أنفسهم عليه فأحب الله تعالى أن يعرفهم أن فى عباده شابا وصل إلى ما لم يصلوا إليه وهو رآهم على طريق العامة وهذا من العناية بهم
وكذا أقول فى الحكاية التى قدمتها فى ترجمة الجنيد فى شأنه مع تلك المرأة التى أنشدته
لولا التقى لم ترنى
أهجر طيب الوسن
وحكى أن أبا عبد الله بن خفيف ناظر بعض البراهمة فقال له البرهمى إن كان دينك حقا فتعال أصبر أنا وأنت عن الطعام أربعين يوما فأجابه ابن خفيف فعجز البرهمى عن إكمال المدة المذكورة وأكملها ابن خفيف وهو طيب مسرور
وأن برهميا آخر ناظره ثم دعاه إلى المكث معه تحت الماء مدة فمات البرهمى قبل انتهاء المدة وصبر الشيخ إلى أن انتهت وخرج سالما لم يظهر عليه تغير
وعن ابن خفيف خرجت من مصر أريد الرملة للقاء أبى على الروذبارى فقال لى عيسى بن يوسف المصرى المغربى الزاهد إن شابا وكهلا قد اجتمعا على حال المراقبة فلو نظرت إليهما لعلك تستفيد منهما فدخلت إلى صور وأنا جائع عطشان وفى وسطى خرقة وليس على كتفى شئ فدخلت المسجد فإذا اثنان مستقبلا القبلة


"""
صفحة رقم 154 """
عليهما فما أجابانى فسلمت ثانيا وثالثا فلم أسمع الجواب فقلت ناشدتكما الله إلا رددتما على السلام فرفع الشاب رأسه من مرقعته فنظر إلى ورد السلام وقال لى يا ابن خفيف الدنيا قليل وما بقى من القليل إلا القليل فخذ من القليل الكثير يا ابن خفيف ما أقل شغلك حتى تفرغت إلى لقائنا فأخذ كليتى فنظر إلى وطأطأ رأسه فى المكان فبقيت عنده حتى صلينا الظهر والعصر فذهب جوعى وعطشى ونصبى فلما كان وقت العصر قلت له عظنى فقال يا ابن خفيف نحن أصحاب المصائب ليس لنا لسان لعظة
فبقيت عندهما ثلاثة أيام لا آكل ولا أشرب ولا أنام ولا رأيتهما أكلا ولا شربا ولا ناما فلما كان فى اليوم الثالث قلت فى سرى أحلفهما أن يعظانى لعلى أنتفع بعظتهما فرفع الشاب رأسه فقال لى يا ابن خفيف عليك بصحبة من تذكرك الله تعالى رؤيته وتقع هيبته على قلبك فيعظك بلسان قوله والسلام قم عنا
وعن ابن خفيف قدم علينا بعض أصحابنا فاعتل بعلة البطن فكنت أخدمه وآخذ منه الطست طول الليل فغفوت مرة فقال لى نمت لعنك الله
فقيل له كيف وجدت نفسك عند قوله لعنك الله قال كقوله رحمك الله
وعن ابن خفيف أنه كان به وجع الخاصرة فكان إذا أخذه أقعده عن الحركة فكان إذا أقيمت الصلاة يحمل على الظهر إلى المسجد فقيل له لو خففت عن نفسك قال إذا سمعتم حى على الصلاة ولم ترونى فى الصف فاطلبونى فى المقابر
وعن ابن خفيف تهت فى البادية فما رجعت حتى سقط لى ثمانية أسنان وانتثر شعرى ثم وقعت إلى فيد وأقمت بها حتى تماثلت وصححت ثم زرت القدس فنمت إلى جانب دكان صباغ وبات معى فى المسجد رجل به قيام فكان يدخل ويخرج إلى الصباح


"""
صفحة رقم 155 """
فلما أصبحنا صاح الناس وقال نقب دكان الصباغ وسرقت فجرونى وضربونى وقالوا تكلم فاعتقدت التسليم فكانوا يغتاظون من سكوتى فحملونى إلى دكان الصباغ وكان أثر رجل اللص فى الرماد فقالوا ضع رجلك فيه فوضعت فكان على قدر رجلى فزادهم غيظا
وجاء الأمير ونصب القدر وفيها الزيت يغلى وأحضرت السكين ومن يقطع اليد فرجعت إلى نفسى فإذا هى ساكنة فقلت إن أرادوا قطع يدى سألتهم أن يعفوا يمينى لأكتب بها
فبقى الأمير يهددنى ويصول فنظرت إليه فعرفته وكان مملوكا لوالدى فكلمنى بالعربية وكلمته بالفارسية فنظر إلى وقال أبو الحسين وكنت أكنى بها فى صباى
فضحكت فعرفنى فأخذ يلطم رأسه ووجهه واشتغل الناس به وإذا بضجة عظيمة وأن اللص قد مسك
ثم أخذ الأمير يبالغ فى الاعتذار وجهدنى أن أقبل شيئا فأبيت وهربت
توفى ابن خفيف ليلة ثالث رمضان سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وازدحم الخلق على جنازته وكان أمرا عظيما وصلى عليه نحوا من مائة مرة
وقيل إنه عاش مائة سنة وأربع سنين
وقيل مائة إلا خمس سنين ولعله الأصح
ومن كلماته والفوائد والمحاسن عنه
قال التقوى مجانبة ما يبعدك من الله
وقال التوكل الاكتفاء بضمانه وإسقاط التهمة عن قضائه
وقال ليس شئ أضر بالمريد من مسامحة النفس فى ركوب الرخص وقبول التأويلات


"""
صفحة رقم 156 """
وقال اليقين تحقق الأسرار بأحكام المغيبات
وقال المشاهدة اطلاع القلب بصفاء اليقين إلى ما أخبر الحق عن الغيب
وقال السكر غليان القلب عند معارضات ذكر المحبوب
وقال الزهد البرم بالدنيا ووجود الراحة فى الخروج منها
وقال القرب طى المسافات بلطيف المداناة
وقال مرة أخرى وسئل عن القرب قربك منه بملازمة الموافقات وقربه منك بدوام التوفيق
وقال الوصلة من اتصل بمحبوبه عن كل شئ وغاب عن كل شئ سواه
وقال الدنف من احترق فى الأشجان ومنع من بث الشكوى
وقال الانبساط الاحتشام عند السؤال
ودخل عليه فقير فشكى إليه أن به وسوسة فقال عهدى بالصوفية يسخرون من الشيطان فالآن الشيطان يسخر بهم
وقيل له متى يصح للعبد العبودية فقال إذا طرح كله على مولاه وصبر معه على بلواه
وسئل عن إقبال الحق على العبد فقال علامته إدبار الدنيا عن العبد
وسئل عن الذكر فقال المذكور واحد والذكر مختلف ومحل قلوب الذاكرين متفاوتة وأصل الذكر إجابة الحق من حيث اللوازم لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته ) ثم ينقسم الذكر قسمين ظاهرا وباطنا فالظاهر التهليل والتحميد والتمجيد وتلاوة القرآن والباطن تنبيه القلوب على


"""
صفحة رقم 157 """
شرائط التيقظ على معرفة الله وأسمائه وصفاته وأفعاله ونشر إحسانه وإمضاء تدبيره ونفاذ تقديره على جميع خلقه ثم يقع ترتيب الأذكارعلى مقادير الذاكرين فيكون ذكر الخائفين على مقدار قوارع الوعيد وذكر الراجين على ما استبان لهم من موعده وذكر المخبتين على قدر تصفح النعماء وذكر المراقبين على قدر العلم باطلاع الله تعالى إليهم وذكر المتوكلين على ما انكشف لهم من كفاية الكافى لهم وذلك مما يطول ذكره ويكثر شرحه فذكر الله تعالى منفرد وهو ذكر المذكور بانفراد أحديته عن كل مذكور سواه لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) عن ربه ( من ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى ) والأصل إفراد النطق بألوهيته لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أفضل الذكر لاإله إلا الله )
وعن ابن خفيف الغنى الشاكر هو الفقير الصابر
وعنه التصوف تصفية القلب عن موافقة البشرية ومفارقة الطبيعة وإخماد صفات البشرية ومجانبه الدعاوى النفسانية ومنازلة الصفات الروحانية والتعلق بعلوم الحقيقة واستعمال ما هو أولى على السرمدية والنصح لجميع الأمة والوفاء لله تعالى على الحقيقة واتباع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فى جميع الشريعة
قال أبو نصر عبد الله بن على الطوسي السراج فى كتاب اللمع له فى التصوف عن الشبلى أنه سئل عن معنى قوله تعالى ) ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ( قد علمت موضع مكرهم فما موضع مكر الله فقال تركهم على ماهم فيه ولو شاء أن يغير لغير
قال فشهد الشبلى فى السائل أنه لم يغنه جوابه فقال أما سمعت بفلانة الطبرانية فى ذلك الجانب تغنى وتقول
(
ويقبح من سواك الفعل عندى وتفعله فيحسن منك ذاكا )


"""
صفحة رقم 158 """
قال السراج وصاحب المسألة والسؤال أبو عبد الله ابن خفيف
وعن ابن خفيف سألنا يوما القاضى أبو العباس ابن سريج بشيراز وكنا نحضر مجلسه لدرس الفقه فقال لنا محبة الله فرض أو غير فرض
قلنا فرض
قال وما الدلالة على ذلك
فما فينا من أتى بشئ فقبل فرجعنا إليه وسألناه الدليل فقال قوله تعالى ) قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم ( إلى قوله ) أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره (
قال فتوعدهم الله عز وجل على تفضيل محبتهم لغيره على محبته ومحبة رسوله والوعيد لا يقع إلا على فرض
قلت ومثل هذا الدليل فى الدلالة على محبة النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله وولده والناس أجمعين )
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا قال حدثنا أبو المعالى الأبرقوهى أخبرنا عمر بن كرم ببغداد أخبرنا أبو الوقت السجزى حدثنا عبد الوهاب بن أحمد الثقفى أخبرنا محمد بن عبد الله بن باكويه أخبرنا محمد بن خفيف الضبى إملاء قال قرئ على حماد بن مدرك وأنا أسمع أخبرنا عمرو بن مرزوق حدثنا شعبة عن أبى عمران الجونى عن عبد الله بن الصامت عن أبى ذر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا صنعت قدرا فأكثر مرقها وانظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم بمعروف )


"""
صفحة رقم 159 """
وهذا فصل عن ابن خفيف يتضمن رحلته إلى الشيخ أبى الحسن الأشعرى رحمه الله رضى عنه
قال الإمام الجليل ضياء الدين الرازى أبو الإمام فخر الدين رحمهما الله فى آخر كتابه غاية المرام فى علم الكلام حكى عن الشيخ أبى عبد الله بن خفيف شيخ الشيرازيين وإمامهم فى وقته رحمه الله أنه قال دعانى أرب وحب أدب ولوع ألب وشوق غلب وطلب ياله من طلب أن أحرك نحو البصرة ركابى فى عنفوان شبابى لكثرة ما بلغنى على لسان البدوى والحضرى من فضائل شيخنا أبى الحسن الأشعرى لأستسعد بلقاء ذلك الوحيد وأستفيد مما فتح الله تعالى عليه من ينابيع التوحيد إذ حاز فى ذلك الفن قصب السباق وكان ممن يشار إليه بالأصابع فى الآفاق وفاق الفضلاء من أبناء زمانه واشتاق العلماء إلى استماع بيانه وكنت يومئذ لفرط اللهج بالعلم واقتباسه والطمع فى تقمص لباسه أختلف إلى كل من جل وقل وأستسقى الوابل والطل وأتعلل بعسى ولعل فأخذت إليه أهبة السير وخفقت إليه خفوق الطير حتى حللت ربوعها وارتبعت ربيعها فوجدتها على ما تصفها الألسن وتلذ الأعين لطيفة المكان طريفة للسكان ترغب الغريب فى الاستيطان وتنسيه هوى الأوطان فألقيت بها الجران وألفيت أهلها الجيران فلما أنخت بمعناها وتنسيه هوى الأوطان فألقيت بها الجران وألفيت أهلها الجيران فلما أنخت بمغناها الخصيب فأصبت من مرعاها بنصيب كنت أرود فى مسارح لمحاتى ومسابح غدواتى وروحاتى أحدا يشفى أوامى ويرشدنى إلى مرامى حتى أدتنى خاتمة المطاف وهدتنى فاتحة الألطاف إلى شيخ بهى منظره شهى مخبره تعلوه حمرة متحبب إلى زمرة فلمحته ببصرى وأمعنت فيه نظرى فرحت به فرحة الحبيب


"""
صفحة رقم 160 """
بالحبيب والعليل بالطبيب لما وجدت منه ريح المحبوب كما وجد من قميص يوسف يعقوب على ما قال ( صلى الله عليه وسلم ) ( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ) فناجانى فكرى بالإقدام إليه وتقاضانى قلبى بالسلام عليه فاهتززت لذلك اهتزاز المحبين إذا التقيا بعد البين وحييته تحية محترز عن القدرى واستخبرته عن مغنى أبى الحسن الأشعرى فرد على السلام بأوفر الأقسام وأجزل السهام وأجابنى بلسان ذلق ووجه طلق كهيئة المفيد ما الذى منه تريد فقلت قد بلغنى ذكراه تقت أن ألقاه لأحيا بمحياه وأطيب برياه وأستسعد بلقياه وأستفيد نفائس أنفاسه جداه وجدواه واحر قلباه وواشدة شوقاه عسى الله أن يجمعنى وإياه فلما رأى الشيخ أن شغف الحب زادى فى سفرى وعتادى فى حضرى وملك خلدى واستنفد جلدى وأن الشوق قد بلغ المدى واللوع قد جاوز الحدا قال ابتكر إلى موضع قدمى هاتين غدا فبذلت القياد وفارقت على الميعاد وبت أساهر النجوم وأساور الوجوم وما برح الحب سمير ذكرى ونديم فكرى يستعر استعارا ويلتهب بين ضلوعى نارا إلى أن نضى الليل جلبابه وسلب الصبح خضابه فلما رأيت الليلة قد شابت ذوائبها وذابت شوائبها وذر قرن الغزالة وثبت وثبة الغزالة وبرزت أنشد للشيخ البهى وأتوسم الوجوه بالنظر الجلى فألفيته فى المقام الموعود متنكرا واقفا لى منتظرا فدلفت إليه لأقضى حق السلام عليه فلما رآنى سبقنى بالسلام


"""
صفحة رقم 161 """
وحفى للأقدام فقضيت الذمام وقرنت رد جوابه بالاستلام وقلت حييت بالإكرام وحييت بين كرام ثم استصحبنى وسار فتبعته متابعة العامة أولى الأبصار حتى انتهى إلى المقصد ودخل دار بعض وجوه البلد وفيها قد حضر جماعة للنظر فلما رآه القيام تسارعوا إلى القيام واستقبلوه إلى الباب وتلقوه بالترحاب وبالغوا بالسلام وما يليق به من الإكرام ثم عظموه وإلى الصدر قدموه وأحاطوا به إحاطة الهالة بالقمر والأكمام بالثمر ثم أخذ الخصام يتجاذبون فى المناظرة أطراف الكلام وكنت أنظر من بعيد متكئا على حد سعيد حتى التقى الجمع بالجمع وقرع النبع بالنبع فبينما هم يرمون فى عمايتهم ويخبطون فى غوايتهم إذ دخل الشيخ دخول من فاز بنهزة الطالب وفرحة الغالب بلسان يفتق الشعور ويفلق الصخور وألفاظ كغمزات الألحاظ والكرى بعد الاستيقاظ أرق من أديم الهواء وأعذب من زلال الماء ومعان كأنها فك عان وبيان كعتاب الكعاب ووصل الأحباب فى أيام تفيد الصم بيانا وتعيد الشيب شبانا تهدى إلى الروح روح الوصال وتهب على النفوس هبوب الشمال وكان إذا أنشا وشى وإذا عبر حبر وإذا أوجز أعجز وإذا أسهب أذهب فلم يدع مشكلة إلا أزالها ولا معضلة إلا أزاحها ولا فسادا إلا أصلحه ولا عنادا إلا زحزحه حتى تبين الحى من اللى والرشد من الغى ورفل الحق فى أذياله واعتدل باعتداله وأقبل عليه الخاصة والعامة بإقباله فلما فرغ من إنشاء دلالته بعد جولانه فى هيجاء البلاغة عن بسالته حار الحاضرون فى جوابه وتعجبوا من فصل خطابه وعاد الخصوم كأنهم فراش النار وخشاش الأبصار وأوباش الأمصار عليهم الدبرة


"""
صفحة رقم 162 """
وعلى وجوههم الغبرة قلت لبعض الحاضرين من المناظرين من هذا الذى آثر اختلاب القلوب ونظم على هذا الأسلوب الذى لم ينسج على منواله ولم تسمح قريحة بمثاله أجابنى وقال هو الباز الأشهب والمبارز الأشنب والبحر الطامى والطود السامى والغيث الهامى والليث الحامى ناصر الحق وناصح الخلق قامع البدعة ولسان الحكمة وإمام الأمة وقوام الملة ذو الرأى الوضى والرواء المرضى ذو القلب الذكى والنسب الزكى السرى ابن السرى والنجد الجرى والسند العبقرى أبو الحسن الأشعرى فسرحت طرفى فى ميسمه وأمعنت النظر فى توسمه متعجبا من تلهب جذوته وتألق جلوته دعوت له بامتداد الأجل وارتداد الوجل فبينا أنا فيه إذ شمر للانثناء بعد حيازة الثناء وشحذ للتحفز غرار عزمته وخرج يقتاد القلوب بأزمته فتبعته مقتفيا كخدمه ومنتهجا مواطئ قدمه فالتفت إلى وقال يا فتى كيف وجدت أبا الحسن حين أفتى فهرولت لالتزام قده واستلام يده وقلت
ومسحل مثل حد السيف منصلت
تزل عن غربه الألباب والفكر
طعنت بالحجة الغراء جيلهم
ورمح غيرك منه العى والحصر
لا قام ضدك ولا قعد جدك ولافض فوك ولا لحقك من يقفوك فوالذى سمك السماء وعلم آدم الأسماء لقد أبديت اليد البيضاء وسكنت الضوضاء وكشفت الغماء ولحنت الدهماء وقطعت الأحشاء وقمعت البدع والأهواء بلسان عضب


"""
صفحة رقم 163 """
وبيان عذب آنس من الروض الممطور والموشى المنشور وأصفى من در الأمطار وذر البحار وجررت ذيل الفخار على هامة الشعرى وقدما قيل إن من البيان لسحرا بيد أنه قد بقى لى سؤال لما عرانى من الإشكال فقال اذكر سؤالك ولا تعرض عما بدا لك فقلت رأيت الأمر لم يجر على النظام لأنك ما افتتحت فى الكلام ودأب المناظر ألا يسأل غيرك ومثلك حاضر قال أجل لكنى فى الابتداء لا أذكر الدليل ولا أشتغل بالتعليل إذ فيه تسبب إلى الجاء الخصم فى ذكر شبهه بطريق الاعتراض وما أنا بالتسبب إلى المعصية راض فأمهله حتى يذكر ضلالته ويفرد شبهته ومقالته فحينئذ نص على الجواب فأرجو بذلك من الله الثواب
قال الراوى فلما رأيت مخبره بعد أن سمعت خبره تيقنت أنه قد جاوز الخبر الخبر وأن مقالته تبر وما دونه صفر قد بلغ من الديانة أعلى النهاية وأوفى من الأمانة على كل غاية وأنه هو الذى أومأ إليه الكتاب والسنة بحيازة هذه المنة فى نصر الحق ونصح الخلق وإعلاء الدين والذب عن الإسلام والمسلمين فشاذ لى من الاعتداد بأوفر الأعداد وأودع بياض الوداد سواد الفؤاد فتعلقت بأهدابه لخصائص آدابه ونافست فى مصافاته لنفائس صفاته ولبثت معه برهة أستفيد منه فى كل يوم نزهة وأدرأ عن نفسى للمعتزلة شبهة ثم ألفيت مع علو درجته وتفاقم مرتبته كان يقوم بتثقيف أوده من كسب يده من اتخاذ تجارة للعقاقير معيشة والاكتفاء بها عيشة اتقاء الشبهات وإبقاء على الشهوات رضا بالكفاف وإيثارا للعفاف


"""
صفحة رقم 164 """
136
محمد داود بن سليمان بن سيار أبو بكر بن بيان مات لثلاث بقين من جمادة الآخرة سنة ست وثلاثين وثلاثمائة
137
محمد بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن أبى القاضى الإمام الكبير أبو أحمد
من تلامذة أبى إسحاق المروزى وأبى بكر الصيرفى وطبقتهما
وبيت أبى القاضى بخوارزم بيت شهير
وهو صاحب كتاب الحاوى وكتاب العمد القديمين فى الفقه ومنه أخذ الماوردى والفورانى الاسمين
قال صاحب الكافى أبو أحمد إمام كبير أحد مفاخر خوارزم والمشار إليه فى زمانه بالتقدم على أقرانه لم يكن أحد من آل القاضى فى عهده أفضل ولا أفقه ولا أكرم منه
قال وآل أبى القاضى أعز بيت وأشرفه بخوارزم وأجمع لخصال الخير وأطنب فى وصف البيت بعبارة طويلة
ثم قال وأبو أحمد سيدهم أو ما هذا معناه
ثم ذكر أن بعضهم كان يقول يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم ومحمد بن سعيد بن محمد بن عبد الله العالم بن العالم بن العالم بن العالم كلهم علماء أتقياء


"""
صفحة رقم 165 """
ذكر صاحب الكافى هذا المعنى لكن بعبارة لم أستحسن حكايتها
ثم قال خرج إلى العراق فتفقه على أبى إسحاق المروزى والصيرفى وطبقتهما ثم رجع إلى خوارز وأقبل على التدريس والتذكير والتصنيف فى أنواع العلوم
وأطنب فى وصفه بالعلم والدين إلى أن قال وكان عارفا بمذاهب علماء السلف والخلف أصولا وفروعا رقيق القلب بكاء منكبا فى التذكير صنف فى الأصول كتاب الهداية وهو كتاب حسن نافع كان علماء خوارزم يتداولونه وينتفعون به وصنف فى الفروع كتاب الحاوى بناه على الجامع الكبير لأبى إبراهيم المزنى وكتاب الرد على المخالفين وكتبا أخر كثيرة
قال أبو سعيد الكرابيسى وكانت له صدقات يتصدق بها فى السر حدثنى بعض أصحابنا أنه كان يعطيه مالا ويقول اذهب إلى الوادى وقف على شطه حين كان يجمد ففرقه على الضعفاء الذي يحملون الحطب على عواتقهم ويسعون فى نفقة عيالهم
قال ثم خرج إلى الحج سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة فجاور بمكة حتى قضى الصلوات التى صلاها بخوارزم فى الخفاف والفراء التى اختلف العلماء فى الصلاة معهما ثم انصرف إلى بغداد فمال الخلق إليه واجتمعوا عليه وصنف بها كتاب العمد وسألوه المقام بها فأبى إلا الرجوع إلى وطنه فرجع إلى خوارزم واستقر بها إلى أن مات يوم الجمعة ودفن يوم السبت سنة نيف وأربعين وثلاثمائة وأكثر الناس فيه المراثى
قال صاحب الكافى ولا أرى له رواية فى الحديث فلعله كان فقيها صرفا ولو كانت له أحاديث لكان له ذكر فى تاريخ بغداد وتاريخ سمرقند ولا ذكر له فيهما وفيه لما مات يقول أحمد بن محمد بن إبراهيم بن قطن
ليبك دما من كان للدين باكيا
فإن إمام الناس أصبح ثاويا
فقدنا بفقدان الفقيه محمد
مكارم غادرن العيون هواميا


"""
صفحة رقم 166 """
ومنها
تشبه آباء كراما كأنهم
مصابيح تجلو المظلمات الدواجيا
سعيدا وعبد الله والشيخ ذا النهى
محمدا البر العفيف المواليا
دعائم هذا الدين عاشوا أعزه
وماتوا كراما لم يحوزوا المساويا
وهى طويلة أتى صاحب الكافى على عامتها
قال وخلف ولدا اسمه أبو بكر عبد الله كان رشيدا فاضلا بلغ درجة أسلافه فى العلم والورع
ومن الفوائد عنه
قال حضرت مجلس أبى إسحاق المروزى فسمعته يقول قال لنا القاضى أبو العباس بن سريج بأى شئ يتخرج المرء فى التعلم فأعيا أصحابنا الجواب
فقلت أنا بتفكره فى الفائدة التى تجرى فى المجلس فقال أصبت بهذا يتخرج المتعلم
قال أبو سعيد الكرابيسى سئل عن بيع التراب من الأرض قدر ذراع من الأرض عمقا فى عرض وطول معلوم لضرب اللبن فقال لا يجوز لأن الأرض يختلف ترابها
138
محمد بن سفيان الأسبانيكثى
وأسبانيكث بضم الألف وسكون السين المهملة وفتح الباء الموحدة وكسر النون وسكون آخر الحروف وفتح الكاف وفى آخرها الثاء المثلثة
وسيعود إن شاء الله ذكر هذه النسبة فى ترجمة سعيد بن حاتم
وهذا كنيته أبو بكر ولى القضاء


"""
صفحة رقم 167 """
قال أبو العباس المستغفرى كان من أورع الحكام وأفضلهم وأنزههم
قال وكان القاضى نسف
قال وكان قد درس الفقه على أبى بكر أحمد بن الحسن الفارسى وكان من جملة فقهاء الشافعى وكان قليل الحديث
قال وسمعت الحاكم أبا عبد الله بن أبى شجاع الأسبانيكثى يقول سمعت أبا الحسن على بن زكرياء الفقيه المفتى بالشاش وكان من أصحاب أبى بكر الفارسى يقول لم يكن أحد من أصحاب أبى بكر الفارسى أخذ منه فقهه وكلامه وتدقيقه كما أخذ أبو بكر الأسبانيكثى ولو أن إنسانا سمعه يتكلم من وراء جدار ما شك أنه أبو بكر الفارسى
مات سنة خمس أو ست وسبعين وثلاثمائة بالسغد
139
محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن هارون بن عيسى بن إبراهيم ابن بشر الحنفى نسبا من بنى حنيفة العجلى الإمام الأستاذ الكبير أبو سهل الصعلوكى
شيخ عصره وقدوة أهل زمانه وإمام وقته فى الفقه والنحو والتفسير واللغة والشعر والعروض والكلام والتصوف وغير ذلك من أصناف العلوم
أجمع أهل عصره على أنه بحر العلم الذى لا ينزف وإن كثرت الدلا وجبل المعارف التى لا تمر بها الخصوم إلا كما يمر الهوا


"""
صفحة رقم 168 """
ولد سنة ست وتسعين ومائتين
وأول سماعه سنة خمس وثلاثمائة
سمع ابن خزيمة وعنه حمل الحديث وأبا العباس السراج وأبا العباس أحمد بن محمد الماسرجسى وأبا قريش محمد بن جمعة وأحمد بن عمر المحمداباذى وأبا محمد بن أبى حاتم وإبراهيم بن عبد الصمد وأبا بكر ابن الأنبارى والمحاملى وغيرهم
وتفقه على أبى إسحاق المروزى وطلب العلم وتبحر فيه قبل خروجه إلى العراق بسنين
قال الحاكم لأنه ناظر فى مجلس أبى الفضل البلعمى الوزير سنة سبع عشرة وثلاثمائة وتقدم فى المجلس إذ ذاك ثم خرج إلى العراق سنة اثنتين وعشرين وهو إذ ذاك أوحد بين أصحابه ثم دخل البصرة ودرس بها سنين فلما نعى إليه عمه أبو الطيب وعلم أن أهل أصبهان لا يخلون عنه فى انصرافه خرج مختفيا منهم فورد نيسابور فى رجب سنة سبع وثلاثين وهو على الرجوع إلى الأهل والولد والمستقر من أصبهان فلما ورد جلس لمأتم عمه ثلاثة أيام فكان الشيخ أبو بكر بن إسحاق يحضر كل يوم فيقعد معه هذا على قلة حركته وكذلك كل رئيس ومرؤوس وقاض ومفت من الفريقين فلما انقضت الأيام عقدوا له المجلس غداة كل يوم للتدريس والإلقاء ومجلس النظر عشية الأربعاء واستقرت به الدار ولم يبق فى البلد موافق ولا مخالف إلا وهو مقر له بالفضل والتقدم وحضره المشايخ مرة بعد أخرى يسألونه أن ينقل من خلفهم وراءه بأصبهان


"""
صفحة رقم 169 """
فأجاب إلى ذلك ودرس وأفتى ورأس أصحابه بنيسابور اثنتين وثلاثين سنة وكان يسأل عن التحديث فيمتنع أشد الامتناع إلى غرة رجب سنة خمس وستين وثلاثمائة سئل فأجاب للإملاء وقعد للتحديث عشية يوم الجمعة
قال الحاكم سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق عشية يوم الجمعة
قال الحاكم سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق الإمام غير مرة وهو يعوذ الأستاذ أبا سهل وينفث على دعائه ويقول بارك الله فيك لا أصابتك العين هذا فى مجالس النظر عشية السبت للكلام وعشية الثلاثاء للفقه
قال وسمعت أبا على الإسفراينى يقول سمعت أبا إسحاق المروزى يقول ذهبت الفائدة من مجلسنا بعد خروج أبى سهل النيسابورى
قال وسمعت أبا بكر محمد بن على القفال الفقيه ببخارى يقول قلت للفقيه أبى سهل بنيسابور حين أراد مناظرتى هذا ستر قد أسبله الله على فلا تسبق إلى كشفه
قال وسمعت أبا منصور الفقيه يقول سئل أبو الوليد عن أبى بكر القفال وأبى سهل أيهما أرجح فقال ومن يقدر أن يكون مثل أبى سهل وعن أبى بكر الصيرفى خرج أبو سهل إلى خراسان ولم ير أهل خراسان مثله
وعن الصاحب أبى القاسم بن عباد لا يرى مثله ولا رأى هو مثل نفسه
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى أبو سهل الصعلوكى صاحب أبى إسحاق المروزى كان فقيها أديبا شاعرا متكلما مفسرا صوفيا كاتبا وعنه أخذ فقهاء نيسابور وابنه أبو الطيب
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيرى سمعت أبا عبد الرحمن السلمى يقول وهب الأستاذ أبو سهل جبته من إنسان فى الشتاء وكان يلبس جبة النساء حين يخرج إلى التدريس إذ لم تكن له جبة أخرى فقدم الوفد المعروفون من فارس فيهم فى كل نوع إمام من الفقهاء والمتكلمين والنحويين فأرسل إليه صاحب الجيش وهو أبو الحسن


"""
صفحة رقم 170 """
وأمره أن يركب للاستقبال فلبس دراعة فوق تلك الجبة التى للنساء وركب فقال صاحب الجيش إنه يستخف بى إمام البلد يركب فى جبة النسوان ثم إنه ناظرهم أجمعين وظهر كلامه على كلام جميعهم فى كل فن
وقال الأستاذ أبو القاسم سمعت أبا بكر بن إشكاب يقول رأيت الأستاذ أبا سهل فى المنام على هيئة حسنة لا توصف فقلت يا أستاذ بم نلت هذا فقال بحسن ظنى بربى
وحكى أن أبا نصر الواعظ وكان حنفيا فى زمان الأستاذ أبى سهل انتقل إلى مذهب الشافعى فسئل عن ذلك فقال رأيت النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى المنام مع أصحابه قاصدا لعيادة الأستاذ أبى سهل وكان مريضا قال فتبعته ودخلت عليه معه وقعدت بين يدى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) متفكرا فقلت إن هذا إمام أصحاب الحديث وإن مات أخشى أن يقع الخلل فيهم فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لى ( لا تفكر فى ذلك إن الله لا يضيع عصابة أنا سيدها )
قلت صحب الأستاذ أبو سهل من أئمة التصوف المرتعش والشبلى وأبا على الثقفى وغيرهم
وحكى عنه أنه قال ما مرت بى جمعة وأنا ببغداد إلا ولى على الشبلى وقفة أو سؤال
وأنه قال دخل الشبلى على أبى إسحاق المروزى فرآنى عنده فقال ذا المجنون من أصحابك لا بل من أصحابنا
وقال السلمى سمعت أبا سهل يقول ما عقدت على شئ قط وما كان لى قفل ولا مفتاح ولا صررت على فضة ولا ذهب قط


"""
صفحة رقم 171 """
قال الحاكم توفى الأستاذ أبو سهل يوم الثلاثاء خامس عشر ذى القعدة سنة تسع وستين وثلاثمائة وصلى عليه ابنه أبو الطيب ودفن فى المجلس الذى كان يدرس فيه
ومن الرواية عنه
أخبرنا أحمد بن على الجزرى بقراءتى وفاطمة بنت إبراهيم بن أبى عمر قراءة عليهما وأنا أسمع قالا أخبرنا إبراهيم بن خليل حضورا أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن ابن على بن المسلم أخبرنا أبو الحسن على بن الحسن بن الحسين الموازينى أخبرنا الشيخ أبو الفضل أحمد بن محمد بن أبى الفراتى سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمى يقول قلت يوما للأستاذ أبى سهل فى كلام يجرى بيننا فقال لى أما علمت أن من قال لأستاذه لم لا يفلح أبدا
وبه قال سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن يقول قال الأستاذ أبو سهل لى يوما عقوق الوالدين يمحوها الاستغفار وعقوق الأستاذين لا يمحوها شئ
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا إن لم أكن قرأته عليه أخبرنا أبو الفضل أحمد ابن هبة الله بن تاج الأمناء أخبرنا محمد بن يوسف الحافظ أن زينب بنت أبى القاسم الشعرى أخبرته
ح قال شيخنا وأخبرنا أبو الفضل أنها كتبت إليه تخبره أن إسماعيل بن أبى القاسم أخبرها أخبرنا عمر بن أحمد بن منصور قال أنشدنا أبو سهل محمد بن سليمان الحنفى إملاء أنشدنا أبو بكر الأنبارى أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى
لقد هتفت فى جنح ليل حمامة
إلى إلفها شوقا وإنى لنائم
كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا
لما سبقتنى بالبكاء الحمائم
وبه قال أنشدنا الإمام أبو سهل لنفسه
أنام على سهو وتبكى الحمائم
وليس لها جرم ومنى الجرائم
كذبت وبيت الله لو كنت عاقلا
لما سبقتنى بالبكاء الحمائم


"""
صفحة رقم 172 """
ومن الفوائد والمسائل عن الأستاذ أبى سهل
قال الحاكم سمعت الأستاذ أبا سهل ودفع إليه مسألة فقرأها علينا وهى
تمنيت شهر الصوم لا لعبادة
ولكن رجاء أن أرى ليلة القدر
فأدعو إله الناس دعوة عاشق
عسى أن يريح العاشقين من الهجر
فكتب أبو سهل فى الحال
تمنيت ما لو نلته فسد الهوى
وحل به للحين قاصمة الظهر
فما فى الهوى طيب ولا لذة سوى
معاناة ما فيه يقاسى من الهجر
قال الأستاذ أبو القاسم القشيرى سمعت أبا بكر بن فورك يقول سئل الأستاذ أبو سهل عن جواز رؤية الله تعالى من طريق العقل فقال الدليل عليه شوق المؤمنين إلى لقائه والشوق إرادة مفرطة والإرادة لا تعلق بالمحال فقال السائل ومن الذى يشتاق إلى لقائه فقال الأستاذ أبو سهل يشتاق إليه كل حر مؤمن فأما من كان مثلك فلا يشتاق
روى الحاكم بإسناده إلى الأستاذ أبى سهل بإسناده إلى أبى نواس قال مضيت يوما إلى أزهر السمان فوجدت ببابه جماعة من أصحاب الحديث فجلست معهم أنتظر خروجه فمكث غير بعيد وخرج ووقف بين بابى داره ثم قال لأصحاب الحديث حوائجكم فجعلوا يذكرونها له ويحدثهم بما يسألونه ثم أقبل على وقال حاجتك يا حسن فقلت
ولقد كنتم رويتم
عن سعيد عن قتادة
عن سعيد بن المسيب
أن سعد بن عبادة
قال من مات محبا
فله أجر الشهاده


"""
صفحة رقم 173 """
قال نعم يا خليع حدثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن سعد ابن عبادة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من مات محبا فى الله فله أجر الشهادة )
140
محمد بن شعيب بن إبراهيم بن شعيب النيسابورى
الفقه العجلى أبو الحسن البيهقى
أحد الأئمة المشهورين بالفصاحة والبراعة والفقه والإمامة
قال الحاكم فيه مفتى الشافعيين ومناظرهم ومدرسهم فى عصره وأحد المذكورين فى أقطار الأرض بالفصاحة والبراعة
كان اختلافه بنيسابور إلى أبى بكر بن خزيمة وأقرانه
ثم خرج إلى أبى العباس بن سريج ولزمه إلى أن تقدم فى العلم
سمع بخراسان أبا عبد الله البوشنجى وأبا بكر الجارودى وداود بن الحسين وأقرانهم
وبالعراق ابن جرير وغيره
روى عنه الأستاذ أبو الوليد وغيره
سمعت أبا سهل محمد بن سليمان الفقيه يقول حضرت مجلس الوزير أبى الفضل البلعمى فلما فرغ من المجلس دعا بأبى الحسن البيهقى فخيره بين قضاء الرى والشاش فامتنع إليه أشد الامتناع وتضرع إليه في الاستعفاء وكان آخر كلمة تكلم بها أن قال له الوزير استشر واستخر واقترح ولا تخالف
توفى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 174 """
141
محمد بن صالح بن هانئ أبو جعفر الوراق النيسابورى
سمع الكثير بنيسابور ولم يسمع بغيرها
وكان صبورا على الفقر لا يأكل إلا من كسب يده
سمع السرى ابن خزيمة وغيره
روى عنه أبو بكر بن إسحاق وأبو على الحافظ وغيرهما
مات فى سلخ ربيع الأول سنة أربعين وثلاثمائة وصلى عليه أبو عبد الله بن الأخرم الحافظ ولما دفن وقف على قبره وترحم عليه وأثنى عليه وحكى أنه صاحبه من سنة سبعين ومائتين إلى حينئذ فما رآه أتى شيئا لا يرضاه الله عز وجل ولا سمع منه شيئا يسأل عنه
142
محمد بن طالب بن على أبو الحسين النسفى
الفقيه إمام الشافعية بتلك الديار
قال جعفر المستغفرى كان فقيها عارفا باختلاف العلماء نقى الحديث صحيحه ما كتب إلا عن الثقات
سمع على بن عبد العزيز بمكة وموسى بن هارون وطائفة
توفى فى رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة بنسف


"""
صفحة رقم 175 """
143
محمد بن طاهر بن محمد بن الحسن بن الوزير أبو نصر الوزيرى
الأديب المذكر المفسر
كان كثير العلوم فصيحا بالغا فى الذكر والوعظ
سمع عبد الله بن محمد بن الشرقى وأبا حامد بن بلال وأبا على الثقفي وأقرانهم
توفى فى شهر رمضان سنة خمس وستين وثلاثمائة
وكان أولا حنفى المذهب ثم انتقل إلى مذهبنا
144
محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن عصم بن بلال بن عصم أبو عبد الله بن أبى ذهل الضبى الهروى العصمى بضم العين
رئيس هراة
مولده سنة أربع وتسعين ومائتين
وسمع محمد بن معاذ المالينى وأبا نصر محمد بن عبد الله القيسى وحاتم بن محبوب وأبا عمرو الحيرى ومؤمل بن الحسن الماسرجسى ويحيى بن صاعد وعبد الرحمن بن أبى حاتم وغيرهم


"""
صفحة رقم 176 """
روى عنه الدارقطنى والحاكم أبو عبد الله وأبو يعقوب القراب وأبو بكر البرقانى وأبو الفتح بن أبى الفوارس وغيرهم
قال الخطيب كان ثقة نبيلا من ذوى الأقدار العالية
وقال سمعت البرقانى يقول كان ملك هراة تحت أمر ابن أبى ذهل لقدره وأبوته
وقال الحاكم لقد صحبته سفرا وحضرا فما رأيت أحسن وضوءا منه ولا أحسن صلاة ولا رأيت فى مشايخنا أحسن تضرعا وابتهالا فى دعواته منه لقد كنت أراه يرفع يديه إلى السماء فيمدهما مدا كأنه يأخذ شيئا من أعلى مصلاه وكان يضرب له دنانير وزن الدينار منها مثقال ونصف أو أكثر فيتصدق بها ويقول إنى لأفرح إذا ناولت فقيرا كاغدا فيتوهم أنه فضة فإذا فتحه ورأى صفرته فرح ثم إذا وزنه فزاد على المثقال فرح أيضا وكانت له غلة كثيرة لا يدخل داره إلا دون عشرها والباقى يفرقه على المستورين وسائر المستحقين حتى إن جماعة من أهل العلم لم يكن لهم قوت إلا من غلته
قال الحاكم ولقد سألت عن أعشار غلات أبى عبد الله كم تبلغ فقيل ربما زادت على ألف حمل
وحدثنى أبو أحمد الكاتب أن النسخة التى كانت عنده بأسماء من يقوتهم أبو عبد الله بهراة تزيد على خمسة آلاف بيت
وقال أبو النصر عبد الرحمن الفامى إن أبا عبد الله صنف صحيحا على صحيح البخارى وإنه تفقه ببغداد وإنه لم يجتمع لرئيس بهراة ما اجتمع له من آلات السيادة


"""
صفحة رقم 177 """
وحكى أن أبا جعفر العتبى وزير السلطان ألزم أبا عبد الله عن أمر السلطان أن يتقلد ديوان الرسائل فامتنع فقال له هذا قضاء القضاة بكور خراسان ولا تخرج عن حد العلم ولو عرفت اليوم فى مشايخ خراسان من يدانيك فى شمائلك لأعفيتك فبكى أبو عبد الله وقال له إن أعفانى السلطان عن هذا العمل فبفضله على وعلى أصحابى بهراة وإن أكرهنى عليه لبست مرقعة وخرجت على وجهى حتى لا يعلم بمكانى أحد فأعفى
وعن أبى عبد الله ما مست يدى دينارا ولا درهما منذ ثلاثين سنة هذا مع كثرة أمواله وصدقاته
قال الحاكم سمعت أبا عبد الله بن أبى ذهل يقول سمعت أبا بكر الشبلى وسئل عن الرجل يسمع الشئ ولا يفهم معناه فيتواجد عليه لم هذا فأنشأ الشبلى يقول
رب ورقاء هتوف بالضحى
ذات شجو صدحت فى فنن
ذكرت إلفا ودهرا سالفا
فبكت حزنا فهاجت حزنى
فبكائى ربما أرقها
وبكاها ربما أرقنى
ولقد تشكو فما أفهمها
ولقد أشكو فما تفهمنى
غير أنى بالجوى أعرفها
وهى أيضا بالجوى تعرفنى
استشهد ابن أبى ذهل فى رستاق خواف من نيسابور بعد ما خرج من الحمام لطخ ثوبه وألبسه فمات لتسع بقين من صفر سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 178 """
145
محمد بن عبد الله بن أحمد أبو عبد الله الصفار الأصبهانى المحدث الرجل الصالح
سمع ببلده أحمد بن عصام وأسيد بن عاصم وأحمد بن رستم وعبيد الغزال
وبفارس أحمد بن مهران بن خالد
وببغداد أحمد بن عبيد الله النرسى ومحمد بن الفرج الأزرق وأبا بكر بن أبى الدنيا
وبمكة على بن عبد العزيز وجماعة
وسمع المسند من عبد الله بن أحمد وكتب مصنفات إسماعيل القاضى ورحل إلى الحسن بن سفيان وحصل المسند ومصنفات ابن أبى شيبة
روى عنه أبو على الحافظ والحاكم أبو عبد الله ومحمد بن إبراهيم الجرجانى ومحمد بن موسى الصيرفى وأبو الحسين الحجاجى وأبو عبد الله ابن مندة وآخرون
قال الحاكم هو محدث عصره كان مجاب الدعوة لم يرفع رأسه إلى السماء كما بلغنا نيفا وأربعين سنة وصنف فى الزهديات وورد نيسابور قبل الثلاثمائة فسكنها


"""
صفحة رقم 179 """
قال الحاكم وكان وراقه أبو العباس المصرى خانه واختزل عيون كتبه وأكثر من خمسمائة جزء من أصوله فكان أبو عبد الله يجامله جاهدا فى استرجاعها منه فلم ينجع فيه شئ وكان كبير المحل فى الصنعة فذهب علمه بدعاء الشيخ عليه
توفى فى ذى القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وله ثمان وتسعون سنة
146
محمد بن عبد الله بن حمدون أبو سعيد النيسابورى الزاهد العالم أحد الصالحين
سمع من أبى بكر محمد بن حمدون وما أدرى هل هو عمه أو لا ومن أبى حامد بن الشرقى وأبى نعيم بن عدى وغيرهم
روى عنه أحمد بن منصور المغربى وأبو عثمان سعيد البحيرى وغيرهما
وحدث سنين وانتفع به الخلق علما ودينا
توفى بنيسابور فى ذى الحجة سنة تسعين وثلاثمائة
147
محمد بن عبد الله بن حمشاد الأستاذ أبو منصور الحمشادى
الإمام علما ودينا ذو الدعوة المجابة
مولده سنة ست عشرة وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 180 """
وتفقه بخراسان على أبى الوليد النيسابورى وبالعراق على ابن أبى هريرة
وسمع أبا حامد بن بلال ومحمد بن الحسين القطان وإسماعيل الصفار وأبا سعيد ابن الأعرابى وآخرين
ودخل الحجاز واليمن وأدرك الأسانيد العالية
وقرأ علم الكلام على أبى سهل الخليطى
قال فيه الحاكم الأديب الزاهد من العلماء الزهاد المجتهدين
قال وكان من المجتهدين فى العبادة الزاهدين فى الدنيا تجنب السلاطين وأولياءهم إلى أن خرج من دار الدنيا وهو ملازم لمسجده ومدرسته قد اقتصر على أوقاف لسلفه عليه قوت يوم بيوم
تخرج به جماعة من العلماء الواعظين وظهر له من مصنفاته أكثر من ثلاثمائة كتاب مصنف
قال وقد ظهر لنا فى غير شئ أنه كان مجاب الدعوة
مرض أبو منصور الفقيه يوم الأربعاء سادس عشر رجب واشتد به المرضى يوم الثلاثاء السابع من ابتداء مرضه فبكرت إليه وقد ثقل لسانه وكان يشير بأصبعه بالدعاء ثم قال لى بجهد جهيد تذكر قصة محمد بن واسع مع قتيبة بن مسلم فقلت تفيد
فقال إن قتيبة كان يجرى على محمد بن واسع تلك الأرزاق وهو شيخ هرم ضعيف فعوتب


"""
صفحة رقم 181 """
على ذلك فقال أصبعه فى الدعاء أبلغ فى النصر من رماحكم هذه
ثم عدت إليه يوم الثلاثاء فقال لى بعد جهد جهيد أيها الحاكم غير مودع فإنى راحل فكان يقاسى لما احتضر من الجهد ما يقاسيه وأنا أقول لأصحابنا إنه يؤخذ ليلة الجمعة فتوفى رحمه الله وقت الصبح من يوم الجمعة الرابع والعشرين من رجب سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة وغسله أبو سعيد الزاهد
قلت أبو سعيد هو المتقدم محمد بن عبد الله بن حمدون
148
محمد بن عبد الله بن محمد بن بشر
أبو عبد الله المزنى الهروى
أخو الشيخ أبى محمد المزنى الإمام
سمع أحمد بن نجدة وعلى بن محمد بن عيسى الحكانى
حدث بالعراق ونيسابور وهراة
مات بنيسابور فى جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وقد قارب الثمانين


"""
صفحة رقم 182 """
149
محمد بن عبد الله بن محمد بن بصير بن ورقة البخارى
الشيخ الإمام الجليل أبو بكر الأودنى وأودن قرية من قرى بخارى مضمومة الهمزة فيما قال ابن السمعانى مفتوحة فيما قال ابن ماكولا ومن تبعه
سمع ببخارى أبا الفضل يعقوب بن يوسف العاصمى وأقرانه فمن مشايخه الهيثم ابن كليب الشاشى وعبد المؤمن بن خلف النسفى ومحمد بن صابر البخارى
روى عنه أبو عبد الله الحاكم حديثين وروى عنه أيضا أبو عبد الله الحليمى ومحمد ابن أحمد بن غنجار وجعفر المستغفرى
قال فيه الحاكم إمام الشافعيين بما وراء النهر فى عصره بلا مدافعة قدم نيسابور سنة خمس وستين وحج ثم انصرف فأقام عندنا مدة فى سنة ست وستين وكان من أزهد الفقهاء وأورعهم وأكثرهم اجتهادا فى العبادة وأبكاهم على تقصيره وأشدهم تواضعا وإخباتا وإنابة
وقال الإمام فى النهاية كان الأودنى من دأبه أن يضن بالفقه على من لا يستحقه ولا يبديه وإن كان يظهر أثر الانقطاع عليه فى المناظرة


"""
صفحة رقم 183 """
وحكى أنه كان يذهب إلى الوجه الصحيح وهو أنه لا يجوز للعاصى بسفره أن يتناول الميتة عند الاضطرار لما فيه من التخفيف على العاصى وهو متمكن من دفع الهلاك عن نفسه بأن يتوب ثم يأكل
قال الإمام فلما ألزم الأودنى بهذه المسألة وأخذ الملزم يقول هذا سعى فى إهلاك نفس معصومة مصونة فكان الأودنى يقول لمن بالقرب منه ت ب ك ل يريد تب كل معناه أنه الساعى فى دم نفسه باستمراره على عصيانه فإن أراد الميتة فليتب ثم يأكل
توفى الأودنى ببخارى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة
150
محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين أبو بكر الصبغى
الإمام الفقيه المحدث
سمع بخراسان من أبى عمرو الحيرى والمؤمل بن الحسن ومكى بن عبدان وغيرهم
وبالرى من ابن أبى حاتم وأكثر عنه
وببغداد من ابن مخلد والمحاملى وغيرهما
وأكثر بنيسابور عن أبى حامد بن الشرقى
روى عنه الحاكم أبو عبد الله فى التاريخ أربعة أحاديث وحكاية قدمناها فى ترجمة ابن الشافعى
وقال كان من أعيان فقهاء الشافعيين كثير السماع والحديث كان حانوته مجمع الحفاظ والمحدثين فى مربعة الكرمانيين على باب خان مكى وكنا نقرأ على أبى عبد الله بن يعقوب على باب حانوته


"""
صفحة رقم 184 """
قلت كلام الحاكم دال على أن الشيخ كان يبيع الصبغ بنفسه أو يعمله بنفسه فى الحانوت على عادة العلماء المتقدمين الذين كانوا يتسببون فى المعاش
توفى فى ذى الحجة سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وهو ابن نيف وخمسين سنة
وفى الرافعى فى القصاص فى مسألة المبادرة حكى عن الماسرجسى أنه قال سمعت أبا بكر الصبغى يقول كررتها على نفسى ألف مرة حتى تحققتها
وفى بعض النسخ موضع الصبغى الصيرفى ولعل الصبغى أشبه وهو فيما أحسب هذا لا الإمام أبو بكر بن إسحاق
151
محمد بن عبد الله بن محمد بن زكرياء بن الحسن الإمام الحافظ أبو بكر الجوزقى النيسابورى الشيبانى
وجوزق التى ينسب إليها قرية من قرى نيسابور وبهراة جوزق أخرى ينسب إليها أبو الفضل إسحاق الهروى الحافظ كلاهما بفتح الجيم ثم الواو الساكنة ثم الزاى المفتوحة ثم القاف
كان أبو بكر أحد أئمة المسلمين علما ودينا وكان محدث نيسابور وابن أخت محدثها أبى إسحاق إبراهيم بن محمد المزكى
روى عن أبى العباس السراج وأبى العباس الأصم وأبى نعيم بن عدى الجرجانى وأبى العباس الدغولى رحل إليه مع خاله إلى سرخس ومكى بن عبدان وأبى حامد بن الشرقى وأخيه عبدالله بن الشرقى وأبى سعيد بن الأعرابى وأبى على الصفار وغيرهم بنيسابور وسرخس وهمذان والرى ومكة وبغداد وغيرها


"""
صفحة رقم 185 """
روى عنه الحاكم أبو عبد الله والكنجروذى وسعيد بن محمد البحيرى ومحمد بن على الخشاب وسعيد بن أبى سعيد العيار وأحمد بن منصور بن خلف المغربى وآخرون
وصنف المنسد الصحيح على كتاب مسلم وكتاب المتفق وله كتاب آخر فى المتفق أبسط من هذا المشهور فى نحو ثلاثمائة جزء يرويه أبو عثمان الصابونى وحكى عنه أنه قال أنفقت فى الحديث مائة ألف درهم ما كسبت به درهما
توفى فى شوال سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة وهو ابن اثنتين وثمانين سنة
152
محمد بن عبد الله بن أبى القاضى أبو سعيد
قال أبو سعيد الكرابيسى كان من أجمل الناس وأحسنهم له البسطة والمكانة والقبول عند الجميع وكان إذا خرج إلى المسجد للقص على الناس فرآه الناس لم يتمالكوا عن البكاء
وقال صاحب الكافى كان من مشاهير علماء منصورة وفضلاتهم وأتقيائهم من أصحاب الحديث
قال الكرابيسى تفقه بخوارزم على أبيه وسمع منه الحديث ثم خرج إلى العراق فسمع سعدان بن يزيد ومحمد بن عبيد الله بن المنادى وعبد الله بن حماد وحماد ابن المؤمل وجماعة
وتوفى ولده سعيد بن محمد والد أبى أحمد فى حياته وكان فاضلا قد صنف كتاب


"""
صفحة رقم 186 """
الإرشاد وغيره أعنى سعيد بن محمد فأصيب والده بمصيبتين فى ولدين هو أحدهما والآخر أخوه اسمه أبو القاضى قتلته القرامطة فصبر والدهما أبو سعيد واحتسب
توفى القاضى أبو سعيد سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة
153
محمد بن عبد الله أبو بكر الصيرفى
الإمام الجليل الأصولى أحد أصحاب الوجوه المسفرة عن فضله والمقالات الدالة على جلالة قدره وكان يقال إنه أعلم خلق الله تعالى بالأصول بعد الشافعى
تفقه على ابن سريج
وسمع الحديث من أحمد بن منصور الرمادى
روى عنه على بن محمد الحلبى
ومن تصانيفه شرح الرسالة وكتاب فى الإجماع وكتاب فى الشروط
توفى سنة ثلاثين وثلاثمائة
وهذه مناظرة بينه وبين الشيخ أبى الحسن الأشعرى
حكى الشيخ أبو محمد الجوينى فى شرح الرسالة أن الشيخ أبا بكر الصيرفى اجتمع بالشيخ أبى الحسن فقال له أبو الحسن أنت تقول بوجوب شكر المنعم بناء على ما ذكرت من أنه يحتمل إرادة الشكر فإذا لم يشكر عاقبه عليه وقولك هذا مع اعتقاد أن الله خلق كفر الكافر وأراده متناقض فإما أن تقول أفعالنا مخلوقة لنا أو تقول شكر المنعم لا يجب أبدا لمجرده


"""
صفحة رقم 187 """
قال ولم قال مذهبك أن الله يريد كفر الكافر وإرادته كفره لا توجب الكفر فهب أنه تعالى أراد منا الشكر فإرادته لا توجب الشكر كما لا توجب الكفر فإما أن تنفى إرادة الله تعالى الكفر وتمشى على مذهب المعتزلة ويمشى لك أصلك وإما أن تترك هذا المذهب
فقال الصيرفى ترك القول بوجوب الشكر أهون فاعتقده
ثم كان يكتب على حواشى كتبه حيث يصير وجوب شكر المنعم بمجرده مهما قلنا بوجوبه قلناه مع قرينة الشرع والسمع به
قلت وفى المناظرة دلالة على ما قال القاضى أبو بكر فى كتاب التقريب والأستاذ أبو إسحاق فى التعليقة من أن طوائف من الفقهاء ذهبت إلى مذاهب المعتزلة فى بعض المسائل غافلين عن تشعبها عن أصولهم الفاسدة كما سنحكيه إن شاء الله فى ترجمة القفال الكبير فى هذه الطبقة
وأقول جواب الصيرفى أن يقول إيجاب الشكر لاحتمال أنه يقال أوجبه لا أنه يقال أراده ومثل هذا لا يجئ فى الكفر فإنا على يقين بأنه يقال ما أوجبه بل حرمه وإن أراده وليس يلزم من إرادته إياه إيجابه له فليس فى إيجاب شكر المنعم مناقضة للقول بأنه تعالى مريد الكائنات بأسرها خيرها وشرها
ومن الرواية عن أبى بكر الصيرفى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


"""
صفحة رقم 188 """
154
محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن أبو الفضل البلعمى
بفتح الباء المنقوطة بواحدة وسكون اللام وفتح العين المهملة وفى آخرها الميم وزير إسماعيل بن أحمد صاحب خراسان استولى جده رجاء على بلعم وهى بلد من بلاد الروم حين دخلها مسلمة بن عبد الملك وأقام فيها وكثر نسله بها فنسبوا إليها وكان الوزير أبو الفضل من أصحاب محمد بن نصر المروزى
قال الحاكم كان كثير السماع من مشايخ عصره بمرو وبخارى ونيسابور وسمرقند وسرخس وكان قد سمع أكثر الكتب من محمد بن نصر
قال وسمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه غير مرة يقول كان الشيخ أبو الفضل البلعمى ينتحل مذهب الحديث
قال ابن الصلاح إذا أطلقوا هذا هناك انصرف إلى مذهب الشافعى
ولأبى الفضل مصنفات كتاب تلقيح البلاغة وكتاب المقالات
قال ابن ماكولا توفى فى صفر سنة تسع وعشرين وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 189 """
155
محمد بن عبد الرحمن بن أبى إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكى أبو الحسن النيسابورى
سمع أبا العباس الأصم وأقرانه وحدث
توفى فى شوال سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة
156
محمد بن عبد الواحد بن أبى هاشم أبو عمر اللغوى المعروف بغلام ثعلب
ولد سنة إحدى وستين ومائتين
سمع الحديث من موسى بن سهل الوشاء ومحمد بن يونس الكديمى وأحمد بن عبيد الله النرسى وإبراهيم بن الهيثم البلدى وأحمد بن سعيد الجمال وبشر بن موسى الأسدى وجماعة
روى عنه أبو عبد الله الحاكم وأبو الحسن بن رزقويه وأبو الحسين بن بشران وأحمد ابن عبد الله المحاملى وأبو على بن شاذان وهو آخر من حدث عنه


"""
صفحة رقم 190 """
روى الخطيب أن ابن المرزبان قال كان ابن ماسى من دار كعب ينفذ إلى غلام ثعلب وقتا بعد وقت كفايته لما ينفق على نفسه فقطع عنه ذلك مدة لعذرثم أنفذ إليه جملة ما كان فى رسمه وكتب إليه رقعة يعتذر من تأخير ذلك فرده وأمر من بين يديه أن يكتب على ظهر رقعته أكرمتنا فملكتنا ثم أعرضت عنا فأرحتنا
قال الخطيب سمعت غير واحد يحكى أن الأشراف والكتاب وأهل الأدب كانوا يحضرون عند أبى عمر الزاهد ليسمعوا منه كتب ثعلب وغيرها
قال وكان جميع شيوخنا يوثقونه في الحديث
وقال أبو على التنوخى من الرواة الذين لم ير قط أحفظ منهم أبو عمر غلام ثعلب أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة فيما بلغنى حتى اتهموه لسعة حفظه فكان يسأل عن الشئ الذى يظن السائل أنه قد وضعه فيجيبه عنه ثم يسأله غيره عنه بعد سنة فيجيب بذلك الجواب
وقال عبد الواحد بن على بن برهان لم يتكلم فى اللغة أحد أحسن من كلام أبى عمر الزاهد
قال وله كتاب غريب الحديث صنفه على مسند أحمد
ونقل أن صناعة أبى عمر كانت التطريز وكان اشتغاله بالعلم قد منعه من التكسب فلم يزل مضيقا عليه
وله من التصانيف غريب الحديث وكتاب الياقوتة وفائت الفصيح والعشرات والشورى وتفسير أسماء الشعراء وكتاب القبائل وكتاب النوادر وكتاب يوم وليلة وغير ذلك


"""
صفحة رقم 191 """
وفيه يقول أبو العباس أحمد اليشكرى
أبو عمر أوفى من العلم مرتقى
يزل مساميه ويردى مطاوله
فلو أننى أقسمت ما كنت كاذبا
بأن لم ير الراؤون بحرا يعادله
إذا قلت شارفنا أواخر علمه
تفجر حتى قلت هذا أوائله
واتفقت له غريبة مع القاضى أبى عمر وكان أبو عمر غلام ثعلب مؤدب ولد القاضى أبى عمر فأملى ثلاثين مسألة بشواهدها وأدلتها من كلام العرب واستشهد فى تضاعيفها ببيتين غريبين جدا فعرضهما القاضى أبو عمر على ابن دريد وابن الأنبارى وابن مقسم فلم يعرفوهما ولا عرفوا غالب ما ذكر من الأبيات وقال ابن دريد هذا مما وضعه أبو عمر من عنده
فلما جاء أبو عمر ذكر له القاضى ما قال ابن دريد فطلب من القاضى أن يحضر له ما فى داره من دواوين العرب فلم يزل يأتيه بشاهد لما ذكره بعد شاهد حتى خرج من الثلاثين مسألة ثم قال وأما البيتان فإن ثعلبا أنشدناهما وأنت حاضر فكتبتهما فى دفترك فطلب القاضى دفتره فإذا هما فيه
فلما بلغ ذلك ابن دريد كف لسانه عن أبى عمر الزاهد حتى مات
توفى فى ثالث عشر ذى القعدة سنة خمس وأربعين وثلاثمائة ببغداد


"""
صفحة رقم 192 """
157
محمد بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن عبد الأحد الإمام الجليل القدوة الأستاذ أبو على الثقفى
الجامع بين العلم والتقوى والمتمسك من حبال الشريعة بالسبب الأقوى والسالك للطريقة التى لا عوج فيها والحاوى للصفات التى ليس سوى المصطفين الأخيار تصطفيها
قال فيه الحاكم الإمام المقتدى به فى الفقه والكلام والوعظ والورع والعقل والدين
قال وطلب العلم على كبر السن فإن ابتداءه كان التصوف والزهد والورع
وقال غيره كان إماما فى أكثر علوم الشرع مقدما فى كل فن عطل أكثر علومه واشتغل بعلم الصوفية وتكلم عليهم أحسن كلام وبه ظهر التصوف بنيسابور
سمع بنيسابور من محمد بن عبد الوهاب وأقرانه
وبالرى من موسى بن نصر وأقرانه
وببغداد من أحمد بن حيان بن ملاعب ومحمد بن الجهم السمرى وأقرانهما
روى عنه أبو بكر بن إسحاق وغيره من الأئمة
وتفقه على محمد بن نصر المروزى
ولقى فى التصوف أبا جعفر وحمدون القصار
قال الحاكم سمعت عبد الرحمن بن أحمد الصفار يقول سمعت أبا بكر ابن إسحاق


"""
صفحة رقم 193 """
يقول سمعت أبا القاسم الشيروانى يقول ما ولد فى الإسلام بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والصحابة رضى الله عنهم أعقل من أبى على الثقفى
وحكى أن أبى بكر الشبلى بعث رجلا من أهل العلم قاصدا إلى نيسابور وأمره أن يعلق مجلسى أبى على الثقفى بالغداة والعشى لسنة كاملة ويحملها إلى حضرته فحضر الرجل وكان يحضر المجلس بحيث لا يعلم به فى غمار الناس ويعلق كلامه فى المجلسين إلى أن تمت السنة فانصرف إلى بغداد وعرض على الشبلى تلك المجالس وقد أفرد منها مجالس الغدوات من مجالس العشى فتأملها الشبلى فقال كلام هذا الرجل بالغدوات فى علم الحقائق معجز وكلامه بالعشيات ردى فاسد بعيد عن تلك العلوم وذلك أنه كان يخلو ليله بسره فيصفو كلامه بالغدوات فقال له الشبلى هل رأيت بداره شيئا من الفرش والأوانى التى يتجمل بها أهل الدنيا فقال أما الفرش فنعم وكنت أرى طستا دمشقيا فى زاوية من زوايا البيت فصاح الشبلى ثم قال فهذا الذى يغير عليه أحواله
وروى بسنده إلى ابن خزيمة أنه استفتى فى مسائل فدعا بدواة ثم قال لأبى على الثقفى أجب فأخذ أبو على القلم وجعل يكتب الأجوبة ويضعها بين يدى ابن خزيمة وهو ينظر فيها ويتأمل مسألة مسألة فلما فرغ منها قال له يا أبا على ما يحل لأحد منا بخراسان أن يفتى وأنت حى
وروى عن أبى العباس ابن سريج أنه قال ما جاءنا من خراسان أفقه منه
وعن أبى عثمان الحيرى إنه لينفعنى فى نفسى إذا نظرت إلى خشوع هذا الفتى يعنى أبا على الثقفى رحمه الله
قال الحاكم توفى أبو على الثقفى ليلة الجمعة ودفن يوم الجمعة الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وهو ابن تسع وثمانين سنة


"""
صفحة رقم 194 """
قال وشهدت الصلاة عليه ودفنه ولا أذكر أنى رأيت بنيسابور بعده مثل ذلك الجمع
قال وسمعته يقول فى دعائه إنك أنت الوهاب الوهاب الوهاب ولست أحفظ عنه غيرها
قلت ومن ذكائه حفظ هذا القدر فقد كان عمره يوم وفاة الثقفى سبع سنين وقد أطال الحاكم فى ترجمة الأستاذ أبى على وأجاد فيها
ومن كلمات أبى على رحمه الله
يا من باع كل شئ بلا شئ واشترى لا شئ بكل شئ
وقال أف من أشغال الدنيا إذا هى أقبلت وأف من حسراتها إذا هى أدبرت والعاقل من لا يركن إلى شئ إذا أقبل كان شغلا وإذا أدبر كان حسرة
وقال أربعة أشياء لابد للعاقل من حفظهن الأمانة والصدق والأخ الصالح والسريرة
وقال لو أن رجلا جمع العلوم كلها وصحب طوائف الناس لا يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة من شيخ أو إمام أو مؤدب ناصح ومن لم يأخذ أدبه من آمر له وناه يريه عيوب أعماله ورعونات نفسه لا يجوز الاقتداء به فى تصحيح المعاملات
وقال ليس شئ أولى بأن تمسكه من نفسك ولا شئ أولى بأن تغلبه من هواك
وقال من غلبه هواه توارى عنه عقله
وقال الغفلة وسعت على الخلق الطريق فى معايشهم وأفعالهم والورع واليقظة ضيقا عليهم ذلك


"""
صفحة رقم 195 """
وقال من صحب الأكابر على غير طريق الحرمة حرم فوائدهم وبركات نظرهم ولا يظهر عليه من أنوارهم شئ
قال بعضهم حضرت مجلس أبى على فتكلم فى المحبة وأحوال المحبين وأنشد فى خلال تلك الأحوال
إلى كم يكون الصد فى كل ساعة
وكم لا تملين القطيعة والهجرا
(
رويدك إن الدهر فيه كفاية لتفريق ذات البين فارتقبى الدهرا
ومن المسائل عنه رحمه الله
قال أبو عاصم إن لأبى على كتابا أجاب فيه عن الجامع الصغير لمحمد بن الحسن
وقال وفيه ذكر أنه إذا قال أنت طالق إن شئت فقالت شئت إن كان كذا أو إن شاء فلان
قال أبو حنيفة إن كان لشيء مضى وقع وإن كان بشئ مستقبل لم يقع وبطل خيارها
قال الثقفى فيه احتمالان أحدهما أنه يقع فى الحال إذا وجد فى المجلس والثانى أنه يقع فى الحالين إذا وجد فى المجلس أو بعده
وقال أبو على الزجاجى لا يقع بحال
قلت الاحتمالان غريبان وما ذكره الزجاجى هو المذهب ووراءه وجه فى الرافعى عن الحناطى أنه يصح تعليق المشيئة ويقع الطلاق إذا قال المعلق


"""
صفحة رقم 196 """
بمشيئته شئت ولكن لم يتعرض القائل لهذا الوجه إلى أنه هل يكون هذا دائما أو يختص بالمجلس وفقه أبى حنيفة دقيق
ونظير المسألة لو قالت الزوجة طلقنى بألف درهم فقال أنت طالق على الألف إن شئت
قال الأصحاب فى باب الخلع ليس بجواب لما فيه من التعليق بالمشيئة بل هو كلام يتوقف على مشيئة مستأنفة
قال القاضى الحسين فى أول باب صفة الصلاة من تعليقته بعد ما حكى قول أبى حنيفة أنه لو نوى فى بيته أنه يخرج يصلى فى المسجد صح وإن عزبت نيته بعده ما نصه سألت أبا على الثقفى عن هذا فقال عندنا أنه يجوز ذلك إذا لم يخطر بباله شئ آخر إلى أن يدخل فى الصلاة فلو كان الأمر كما ذكره لم يبق بيننا وبينه فيه خلاف
قلت أبو على الثقفى هذا رجل حنفى رآه القاضى حسين أما أبو على صاحبنا صاحب هذه الترجمة فلم يدركه أشياخ القاضى فضلا عنه نبهت عليه لئلا يقع فيه الغلط
158
محمد بن عثمان بن إبراهيم بن زرعة الثقفى مولاهم أبو زرعة
قاضى دمشق كانت داره بنواحى باب البريد
وولى قضاء مصر سنة أربع وثمانين ومائتين ولم يل بعده قضاء مصر ولا قضاء الشام إلا شافعى المذهب غير ابن خديم قاضى الشام فإنه كان أوزاعى المذهب ثم لم يزل الأمر للشافعية مصرا وشاما إلى أن ضم الملك الظاهر بيبرس فى سنة أربع وستين وستمائة القضاة الثلاثة إلى الشافعية


"""
صفحة رقم 197 """
روى عنه الحسن الحصائرى وغيره
وكان رجلا رئيسا يقال إنه الذى أدخل مذهب الشافعى إلى دمشق وإنه كان يهب لمن يحفظ مختصر المزنى مائة دينار وكان قد قام مع أحمد بن طولون فى خلع أبى أحمد الموفق ووقف عند المنبر يوم الجمعة وقال أيها الناس أشهدكم أنى خلعت أبا أحمد كم يخلع الخاتم من الأصبع فالعنوه
فعل ذلك أبو زرعة بأمر أحمد بن طولون وكانت قد جرت وقعة بين ابن الموفق وبين خمارويه بن أحمد بن طولون تسمى وقعة الطواحين انتصر فيها أحمد بن الموفق ورجع إلى دمشق وكانت هذه الوقعة بنواحى الرملة فقال ابن الموفق لكاتبه أحمد بن محمد الواسطى انظر من كان يبغضنا فأخذ يزيد بن عبد الصمد وأبو زرعة الدمشقى والقاضى أبو زرعة مقيدين فاستحضرهم يوما فى طريقه إلى بغداد فقال أيكم القائل قد نزعت أبا أحمد فربت ألسنتهم ويئسوا من الحياة
قال أبو زرعة الدمشقى أما أنا فأبلست وأما يزيد فخرس وكان تمتاما وكان أبو زرعة محمد بن عثمان أحدثنا سنا فقال أصلح الله الأمير
فقال الواسطى قف حتى يتكلم أكبر منك
فقلنا أصلحك الله هو يتكلم عنا
فقال تكلم
فقال والله ما فينا هاشمى صريح ولا قرشى صحيح ولا عربى فصيح ولكنا قوم ملكنا يعنى قهرنا ثم روى أحاديث فى السمع والطاعة وأحاديث فى العفو والإحسان وكان هو المتكلم بالكلمة التى يطالب بها وقال إنى أشهدك إيها الأمير أن نسائى طوالق وعبيدى أحرار ومالى حرام إن كان فى هؤلاء القوم أحد قال هذه الكلمة ووراءنا حرم وعيال وقد تسامع الناس بهلاكنا وقد قدرت وإنما العفو بعد القدرة
فقال للواسطى أطلقهم أطلقهم لا كثر الله أمثالهم


"""
صفحة رقم 198 """
قلت وهذا من حسن تصرفه فإنه هو القائل لا هم فصدقت يمينه
قال ابن زولاق ولى أبو زرعة مصر سنة أربع وثمانين ومائتين وكان يذهب إلى قول الشافعى ويوالى عليه وكان عفيفا شديد التوقف فى إنفاذ الأحكام وله مال كثير وضياع كبار بالشام
قال وكان يرقى من وجع الضرس ويدفع إلى صاحب الوجع حشيشة توضع عليه فيسكن وكان يزن عن الغرماء الضعفى وربما أراد القوم النزهة فيأخذ الواحد بيد الآخر ويحضره إليه يطالبه فيقر له ويبكى فيرحمه القاضى ويزن عنه
قال ابن الحداد الفقيه رحمه الله سمعت منصور بن إسماعيل يقول كنت عند أبى زرعة القاضى فذكر الخلفاء فقلت له أيها القاضى يجوز أن يكون السفيه وكيلا
قال لا
قلت فولى امرأة
قال لا
قلت فأمينا
قال لا
قلت فشاهدا قال لا
قلت فيكون خليفة
قال يا أبا الحسن هذه من مسائل الخوارج
توفى أبو زرعة القاضى بدمشق سنة اثنتين وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 199 """
159
محمد بن على بن أحمد أبو العباس الأديب الكرجى بالجيم
نزيل نيسابور
أحد الأدباء العلماء الزهاد
تفقه عند أبى عبد الله الزبيرى بالبصرة
ولقى أبا محمد القتبى وأخذ عنه
وكان عالما بالفرائض أحد المؤذنين بنيسابور مقدما فى التأديب
وممن تأدب عليه أبو عبد الله الحافظ وذكره فى تاريخه وحكى عنه أورادا نهارية جليلة من صلاة وقراءة قد كان يعانيها مع شغل التأديب وذكر أنه اختلف إليه أربع سنين فلما رآه أفطر إلا فى يومى العيد وأيام التشريق
وسمع من أبى خليفة وعبدان الأهوازى وأقرانهما
روى عنه الحاكم وسمع منه مختصر الزبيرى
توفى فى ذى الحجة سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 200 """
160
محمد بن على بن إسماعيل القفال الكبير الشاشى
الإمام الجليل أحد أئمة الدهر ذو الباع الواسع فى العلوم واليد الباسطة والجلالة التامة والعظمة الوافرة
كان إماما فى التفسير إماما فى الحديث إماما فى الكلام إماما فى الأصول إماما فى الفروع إماما فى الزهد والورع إماما فى اللغة والشعر ذاكرا للعلوم محققا لما يورده حسن التصرف فيما عنده فردا من أفراد الزمان
قال فيه أبو عاصم العبادى هو أفصح الأصحاب قلما وأثبتهم فى دقائق العلوم قدما وأسرعهم بيانا وأثبتهم جنانا وأعلاهم إسنادا وأرفعهم عمادا
وقال الحليمى كان شيخنا القفال أعلم من لقيته من علماء عصره
وقال فى كتابه شعب الإيمان فى الشعبة السادسة والعشرين فى الجهاد إمامنا الذى هو أعلى من لقينا من علماء عصرنا صاحب الأصول والجدل وحافظ الفروع والعلل وناصر الدين بالسيف والقلم والموفى بالفضل فى العلم على كل علم أبو بكر محمد بن على الشاشى
وقال الحاكم أبو عبد الله هو الفقيه الأديب إمام عصره بما وراء النهر للشافعيين وأعلمهم بالأصول وأكثرهم رحلة فى طلب الحديث
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى كان إماما وله مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء وله كتاب فى أصول الفقه وله شرح الرسالة وعنه انتشر فقه الشافعى بما وراء النهر
وقال ابن الصلاح القفال الكبير علم من أعلام المذهب رفيع ومجمع علوم هو بها عليم ولها جموع


"""
صفحة رقم 201 """
قلت سمع القفال من ابن خزيمة وابن جرير وعبد الله المدائنى ومحمد بن محمد الباغندى وأبى القاسم البغوى وأبي عروبة الحرانى وطبقتهم
روى عنه أبو عبد الله الحاكم وقال ورد نيسابور مرة على ابن خزيمة ثم ثانيا عند منصرفه من العراق ثم وردها على كبر السن وكتبنا عنه غير مرة ثم اجتمعنا ببخارى غير مرة فكتبت عنه وكتب عنى بخط يده
وروى أيضا عنه أبو عبد الرحمن السلمى وأبو عبد الله الحليمى وابن مندة وأبو نصر عمر بن قتادة وغيرهم
وذكر الشيخ أبو إسحاق أنه درس على ابن سريج
قال ابن الصلاح والأظهر عندنا أنه لم يدركه
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر بلغنى أنه كان مائلا عن الاعتدال قائلا بالاعتزال فى أول مرة ثم رجع إلى مذهب الأشعرى
قلت وهذه فائدة جليلة انفرجت بها كربة عظيمة وحسيكة فى الصدر جسيمة وذلك أن مذاهب تحكى عن هذا الإمام فى الأصول لا تصح إلا على قواعد المعتزلة وطالما وقع البحث فى ذلك حتى توهم أنه معتزلى واستند المتوهم إلى ما نقل أن أبا الحسن الصفار قال سمعت أبا سهل الصعلوكى وسئل عن تفسير الإمام أبى بكر القفال فقال قدسه من وجه ودنسه من وجه أى دنسه من جهة نصرة مذهب الاعتزال


"""
صفحة رقم 202 """
قلت وقد انكشفت الكربة بما حكاه ابن عساكر وتبين لنا بها أن ما كان من هذا القبيل كقوله يجب العمل بالقياس عقلا وبخبر الواحد عقلا وأنحاء ذلك فالذى نراه أنه لما ذهب إليه كان على ذلك المذهب فلما رجع لابد أن يكون قد رجع عنه فاضبط هذا
وقد كنت أغتبط بكلام رأيته للقاضى أبى بكر فى التقريب والإرشاد وللأستاذ أبى إسحاق الإسفراينى فى تعليقه فى أصول الفقه فى مسألة شكر المنعم وهو أنهما لما حكيا القول بالوجوب عقلا عن بعض فقهاء الشافعية من الأشعرية قالا اعلم أن هذه الطائفة من أصحابنا ابن سريج وغيره كانوا قد برعوا فى الفقه ولم يكن لهم قدم راسخ فى الكلام وطالعوا على الكبر كتب المعتزلة فاستحسنوا عباراتهم وقولهم يجب شكر المنعم عقلا فذهبوا إلى ذلك غير عالمين بما تؤدى إليه هذه المقالة من قبيح المذهب
وكنت أسمع الشيخ الإمام رحمه الله يحكى ما أقوله عن الأستاذ أبى إسحاق مغتبطا به فأقول له يا سيدى قد قاله أيضا القاضى أبو بكر ولكن ذلك إنما يقال فى حق ابن سريج وأبى على بن خيران والإصطخرى وغيرهم من الفقهاء الذاهبين إلى ذلك الذين ليس لهم فى الكلام قدم راسخ أما مثل القفال الكبير الذى كان أستاذا فى علم الكلام وقال فيه الحاكم إنه أعلم الشافعيين بما وراء النهر بالأصول فكيف يحسن الاعتذار عنه بهذا
فلما وقفت على ما حكاه ابن عساكر انشرحت نفسى له وأوقع الله فيها أن هذه الأمور أشياء كان يذهب إليها عند ذهابه إلى مذهب القوم ولا لوم عليه فى ذلك بعد الرجوع
وفى شرح الرسالة للشيخ أبى محمد الجوينى أن أصحابنا اعتذروا عن القفال نفسه حيث أوجب شكر المنعم بأنه لم يكن مندوبا فى الكلام وأصوله
قلت وهذا عندى غير مقبول لما ذكرت
وقد ذكر الشيخ أبو محمد بعد ذلك فى هذا الكتاب أن القفال أخذ علم الكلام عن الأشعرى وأن الأشعرى كان يقرأ عليه الفقه كما كان هو يقرأ عليه الكلام وهذه


"""
صفحة رقم 203 """
الحكاية كما تدل على معرفته بعلم الكلام وذلك لا شك فيه كذلك تدل على أنه أشعرى وكأنه لما رجع عن الاعتزال وأخذ فى تلقى علم الكلام عن الأشعري فقرأ عليه على كبر السن لعلى رتبة الأشعرى ورسوخ قدمه فى الكلام وقراءة الأشعرى الفقه عليه تدل على علو مرتبته أعنى مرتبة القفال وقت قراءته على الأشعرى وأنه كان بحيث يحمل عنه العلم
قال الشيخ أبو إسحاق مات القفال سنة ست وثلاثين وثلاثمائة
قال ابن الصلاح وهو وهم قطعا
قلت أرخ الحاكم أبو عبد الله وفاته فى آخر سنة خمس وستين وثلاثمائة بالشاش وهو الصواب
ومولده فيما ذكره ابن السمعانى سنة إحدى وتسعين ومائتين فيكون عمره حين توفى ابن سريج سبع سنين ويكون قد جاوز العشرين يوم موت الأشعرى بسنوات على الخلاف فى وفاة الأشعرى
ومن الرواية عنه
حدثنى الحافظ أبو سعيد خليل بن كيكلدى العلائى من لفظه بالقدس الشريف أخبرنا القاسم بن المظفر عن محمود بن إبراهيم أخبرنا محمد بن أحمد المقدر أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب أخبرنا أبى الحافظ محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن على الشاشى حدثنا ابن أبى داود حدثنا إسحاق عن شاذان حدثنا سعيد عن الحسن بن عمارة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال سمعت النبى ( صلى الله عليه وسلم ) يقول وأنا رديف أبى طلحة ( لبيك بحجة وعمرة معا )


"""
صفحة رقم 204 """
ومن نظم القفال وقد اختصر شيخنا الذهبى وأكثر من ترجمة على قوله فيما رواه البيهقى عن عمر بن قتادة أنه قال أنشدنا أبو بكر القفال لنفسه
أوسع رحلى على من نزل
وزادى مباح على من أكل
نقدم حاضر ما عندنا
وإن لم يكن غير بقل وخل
فأما الكريم فيرضى به
وأما البخيل فمن لم أبل
ووقفت له أنا على قصيدة طنانة وكلمة بديعة شأنها عجيب وأنا موردها إن شاء الله
أخبرنا يونس بن إبراهيم بن عبد القوى الدبابيسى إجازة قال أخبرنا أبو الحسن على بن أبى عبد الله بن المقير كتابة عن الحافظ أبى الفضل ابن ناصر قال كتب إلى أبو عبد الله محمد بن أبى نصر بن عبد الله الحميدى أخبرنا الشيخ أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم بن منصور الشاشى قدم علينا بغداد ونحن بها قراءة عليه أخبرنا الحافظ أبو طاهر محمد بن على بن محمد بن بويه الزراد قراءة عليه وأنا حاضر أسمع ببنج ده مروالروذ فى مدرسة مرست قال سمعت الشيخ الإمام أبا عبد الله الحسين بن الحسن الحليمى يقول أخبرنى عبد الملك بن محمد الشاعر أنه كان فيمن غزا الروم من أهل خراسان وما وراء النهر عام النفير وفيهم يومئذ أبو بكر محمد بن على ابن إسماعيل القفال إمام المسلمين فوردت من نقفور عظيم الروم على المسلمين قصيدة ساءتهم وشقت عليهم لما كان اللعين أجرى إليهم فيها من التثريب والتعيير


"""
صفحة رقم 205 """
وضروب الوعيد والتهديد وكان فى ذلك الجمع غير واحد من الأدباء والفصحاء والشعراء من كور خراسان وبلاد الشام ومدائن العراق فلم يكمل لجوابها من بينهم إلا الشيخ أبو بكر القفال وأخبر عبد الملك هذا أنه أسر بعد وصول جواب الشيخ إليهم فلما بلغ قسطنطينية اجتمع أحبارهم عليه يسألونه عن الشيخ من هو ومن أى بلد هو ويتعجبون من قصيدته ويقولون ما علمنا أن فى الإسلام رجلا مثله وأن الواردة من نقفور عليه لعائن الله تعالى كانت باسم الفضل الإمام المطيع الله أمير المؤمنين رحمه الله وهى
من الملك الطهر المسيحى رسالة
إلى قائم بالملك من آل هاشم
أما سمعت أذناك ما أنا صانع
بلى فعداك العجز عن فعل حازم
فإن تك عما قد تقلدت نائما
فإنى عما همنى غير نائم
ثغوركم لم يبق فيها لوهنكم
وضعفكم إلا رسوم المعالم
فتحنا ثغور الأرمنية كلها
بفتيان صدق كالليوث الضراغم
ونحن جلبنا الخيل تعلك لجمها
ويلعب منها بعضها بالشكائم
إلى كل ثغر بالجزيرة آهل
إلى جند قنسرينكم والعواصم
وملطى مع سميساط من بعد كركر
وفى البحر أصناف الفتوح القواصم


"""
صفحة رقم 206 """
وبالحدث البيضاء جالت عساكرى
وكيسوم بعد الجعفرى المعالم
ومرعش أذللنا أعزة أهلها
فصارت لنا من بين عبد وخادم
وسل بسروج إذ خرجنا بجمعه
تميد به تعلو على كل قائم
وأهل الرها لاذوا بنا وتحزموا
بمنديل مولى جل عن وصف آدم
وصبح رأس العين منا بطارق
ببيض عدوناها بضرب الجماجم
ودارا وميافارقين وأردنا
صبحناهم بالخيل مثل الضراغم
وملنا على طرسوس ميلة غابن
أذقناهم فيها بحز الحلاقم
وإأقريطش مالت إليها مراكبى
على ظهر بحر مزبد متلاطم
فحزناهم أسرا وسيقت نساؤهم
ذوات الشعور المسبلات الفواحم


"""
صفحة رقم 207 """
هناك فتحنا عين زربة عنوة
بهم فأبدنا كل طاغ وظالم
نعم وفتحنا كل حصن ممنع
فسكانه نهب النسور القشاعم
إلى حلب حتى استبحنا حريمها
وهدم منها سورها كل هادم
وكم ذات خدر حرة علوية
منعمة الأطراف غرثى المعاصم
سبينا وسقنا خاضعات حواسرا
بغير مهور لا ولا حكم حاكم
وكم من قتيل قد تركنا مجندلا
يصب دما بين اللها واللهازم
وكم وقعة فى الدرب ذاقت كماتكم
فسقناكم سوقا كسوق البهائم
وملنا إلى أرتاحكم وحريمها
بمعجزة تحت العجاج السوالم
فأهوت أعاليها وبدل رسمها
من الأنس وحشا بعد بيض نواعم
إذا صاح فيها البوم جاوبه الصدى
وأسعده فى النوح نوح الحمائم
وأنطاك لم تبعد على وإننى
سألحقها يوما بنزوة حازم
ومسكن آبائى دمشق وإنه
سيرجع فيها ملكها تحت خاتمى
أياقطنى الرملات ويحكم ارجعوا
إلى أرض صنعاكم وأرض التهائم


"""
صفحة رقم 208 """
ومصر سأفتحها بسيفى عنوة
وأحرز أموالا بها فى غنائمى
وكافور أغزوه بما يستحقه
بمشط ومقراض ومص المحاجم
ألا شمروا يا آل حران ويلكم
أتتكم جيوش الروم مثل الغمائم
فإن تهربوا تنجوا كراما أعفة
من الملك المغرى بترك المسالم
ألا شمروا يا آل بغداد ويلكم
فملككم مستضعف غير دائم
رضيتم بأن الديلمى خليفة
فصرتم عبيدا للعبيد الديالم
فعودوا إلى أرض الحجاز أذلة
وخلوا بلاد الروم أهل المكارم
سألقى بجيشى نحو بغداد سالما
إلى باب طاق ثم كرخ القماقم
فأحرق أعلاها وأهدم سورها
وأسبى ذراريها على رغم راغم
ومنها إلى شيراز والرى فاعلموا
خراسان قصدى بالجيوش الصوارم
فأسرع منها نحو مكة سائرا
أجر جيوشا كالليالي السواجم
فأملكها دهرا سليما مسلما
وأنصب كرسيا لأفضل عالم
وأغزو يمانا أو بلاد يمامة
وصنعاءها مع صعدة والتهائم
وأتركها قفرا يبابا بلاقعا
خلاء من الأهلين أرض المعالم
وأسرى إلى القدس التى شرفت لنا
عزيزا مكينا ثابتا للدعائم
ملكنا عليكم حين جار قويكم
وعاملتم بالمنكرات العظائم


"""
صفحة رقم 209 """
قضاتكم باعوا جهارا قضاءهم
كبيع ابن يعقوب ببخس دراهم
شيوخكم بالزور طرا تشاهدوا
وبالبز والبرطيل فى كل عالم
سأفتح أرض الشرق طرا ومغربا
وأنشر دين الصلب نشر العمائم
ثم ذكر ثلاثة أبيات لم أستجز حكايتها
فأجاب الشيخ الإمام القفال الشاشى رحمه الله قائلا
أتانى مقال لامرئ غير عالم
بطرق مجارى القول عند التخاصم
تخرص ألقابا له جد كاذب
وعدد أثارا له جد واهم
وأفرط إرعادا بما لا يطيقه
وأدلى ببرهان له غير لازم
تسمى بطهر وهو أنجس مشرك
مدنسة أثوابه بالمداسم
وقال مسيحى وليس كذاكم
أخو قسوة لا يحتذى فعل راحم
وليس مسيحيا جهولا مثلثا
يقول لعيسى جل عن وصف آدم
وما الملك الطهر المسيحى غادرا
ولا فاجرا ركانة للمظالم
تثبت هداك الله إن كنت طالبا
لحق فليس الخبط فعل المقاسم
ولا تتكبر بالذى أنت لم تنل
كلابس ثوب الزور وسط المقاوم


"""
صفحة رقم 210 """
تعدد أياما أتت لوقوعها
سنون مضت من دهرنا المتقادم
سبقت بها دهرا وأنت تعدها
لنفسك لا ترضى بشرك المساهم
وما قدر أرتاح ودارا فيذكرا
فخارا إذا عدت مساعى القماقم
وما الفخر فى ركض على أهل غرة
وهل ذاك إلا من مخافة هازم
وهل نلت إلا صقع طرسوس بعد أن
تسلمتها من أهلها كالمسالم
ومصيصة بالغدر قتلت أهلها
وذلك فى الأديان إحدى العظائم
ترى نحن لم نوقع بكم وبلادكم
وقائع يثنى ذكرها فى المواسم
مئين ثلاثا من سنين تتابعت
ندوس الذرى من هامكم بالمناسم
ولم تفتح الأقطار شرقا ومغربا
فتوحا تناهت فى جميع الأقالم
أتذكر هذا أم فؤادك هائم
فليس بناس كل ذا غير هائم
ومن شر يوم للفتى هيمانه
فيا هائما بل نائما شر نائم
ولو كان حقا كل ما قلت لم يكن
علينا لكم فضل وفخر مكارم
فمنكم أخذنا كل ما قد أخذتم
وأضعاف أضعاف له بالصماصم
طردناكم قهرا إلى أرض رومكم
فطرتم من السامات طرد النعائم
لجأتم إليها كالقنافذ جثما
أدلاهم عن حتفه كل حاطم
ولولا وصايا للنبى محمد
بكم لم تنالوا أمن تلك المجاثم
فأنتم على خسر وإن عاد برهة
إليكم حواشيها لغفلة قائم
ونحن على فضل بما فى أكفنا
وفخر عليكم بالأصول الجسائم
ونرجو وشيكا أن يسهل ربنا
لرد خوافى الريش تحت القوادم


"""
صفحة رقم 211 """
وعظمت من أمر النساء وعندنا
لكم ألف ألف من إماء وخادم
ولكن كرمنا إذ ظفرنا وأنتم
ظفرتم فكنتم قدوة للألائم
وقلت ملكناكم بجور قضاتكم
وبيعهم أحكامهم بالدراهم
وفى ذاك إقرارا بصحة ديننا
وأنا ظلمنا فابتلينا بظالم
وعددت بلدانا تريد افتتاحها
وتلك أمان ساقها حلم حالم
ومن رام فتح الشرق والغرب ناشرا
لدين صليب فهو أخبث رائم
ومن دان للصلبان يبغى به الهدى
فذاك حمار وسمه فى الخراطم
وليس وليا للمسيح مثلث
فيرجوه نقفور لمحو المآثم
وعيسى رسول الله مولود مريم
غذته كما قد غذيت بالمطاعم
وأما الذى فوق السموات عرشه
فخالق عيسى وهو محيى الرمائم
وما يوسف النجار بعلا لمريم
كما زعموا أكذب به قول زاعم
وإنجيلهم فيه بيان لقولنا
وبشرى بآت بعد للرسل خاتم
وسماه بارقليط يأتى بكشف ما
أتاهم به من حمله غير كاتم
وكان يسمى بابن داود فيهم
بحيث إذا يدعى به فى التكالم
وهل أمسك المنديل إلا لحاجة
وهل حاجة إلا لعبد وخادم
وإن كان قد مات النبى محمد
فأسوة كل الأنبياء الأعاظم
وعيسى له فى الموت وقت مؤجل
يموت له كالرسل من آل آدم
فإن دفعوا هذا فقد عجلوا له
وفاة بصلب وارتكاب صيالم
صيالم من إكليل شوك وأحبل
يجر بها نحو الصليب ولاطم
وإن يك أولاد لأحمد جرعوا
شدائد من أسر وجز جماجم


"""
صفحة رقم 212 """
فعيسى على ما تزعمون مجرع
من القتل طعما مثل طعم العلاقم
ويحيى وزكريا وخلق سواهما
أكارم عند الله نجل أكارم
تولتهم أيدى الطغاة فلم تنل
قضاياهم من ذاك وصمة واصم
فمن مبلغ نقفور عنى مقالتى
جوابا لما أبداه من نظم ناظم
لئن كان بعض العرب طارت قلوبهم
أو ارتد منهم حشوة كالبهائم
لقد أسلمت بالشرق هند وسندها
وصين وأتراك الرجال الأعاجم
بتدبير منصور بن نوح وجنده
وأشياخه أهل النهى والعزائم
وإن تك بغداد أصيبت بملكها
وصارت عبيدا للعبيد الديالم
فللحق أنصار ولله صفوة
يذودون عنه بالسيوف الصوارم
فمن عرب غلب ملوك بغالب
ومن عجم صيد ملوك بهازم
فبالدين منهم قائم أى قائم
وللملك منهم هاشم أى هاشم
جزى الله سيف الدولة الخير باقيا
وأكرمه بالفاضلات الكرائم
وألبس منصور بن نوح سلامة
تدوم له ما عاش أدوم دائم
هما أمنا الإسلام من كل هاضم
وصانا بناء الدين عن كل هادم
ومن مبلغ نقفور عنى نصيحة
بتقدمة قدام عض الأباهم
أتتك خراسان تجر خيولها
مسومة مثل الجراد السوائم
كهول وشبان حماة أحامس
ميامن فى الهيجاء غير مشائم
غزاة شروا أرواحهم من إلاههم
بجناته والله أوفى مساوم
فإن تعرضوا فالحق أبلج واضح
معالمه مشهورة كالمعالم
تعالوا نحاكمكم ليحكم بيننا
إلى السيف أن السيف أعدل حاكم


"""
صفحة رقم 213 """
سيجرى بنا والله كاف وعاصم
لنا خير واف للعباد وعاصم
ونرجو بفضل الله فتحا معجلا
ننال بقسطنطين ذات المحارم
هناك ترى نقفور والله قادر
ينادى عليه قائما فى المقاسم
ويجرى لنا فى الروم طرا وأهلها
وأموالها جمعا سهام المغانم
فيضحك منا سن جذلان باسم
ويقرع منه سن خزيان نادم
وإن تسلموا فالسلم فيه سلامة
وأهنا عيش للفتى عيش سالم
وقول القفال فى جوابه إن نقفور تشبع بما لم يعط صحيح فإنه افتخر بأخذهم سروج والآخذ لها غيره من الروم وكذلك جزيرة إقريطش إنما أخذها ملك الروم أرمانوس بن قسطنطين وكل ذلك قبل سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وإنما تملك نقفور اللعين سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة
ونقفور هو الدمستق فتح المصيصة بالسيف ثم سار إلى طرسوس فطلب أهلها الأمان ودخلها وجعل الجامع اصطبلا لدوابه وصارت بأيديهم فيما أحسب إلى سنة إحدى وستين وسبعمائة فتحها الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمى حال نيابته بحلب أحسن الله جزاءه
وأما سيف الدولة بن حمدان فقد كانت له الآثار الجميلة إذ ذاك وغزا الروم فى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة فى ثلاثين ألفا وفتح حصونا عديدة وقتل وسبى وغنم ثم أخذ الروم عليه الدرب واستولوا على عسكره قتلا وأسرا وله معهم حروب يطول شرحها
والمنديل المشار إليه كان من آثار عيسى بن مريم عليه السلام عند أهل الرها يتبركون به فحاصرها إلى أن صالحوه وسلموه إليه


"""
صفحة رقم 214 """
وقد وقفت للفقيه أبى محمد ابن حزم الظاهرى على جواب عن هذه القصيدة الملعونة أجاد فيه وكأنه لم يبلغه جواب القفال
فمن جواب أبى محمد
من المحتمى بالله رب العوالم
ودين رسول الله من آل هاشم
محمد الهادى إلى الله بالتقى
وبالرشد والإسلام أفضل قائم
عليه من الله السلام مرددا
إلى أن يوافى البعث كل العوالم
إلى قائل بالإفك جهلا وضلة
على النقفور المنبرى فى الأعاجم
دعوت إماما ليس من أمر آله
بكفيه إلا كالرسوم الطواسم
دهته الدواهى فى خلافته كما
دهت قبله الأملاك دهم الدواهم
ولا عجب من نكبة أو ملمة
تصيب الكريم الحر وابن الأكارم
ولا عجب من نكبة أو ملمة
تصيب الكريم الحر وابن الأكارم
ولو أنه فى حال ماضى جدوده
لجرعتم منه سموم الأراقم
عسى عطفة لله فى أهل دينه
تجدد منهم دارسات المعالم
فخرتم بما لو كان فهم يريكم
حقائق دين الله أحكم حاكم
إذن لعرتكم خجلة عند ذكره
وأخرس منكم كل قيل مخاصم
سلبناكم دهرا ففزتم بكرة
من الدهر أفعال الضعاف العزائم
فطرتم سرورا عند ذاك ونخوة
كفعل المهين الناقص المتعاظم
وما ذاك إلا فى تضاعيف غفلة
عرتنا وصرف الدهر جم الملاحم
ولما تنازعنا الأمور تخاذلا
ودالت لأهل الجهل دولة ظالم


"""
صفحة رقم 215 """
وقد شغلت فينا الخلائف فتنة
لعبدانهم من تركهم والديالم
بكفر أياديهم وجحد حقوقهم
لمن رفعوه من حضيض البهائم
وثبتم على أطرافنا عند ذلكم
وثوب لصوص عند غفلة نائم
ألم ننتزع منكم بأيد وقوة
جميع بلاد الشام ضربة لازم
ومصر وأرض القيروان بأسرها
وأندلسا قسرا بضرب الجماجم
ألم تنتصف منكم على ضعف حالها
صقلية فى بحرها المتلاطم
أحلت بقسطنطينة كل نكبة
وسامتكم سوء العذاب الملازم
مشاهد تقديساتكم وبيوتها
لنا وبأيدينا على رغم راغم
أما بيت لحم والقمامة بعدها
بأيدى رجال المسلمين الأعاظم
وكرسيكم فى أرض إسكندرية
وكرسيكم فى القدس فى أورشالم
ضممناهم قسرا برغم أنوفكم
كما ضمت الساقين سود الأداهم
وكرسى أنطاكية كان برهة
ودهرا بأيدينا وبذل الملاغم
فليس سوى كرسى رومة فيكم
وكرسى قسطنطينة فى المقادم
ولابد من عود الجميع بأسره
إلينا بعزم قاهر متعاظم
أليس يزيد حل وسط دياركم
على باب قسطنطينة بالصوارم
ومسلمة قد داسها بعد ذاكم
بجيش لهام كالليوث الضراغم
وأخدمكم بالذل مسجدنا الذى
بنى فيكم فى عصرنا المتقادم


"""
صفحة رقم 216 """
إلى جنب قصر الملك فى أرض ملككم
ألا هذه حقا صريمة صارم
وأدى لهارون الرشيد مليككم
إتاوة مغلوب وجزية غارم
سلبناكم مسرى شهورا بقوة
حبانا بها الرحمن أرحم راحم
إلى أرض يعقوب وأرياف دومة
إلى لجة البحر البعيد المحارم
فهل سرتم فى أرضنا قط جمعة
أبى الله ذاكم يا بقاة الهزائم
فما لكم إلا الأمانى وحدها
بضائع نوكى تلك أضغاث حالم
رويدا يعد نحو الخلافة نورها
ويكشف مغبر الوجوه السواهم
وحينئذ تدرون كيف فراركم
إذا صدمتكم خيل جيش مصادم
على سلف العادات منا ومنكم
ليالى أنتم فى عداد الغنائم
سبيتم سبايا ليس يكثر عدها
وسبيكم فينا كقطر الغمائم
فلو رام خلق عدها رام معجزا
وأنى بتعداد لريش الحمائم
بأبناء حمدان وكافور صلتم
أراذل أنجاس قصار المعاصم
دعى وحجام أتوكم فتهتم
وما قدر مصاص دماء المحاجم
ليالى قدناكم كما اقتاد جازر
جماعة أتياس لحز الحلاقم
وسقنا على رسل بنات ملوككم
سبايا كما سيقت ظباء الصرائم
ولكن سلوا عنا هرقلا ومن خلا
لكم من ملوك مكرمين قماقم
يخبركم عنا المتوج منكم
وقيصركم عن سبينا كل آيم
وعما فتحنا من منيع بلادكم
وعما أقمنا فيكم من مسالم
ودع كل نذل منتم لا تعده
إماما ولا من محكمات الدعائم


"""
صفحة رقم 217 """
فهيهات سامرا وتكريت منكم
إلى جبل تلكم أمانى هائم
متى يتمناها الضعيف ودونها
تطاير هامات وحز الغلاصم
ومن دون بغداد سيوف حديدة
ميسرة للحرب من آل هاشم
محلة أهل الزهد والخير والتقى
ومنزلة محتلها كل عالم
دعوا الرملة الغراء عنكم ودونها
من المسلمين الصيد كل ملازم
ودون دمشق كل جيش كأنه
سحائب طير تنتحى بالقوادم
وضرب يلقى الروم كل مذلة
كما ضرب الضراب بيض الدراهم
ومن دون أكناف الحجاز جحافل
كقطر الغيوث الهاملات السواجم
بها من بنى عدنان كل سميذع
ومن حى قحطان كرام العمائم
ولو قد لقيتم من قضاعة عصبة
لقيتم ضراما فى يبيس الهشائم
إذا صبحوكم ذكروكم بما خلا
لهم معكم من مأزق متلاحم
زمان يقودون الصوافن نحوكم
ليبغوا يسارا منكم فى المغانم
سيأتيكم منهم قريبا عصائب
تنسيكم تذكار أخذ العواصم
وأموالكم فئ لهم ودماؤكم
بها يشتفى حر النفوس الحوائم
وأرضكم حقا سيقتسمونها
كما فعلوا دهرا بعدل المقاسم
ولو طرقتكم من خراسان عصبة
وشيراز والرى القلاع القوائم


"""
صفحة رقم 218 """
لما كان منكم عند ذلك غير ما
عهدنا لكم ذل وعض الأباهم
فقد طال ما زاروكم فى بلادكم
مسيرة عام بالخيول الصلادم
وأما سجستان وكرمان والألى
بكابل حلوا فى ديار البراهم
فمغزاهم فى الهند لا يعرفونكم
بغير أحاديث لذكر التهازم
وفي فارس والسوس جمع عرموم
وفي أصبهان كل أروع عازم
فلو قد أتاكم جمعهم لغدوتم
فرائس للآساد مثل البهائم
وبالبصرة الزهراء والكوفة التى
سمت وبأدنى واسط كالكظائم
جموع تسامى الرمل جم عديدهم
فما أحد ينوى لقاهم بسالم
ومن دون بيت الله مكة والتى
حباها بمجد للثريا ملازم
محل جميع الأرض منها تيقنا
محلة سفل الخف من فص خاتم
دفاع من الرحمن عنها بحقها
فما هو عما كر طرف برائم
بها دفع الأحبوش عنها وقبلهم
بحصباء طير من ذرا الجو حائم
وجمع كموج البحر ماض عرمرم
حمى سرة البطحاء ذات المحارم
ومن دون قبر المصطفى وسط طيبة
جموع كمسود من الليل فاحم
يقودهم جيش الملائكة العلا
كفاحا ودفعا عن مصل وصائم
فلو قد لقيناكم لعدتم رمائما
بمن فى أعالى نجدنا والحضارم
وباليمن الممنوع فتيان غارة
إذا ما لقوكم كنتم كالمطاعم


"""
صفحة رقم 219 """
وفى حلتى أرض اليمامة عصبة
مغاور أنجاد طوال البراجم
سنفنيكم والقرمطيين دولم
يعود لميمون النقيبة حازم
خليفة حق ينصر الدين حكمة
ولا يتقى فى الله لومة لائم
إلى ولد العباس تنمى جدوده
بفخر عميم أو لزهر العباشم
ملوك جرى بالنصر طائر سعدهم
فأهلا بماض منهم وبقادم
محلتهم فى مجلس القدس أو لدى
منازل بغداد محل الأكارم
وإن كان من عليا عدى وتيمها
ومن أسد أهل الصلاح الحضارم
فأهلا وسهلا ثم نعمى ومرحبا
بهم من خيار سالفين أقادم
هم نصروا الإسلام نصرا مؤزرا
وهم فتحوا البلدان فتح المراغم
رويدا فوعد الله بالصدق وارد
بتجريع أهل الكفر طعم العلاقم
سنفتح قسطنطينة وذواتها
ونجعلكم قوت النسور القشاعم
ونملك أقصى أرضكم وبلادكم
ونلزمكم ذلك الجزى والمغارم
ونفتح أرض الصين والهند عنوة
بجيش بأرض الترك والخزر حاطم
مواعيد للرحمن فينا صحيحة
وليست كأمثال العقول السقائم
إلى أن يرى الإسلام قد عم حكمه
جميع البلاد بالجيوش الصوارم
أتقرن يا مخذول دين مثلث
بعيد عن المعقول بادى المآثم


"""
صفحة رقم 220 """
تدين لمخلوق يدين عبادة
فيا لك سحقا ليس يخفى لكاتم
أنا جيلكم مصنوعة بتكاذب
كلام الألى فيما أتوا بالعظائم
وعود صليب لا تزالون سجدا
له يا عقول الهاملات السوائم
تدينون تضلالا بصلب إلهكم
بأيدى يهود أرذلين ألائم
إلى ملة الإسلام توحيد ربنا
فما دين ذى دين لنا بمقاوم
وصدق رسالات الذى جاء بالهدى
محمد الآتى برفع المظالم
وأذعنت الأملاك طوعا لدينه
ببرهان صدق ظاهر فى المواسم
كما دان فى صنعاء يا لك دولة
وأهل عمان حيث رهط الجهاضم
وسائر أملاك اليمانين أسلموا
ومن بلد البحرين قوم اللهازم
أجابوا لدين الله دون مخافة
ولا رغبة تحظى بها كف عادم
فحلوا عرى التيجان طوعا ورغبة
لحق يقين بالبراهين ناجم
وحاباه بالنصر المليك إلاهه
وصير من عاداه تحت المناسم
فقير وحيد لم تعنه عشيرة
ولا دفعوا عنه شتيمة شاتم
ولا عنده مال عتيد لناصر
ولا دفع مرهوب ولا لمسالم
ولا وعد الأنصار دنيا تخصهم
بلى كان معصوما لأعظم عاصم
فلم تمتهنه قط هوة آسر
ولا مكنت من جسمه يد لاطم


"""
صفحة رقم 221 """
كما يفترى زورا وإفكا وضلة
على وجه عيسى منكم كل آثم
على أنكم قد قلتم هو ربكم
فيالضلال فى الحماقة جاثم
أبى الله أن يدعى له ابن وصاحب
ستلقى دعاة الكفر حالة نادم
ولكنه عبد نبى مكرم
من الناس مخلوق ولا قول زاعم
أيلطم وجه الرب تبا لجهلكم
لقد فقتم فى جهلكم كل ظالم
وكم آية أبدى النبى محمد
وكم علم أبداه للشرك حاطم
تساوى جميع الناس فى نصر حقه
فللكل من إعظامه حال خادم
فعرب وأحبوش وترك وبربر
وفرس بهم قد فاز قدح المساهم
وقبط وأنباط وخزر وديلم
وروم رموكم دونه بالقواصم
أبوا كفر أسلاف لهم فتحنفوا
فآبوا بحظ فى السعادة جاثم
به دخلوا فى ملة الحق كلهم
ودانوا لأحكام الإله اللوازم
به صح تفسير المنام الذى أتى
به دانيال قبله ختم خاتم
وسند وهند أسلموا وتدينوا
بدين الهدى فى رفض دين الأعاجم
وشق لنا بدر السموات آية
وأشبع من صاع له كل طاعم
وسالت عيون الماء فى وسط كفه
فأروى به جيشا كثير القماقم
وجاء بما تقضى العقول بصدقه
ولا كدعاو غير ذات قوائم
عليه سلام الله ما ذر شارق
تعاقبه ظلماء أسحم عاتم
براهينه كالشمس لا مثل قولكم
وتخليطكم فى جوهر وأقانم
لنا كل علم من قديم ومحدث
وأنتم حمير ذاهبات المحازم


"""
صفحة رقم 222 """
أتيتم بشعر بارد متخاذل
ضعيف معانى النظم جم البلاغم
(
فدونكها كالعقد فيه زمرد ودر وياقوت بإحكام حاكم
ذكر نخب وفوائد ومسائل وغرائب عن القفال الكبير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
161
إسماعيل بن عبد الواحد أبو هاشم الربعى المقدسى
ولى قضاء مصر نحوا من شهرين فى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ثم أصابه فالج فتحول إلى الرملة ومات بها سنة خمس وعشرين وثلاثمائة
162
إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف بن خالد أبو عمرو بن نجيد السلمى النيسابورى
الزاهد العابد شيخ الصوفية
قال فيه الحاكم الشيخ العابد الزاهد شيخ عصره فى التصوف والعبادة والمعاملة وأسند من بقى بخراسان فى الرواية
ورث من آبائه أموالا جزيلة فأنفقها على العلماء ومشايخ الزهد
وصحب من أئمة الحقائق الشيخ الجنيد وأبا عثمان الحيرى وغيرهما
وسمع من إبراهيم بن أبى طالب ومحمد بن إبراهيم البوشنجى وأبى مسلم الكجي وعبد الله بن أحمد ابن حنبل ومحمد بن أيوب الرازى وعلى بن الحسين بن الجنيد وغيرهم


"""
صفحة رقم 223 """
روى عنه سبطة أبو عبد الرحمن السلمى وأبو عبد الله الحاكم وأبو نصر أحمد بن عبد الرحمن الصفار وعبد القاهر بن طاهر الفقيه وصاعد بن محمد القاضى وطائفة آخرهم أبو حفص عمر بن مسرور
وعن أبى عثمان الحيرى أنه قال وخرج من عنده ابن نجيد يلومنى الناس فى هذا الفتى وأنا لا أعرف على طريقته سواه
وعنه أنه قال أبو عمرو خلفى من بعدى
وكان يقال أبو عمرو من أوتاد الأرض
وذكر الحاكم أنه سمع أبا سعيد بن أبى بكر بن أبى عثمان يذكر أن جده أبا عثمان طلب شيئا لبعض الثغور فتأخر عنه فضاق صدره وبكى على رءوس الناس فأتاه أبو عمرو ابن نجيد بعد العتمة بكيس فيه ألفا درهم ففرح به أبو عثمان ودعا له ولما جلس فى مجلسه قال يا أيها الناس لقد رجوت لأبى عمرو فإنه ناب عن الجماعة فى ذلك الأمر وحمل كذا وكذا فجزاه الله عنى خيرا فقام أبو عمرو على رءوس الأشهاد وقال إنما حملت ذلك من مال أمى وهى غير راضية فينبغى أن ترده على لأرده عليها فأمر أبو عثمان بذلك الكيس فأخرج إليه وتفرق الناس فلما جن الليل جاء إلى أبى عثمان فى مثل ذلك الوقت وقال يمكن أن تجعل هذا فى مثل ذلك الوجه من حيث لا يعلم به غيرنا فبكى أبو عثمان وكان بعد ذلك يقول أنا أخشى من همة أبى عمرو
توفى ابن نجيد فى شهر ربيع الأول سنة خمس وستين وثلاثمائة وهو ابن ثلاث وتسعين سنة بنيسابور
ومن الفوائد عنه
قال أبو عبد الرحمن السلمى لجدى طريقة ينفرد بها من صور الحال وتلبيسه
قلت كأن طريقة كان ينحو نحو طريقة الملامتية الذين يكتمون الأعمال ويظهرون


"""
صفحة رقم 224 """
خلافها ويدل على ذلك ما قدمناه من حكايته فى الألفى درهم مع أبى عثمان ولكنه لا يوافقهم من كل وجه بل هو أعلا قدما منها فإن تلك الطريقة عند الأقوياء ضعيفة يعتمدها من يخشى على نفسه
قال أبو عبد الرحمن سمعت جدى يقول لا يصفو لأحد قدم فى العبودية حتى تكون أفعاله عنده كلها رياء وأحواله كلها عنده دعاوى
قلت وهذا من الطراز الأول
قال وسمعته يقول من قدر على إسقاط جاهه عند الخلق سهل عليه الإعراض عن الدنيا وأهلها
163
بندار بن الحسين بن محمد بن المهلب الشيرازى أبو الحسين الصوفى
خادم الشيخ أبى الحسن الأشعرى
سكن أرجان
قال السلمى كان عالما بالأصول له اللسان المشهور فى علم الحقيقة
كان الشبلى يكرمه ويقدمه
وبينه وبين محمد بن خفيف مفاوضات فى مسائل رد على محمد بن خفيف فى مسألة الإغانة وغيرها حين رد ابن خفيف على أقاويل المشايخ فصوب بندار أقاويل المشايخ


"""
صفحة رقم 225 """
وقال الخطيب كان بندار من أهل الفضل المتميزين بالمعرفة والعلم ولم يكتب له مسندا غير حديث واحد
مات سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة
ومن كلامه
من مشى فى الظلمة إلى ذى النعم أجلسه على بساط الكرم ومن قطع لسانه بشفرة السكوت بنى له بيت فى الملكوت ومن واصل أهل الجهالة ألبس ثوب البطالة ومن أكثر ذكر الله شغله عن ذكر الناس ومن هرب الذنوب هرب به من النار ومن رجا شيئا طلبه
أخبرنا محمد بن إسماعيل إذنا خاصا أخبرنا المسلم بن محمد بن علان كتابة أخبرنا أبو اليمن أخبرنا أبو مسعود أخبرنا الخطيب أخبرنا أبو سعد المالينى أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عمر البكرى حدثنا بندار بن الحسين حدثنا إبراهيم بن عبد الصمد حدثنا الحسين بن الحسن عن عبد الرحمن بن مهدى حدثنا زهير بن محمد موسى بن وردان عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخال )
164
أبو بكر المحمودى
الإمام الجليل أحد الرفعاء من أصحاب الوجوه
ذكره العبادى فى طبقة أبى على الثقفى وأنا أحسبه تفقه على أبى إسحاق


"""
صفحة رقم 226 """
المروزى تفقه الكبير على الأكبر فمن تلامذة أبى إسحاق من كان يتلمذ بين يدى أبى بكر الا ترى قول الشيخ أبى زيد المروزى وقد قال فى مريض أعتق عبدا لا مال له سواه فمات قبل السيد إنه يموت رقيقا كله أجبت به فى مجلس الشيخ أبى بكر المحمودى فرضيه وحمدنى عليه ذكر الرافعى أن هذا يؤثر عن الشيخ أبى زيد المروزى
165
حسان بن محمد بن أحمد بن هارون بن حسان بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن عنبسة بن سعيد بن العاص القرشى الأموى الإمام الجليل أحد أئمة الدنيا أبو الوليد النيسابورى
تلميذ أبي العباس بن سريج
ولد بعد السبعين ومائتين
وسمع أحمد بن الحسن الصوفى وغيره ببغداد
ومحمد بن إبراهيم البوشنجى ومحمد بن نعيم بنيسابور
والحسن بن سفيان بنسا وغيرهم
حدث عنه القاضى أبو بكر الحيرى والإمام أبو طاهر بن محمش الزيادى والحاكم أبو عبد الله وأبو الفضل أحمد بن محمد السلهى الصفار وغيرهم
قال الحاكم كان إمام أهل الحديث بخراسان وأزهد من رأيت من العلماء


"""
صفحة رقم 227 """
وأعبدهم وأكثرهم تقشفا ولزوما لمدرسته وبيته وله كتاب المستخرج على صحيح مسلم
قال الحاكم أرانا أبو الوليد نقش خاتمه الله ثقة حسان بن محمد وقال أرانا عبد الملك بن محمد بن عدى نقش خاتمه الله ثقة عبد الملك بن محمد وقال أرانا الربيع نقش خاتمه الله ثقة الربيع بن سليمان وقال كان نقش خاتم الشافعى رضى الله عنه الله ثقة محمد بن إدريس
قال الحاكم وسمعته فى مرضه الذى مات فيه يقول قالت لى والدتى كنت حاملا بك وكان للعباس بن حمزة مجلس فاستأذنت أباك أن أحضر مجلسه فى أيام العشر فأذن لى فلما كان آخر المجلس قال العباس بن حمزة قوموا فقاموا وقمت معهم فأخذ العباس يدعو فقلت اللهم هب لى ابنا عالما فرجعت إلى المنزل فبت تلك الليلة فرأيت فيما يرى النائم كأن رجلا أتانى فقال أبشرى فإن الله قد استجاب دعوتك ووهب ولدا ذكرا وجعله عالما ويعيش كما عاش أبوك
قلت وكان أبى عاش اثنتين وسبعين سنة
قال الأستاذ وهذه قد تمت لى اثنتان وسبعون سنة
قال الحاكم فعاش الأستاذ بعد الحكاية أربعة أيام


"""
صفحة رقم 228 """
قال الحاكم ودخلت عليه بعد صلاة العشاء من ليلة الجمعة وهو قاعد فأشار إلى بيده أن انصرف فقد أمسيت فلم أنصرف إلى أن صليت صلاة العتمة فى منزله فقال خرج على من يحمل جنازتى إلى الميقات فانصرفت فمات تلك الليلة وقت السحر
قال وسمعت أحمد بن عمر الزاهد يقول رأيت الأستاذ أبا الوليد فى المنام فسألته عن حاله فقال قابلت أو عارضت جميع ما قلت فكنت أخطأت فى عشرين أو أحد وعشرين الشك من الرائى
قال وسمعت أبا الحسن عبد الله بن محمد الفقيه يقول ما وقعت فى ورطة قط ولا وقع لى أمر مهم فقصدت قبر أبى الوليد وتوسلت به إلى الله تعالى إلا استجاب الله لى
قال وسمعت أبا سعيد الأديب يقول سألت أبا على الثقفى فى مرضه الذى مات فيه من نسأل بعدك فى الحلال والحرام فقال أبو الوليد
توفى الأستاذ أبو الوليد ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وثلاثمائة بنيسابور
ومن الفوائد والمسائل عن أبى الوليد رحمه الله
قال الحاكم سمعت أبا الوليد يقول وسألته أيها الأستاذ قد صح عندنا حديث الثورى عن أبى إسحاق عن الأسود عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء وكذا صح حديث نافع وعبد الله


"""
صفحة رقم 229 """
ابن عمر أن عمر رضى الله عنه قال يارسول الله أينام أحدنا وهو جنب قال نعم إذا توضأ فقال لى أبو الوليد سألت ابن سريج عن الحديثين فقال الحكم بهما جميعا أما حديث عائشة فإنما أرادت أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) كان لا يمس ماء للغسل وأما حديث عمر فمفسر فيه ذكر الوضوء وبه نأخذ
قال الحاكم وسمعت أبا الوليد يحتج فى رفع اليدين فقال إن للصلاة أفعالا كل فعل منها أوله منوط بذكر فينبغى أن يكون آخره كذلك فإذا كان القيام الذى هو للصلاة وابتداؤه بذكر منوط بهيئة وهى رفع اليدين فكذلك آخر قيامه والخروج منه لابد أن يأتى بذكر والهيئة مقرونة به ولئن جاز أن يسقط عن آخره جاز أن يسقط عن أوله فرفع بلا ذكر كما ركع بلا هيئة رفع


"""
صفحة رقم 230 """
166
الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى بن الفضل بن بشار بن عبد الحميد ابن عبد الله بن هانئ بن قبيصة بن عمرو بن عامر الإمام الجليل أبو سعيد الإصطخرى
قال قم أحد الرفعاء من أصحاب الوجوه
سمع سعدان بن نصر وأحمد بن منصور الرمادى وعباس بن محمد الدورى وحنبل ابن إسحاق وحفص بن عمرو الربالى ومحمد بن عبد الله بن نوفل وغيرهم
روى عنه ابن المظفر وابن شاهين وأبو الحسن بن نوفل الجندي والدارقطنى وغيرهم
مولده سنة أربع وأربعين ومائتين
قال الخطيب كان أحد الأئمة المذكورين ومن شيوخ الفقهاء الشافعيين وكان ورعا زاهدا متقللا
قال وحدثنى أبو الطيب قال حكى لى عن الداركى أنه قال سمعت أبا إسحاق المروزى يقول لما دخلت بغداد لم يكن بها من يستحق أن أدرس عليه إلا أبو سعيد الإصطخرى وأبو العباس ابن سريج
قال القاضى أبو الطيب وهذا يدل على أن أبا على بن خيران لم يكن يقاس بهما


"""
صفحة رقم 231 """
قال أبو إسحاق المروزى سئل يوما أبو سعيد عن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا هل تجب لها النفقة فقال نعم فقيل له ليس هذا من مذهب الشافعى
فلم يصدق فأروه كتابه فلم يرجع وقال إن لم يكن مذهبه فهو مذهب على وابن عباس
قال أبو إسحاق فحضر يوما مجلس النظر مع أبى العباس بن سريج وتناظرا وجرى بينهما كلام فقال له أبو العباس أنت سئلت عن مسألة فأخطأت فيها وأنت رجل كثرة أكل الباقلا قد ذهب بدماغك فقال أبو سعيد فى الحال وأنت كثرة أكل الخل والمرى قد ذهب بدينك
قال القاضى أبو الطيب وكان من الورع والدين بمكان ويقال كان قميصه وسراويله وطيلسانه من شقة واحدة وكانت فيه حدة وولى حسبة بغداد وكان القاهر الخليفة قد استفتاه فى الصابئين فأفتاه بقتلهم لأنه تبين له أنهم يخالفون اليهود والنصارى وأنهم يعبدون الكواكب فعزم الخليفة على ذلك حتى جمعوا من بينهم مالا كثيرا له قدر فكف عنهم
قال الطبرى وحكى عن الداركى أنه قال ما كان أبو إسحاق المروزى يفتى بحضرة الإصطخرى إلا بإذنه
وقال أبو حفص عمر بن على المطوعى من خبره يعنى الإصطخرى أن المقتدر استقضاه على سجستان فسار إليها ونظر فى مناكحاتهم فأصاب معظمها مبنيا على غير اعتبار الولى فأنكرها غاية الإنكار وأبطلها عن آخرها


"""
صفحة رقم 232 """
قلت ومن أخباره فى قضائه أيضا ما حكاه الرافعى فى العدد أنه أتى بسقط لم تظهر فيه الصورة والتخطيط لكل أحد ولكن قالت القوابل وأهل الخبرة من النساء إن فيه صورة خفية وهى بينة لنا وإن خفيت على غيرنا فلم يحكم بثبوت الاستيلاد وهذا خلاف مذهب الشافعى
قال الرافعى فجاءت القوابل فصببن عليه ماء حارا وغسلنه فظهرت الصورة
قال ابن الرفعة وحكى ابن داود فى شرحه أن أبا على بن خيران عرضت عليه مضغة ألقتها امرأة فدعا بماء حار وصبه عليها فتبينت منها الخطوط فحكم بأنه ولدها
قلت قد كان ابن خيران معاصرا لأبى سعيد وبلديه فلعل أبا سعيد لما لم يصغ إلى كلام القوابل رفعت المسألة إلى ابن خيران فلما تبين الحال رجع أبو سعيد هذا محتمل وتكون الواقعة واحدة
ومن أخباره فى حسبته أنه كان يأتى إلى باب القاضى فإذا لم يجده جالسا يفصل القضايا أمر من يستكشف عنه هل به عذر يمنعه من الجلوس من أكل أو شرب أو حاجة الإنسان ونحو ذلك فإن لم يجد به عذرا أمره بالجلوس للحكم
ومنها أنه أحرق مكان الملاهى من أجل ما يعمل فيه من الملاهى وهذا منه دليل أنه كان يرى جواز إفساد مكان الفساد إذا تعين طريقا
وقيل كانوا يعملون فيه من الملاهى اللعب
وفى الأحكام السلطانية للماوردى قال وذكر الإمام فى النهاية عند الكلام فى الأجير المشترك الإصطخرى وقال إنه كثير الهفوات فى القواعد


"""
صفحة رقم 233 """
وذكر صاحب الكافى فى تاريخ خوارزم فى ترجمة محمد بن أبى سعيد الفراتى أنه قال لما انصرفت من بغداد لقيت أبا سعيد الإصطخرى بهمذان منصرفا من مدينة قم وكان قد ولى قضاءها فحكى لنا أنه مات بها رجل وترك بنتا وعما فتحاكموا إلى فى الميراث فقضيت فيه بحكم الله للبنت النصف والباقى للعم فقال أهل قم لا نرضى بهذا القضاء أعط البنت المال كله فقلت لا يحل هذا فى الشريعة فقالوا لا نتركك هنا قاضيا
قال فكانوا يتسورون دارى بالليل ويحولون الأسرة عن أماكنها وأنا لا أشعر فإذا أصبحت عجبت من ذلك فقال أوليائى إنهم يرونك أنهم إذا قدروا على هذا قدروا على قتلك فخرجت منها هاربا
قال وكان مذهبهم مذهب الغرابية المال كله للبنت وهم قوم من شرار الروافض يذهبون إلى هذه المقالة لأجل فاطمة رضى الله عنها
مات ببغداد فى جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ودفن بباب حرب
ومن الرواية عن أبى سعيد
أخبرنا أبو سعيد خليل بن كيكلدى الحافظ سماعا فيما أحسب فإن لم يكن فهو إجازة قال أخبرنا القاسم بن المظفر بقراءتى عليه عن عبد اللطيف بن محمد وغيره أخبرنا عبد الحق بن يوسف أخبرنا عمى عبد الرحمن بن أحمد أخبرنا محمد ابن عبد الملك أخبرنا على بن عمر الحافظ حدثنا أبو سعيد الإصطخرى الحسن بن أحمد الفقيه حدثنا محمد بن عبد الله بن نوفل حدثنا أبى حدثنا يونس بن بكير حدثنا ابن إسحاق عن المنهال بن الجراح عن حبيب بن نجيح عن عبادة بن نسى عن معاذ رضى الله عنه أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمره حين وجهه إلى اليمن ألا يأخذ من الكسر شيئا ( إذا كانت الورق مائتى درهم فخذ منها خمسة دراهم ولا تأخذ مما زاد شيئا حتى تبلغ أربعين درهما فإذا بلغت أربعين درهما فخذ منها درهما )


"""
صفحة رقم 234 """
قال الدارقطنى هذا حديث ضعيف والمنهال بن الجراح هو الجراح بن المنهال كان ابن إسحاق يقلب اسمه إذا روى عنه وهو متروك الحديث وعبادة بن نسى لم يسمع من معاذ رضى الله عنه شيئا
ومن المسائل والفوائد والغرائب عنه
قال ينتقض الوضوء بمس الأمرد
وقال إذا ولى القضاء غير مجتهد ووافق حكمه الحق نفذت تلك الحكومة نقله ابن عبدان فى كتاب شرائط الأحكام
وقال إن للأم التصرف فى مال الصبى بعد الجد مقدمة على الوصى
وقيل إنما الثابت عنه أنها تتصرف بعد الوصى حكاه ابن يونس عن بعض المتأخرين
واشتهر قوله إن للحاضر الراكب ترك الاستقبال فى النافلة وأنه كان يفعله وهو على حسبة بغداد واحتج بأن المقيم يحتاج إلى التردد فى حال إقامته كالمسافر


"""
صفحة رقم 235 """
قال الرافعى وعلى هذا فالراكب والراجل سواء ولك الفرق بمشقة الاستقبال على الراكب ثم صورة الراجل منقولة حكى فيها القاضى الحسين وجهين تفريعا على الراكب
ونقل النووى فى شرح المهذب عن الإصطخرى التجويز للراكب والماشى
والمحفوظ عنه إنما هو فى الراكب فقط


"""
صفحة رقم 236 """
قال القاضى شريح فى أدب القضاء إذا شهدا عند القاضى بحق فكتب به القاضى إلى قاض آخر وأشهد الشاهدين اللذين شهدا على المحكوم عليه بالكتاب قال الإصطخرى لا يجوز وقال غيره يجوز وقطع به العبادى لأن القبول فعل القاضى فقبلت عليه شهادته كما تقبل شهادة المرضعة لأنها شهادة على وصول اللبن إلى جوف الصبى


"""
صفحة رقم 237 """
قال الزيادى وعلى هذا أدركت القضاة من غير نكير من العلماء وعليه تفقهت وفقهت الناس ولولاه ما جازت شهادة أب وابن لأجنبى
قلت وعليه العمل إلى اليوم يشهد الشاهدان عند حاكم فيحكم بشهادتهما ويشهدهما على حكمه فيؤديان شهادتهما على حكمه عند آخر فينفذ حكمه بشهادتهما
وقد اقتصر القاضى أبو سعد فى كتاب الإشراف على قول العبادى والشيخ أبى طاهر ومن كتابه أخذ شريح ما نقله عنهما وزاد شريح فقال ولأصحابنا وجه فى الحكم بشهادة أب وابن أنه لا يجوز
قال شريح وإذا وصل كتاب الحكم وشهد الشاهدان على الكتاب فقد قيل يلزم الحاكم المكتوب إليه أن ينفذ حكمه ويقول قبلت حكمه وكتابته وأوجبت على المحكوم ما أوجبه الحاكم فى الكتاب
وعلى هذا لو شهد شاهدان عدلان فهل يحتاج أولا أن يقول قبلت شهادة هؤلاء الشهود بما شهدوا به ثم يقول وحكمت بكذا على فلان بجميع ما أوجبته شهادة الشهود أم يكفيه إن ثبتت عنده عدالة الشهود ثم يقول حكمت بكذا ولا يذكر قبل الحكم أنه قبل شهادة الشهود وجهان


"""
صفحة رقم 238 """
وعلى هذا لو كتب الحاكم إلى حاكم بأنه شهد عندى عدلان لرجل سماه على فلان ولم يذكر فى الكتاب أنه ثبت عنده بشهادتهما ولم يقل قبلت شهادتهما وإنما نقل الشهادة فقط فهل يجوز للمكتوب إليه أن يحكم فيه وجهان
هذا كله كلام شريح فى كتابه فى أدب القضاء ولم أجده بجملته فى غيره وفيه غرائب وفوائد
وسيأتى إن شاء الله فى ترجمة شريح قول الإصطخرى فيمن استأجر رجلا أن يحمل له كتابا إلى آخر ويأتى بجوابه فأوصل الكتاب ولم يكتب المكتوب إليه الجواب أن للحامل الأجرة بكمالها لأنه لا يلزمه أكثر مما عمل والامتناع من غيره
قال وكذا لو مات الرجل فأوصل الكتاب إلى نائبه من وارث أو وصى أجابوه أم لم يجيبوه إلى آخر كلامه
قلت وهى مسألة مليحة غير أن عندنا وقفة فى كتاب مراسلة يحمله أمين متبرع مستأجر فلا يجد المكتوب إليه إما لموته أو لغير ذلك فهل له أن يوصله إلى وارثه أو وصيه أو الحاكم أو أهله ونحو ذلك لقيامهم مقامه أو ليس له ذلك لأن العادة قد تقضى بأن الكاتب لا يعجبه وقوف غير المكتوب عليه على ما كتب وكذلك المكتوب إليه
والذى يقع لى فى هذا أنه إن غلب على ظنه أن فى الكتاب ما يكره الكاتب أو المكتوب إليه وقوف غيرهما عليه لم يجز له أن يدفعه إلى من ذكرناه ودفعه حينئذ خيانة تسقط أجرته بكمالها لو كان مستأجرا
والبلوى تعم بمثل هذا الفرع فليتنبه له فلقد حضر شخص بكتاب إلى آخر وجده غائبا فأوصله إلى من ظنه يقوم مقامه لكونه صاحبا له فأورث ذلك الكتاب فتنة خربت بيت الكاتب والمكتوب إليه فلا ينبغى أن يوصل كتاب مراسلة إلى من يجوز العقل كراهية الكاتب أو المكتوب إليه وقوف غيرهما عليه بل ينبغى أن يكون تحريم ذلك مغلظا


"""
صفحة رقم 239 """
ولقد كتب عم والدى القاضى صدر الدين يحيى وهو على قضاء بلبيس كتابا إلى قاضى القضاة تقى الدين ابن بنت الأعز عندما عزل وولى قاضى القضاة بدر الدين ابن جماعة يسأل عن خاطره وفاء بحقه عليه فاشتبه الأمر على الرسول وأوصل الكتاب إلى ابن جماعة فكان ذلك سبب عزل عم الوالد فى فتنة طويلة لم يكن منشؤها غير اتصال الكتاب إلى من ظن أنه له
وكتب آخر كتابا إلى قاضى القضاة جلال الدين فجاء الرسول فصادفه عزل من مصر وسافر إلى الشام فأوصل الكتاب إلى قاضى القضاة إذ ذاك عز الدين بن جماعة رحمه الله فأوجب عزل الكاتب وسقوطه من عين قاضى القضاة عز الدين ونقصان حظه منه إلى أن ماتا جميعا رحمهما الله
فلا ينبغى أن يكون الرسول إلا حكيما ثم يوصى مع كونه حكيما والواو فى قولهم أرسل حكيما ولا توصه للحال فافهم ما نشير إليه
مسألة صفة توبة القاذف
حمل أبو سعيد الإصطخرى على ظاهر نص الشافعى رضى الله عنه حيث قال فى توبة القاذف والتوبة إكذابه نفسه ففعل فيه نظير ما فعله الظاهرية فى قوله تعالى فى المظاهر ) ثم يعودون لما قالوا ( فقالوا العود باللسان كذلك قال الإصطخرى إن كلام الشافعى على ظاهره وإنه لا تصح توبة القاذف حتى يقول وإنى كاذب فى قذفى له بالزنا
نقله الأصحاب على طبقاتهم منهم صاحب الحاوى فى كتاب الشهادات وذكر


"""
صفحة رقم 240 """
أن أبا إسحاق المروزى وابن أبى هريرة خالفاه وقالا إكذاب نفسه أن يقول قذفى له بالزنا كان باطلا ولا يقول كنت كاذبا فى قذفى لجواز أن يكون صادقا فيصير عاصيا بكذبه كما كان عاصيا بقذفه
وقد عبر الرافعى رحمه الله عن هذا فى كتاب الشهادات فى كلامه على التوبة بأن قال لابد من التوبة عن القذف بالقول قال الشافعى فى المختصر والتوبة إكذابه نفسه فأخذ الإصطخرى بظاهره وشرط أن يقول كذبت فيما قذفته ولا أعود إلى مثله وقال الجمهور لا يكلف أن يقول كذبت فربما كان صادقا فكيف نأمره بالكذب ولكن يقول القذف باطل وإنى نادم على ما فعلت ولا أعود إليه أو يقول ما كنت محقا فى قذفى وقد تبت منه وما أشبه ذلك
هذا كلام الرافعى وفيه كلامان
أحدهما أنه نقل عن الإصطخرى أن يشترط أن يقول ولا أعود إلى مثله وهذا لا يعرف عنه ولا هو بمتفق عليه إنما الذى قاله الإصطخرى اشتراط قوله كذبت وخالفه الجمهور ثم هل يحتاج أن يقول فى التوبة ولا أعود إلى مثله فيه وجهان أحدهما لا يحتاج لأن العزم على ترك مثله يغنى عنه والثانى لابد أن يقول لا أعود إلى مثله لأن القول فى هذه التوبة معتبر والعزم ليس بقول هكذا حكى أصحابنا منهم صاحب الحاوى وغيره ولعل الوجهين مفرعان على اشتراط ما يقوله الإصطخرى أو مطلقان فيشترط أن يقول ولا أعود إلى مثله وإن لم يشترط أن يقول كذبت كل هذا محتمل وبالجملة ليست مسألة الإصطخرى مسألة لا أعود إلى مثله بل تلك مسألة مستقلة إما من تفاريع قوله وإما مطلقة ولعله الأظهر
والثانى لولا شيء واحد لكان ما ذكره الإصطخرى عندي راجحا أما وجه رجحانه فلأنه ظاهر النص ورده بأنه قد يكون صادقا فكيف يأمره بالكذب


"""
صفحة رقم 241 """
جوابه أنه ولو كان الأمر كما قال إلا أن الشرع كذبه فهو كاذب عند الله سواء طابق ما فى نفس الأمر أم لا
سمعت الشيخ الإمام غير مرة يقول فى قوله تعالى ) فأولئك عند الله هم الكاذبون ( هذا كذب شرعى لا يطلق فيه عدم مطابقة ما فى نفس الأمر
لكن صدنى عن الأخذ بظاهر النص أن الشافعى رضى الله عنه ذكر فى أثنائه ما يعرف به أنه ليس مراده لفظ الكذب لأنه رضى الله عنه قال فى المختصر والتوبة إكذابه نفسه لأنه أذنب بأن نطق بالقذف والتوبة منه أن يقول القذف باطل انتهى قال الرويانى وفى نسخة أخرى والتوبة أكذابه نفسه بأنه بأن نطق بالقذف
قال وهما متقاربان فى المعنى
قلت المعنى على النسخة الأولى إكذابه نفسه فقط وعلى الثانية إكذابه نفسه بأن نطقت بالقذف ففيها تأييد لقول أبى إسحاق كما ستعرفه فإنه يقول الكذب فى أنه قذف لا فى أن المقذوف زنا وفى هذه النسخة دلالة على تأويل لإمام الحرمين سنحكيه عنه فلولا قوله التوبة منه أن يقول القذف باطل لرجحت رأى الإصطخرى لكن هذا اللفظ يقتضى الاكتفاء بهذه الصيغة ومن ثم أقول ما وقع فى الرافعى والمحرر والمنهاج من أنه يشترط أن يقول قذفى باطل وأنا نادم عليه ولا أعود إليه انتهى لست أقبل منه إلا قوله قذفى باطل أما ما زاد عليه فزيادات ليست فى النص ولا يدل لها دليل نعم لابد من الندم وعزم ألا يعود بكل توبة أما التلفظ بهما فمن أين لا دليل يدل عليه ولا نص يرشد إليه


"""
صفحة رقم 242 """
وقد يقع فى الذهن أنه لم يقصد بهما حقيقتهما بل المقصود لفظ يدل على إبطال القذف ويجبر ما كان من فحشه من غير اختصاص بهذه الصيغ ولذلك قال الرافعى وما أشبه ذلك فلا يكون ذكر هذه الألفاظ لتعينها فى نفسها ولا للتعبد بصيغها بل المقصود لفظ يقوم مقام لفظ حصل الأذى به فكما أذى وقذف بلسانه كذلك يجبر ما كان منه بلسانه لينوب قول عن قول ثم ضرب الشافعى لذلك مثلا قوله القذف باطل وهو صحيح أما إنى نادم فلفظ غير معين وقل من ذكره وأما لا أعود ففيه ما عرفت من الوجهين
وهذا ما حضرنى الآن من كلام الأصحاب قال الشيخ أبو حامد شيخ العراقيين فى تعليقه ما نصه وإن كان قذفا فإما أن يكون قاذفا من طريق السب والشتم أو كان قاذفا من طريق الشهادة فإن كان قاذفا من طريق السب والشتم فإن الشافعى قال توبته إكذابه نفسه واختلف أصحابنا فيه فقال أبو سعيد الإصطخرى يقول كذبت فيما قلت أو أبطلت فيما أخبرت قال لأنه إذا أكذب نفسه فيما قذفها به فقد تاب
وقال أبو إسحاق وعامة أصحابنا يقول فى توبته القذف باطل حرام ولا أعود إلى مثله أبدا لأنه قد استباح هذا القول لما قذفها وتوبته أن يأتى بضد الاستباحة وهو التحريم والإبطال بأن يقول كذبت فيما قلت لجواز أن يكون صادقا فى القذف باطنا فإذا قال كذبت وهو كان صادقا فيه فقد عصى فإن قيل ما الفرق بين القاذف والمرتد حتى قلتم القاذف يطالب بأن يقول القذف باطل حرام والمرتد لا يطالب بأن يقول الكفر باطل حرام


"""
صفحة رقم 243 """
فالجواب عنه أنه لا فرق بينهما فى المعنى وذلك أن القاذف مردود الشهادة لاستباحة القذف ولا يكون من أهل الشهادة إلا بإتيانه بضده وضده أن يحرم القذف والمرتد مردود الشهادة لكفره ولا يعود إلى حال الشهادة إلا أن يأتى بضد الكفر وضده أن يأتى بلفظة الإيمان انتهى
وفيه فوائد
منها أن أبا سعيد لا يعين لفظ الكذب بل يقول كذبت أو أبطلت فيما أخبرت وهى فائدة لم أجد التصريح بها فى كلام الشيخ أبى حامد
ومنها أن الكلام مخصوص بقذف السب والإيذاء وهو الصواب وسنتكلم عليه
وقال أبو الحسن الجورى فى كتاب المرشد واختلف أصحابنا فى توبة القاذف فقال بعضهم هى قوله القذف باطل ولا يقول إنى كاذب لأنه إذا قال هذا فهو فاسق به الساعة لكذبه
وقال بعضهم لا فصل بين قوله القذف باطل وبين قوله كذبت وقد قال الشافعى التوبة إكذابه نفسه انتهى
وفيه دلالة على أن أبا سعيد إن كان هو المشار إليه بقوله وقال بعضهم لا يعين لفظ الكذب بل يخير بينه وبين القذف باطل وغيره يعين لفظ القذف باطل ولا يخير لفظ الكذب
ويخرج من هذا إن خرج على ظاهره ثلاثة أوجه تعيين لفظ الكذب وتعيين عدمه وتفريع كل منهما
وقال القاضى أبو الطيب فى تعليقته فى كلامه على قول الشافعى والتوبة إكذابه نفسه ما نصه ثم ذكر بعد ذلك أن التوبة قوله القذف باطل واختلف


"""
صفحة رقم 244 """
أصحابنا فيها فقال أبو سعيد الإصطخرى توبته أن يكذب نفسه فيقول كذبت فى هذا القذف لأن الشافعى قال إكذابه نفسه
وقال أبو إسحاق التوبة أن يقول القذف باطل في جميع الأحوال كان صادقا فيه أو كاذبا لأنه لا يجوز لأحد أن يقذف أحدا وإن كان صادقا فى قذفه إياه لأن الله عز وجل نهى عن ذلك على الإطلاق وهو الصحيح
وأبى أصحابنا ما قاله أبو سعيد وقالوا هذا يؤدى إلى أن يكلفه الكذب لأنه ربما كان صادقا فى القذف فإذا كلفناه أن يقول كذبت فى القذف كان كاذبا لأنه ربما كان صادقا فى قذفه وإذا قال القذف باطل لم يكذب لأنه باطل سواء كان صادقا فيه أم كاذبا لأنه لا يجوز أن يقذف أحدا بحال انتهى
وقال القاضى الحسين توبة القاذف أن يقول القذف باطل أو ما كان ينبغى لى أن أقذف أو لم أكن محقا فيما قلت ولا يكلف أن يقول كذبت فيما قلت لاحتمال أن المقذوف قد زنا وأنه صدق فيما نسبه إليه غير أن المسلم مأمور بحفظ الستر على أخيه المسلم فلهذا صار مؤاخذا بالقذف ومعنى قول الشافعى التوبة إكذابه نفسه أى يكذب نفسه فيما أخبر ويقول ما كنت محقا فى ذلك الخبر لأنه يتخيل للسامع من قوله أنه صادق فيقطع ذلك التوهم بالتوبة فلهذا سماه إكذابا
وقال الإصطخرى توبته أن يقول كذبت فيما قلت لظاهر لفظ الشافعى إكذابه نفسه
وقال أبو إسحاق يقول قذفى حرام باطل
وقال القفال القذف باطل ما كان ينبغى لى أن أقذفه انتهى


"""
صفحة رقم 245 """
فانظر كيف ختم كلامه بقوله وقال أبو إسحاق وقال القفال وذكر صيغتين عنده أن فى كل منهما كفاية ولذلك خير فى أول كلامه بين كل منهما وزاد أو لم أكن محقا فدل أن المراد أحد هذه الألفاظ أو ما يشبهها وأنه ليس المقصود واحدا بعينه ولا أظن أصحابنا يختلفون فى ذلك ولا يعينون لفظ إنى نادم كما أوهته عبارة الرافعى ومن يتبعه وليس موضع اختلافهم إلا شيئان أحدهما لفظ الكذب قاله أبو سعيد ولا يصدنى عنه إلا قول الشافعى والتوبة قوله القذف باطل
والثانى لفظ لا أعود لتصريح الماوردى فيه بحكاية الوجهين
أما لفظ إنى نادم فلا أعرفه ولا وجه له
وقال الماوردى رحمه الله أما القذف بالزنا فلا يكون بعد الندم والعزم إلا بالقول لأنه معصية بالقول كالردة فيعتبر فى صحة توبته ثلاثة شروط أحدها الندم على قذفه والثانى العزم على ترك مثله والثالث إكذاب نفسه على ما قاله الشافعى فاختلف أصحابنا فى تأويله على وجهين
أحدهما وهو قول أبى سعيد الإصطخرى أنه محمول على ظاهره وهو أن يقول وإنى كاذب فى قذفى له بالزنا وقد روى عمر أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( توبة القاذف إكذابه نفسه )
والوجه الثانى هو قول أبى إسحاق المروزى وأبى على بن أبى هريرة أن إكذاب نفسه أن يقول قذفى له بالزنا كان باطلا ولا يقول كنت كاذبا فى قذفى لجواز أن يكون صادقا فيصير عاصيا بكذبه كما كان عاصيا بقذفه


"""
صفحة رقم 246 """
وهل يحتاج أن يقول فى التوبة ولا أعود إلى مثله أولا فيه وجهان أحدهما لا يحتاج إليه لأن العزم على ترك مثله يغنى عنه
والوجه الثانى لابد أن يقول لا أعود إلى مثله لأن القول فى هذه التوبة معتبر والعزم ليس بقول انتهى
وهو كالنص على أن لفظ الندم لا يشترط إنما المشترط معناه
وقال الفورانى فى العمد اختلف أصحابنا فى التوبة منهم من قال هو أن يكذب نفسه فيقول كذبت فيما قلت ومنهم من قال وهو الأصح هذا لا يكون توبة لاحتما صدقه فى القذف لكن التوبة أن يقول القذف باطل أى قذف الناس باطل وما كان لى أن أقذف و وقد رجعت عما قلت وتبت عنه فلا أعود إليه
وقال الشيخ أبو إسحاق فى المهذب قبل باب عدد الشهود فى التوبة من المعصية ما نصه وإن كان قذفا فقد قال الشافعى رضى الله عنه التوبة منه إكذابه نفسه
واختلف أصحابنا فيه فقال أبو سعيد الإصطخرى هو أن يقول كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله ووجهه ما روى عن عمر رضى الله عنه أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( توبة القاذف إكذابه نفسه )
وقال أبو إسحاق أبو على ابن أبى هريرة هو أن يقول قذفى له كان باطلا ولا يقول إنى كنت كاذبا لجواز أن يكون صادقا فيصير بكذبه عاصيا كما كان بقذفه عاصيا انتهى
وفيه موافقة الرافعى على نقله عن أبى سعيد أنه يقول ولا أعود إلى مثله لكنه قصر هذه اللفظة على مقالة أبى سعيد ولم يذكرها على مقالة أبى إسحاق وأبى على


"""
صفحة رقم 247 """
وقال ابن الصباغ المذهب ما ذهب إليه أبو إسحاق وهو أن يقول القذف باطل حرام ولا أعود إلى ما قلت
وقال الإصطخرى يقول كذبت فيما قلت انتهى
وهو فى لفظه ولا أعود إلى ما قلت عكس المهذب فإنه جعلها على قول أبى إسحاق فإذا أجمع المهذب والشامل كان فيهما تأييد لنقل الرافعى فكأنه أخذ من مجموعها أنه لابد أن يقول ولا أعود لأن الشيخ أبا إسحاق نقلها على قول أبى سعيد وابن الصباغ نقلها على قول أبى إسحاق فكانت على القولين جميعا وعلى ذلك جرى صاحب التهذيب كما ستراه فاتبعه الرافعى
وقال الإمام رضى الله عنه فى النهاية قال الشافعى رضى الله عنه توبة القاذف بإكذابه نفسه وهذا لفظ فى ظاهره إشكال وفى بيان المذهب يحصل الغرض فالذى ذهب إليه جماهير الأصحاب أن القاذف لا يكلف أن يكذب نفسه إذ ربما يكون صادقا فى نسبته المقذوف إلى الزنا فلو كلفناه أن يكذب نفسه لكان ذلك تكليفا منا إياه أن يكذب وهذا محال فالوجه أن يقول أسأت فيما قلت وما كنت محقا وقد تبت عن الرجوع إلى مثله أبدا ولا يصرح بتكذيب نفسه إلا أن يعلم أنه كان كاذبا وهذا يبعد علمه وهؤلاء حملوا قول الشافعى على ما سنصفه فقالوا القاذف فى الغالب يصف ويرى من نفسه أنه قال حقا وأظهر ماله إظهاره فيرجع ما ذكره الشافعى من الإكذاب إلى هذا فيقول قد كنت قلت لى أن أقول ما قلته وقد كذبت وأبطلت فيما قدمت
وقال الإصطخرى لابد أن يكذب نفسه وإن كان صادقا فإنه عز من قائل قال ) فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ( فهذا لقب أثبته الشرع فيكذب القاذف على هذا التأويل نفسه فإن الشرع سماه كاذبا


"""
صفحة رقم 248 """
وهذا بعيد لا أصل له وهذه الآية مع آى أخر وردت فى قصة الإفك وتبرئة عائشة رضى الله عنها وكانت مبرأة عما قذفها به المنافقون انتهى
ولا مزيد على حسنه فلله دره من خطيب مصقع مناضل عن الشريعة بقلبه ولسانه
ومن هنا والله أعلم أخذ الشيخ الإمام رحمه الله ما كان يقوله لنا من أن القاذف كاذب عند الله لقد لقبه الشرع ووسمه بسيمة الكذب وإن كان الأمر على ما وصف من اقتراف المقذوف معصية الزنا وفى كلام الإمام ما يؤخذ منه تفصيل بين أن يعلم من نفسه الصدق أولا وسيكون لى عليه كلام يدل على ميل منى إليه
وقال الغزالى رحمه الله فى الوسيط أما القاذف فتوبته فى إكذابه نفسه كذلك قال الشافعى وهو مشكل لأنه ربما كان صادقا والمعنى به تكذيبه نفسه فى قوله أنا محق فى الإظهار والمجاهرة دون الحجة فيكفى أن يقول تبت ولا أعود انتهى وقد لخصه من كلام الإمام
ولقائل أن يقول إذا كان المعنى بإكذابه نفسه كذبه فى قوله أنا محق فى الإظهار والمجاهرة فلا مانع من أن يقول كذبت ولا عاب فيه أيضا ولم يكلفه يكذب فلم لا يقول ذلك ويجرى على ظاهر النص
وقال صاحب التهذيب قال الشافعى رضى الله عنه التوبة إكذابه نفسه فاختلف أصحابنا فيه فقال الإصطخرى يقول كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله
وقال أبو إسحاق لا يقول كذبت لأنه ربما يكون صادقا بل يقول القذف باطل ندمت على ما قلت رجعت عنه فلا أعود إليه انتهى
ومنه أخذ الرافعى لفظ الندم وأن لا أعود مقولة على الوجهين وجه أبى سعيد ووجه أبى إسحاق


"""
صفحة رقم 249 """
وقال صاحب البحر قال أبو إسحاق ليس معنى قول الشافعى أن يقول كذبت فيما قلت بل معناه أن يكذب نفسه فى استباحة القذف فيقول القذف باطل وإنى لا أعود إليه وأنا نادم عليه أو يقول قذفى له بالزنا كان كاذبا ولا يقول كنت كاذبا لجواز أن يكون صادقا وبه قال ابن أبى هريرة
فإن قيل فقد تقبل توبة المرتد وإن لم يقل الكفر باطل فلم شرطتم ها هنا أن يقول القذف باطل
قلنا لا يقبل واحد منهما حتى يأتى بما يضاد الأول والتوحيد يضاد الكفر فاكتفى به وليس ما يضاد القذف إلا أن يقول القذف باطل فافترقا
وقال الإصطخرى وبه قال أحمد رضى الله عنه توبة القاذف أن يقول كذبت فيما قلت وإننى كاذب فى قذفى له بالزنا وهذا ظاهر قول الشافعى رضى الله عنه والتوبة إكذابه نفسه وقد روى عن عمر رضى الله عنه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال توبة القاذف إكذابه نفسه
قال أصحابنا ما قاله أبو إسحاق أصح وهو المذهب انتهى
وقال القاضى مجلى فى الذخائر وإن كانت المعصية قذفا فقد قال الشافعى التوبة منها إكذابه نفسه واختلف أصحابنا فى ذلك فقال أبو إسحاق وأبو على ابن أبى هريرة وهو ظاهر المذهب هو أن يقول القذف باطل حرام ولا أعود إلى ما قلت
وقال أبو سعيد الإصطخرى هو أن يقول كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله وتعلق بظاهر كلام الشافعى رحمه الله وبه قال أحمد لما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال توبة القاذف إكذابه نفسه


"""
صفحة رقم 250 """
قال الأولون وهذا لا يصح لأنه يجوز أن يكون صادقا فى القذف فيصير بكذبه عاصيا كما كان بقذفه عاصيا
وقال بعضهم هو أن يقول ما كنت محقا فى القذف ولا أعود إليه وكلام الشافعى رحمه الله محمول على تكذيب نفسه فى قوله أنا محق فى إظهاره والمجاهرة بغير حجة انتهى
وقوله القذف باطل حرام ذكره لفظ حرام مع باطل تبع فيه من قدمنا ذكره إياها وهى لفظة محمولة على التوسع فى العبارة وإلا فكل قذف خرج مخرج الشتم فهو حرام وإن خرج مخرج الشهادة ولم يتم العدد وقد كان يحسبه تم فليس بحرام فما للفظة موقع
فإن قلت ما الذى استقر عليه رأيكم فى صيغة توبة القاذف أيترجح عندك قول أبى سعيد أم قول الجمهور
قلت إن كان القاذف يعلم أنه كاذب فالأرجح عندى قول أبى سعيد لأن مدار التوبة على نحو ما مضى ما أمكن وتدارك ما يمكن تداركه ولا يتدارك ثلبه عرض أخيه ونيله منه إلا بذلك فهو نظير وفاء الدين ورد الظلامة ولا يغنى عن لفظ الكذب لفظ ممجمج ليس بصريح فى معناه بل من نال من أخيه قذفا وهو يعلم أنه برئ فتوبته بأن يبين للناس أنه برئ ولا يبين ذلك إلا بتسجيله على نفسه بصريح الكذب والبهت وإن علم أنه صادق أو شك فالمسألة محتملة يحتمل أن يكفيه قذفى باطل كما قاله الجمهور ويدل له نص الشافعى دلالة واضحة على رواية من روى فى لفظ النص بأنه أذنب بأن نطق بالقذف إلى آخره فكأن الشافعى رحمه الله فسر إكذابه نفسه بهذا ويحتمل أن يشترط لفظ الكذب ليجبر ما كان منه وما ذكروه من أنه قد يكون صادقا قد قدمنا جوابه وهو أن الصدق هنا ليس مطابقة ما فى نفس الأمر بل كل قاذف


"""
صفحة رقم 251 """
إذا لم يتم العدد فهو كاذب لقب لقبه الرب عز من قائل به ووسمه سمة لا تزايله إلا بما ذكرناه وهذا فيمن أخرج قذفه مخرج الشتم والسب أما من أخرجه مخرج الشهادة ولم يتم العدد وقلنا بوجوب الحد عليه فلا يظهر لى أن يقول ذلك ولا أن الإصطخرى يوجب عليه هذا القول وإنما يوجب أبو سعيد لفظ التكذيب على من أخرجه مخرج السب والإيذاء هذا ما يدل عليه نقل الماوردى فى الحاوى صريحا وغيره تلويحا وإن كان كلام الرافعى ومن تبعه مطلقا فصارت الصور عندى ثلاثا
قاذف يعلم كذبه فالراجح قول أبى سعيد
وقاذف لا يعلم كذبه ولكنه أخرج قذفه مخرج الشتم والإيذاء ففيه تردد نظر
وقاذف يظن أو يعلم صدق نفسه وما أخرج قذفه إلا مخرج الشهادة غير أنه حد لنقصان العدد فالراجح فيه قول الجمهور بل لا أعتقد فيه خلافا ولا أحفظ عن الإصطخرى فيه مخالفة بل صريح كلام الماوردى يدل على أنه لا يخالف فيه بل لو قال هذا والحالة هذه كذبت لم تقبل شهادته فى الحال أما إذا قال القذف باطل فإن شهادته تقبل فى الحال إذا كان عدلا لقول عمر رضى الله عنه لأبى بكرة تب أقبل شهادتك فكيف نلجئه أن يقول كذبت وهى لفظة توجب الحكم برد شهادته فيما يستأنف فإن قلت من أين لك أنه إذا قال كذبت ترد شهادته فيما يستأنف وإن كان قذفه إنما كان على وجه الشهادة والذى قاله الرافعى ومن تبعه فى العدل يقذف على صورة الشهادة ثم يتوب أنه لا يشترط الاستبراء على المذهب وإن كان قذف سب إو إيذاء


"""
صفحة رقم 252 """
اشترط على المذهب ولم يفضلوا فى قذف الشهادة بين أن تكون التوبة منه بلفظ كذبت أو غيره قلت هو مطلق يقيد بما إذا لم يكن بلفظ كذبت إذ هو حين يقول كذبت معترف بفسقه وإقدامه على شهادة الزور فى هذا الأمر الخطير إلا أن يعنى ب كذبت أنى ملقب من الشارع بلقب الكذب كما قدمناه فإن هو عنى ذلك فلا كلام وإلا فقد اعترف بشهادة الزور فهذا هو الذى يظهر ثم هو المسطور بل لم يجعله الإمام محل خلاف إذ قال فى النهاية
والوجه عندنا أن يقول إذا صرح بتكذيب نفسه فهذا يخرج عن التفاصيل وترديد الأقوال ويقطع فيه بالاستبراء
وقال صاحب البحر فى القاذف إذا كان عدلا لكن لم يتم العدد إن أصحابنا قالوا إن هذا إذا قال القذف باطل وأنا لا أعود قبلت شهادته فى الحال إلى أن قال والذى قال لاستبراء حاله أراد إذا لم يطل الزمان أو أراد إن أكذب نفسه فى القذف إلى أن قال وإن لم يكذب نفسه وأظهر الندامة على قوله وكان عدلا من قبل لا يحتاج إلى زمن الاستبراء انتهى ملخصا
وإذا تأملت ما سطرته لك فى هذه الجملة حصلت منه على فوائد
إحداها أن لفظ كذبت لا يشترط عند أبى سعيد إلا فى قذف السب والإيذاء دون المخرج مخرج الشهادة على ما دل عليه كلام كثير من النقلة وكلام الماوردى كالصريح فيه فلينظر الحاوى وليس فى الرافعى شئ من ذلك بل قال بعد ما ذكر خلاف الإصطخرى والجمهور ولا فرق فى ذلك بين القذف على سبيل السب والإيذاء وبين القذف على صورة الشهادة إذا لم يتم عدد الشهود إن قلنا بوجوب الحد على من شهد فإن لم يوجب فلا حاجة بالشاهد إلى التوبة انتهى


"""
صفحة رقم 253 """
وهذا صريح فيما إذا لم يتم العدد بأنه على القول بوجوب الحد يطرقه خلاف أبى سعيد فيوجب عليه أن يقول كذبت وهذا بعيد بل لا أشك فى بطلانه فإن المصرح به عن أبى سعيد خلاف ذلك وقد قدمنا كلام صاحب البحر ثم صرح بعد ذلك فقال فيما إذا نقص العدد إن قلنا يحدون يحكم بفسقهم وتجب التوبة فيقول قذفى باطل ولا يحتاج إلى الندم وترك العزم في المستقبل لأنها شهادة فى حق الله ولا يعتبر أن يقول إنى كاذب ولا أن يقول ولا أعود إلى مثله لأنه لم تم عدد الشهود لزمه أن يشهد انتهى
وهو صحيح لا شك فيه
الثانى أن لفظ حرام فى قوله قذفى باطل لم يقع إلا فى عبارة الشيخ أبى حامد والقفال ومن تبعهما وما أظنها على سبيل التعيين فلا يغتر بها بل يكفى قذفى باطل
الثالثة أن لفظ إنى نادم وقع فى كلام من رأيته وما أراه على سبيل التعيين وإن كانت عبارة المحرر والمنهاج تغر وتوهم أن ذلك يتعين
والرابعة أن لفظ ولا أعود وقع مستطردا فى كلام الرافعى يكاد يكون غير مقصود وهى مسألة ذات وجهين صرح بحكايتهما الماوردى فى الحاوى والرويانى فى البحر
167
الحسن بن أحمد بن محمد الطبرى أبو الحسين الجلابى
قدم بغداد وكان يحضر مجلس الداركى ثم درس فى حياته وكانت له معرفة بالحديث


"""
صفحة رقم 254 """
حدث عن أبى على الحسن بن أحمد الفقيه وأبى الحسن بن أبى عمران الجرجانى
قال ابن النجار وروى عنه عامر بن محمد البسطامى فى معجم شيوخه فى الكنى ولم يسمه
قال ابن النجار وقد رأيت له كتابا سماه المدخل فى الجدل ورأيت عليه خطه وقد سمى نفسه الحسن بن أحمد بن محمد
وذكره الشيخ أبو إسحاق فى الطبقات بكنيته ولم يزد على أن قال تفقه فى بلده وحضر مجلس الداركى ثم درس فى حياته ومات قبل الداركى بسبعة عشر يوما وكان فقيها فاضلا عارفا بالحديث
وكانت وفاة الداركى فى الثالث عشر من شوال سنة خمس وسبعين وثلاثمائة فتكون وفاة الجلابى فى سادس عشرى رمضان
وقال أبو عاصم أبو الحسين بن أحمد الجلابى كان فقيها جدلا ورعا
ومن الرواية عنه ومن الغرائب عنه
حكى القاضى أبو الطيب فى التعليقة أن الشيخ أبا حامد كان يحكى أن الجلابى سئل عن البالغين من أهل الحرب إذا أسرهم الإمام فقال صاروا أرقاء بنفس الأسر كالنساء والصبيان قال وهذا غلط
قال القاضى أبو الطيب وأنا رأيت الجلابى وكنت صبيا
قال ابن الرفعة ولا شك أن هذا غلط إن لم يثبت للإمام تخيير فيهم نعم إن


"""
صفحة رقم 255 """
قال بثبوت الخيار فيهم بعد ذلك بين البقاء على الرق والمن والفداء والقتل فلا بعد فيه
168
الحسن بن أحمد المعروف بالحداد البصرى القاضى أبو محمد
وهو المذكور فى كتاب الأقضية من شرح الرافعى
قال فيه الشيخ أبو إسحاق أحد فقهاء أصحابنا لا أعلم على من درس ولا وقت وفاته
قال ورأيت له كتابا فى أدب القضاء دل على فضل كبير
قلت وقفت على الكتاب المذكور وقد حدث فيه عن من لحق أصحاب الإمام أحمد بن حنبل وعن من لحق ابن سريج ووقفت له أيضا على كتاب فى الشهادات وفيهما فوائد
169
الحسن بن حبيب بن عبد الله الملك الدمشقى الفقيه أبو على الحصائرى
إمام مسجد باب الجابية بدمشق
ولد سنة اثنتين وأربعين ومائتين


"""
صفحة رقم 256 """
وحدث بكتاب الإمام الشافعى عن أصحابه
سمع الربيع بن سليمان وبكار بن قتيبة القاضى والعباس بن الوليد البيروتى وصالح بن أحمد بن حنبل ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وأبا أمية الطرسوسى وخلقا
روى عنه عبد المنعم بن غلبون وابن جميع وابن المقرى وأبو حفص ابن شاهين وتمام الرازى وأبو بكر بن أبى الحديد وآخرون
قال عبد العزيز الكتانى هو ثقة نبيل حافظ لمذهب الشافعى
مات فى ذى القعدة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة
170
الحسن بن الحسين الإمام الجليل القاضى أبو على بن أبى هريرة
أحد عظماء الأصحاب ورفعائهم المشهور اسمه الطائر فى الآفاق ذكره
قال فيه الخطيب وقد ذكره فى تاريخ بغداد الفقيه القاضى كان أحد شيوخ الشافعيين وله مسائل فى الفروع محفوظة وأقواله فيها مسطورة
قلت شرح المختصر ووقفت على الشرح المذكور
وتفقه على ابن سريج وأبى إسحاق المروزى
قال أبو سعيد الكرابيسى الحافظ سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن أبى جعفر ناقله إلى القاضى الخوارزمى يقول تغيب أبو الحسن الأوزاعى عن القاضى أبى على


"""
صفحة رقم 257 """
ابن أبى هريرة فى بغداد أياما ثم حضره فقال يا أبا الحسن أين كنت عنا فقال كنت أيها القاضى شبه العليل فقال له أبو على وهبك الله شبة العافية
قال الرافعى إن ابن أبى هريرة زعيم عظيم للفقهاء وسنذكر فى أين قال هذا
ومات فى شهر رجب سنة خمس وأربعين وثلاثمائة
ومن الغرائب والفوائد عنه
قال فيمن طلق واحدة من نسائه لا بعينها أو بعينها ثم نسيها طلاقا رجعيا إن له وطء الجميع
واختلف النقل عنه فى أن الوطء تعيين أو ليس بتعيين فيخرج من كونه ليس تعيينا أنه يطأ كلا منهما ولا يكون وطء واحدة مانعا من وطء الأخرى ولا يمكنه أن يقول الطلاق واقع من حين اللفظ لأن من أوقعه من حين اللفظ جعل الوطء تعيينا كما أشار إليه الرافعى وحكى الخلاف فى ذلك بين أبى إسحاق وابن أبى هريرة فكأن هذا اللفظ عند ابن أبى هريرة لا يباشر به المحل
وهذا قد يتجه فى الطلاق المبهم أما فيمن طلق معينة ثم نسيها فلا اتجاه له وهو آيل إلى وطء المحرمة قطعا
ومنزلة هذا المذهب فى البعد منزلة مقابله الذى حكاه الحناطى فيمن علق الطلاق بالشهر وذلك أن الشاك فى الباقى من الشهر لا يقع عليه الطلاق لأنه لا يقع إلا باليقين
وحكى الحناطى وجهين فى حل الوطء فى حال الشك
وجه التحريم أنه شاك فى استباحتها فأشبه ما إذا اشتبهت زوجته بأجنبية
قال ابن الرفعة وهذا التعليل يقتضى تحريمها عليه على هذا الوجه فيما إذا شك هل طلق أو لا ولم نر من قال به


"""
صفحة رقم 258 """
إذا كان رأس الشاج أصغر استوعبناه وضممنا إليه أرش ما بقى
وقال ابن أبي هريرة تخريجا فيما حكاه عنه الماوردى بل نضم إليه أرش الموضحة كاملا
قال فى الحاوى فى النهى عن تلقى الركبان وكذلك المدلس قال الشافعى قد عصى الله تعالى والبيع لازم والثمن حلال يريد أن التدليس حرام والثمن حلال
وقد كان أبو على بن أبى هريرة يقول إن ثمن التدليس حرام لا ثمن المبيع ألا ترى أن المبيع إذا فات رجع على البائع بأرش عيب التدليس فدل على أنه أخذ منه بغير استحقاق انتهى
وما حكاه عن ابن أبى هريرة غريب ومعناه أن الزيادة بسبب التدليس محرمة لا جملة الثمن
واعلم أن صاحب البحر لم ينقل فيه هذا مع كثرة استقصائه لكلام الحاوى
رأيت فى تعليق ابن أبى هريرة على المختصر فى الحدود بعد ذكر الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ما نصه ألا ترى أن ابن مسعود قد أنكر المعوذتين وإنما أنكر رسمهما لأنه محال أن يظن بابن مسعود أن ينكر أصلهما انتهى
قلت وقد عقد القاضى أبو بكر فى كتابه الانتصار للقرآن وهو الكتاب العظيم الذى لا ينبغى لعالم أن يخلو عن تحصيله بابا كبيرا بين فيه خطأ الناقل لهذه المقالة عن عبد الله بن مسعود وأن الدليل القاطع قائم على كذبه على عبد الله وبراءة عبد الله منهما
قال ابن أبى هريرة البحث مع الفاسق لا يجوز وفرق الماوردى فجوزه فى المعقول دون المنقول
قلت وكلاهما مستدرك والصواب البحث معه وأما قبول نقله فأمر آخر
لابن أبى هريرة وجه أن بيع عقار اليتيم للغبطة لا يجوز وإنما يجوز للضرورة فقط رأيته فى تعليقه وحكيته عنه فى التوشيح بلفظ فلينظر


"""
صفحة رقم 259 """
فصل ابن أبى هريرة فى تقديم العشاء وتأخيرها فقال كما نقله صاحب الحاوى إن علم من نفسه أنه إذا آخرها لا يغلبه نوم ولا كسل فالأفضل التأخير وإلا فالتقديم
وقال الشاشى هذا التفصيل متجه للمنفرد دون الجماعة لاختلاف أحوالهم
قال الوالد رحمه الله وما ذكره ابن أبى هريرة فى الحقيقة اختيار للتأخير لأن من خشى أن النوم يغلبه لا يمكن أن يقال التأخير له أفضل
قال ابن أبى هريرة إذا أكره المصلى على الحدث بأن عصر بطنه حتى خرج بغير اختياره لم تبطل صلاته
كذا نقله عنه الوالد رحمه الله فى شرح المنهاج وهو غريب
قال الوالد كأنه تفريع على القول بأن سبق الحدث لا يبطل الصلاة
قلت أو أنه على الجديد وهو وجه صعب شبه الوجه الذاهب إلى أن من مس ذكره ناسيا لا ينتقض وضوؤه وقد حكاه الرافعى عن حكاية الحناطى
نقل الماوردى فى الحاوى أن ابن أبى هريرة قال إنه يباح ولا يكره عقد اليمين على مباح اعتبارا بالمحلوف عليه
وهذا مخالف لنص الشافعى حيث قال وأكره الأيمان على كل حال إلا فيما كان طاعة
ووجه ابن أبى هريرة غريب لم يحكه الرافعى إنما حكى الرافعى الأوجه فى الحالف على مباح هل يستحب له الحنث أو عدمه أو يتخير أما نفس عقد اليمين فظاهر كلامه الجزم بأنه مكروه كما هو ظاهر النص
حكى الدبيلى فى كتاب أدب القضاء أن ابن أبى هريرة قال فيما إذا أسلم فى دراهم أو دنانير ولم يصفها إنه يجوز ويحمل على نقد البلد وأن أبا إسحاق قال لا يجوز لأن السلم يحتاط فيه وأن ابن سريج قال إن كان حالا جاز وإلا فلا لأنه قد يتغير النقد


"""
صفحة رقم 260 """
قلت أما ما حكاه عن ابن سريج فغريب حسن وأما الوجهان الأولان فقد أشار إليهما الإمام فى النهاية فى أوائل باب كتاب القاضى إلى القاضى
مسألة إيقاع القرعة على العبد المبهم حتى يعتق
أنكر على الشيخ ابن أبى هريرة قوله فيما إذا قال الزوج إن كان الطائر غرابا فعبدى حر وإلا فزوجتى طالق ومات قبل البيان وقلنا لا يعين الوارث بل نقرع فإن خرجت على المرأة لم تطلق والأصح لا يرق العبد وعلى هذا ففى وجه أن القرعة تعاد إلى أن تخرج عليه
قال الرافعى قال الإمام وعندى يجب أن يخرج القائل به عن أحزاب الفقهاء ومن قال به فليقطع بعتق العبد وليترك تضييع الزمان فى إخراج القرعة
وهذا قوى قويم لكن الحناطى حكى الوجه عن ابن أبى هريرة وهو زعيم عظيم للفقهاء لا يتأتى إخراجه من أحزابهم انتهى
قلت أما كونه زعيما عظيما فلا شك فيه ولعل من أجل ذلك لم يبح الإمام باسمه بل ذكر الوجه مجردا غير معزو إلى قائل وكأنه جعل الآفة فيه النقلة عن أبى على
وعبارة الإمام فى النهاية وفى بعض التصانيف أن القرعة تعاد مرة أخرى عن بعض أصحابنا وعندى أن صاحب هذه المقالة يجب أن يخرج من أحزاب الفقهاء فإن القرعة إذا كانت تعاد ثانية فقد تعاد ثالثة ثم لا يزال الأمر كذلك حتى تقع على الأمة فإن القرعة ستخرج عليها وحق صاحب هذا المذهب أن يقطع بعتق الأمة وهذا لا سبيل إليه انتهى
ولا شك أن الإمام لا يطلق هذه العبارة فى حق ابن أبى هريرة بل إما ألا يكون


"""
صفحة رقم 261 """
بلغه أن هذا القول قوله أو لا يكون صدق النقلة عنه ويؤيد هذا أنى رأيت أخى الشيخ أبا حامد أحمد أطال الله بقاءه ذكر فى تكملة شرح المنهاج لفظ ابن أبى هريرة فى المسألة من تعليقته التى علقها عنه الطبرى وليس فيه أنه قال إن القرعة تعاد بل عبارته فى القرعة وإن خرجت على امرأته لم تطلق ولم يعتق العبد والورع ألا يأخذ وارثه ويجوز له أن يتصرف فى العبد انتهى
وفى قوله ويجوز له أن يتصرف فى العبد ما يؤذن بخلاف ما نقله الحناطى
ثم أقول بتقدير ثبوت منقول الحناطى ليست هذه المقالة بالغة فى النكارة إلى هذا الحد ولا يلزمه أن يعين العبد للعتق ابتداء من غير قرعة لأنه قد يكون من مذهبه أن القرعة تحدث أن العتق فى الحال ولا يكون منكبة عنه فقد وجدته حكى فى تعليقته فى باب القرعة أواخر كتاب العتق هذا المذهب عن مالك رحمه الله لكنه رد على مالك فى ذلك
وبتقدير ألا يكون مذهبه فلا يلزمه ذلك أيضا لأن له أن يقول لو أعتقته بلا قرعة لأعتقته بلا سبب بخلاف ما إذا أعتقته بقرعة وإن كنت متسببا فى خروجها عليه فإنا عهدنا القرعة منصوبة سببا فى مثل ذلك ولأجله قلنا بالقرعة هنا لأنها لو قرعت المرأة لم تطلق فما جعلت إلا رجاء الوقوع على العبد فيعتق
فدل أن المقصود بها محاولة العتق وهو شيء يتشوف الشارع إليه فلا يبعد إعادتها حتى تخرج عليه ويعتق ويكون عتقه مسندا إلى القرعة على الجملة وإن كان المقصود بها التحيل عليه


"""
صفحة رقم 262 """
وقد يستأنس بهذا على الجملة بما اتفق فى أمر عبد الله والد سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد خرج القدح عليه فزادوا الإبل عشرا عشرا كلما وقعت عليه القرعة زادوا وعادوا القرعة حتى انتهوا إلى المائة ووقعت القرعة على الإبل فما كان ذلك إلا توصلا إلى نجاة عبد الله
وكذلك ما رواه المفسرون فى قصة يونس عليه الصلاة والسلام عن ابن مسعود أنه قال لما توعده قومه العذاب انطلق مغاضبا حتى انتهى إلى قوم فى سفينة فعرفوه فحملوه فلما ركب السفينة وقفت فقال ما لسفينتكم فقالوا لا ندرى فقال لكنى أدرى فيها عبد آبق من ربه وإنها والله لا تسير حتى تلقوه
قالوا أما أنت يا نبى الله لا نلقيك قال فاقترعوا فمن قرع فاقترعوا فقرع يونس فأبوا أن يمكنوه من الوقوع فعادوا إلى القرعة حتى قرع ثلاث مرات
فهذا وما قبله وإن كانا قبل شرعنا إلا أنه مما يستأنس به على الجملة لمحاولة من تقرعه القرعة
قول على لعمر رضى الله عنهما فى قصة المغيرة فى أبى بكرة أراك إن جلدته رجمت صاحبك
روى أن عمر رضى الله عنه قال فى قصة المغيرة لأبى بكره تب أقبل شهادتك فقال والله لا أتوب والله زنا فهم عمر بجلده ثانيا فقال له على أراك إن جلدته رجمت صاحبك فتركه ولم يخالفه فى هذه القصة أحد من الصحابة وقد اختلف أصحابنا فى معنى هذا الكلام بعد الاعتراف بإشكاله على وجهين رأيتهما فى تعليق ابن أبي هريرة احتمالين
وهذا كلامه فى التعليقة وكان معنى قوله إن جلدته فارجم صاحبك أى أنك


"""
صفحة رقم 263 """
إن استحللت جلده من غير استحقاقه إياه فارجم صاحبك كما يقال من باع الخمر فليشقص الخنازير
ويحتمل أن يكون معناه إن كنت أقمت هذا شاهدا آخر فارجم صاحبك لتمام الشهادة فإذا كنت لا تجعله شاهدا رابعا حتى ترجم به صاحبك فلا تجعله قاذفا رابعا حتى تحده لأنه قد حددتموه انتهى
وصرح ابن الرفعة فى المطلب بنقلهما خلافا بين الأصحاب وذكر أن الأول قول الشيخ أبي حامد وأن الثاني أصح
قال ابن الرفعة وقد قيل أن المغيرة كان تزوج بتلك المرأة فى السر وكان عمر لا يبيح نكاح السر ويوجب الحد على فاعله وكان يقول للمغيرة هذه امرأتك فينكر فظنه من شهد عليه زانيا لأنهم يعرفون منه أنه ينكرها قال وهذا طريق يحسن الظن بالصحابة قال وحينئذ لا يكون الشهود كذبوا ولا المغيرة زنا والحمد لله
171
الحسن بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز بن النعمان الشيبانى الحافظ أبو العباس النسوى
مصنف المسند
تفقه على أبى ثور وحرملة
وهو القائل سمعت حرملة يقول سمعت الشافعى يقول فى رجل فى فم امرأته


"""
صفحة رقم 264 """
تمرة فقال لها إن أكلت هذه التمرة فأنت طالق وإن طرحتها فأنت طالق فأكلت نصفها وطرحت نصفها لم تطلق
سمع الحسن بن سفيان من أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وإسحاق بن إبراهيم الحنظلى وقتيبة وعبد الرحمن بن سلام الجمحى وشيبان بن فروخ وأبى بكر بن أبى شيبة وأبى ثور وسهل بن عثمان العسكرى ومحمد بن أبى بكر المقدمى وسعد بن يزيد الفراء ويزيد بن صالح وغيرهم
روى عنه ابن خزيمة وأبو بكر الإسماعيلى وابن حبان وأبو على الحافظ ويحيى ابن منصور القاضى وأبو عمرو بن حمدان وحفيده إسحاق بن سعيد النسوى وخلق سواهم
قال الحاكم كان محدث خراسان فى عصره مقدما فى الثبت والكثرة والفهم والفقه والأدب
وقال ابن حبان كان ممن رحل وصنف وحدث على تيقظ مع صحة الديانة والصلابة فى السنة
وقال أبو الوليد النيسابورى الفقيه كان الحسن أديبا فقيها أخذ الأدب عن أصحاب النضر بن شميل والفقه عن أبى ثور
وقال الحاكم سمعت محمد بن داود بن سليمان يقول كنا عند الحسن بن سفيان فدخل ابن خزيمة وأبو عمرو الحيرى وأبو بكر بن على الرازى فى جماعة وهم متوجهون


"""
صفحة رقم 265 """
إلى فراوة فقال أبو بكر بن على قد كتبت هذا الطبق من حديثك قال هات فأخذ يقرأ فلما قرأ أحاديثه أدخل إسنادا فى إسناد فرده الحسن ثم بعد ساعة فعل ذلك فرده الحسن فلما كان فى الثالثة قال له الحسن ما هذا قد احتملتك مرتين وهذه الثالثة وأنا ابن تسعين سنة فاتق الله فى المشايخ فربما اتفق فيك دعوة فقال له ابن خزيمة مه لا تؤذ الشيخ قال إنما أردت أن تعلم أن أبا العباس يعرف حديثه
توفى الحسن بن سفيان بقرية بالوز وكان مقيما بها وهى على ثلاثة فراسخ من نسا فى شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثمائة الحسن بن محمد بن العباس أبو على الزجاجى
الإمام الكبير أحد الأئمة تلميذ ابن القاص والراوى عنه جزء حديث أبى عمر وشيخ القاضى أبى الطيب
أراه من أهل هذه الطبقة وسأذكره فى الرابعة
172
الحسن بن محمد أبو على الطبسى
قال فيه الحاكم الفقيه الأديب الزاهد من أجل مشايخنا وفقهائنا بخراسان
قال وكان خليفة أبى على بن أبى هريرة فى حياته وبعد وفاته


"""
صفحة رقم 266 """
كتب بخراسان والعراقين وسمع سنن أبى داود من ابن داسة
قال الحاكم وسمعته يقول لما مات ابن أبى هريرة وسئلت أن أخلفه بعد وفاته رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى النوم يقول يا أبا على بلغنى أنك خلفت أبا على ابن أبى هريرة فأحسنت خلافته فجزاك الله عنى خيرا
وذكره العبادى فى الطبقات وحكى عن الأستاذ أبى طاهر أنه قال اجتمع رأيى ورأى أبى على على أن كل كلام لا يوجد نظمه فى غير كتاب الله فإن الجنب لا يقرأه وإن وجد فى غير كتاب الله فإن قصد كتاب الله لم يجز وإن قصد غيره جاز
قلت والمتأخرون من الأصحاب لم يذكروا هذا التفصيل بل أطلقوا أنه إذا قرأ شيئا لا على قصد القرآن أنه يجوز ولا بأس بهذا التفصيل فإن ما لا يوجد نظمه إلا فى كتاب الله يبعد أن يقصد به قارئه غير كتاب الله
قال العبادى نقلا عن أبى على والجنب لا يقول بسم الله الرحمن الرحيم بل يقول بسم الله العظيم وبحمده الحمد لله على الإسلام ونعمته
قال كذا روى فى الخبر
قلت وهذا من آثار ذلك التفصيل كأنه يقول بسم الله الرحمن الرحيم لا يوجد نظمها إلا فى كتاب الله وهذا بعيد أعنى تحريم قول بسم الله الرحمن الرحيم على الجنب إذا لم يقصد بها القرآن فإنها قد اشتهر كونها تذكر ولا يقصد بها القرآن غير أنها مما لا يوجد نظمه إلا فى كتاب الله


"""
صفحة رقم 267 """
قال الحاكم توفى الفقيه الأوحد فى عصره أبو على بطبسين وحضرت معزاه
وتوفى فى شعبان سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة
173
أبو الحسن المحاملى الكبير
من أقران أبى سعيد الإصطخرى وأبى على بن أبى هريرة
قال العبادى ليس هو جد المحاملى الأخير بل غيره
قال وهو القائل بأن من وجد الزاد والراحلة بخراسان يوم عرفة ومات يقضى عنه الحج
قلت وهذا غريب وقد أهمل الغزالى ذكر إمكان السير فى شرائط وجوب الحج فاعترضه الرافعى ونصره ابن الصلاح بأن إمكان السير ليس ركنا لوجوب الحج بل لاستقراره في الذمة وصوب النووى قول الرافعى مستدلا بقوله تعالى ) ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ( والحق معه والكل متفقون على عدم ثبوته فى الذمة إذا لم يتمكن من السير فمقالة المحاملى غريبة
ووقفت فى بعض التصانيف القديمة لبعض من لم أتحقق اسمه على ما نصه سمعت ابن أبى هريرة يقول حضرت مجلس المحاملى وقد حضره شيخ من أهل أصبهان نبيل الهيئة قدم الموسم حاجا فأقبلت عليه وسألته عن مسألة فى الطهارة فضجر


"""
صفحة رقم 268 """
وقال مثلى يسأل عن مسائل الطهارة فقلت لا والله إن سألتك إلا عن الاستنجاء نفسه فألقيت عليه هذه المسألة فبقى متحيرا
قلت وأشار إلى كيفية الاستنجاء إذا أمسك ذكره بيساره
وذكر الأصحاب هذا المحاملى أيضا فى مسألة موت الأجير على الحج بعد الأخذ فى السير وقبل الإحرام فإن المذهب المنصوص أنه لا يستحق شيئا والمنقول فى الرافعى عن الصيرفى والإصطخرى أنه يستحق شيئا من الأجرة لأنهما أفتيا سنة حصر القرامطة الحجيج بالكوفة بأن الأجراء يستحقون بقدر ما عملوا
ورأيت فى البحر للرويانى ما نصه حكى الماسرجسى عن ابن أبى هريرة أنه قال لما وقع من القرامطة ما وقع اجتمعت أنا والمحاملى والإصطخرى واتفقنا على أن نفتى بأن كل من كان حاجا عن الغير لا يستحق الأجرة إلا أنه يرضخ له بشىء هكذا حكاه القاضى الطبرى وذكر الشيخ أبو حاتم أنهم أفتوا بأن لهم الأجرة بقدر ما قطع من المسافة
هذا كلام البحر
وذكره أيضا فيما إذا اختلف القابض والدافع فى الألف المدفوعة هل كانت قرضا أو إبضاعا وأن المحاملى الكبير ذهب إلى أنهما يتحالفان
نقله أبو سعد الهروى فى الإشراف وغيره


"""
صفحة رقم 269 """
174
الحسين بن أحمد بن حمدان بن خالوية أبو عبد الله الهمذانى
إمام فى اللغة والعربية وغيرهما من العلوم الأدبية
قدم بغداد فأخذ عن أبى بكر بن الأنبارى وأبى بكر بن مجاهد وقرأ عليه وأبى عمر غلام ثعلب ونفطويه وأبى سعيد السيرافى وقيل إنه أدرك ابن دريد وأخذ عنه
ثم قدم الشام وصحب سيف الدولة ابن حمدان وأدب بعض أولاده ونفق سوقه بحلب واشتهر ذكره وقصده الطلاب
أخذ عنه عبد المنعم بن غلبون والحسن بن سليمان وغيرهما


"""
صفحة رقم 270 """
وصنف فى اللغة كتاب ليس وكتاب شرح الممدود والمقصور وكتاب أسماء الأسد بلغ فيه إلى خمسمائة اسم وكتاب البديع فى القرآن وكتاب الجمل فى النحو وكتاب الاشتقاق وغير ذلك وكتاب غريب القرآن
وله مع أبى الطيب المتنبى مناظرات عديدة
وقد روى مختصر المزنى عن أبى بكر النيسابوري
توفى سنة سبعين وثلاثمائة
ومن الفوائد عنه
قال ابن الصلاح حكى فى كتابه إعراب ثلاثين سورة مذهب الشافعى فى البسملة وكونها آية من أول كل سورة قال والذي صح عندى وإليه أذهب مذهب الشافعى
قال وأتى بلطيفة غريبة فقال حدثنى أبو سعيد الحافظ ولعله ابن رميح النسوى أحمد بن محمد قال حدثنا أبو بكر النيسابورى قال سمعت الشافعى يقول أول الحمد ) بسم الله الرحمن الرحيم ( وأول البقرة ) الم (
وهذا الوجه حسن وهو أن البسملة لما ثبتت أولا فى سورة الفاتحة فهى من السور إعادة لها وتكرير فلا تكون من تلك السور ضرورة فلا يقال هى آية من أول كل سورة بل هى آية فى أول كل سورة
175
الحسين بن أحمد بن الحسن بن موسى القاضى أبو على البيهقى
أورده شيخنا الذهبى كأنه تبع للحاكم فيمن اسمه الحسن
كان فقيها أديبا قاضيا بنسا
سمع من ابن خزيمة وابن صاعد وطبقتهما


"""
صفحة رقم 271 """
روى عن الحاكم وغيره
مات ببيهق سنة تسع وخمسين وثلاثمائة
176
الحسين بن الحسن بن أيوب أبو عبد الله الطوسى الأديب
كان من كبار المحدثين وثقاتهم
رحل إلى أبى حاتم فأقام عنده مدة وجاء بمكة فسمع مسند أبى يحيى بن أبى مسرة منه وكتب أبى عبيد من على بن عبد العزيز
روى عنه أبو على الحافظ النيسابورى وأبو إسحاق المزكى وأبو الحسين الحجاجى وأبو عبدالله الحاكم وأبو على الروذباري وآخرون
مات بنوقان يوم الأضحى سنة أربعين وثلاثمائة
177
الحسين بن صالح بن خيران الشيخ أبو على
أحد أركان المذهب كان إماما زاهدا ورعا تقيا نقيا متقشفا من كبار الأئمة ببغداد


"""
صفحة رقم 272 """
قال الشيخ أبو إسحاق عرض عليه القضاء فلم يتقلده وكان بعض وزراء المقتدر وكل بداره وخوطب الوزير فى ذلك فقال إنما قصدنا ليقال فى زماننا من وكل بداره ليتقلد القضاء فلم يفعل
وقال الحسين بن محمد بن عبيد العسكرى شاهدت الموكلين ببابه وختم الباب بضعة عشر يوما فقال لى أبى يابنى انظر حتى تحدث إن عشت أن إنسانا فعل به هذا ليلى فامتنع
وقال الإمام أبو عبد الله الحسين بن محمد الكشفلى أمر على بن عيسى وزير المقتدر بالله صاحب البلد أن يطلب الشيخ أبا على بن خيران حتى يعرض عليه قضاء القضاة فاستتر فوكل بباب داره رجاله بضعة عشر يوما حتى احتاج إلى الماء فلم يقدر عليه إلا من عند الجيران فبلغ الوزير ذلك فأمر بإزالة التوكيل عنه وقال فى مجلسه والناس حضور ماأردنا بالشيخ أبى على إلا خيرا أردنا أن نعلم أن فى مملكتنا رجلا يعرض عليه قضاء القضاة شرقا وغربا وهو لا يقبل
قال القاضى أبو الطيب ابن خيران كان يعيب على ابن سريج فى ولايته القضاء ويقول هذا الأمر لم يكن فى أصحابنا إنما كان فى أصحاب أبى حنيفة
قلت يعنى بالعراق وإلا فلم يكن القضاء بمصر والشام فى أصحاب أبى حنيفة قط إلا أيام بكار فى مصر وإنما كان فى مصر المالكية وفى الشام الأوزاعية إلى أن ظهر مذهب الشافعى فى الإقليمين فصار فيه وصاحب البلد المعين به صاحب الشرطة وهو الذى يسمى اليوم فى بلادنا بالوالى وكان الوالى فى الزمان الماضى اسما لأمير المدينة وكان الأمير


"""
صفحة رقم 273 """
يسمى الوالى تارة والعامل أخرى وأما المسمى اليوم بالوالى فكان يسمى صاحب الشرطة أو صاحب البلد أو صاحب الخبر يعنى أنه يطالع الأمير بأخبار المدينة
قال الرافعى فى باب الأطعمة عن ابن خيران أنه قال أصاب أكار لنا كلب الماء فى ضيعة لنا فأكلناه فإذا طعمه طعم السمك
قال شيخنا الذهبى لم يبلغنا على من اشتغل ابن خيران ولا عن من أخذ العلم
قال وأظنه مات كهلا
قال ولم يسمع شيئا فيما أعلم
قلت لعله جالس فى العلم ابن سريج وأدرك مشايخه
قال أبو العلاء محمد بن على الواسطى نقلا عن الحسين ابن العسكرى توفى ابن خيران يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من ذى الحجة سنة عشرين وثلاثمائة
وقال الدارقطنى توفى فى حدود العشر والثلاثمائة
قال الخطيب وأظن أبا العلاء وهم على ابن العسكرى وأراد أن يقول سنة عشر فقال سنة عشرين
وقال ابن الصلاح ما ذكر من وفاته أقرب وإياه ذكر الشيخ أبو إسحاق
قلت وأظن العشرين فى كتاب الدارقطنى إلا أن الناسخ أسقط الياء والنون غلطا ولا منافاة حينئذ بين التاريخين
قال شيخنا الذهبى ويدل على مانقله أبو العلاء أن أبا بكر بن الحداد سافر من مصر إلى بغداد يسعى لأبى عبيد بن حربوية القاضى أن يعفى من قضاء مصر فقال ابن زولاق إنه دخلها سنة عشر فى شوال وشاهد باب أبى على بن خيران مسمورا لامتناعه من القضاء وقد اشتهر قال فكان الناس يأتون بأولادهم الصغار فيقولون لهم انظروا حتى تحدثوا بهذا


"""
صفحة رقم 274 """
قلت وليس فى الحكاية صراحة فى تأخر وفاته عن سنة عشر فلعله مات بعد التسمير على بابه بقليل ولكن الأثبت كما ذكرناه وفاته سنة عشرين
ومن الغرائب عن أبى على بن خيران
نقل الدارمى فى باب صفة الصلاة من الاستذكار أن ابن خيران قال فى عراة ليس لهم إلا ثوب واحد وإن صلوا فيه واحدا بعد واحد خرج الوقت إنهم يتركون جميعا ويصلون عراة
قال أبو عاصم العبادى حكى السريحي أن ابن خيران جوز للسيد أن يشهد لمكاتبه ويدفع إليه زكاته قلت
178
الحسين بن على بن محمد بن يحيى أبو أحمد التميمى النيسابورى يقال له حسينك
وهو حسين مفتوح النون بعدها كاف ساكنة ويعرف أيضا بابن منينة بضم الميم بعدها نون ثم آخر الحروف ثم نون ثانية
من بيت حشمة ورياسة تربى فى حجر الإمام أبى بكر بن خزيمة وكان ابن خزيمة فى آخر عمره إذا تخلف عن مجلس السلطان بعث بأبى أحمد نائبا عنه وكان يقدمه على أولاده


"""
صفحة رقم 275 """
سمع أبو أحمد من ابن خزيمة وأبى العباس السراج بنيسابور ورحل فسمع أيضا عمر بن إسماعيل بن أبى غيلان وعبد الله بن محمد البغوى وأبا عوانة الإسفراينى وغيرهم
روى عنه أبو بكر البرقانى وأبو عبد الله الحاكم وعمر بن أحمد بن مسرور وأبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذى وجماعة
قال الخطيب كان ثقة حجة
وقال الحاكم صحبته سفرا وحضرا نحوا من ثلاثين سنة فما رأيته يترك قيام الليل يقرأ فى كل ركعة سبعا وكانت صدقاته دارة سرا وعلانية أخرج مرة عشرة أنفس من الغزاة بآلتهم بدلا عن نفسه ورابط غير مرة
توفى فى ربيع الآخر سنة خمس وسبعين وثلاثمائة
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أحمد بن هبة الله بقراءتى أخبرنا أبو روح إجازة أخبرنا زاهر أخبرنا محمد بن عبد الرحمن أخبرنا أبو أحمد الحسين بن على أخبرنا أبو القاسم البغوى حدثنا هدبه حدثنا حماد عن ثابت عن أبى رافع عن أبى هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( كانت شجرة تضر بالطريق فقطعها رجل فنحاها عن الطريق فغفر له ) رواه مسلم عن محمد بن حاتم عن بهز بن أسد عن حماد به


"""
صفحة رقم 276 """
179
الحسن بن على بن يزيد بن داود بن يزيد الحافظ الكبير أبو على النيسابورى
شيخ الحاكم
ولد سنة سبع وسبعين ومائتين وأول سماعه سنة أربع وتسعين
فسمع من إبراهيم بن أبى طالب وعلي بن الحسين وعبد الله بن شيرويه وجعفر ابن أحمد الحافظ
وبهراة الحسين بن إدريس ومحمد بن عبد الرحمن وأقرانهما
قال الحاكم وهراة أول رحلته
وبنسا الحسن بن سفيان
وبجرجان عمران بن موسى
وببغداد عبد الله بن ناجية والقاسم المطرز
وبالكوفة محمد بن جعفر القتات
وبالبصرة أبا خليفة وزكريا الساجى
وبواسط جعفر بن أحمد بن سنان
وبالأهواز عبدان
وبأصبهان محمد بن نصير
وبالموصل أبا يعلى


"""
صفحة رقم 277 """
وبمصر أبا عبد الرحمن النسائى
وبغزة الحسن بن الفرج راوى الموطا
وبمكة المفضل الجندى
وبالشام أصحاب إبراهيم بن العلاء والمعافى بن سليمان
روى عنه أبو بكر أحمد بن إسحاق الصبغى وأبو الوليد الفقيه وهما أكبر منه وابن مندة والحاكم وأبو طاهر بن محمش وأبو عبد الرحمن السلمى وغيرهم
قال الحاكم هو واحد عصره فى الحفظ والإتقان والورع والرحلة ذكره بالشرق كذكره فى الغرب مقدم فى مذاكرة الأئمة وكثرة التصنيف انتهى
وكذلك قال الخطيب قال وذكره الدارقطنى فقال إمام مهذب
قال الحاكم وعقد له مجلس الإملاء سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وهو ابن ستين سنة ثم لم يزل يحدث بالمصنفات والشيوخ بقية عمره
وأطال الحاكم ترجمة شيخه هذا وأطنب على عادته إذا ترجم كبيرا استوفى وحشد الفوائد والغرائب
قال كان أبو على يشتغل بالصاغة فنصحه بعض العلماء وأشار عليه بالعلم
قال وكنت أرى أبا على معجبا بأبي يعلى الموصلى وإتقانه
قال كان لا يخفى عليه من حديثه إلا اليسر


"""
صفحة رقم 278 """
قال الحاكم كان أبو على باقعة فى الحفظ لا تطاق مذاكرته ولا يفى بمذاكرته أحد من حفاظنا
خرج إلى بغداد سنة عشر نائبا وقد صنف وجمع فأقام ببغداد وما بها أحد أحفظ منه إلا أن يكون أبو بكر الجعابى فإنى سمعت أبا على يقول مارأيت ببغداد أحفظ منه
قال وسمعت أبا على يقول اجتمعت ببغداد مع أبى أحمد العسال وإبراهيم بن حمزة وأبى طالب بن نصر وأبي بكر الجعابى فقالوا أمل علينا من حديث نيسابور مجلسا فامتنعت فمازالوا بى حتى أمليت عليهم ثلاثين حديثا ما أجاب واحد منهم فى حديث منها إلا ابن حمزة فى حديث واحد
قال الحاكم كان أبو على يقول ما رأيت فى أصحابنا مثل الجعابى حيرنى حفظه فحكيت ذلك لأبى بكر الجعابى فقال يقول أبو على هذا وهو أستاذى على الحقيقة
وقال عبد الرحمن بن مندة سمعت أبى أبا عبد الله يقول ما رأيت فى اختلاف الحديث والإتقان أحفظ من أبى على النيسابورى
توفى أبو على عشية الخميس الخامس عشر من جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وثلاثمائة
ومن الفوائد عنه
كان أبو على يرى أن كتاب مسلم أصح من كتاب البخارى
قال ابن مندة سمعت أبا على النيسابورى وما رأيت أحفظ منه يقول ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم


"""
صفحة رقم 279 """
قلت قد شذ أبو على بهذه المقالة وإن وافقه عليها بعض المغاربة وما بعد كتاب الله أصح من صحيح البخارى
قال أبو على النيسابورى خرجت إلى هراة سنة خمس وتسعين وحضرت أبا خليفة وهو يهدد وكيلا له يقول تعود يالكع فقال لا أصلحك الله فقال بل أنت لا أصلحك الله قم عنى
قلت من فصاحة العرب أن يأتوا بالواو هنا فكان الأدب أن يقول لا وأصلحك الله لئلا يتوهم انصباب النفى على أصلحك الله فيكون قد دعا عليه بعدم الصلاح فإذا أتى بالواو سلم من ذلك
قال القاضى أبو بكر الأبهرى سمعت أبا بكر بن داود يقول لأبى على النيسابورى إبراهيم عن إبراهيم عن إبراهيم من هم فقال إبراهيم بن طهمان عن إبراهيم بن عامر البجلى عن إبراهيم النخعى فقال أحسنت ياأبا على
قلت ولهم خلف عن خلف ستة
فيما أخبرنا به أبو العباس بن المظفر الحافظ قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر عن أبى روح عبد المعز بن محمد الهروى قال أخبرنا زاهر ابن طاهر أخبرنا الشيخ أبو الفضل محمد بن أحمد التميمى المروزى أخبرنا أبو نصر الحسين ابن على بن محمد الحفصوى بمرو أخبرنا الحاكم أبو أحمد محمد بن الحسن البخارى حدثنى أبو أحمد خلف بن أحمد بن محمد بن خلف أمير سجستان


"""
صفحة رقم 280 """
حدثنا خلف بن إسماعيل الخيام حدثنا خلف بن سليمان النسفى حدثنا خلف ابن محمد كردوس الواسطى حدثنا خلف بن موسى بن خلف عن أبيه عن جده عن قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن فى الجنة لغرفا ليس لها معاليق من فوقها ولا عماد من تحتها ) قيل يا رسول الله وكيف يدخلها أهلها قال يدخلونها أشباه الطير قيل يا رسول الله لمن هى قال لأهل الأسقام والأوجاع والبلوى
180
الحسين بن القاسم الإمام الجليل أبو على الطبرى
صاحب الإفصاح
له الوجوه المشهورة فى المذهب وصنف فى أصول الفقه وفى الجدل وصنف المحرر وهو أول كتاب صنف فى الخلاف المجرد
تفقه على أبى على بن أبى هريرة وسكن بغداد وتوفى بها سنة خمسين وثلاثمائة
إذا أذن المرتهن للراهن فى البيع أو العتق ثم رجع قبل أن يبيع أو يعتق ولم يعلم الراهن بالرجوع فباع أو أعتق ففى صحته وجهان مخرجان من تصرف الوكيل قبل العلم بعزله


"""
صفحة رقم 281 """
كذا حكاه الجماهير منهم الرافعى والنووى
وفصل فى الإفصاح فقال إن رجع الآذن قبل وقوع البيع فإن كان يمكن الوقوف فى مثله على رجوعه فعلى وجهين وإن كان لا يمكن فى مثله فعلى قول واحد أن بيعه صحيح ولا معنى لرجوعه قياسا على ما قال الشافعى فى الولى إذا دفع من وجب له حق القصاص إلى سياف فرجع فى الإذن قبل القتل
قال الرويانى وهذا التفصيل لم يقله غيره
181
الحسين بن محمد بن أبى زرعة محمد بن عثمان الدمشقى
قاضى الديار المصرية والشامية وسليل قاضيها وهو الذى كان ابن الحداد ينوب عنه وكان الحسين شابا وقد ولآه الخليفة فولى محمد بن طغج الإخشيد ابن الحداد خلافته فكان ابن الحداد هو الذى يحكم والاسم لابن أبى زرعة ثم ورد العهد بعد ستة أشهر من خلافة ابن الحداد لابن أبى زرعة بالقضاء من ابن أبى الشوارب قاضى بغداد فركب ابن أبى زرعة بالسواد إلى الجامع وقرىء عهده على المنبر وله يومئذ أربعون سنة
وكان عارفا بالأحكام منفذا ثم أضيف إليه قضاء دمشق وحمص والرملة وغير ذلك وكان حاجبه بسيف ومنطقة
ولم يزل ابن الحداد يخلفه إلى آخر أيامه وكان ابن أبى زرعة يتأدب معه ثم لما عزل ابن أبى الشوارب من قضاء بغداد وولى أبو نصر يوسف بن عمر القاضى بعث العهد إلى ابن أبى زرعة باستمراره


"""
صفحة رقم 282 """
182
حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الإمام أبو سليمان الخطابى البستى
ويقال إنه من سلالة زيد بن الخطاب بن نفيل العدوى ولم يثبت ذلك كان إماما فى الفقه والحديث واللغة
أخذ الفقه عن أبى بكر القفال الشاشى وأبى على بن أبى هريرة
وسمع الحديث من أبى سعيد بن الأعرابى بمكة وأبى بكر بن داسة بالبصرة وإسماعيل الصفار ببغداد وأبى العباس الأصم بنيسابور وطبقتهم
روى عنه الشيخ أبو حامد الإسفراينى وأبو عبد الله الحاكم الحافظ وأبو نصر محمد بن أحمد بن سليمان البلخى الغزنوى وأبو مسعود الحسين بن محمد الكرابيسى وأبو عمرو محمد بن عبد الله الرزجاهى البسطامى وأبو ذر عبد ابن أحمد الهروى وأبو عبيد الهروى صاحب الغريبين وعبد الغافر بن محمد الفارسى وغيرهم
وذكره أبو منصور الثعالبى فى كتاب اليتيمة وسماه أحمد وهو غلط والصواب حمد


"""
صفحة رقم 283 """
وذكره الإمام أبو المظفر بن السمعانى فى كتاب القواطع فى أصول الفقه عند الكلام على العلة والسبب والشرط وقال قد كان من العلم بمكان عظيم وهو إمام من أئمة السنة صالح للاقتداء به والإصدار عنه انتهى
ومن تصانيفه معالم السنن وهو شرح سنن أبى داود وله غريب الحديث و شرح الأسماء الحسنى وكتاب العزلة وكتاب الغنية عن الكلام وأهله وغير ذلك
توفى ببست فى ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة
ومن الفوائد والغرائب والأشعار عنه
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أخبرنا أبو الحسين اليونينى وشهدة العامرية أخبرنا جعفر الهمدانى
ح وكتب إلى أحمد بن أبى طالب عن جعفر وغيره عن محمد بن عبد الهادى عن أبى طاهر السلفى قال جعفر سماعا قال سمعت أبا المحاسن الرويانى بالرى يقول سمعت أبا نصر البلخى بغزنة يقول سمعت أبا سليمان الخطابى يقول سمعت أبا سعيد ابن الأعرابى ونحن نسمع عليه هذا الكتاب يعنى كتاب السنن لأبى داود وأشار إلى النسخة التى بين يديه يقول لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذى فيه كتاب الله ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شىء من العلم بتة
أخبرنا الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتى عليه أخبرنا عبد الواسع بن عبد الكافى الأبهرى إجازة أخبرنا أبو الحسن محمد بن أبى جعفر بن على القرطبى سماعا أخبرنا


"""
صفحة رقم 284 """
القاسم بن الحافظ ابن عساكر حدثنا عبد الجبار بن محمد بن أحمد الخوارى إجازة وحدثنا عنه أبى سماعا
ح قال ابن المظفر وأخبرنا يوسف بن محمد المصرى إجازة أخبرنا إبراهيم ابن بركات الخشوعى سماعا أخبرنا الحافظ أبو القاسم بن عساكر إجازة أخبرنا عبد الجبار الخوارى أنشدنا الشيخ الإمام أبو سعيد القشيرى أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبدان الكرمانى أنشدنا أبو الحسن بن أبى عمر أنشدنى أبو سليمان الخطابى لنفسه
ارض للناس جميعا
مثل ما ترضى لنفسك
إنما الناس جميعا
كلهم أبناء جنسك
غير عدل أن توخى
وحشة الناس بأنسك
فلهم نفس كنفسك
ولهم حس كحسك
وبه إلى أبى الحسن بن أبى عمر وهو النوقانى قال سمعت أبا سليمان الخطابى يقول الغنى ما أغناك لا ما عناك
قال وسمعته يقول عش وحدك حتى تزور لحدك احفظ أسرارك وشد عليك أزرارك
ومن شعر الخطابى غير ما تقدم
وما غربة الإنسان فى شقة النوى
ولكنها والله فى عدم الشكل
وإنى غريب بين بست وأهلها
وإن كان فيها أسرتى وبها أهلى


"""
صفحة رقم 285 """
ومنه
فسامح ولا تستوف حقك كله
وأبق فلم يستوف قط كريم
ولا تغل فى شئ من الأمر واقتصد
كلا طرفى قصد الأمور ذميم
ذكر الخطابى فى معالم السنن الحديث الذى رواه أبو داود وفيه أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم واقتصر فيه على قوله ( القانع السائل والمستطعم وأصل القنوع السؤال ويقال فى القانع إنه المنقطع إلى القوم يخدمهم ويكون فى حوائجهم وذلك مثل الأجير والوكيل ونحوه )
ومعنى رد هذه الشهادة التهمة فى جر النفع إلى نفسه لأن القانع لأهل البيت ينتفع بما يصير إليهم من نفع إلى أن قال ومن رد شهادة القانع لأهل البيت بسبب جر المنفعة فقياس قوله أن يرد شهادة الزوج لزوجته لأن ما بينهما من التهمة فى جر النفع أكثر وإلى هذا ذهب أبو حنيفة انتهى
وقد تبعه جماعة من الأصحاب منهم القاضى الحسين فقال فى تعليقته ما نصه فرع شهادة القانع لأهل البيت لا تقبل وهو الذى انقطع فى مكاسبه والتجأ إلى أهل بيت يؤاكلهم ويرمى عن قوسهم فلا تقبل شهادته لهم لما فيه ولما هو عليه من سقوط المروءة
قال القاضى رحمه الله ولو كانت الزوجة بهذه الصفة أقول لا تقبل شهادتها انتهى
وصاحب البحر الرويانى اتبع الخطابى فى كلامه هذا
والحديث ذكره من أصحابنا زكريا الساجى والماوردى ولم يشبعوا عليه كلاما


"""
صفحة رقم 286 """
والرويانى اقتصر فيه على كلام الخطابى وقال فى شهادة أحد الزوجين للآخر الصحيح عندى أنها لا تقبل ففيها تهمة قوية خاصة فى زماننا قال وقال أبو سليمان الخطابى إنه القياس على القانع الذى ورد به النص
قلت ومسألة القانع مع ورود حديث فيها لم أجد من أشبعها قولا وقليل من خصها بالذكر ولم أرها فى شئ من كتب الرافعى والنووى وابن الرفعة من خصها بالذكر ولم أرها فى شئ من كتب الرافعى والنووى وابن الرفعة بل لا أحفظها مقصودة بالذكر فى غير تعليقة القاضى ومن بعده ممن سأذكره
والذى أقوله فيها إن الحديث إن صح وكان معناه ما ذكر فلا مدفع له وواجب الرجوع إليه غير أنه لا يكاد يثبت ولفظه مضطرب ومعناه مختلف فيه
أما توقفنا فى ثبوته فمن قبل أنه من حديث محمد بن راشد وفيه كلام عن سليمان بن موسى الدمشقى وفيه أيضا كلام قال البخارى عنده مناكير عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
وأما اضطراب لفظه فلفظ أحمد لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذى غمر على أخيه ولا شهادة القانع لأهل البيت والقانع الذى ينفق عليه أهل البيت


"""
صفحة رقم 287 """
ولفظ أبى داود رد شهادة الخائن والخائنة وذى الغمر على أخيه ورد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم
وفى لفظ آخر عنده لم يذكر القانع بالكلية
ورواه الدارقطنى من حديث عائشة ولفظه ولا القانع من أهل البيت لهم
رواه من حديث يزيد بن أبى زياد وقال يزيد بن أبى زياد هذا لا يحتج به
قلت وذكر ابن أبى حاتم فى العلل أن أبا زرعة الرازى قال إنه حديث منكر
وأما الاختلاف فى معناه فما ذكره الخطابى اعتمد فيه على قول أبى عبيد القانع السائل والمستطعم وقال أيضا قد يقال إنه المنقطع إلى القوم يخدمهم ويكون فى حوائجهم
قلت ولعل هذا أشبه بمعنى الحديث وقد تقدم فى بعض ألفاظه ما يؤيده ومع هذا الاضطراب يقف الاحتجاج به
وأما شهادة أحد الزوجين للآخر وقياس أبى سليمان لها على القانع فموضع نظر وأوضح منه ما ذكره القاضى من قياس الزوجة على القانع لا القانع فإن الزوجة هى التى تستجر النفع بمال زوجها ومن أجل ذلك حكى بعض الأصحاب قولا إن شهادتها له ترد بخلاف شهادته لها غير أنه ضعيف وبعيد الشبه من القانع فإنها إنما تأخذ النفقة عوضا فلا يقع بها من التهمة ما يقع للقانع ولا يحملها على ما يحمله
والرافعى لم يذكر القانع لا مقصودا ولا مستطردا وحكى فى شهادة أحد الزوجين للآخر ثلاثة أقوال أصحها عنده وعند النووى القبول


"""
صفحة رقم 288 """
قال وفى التهذيب طريقة قاطعة به وثالثها قبول الزوج دون الزوجة
ولم يزد الرافعى على ذلك
وفى المسألة وجه رابع أن شهادتها تقبل له إن كان موسرا وإن كان معسرا فوجهان
وخامس أنها ترد فيما إذا شهدت بمال هو قدر قوتها ذلك اليوم ولا مال للزوج غيره لعود النفع إليها يقينا وتقبل فى غير هذه الحالة لأنه لا يتحقق عود النفع إليها
حكاهما القاضى شريح فى كتاب أدب القضاء وجزم فيمن انقطع إلى كنف رجل يراعيه وينفق عليه أنه لا يمتنع بذلك قبول شهادته
قلت وهذا هو القانع بعينه وإن لم يصرح بلفظه ففيه مخالفة لما جزم به القاضى من الرد وما ذكره من القبول هو الذى لا تكاد تجد سواه فى أذهان الناس وهو الفقه الظاهر إن لم يثبت الحديث
حكى الخطابى فى معالم السنن عن أبى ثور أنه قال الجماعة فى الجمعة كسائر الصلوات
وهذا رد على دعوى ابن الرفعة أنه لا خلاف فى اشتراط الجماعة الجمعة بشرط أن يكون أبو ثور لا يرى وجوب الجماعة فى سائر الصلوات وإلا فمتى رأى ذلك لم يكن فيه دليل إلا على أنه يكفى فيها إمام ومأموم فلم ينف عنها أصل الجماعة
ذهب الخطابى إلى أن أكل الثوم والبصل ليس عذرا فى ترك الجمعة
قال النووى فى كلام الخطابى إشارة إلى تحريم البول فى الطريق وهو الذى ينبغى


"""
صفحة رقم 289 """
لحديث اتقوا اللعانين ولما فيه من إيذاء المسلمين ولكن الأصحاب متفقون على أن كراهيته كراهية تنزيه
كره الخطابى للمرأة لبس خاتم الفضة لأنه من شعار الرجال قال بخلاف خاتم الذهب
ومن كلام الخطابى فى حديث ابن عباس الذى أخرجه أبو داود قضى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى دية المكاتب يقتل فيودى ما أدى من كتابته دية الحر وما بقى دية المملوك
كذا أخرجه أبو داود ورواه النسائى مرسلا
قال الخطابى أجمع عامة الفقهاء أن المكاتب عبد ما بقى عليه درهم فى جنايته والجناية عليه
ولم يذهب إلى العمل بهذا الحديث أحد فيما بلغنا إلا إبراهيم النخعى وروى فى ذلك شئ عن على كرم الله وجهه وإذا صح الحديث وجب العمل به إذا لم يكن منسوخا ولا معارضا بما هو أولى منه انتهى
قلت وقد حكى هذا القول عن الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه
استحسن ابن السمعانى أبو المظفر فى كتاب القواطع قول الخطابى ليس كل سبب علة ولكن كل علة سبب كما أنه ليس كل دليل علة ولكن كل علة دليل ووصفه بما ذكرناه عنه آنفا من المدح


"""
صفحة رقم 290 """
وهذا الكلام حسن فى بادئ الرأى للتفرقة بين العلة والسبب إلا أن فيه تسمحا فإن العلة ما به الشئ والسبب ما عنده الشئ لا به فهما قسمان ليس أحدهما أعم من الآخر فلا يصح هذا الكلام وهذا لا يقبل من الخطابى وإن علا شأنه فى العلوم التى يدريها غير الكلام فليس هو من صناعته
وقد تكلمنا عن السبب والعلة كلاما مبسوطا فى كتاب الأشباه والنظائر وفى كتاب منع الموانع على لسان أصحاب هذه العلوم
قال الخطابى فى كتابه تفسير اللغة التى فى مختصر المزنى فى باب الشفعة بلغنى عن إبراهيم بن السرى الزجاج النحوى إنه كان يذهب إلى أن الصاد تبدل سينا مع الحروف كلها لقرب مخرجهما فحضر يوما عند على ابن عيسى فتذاكرا هذه المسألة واختلفا فيها وثبت الزجاج على مقالته فلم يأت على ذلك إلا قليل من المدة فاحتاج الزجاج إلى كتاب إلى بعض العمال فى العناية فجاء إلى على بن عيسى الوزير ينتجز الكتاب فلما كتب على بن عيسى صدر الكتاب وانتهى إلى ذكره كتب وإبراهيم بن السرى من أخس إخوانى
فقال الرجل أيها الوزير الله الله فى أمرى فقال له على بن عيسى إنما أردت أخص وهذه لغتك فأنت أبصر فإن رجعت وإلا أنفذت الكتاب بما فيه فقال قد رجعت أيها الوزير فأصلح الحرف وطوى الكتاب


"""
صفحة رقم 291 """
183
دعلج بن أحمد بن دعلج أبو محمد السجزى
الفقيه المعدل
ولد سنة ستين ومائتين أو قبلها
وسمع بعد الثمانين من على بن عبد العزيز بمكة
وهشام بن على السيرافى وعبد العزيز بن معاوية بالبصرة
ومحمد بن أيوب وابن الجنيد بالرى
ومحمد بن إبراهيم البوشنجى وقشمرد ومحمد بن عمرو الحرشى وطائفة بنيسابور
وعثمان بن سعيد الدارمى وغيره بهراة
ومحمد بن غالب ومحمد بن رمح البزار ومحمد بن سليمان الباغندى وخلقا ببغداد وغيرها
روى عنه الدارقطنى والحاكم وابن رزقويه وأبو على بن شاذان والأستاذ أبو إسحاق الإسفراينى وخلق
قال الحاكم أخذ عن ابن خزيمة المصنفات وكان يفتى بمذهبه وكان شيخ أهل الحديث له صدقات دارة على أهل الحديث بمكة والعراق وسجستان سمعته يقول تقدم إلى ليلة بمكة ثلاثة فقالوا أخ لك بخراسان قتل أخانا ونحن نقتلك به فقلت


"""
صفحة رقم 292 """
اتقوا الله فإن خراسان ليست بمدينة واحدة فلم أزل أداريهم إلى أن اجتمع الخلق وخلوا عنى فهذا سبب انتقالى من مكة إلى بغداد
قال الحاكم سمعت الدارقطنى يقول صنفت لدعلج المسند الكبير فكان إذا شك فى حديث ضرب عليه ولم أر فى مشايخنا أثبت منه
قال الحاكم اشترى دعلج بمكة دار العباسية بثلاثين ألف دينار قال ويقال لم يكن فى الدنيا من التجار أيسر من دعلج
وقال الخطيب بلغنى أنه بعث بالمسند إلى ابن عقدة لينظر فيه وجعل فى الأجزاء بين كل ورقتين دينارا
وقال ابن حيويه أدخلنى دعلج داره وأرانى بدرا من الأموال معبأة وقال لى يا أبا عمر خذ من هذا ما شئت فشكرت له وقلت أنا فى كفاية
وقال أبو ذر الهروى خلف دعلج ثلاثمائة ألف دينار
وقال أبو العلاء الواسطى كان دعلج يقول ليس فى الدنيا مثل دارى لأنه ليس فى الدنيا مثل بغداد ولا ببغداد مثل القطيعة ولا بالقطيعة مثل درب أبى خلف ولا فى الدرب مثل دارى
ونقل الخطيب أن رجلا صلى الجمعة فرأى رجلا ناسكا لم يصل فكلمه فقال استر على إن على لدعلج خمسة آلاف درهم فلما رأيته أحدثت فى ثيابى فبلغ دعلجا فطلب الرجل إلى منزله وأبرأه منها ووصله بخمسة آلاف لكونه روعه
وقال أحمد بن الحسين الواعظ فيما روى الخطيب بإسناده عنه أودع أبو عبد الله ابن أبى موسى الهاشمى عشرة آلاف دينار ليتيم فأنفقها فلما كبر الصبى أمر السلطان بدفع المال إليه قال ابن أبى موسى فضاقت على الدنيا فبكرت على بلغتى إلى الكرخ فوقفت على باب مسجد دعلج فصليت خلفه الفجر فلما انفتل رحب بى ودخلنا داره فقدم هريسة فأكلنا وقرت فقال أراك منقبضا فأخبرته فقال كل فحاجتك


"""
صفحة رقم 293 """
مقضية فلما فرغنا وزن لى عشرة آلاف دينار فقمت أطير فرحا ثم أعطيت الصبى المال وعظم ثناء الناس على فاستدعانى أمير من أولاد الخليفة فقال قد رغبت فى معاملتك وتضمينك أملاكى فضمنت منه فربحت ربحا مفرطا حتى كسبت فى ثلاثة أعوام ثلاثين ألف دينار فحملت إلى دعلج ذهبه فقال ما خرجت والله الدنانير عن يدى ونويت أن آخذ عوضها حل بها الصبيان فقلت أيها الشيخ أى شئ أصل هذا المال حتى تهب لى منه عشرة آلاف دينار فقال نشأت وحفظت القرآن وطلبت الحديث وتاجرت فوافانى تاجر فقال أنت دعلج قلت نعم قال قد رغبت فى تسليم مالى إليك مضاربة وسلم إلى برنامجات بألف ألف درهم وقال لى ابسط يدك فيه ولا تعلم موضعا تنفقه إلا حملت منه إليه ولم يزل يتردد إلى سنة بعد سنة يحمل إلى مثل هذا والمال ينمى فلما كان فى آخر سنة اجتمعنا قال لى أنا كثير الأسفار فى البحر فإن قضى الله على قضاء فهذا المال كله لك على أن تتصدق منه وتبنى المساجد قال دعلج فأنا أفعل مثل هذا وقد ثمر الله المال فى يدى فاكتم على ما عشت
توفى دعلج فى جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وله نيف وتسعون سنة
184
زاهر بن أحمد بن محمد بن عيسى أبو على السرخسى
الفقيه المقرئ المحدث
إمام من الأئمة
تفقه على أبى إسحاق المروزى ودرس الأدب على أبى بكر بن الأنبارى


"""
صفحة رقم 294 """
وسمع أبى لبيد محمد بن إدريس السامى وأبا القاسم البغوى ويحيى بن صاعد ومؤمل بن الحسن الماسرجسى وغيرهم
روى عنه أبو عثمان إسماعيل الصابونى وأبو عثمان سعيد بن محمد البحيرى وكريمة الكشميهنية المجاورة وخلق
وأخذ علم الكلام عن الشيخ أبى الحسن الأشعرى رضى الله عنه
قال الحاكم فيه الفقيه المحدث شيخ عصره بخراسان سمعت مناظرته فى مجلس أبى بكر بن إسحاق الصبغى وكان قد قرأ القرآن على أبى بكر بن مجاهد ودخلت سرخس أول ما دخلتها سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة ودخلتها بعد ذلك سبع مرات ما من مرة إلا قصدنى زائرا مع جماعة أصحابه
وذكر أنه لم يقدر له سماعه منه من الأحاديث المسندات شيئا
قلت وشيخنا الذهبى عد الحاكم فى الرواة عنه فلعله لروايته عنه من غير الأحاديث المسندة
قال الحاكم وكانت كتبه ترد على على الدوام أكثر من ثلاثين سنة
قال وتوفى يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وهو ابن ست وتسعين سنة


"""
صفحة رقم 295 """
185
الزبير بن أحمد بن سليمان بن عبد الله بن عاصم بن المنذر بن الزبير ابن العوام الأسدى الإمام الجليل أبو عبد الله الزبيرى
صاحب الكافى والمسكت وغيرهما
كان إماما حافظا للمذهب عارفا بالأدب خبيرا بالأنساب وكان أعمى وكان يسكن البصرة
ووقع فى كلام بعض المصنفين أن اسمه أحمد بن سليمان والصواب ما ذكرناه وهو ما ذكره الشيخ أبو إسحاق والخطيب وابن السمعانى وغيرهم
قال الماوردى فى الحاوى فى آخر باب زكاة الحلى قال أبو عبد الله الزبيرى وهو شيخ أصحابنا فى عصره إذا اتخذ الحلى للإجارة وجبت فيه الزكاة قولا واحدا
قلت وذلك من الزبيرى مبنى على أصل له وهو أن اتخاذ الحلى للإجارة حرام والأصح جوازه وعدم الزكاة فيه
ومراد الماوردى بأصحابنا فيما نظن البصريون لا جميع الأصحاب والماوردى بصرى
وكان الزبير عارفا بالقراءات عرض على روح بن قرة ورويس ومحمد ابن يحيى القطعى ولم يختم عليه


"""
صفحة رقم 296 """
وحدث بالحديث عن محمد بن سنان القزاز وغيره
وروى عنه أبو بكر النقاش وتلا عليه القرآن وعمر بن بشران وعلى بن لؤلؤ ومحمد بن بخيت
ومن تصانيف الزبيرى غير الكافى والمسكت كتاب النية وكتاب ستر العورة وكتاب الهداية وكتاب الاستشارة والاستخارة وكتاب رياضة المتعلم وكتاب الإمارة
مات سنة سبع عشرة وثلاثمائة
ومن الفوائد عنه والغرائب
قال فى المسكت فيمن حلف لا يأكل الفاكهة يحنث بالموز عندى لا محالة قال والزعرور عندى من الفاكهة
وقال فيمن ادعى عليه دراهم فقال أتزن لم يكن إقرارا وإن قال أتزنها كان إقرارا
هكذا فرق أصحابنا العراقيون وعندى أنهما سواء لأنه إذا قال أتزن فقد يريد أتزن من فلان فلا فرق بينه وبين أن يقول أتزنها إلا أن يقول أتزنها منى فإنه عندى إقرار
قلت هذا كلامه فى المسكت وقد حكيته فى كتابى التوشيح وذكرت أنه خلاف ما حكاه عنه الرافعى وغيره إذ حكوا عنه أن أتزنها إقرار وصححوا مخالفته وقد صرح هو بموافقتهم فنقل خلاف ذلك عنه مستدرك فقد أريناك كلامه ونقله ما نسب إليه إلى أصحابه وإلى العراقيين ومراده بأصحابه البصريون من أصحابنا


"""
صفحة رقم 297 """
ومسألة أتزنها منى حسنة ولم يصرحوا بذكرها وهذا مكان مليح
قال الرافعى قال الشافعى رأيت امرأة لم تزل تحيض يوما وليلة وروى مثله عن عطاء وعن أبى عبد الله الزبيرى
قلت وفى هذا النقل عن الثلاثة نظر
والمحكى فى كتاب المهذب وغيره من كتب الأصحاب عن كل من عطاء والشافعى وأبى عبد الله الزبيرى أنهم رأوا من تحيض يوما لا تزيد عليه وهو ما رواه الأوزاعى رحمه الله إذ قال كانت عندنا امرأة تحيض بالغداة وتطهر بالعشى
وقد عاد الرافعى بعد ذلك فنقل الرواية على الصواب عن عطاء والزبيرى فقال فى كلامه على أكثر الحيض عن عطاء رأيت من تحيض يوما ومن تحيض خمسة عشر وعن أبى عبد الله الزبيرى مثل ذلك
وهذا يدفع نقله المتقدم وهو الثابت إن شاء الله
وقفت للزبيرى على مصنف لطيف فى المكاسب وما يحل منها وما يحرم حكى فى أوله قولا لبعض الناس أن المتكسب حرام وهذه عبارته اختلف الناس فى المكاسب فقال بعضهم المكاسب كلها حلال لما يحتاج إليه الإنسان فى نفسه مما يقتاته لقوته ولما يجمعه من المال
وقال آخرون المكاسب كلها محرمة وليس لأحد أن يكتسب ولا يضطرب وإنما يأخذ من الدنيا بلغة تمسك رمقة وتعل نفسه فأما أن يكتسب فليس ذلك له أن يفعل وإذا فعل كان ذلك من ضعف يقينه وقلة ثقته بربه انتهى


"""
صفحة رقم 298 """
186
زكريا بن أحمد بن يحيى بن موسى خت بن عبد ربه بن سالم القاضى الكبير قاضى دمشق فى خلافة المقتدر بالله جعفر أبو يحيى البلخى
كذا ساق نسبه الحافظ فى تاريخ الشام وموسى خت والد جده بفتح الخاء المعجمة بعدها تاء مثناه من فوق مشددة
روى عن يحيى بن أبى طالب وأبى إسماعيل الترمذى وبشر بن موسى وأبى الزنباع روح بن الفرح وأبى حاتم الرازى والحارث بن أبى أسامة وعبد الله 6 7 8 9 10 11 12 13 14 فيه بحسب الدليل وأما العمل فالاحتياط فيه مطلوب والخروج من الخلاف فى ذلك


"""
صفحة رقم 299 """
سهل بأن يفوض إلى نائبه فيزوجه أو غيره من الولاة فلما وقفت عليها أريتها للشيخ الإمام فأعجبته لتأييدها لهذا الذى كان يذكره رحمه الله ما كان أورعه لقد كان وقافا عند كتاب الله صلبا فى احتياطه وتنقيبه عن دينه
ومن غرائب أبى يحيى أيضا
قوله لا يجوز أن يرتهن الرجل أباه ولا يستأجره
187
زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن بن بحر بن عدى بن عبد الرحمن البصرى أبو يحيى الساجى الحافظ
كان من الثقات الأئمة
أخذ عن المزنى والربيع
وسمع من عبيد الله بن معاذ العنبرى ومحمد بن بشار وهدبة بن خالد وأبى الربيع الزهرانى وطالوت بن عباد وأبى كامل الجحدرى وغيرهم
ورحل إلى الكوفة والحجاز ومصر
روى عنه الشيخ أبو الحسن الأشعرى قال شيخنا الذهبى وأخذ عنه مذهب أهل الحديث
قلت سبحان الله هنا تجعل الأشعرى على مذهب أهل الحديث وفى مكان آخر لولا خشيتك سهام الأشاعرة لصرحت بأنه جهمى
وما كان أبو الحسن إلا شيخ السنة وناصر الحديث وقامع المعتزلة والمجسمة وغيرهم وما المجسمة إلا أعداء دين الله وأهل حديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""
صفحة رقم 300 """
وروى عنه أيضا أبو أحمد بن عدى وأبو بكر الإسماعيلى وأبو عمرو بن حمدان ويوسف الميانجى وغيرهم
قال شيخنا الذهبى كان من الثقات الأئمة له كتاب جليل فى العلل يدل على تبحره وإمامته
قلت وله كتاب اختلاف الفقهاء وكتاب اختلاف الحديث وأظنه الذى سماه الذهبى بالعلل
توفى سنة سبع وثلاثمائة
وله مصنف فى الفقه والخلافيات سماه أصول الفقه استوعب فيه أبواب الفقه وذكر أنه اختصره من كتابه الكبير فى الخلافيات وهو عندى فى مجلد ضخم وفى خطبته يقول بعد أن عدد العلماء الذين ذكر اختلافهم وهم الشافعى ومالك وأبو حنيفة وابن أبى ليلى وعبيد الله بن الحسن العنبرى وأبو يوسف وزفر وابن شبرمة وأحمد وإسحاق والثورى وربيعة وابن أبى الزناد ويحيى بن سعيد وأبو عبيد وأبو ثور
قال أبو يحيى وإنما بدات فى كتابى بالشافعى وإن كان بعضهم أسن منه لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا من قريش ولا تعالموها ) ولم أر أحدا فيهم أتبع لحديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا آخذ به من الشافعى
قال وسمعت بدر بن مجاهد يقول سمعت أحمد بن الليث يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول إنى لأدعو الله للشافعى فى صلاتى منذ أربعين سنة يقول اللهم اغفر لى ولوالدى ولمحمد بن إدريس الشافعى
قال وسمعت أحمد بن مدرك الرازى يقول سمعت حرملة بن يحيى يقول سمعت الشافعى يقول ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا


"""
صفحة رقم 301 """
قال وسمعت الربيع يقول سمعت الشافعى يقول وددت أن هذا الخلق تعلموا العلم على ألا ينسب إلى منه حرف
وذكر أبو يحيى فى هذا الكتاب ما يروى من قول الشافعى إذا اجتمع خسوف وعيد وقال يعنى الشافعي بالخسوف الزلزلة
قال وذكر الخسوف خطأ من الكاتب
قلت تفسيره الخسوف بالزلزلة حسن لو كان للزلزلة صلاة لكن لا صلاة لها
188
سعيد بن محمد الفقيه أبو محمد المطوعى
رئيس نسا
كان من أعيان تلامذة الشيخ أبى على بن أبى هريرة تفقه عليه ببغداد
وسمع الحديث بخراسان من أبى حامد بن الشرقى وغيره
روى عنه الحاكم وغيره
توفى سنة خمس وسبعين وثلاثمائة
189
أبو سهل بن العفريس الزوزنى
صاحب جمع الجوامع فى نصوص الشافعى
هو إمام أواخر الطبقة الثالثة أو أوائل الرابعة لأنه سمع من أبى العباس الأصم
وهو رجل زوزنى من جلة أصحابنا ذكره العبادى
وعندى من أول كتاب جمع الجوامع إلى أثناء باب التفليس فى مجلد ضخم كان ملكا للشيخ تقى الدين بن الصلاح وهو من الأصول القديمة قد كتب منه ناصر العمرى المروزى نسخة وعارضها بهذه النسخة


"""
صفحة رقم 302 """
والعفريس فيما كنا نلفظ به بكسر العين المهملة بعدها فاء ساكنة ثم راء مكسورة ثم آخر الحروف ساكنة ثم سين مهملة لكنى رأيتها مضبوطة فى هذه النسخة التى أشرت إليها بفتح العين والفاء وإسكان الراء بعدها نون ساكنة ثم سين مهملة والله أعلم أى الأمرين صواب
وقد جمع أبو سهل فى هذا الكتاب فأوعى استوعب فيه على ما ذكر القديم والمبسوط والأمالى ورواية البويطى وحرملة وابن أبي الجارود ورواية المزنى فى الجامع الكبير والمختصر ورواية أبى ثور ثم إذا فرغ من باب عقد بعده بابا لما فرعه ابن سريج وغيره من الأصحاب فصار الكتاب بذلك أصلا من أصول المذهب وما أظن البيهقى وقف عليه فإنه لم يذكره فى رسالته إلى الشيخ أبى محمد ومع ذلك أستبعد عدم وقوفه عليه وقد وقف عليه أبو عاصم العبادى ونقل عنه
190
شعيب بن على بن شعيب بن عبد الوهاب بن الحسن أبو نصر
من أهل همذان من قدماء أصحابنا
ولى القضاء وروى عن أبيه وعبد الرحمن بن حمدان الحلاب والقاسم ابن أبى صالح وإسماعيل الصفار وأبى سعيد بن الأعرابى وأبى عمرو ابن السماك وخلق
روى عنه حمد الزجاج وحمد بن سهل ومحمد بن جعفر بن بويه الأسداباذى وغيرهم
قال شيرويه كان ثقة صدوقا مرضيا فى حكمه


"""
صفحة رقم 303 """
وقال صالح الحافظ رأيت فى المنام كأن الدنيا كلها ظلمة إلا حيث كان القاضى شعيب بن على واقفا فقلت له يا أبا نصر النور يا أبا نصر النور يا أبا نصر النور
مات القاضى شعيب بأسداباذ فى ذى القعدة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة وحمل إلى همذان
ذكره العبادى وقال نقل عن القاسم بن الربيع عن الربيع عن الشافعى أنه قال من حلف باسم الله فعليه الكفارة لأن اسم الله غير مخلوق ومن حلف بالكعبة فلا كفارة عليه لأنها مخلوقة
191
شعيب بن محمد بن شعيب بن محمد بن إبراهيم العجلى أبو صالح البيهقى
سمع بخراسان أبا نعيم عبد الملك بن عدى ومحمد بن حمدون وأبا حامد ابن الشرقى ومكى بن عبدان وبالعراق أبا بكر الأنبارى وأبا عبد الله المحاملى
وروى الكثير بنيسابور
روى عنه الحاكم أبو عبد الله وأبو عثمان سعيد البحيرى وغيرهما
مولده سنة تسع أو عشر وثلاثمائة بخط شيخنا الذهبى سنة تسع وفى نسختى من تاريخ الحاكم سنة عشر وتوفى فى صفر سنة ست وتسعين وثلاثمائة ببيهق


"""
صفحة رقم 304 """
192
طاهر بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم أبو عبد الله البغدادى
نزيل نيسابور
قال الحاكم كان أظرف من رأينا من العراقيين وأفتاهم وأحسنهم كتابة وأكثرهم فائدة
سمعت أبا عبد الله ابن أبى ذهل يقول ما رأيت من البغداديين أكثر فائدة من أبى عبد الله
سمع أبا حامد الحضرمى وأبا بكر أحمد بن القاسم الفرائضى وأقرانهما
توفى بنيسابور يوم الخميس التاسع من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة
وروى عنه الحاكم وهذا كلامه
قال ابن الصلاح وهو فيما أحسب أبو الأستاذ أبى منصور البغدادى عبد القاهر بن طاهر
قلت ما أوردناه من نسب هذا هو ما أورده الحاكم وقد أسقط ابن الصلاح اسم أبى هذا فقال طاهر بن عبد الله وذكره بعد القاضى فكتب شيخنا المزى يقدم
فأما كتابته إياه بعد القاضى فصواب لأن القاضى طاهر بن عبد الله وهذا طاهر بن محمد والعين مقدمة على الميم والمزى توهمه كما أورد ابن الصلاح طاهر ابن عبد الله فكتب يقدم وهو صحيح لو كان الأمر كما توهمه لأن جده إبراهيم حينئذ وجد القاضى طاهر والألف قبل الطاء
والذى أراه أن ابن الصلاح لم يقصد هذا بل أراد أن يكتب طاهر بن محمد فأسقط اسم محمد نسيانا ويدل عليه ذكره إياه بعد القاضى والله أعلم


"""
صفحة رقم 305 """
193
العباس بن عبد الله بن أحمد بن عصام أبو الفضل المزنى البغدادى
روى عن هلال بن العلاء وعباس الدورى وخلائق
روى عنه أبو زرعة أحمد بن الحسين وجماعة وتكلم فيه
وقال الخطيب لم يكن بثقة
وقال غيره قدم همذان سنة خمس وعشرين وثلاثمائة
194
عبد الله بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن إسماعيل أبو القاسم النسائى الفقيه
حدث ببغداد سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة
وكان قد سمع من الحسن بن سفيان مسنده وبه ختمت الرواية عن الحسن وسمع مسند ابن راهويه من عبد الله بن شيرويه عنه وسمع بالعراق من محمد ابن محمد الباغندى وطبقته
روى عنه أحمد بن جعفر الختلى وأبو القاسم عبد الله بن الثلاج والحاكم وغيرهم


"""
صفحة رقم 306 """
قال الخطيب قال الحاكم توفى فى شوال سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة بنسا
قال شيخنا الذهبى عندى فى تاريخ الحاكم أنه سنة أربع وثمانين
قلت نسخة الذهبى من تاريخ الحاكم هى التى عنيت وهى سقيمة والنسخ من تاريخ الخطيب معتمدة فالاعتماد عليها أولى
قال الحاكم كان شيخ العدالة والعلم بنسا وعاش نيفا وتسعين سنة
195
عبد الله بن أحمد بن يوسف المعروف بأبى القاسم البردعى
أنشد له الدارقطنى قصيدة من قيله يمدح بها الشافعى وأصحابه أورد منها ابن الصلاح جملة
196
عبد الله بن حامد بن محمد بن عبد الله بن على بن رستم بن ماهان أبو محمد الماهانى الأصبهانى الواعظ
من أهل نيسابور وكان والده من أعيان التجار من الأصبهانيين نزل نيسابور وأبو محمد ولد بنيسابور
وتفقه عند أبى الحسن البيهقى ثم خرج إلى أبى على بن أبى هريرة وتعلم الكلام من أبى على الثقفى وأعيان الشيوخ


"""
صفحة رقم 307 """
وسمع بنيسابور أبا حامد بن الشرقى ومكى بن عبدان وأقرانهما
روى عنه الحاكم وغيره
توفى فى جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وهو ابن ثلاث وثمانين سنة وأشهر صلى عليه الفقيه أبو بكر بن فورك
197
عبد الله بن الحسين بن إسماعيل أبو بكر الضبى المحاملى
ولى قضاء ميافارقين ثم قضاء حلب وأنطاكية وكان عفيفا نزها
سمع أباه وأبا بكر بن زياد النيسابورى وغيرهما
مات سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة
198
عبد الله بن الإمام أبى داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق ابن بشير السجستانى الحافظ ابن الحافظ أحد الأجلاء أبو بكر الأزدى
ولد بسجستان سنة ثلاثين ومائتين


"""
صفحة رقم 308 """
وسمع ببغداد ونيسابور والحرمين ومصر والشام والثغور والعراق
سمع أحمد بن صالح المصرى وعيسى بن حماد وأبا الطاهر بن السرح وإسحاق الكوسج ومحمد بن أسلم وعلى بن خشرم وسلمة بن شبيب ومحمد بن يحيى الزمانى والمسيب بن واضح وأبا سعيد الأشج وغيرهم
روى عنه عبد الرحمن بن أبى حاتم وأبو بكر بن مجاهد ودعلج ومحمد بن المظفر والدارقطنى وأبو عمر بن حيويه وأبو حفص بن شاهين وأبو بكر الوراق وأبو الحسين بن سمعون وأبو أحمد الحاكم وأبو طاهر المخلص وعيسى بن الجراح ومحمد بن زنبور وأبو مسلم الكاتب وخلق
وقال رأيت جنازة إسحاق بن راهويه سنة ثمان وثلاثين ومائتين وأول ما سمعت من محمد بن أسلم الطوسى فى سنة إحدى وأربعين وكان بطوس وكان رجلا صالحا فسر أبى لما كتبت عنه وقال أول ما كتبت عن رجل صالح
وقال دخلت الكوفة ومعى درهم واحد فاشتريت به ثلاثين مد باقلا فكنت آكل منه مدا وأكتب عن الأشج ألف حديث فكتبت عنه فى الشهر ثلاثين ألف حديث ما بين مقطوع ومرسل
وروى الخطيب عن أبى القاسم الأزهرى عن ابن شاذان قال قدم ابن أبى داود


"""
صفحة رقم 309 """
سجستان فسألوه أن يحدثهم فقال ما معى أصل فقالوا ابن أبى داود وأصول قال فأثارونى فأمليت عليهم ثلاثين ألف حديث من حفظى فلما قدمت بغداد قال البغداديون مضى ابن أبى داود إلى سجستان ولعب بالناس ثم فيجوا فيجا اكتروه بستة دنانير إلى سجستان ليكتب لهم النسخة فكتبت وجئ بها وعرضت على الحفاظ فخطأونى فى ستة أحاديث منها ثلاثة حدثت بها كما حدثت وثلاثة أخطأت فيها
فى هذه الحكاية أن الإملاء كان بسجستان وقيل إن الصواب أنه كان بأصبهان وكذا رواه أبو على النيسابورى وغيره
199
عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم ابن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية الأموى
هو ابن الخليفة الناصر أبى المطرف صاحب الأندلس
كان فقيها شافعيا أديبا متنسكا شهما سمت نفسه إلى طلب الخلافة فى حياة أبيه وتابعه قوم وأخفوا أمرهم وبيتوا على اغتيال والده وأخيه المستنصر ولى عهد أبيه فبلغ أباه الخبر فما لبث أن سجنه وسجن من اطلع على أمره من متابعيه ثم أخرجه أخرجهم يوم عيد الأضحى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة من الحبس وأحضره وأحضرهم


"""
صفحة رقم 310 """
بين يديه وقال لخواصه هذه أضحيتى فى هذا العيد ثم أضجع له ولده وذبحه بيده وقال لأتباعه ليذبح كل أضحيته فاقتسموا أصحاب ولده عبد الله وذبحوهم عن آخرهم
200
عبد الله بن على بن الحسن أبو محمد القاضى القومسى
قال حمزة السهمى كان فقيها درس على أبى إسحاق المروزى وكان قاضى جرجان روى عن أبيه وعن محمد بن هارون الحضرمى والبغوى وابن صاعد وغيرهم
توفى ليلة الأحد لست بقين من شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وصلى عليه أبو بكر الإسماعيلى وكان ابن ثمان وتسعين سنة
201
عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل بن ميمون الإمام الحافظ الكبير أبو بكر النيسابورى الفقيه
مولى آل عثمان رضى الله عنه
ولد سنة ثمان وثلاثين ومائتين


"""
صفحة رقم 311 """
سمع محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف وعبد الله بن هاشم وأحمد بن الأزهر ببلده ويونس والربيع وأبا إبراهيم المزنى وأبا زرعة الرازى والعباس بن الوليد البيروتى والحسن بن محمد الزعفرانى وعلى بن حرب ومحمد بن عوف وآخرين
روى عنه ابن عقدة وأبو على النيسابورى وحمزة الكنانى والدارقطنى وابن المظفر وأبو إسحاق بن حمزة الأصبهانى وأبو عمر بن حيويه وأبو حفص الكتانى وابن شاهين والمخلص وعبيد الله بن أحمد الصيدلانى وإبراهيم ابن خرشيد قوله وآخرون
قال الحاكم كان إمام عصره من الشافعية بالعراق ومن أحفظ الناس للفقهيات واختلاف الصحابة
وقال الدارقطنى ما رأيت أحفظ منه وكان يعرف زيادات الألفاظ فى المتون ولما قعد للتحديث قالوا حدث قال بل سلوا فسئل عن أحاديث أجاب فيها وأملاها
وكان حدثنا عن يوسف بن مسلم عن حجاج عن ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها )


"""
صفحة رقم 312 """
ثم قال صوابه عن أبى الزبير عن طاوس مرسلا
وكان يقال إن أبا بكر النيسابورى أقام أربعين سنة لا ينام الليل ويتقوت كل يوم بخمس حبات ويصلى صلاة الغداة على طهارة العشاء الأخير
توفى فى رابع ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وثلاثمائة
ومن الرواية عنه
أخبرنا شيخنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أخبرنا أحمد بن إسحاق أخبرنا الفتح بن عبد الله أخبرنا هبة الله بن الحسين أخبرنا أحمد بن محمد حدثنا عيسى ابن على حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد النيسابورى إملاء حدثنا محمد بن يحيى حدثنا محمد بن عبيد حدثني الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نهى أن يمشى الرجل فى نعل واحدة
ومن الفوائد عنه
قال فى حديث أسيد بن ظهير وقيل أسيد بن حضير عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قضى إذا وجدت السرقة عند الرجل غير المتهم فإن شاء سيدها أخذها بالثمن وإن شاء اتبع صاحبها ما أعلم أحدا من الفقهاء قال بهذا الحديث إلا إسحاق بن راهويه
قيل لأحمد ابن حنبل تذهب إليه قال لا قد اختلفوا فيه وأذهب إلى حديث الحسن عن سمرة عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من وجد ماله عند رجل فهو أحق به )


"""
صفحة رقم 313 """
قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله فى آخر باب الغصب حديث أسيد رواه النسائى وأبو داود فى المراسيل وفيه أنه قضى به أبو بكر وعمر
قلت وكذلك رواه أبو القاسم الطبرانى فى معجمه الكبير فقال حدثنا على بن عبد العزيز حدثنا هوذة بن خليفة حدثنا ابن جريج عن عكرمة بن خالد أن أسيد بن حضير بن سماك حدثه قال كتب معاوية إلى مروان ابن الحكم إذا سرق الرجل فوجد سرقته فهو أحق بها إذا وجدها
فكتب إلى مروان بذلك وأنا عامله على اليمامة فكتبت إلى مروان أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قضى أن السرقة إذا وجدت عند الرجل غير المتهم فإن شاء سيدها أخذها بالثمن وإن شاء اتبع سارقه ثم قضى بذلك أبو بكر وعمر وعثمان
فبعث مروان بكتابى إلى معاوية فبعث معاوية إلى مروان إنك لست ولا أسيد تقضيان على فيما وليت ولكنى أقضى عليكما فأنفذ ما أمرتك به
فبعث مروان بكتاب معاوية إلى فقلت والله لا أقضى به أبدا
وفى لفظ النسائى أيضا أنه قضى به أبو بكر وعمر وهذا لفظ النسائى أخبرنى هارون بن عبد الله حدثنا حماد بن مسعدة عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد حدثنى أسيد بن حضير بن سماك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قضى أنه إذا وجدها فى يد الرجل غير المتهم فإن شاء أخذها بما اشتراها وإن شاء اتبع سارقه وقضى بذلك أبو بكر وعمر
أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا سعيد بن ذويب قال حدثنا عبد الرزاق


"""
صفحة رقم 314 """
عن ابن جريج ولقد أخبرنى عكرمة بن خاد أن أسيد بن حضير الأنصارى ثم أحد بنى حارثة أخبره أنه كان عاملا على اليمامة وأن مروان كتب إليه أن معاوية كتب إليه أن أيما رجل سرق منه سرقة فهو أحق بها حيث وجدها
ثم كتب بذلك مروان إلى فكتبت إلى مروان أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قضى بأنه إذا كان الذى ابتاعها من الذى سرقها غير متهم يخير سيدها فإن شاء أخذ الذى سرق منه بثمنها وإن شاء اتبع سارقها ثم قضى بذلك أبو بكر وعمر وعثمان
فبعث مروان بكتابى إلى معاوية وكتب معاوية إلى مروان إنك لست أنت ولا أسيد تقضيان على ولكنى أقضى فيما وليت عليكما فأنفذ لما أمرتك به
فبعث مروان بكتاب معاوية فقلت لا أقضى به ما وليت بما قال معاوية رواه أبو داود فى المراسيل بنحو هذا المعنى
202
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح بن شجاع أبو أحمد ابن المفسر الدمشقى
نزيل مصر
سمع أحمد بن على بن سعيد المروزى وعبد الرحمن بن القاسم بن الرواس وعلي بن غالب السكسكى ومحمد بن إسحاق بن راهويه وعبد الله ابن محمد بن على البلخى الحافظ وجنيد بن خلف السمرقندى لقى هؤلاء الثلاثة فى الحج


"""
صفحة رقم 315 """
وانتقى عليه أبو الحسن الدارقطنى
وحدث عنه الحفاظ عبد الغنى وابن مندة وأحمد بن محمد بن أبى العوام وآخرون
توفى فى رجب سنة خمس وستين وثلاثمائة
203
عبد الله بن محمد بن عدى بن عبد الله بن محمد بن مبارك الحافظ الكبير أبو أحمد الجرجانى
صاحب كتاب الكامل فى معرفة الضعفاء وأحد الجهابذة الذين طافوا البلاد وهجروا الوساد وواصلوا السهاد وقطعوا المعتاد طالبين للعلم لا يعترى همتهم قصور ولا يثنى عزمهم عوارض الأمور ولا يدع سيرهم في ليالى الرحلة مدلهم الديجور
وكتابه الكامل طابق اسمه معناه ووافق لفظه فحواه من عينه انتجع المنتجعون وبشهادته حكم المحكمون وإلى ما يقول رجع المتقدمون والمتأخرون
وكان ابن عبدى يعرف فى بلدة بابن القطان
رحل إلى الشام ومصر رحلتين أولهما سنة سبع وتسعين ومائتين
سمع عبد الرحمن بن القاسم الرواس وأبا عقيل أنس بن السلم وأبا خليفة والحسن ابن سفيان وبهلول بن إسحاق الأنبارى وأبا عبد الرحمن النسائى ومحمد بن يحيى


"""
صفحة رقم 316 """
المروزى وعبدان وأبا يعلى وأبا عروبة وزكريا الساجى والباغندى وأمما سواهم
روى عنه أبو العباس ابن عقدة وهو من أشياخه وأبو سعد المالينى والحسن ابن رامين وحمزة السهمى وآخرون
ولد سنة سبع وسبعين ومائتين
وكتب الحديث ببلده سنة تسعين
قال حمزة السهمى سألت الدارقطنى أن يصنف كتابا فى الضعفاء فقال أليس عندك كتاب ابن عدى قلت نعم قال فيه كفاية لا يزاد عليه
قلت ذكر ابن عدى فى الكامل كل من تكلم فيه ولو من رجال الصحيح وذكر فى كل ترجمة حديثا فأكثر من غرائب ذاك الرجل ومناكيره
وألف على مختصر المزنى كتابا سماه الانتصار لوددت لو وقفت عليه
وقال حمزة كان حافظا متقنا لم يكن فى زمانه مثله تفرد بأحاديث وهب منها لابنيه عدى وأبى زرعة وتفردا بها
وقال الحافظ ابن عساكر كان ثقة على لحن فيه
وقال شيخنا الذهبى كان لا يعرف العربية مع عجمة فيه وأما فى العلل والرجال فحافظ لا يجارى
توفى فى جمادى الآخرة سنة خمس وستين وثلاثمائة وصلى عليه أبو بكر الإسماعيلى


"""
صفحة رقم 317 """
204
عبد الله بن محمد البخارى الشيخ الإمام أبو محمد البافي
نسبه إلى باف بالباء والفاء الموحدتين قرية من قرى خوارزم
كان من أفقه أهل زمانه مع المعرفة بالنحو والأدب فصيح اللسان بليغ الكلام حسن المحاضرة حلو العبارة حاضر البديهة يقول الشعر الحسن من غير كلفة ويكتب الرسائل المطولة بلا روية
تفقه على أبى على بن أبى هريرة وأبى إسحاق المروزى
أخذ عنه القاضى أبو الطيب والماوردى وطوائف
مات فى المحرم سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة
ومن الرواية عنه والفوائد والغرائب والأشعار
أخبرنا المسند تاج الدين عبد الرحيم بن أبى اليسر بإسناده إلى القاضى أبى بكر محمد بن عبد الباقى الأنصارى حدثنا أبو بكر أحمد بن على لفظا حدثنا القاضى أبو الحسن على بن محمد بن حبيب الشافعى البصرى قال أنشدنا أبو محمد البافى قول الشاعر
دخلنا كارهين لها فلما
ألفناها خرجنا مكرهينا


"""
صفحة رقم 318 """
فقال يوشك أن يكون هذا فى بغداد وأنشد لنفسه فى معنى ذلك البيت وضمنه البيت
على بغداد معدن كل طيب
ومأوى نزهة المتنزهينا
سلام كلما جرحت بلحظ
عيون المشتهين المشتهينا
دخلنا كارهين لها فلما
ألفناها خرجنا مكرهينا
وما حب الديار بنا ولكن
أمر العيش فرقة من هوينا
قلت الثالث مضمن كما رأيت والرابع مشترك من قول الشاعر
أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبى
ولكن حب من سكن الديارا
وحكى من حضر مجلسه أنه جاءه غلام حدث وبيده رقعة دفعها إليه فقرأها متبسما وأجاب عنها وكان فيها
عاشق خاطر حتى استلب
المعشوق قبله
أفتنا لا زلت تفتى
هل يبيح الشرع قتله
فأجاب
أيها السائل عما
لا يبيح الشرع فعله
قبلة العاشق للمعشوق
لا توجب قتله
قلت ما أحسن قوله لا يبيح الشرع فعله فإنه نبه به على تحريم الفعل خوفا من أن يظن المستفتى إباحته بانتفاء وجوب القتل
ومن شعره
عجبت من معجب بصورته
وكان بالأمس نطفة مذرة


"""
صفحة رقم 319 """
وفى غد بعد حسن هيئته
يصير فى القبر جيفة قذره
وهو على عجبه ونخوته
ما بين يوميه يحمل العذرة
قلت ولعله أخذه مما أخبرنا به أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز بقراءتى عليه أخبرنا الشيخان إسماعيل بن أبى عبد الله بن حماد بن العسقلانى وإبراهيم بن حمد بن كامل بن عمر المقدسى قراءة عليهما وأنا أسمع قالا أخبرنا أبو محمد بن منينا وعبد الوهاب بن على بن على بن سكينة إذنا قالا أخبرنا القاضى أبو بكر محمد بن عبد الباقى بن محمد الأنصارى أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن على الخطيب ببغداد أخبرنا على بن المظفر الأصبهانى المقرئ حدثنا حبيب بن الحسن حدثنا أحمد بن محمد الشطوى حدثنا حسين بن جعفر بن سليمان الصبغى سمعت أبى جعفر بن سليمان يقول مر والي البصرة بمالك بن دينار يرفل فصاح به مالك أقل من مشيتك هذه فهم خدمه به فقال دعوه ما أراك تعرفنى فقال له مالك ومن أعرف بك منى أما أولك فنطفة مذرة وأما آخرك فجيفة قذرة ثم أنت بين ذلك تحمل العذرة فنكس الوالى رأسه ومشى
قال الخطيب أبو بكر الحافظ فى كتاب له مصنف فى القول فى النجوم أخبرنا القاضى أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبرى قال قيل لأبى محمد البافى إن منجما لقى رجلا فقال له كيف أصبحت فقال أصبحت أرجوا الله تعالى وأخافه وأصبحت أنت ترجو المشترى وتخاف زحل فنظمه البافى شعرا وأنشدناه
أصبحت لا أرجو ولا أخشى سوى الجبار
فى الدنيا ويوم المحشر


"""
صفحة رقم 320 """
وأراك تخشى ما تقدر أنه
يأتى به زحل وترجو المشترى
شتان ما بينى وبينك فالتزم
طرق النجاة وخل طرق المنكر
قال الخطيب وأخبرنى عبد الغفار بن عبد الواحد الأرموى قال أنشدنى أبو زرعة روح بن محمد القاضى قال أنشدنا عبد الله بن محمد البافى لنفسه
وكنت إن بكرت فى حاجة
أطالع التقويم والزيجا
فأصبح الزيج كتصحيفه
وأصبح التقويم تعويجا
205
عبد الله بن محمد القزوينى
المذكور فى الرافعى فى أوائل كتاب موجبات الضمان
هو عبد الله بن محمد بن جعفر القزوينى
أبو القاسم القاضى
ولى نيابة الحكم بدمشق ثم ولى قضاء الرملة ثم سكن مصر
وحدث عن يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان المرادى ومحمد بن عوف الجمحى وجماعة
روى عنه عبد الله بن السقا الحافظ وأبو بكر بن المقرئ وابن عدى ويوسف الميانجى ومحمد بن المظفر وآخرون
قال ابن يونس كان محمودا فيما يتولى وكانت له حلقة للإشغال بمصر وللرواية وكان يظهر عبادة وورعا وكان قد ثقل سمعه شديدا وكان يفهم الحديث ويحفظ ويجتمع فى داره الحفاظ ويملى عليهم ويجتمع فى مجلسه جمع عظيم


"""
صفحة رقم 321 """
وقال ابن المقرئ رأيتهم يضعفونه وينكرون عليه أشياء
قلت وضعفه الدارقطنى وقال كذاب ألف سنن الشافعى وفيها نحو مائتى حديث لم يحدث بها الشافعى
ونال منه أيضا ابن يونس وقال خلط فى آخر عمره ووضع الأحاديث على متون فافتضح وأحرقت كتبه فى وجهه
وأسند الحافظ ابن عساكر عن أبى سليمان بن زبر أنه توفى سنة خمس عشرة وثلاثمائة
ومن الفوائد عنه
نص الشافعى على أنه إذا فات رجلا مع الإمام ركعتان من رباعية قضاهما بأم القرآن وسورة كما فاته وإن كانت مغربا وفاتته منها ركعة قضاها بأم القرآن وسورة والمزنى حكى هذا النص فى المختصر واعترضه بما حاصله أن ما يدركه المأموم مع الإمام أول صلاته وما يقضيه آخرها والسورة لا تقرا فى الركعتين الأخيرتين وأطال فى ذلك فى المختصر وقال قد جعلها آخرة أولى وهذا متناقض
وقد أجاب عبد الله القزوينى عن ذلك بأن ذلك ليس بتناقض ولا يبنى على القول بقراءة السورة فى الركعتين الآخرتين بل لأن السورة لما فاتته فى الأوليين أمر استحبابا بإعادتها فى الآخرتين


"""
صفحة رقم 322 """
قال القزوينى وقد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعى قال وإن فاتته ركعتان من الظهر وأدرك الركعتين الأخيرتين صلاهما مع الإمام فقرأ بأم القرآن وسورة إن أمكنه وإن لم يمكنه قرأ ما أمكنه فإذا قام قضى ركعتين فقرأ فى كل واحدة منهما بأم القرآن وسورة فيأتى بما فاته كما فاته ولو اقتصر على أم القرآن أجزأه ولو فاتته ركعة من المغرب فصلى ركعتين قضى ركعة بأم القرآن وسورة ولم يجهر وما أدرك مع الإمام أول صلاة نفسه لا يجوز لأحد عندى أن يقول خلاف هذا انتهى
وفى هذا النص الذى نقله القزوينى فائدتان إحداهما أن الشافعى لم يقل ذلك بناء على قول قراءة السورة فى الركعتين الأخيرتين بل على كل قول وهذا هو الصحيح فإن الأصحاب لما ذكروا اعتراض المزنى هذا أجاب بعضهم بأن الشافعى قال هذا بناء على القول الذاهب إلى أن السورة تقرأ فى الركعتين الأخيرتين وليس هذا بشئ وأجاب المحققون بهذا الجواب الذى قاله القزوينى فقالوا ومقدمهم أبو إسحاق المروزى كل سنة تفوت الرجل فى صلاته وأمكنه تلافيها من غير أن يوقع خللا بترك سنة فيها فعليه تداركها نص الشافعى على أنه لو ترك التعوذ فى الركعة الأولى يقضيه فى الثانية ونص فى الكبير على أن السنة أن يقرأ سورة الجمعة فى الركعة الأولى من صلاة الجمعة فإن فاتته قرأها فى الثانية مع المنافقين
قال القاضى الحسين وهذا بخلاف ما لو ترك الرمل فى الأشواط الثلاثة لا يقضيه فى الأربعة لأنه لا يمكن قضاؤه إلا بترك سنة أخرى وهى المشى فى الأربعة
قلت فخرج من هذا فى أن القول الذى عليه تفرع عدم استحباب السورة فى الركعتين الأخيرتين لا استحباب عدمها وبهذا يتوجه أن من لم يقرأها فى الأوليين أعادها بخلاف ما لو قلنا يستحب عدمها فى الركعتين الأخيرتين فإنه كان يلزم


"""
صفحة رقم 323 """
ألا يستحب قضاؤها لئلا يتعارض شيئان كالأشواط وكما أنه لا يجهر لئلا تتعارض سنة الإسرار فى الآخرتين مع الجهر فى الأوليين
والفائدة الثانية أن المأموم المسبوق إذا أمكنه أن يقرأ السورة فيما أدركه مع الإمام قرأها واقتصر النووى فى شرح المهذب على نقل هذا عن تبصرة الشيخ أبى محمد وقد نقله القزوينى أيضا كما رأيت
206
عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى أبو الحسن بن أبى إسحاق المزكى
من فقهاء نيسابور
روى عن أبى حامد بن الشرقى ومحمد بن عمر بن حفص وأبى العباس الأصم وأبى بكر القطان وأبى حامد بن بلال وغيرهم
روى عنه الحاكم وعمر بن أحمد النيسابورى الجورى وأحمد بن منصور المغربى ومحمد بن طلحة شيخ الخطيب وغيرهم
قال الحاكم كان من الصالحين العباد التاركين لما لا يعنى قراء القرآن المكثرين من سماع الحديث
توفى فى ربيع الأول سنة سبع وتسعين وثلاثمائة بنيسابور وصلى عليه الإمام أبو الطيب الصعلوكى


"""
صفحة رقم 324 """
207
عبد الرحمن بن سلمويه أبو بكر الرازى الفقيه
نزيل مصر
روى عن أبى شعيب الحرانى وغيره
روى عنه أبو محمد بن النحاس
قال ابن يونس كان ثقة له حلقة بجامع مصر للعلم كتب الكثير عن أهل بلده وغيرهم
مات سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة
208
عبد الرحمن بن أبى حاتم محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو محمد التميمى الحنظلى
الإمام ابن الإمام حافظ الرى وابن حافظها
كان بحرا فى العلم وله المصنفات المشهورة رحل مع أبيه صغيرا وبنفسه كبيرا
وسمع أباه وابن وارة وأبا زرعة والحسن بن عرفة وأحمد بن سنان القطان وأبا سعيد الأشج ويونس بن عبد الأعلى وخلائق بالحجاز والشام ومصر والعراق والجبال والجزيرة
روى عنه الحسين بن على حسينك التميمى وأبو الشيخ وعلى بن عبد العزيز


"""
صفحة رقم 325 """
ابن مردك وأبو القاسم عبد الله بن محمد بن أسد الفقيه وأبو على حمد بن عبد الله الأصبهانى وإبراهيم بن محمد النصراباذى وعلى بن محمد القصار وآخرون
قال أبو يعلى الخليلى أخذ علم أبيه وأبى زرعة وكان بحرا فى العلوم ومعرفة الرجال صنف فى الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار قال وكان زاهدا يعد من الأبدال
قلت من مصنفاته تفسير فى أربع مجلدات عامته آثار مسندة وكتاب الجرح والتعديل المشهور فى عدة مجلدات وكتاب الرد على الجهمية وكتاب العلل وكتاب مناقب الشافعى
قال يحيى بن مندة صنف ابن أبى حاتم المسند فى ألف جزء وكتاب الزهد وكتاب الكنى والفوائد الكبير وفوائد الرازيين وكتاب تقدمة الجرح والتعديل وأشياء
وقال أبو الحسن على بن إبراهيم الرازى الخطيب المجاور بمكة وله مصنف فى ترجمة ابن أبى حاتم سمعت على بن الحسن المصرى ونحن فى جنازة ابن أبى حاتم يقول قلنسوة عبد الرحمن من السماء وما هو بعجب رجل من ثمانين سنة على وتيرة واحدة لم ينحرف عن الطريق
قال وسمعت العباس بن أحمد يقول بلغنى أن أبا حاتم قال ومن يقوى على عبادة عبد الرحمن لا أعرف لعبد الرحمن ذنبا
وقال وسمعت ابن أبى حاتم يقول لم يدعنى أبى أشتغل فى الحديث حتى قرأت القرآن على الفضل بن شاذان الرازى ثم كتبت الحديث


"""
صفحة رقم 326 """
قال أبو الحسن وكان عبد الرحمن قد كساه الله بهاء ونورا يسر به من نظر إليه
قال وسمعت أبا عبد الله القزوينى الواعظ يقول إذا صليت مع عبد الرحمن فسلم نفسك إليه يعمل بها ما يشاء
وقال عمر بن إبراهيم الزاهد الهروى حدثنا الحسين بن أحمد الصفار قال سمعت عبد الرحمن بن أبى حاتم يقول وقع عندنا الغلاء فأنفذ بعض أصدقائى حبوبا من أصبهان فبعته بعشرين ألف درهم وسألنى أن أشترى له دارا عندنا فإذا نزل علينا نزل فيها فأنفقتها على الفقراء وكتب إلى ما فعلت قلت اشتريت لك بها قصرا فى الجنة قال رضيت إن ضمنت ذلك لى فتكتب على نفسك صكا ففعلت قال فأريت فى المنام قد وفينا بما ضمنت ولا تعد لمثل هذا
وقال أبو الربيع محمد بن الفضل البلخى سمعت أبا بكر محمد بن مهرويه الرازى سمعت على بن الحسين بن الجنيد سمعت يحيى بن معين يقول إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم فى الجنة من مائتى سنة
قال ابن مهرويه فدخلت على ابن أبى حاتم وهو يقرأ على الناس كتاب الجرح والتعديل فحدثته بهذا فبكى وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب وجعل يستعيدنى الحكاية ويبكى
مات ابن أبى حاتم وهو فى عشر التسعين فى المحرم سنة سبع وعشرين وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 327 """
ومن الفوائد عن ابن أبى حاتم
روى فى كتاب مناقب الشافعى عن الربيع أن الشافعى قال ما شبعت منذ ست عشرة أو سبع عشرة سنة إلا شبعة طرحتها
وروى أن البويطى قال قال الشافعى رضى الله عنه لا نعلم أحدا أعطى طاعة الله حتى لم يخلطها بمعصيته إلا يحيى بن زكريا ولا عصى الله فلم يخلط بطاعته فإذا كان الأغلب الطاعة فهو العدل وإذا كان الأغلب المعصية فهو المجروح
قلت كذا وقع مطلقا فى روايات عن الشافعى ومقيدا فى رواية أخرى بعدم اقتراف الكبيرة فيكون المراد هنا بالمعصية الصغيرة وإلا فصاحب الكبيرة الواحدة مجروح وإن كان الغالب عليه الطاعة هذا مذهب الشافعى الذى تطابقت عليه كتب أصحابه لا أقول إنهم نصوا على ذلك نصا بل أطلقوا أن ذا الكبيرة مجروح وهو أعم من أن يغلب عليه الطاعة أو لا يغلب نعم يحكى عن شيخ الإسلام وسيد المتأخرين تقى الدين ابن دقيق العيد أنه كان يميل فى هذا الزمان إلى نحو من هذا إذا حصلت الثقة بقول الشاهد فرب من لا يقدم على شهادة الزور وإن كان متلبسا بكبيرة أخرى
قال القاضى أبو الطيب الطبرى وجدت فيما جمعه عبد الرحمن بن أبى حاتم من مناقب الشافعى يقول يونس بن عبد الأعلى سمعت الشافعى يقول فى الرجل يكون


"""
صفحة رقم 328 """
فى الصلاة فيعطس رجل لا بأس أن يقول له المصلى يرحمك الله قلت له ولم قال لأنه دعاء وقد دعا النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لقوم فى الصلاة ودعا على آخرين
وهذه رواية صحيحة فوجب أن يكون أولى مما قاله أصحابنا يعنى من أنه تبطل الصلاة
قلت وقد وقفت على النص فى كتاب ابن أبى حاتم وقدمناه فى ترجمة يونس
قال صاحب البحر وأنا رأيت عن الإمام أبى عبد الله الحناطى حكى عن البويطى عن الشافعى هكذا قال وهذا هو الصحيح عندى إذا كان قصده الدعاء لا الخطاب قال والأول أشبه بالسنة انتهى
قال وإذا عطس المصلى يحمد الله إلا أن الخطابى قال مذهب الشافعى أنه يستحب أن يقول ذلك فى نفسه قال صاحب البحر وهذا غريب
209
عبد الرحيم بن محمد بن حمدون بن بخار البخارى أبو الفضل
من أهل نيسابور
وكان من أعيان أصحاب أبى الوليد النيسابورى والقدماء منهم وعقد له أبو الوليد التدريس فى حياته
قال أبو إسحاق المزكى قلت لأبى الوليد سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة يخرج معنا السنة جماعة من الفقهاء من أصحابك وإن وقعت مسألة فى الدين إلى من أرجع منهم فقال إلى أبى الفضل بن بخار


"""
صفحة رقم 329 """
سمع بنيسابور أبا حامد وأبا محمد ابنى الشرقى ومكى بن عبدان
وبسرخس أبا العباس الدغولى
وببغداد إسماعيل بن محمد الصفار
وبمكة أبا سعيد بن الأعرابى وغيرهم
روى عنه الحاكم أبو عبد الله وقال اعتل أبو الفضل ابن بخار قبل موته بسنتين علة من الرطوبة فعمى وصم وزال عقله وبقى على ذلك قريبا من ثلاث سنين ثم توفى فى جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة
210
عبد الصمد بن عمر بن محمد بن إسحاق أبو القاسم الدينورى
الفقيه الواعظ الزاهد
سمع من أبي بكر النجاد وتفقه على أبى سعيد الإصطخرى
وروى عنه الأزجى والصيمرى
وكان ثقة صالحا يضرب به المثل فى مجاهدة النفس واستعمال الصدق والتقشف والأمر بالمعروف
وكان يدق السعد للعطارين بالأجرة ويقتات من ذلك
ولما حضرته الوفاة جعل يقول سيدى لهذه الساعة خبأتك


"""
صفحة رقم 330 """
توفى يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذى الحجة سنة سبع وتسعين وثلاثمائة ببغداد
211
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز أبو القاسم الداركى
أحد أئمة الأصحاب ورفعائهم
والذى ذكرناه من تسمية والده بعبد الله هو الصواب وإياه ذكر الخطيب والشيخ أبو إسحاق وغيرهما
وقال الحاكم فى تاريخ نيسابور عبد العزيز بن الحسن وهذا وهم وعذره أن هذا الشيخ بغدادى إنما ورد نيسابور زائرا فليست له به المعرفة التامة وإنما الحسن جده لأمه لا جده لأبيه وهو الذى كان محدث أصبهان فى وقته والحاكم رحمه الله قال كان أبوه محدث أصبهان فى وقته
قلت وأرى أن المحدث جده لأمه ولكن الحاكم لما سمى أباه باسم جده لأمه قال هذا وقد كان الداركى نفسه محدثا أيضا وربما اجتهد أيضا وقيل له فى ذلك فقال نأخذ بالحديث وندع فلانا وفلانا


"""
صفحة رقم 331 """
وقد روى عن جده لأمه الحسن بن محمد الداركى وغيره
روى عنه أبو القاسم الأزهرى وعبد العزيز الأزجى وأحمد بن محمد العتيقى وأبو القاسم التنوخى والحاكم أبو عبد الله الحافظ وغيرهم
قال الحاكم كان من كبار فقهاء الشافعيين درس بنيسابور سنين وله جملة من المختلفة تقلد أوقاف أبى عمرو الخفاف ثم خرج إلى بغداد فصار المجلس له
وقال الشيخ أبو إسحاق كان فقيها محصلا تفقه على أبى إسحاق المروزى وانتهى التدريس إليه ببغداد وعليه تفقه الشيخ أبو حامد الإسفراينى بعد موت أبى الحسين بن المرزبان وأخذ عنه عامة شيوخ بغداد وغيرهم من أهل الآفاق
وقال القاضى أبو الطيب سمعت الشيخ أبا حامد الإسفراينى يقول ما رأيت أفقه من الداركى
وقال الخطيب كان ثقة انتقى عليه الدارقطنى وتوفى فى ثالث عشر شوال سنة خمس وسبعين وثلاثمائة ودارك قرية من عمل أصبهان
ومن الرواية عنه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


"""
صفحة رقم 332 """
ومن المسائل والفوائد عنه
قال الرافعى رحمه الله فى باب المسابقة ولو قال كل من سبق فله دينار فسبق ثلاثة يعنى وجاء الباقون بعدهم فعن الداركى أن لكل واحد منهم دينارا
وسكت الرافعى والنووى على هذا بعد الجزم فيما إذا قال من سبق فله دينار فسبق ثلاثة معا وصل واحد ثم جاء الباقون أن الدينار ينقسم بين الثلاثة ففرق الداركى بين دخول كل على من وعد به والفرق لائح فى بادى النظر وفيه نظر عند إمعان النظر
قال القاضى أبو الطيب الطبرى سمعت أبا محمد البافى يقول ذكر لنا الداركى حديث جابر عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( إذا أرفت الحدود فلا شفعة ) فى تدريسه كتاب الشفعة فقال إذا أزفت فسألت ابن جنى النحوى عن هذه الكلمة فلم يعرفها ولا وقفت على صحتها فسألت المعافى ابن زكريا عن الحديث وذكرت له طرقه فلم أستتم المسألة حتى قال إذا أرفت والأرف المعالم يريد إذا بينت الحدود وعينت المعالم وميزت فلا شفعة
قلت أرفت بضم الهمزة وكسر الراء المشددة ثم الفاء أى جعلت لها حدود كما ذكر المعافى رحمه الله
وذكر الداركى لها بالزاى كأنه سبق لسان أو لم يحرر لفظها من اللغة ولا بدع فقد خفيت على ابن جنى وهو إمام فى الأدب
ذكر الماوردى فى الحاوى فى باب اللعان أن أبا سعيد الإصطخرى قال استحلف إسماعيل بن إسحاق القاضى رجلا فى حق لرجلين يمينا واحدة فأجمع فقهاء زماننا على أنه خطأ


"""
صفحة رقم 333 """
قال الداركى فسألنا أبا إسحاق المروزى عن ذلك فقال إن ادعيا ذلك الحق من جهة واحدة مثل أن يدعيا دارا أورثاها عن أبيهما حلف لهما يمينا واحدة وإن كان الحق من جهتين حلف لكل واحد على الانفراد
قال الماوردى وقول أبى إسحاق صحيح
قلت ذكر ابن الرفعة فى كتاب النكاح من المطلب هذه الحكاية عند كلامه فى الرجلين يدعيان نكاح امرأة وقد بحث فى أنها إذا حلفت فى حال عدم رضاهما تحلف يمينين وفى حال رضاهما تحلف يمينا واحدة
ذكر كل ذلك بحثا وذكر الوجهين فيما إذا وجب على الشخص يمين لجماعة فرضوا بأن يحلف لهم يمينا واحدة وأن الأصح أنه لا يجوز ثم قال قد يقال ذلك مفروض فى حق متعدد وأما إذا كان الحق واحدا فلا ثم ساق الحكاية ثم قال وهذا يفهم أن ذلك جائز عند أبى إسحاق من غير رضاهما


"""
صفحة رقم 334 """
212
عبد العزيز بن مالك الفقيه أبو القاسم القزوينى الشافعى
توفى سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة
213
عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن أحمد الفقيه أبو الفضل النضروى
قال الحاكم كان من الفقهاء الزهاد التاركين لما لا يعنيهم
درس على أبى الوليد على بن أبى منصور بن مهران ولما انصرف الأستاذ أبو سهل


"""
صفحة رقم 335 """
من أصبهان رأيته يدرس عليه كتاب الرسالة للشافعى ودرس فى مسجده سنين وتخرج به جماعة من الفقهاء
سمع عبد الله الشرقى والحسن بن منصور وأقرانهما
وتوفى فى رجب سنة سبعين وثلاثمائة انتهى
وأسند عنه حديثا حدثه إياه فى مجلس الأستاذ أبى سهل
وقوله على أبى الوليد على بن أبى منصور بن مهران كذا هو فى نسخة تاريخ نيسابور التى عندى ولعله على أبى الوليد ثم على أبى منصور بن مهران وأبو الوليد هو النيسابورى القرشى الإمام الكبير المشهور وأبو منصور بن مهران من أكابر أصحاب الوجوه من أصحابنا وإن كان الأمر على ما فى النسخة فيكون لأبى منصور بن مهران ولد اسمه أبو الوليد على من فقهائنا وهو غير معروف
والذى أراه أن النسخة مغلوطة وأن الأمر على ما وصفت والنسخة التى عندى وقف الخانقاه السميساطية وفيها غلط كثير
214
عبد الملك بن محمد بن عدى الجرجانى أبو نعيم الإستراباذي
أحد أئمة المسلمين فقها وحديثا وذو الرحلة الواسعة
ولد سنة اثنتين وأربعين ومائتين
وسمع عمر بن شبة وعلى بن حرب والرمادى ويزيد بن عبد الصمد وسليمان


"""
صفحة رقم 336 """
ابن سيف والربيع بن سليمان وأبا زرعة الرازى وأبا حاتم وعمار بن رجاء ومحمد ابن عوف وغيرهم بالعراق ومصر والشام والجزيرة والحجاز وخراسان
روى عنه ابن صاعد وأبو على الحافظ وأبو محمد المخلدى وأبو إسحاق المزكى وأبو بكر الجوزقى وخلق
قال الحاكم كان من أئمة المسلمين ورد نيسابور وهو متوجه إلى بخارى فروى عنه الحفاظ وسمعت الأستاذ أبا الوليد حسان بن محمد يقول لم يكن فى عصرنا من الفقهاء أحفظ للفقهيات وأقاويل الصحابة بخراسان من أبى نعيم الجرجانى ولا بالعراق من أبى بكر بن زياد النيسابورى قال وسمعت أبا على الحافظ يقول كان أبو نعيم الجرجانى أحد الأئمة ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة مثله أو أفضل منه كان يحفظ الموقوفات والمراسيل كما نحفظ نحن المسانيد
وقال أبو سعد الإدريسى ما أعلم نشأ بإستراباذ مثله فى حفظه وعلمه
وقال الخطيب كان أحد الأئمة ومن الحفاظ لشرائع الدين مع صدق وورع وتيقظ
وقال حمزة السهمى كان مقدما فى الفقه والحديث وكانت الرحلة إليه فى أيامه
توفي أبو نعيم الجرجانى سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة
وقال الحاكم سنة اثنتين وعشرين
ووقع لنا حديثه بعلو فيما اخبرتنا به
زينب ابنة أحمد بن الكمال عبد الرحيم قراءة عليها وأنا أسمع قالت أخبرنا عبد الخالق بن الأنجب النشتبرى إجازة أخبرنا وجيه بن طاهر الشحامى كتابة


"""
صفحة رقم 337 """
أخبرنا يعقوب بن أحمد الصيرفى سماعا أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدى إملاء لاثنتى عشرة خلت من صفر سنة ست وثمانين وثلاثمائة أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدى الفقيه حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الحميد البهرانى حدثنا أبو عقبة وساج بن عقبة حدثنا هقل بن زياد عن الأوزاعى عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم )
وبه إلى أبى نعيم حدثنا أبو زيد عمر بن شبة البصرى حدثنا عبد الوهاب الثقفى حدثنا أيوب عن أبى قلابة عن أنس قال أمر بلال رضى الله عنه أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة
وبه إلى أبى نعيم حدثنا أحمد بن عيسى اللخمى حدثنا عمرو بن أبى سلمة حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( خمس دعوات يستجاب لهن دعوة المظلوم حتى ينتصر ودعوة الحاج حتى يصدر ودعوة المجاهد حتى يقفل ودعوة المريض حتى يبرأ ودعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب )


"""
صفحة رقم 338 """
215
عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون أبو الطيب الحلبى المقرئ
نزيل مصر
ولد سنة تسع وثلاثمائة
وقرأ على أبى الحسن محمد بن جعفر بن المستفاض الفريابى وأبى سهل صالح ابن إدريس ونجم بن بدير ونصر بن يوسف المجاهدى وإبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكى وخلائق
أخذ عنه خلائق
مولده فى رجب سنة تسع وثلاثمائة
ومات بمصر فى جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 339 """
216
عبد الواحد بن الحسين بن محمد القاضى أبو القاسم الصيمرى
نزيل البصرة
أحد أئمة المذهب
قال الشيخ أبو إسحاق كان حافظا للمذهب حسن التصانيف
والصيمرى بفتح الصاد المهملة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفتح الميم وفى آخرها الراء أراه والله أعلم منسوبا إلى نهر من أنهار البصرة يقال له الصيمر عليه عدة قرى أما الصيمرة فبلد بين ديار الجبل وخوزستان فما إخال هذا الصيمرى منسوبا إليها
وبالصيمرى تخرج جماعة منهم القاضى الماوردى
ومن تصانيفه الإيضاح فى المذهب نحو سبعة مجلدات وله كتاب الكفاية وكتاب فى القياس والعلل وكتاب صغير فى أدب المفتى والمستفتى وكتاب فى الشروط
توفى الصيمرى بعد سنة ست وثمانين وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 340 """
ومن المسائل عنه
ذهب إلى أنه لا يجوز لمن بعض بدنه نجس مس المصحف


"""
صفحة رقم 341 """
وذهب كما نقل صاحب البحر عنه فى باب قتل المرتد إلى أن من سب الصحابة معتقدا مصرا عليه كفر كما لو سب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
حكى فى البيان أن الصيمرى حكى قولا أن الحجر المستنجى به إذا غسل بشئ من المائعات طهر
وحكى أيضا فى البيان أن الصيمرى قال عورة الصبى قبل سبع سنين السوأتان فقط قال وتتغلظ بعد التسع قال وأما بعد العشر فكالبالغ لإمكان البلوغ


"""
صفحة رقم 342 """
وفى شرح الكفاية للصيمرى إن ادعى الرجل الغناء ليأخذ من وقف الأغنياء لم يقبل إلا ببينة وإن كان الوقف على الفقراء فادعى الفقر قبل من غير بينة
وذكر فى شرح الكفاية أنه لا يصح بيع الخيل لأهل الحرب وعبارته لو باع سلاحا أو خيلا على أهل الحرب نقضنا البيع إن قدرنا على ذلك
217
عبيد الله بن محمد بن محمد بن عبيد الله الواعظ أبو أحمد المذكر


"""
صفحة رقم 343 """
218
عبيد
مصغر وغير مضاف وربما قيل عبيد الله مضافا وإياه أورد ابن باطيش فى الطبقات هو
عبيد بن عمر بن أحمد بن محمد أبو القاسم القيسى البغدادى
نزيل قرطبة
وهو المشهور بعبيد الفقيه
أخذ عن الإصطخرى وسمع من أبى القاسم البغوى والطحاوى وابن صاعد وغيرهم
وفى القراءات على ابن مجاهد وابن شنبوذ
وكان صاحب الأندلس الملقب بالمستنصر يجله ويعظمه كثيرا
توفى بقرطبة فى ذى الحجة سنة ستين وثلاثمائة
219
عتبة بن عبيد الله بن موسى بن عيسى بن عبيد الله الهمذانى القاضى أبو السائب
كان أحد العلماء الأئمة وأول من ولى قضاء القضاة ببغداد من الشافعية
وكان أبوه تاجرا فاشتغل هو بالعلم وغلب عليه فى الابتداء التصوف وسافر فلقى


"""
صفحة رقم 344 """
الجنيد وصحب الأئمة وكتب الحديث ثم ولى قضاء مراغة ثم تقلد قضاء أذربيجان كلها ثم قضاء همذان ثم دخل بغداد وعظم جاهه وولى قضاء القضاة
حدث عن عبد الرحمن بن أبى حاتم الرازى وغيره
وقد رآه بعضهم بعد موته فى المنام فقال ما فعل الله بك فقال غفر لى وأمر بى إلى الجنة على ما كان منى من التخليط وقال آليت ألا أعذب أبناء الثمانين
توفى سنة خمسين وثلاثمائة
220
على بن أحمد بن إبراهيم أبو الحسن البوشنجى
الصوفى الزاهد الورع العالم المجرد
ورد نيسابور فصحب أبا عثمان الحيرى الزاهد مدة ثم خرج فلقى شيوخ التصوف بالعراقين والشام ثم في آخر عمره اعتزل الناس
سمع الحديث من أبى جعفر السامى والحسين بن إدريس الأنصارى الهرويين وغيرهما
توفى بنيسابور سنة سبع وأربعين وثلاثمائة
قال الحاكم سمعت أبا سعيد بن أبى بكر بن أبى عثمان يقول ورد أبو الحسن البوشنجى على أبى عثمان فسئل أن يقرأ فى مجلسه فقرأ فبكى أبو عثمان حتى غشى عليه


"""
صفحة رقم 345 """
وحمل إلى منزله فكان يقال قتله صوت البوشنجى ثم إن أبا عثمان توفى فى تلك العلة وقال سمعت الأستاذ أبا الوليد يقول يوم توفى أبو الحسن دخلت عليه عائدا فقلت له ألا توصى بشئ فقال بلى أكفن فى هذه الخريقات وأحمل إلى مقبرة من مقابر المسلمين ويتولى الصلاة على رجل من المسلمين
قال وسمعت أبا الحسن البوشنجى ودخل على الشيخ أبى بكر بن إسحاق ورجل من المتهمين بالإلحاد يقرأ عليه فأخذ أبو الحسن ينظر إليه ساعة طويلة ولم يكن عرفه فلما خرج من عنده قال لبعض أصحابه ذاك القارئ خشيت عليه أنه ملحد
وروى عنه الحاكم حديثا واحدا مسندا ثم قال ما أرى أن أبا الحسن حدث بحديث مسند غير هذا
221
على بن أحمد بن الحسن الفقيه أبو الحسن العروضى
قال الحاكم كان من أعيان فقهاء الشافعيين من أصحاب أبى الحسن البيهقى
قال وكان يدرس بنيسابور سنين
قال وسمع بنيسابور أبا عمرو الحيرى والمؤمل بن الحسن وأقرانهما وكتب الكثير عن أبى العباس الدغولى بسرخس واعتزل فى آخر عمره ورفض المجلس وحدث
توفى ليلة الأربعاء السادس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة
روى عنه الحاكم حديثا واحدا فى ترجمته


"""
صفحة رقم 346 """
222
على بن أحمد بن المرزبان بفتح ميم المرزبان وضم الزاى بعدها باء موحدة
هو أحد أركان المذهب ورفعائه
الشيخ الإمام أبو الحسن من بغداد
تفقه على أبى الحسين بن القطان
قال الخطيب كان أحد الشيوخ الأفاضل درس عليه أبو حامد الإسفراينى أول قدومه بغداد
وقال الشيخ أبو إسحاق كان فقيها ورعا حكى عنه أنه قال ما أعلم لأحد على مظلمة
قال الشيخ وقد كان فقيها يعلم أن الغيبة من المظالم
توفى فى رجب سنة ست وستين وثلاثمائة بعد شيخه ابن القطان بسبع سنين
ومن الفوائد وغرائب الفروع عنه
قال الدارمى إذا نوى المتوضئ إبطال عضو مضى لم يبطل وما فى الحال يبطل وما يأتى على وجهين قاله ابن المرزبان وقال ابن القطان فى جميعه وجهان
قلت وهذه غير مسألة قطع الوضوء


"""
صفحة رقم 347 """
223
على بن إسماعيل بن أبى بشر واسمه إسحاق بن سالم بن إسماعيل ابن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبى بردة ابن صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أبى موسى عبد الله بن قيس
شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى
الشيخ أبو الحسن الأشعرى البصرى
شيخ طريقة أهل السنة والجماعة وإمام المتكلمين وناصر سنة سيد المرسلين والذاب عن الدين والساعى فى حفظ عقائد المسلمين سعيا يبقى أثره إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين
إمام حبر وتقى بر حمى جناب الشرع من الحديث المفترى وقام فى نصره ملة الإسلام فنصرها نصرا مؤزرا
بهمة فى الثريا إثر أخمصها
وعزمة ليس من عاداتها السأم
وما برح يدلج ويسير وينهض بساعد التشمير حتى نقى الصدور من الشبه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ووقى بأنوار اليقين من الوقوع فى ورطات ما التبس وقال فلم يترك مقالا لقائل وأزاح الأباطيل والحق يدفع ترهات الباطل
ولد الشيخ سنة ستين ومائتين
وكان أولا قد أخذ عن أبى على الجبائى وتبعه فى الاعتزال
يقال أقام على الاعتزال أربعين سنة حتى صار للمعتزلة إماما فلما أراده الله لنصر دينه وشرح صدره لاتباع الحق غاب عن الناس فى بيته خمسة عشر يوما ثم خرج إلى الجامع وصعد المنبر وقال معاشر الناس إنما تغيبت عنكم هذه المدة لأنى نظرت


"""
صفحة رقم 348 """
فتكافأت عندى الأدلة ولم يترجع عندى شيء على شيء فاستهديت الله تعالى فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده كما انخلعت من ثوبي هذا وانخلع من ثوب كان عليه ورمى به ودفع الكتب التى ألفها على مذاهب أهل السنة إلى الناس
ويحكى من مبدأ رجوعه أنه كان نائما فى شهر رمضان فرأى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له يا على انصر المذاهب المروية عنى فإنها الحق فلما استيقظ دخل عليه أمر عظيم ولم يزل مفكرا مهموما من ذلك وكانت هذه الرؤيا فى العشر الأول فما كان العشر الأوسط رأى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى المنام ثانيا فقال ما فعلت فيما أمرتك به
فقال يا رسول الله وما عسى أن أفعل وقد خرجت للمذاهب المروية عنك محامل صحيحة
فقال لى انصر المذاهب المروية عنى فإنها الحق
فاستيقظ وهو شديد الأسف والحزن وأجمع على ترك الكلام واتباع الحديث وملازمة تلاوة القرآن
فلما كانت ليلة سبع وعشرين وكان من عادته سهر تلك الليلة أخذه من النعاس ما لم يتمالك معه السهر فنام وهو يتأسف على ترك القيام فيها فرأى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ثالثا فقال له ما صنعت فيما أمرتك به
فقال قد تركت الكلام يا رسول الله ولزمت كتاب الله وسنتك
فقال له أنا ما أمرتك بترك الكلام إنما أمرتك بنصرة المذاهب المروية عنى فإنها الحق


"""
صفحة رقم 349 """
قال فقلت يا رسول الله كيف أدع مذهبا تصورت مسائله وعرفت دلائله منذ ثلاثين سنة لرؤيا
قال فقال لى لولا أنى أعلم أن الله يمدك بمدد من عنده لما قمت عنك حتى أبين لك وجوهها فجد فيه فإن الله سيمدك بمدد من عنده فاستيقظ وقال ما بعد الحق إلا الضلال وأخذ فى نصرة الأحاديث فى الرؤية والشفاعة والنظر وغير ذلك
وكان يفتح عليه من المباحث والبراهين بما لم يسمعه من شيخ قط ولا اعترضه به خصم ولا رآه فى كتاب
قال الحسين بن محمد العسكرى كان الأشعرى تلميذا للجبائى وكان صاحب نظر وذا إقدام على الخصوم وكان الجبائى صاحب تصنيف وقلم إلا أنه لم يكن قويا فى المناظرة فكان إذا عرضت مناظرة قال للأشعرى نب عنى
وقال الأستاذ أبو سهل الصعلوكى حضرنا مع الشيخ أبى الحسن مجلس علوى بالبصرة فناظر المعتزلة خذلهم الله وكانوا يعنى كثيرا فأتى على الكل وهزمهم كلما انقطع واحد تناول الآخر حتى انقطعوا عن آخرهم فعدنا فى المجلس الثانى فما عاد منهم أحد فقال بين يدى العلوى يا غلام اكتب على الباب فروا
وقال الإمام أبو بكر الصيرفى كانت المعتزلة قد رفعوا رءوسهم حتى أظهر الله الأشعرى فحجزهم فى أقماع السمسم
وقال الأستاذ أبو عبد الله بن خفيف دخلت البصرة أيام شبابى لأرى أبا الحسن الأشعرى لما بلغنى خبره فرأيت شيخا بهى المنظر فقلت أين منزل أبى الحسن الأشعرى فقال وما الذى تريد منه فقلت أحب أن ألقاه فقال ابتكر غدا إلى هذا الموضع قال فابتكرت فلما رأيته تبعته فدخل دار بعض وجوه البلد فلما أبصروه


"""
صفحة رقم 350 """
أكرموا محله وكان هناك جمع من العلماء ومجلس نظر فأقعدوه فى الصدر ثم سئل بضعهم مسألة فلما شرع فى الجواب دخل الشيخ فأخذ يرد عليه ويناظره حتى أفحمه فقضيت العجب من علمه وفصاحته فقلت لبعض من كان عندى من هذا الشيخ فقال أبو الحسن الأشعرى
فلما قاموا تبعته فقال لى يا فتى كيف رأيت الأشعرى فخدمته وقلت يا سيدى كما هو فى محله ولكن لم لا تسأل أنت ابتداء فقال أنا لا أكلم هؤلاء ابتداء ولكن إذا خاضوا فى ذكر ما لا يجوز فى دين الله رددنا عليهم بحكم ما فرض الله سبحانه وتعالى علينا من الرد على مخالفى الحق
ورويت هذه الحكاية عن ابن خفيف على وجه آخر يشترك معها بعد الدلالة على عظمة الشيخ ومحله فى العلم فى أنه كان لا يتكلم في علم الكلام إلا حيث يجب عليه نصرا للدين ودفعا للمبطلين
وقد قدمنا الحكاية على وجه كيس من كلام والد الإمام فخر الدين فيما أحسب أو من كلام ابن خفيف نفسه فى ترجمة ابن خفيف
قال علماؤنا كان الشيخ صاحب فراسة ونظر بنور الله وكان ابن خفيف كما عرف حاله من أرباب الأحوال وسادة المشايخ فلما أبصره الشيخ وفهم عنه ما يريد أحب ألا يراه إلا على أكمل أحواله من العلم وهو وقت المناظرة فإن أول نظر يثبت فى القلب ويرسخ فأراد الشيخ تربية ابن خفيف فإنه إذا نظره فى أكمل أحواله امتلأ قلبه بعظمته فانقاد لما يأتيه من قبله


"""
صفحة رقم 351 """
قالوا وكان الشيخ رضى الله عنه سيدا فى التصوف واعتبار القلوب كما هو سيد فى علم الكلام وأصناف العلوم
وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراينى كنت فى جنب الشيخ أبى الحسن الباهلى كقطرة فى جنب البحر وسمعت الباهلى يقول كنت فى جنب الأشعرى كقطرة فى جنب البحر
وقال لسان الأمة القاضى أبو بكر أفضل أحوالى أن أفهم كلام أبى الحسن
قال أبو الفضل السهلكى حكى لنا الفقيه الثقة أبو عمر الرزجاهى قال سمعت الأستاذ الإمام أبا سهل الصعلوكى أو الشيخ الإمام أبا بكر الإسماعيلى والشك منى يقول أعاد الله تعالى هذا الدين بعد ما ذهب يعنى أكثره بأحمد ابن حنبل وأبى الحسن الأشعرى وأبى نعيم الإستراباذى
وأما اجتهاد الشيخ فى العبادة والتأله فأمر غريب
ذكر من صحبه أنه مكث عشرين سنة يصلى الصبح بوضوء العتمة وكان يأكل من غلة قرية وقفها جده بلال بن أبى بردة بن أبى موسى الأشعرى على نسله
قال وكانت نفقته فى كل سنة سبعة عشر درهما كل شهر درهم وشىء يسير
واعلم أنا لو أردنا استيعاب مناقب الشيخ لضاقت بنا الأوراق وكلت الأقلام ومن أراد معرفة قدره وأن يمتلىء قلبه من حبه فعليه بكتاب تبيين كذب المفترى فيما نسب إلى الإمام أبى الحسن الأشعرى الذى صنفه الحافظ ابن عساكر وهو من أجل الكتب وأعظمها فائدة وأحسنها
فيقال كل سنى لا يكون عنده كتاب التبيين لابن عساكر فليس من أمر نفسه على بصيرة


"""
صفحة رقم 352 """
ويقال لا يكون الفقيه شافعيا على الحقيقة حتى يحصل كتاب التبيين لابن عساكر وكان مشيختنا يأمرون الطلبة بالنظر فيه
وقد زعم بعض الناس أن الشيخ كان مالكى المذهب وليس ذلك بصحيح إنما كان شافعيا تفقه على أبى إسحاق المروزى نص على ذلك الأستاذ أبو بكر ابن فورك فى طبقات المتكلمين والأستاذ أبو إسحاق الإسفراينى فيما نقله عنه الشيخ أبو محمد الجوينى فى شرح الرسالة
والمالكى هو القاضى أبو بكر بن الباقلانى شيخ الأشاعرة
والصحيح أن وفاة الشيخ بين العشرين والثلاثين بعد الثلاثمائة والأقرب أنها سنة أربع وعشرين وهو ما صححه ابن عساكر وذكره أبو بكر بن فورك ويقال سنة نيف وثلاثين
وأنت إذا نظرت ترجمة هذا الشيخ الذى هو شيخ السنة وإمام الطائفة فى تاريخ شيخنا الذهبى ورأيت كيف مزقها وحار كيف يصنع فى قدره ولم يمكنه البوح بالغض منه خوفا من سيف أهل الحق ولا الصبر عن السكوت لما جبلت عليه طويته من بغضه بحيث اختصر ما شاء الله أن يختصر فى مدحه ثم قال فى آخر الترجمة من أراد أن يتبحر فى معرفة الأشعرى فعليه بكتاب تبيين كذب المفترى لأبى القاسم ابن عساكر اللهم توفنا على السنة وأدخلنا الجنة واجعل أنفسنا مطمئنة نحب فيك أولياءك ونبغض فيك أعدائك ونستغفر للعصاة من عبادك ونعمل بمحكم كتابك ونؤمن بمتشابهه ونصفك بما وصفت به نفسك انتهى
فعند ذلك تقتضى العجب من هذا الذهبى وتعلم إلى ماذا يشير المسكين فويحه ثم ويحه


"""
صفحة رقم 353 """
وأنا قد قلت غير مرة إن الذهبى أستاذى وبه تخرجت فى علم الحديث إلا أن الحق أحق أن يتبع ويجب على تبيين الحق فأقول
أما حوالتك على تبيين كذب المفترى وتقصيرك فى مدح الشيخ فكيف يسعك ذلك مع كونك لم تترجم مجسما يشبه الله بخلقه إلا واستوفيت ترجمته حتى إن كتابك مشتمل على ذكر جماعة من أصاغر المتأخرين من الحنابلة الذين لا يؤبه إليهم قد ترجمت كل واحد منهم بأوراق عديدة فهل عجزت أن تعطى ترجمة هذا الشيخ حقها وتترجمه كما ترجمت من هو دونه بألف ألف طبقة فأى غرض وهوى نفس أبلغ من هذا وأقسم بالله يمينا برة ما بك إلا أنك لا تحب شياع اسمه بالخير ولا تقدر فى بلاد المسلمين على أن تفصح فيه بما عندك من أمره وما تضمره من الغض منه فإنك لو أظهرت ذلك لتناولتك سيوف الله وأما دعاؤك بما دعوت به فهل هذا مكانه يامسكين وأما إشارتك بقولك ونبغض أعداءك إلى أن الشيخ من أعداء الله وأنك تبغضه فسوف تقف معه بين يدى الله تعالى يوم يأتى وبين يديه طوائف العلماء من المذاهب الأربعة والصالحين من الصوفية والجهابذة الحفاظ من المحدثين وتأتى أنت تتكسع فى ظلم التجسيم الذى تدعى أنك برئ منه وأنت من أعظم الدعاة إليه وتزعم أنك تعرف هذا الفن وأنت لا تفهم فيه نقيرا ولا قطميرا وليت شعرى من الذى يصف الله بما وصف به نفسه من شبهه بخلقه أم من قال ) ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ( والأولى بى على الخصوص إمساك عنان الكلام فى هذا المقام فقد أبلغت ثم أحفظ لشيخنا حقه وأمسك


"""
صفحة رقم 354 """
وقد عرفناك أن الأوراق لا تنهض بترجمة الشيخ وأحلناك على كتاب التبيين لا كإحالة الذهبى إذ نحن نحيل إحالة طالب محرض على الازدياد من عظمته وذاك يحيل إحالة مجهل قد سئم وتبرم بذكر محامد من لا يحبه ونحن منبهون فى هذه الترجمة على مهمات لا نرى إخلاء الكتاب عنها لاشتمالها على نصرة دين الله وجمع كلمة الموحدين ونذكرها بعد استيفاء ما يختص بترجمة الشيخ
ذكر شىء من الرواية عن الشيخ والدلالة على محله من الحديث والفقه
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ غفر الله له بقراءتى عليه أخبرنا الشيخان محيى الدين ابن الحرستانى وتاج الدين محمد بن عبد السلام بن أبى عصرون
ح وأخبرنا شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزى إجازة قال أخبرنا تاج الدين سماعا قالا أجازتنا أم المؤيد زينب بنت عبد الرحمن بن الحسن الشعرى قالت أجازنا الشيخ أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسى أخبرنا الشيخ أبو إبراهيم أسعد بن مسعود العتبى أخبرنا الأستاذ أبو منصور القاهر بن طاهر البغدادى ولى عنه إجازة حدثنا القاضى أبومحمد ابن عمر المالكى قاضى أصطخر قدم علينا رسولا فى سنة أربع وستين وثلاثمائة حدثنا الإمام أبو الحسن على بن إسماعيل الأشعرى ببغداد فى مجلس أبى إسحاق المروزى حدثنا زكريا بن يحيى الساجى حدثنا بندار وابن المثنى قالا حدثنا أبو داود حدثنا ابن أبى ذيب عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( السبع المثانى فاتحة الكتاب )


"""
صفحة رقم 355 """
وبه إلى زكريا حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبى الشوارب حدثنا خالد بن عبد الله الواسطى حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فاتحة الكتاب السبع المثانى التى أعطيتها )
وبه إلى العتبى أخبرنا الإمام أبو منصور البغدادى سمعت عبد الله بن محمود بن طاهر الصوفى يقول رأيت أبا الحسن الأشعرى فى مسجد البصرة وقد أبهت المعتزلة فى المناظرة فقال له بعض الحاضرين قد عرفنا تبحرك فى علم الكلام وإنى سائلك عن مسألة ظاهرة فى الفقه فقال سل عما شئت فقال له ما تقول فى الصلاة بغير فاتحة الكتاب فقال حدثنا زكريا بن يحيى الساجى حدثنا عبد الجبار حدثنا سفيان حدثنى الزهرى عن محمود ابن الربيع عن عبادة بن الصامت عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )
وحدثنا زكريا حدثنا بندار حدثنا يحيى بن سعيد عن جعفر بن ميمون حدثنى أبو عثمان عن أبى هريرة رضى الله عنه قال أمرنى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن أنادى بالمدينة أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب قال فسكت السائل ولم يقل شيئا
قد رأيت رواية الشيخ هنا عن زكريا الساجى وروى أيضا عن أبى خليفة الجمحى وسهل بن نوح ومحمد بن يعقوب المقبرى وعبد الرحمن بن خلف الضبى البصريين وأكثر عنهم فى تفسيره وتفسيره كتاب حافل جامع قال شيخنا الذهبى إنه لما صنفه كان على الاعتزال


"""
صفحة رقم 356 """
قلت وليس الأمر كذلك فقد وقفت على الجزء الأول منه وكله رد على المعتزلة وتبيين لفساد تأويلاتهم وكثرة تحريفهم وفى مقدمة تفسيره من ذلك ما يقضى ناظره العجب منه وبالله التوفيق
مناظرة بين الشيخ أبى الحسن وأبى على الجبائى فى الأصلح والتعليل
سأل الشيخ رضى الله عنه أبا على فقال أيها الشيخ ما قولك فى ثلاثة مؤمن وكافر وصبى
فقال المؤمن من أهل الدرجات والكافر من أهل الهلكات والصبى من أهل النجاة
فقال الشيخ فإن أراد الصبى أن يرقى إلى أهل الدرجات هل يمكن
قال الجبائى لا يقال له إن المؤمن إنما نال هذه الدرجة بالطاعة وليس لك مثلها
قال الشيخ فإن قال التقصير ليس منى فلو أحييتنى كنت عملت من الطاعات كعمل المؤمن
قال الجبائى يقول له الله كنت أعلم أنك لو بقيت لعصيت ولعوقبت فراعيت مصلحتك وأمتك قبل أن تنتهى إلى سن التكليف
قال الشيخ فلو قال الكافر يا رب علمت حاله كما علمت حالى فهلا راعيت مصلحتى مثله
فانقطع الجبائى
قلت هذه مناظرة شهيرة وقد حكاها شيخنا الذهبى وهى دامغة لأصل من يقلده لأن الذى يقلده يقول إن الله لا يفعل شيئا إلا بحكمة باعثة له على فعله ومصلحة واقعة وهو من المعتزلة فى هذه المسألة فلو يدرى شيخنا هذا لأضرب عن ذكر هذه المناظرة صفحا


"""
صفحة رقم 357 """
ووقع فى زمان شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام استفتاء فى هذه المسألة فكتب عليه الشيخ عز الدين والشيخ أبو عمرو بن الحاجب وطائفة
ومن كلام الشيخ عز الدين فى الجواب ما أجهل من يزعم أن الله سبحانه لا يجوز أن يخلق شيئا إلا أن يكون فيه جلب نفع أو دفع ضرر تالله لقد تيمموا شاسعا ولقد تحجروا واسعا
ومن جواب ابن الحاجب أى صلاح فى خلق ما هو السبب المؤدى إلى الكفر وكأنى أحكى الجوابين إن شاء الله فى بعض تراجم الطبقة السابعة
وهذه مسألة مفروغ منها فمن أصلنا أنه يقال لا يجب عليه شئ ولا يفعل شيئا لشئ ابتعثه عليه بل هو مالك الملك ورب الأرباب لا حجر عليه له نقل عباده من الخير إلى الشر ومن النفع إلى الضر ) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (
واعلم أن جواب شيخنا أبى الحسن مأخوذ من قول إمامنا الشافعى رضى الله عنه القدرية إذا سلموا العلم خصموا أى إذا سلموا علم الله بالعواقب
مناظرة بينهما فى أن أسماء الله هل هى توقيفية
دخل رجل على الجبائى فقال هل يجوز أن يسمى الله تعالى عاقلا
فقال الجبائى لا لأن العقل مشتق من العقال وهو المانع والمنع فى حق الله محال فامتنع الإطلاق
قال الشيخ أبو الحسن فقلت له فعلى قياسك لا يسمى الله سبحانه حكيما لأن هذا الاسم مشتق من حكمة اللجام وهى الحديدة المانعة للدابة عن الخروج ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت رضى الله عنه


"""
صفحة رقم 358 """
فنحكم بالقوافى من هجانا
ونضرب حين تختلط الدماء
وقول الآخر
أبنى حنيفة حكموا سفهاءكم
إني أخاف عليكم أن أغضبا
أى نمنع بالقوافى من هجانا وامنعوا سفهاءكم
فإذا كان اللفظ مشتقا من المنع والمنع على الله محال لزمك أن تمنع إطلاق حكيم عليه سبحانه وتعالى
قال فلم يحر جوابا إلا أنه قال لى فلم منعت أنت أن يسمى الله سبحانه عاقلا وأجزت أن يسمى حكيما
قال فقلت له لأن طريقى فى مأخذ أسماء الله الإذن الشرعى دون القياس اللغوى فأطلقت حكيما لأن الشرع أطلقه ومنعت عاقلا لان الشرع منعه ولو أطلقه الشرع لأطلقته
قلت كذا وقع فى هذه المناظرة فى إنشاد البيت حكموا بالكاف وهو المشهور فى روايته وكنت أجوز أن يكون حلموا باللام لمقابلته بالسفهاء ثم رأيت فى كتاب الكامل للمبرد رحمه الله تعالى
أبنى حنيفة نهنهوا سفهاءكم
إنى أخاف عليكم أن أغضبا
أبنى حنيفة إننى إن أهجكم
أدع اليمامة لا توارى أرنبا
وهما لجرير


"""
صفحة رقم 359 """
ومن المسائل الفقهية عن الشيخ
قال الإمام إمام الحرمين فى باب اجتماع الولاة من النهاية فى المرأة تدعى غيبة وليها وتطلب من السلطان أن يزوجها وتلح فى ذلك
اختلف أرباب الأصول فى ذلك فذهب قدوتنا فى الأصول إلى أنها تجاب وأقصى ما يمكن السلطان أن يستمهلها فإن أبت أجابها
وذهب القاضى أبو بكر بن الباقلانى إلى أن القاضى لا يجيبها إن رأى التأخير رأيا ويقول لا تجب على إجابتك ما لم أحتط انتهى
وقد نقل الرافعى المسألة عن الإمام وقال فيها وجهان رواهما الإمام عن أهل الأصول
وأنت ترى عبارة الإمام لم يفصح بذكر وجهين وإنما حكى اختلاف الأصوليين وأراد بقدوتنا فى الأصول الأشعرى
قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله الذى ينبغى أن يقال إن اجتهاد القاضى إن أداه إلى أن مصلحة المرأة تفوت بالتأخير وجبت المبادرة أو أن المصلحة التأخير تعين وإن أشكل الحال أو استوى أو كان فى مهلة النظر فهذا موضع التردد وينبغى ألا يبادر
ذكر تصانيف الشيخ رضى الله عنه
ذكر أبو محمد بن حزم أنها بلغت خمسا وخمسين مصنفا ورد ابن عساكر هذا القول وقال قد ترك من عدد مصنفاته أكثر من النصف وذكر أبو بكر بن فورك مسميات تزيد على الضعف انتهى
قلت ابن حزم على مقدار ما وقف عليه فى بلاد الغرب


"""
صفحة رقم 360 """
وقد ذكر ابن عساكر بعد ذلك عن أبى المعالى بن عبد الملك القاضى أنه سمع من يثق به يذكر أنه رأى تراجم مصنفاته تزيد على مائتين وثلاثمائة مصنف
وعد ابن عساكر من مصنفاته مما ذكره الشيخ في كتابه
العمد فى الرؤية وغيره
الفصول فى الرد على الملحدين
الموجز
إمامة الصديق
خلق الأعمال
الاستطاعة
الصفات
الرؤية
الأسماء والأحكام
الرد على المجسمة
الإيضاح
اللمع الصغير
اللمع الكبير
الشرح والتفصيل


"""
صفحة رقم 361 """
المقدمة
النقض على الجبائى
النقض على البلخى
مقالات المسلمين
مقالات الملحدين
الجوابات فى الصفات على الاعتزال
قال ثم نقضناه وأبطلناه
الرد على ابن الراوندى
ذكر دليل استنبطه علماؤنا من الحديث الصحيح دال على أن أبا الحسن وفئته على السنة وأن سبيلهم سبيل الجنة
زعم طوائف من أئمتنا أن سيدنا ومولانا وحبيبنا محمد المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) بشر بالشيخ أبى الحسن وأشار إلى ما هو عليه فى حديث الأشعريين حيث قال ( صلى الله عليه وسلم )


"""
صفحة رقم 362 """
(
الإيمان يمان والحكمة يمانية أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا )
أخرجه البخارى ومسلم
وفى حديث أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( يقدم قوم هم أرق أفئدة منكم ) فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى . . . الحديث
وفى حديث لما نزلت ) فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( هم قوم هذا ) وضرب بيده على ظهر أبى موسى الأشعرى
وقد استوعب الحافظ فى كتاب التبيين الأحاديث الواردة فى هذا الباب وهذا ملخصها
قال علماؤنا بشر ( صلى الله عليه وسلم ) بأبى الحسن فيها إشارة وتلويحا كما بشر بأبى عبد الله الشافعى رضى الله عنه فى حديث ( عالم قريش يملأ طباق الأرض علما ) ومالك رضى الله عنه فى حديث يوشك أن يضرب الناس آباط الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة
وممن وافق على هذا التأويل وأخذ به من حفاظ المحدثين وأئمتهم الحافظ الجليل أبو بكر البيهقى فيما أخبرنا به يحيى بن فضل الله العمرى فى كتابه عن مكى ابن علان أخبرنا الحافظ أبو القاسم الدمشقى أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد ابن الفضل الفراوى أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقى الحافظ قال


"""
صفحة رقم 363 """
أما بعد فإن بعض أئمة الأشعريين رضى الله عنهم ذاكرني بمتن الحديث الذى أنبأناه أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا إبراهيم بن مرزوق حدثنا وهب بن جرير وأبو عامر العقدى قالا حدثنا شعبة عن سماك بن حرب عن عياض الأشعرى قال لما نزلت ) فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ( أومأ النبى ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أبى موسى فقال ( هم قوم هذا )
قال البيهقى وذلك لما وجد من الفضيلة الجليلة والمرتبة الشريفة فى هذا الحديث للإمام أبى الحسن الأشعرى رضى الله عنه فهو من قوم أبى موسى وأولاده الذين أوتوا العلم ورزقوا الفهم مخصوصا من بينهم بتقوية السنة وقمع البدعة بإظهار الحجة ورد الشبهة والأشبه أن يكون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إنما جعل قوم أبى موسى من قوم يحبهم الله ويحبونه لما علم من صحة دينهم وعرف من قوة يقينهم فمن نحا فى علم الأصول نحوهم وتبع فى نفى التشبيه مع ملازمة الكتاب والسنة قولهم جعل من جملتهم هذا كلام البيهقى
ونحن نقول ولا نقطع على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يشبه أن يكون نبى الله ( صلى الله عليه وسلم ) إنما ضرب على ظهر أبى موسى رضى الله عنه فى الحديث الذى قدمناه للإشارة والبشارة بما يخرج من ذلك الظهر فى تاسع بطن وهو الشيخ أبو الحسن فقد كانت للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) إشارات لا يفهمها إلا الموفقون المؤيدون بنور من الله الراسخون فى العلم ذوو البصائر المشرقة ) ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور (


"""
صفحة رقم 364 """
وقد عقد ابن عساكر فى كتاب التبيين بابا فيما روى عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) من بشارته بأبى موسى حين قدومه من اليمن وإشارته إلى ما يظهر من علم أبى الحسن
وابن عساكر من أخيار هذه الأمة علما ودينا وحفظا لم يجئ بعد الدارقطنى أحفظ منه اتفق على هذا الموافق والمخالف
وعن مجاهد فى قوله تعالى ) فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ( قال قوم من سبأ قال ابن عساكر والأشعريون قوم من سبأ
قلت وقال علماؤنا إن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لم يحدث فى أصول الدين أحدا بحديث حدثه للأشعريين وأنهم الذين اختصوا بسؤاله عن ذلك وإجابته لهم
ففى صحيح البخارى وغيره عن عمران بن حصين قال إنى لجالس عند النبى ( صلى الله عليه وسلم ) إذ جاءه قوم من بنى تميم فقال ( اقبلوا البشرى يا بنى تميم ) فقالوا قد بشرتنا فأعطنا يا رسول الله قال فدخل عليه ناس من أهل اليمن فقال ( اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم ) قالوا قبلنا يا رسول الله جئنا لنتفقه فى الدين ونسألك عن أول هذا الأمر ما كان
كذا فى لفظ
وفى لفظ البخارى جئناك نسألك عن هذا الأمر قال كان الله ولم يكن شئ غيره
وفى رواية ولم يكن شئ قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وكتب فى الذكر كل شئ
قال وأتاه رجل فقال يا عمران بن حصين راحلتك أدرك ناقتك


"""
صفحة رقم 365 """
فقد ذهبت فانطلقت فى طلبها وإذا السراب ينقطع دونها وأيم الله لوددت أنها ذهبت وأنى لم أقم
وقد ساق ابن عساكر هذا الحديث من طرق عدة
ذكر أتباعه الآخذين عنه والآخذين عن من أخذ عنه وهلم جرا
اعلم أن أبا الحسن لم يبدع رأيا ولم ينش مذهبا وإنما هو مقرر لمذاهب السلف مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقا وتمسك به وأقام الحجج والبراهين عليه فصار المقتدى به فى ذلك السالك سبيله فى الدلائل يسمى أشعريا ولقد قلت مرة للشيخ الإمام رحمه الله أنا أعجب من الحافظ ابن عساكر فى عدة طوائف من أتباع الشيخ ولم يذكر إلا نزرا يسيرا وعددا قليلا ولو وفى الاستيعاب حقه لاستوعب غالب علماء المذاهب الأربعة فإنهم برأى أبى الحسن يدينون الله تعالى فقال إنما ذكر من اشتهر بالمناضلة عن أبى الحسن وإلا فالأمر على ما ذكرت من أن غالب علماء المذاهب معه
وقد ذكر الشيخ شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام أن عقيدته اجتمع عليها الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ المالكية فى زمانه أبو عمرو بن الحاجب وشيخ الحنفية جمال الدين الحصيرى
قلت وسنعقد لهذا الفصل فصلا يخصه فيما بعد
قال الشيخ الإمام فيما يحكيه لنا ولقد وقفت لبعض المعتزلة على كتاب سماه طبقات المعتزلة وافتتح بذكر عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ظنا منه أنه برأه الله منهم


"""
صفحة رقم 366 """
على عقيدتهم قال وهذا نهاية فى التعصب فإنما ينسب إلى المرء من مشى على منواله
قلت أنا للشيخ الإمام ولو تم هذا لهم لكان للأشاعرة أن يعدوا أبا بكر وعمر رضى الله عنهما فى جملتهم لأنهم عن عقيدتهما وعقيدة غيرهما من الصحابة فيما يدعون يناضلون وإياها ينصرون وعلى حماها يحومون فتبسم وقال أتباع المرء من دان بمذهبه وقال بقوله على سبيل المتابعة والاقتفاء الذى هو أخص من الموافقة فبين المتابعة والموافقة بون عظيم
قلت وقد بينا البون فى شرح المختصر فى مسألة الناسى
ونقل الحافظ كلام الشيخ أبى عبد الله محمد بن موسى بن عمار الكلاعى المآيرقى وهو من أئمة المالكية فى هذا الفصل فاستوعبه منه أهل السنة من المالكية والشافعية وأكثر الحنفية بلسان أبى الحسن الأشعرى يتكلمون وبحجته يحتجون ثم أخذ المايرقى يقرر أن أبا الحسن كان مالكى المذهب فى الفروع وحكى أنه سمع الإمام رافعا الحمال يقول وليس الأمر كذلك قطعا كما أسلفناه وقد وقع لى أن سبب الوهم فيه أن القاضى أبا بكر كان يقال له الأشعرى لشدة قيامه فى نصرة مذهب الشيخ وكان مالكيا على الصحيح الذى صرح به أبو المظفر بن السمعانى فى القواطع وغيره من النقلة الأثبات خلافا لمن زعمه شافعيا ورافع الحمال قرأ على من قرأ على القاضى فأظن المآيرقى سمع رافعا يقول الأشعرى مالكى فتوهمه يعنى الشيخ وإنما يعنى رافع القاضى أبا بكر هذا ما وقع لى ولا أشك فيه
والمآيرقى رجل مغربى بعيد الديار عن بلاد العراق متأخر عن زمان أصحاب الشيخ


"""
صفحة رقم 367 """
وأصحاب أصحابه فيبعد عليه تحقيق حاله وقد قدمنا كلام الشيخ أبى محمد الجوينى عن الأستاذ أبى إسحاق وكفى به فإنه أعرف من رافع ولا أحد فى عصر الأستاذ أخبر منه بحال الشيخ إلا أن يكون القاضى ابن الباقلانى
وقد ذكر غير واحد من الأثبات أن الشيخ كان يأخذ مذهب الشافعى عن أبى إسحاق المروزى وأبو إسحاق المروزى يأخذ عنه علم الكلام ولذلك كان يجلس فى حلقته وليس هذا مما عقدنا له هذا الفصل فلنعد إلى غرضنا فنقول قال المآيرقى ولم يكن أبو الحسن أول متكلم بلسان أهل السنة إنما جرى على سنن غيره وعلى نصرة مذهب معروف فزاد المذهب حجة وبيانا ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبا انفرد به ألا ترى أن مذهب أهل المدينة نسب إلى مالك ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له مالكى ومالك إنما جرى على سنن من كان قبله وكان كثير الاتباع لهم إلا أنه لما زاد المذهب بيانا وبسطا عزى إليه كذلك أبو الحسن الأشعرى لا فرق ليس له فى مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه وتواليفه فى نصرته
وأطال المآيرقى فى ذلك ثم عدد خلقا من أئمة المالكية كانوا يناضلون عن مذهب الأشعرى ويبدعون من خالفه ولا حاجة إلى شرح ذلك فإن المالكية أخص الناس بالأشعرى إذ لا نحفظ مالكيا غير أشعرى ونحفظ من غيرهم طوائف جنحوا إما إلى اعتزال أو إلى تشبيه وإن كان من جنح إلى هذين من رعاع الفرق
ثم ذكر المآيرقى رسالة الشيخ أبى الحسن القابسى المالكى التى يقول فيها واعلموا أن أبا الحسن الأشعرى لم يأت من علم الكلام إلا ما أراد به إيضاح السنن والتثبت عليها
إلى أن يقول القابسى وما أبو الحسن إلا واحد من جملة القائمين فى نصرة الحق ما سمعنا من أهل الإنصاف من يؤخره عن رتبة ذلك ولا من يؤثر عليه فى عصره غيره ومن بعده من أهل الحق سلكوا سبيله
إلى أن قال لقد مات الأشعرى يوم مات وأهل السنة باكون عليه وأهل البدع مستريحون منه


"""
صفحة رقم 368 """
وذكر قول الشيخ أبى محمد عبد الله بن أبى زيد فى جوابه لمن لامة فى حب الأشعرى ما الأشعرى إلا رجل مشهور بالرد على أهل البدع وعلى القدرية الجهمية متمسك بالسنن
وأطال المايرقى وغيره من المالكية فى تقريظ الشيخ أبى الحسن
وإذا عرفت ذلك فمن الآخذين عن الشيخ الأستاذ أبو سهل الصعلوكى والأستاذ أبو إسحاق الإسفراينى والشيخ أبو بكر القفال والشيخ أبو زيد المروزى والأستاذ أبو عبد الله بن خفيف وزاهر بن أحمد السرخسى والحافظ أبو بكر الجرجانى الإسماعيلى والشيخ أبو بكر الأودنى والشيخ أبو محمد الطبرى العراقى وأبو الحسن عبد العزيز بن محمد بن إسحاق الطبرى المعروف بالدمل وأبو جعفر السلمى النقاش وأبو عبد الله الأصبهانى الشافعى وأبو محمد القرشى الزهرى وأبو منصور بن حمشاد
وربما كان فى هؤلاء من لم يثبت عندنا أنه جالس الشيخ ولكن كلهم عاصروه وتمذهبوا بمذهبه وقرؤوا كتبه وأكثرهم جالسه وأخذ عنه شفاها
والشيخ أبو الحسين بن سمعون الواعظ وأبو عبد الرحمن الشروطى الجرجانى
وأخصهم بالشيخ أربعة ابن مجاهد وهو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد ابن يعقوب بن مجاهد الطائى شيخ القاضى أبى بكر الباقلانى وكان مالكى المذهب ذكره القاضي عياض فى المدرك
وأبو الحسن الباهلى العبد الصالح شيخ الأستاذ أبى إسحاق والأستاذ أبى بكر ابن فورك وشيخ القاضى أبى بكر أيضا إلا أن القاضى أبا بكر أخص بابن مجاهد والأستاذان أخص بالباهلى


"""
صفحة رقم 369 """
قال القاضى أبو بكر كنت أنا وأبو إسحاق الإسفراينى وابن فورك معا فى درس الشيخ الباهلى وكان يدرس لنا فى كل جمعة مرة واحدة وكان منا فى حجاب يرخى الستر بيننا وبينه كى لا نراه وكان من شدة اشتغاله بالله مثل واله أو مجنون لم يكن يعرف مبلغ درسنا حتى نذكره ذلك
وقال أبو الفضل محمد بن على السهلكى كان الباهلى يسأل عن سبب النقاب وإرساله الحجاب بينه وبين هؤلاء الثلاثة كاحتجابه عن الكل فإنه كان يحتجب عن كل واحد فأجاب إنهم يرون السوقة وهم أهل الغفلة فيروني بالعين التى يرون أولئك بها
قال وكانت له أيضا جارية تخدمه فكان حالها أيضا معه كحال غيرها من الحجاب وإرخاء الستر بينه وبينها
والثالث بندار خادمه وقد تقدمت ترجمته
والرابع أبو الحسن على بن محمد بن مهدى الطبرى
ومن الطبقة الثانية أبو سعد الإسماعيلى وأخوه أبو نصر وأبو الطيب الصعلوكى وأبو الحسن بن داود المقرئ الدارانى وسيف السنة القاضى أبو بكر بن الباقلانى والأستاذ أبو إسحاق والأستاذ أبو بكر بن فورك والأستاذ أبو على الدقاق والحاكم أبو عبد الله الحافظ والشيخ أبو سعد الخركوشى والقاضى أبو عمر البسطامى وأبو القاسم البجلى وأبو الحسن ابن ماشاذه والشريف أبو طالب المهتدى وأبو معمر بن أبى سعد


"""
صفحة رقم 370 """
الإسماعيلى وأبو حازم العبدوى الحافظ الأعرج وأبو على ابن شاذان والحافظ أبو نعيم الأصبهانى وأبو حامد بن دلوية
ومن الثالثة
أبو الحسن السكرى وأبو منصور الأيوبي النيسابورى والقاضى عبد الوهاب المالكى وأبو الحسن النعيمى وأبو طاهر بن خراشة والأستاذ أبو منصور البغدادى والحافظ أبو ذر الهروى وأبو بكر ابن الجرمى الزاهد والشيخ أبو محمد الجوينى وأبو القاسم ابن أبى عثمان الهمذانى البغدادى وأبو جعفر السمنانى الحنفى قاضى الموصل وأبو حاتم القزوينى ورشأ بن نظيف المقرئ وأبو محمد الأصبهانى بن اللبان وسليم الرازى وأبو عبد الله الخبازى وأبو الفضل بن عمروس المالكى والأستاذ أبو القاسم عبد الجبار بن على الإسفراينى والحافظ أبو بكر البيهقى


"""
صفحة رقم 371 """
ومن الرابعة الخطيب البغدادى الحافظ والأستاذ أبو القاسم القشيرى وأبو على بن أبى حريصة الهمذاني وأبو المظفر الإسفراينى والشيخ أبو إسحاق الشيرازى وإمام الحرمين ونصر المقدسى وأبو عبد الله الطبرى
ومن الخامسة
أبو المظفر الخوافى وإلكيا والغزالى وفخر الإسلام الشاشى وأبو نصر القشيرى والشيخ أبو سعيد الميهنى والشريف أبو عبد الله الديباجى والقاضى أبو العباس بن الرطبى وأبو عبد الله الفراوى وأبو سعد بن أبى صالح المؤذن وأبو الحسن السلمى وأبو منصور بن ماشاذه الأصبهانى وأبو الفتوح الإسفراينى ونصر الله المصيصى
فهذا جملة من ذكر الحافظ فى كتاب التبيين وقال لولا خوفى من الإملال فى الإسهاب لتتبعت ذكر جميع الأصحاب وكما لا يمكننى إحصاء نجوم السماء كذلك لا أتمكن من استقصاء جميع العلماء مع انتشارهم فى الأقطار والآفاق من المغرب والشام وخراسان والعراق


"""
صفحة رقم 372 """
قلت ولقد أهمل على سعة حفظه من الأعيان كثيرا وترك ذكر أقوام كان ينبغى حيث ذكر هؤلاء أن يشمر عن ساعد الاجتهاد فى ذكرهم تشميرا لكنه استوعب الأولى أو كاد واستغرق فلم يفته إلا بعض الآحاد
ومن الثانية أبو الحسن البليانى المالكى وأبو الفضل الممسى المالكى المقتول ظلما وأبو القاسم عبد الرحمن بن عبد المؤمن المكى المالكى تلميذ ابن مجاهد وأبو بكر الأبهرى وأبو محمد بن أبى زيد وأبو محمد بن التبان وأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله القلانسى
ومن الثالثة من المالكية
أبو عمران الفاسى
ومن الرابعة
أبو إسحاق التونسى المالكى وأبو الوفاء ابن عقيل الحنبلى وقاضى القضاة الدامغانى الحنفى وقاضى القضاة أبو بكر الناصح الحنفى
ومن الخامسة
أبو الوليد الباجى وأبو عمر بن عبد البر الحافظ وأبو الحسن القابسى والحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر والحافظ أبو الحسن المرادى والحافظ أبو سعد بن السمعانى والحافظ أبو طاهر السلفى والقاضي عياض بن محمد اليحصبى والإمام أبو الفتح الشهرستانى
ومن السادسة
الإمام فخر الدين الرازى وسيف الدين الآمدى وشيخ الإسلام عز الدين ابن عبد السلام والشيخ أبو عمرو ابن الحاجب المالكى والشيخ جمال الدين


"""
صفحة رقم 373 """
الحصيرى الحنفى وصاحب التحصيل والحاصل والخسر وشاهى
ومن السابعة
شيخ الإسلام تقى الدين ابن دقيق العيد والشيخ علاء الدين الباجى والشيخ الإمام الوالد والشيخ صفى الدين الهندى والشيخ صدر الدين ابن المرحل وابن أخيه الشيخ زين الدين والشيخ صدر الدين سليمان بن عبد الحكم المالكى والشيخ شمس الدين الحريرى الخطيب والشيخ جمال الدين الزملكانى والقاضى جمال الدين ابن جملة والشيخ شهاب الدين ابن جميل وقاضى القضاة شمس الدين السروجى الحنفى والقاضى شمس الدين بن الحريرى الحنفى والقاضى عضد الدين الإيجى الشيرازى
ذكر بيان أن طريقة الشيخ هى التى عليها المعتبرون من علماء الإسلام والمتميزون من المذاهب الأربعة فى معرفة الحلال والحرام والقائمون بنصرة دين سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم )
قد قدمنا فى تضاعيف الكلام ما يدل على ذلك وحكينا لك مقالة الشيخ ابن عبد السلام ومن سبقه إلى مثلها وتلاه على قولها حيث ذكروا أن الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة أشعريون هذه عبارة ابن عبد السلام شيخ الشافعية وابن الحاجب شيخ المالكية والحصيرى شيخ الحنفية ومن كلام ابن عساكر حافظ هذه الأمة الثقة الثبت هل من الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية إلا موافق الأشعرى


"""
صفحة رقم 374 """
ومنتسب إليه وراض بحميد سعيه فى دين الله ومثن بكثرة العلم عليه غير شرذمة قليلة تضمر التشبيه وتعادى كل موحد يعتقد التنزيه أو تضاهى قول المعتزلة فى ذمه وتباهى بإظهار جهرها بقدرة سعة علمه ونحن نحكى لك هنا مقالات أخر لجماعة من معتبرى القول من الفقهاء ثم ننعطف إلى ما نحققه
ذكر استفتاء وقع فى زمان الأستاذ أبى القاسم القشيرى بخراسان عند وقوع الفتنة التى سنحكيها فيما بعد
كتب استفتاء فيما يتعلق بحال الشيخ فكان جواب القشيرى ما نصه بسم الله الرحمن الرحيم اتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن على بن إسماعيل الأشعرى كان إماما من أئمة أصحاب الحديث ومذهبه مذهب أصحاب الحديث تكلم فى أصول الديانات على طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين من الملة سيفا مسلولا ومن طعن فيه أو قدح أو لعنه أو سبه فقد بسط لسان السوء فى جميع أهل السنة بذلنا خطوطنا طائعين بذلك فى هذا الدرج فى ذى القعدة سنة ست وثلاثين وأربعمائة والأمر على هذه الجملة المذكورة فى هذا الذكر وكتبه عبد الكريم بن هوازن القشيرى
وكتب تحته الخبازى كذلك يعرفه محمد بن على الخبازى وهذا خطه
والشيخ أبو محمد الجوينى الأمر على هذه الجملة المذكورة فيه وكتبه عبد الله ابن يوسف
وبخط أبى الفتح الشاشى وعلى بن أحمد الجوينى وناصر العمرى وأحمد بن محمد


"""
صفحة رقم 375 """
الأيوبى وأخيه على وأبى عثمان الصابونى وابنه أبى نصر بن أبى عثمان والشريف البكرى ومحمد بن الحسن وأبى الحسن الملقاباذى
وقد حكى خطوطهم ابن عساكر
وكتب عبد الجبار الإسفراينى بالفارسية ابن أبو الحسن الأشعرى ان امام است كخداوند عز وجل ابن ايت درشان وى فرشتاد ) فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ( ومصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) درآن رتت بحدوى إشارات كرد بو موسى أشعرى فقال ( هم قوم هذا )
كتبه عبد الجبار بن على بن محمد الإسفراينى بخطه
تفسيره هذا أبو الحسن كان إماما ولما أنزل الله عز وجل قوله فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أشار المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أبى موسى فقال ( هم قوم هذا
استفتاء آخر ببغداد
ما قول السادة الأئمة الجلة في قوم اجتمعوا على لعن فرقة الأشعرى وتكفيرهم ما الذى يجب عليهم فأجاب قاضى القضاة أبو عبد الله الدامغانى الحنفى قد ابتدع وارتكب ما لا يجوز وعلى الناظر فى الأمور أعز الله أنصاره الإنكار عليه وتأديبه بما يرتدع به هو وأمثاله عن ارتكاب مثله وكتب محمد بن على الدامغانى
وبعده كتب الشيخ أبو إسحاق الشيرازى رحمه الله الأشعرية أعيان أهل السنة ونصار الشريعة انتصبوا للرد على المبتدعة من القدرية والرافضة وغيرهم فمن طعن فيهم


"""
صفحة رقم 376 """
فقد طعن على أهل السنة وإذا رفع أمر من يفعل ذلك إلى الناظر فى أمر المسلمين وجب عليه تأديبه بما يرتدع به كل أحد وكتب إبراهيم بن على الفيروزابادى
وبعده جوابى مثله وكتب محمد بن أحمد الشاشى وهو فخر الإسلام أبو بكر تلميذ الشيخ أبى إسحاق
استفتاء آخر فى واقعة أبى نصر القشيرى ببغداد
سنحكى إن شاء الله هذا الاستفتاء والأجوبة عند انتهائنا إلى ترجمة الأستاذ أبى نصر ابن الأستاذ أبى القاسم فى الطبقة الخامسة
وإن من جملة خط الشيخ أبى إسحاق الشيرازى فيه ما نصه وأبو الحسن الأشعرى إمام أهل السنة وعامة أصحاب الشافعى على مذهبه ومذهبه مذهب أهل الحق وكتب إبراهيم بن على الفيروزابادى وكذلك تحت خط جماعة من الشافعية والمالكية والحنفية والحنابلة منهم أبو الخطاب بن الحلوبى وأبو عبد الله القيروانى وأسعد الميهنى وأبو الوفاء بن عقيل الحنبلى وأبو منصور الرزاز وأبو الفرج الإسفراينى وأبو الحسن بن الخل وأبو الحسن على ابن الحسين الغزنوى الحنفى وأبو الخير القزوينى وعمر بن أحمد الخطيبى الزنجانى
وبقى هذا الاستفتاء هكذا زمانا بعد زمان كلما جاءت أمة من العلماء كتبت بالموافقة أعصرا كثيرة


"""
صفحة رقم 377 """
ذكر كلام أبى العباس قاضى العسكر الحنفى
كان أبو العباس هذا رجلا من أئمة أصحاب الحنفية ومن المتقدمين فى علم الكلام وكان يعرف بقاضى العسكر
وقد حكى الحافظ أبو القاسم فى كتاب التبيين جملة من كلامه فمنه قوله وقد وجدت لأبى الحسن الأشعرى كتبا كثيرة فى هذا الفن يعنى أصول الدين وهى قريب من مائتى كتاب والموجز الكبير يأتى على عامة ما فى كتبه وقد صنف الأشعرى كتابا كبيرا لتصحيح مذهب المعتزلة فإنه كان يعتقد مذهبهم ثم بين الله له ضلالتهم فبان عما اعتقده من مذهبهم وصنف كتابا ناقضا لما صنف للمعتزلة وقد أخذ عامة أصحاب الشافعى بما استقر عليه مذهب أبى الحسن الأشعرى وصنف أصحاب الشافعى كتبا كثيرة على وفق ما ذهب إليه الأشعرى إلا أن بعض أصحابنا من أهل السنة والجماعة خطأ أبا الحسن الأشعرى فى بعض المسائل مثل قوله التكوين والمكون واحد ونحوها على ما نبين فى خلال المسائل إن شاء الله فمن وقف على المسائل التى أخطأ فيها أبو الحسن وعرف خطأه فلا بأس له بالنظر فى كتبه وقد أمسك كتبه كثير من أصحابنا من أهل السنة والجماعة ونظروا فيها انتهى
ذكر البحث عن تحقيق ذلك
سمعت الشيخ الإمام رحمه الله يقول ما تضمنته عقيدة الطحاوى هو ما يعتقده الأشعرى لا يخالفه إلا فى ثلاث مسائل
قلت أنا أعلم أن المالكية كلهم أشاعرة لا أستثنى أحدا والشافعية غالبهم أشاعرة


"""
صفحة رقم 378 """
لا أستثنى إلا من لحق منهم بتجسيم أو اعتزال ممن لا يعبأ الله به والحنفية أكثرهم أشاعرة أعنى يعتقدون عقد الأشعرى لا يخرج منهم إلا من لحق منهم بالمعتزلة والحنابلة أكثر فضلاء متقدميهم أشاعرة لم يخرج منهم عن عقيدة الأشعرى إلا من لحق بأهل التجسيم وهم فى هذه الفرقة من الحنابلة أكثر من غيرهم
وقد تأملت عقيدة أبى جعفر الطحاوى فوجدت الأمر على ما قال الشيخ الإمام وعقيدة الطحاوى زعم أنها الذى عليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ولقد جود فيها ثم تفحصت كتب الحنفية فوجدت جميع المسائل التى بيننا وبين الحنفية خلاف فيها ثلاث عشرة مسألة منها معنوى ست مسائل والباقى لفظى وتلك الست المعنوية لا تقتضى مخالفتهم لنا ولا مخالفتنا لهم فيها تكفيرا ولا تبديعا صرح بذلك الأستاذ أبو منصور البغدادى وغيره من أئمتنا وأئمتهم وهو غنى عن التصريح لظهوره
ومن كلام الحافظ الأصحاب مع اختلافهم فى بعض المسائل كلهم أجمعون على ترك تكفير بعضهم بعضا مجمعون بخلاف من عداهم من سائر الطوائف وجميع الفرق فإنهم حين اختلفت بهم مستشنعات الأهواء والطرق كفر بعضهم بعضا ورأى تبريه ممن خالفه فرضا
قلت وهذا حق وما مثل هذه المسائل إلا مثل مسائل كثيرة اختلفت الأشاعرة فيها وكلهم عن حمى أبى الحسن يناضلون وبسيفه يقاتلون أفتراهم يبدع بعضهم بعضا ثم هذه المسائل لم يثبت جميعها عن الشيخ ولا عن أبى حنيفة رضى الله عنهما كما سأحكى لك ولكن الكلام بتقدير الصحة
ولى قصيدة نونية جمعت فيها هذه المسائل وضممت إليها مسائل اختلفت الأشاعرة فيها مع تصويب بعضهم بعضا فى أصل العقيدة ودعواهم أنهم أجمعين على السنة وقد


"""
صفحة رقم 379 """
ولع كثير من الناس بحفظ هذه القصيدة لا سيما الحنفية وشرحها من أصحابى الشيخ الإمام العلامة نور الدين محمد بن أبى الطيب الشيرازى الشافعى وهو رجل مقيم فى بلاد كيلان ورد علينا دمشق فى سنة سبع وخمسين وسبعمائة وأقام يلازم حلقتى نحو عام ونصف عام ولم أر فيمن جاء من العجم فى هذا الزمان أفضل منه ولا أدين
وأنا أذكر لك قصيدتى فى هذا الكتاب لتستفيد منها مسائل الخلاف وما اشتملت عليه
الورد خدك صيغ من إنسان
أم فى الخدود شقائق النعمان
والسيف لحظك سل من أجفانه
فسطا كمثل مهند وسنان
تالله ما خلقت لحاظك باطلا
وسدى تعالى الله عن بطلان
وكذاك عقلك لم يركب يا أخى
عبثا ويودع داخل الجثمان
لكن ليسعد أو ليشقى مؤمن
أو كافر فبنو الورى صنفان
لو شاء ربك لاهتدى كل ولم
يحتج إلى حد ولا برهان
فانظر بعقلك واجتهد فالخير ما
تؤتاه عقل راجح الميزان
واطلب نجاتك إن نفسك والهوى
بحران فى الدركات يلتقيان
نار يراها ذو الجهالة جنة
ويخوض منها فى حميم آن
ويظل فيها مثل صاحب بدعة
يتخيل الجنات فى النيران
منها
كذب ابن فاعلة يقول لجهله
الله جسم ليس كالجسمان


"""
صفحة رقم 380 """
لو كان جسما كان كالأجسام يا
مجنون فاصغ وعد عن بهتان
واتبع صراط المصطفى فى كل ما
يأتى وخل وساوس الشيطان
واعلم بأن الحق ما كانت عليه
صحابة المبعوث من عدنان
من أكمل الدين القويم وبين الحجج
التى يهدى بها الثقلان
قد نزهوا الرحمن عن شبه وقد
دانوا بما قد جاء فى الفرقان
ومضوا على خير وما عقدوا مجالس
فى صفات الخالق الديان
كلا ولا ابتدعوا ولا قالوا البنا
متشابه فى شكله للبانى
وأتت على أعقابهم علماؤنا
غرسوا ثمارا يجتنيها الجانى
كالشافعى ومالك وكأحمد
وأبى حنيفة والرضا سفيان
وكمثل إسحاق وداود ومن
يقفو طرائقهم من الأعيان
وأتى أبو الحسن الإمام الأشعرى م
مبينا للحق أى بيان
(
ومناضلا عما عليه أولئك الأسلاف
بالتحرير والإتقان
ما إن يخالف مالكا والشافعى م
وأحمد بن محمد الشيبانى
لكن يوافق قولهم ويزيده
حسنا بتحقيق وفضل بيان
يقفو طرائقهم ويتبع حارثا
أعنى محاسب نفسه بوزان
فلقد تلقى حسن منهجه عن الأشياخ
أهل الدين والعرفان
فلذاك تلقاه لأهل الله ينصر
قولهم بمهند وسنان
مثل ابن أدهم والفضيل وهكذا
معروف المعروف فى الإخوان
ذو النون أيضا والسرى وبشر بن
الحارث الحافى بلا فقدان
وكذلك الطائى ثم شقيق البلخى
وطيفور كذا الدارانى
والتسترى وحاتم وأبو تراب
عسكر فاعدد بغير توان


"""
صفحة رقم 381 """
وكذاك منصور بن عمار كذا
يحيى سليل معاذ الربانى
فله بهم حسن اعتقاد مثل ما
لهم به التأييد يوم رهان
إذ يجمع الخصمان يوم جدالهم
ولما تحقق يسمع الخصمان
لم لا يتابع هؤلاء وشيخه الشيخ
الجنيد السيد الصمدانى
عنه التصوف قد تلقى فاغتذى
وله به وبعلمه نوران
ورأى أبا عثمان الحيرى والنمورى
يا لهما هما الرجلان
ورأى رويما ثم رام طريقه
وأبا الفوارس شاها الكرمانى
والمغربى كذا ابن مسروق كذا البسرى
قوم أفرس الفرسان
وأظنه لم يلتق الخراز بل
قيل التقى سمنون فى سمنان
وكذاك للجلاء لم ينظر ولا أبن
عطا ولا الخواص ثم بنان
وكذاك ممشاذ مع الدقى مع
خير وهذا غالب الحسبان
وكذاك أصحاب الطريقة بعده
ضبطوا عقائده بكل عنان
وتتلمذ الشبلى بين يديه وابن
خفيف والثقفى والكتانى
وخلائق كثروا فلا أحصيهم
وربوا على الياقوت والمرجان
الكل معتقدون أن إلهنا
متوحد فرد قديم دان
حى عليم قادر متكلم
عال ولا نعنى علو مكان


"""
صفحة رقم 382 """
باقى له سمع وإبصار يريد
جميع ما يجرى من الإنسان
والشر من تقديره لكنه
عنه نهاك بواضح البرهان
قد أنزل القرآن وهو كلامه
لفظت به للقارئ الشفتان
وإلهنا لا شئ يشبهه وليس
بمشبه شيئا من الحدثان
قد كان ما معه قديما قط من
شئ ولم يبرح بلا أعوان
خلق الجهات مع الزمان مع المكان
الكل مخلوق على الإمكان
ما إن تحل به الحوادث لا ولا
كلا وليس يحل فى الجسمان
كذب المجسم والحلولى الكفور
فذان فى البطلان مفتريان
والاتحادى الجهول ومن يقل
بالاتحاد فإنه نصرانى
ونبينا خير الخلائق أحمد
ذو الجاه عند الله ذى السلطان
وله الشفاعة والوسيلة والفضيلة
واللواء وكوثر الظمآن
فاسأل إلهك بالنبى محمد
متوسلا تظفر بكل أمان
لا خلق أفضل منه لا بشر ولا
ملك ولا كون من الأكوان
ما العرش ما الكرسى ما هذى السما
عند النبى المصطفى العدنان
والرسل بعد محمد درجاتهم
ثم الملائك عابدو الرحمن
ثم الصحابة مثل ما قد رتبوا
فالأفضل الصديق ذو العرفان
ثم العزيز السيد الفاروق ثم م
اذكر محاسن ذى التقى عثمان
وعلى ابن العم والباقون أهل
الفضل والمعروف والإحسان
والأولياء لهم كرامات فلا
تنكر تقع فى مهمه الخذلان


"""
صفحة رقم 383 """
والمؤمنون يرون ربهم كرؤيتهم
لبدر لاح نحو عيان
هذا اعتقاد مشايخ الإسلام وهو
الدين فلتسمع له الأذنان
الأشعرى عليه ينصره ولا
يألوا جزاه الله بالإحسان
وكذاك حالته مع النعمان لم
ينقض عليه عقائد الإيمان
يا صاح إن عقيدة النعمان والأشعرى
حقيقة الإتقان
فكلاهما والله صاحب سنة
بهدى نبى الله مقتديان
لاذا يبدع ذا ولا هذا وإن
تحسب سواه وهمت فى الحسبان
من قال إن أبا حنيفة مبدع
رأيا فذلك قائل الهذيان
أو ظن أن الأشعرى مبدع
فلقد أساء وباء بالخسران
كل إمام مقتد ذو سنة
كالسيف مسلولا على الشيطان
والخلف بينهما قليل أمره
سهل بلا بدع ولا كفران
فيما يقل من المسائل عده
ويهون عند تطاعن الأقران
ولقد يؤول خلافها إما إلى
لفظ كالاستثناء فى الإيمان
الأشعرى يقول أنا مؤمن إن شاء الله
وكمنعه أن السعيد يضل أو
يشقى ونعمة كافر خوان
الأشعرى يقول السعيد من كتب فى بطن أمه سعيدا والشقى من كتب فى بطن أمه شقيا لا يتبدلان


"""
صفحة رقم 384 """
وأبو حنيفة يقول قد يكون سعيدا ثم ينقلب والعياذ بالله شقيا وبالعكس
وقد قررنا هذه المسألة فى كتابنا فى شرح عقيدة الأستاذ أبى منصور وبينا اختلاف السلف فيها كاختلاف الخلف وأن الخلاف لفظى لا يترتب عليه فائدة
والأشعرى يقول ليس على الكافر نعمة وكل ما يتقلب فيه استدراج وأبو حنيفة يقول عليه نعمة ووافقه من الأشاعرة القاضى أبو بكر بن الباقلانى فهو مع الحنفية فى هذه كالماتريدى منهم معنا فى مسألة الاستثناء
وكذا الرسالة بعد موت إن تكن
صحت وإلا أجمع الشيخان
وقد ادعى ابن هوازن أستاذنا
فيها افتراء من عدو شان
وهو الخبير الثبت نقلا والإرادة
ليس يلزمها رضا الرحمن
فالكفر لا يرضى به لعباده
ويريده أمران مفترقان
وأبو حنيفة قائل إن الإرادة
والرضا أمران متحدان
(
وعليه أكثرنا ولكن لا يصح م وقيل مكذوب على النعمان
مسألة
إنكار الرسالة بعد الموت معزوة إلى الأشعرى وهى من الكذب عليه وإنما ذكرناها وفاء بما اشترطناه من أنا ننظم كل ما عزى إليه ولكنه صرح بخلافها وكتبه وكتب أصحابه قد طبقت طبق الأرض وليس فيها شئ من ذلك بل فيها خلافه
ومن عقائدنا أن الأنبياء عليهم السلام أحياء فى قبورهم فأين الموت وقد أنكر الأستاذ ابن هوازن وهو أبو القاسم القشيرى فى كتابه شكاية أهل السنة الذى سنحكيه فى هذه الترجمة بتمامه هذه وبين أنها مختلقة على الشيخ وكذلك بين ذلك غيره


"""
صفحة رقم 385 """
وصنف البيهقى رحمه الله جزءا سمعناه فى حياة الأنبياء عليهم السلام فى قبورهم واشتذ نكير الأشاعرة على من نسب هذا القول إلى الشيخ وقالوا قد افترى عليه وبهته
وأما مسألة الرضا والإرادة فاعلم أن المنقول عن أبى حنيفة اتحادهما وعن الأشعرى افتراقهما
وقيل إن أبا حنيفة لم يقل بالاتحاد فيهما بل ذلك مكذوب عليه فعلى هذا انقطع النزاع وإنما الكلام بتقدير صحة الاتحاد عنده وأكثر الأشاعرة على ما يعزى إلى أبى حنيفة من الافتراق منهم إمام الحرمين وغيره آخرهم الشيخ محيى الدين النووي رحمه الله قال هما شئ واحد ولكنى أنا لا أختار ذلك والحق عندى أنهما مفترقان كما هو منصوص الشيخ أبى الحسن
وكذاك إيمان المقلد وهو مما
أنكر ابن هوازن الربانى
ولو أنه مما يصح فخلفهم
فيه للفظ عاد دون معان
ذكروا أن شيخنا يقول إن إيمان المقلد لا يصح وأنكر ذلك الأستاذ أبو القاسم وقال إنه مكذوب عليه وسنبحث عن ذلك فى ذيل سياق كتاب شكاية أهل السنة والقول على تقدير الصحة
وكذاك كسب الأشعرى وإنه
صعب ولكن قام بالبرهان
من لم يقل بالكسب مال إلى اعتزال
أو مقال الجبر ذى الطغيان
كسب الأشعرى كما هو مقرر فى مكانه أمر يضطر إليه من ينكر خلق الأفعال وكون العبد مجبرا والأول اعتزال والثانى جبر فكل أحد يثبت واسطة لكن يعسر التعبير عنها ويمثلونها بالفرق بين حركة المرتعش والمختار وقد اضطرب المحققون فى تحرير هذه الواسطة والحنفية سموها الاختيار


"""
صفحة رقم 386 """
والذى تحرر لنا أن الاختيار والكسب عبارتان عن معين واحد ولكن الأشعرى آثر لفظ الكسب على لفظ الاختيار لكونه منطوق القرآن والقوم آثروا لفظ الاختيار لما فيه من إشعار قدرة للعبد
وللقاضى أبى بكر مذهب يزيد على مذهب الأشعرى فلعله رأى القوم
ولإمام الحرمين والغزالى مذهب يزيد على المذهبين جميعا ويدنوا كل الدنو من الاعتزال وليس هو هو
ولسنا الآن لتحرير هذه المسألة العظيمة الخطب وقد قررناها على وجه مختصر في شرح مختصر ابن الحاجب وعلى وجه مبسوط فيما كتبناه من أصول الديانات
أو للمعانى وهو ست مسائل
هانت مداركها بدون هوان
لله تعذيب المطيع ولو جرى
ما كان من ظلم ولا عدوان
متصرف فى ملكه فله الذى
يختار لكن جاد بالإحسان
فنفى العقاب وقال سوف أثيبهم
فله بذاك عليهم فضلان
هذا مقال الأشعرى إمامنا
وسواه مأثور عن النعمان
ما قدمنا من المسائل ومنه ما لم يصح كما عرفت هو لفظى كله لا فائدة للخلاف فيه
ومن هنا المسائل المعنوية وهى ست مسائل وقد عرفنا أن الشيخ الإمام كان يقول إن عقيدة الطحاوى لم تشتمل إلا على ثلاث ولكنا نحن جمعنا الثلاث الأخر من كلام القوم
أولها أن الرب تعالى له عندنا أن يعذب الطائعين ويثيب العاصين كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل لا حجر عليه فى ملكه ولا داعى له إلى فعله وعندهم يجب تعذيب العاصى وإثابة المطيع ويمتنع العكس


"""
صفحة رقم 387 """
ووجوب معرفة الإله الأشعرى
يقول ذاك بشرعة الديان
والعقل ليس بحاكم لكن له الإدراك
لا حكم على الحيوان
وقضوا بأن العقل يوجبها وفى
كتب الفروع لصحبنا وجهان
وبأن أوصاف الفعال قديمة
ليست بحادثة على الحدثان
وبأن مكتوب المصاحف منزل
عين الكلام المنزل القرآن
والبعض أنكر ذا فإن يصدق فقد
ذهبت من التعداد مسألتان
هذى ومسألة الإرادة قبلها
أمران فيما قيل مكذوبان
وكما انتفى هذان عنهم هكذا
عنا انتفى مما يقال اثنان
قالوا وليس بجائز تكليف ما
لا يستطاع فتى من الفتيان
وعليه من أصحابنا شيخ العراقى
وحجة الإسلام ذو الإتقان
ورواه مجتهد الزمان محمد بن
دقيق عيد واضح السبلان
منعوا تكليف ما لا يطاق ووافقهم من أصحابنا الشيخ أبو حامد الإسفراينى شيخ العراقيين وحجة الإسلام الغزالى وشيخ الإسلام تقى الدين محمد ابن على بن دقيق العيد القوصى رحمهم الله تعالى أجمعين
قالوا وتمتنع الصغائر من نبى
للإله وعندنا قولان
والمنع مروى عن الأستاذ والقاضى
عياض وهو ذو رجحان
وبه أقول وكان مذهب والدى
دفعا لرتبتهم عن النقصان
والأشعرى إمامنا لكننا
فى ذا نخالفه بكل لسان
ونقول نحن على طريقته ولكن
صحبه فى ذاك طائفتان
بل قال بعض الأشعرية إنهم
برآء معصومون من نسيان


"""
صفحة رقم 388 """
والكل معدودون من أتباعه
لا يخرجون بذا عن الإذعان
وأبو حنيفة هكذا مع شيخنا
لا شئ بينهما من النكران
متناصران وذا اختلاف هين
عار عن التبديع والخذلان
هذا الإمام وقبله القاضي يقولان
البقا لحقيقة الرحمن
وهما كبيرا الأشعرية وهو قال
بزائد فى الذات للإمكان
والشيخ والأستاذ متفقان فى
عقد وفى أشياء مختلفان
وكذا ابن فورك الشهيد وحجة الإسلام
خصما الإفك والبهتان
وابن الخطيب وقوله إن الوجود
يزيد وهو الأشعرى الثانى
والاختلاف فى الاسم هل هو والمسمى
واحد لا اثنان أو غيران
والأشعرية بينهم خلف إذا
عدت مسائله على الإنسان
بلغت مئين وكلهم ذو سنة
أخذت عن المبعوث من عدنان
وغدا ينادى كلنا من جملة الأتباع
للأسلاف بالإحسان
والأشعرى إمامنا والسنة الغراء
سنتنا مدى الأزمان
وكذاك أهل الرأي مع أهل الحديث
فى الإعتقاد الحق متفقان
ما إن يكفر بعضهم بعضا ولا
أزرى عليه وسامه بهوان
إلا الذين تمعزلوا منهم فهم
فيه تنحت عنهم الفئتان
هذا الصواب فلا تظنن غيره
واعقد عليه بخنصر وبنان
ورأيت ممن قاله حبر له
نبأ عظيم سار فى البلدان
أعنى أبا منصور الأستاذ عبد
القاهر المشهور فى الأكوان


"""
صفحة رقم 389 """
هذا صراط الله فاتبعه تجد
فى القلب برد حلاوة الإيمان
وتراه يوم الحشر أبيض واضحا
يهدى إليك رسائل الغفران
وعليه كان السابقون عليهم
حلل الثناء وملبس الرضوان
والشافعى ومالك وأبو حنيفة
وابن حنبل الكبير الشان
درجوا عليه وخلفونا إثرهم
إن نتبعهم نجتمع بجنان
أو نبتدع فلسوف نصلى النار مذمومين
مدحورين بالعصيان
والكفر منفى فلست مكفرا
ذا بدعة شنعاء فى النيران
بل كل أهل القبلة الإيمان يجمعهم
ويفترقون كالوحدان
فأجارنا الرحمن بالهادى النبى م
محمد من ناره بأمان
(
صلى الله عليه وسلم ) ما وضح الضحى
وبدا بديجور الدجى النسران
والآل والصحب الكرام ومنهم الصديق
والفاروق مع عثمان
(
وعلى ابن العم والباقون إنهم م النجوم لمقتد حيران
شرح حال الفتنة التى وقعت بمدينة نيسابور قاعدة بلاد خراسان إذ ذاك فى العلم وكيف آلت إلى خروج إمام الحرمين والحافظ البيهقى والأستاذ أبى القاسم القشيرى من نيسابور ثم كيف كانت الدائرة على من رام مذهب الأشعرى بسوء وكيف قصمه الله
كان سلطان الوقت إذ ذاك السلطان طغرلبك السلجوقى وكان رجلا حنفيا سنيا خيرا عادلا محببا إلى أهل العلم من كبار الملوك وعظمائهم وهو أول ملوك السلجوقية وكان يصوم الاثنين والخميس وهو الذى أرسل الشريف ناصر بن إسماعيل


"""
صفحة رقم 390 """
رسولا إلى ملكة الروم فاستأذنها بالصلاة فى جامع القسطنطينية جماعة يوم الجمعة فصلى وخطب للإمام القائم بأمر الله وتمهدت البلاد لطغرلبك وسمت نفسه بحيث وصل أمره إلى أن سير إلى الخليفة القائم يخطب ابنته وذلك فى ذلك الزمان مقام مهول فشق ذلك على الخليفة واستعفى ثم لم يجد بدا من ذلك لعظمة طغرلبك وكونه ملكا قاهرا لا يطاق فزوجه بها وقدم بغداد فى سنة خمس وخمسين وأربعمائة وأرسل يطلبها وحمل مائة ألف دينار برسم نقل جهازها فعمل العرس فى صفر بدار المملكة وأجلست على سرير ملبس بالذهب ودخل السلطان وقبل الأرض بين يديها ولم يكشف البرقع عن وجهها إذ ذاك وقدم لها تحفا وخدم وانصرف مسرورا وكان لهذا السلطان وزير سوء وهو وزيره أبو نصر منصور بن محمد الكندرى كان معتزليا رافضيا خبيث العقيدة لم يبلغنا أن أحدا جمع له من خبث العقيدة ما اجتمع له فإنه على ما ذكر كان يقول بخلق الأفعال وغيره من قبائح القدرية وسب الشيخين وسائر الصحابة وغير ذلك من قبائح شر الروافض وتشبيهه الله بخلقه وغير ذلك من قبائح الكرامية والمجسمة وكان له مع ذلك تعصب عظيم وانضم إلى كل هذا أن رئيس البلد الأستاذ أبا سهل بن الموفق الذى سنذكر إن شاء الله ترجمته فى الطبقة الرابعة كان ممدحا جوادا ذا أموال جزيلة وصدقات دارة وهبات هائلة ربما وهب الألف دينار لسائل وكان مرفوقا بالوزارة وداره مجتمع العلماء ملتقى الأئمة من الفريقين الحنفية والشافعية فى داره يتناظرون وعلى سماطه يتلقمون وكان عارفا بأصول الدين على مذهب الأشعرى قائما فى ذلك مناضلا فى الذب عنه فعظم ذلك على الكندرى بما فى نفسه من المذهب ومن بغض ابن الموفق


"""
صفحة رقم 391 """
بخصوصه وخشيته منه أن يثب على الوزارة فحسن للسلطان لعن المبتدعة على المنابر فعند ذلك أمر السلطان بأن تلعن المبتدعة على المنابر فاتخذ الكندرى ذلك ذريعة إلى ذكر الأشعرية وصار يقصدهم بالإهانة والأذى والمنع عن الوعظ والتدريس وعزلهم عن خطابة الجامع واستعان بطائفة من المعتزلة الذين زعموا أنهم يقلدون مذهب أبى حنيفة أشربوا فى قلوبهم فضائح القدرية واتخذوا التمذهب بالمذهب الحنفى سياجا عليهم فحببوا إلى السلطان الإزراء بمذهب الشافعى عموما وبالأشعرية خصوصا
وهذه هى الفتنة التى طار شررها فملأ الآفاق وطال ضررها فشمل خراسان والشام والحجاز والعراق وعظم خطبها وبلاؤها وقام في سب أهل السنة خطيبها وسفهاؤها إذ أدى هذا الأمر إلى التصريح بلعن أهل السنة فى الجمع وتوظيف سبهم على المنابر وصار لأبى الحسن كرم الله وجهه بها أسوة لعلى بن أبى طالب كرم الله وجهه فى زمن بعض بنى أمية حيث استولت النواصب على المناصب واستعلى أولئك السفهاء فى المجامع والمراتب
فقام أبو سهل فى عصبة الحق وشمر عن ساعد الجد بحقيقة الصدق وتردد إلى العسكر فى دفع ذلك وما أفاد شئ من التدبير إذ كان الخصم الحاكم والسلطان محجبا إلا بوساطة ذلك الوزير ثم جاء الأمر من قبل السلطان طغرلبك بالقبض على الرئيس الفراتى والأستاذ أبى القاسم القشيرى وإمام الحرمين وأبى سهل بن الموفق ونفيهم ومنعهم عن المحافل وكان أبو سهل غائبا إلى بعض النواحى ولما قرئ الكتاب


"""
صفحة رقم 392 """
بنفيهم أغرى بهم الغاغة والأوباش فأخذوا بالأستاذ أبي القاسم القشيري والفراتي يجرونهما ويستخفون بهما وحبسا بالقهندر
وأما إمام الحرمين فإنه كان أحس بالأمر واختفى وخرج على طريق كرمان إلى الحجاز ومن ثم جاور وسمي إمام الحرمين وبقي القشيري والفراتي معترقين مسجونين أكثر من شهر فتهيأ أبو سهل بن الموفق من ناحية باخرز وجمع من أعوانه رجالا عارفين بالحرب وأتى باب البلد وطلب إخراج الفراتى والقشيرى فما أجيب بل هدد بالقبض عليه بمقتضى ما تقدم من مرسوم السلطان فلم يلتفت وعزم على دخول البلد ليلا وإخراجهما مجاهرة وكان متولى البلد قد تهيأ للحرب فزحف أبو سهل ليلا إلى قرية له على باب البلد ودخل مغافصة إلى داره وصاح من معه بالنعرات العالية فلما أصبحوا ترددت الرسل والنصحاء فى الصلح وأشاروا على الأمير بإطلاق الأستاذ والرئيس فأبى وبرز برجاله وقصد محلة أبى سهل فقام واحد من أعوان أبى سهل إلا أنه بعداد ألف وضرغام إلا أنه فى زى إنسان واستدعى منه كفاية تلك الثائرة وأتاه وأصحابه وادنوا لهم فالتقوا فى السوق وثبت هؤلاء حتى فرغ نشاب أولئك وتأنى الحق حتى انقضت ترهات الباطل ثم حمل أصحاب ابن الموفق على أولئك حملة رجل واحد فهزموهم بإذن الله وجرحوا أمير البلد وهمو بأسره ثم توسط الناس ودخلوا على أبى سهل فى تسكين الفتنة وإطفاء الثائرة وأتوا بالأستاذ والرئيس إلى داره وقالوا قد حصل القصد وأخرج هذان من الحبس


"""
صفحة رقم 393 """
فلما انتصر أبو سهل وتم له ما ابتغى تشاور هو وأصحابه فيما بينهم وعلموا أن مخالفة السلطان لها تبعة وأن الخصوم لا ينامون فاتفقوا على مهاجرة البلد إلى ناحية أستواء ثم يذهبون إلى الملك وبقى بعض الأصحاب بالنواحى مفرقين وذهب أبو سهل إلى المعسكر وكان على مدينة الرى وخرج خصمه من الجانب الآخر فتوافيا بالرى وانتهى إلى السلطان ما جرى وسعى بأصحاب الشافعى وبالإمام أبى سهل خصوصا فقبض على أبى سهل وحبس فى بعض القلاع وأخذت أمواله وبيعت ضياعه ثم فرج عنه وخرج وحج
فهذا ما كان من الفتنة وكان هذا السلطان مع دينه وخيره ممن لم يمهله الله بعد إذنه بالسب وبحبس القشيرى ولم يمكث بعد هذه الواقعة الشنيعة واتفاق هذه الفضيحة الفظيعة إلا زمنا يسيرا وتوفى وتسلطن بعده ولده السلطان الأعظم عضد الدولة أبو شجاع ألب أرسلان
ولم يلبث الكندري إلا يسيرا وقتل شر قتلة وجعل كل جزء من أعضائه فى ناحية ولذلك شرح يطول لسنا له الآن
وأسفر صباح الزمان عن طلعة الوزير نظام الملك فقام فى نصرة الدين قياما مؤزرا وعاد الحق معززا موقرا وأمر بإسقاط ذكر السب وتأديب من فعله
ذكر أمور اتفقت فى هذه الفتنة وكيف كان حال علماء المسلمين واغتمامهم بها
أما أهل خراسان من نيسابور ونواحيها ومرو وما والاها فإنهم أخرجوا فمنهم من جاء إلى العراق ومنهم من جاء إلى الحجاز


"""
صفحة رقم 394 """
فممن حج الحافظ أبو بكر البيهقى والأستاذ أبو القاسم القشيرى وإمام الحرمين أبو المعالى الجوينى وخلائق يقال جمعت تلك السنة أربعمائة قاض من قضاة المسلمين من الشافعية والحنفية هجروا بلادهم بسبب هذه الواقعة وتشتت فكرهم يوم رجوع الحاج فمن عازم على المجاورة ومن محير فى أمره لا يدرى أين يذهب فاتفقت كلمتهم على أن الأستاذ أبا القاسم يعلو المنبر ويتكلم عليهم قيل فصعد وشخص فى السماء زمانا وأطرق زمانا ثم قبض على لحيته وقال يا أهل خراسان بلادكم بلادكم إن الكندرى غريمكم قطع إربا إربا وفرقت أعضاؤه وها أنا أشاهده الساعة وأنشد
عميد الملك ساعدك الليالى
على ما شئت من درك المعالى
فلم يك منك شئ غير أمر
بلعن المسلمين على التوالى
فقابلك البلاء بما تلاقى
فذق ما تستحق من الوبال
فضبط التاريخ فكان فى ذلك اليوم بعينه وتلك الساعة بعينها قد أمر السلطان بأن يقطع إربا إربا وأن يوصل إلى كل مكان منه عضو يدفن فيه ففعل به ذلك
ذكر استفتاء كتب فى ذلك وأرسل إلى العراق
قد كان الحال لو وفق الله ولى الأمر ومن يطلب الحق غنيا عن ذلك إذ فى وجود مثل إمام الحرمين على ظهر الأرض غنية عن استفتاء غيره من الفقهاء وإنه ليقبح بأهل إقليم فيهم إمام الحرمين بل بأهل عصر أن تقع لهم نازلة فلا يصغون إلى فتياه ويكتبون إلى النواحى يستفتون كيف وقد كان معه البيهقى محدث زمانه


"""
صفحة رقم 395 """
والقشيرى سيد وقته وخلائق يطول تعدادهم من علماء الأمة وبالجملة كتبوا استفتاء وأرسلوه إلى بغداد فلم يبق حنفى ولا شافعى إلا وبالغ فى الكتاب وعظمت عليه هذه الرزية وقد قدمنا ذكر بعض فتاويهم ولا نطيل بالباقى ففى القليل غنية عن الكثير
ذكر كتاب البيهقى إلى عميد الملك
قد ساق ابن عساكر جميعه ونحن نأتى على أكثره
كان البيهقى بمدينة بيهق فلما وصل إليه الخبر شق عليه وكان محدث زمانه وشيخ السنة فى وقته فكتب إلى عميد الملك ما أخبرتنا به أسماء بنت صصرى فى كتابها عن مكى بن علان أن الحافظ أبا القاسم أنبأه قال أخبرنا الشيخ أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن حبيب العامرى الحافظ قال أخبرنا شيخ القضاة أبو على إسماعيل بن أحمد بن الحسين البيهقى أخبرنا والدى الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين قال
سلام الله ورحمته وبركاته على الشيخ العميد وإنى أحمد إليه الله الذى لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأصلى على رسوله محمد وعلى آله أما بعد فإن الله جل ثناؤه بفضله وجوده يؤتى من يشاء من عباده ملك ما يريد من بلاده ثم يهدى من يشاء منهم إلى صراطه ويوفقه للسعى فى مرضاته ويجعل له فيما يتولاه وزير صدق يومى إليه بالخير ويحض عليه ومعين حق يشير إليه بالبر ويعين عليه ليفوز الأمير والوزير معا بفضل الله فوزا عظيما وينالا من نعمته حظا جسيما وكان الأمير أدام الله دولته ممن آتاه الله الملك والحكمة والشيخ العميد أدام الله سيادته ممن جعل الله له وزير صدق إن نسى ذكره وإن ذكر أعانه كما أخبر سيدنا المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) عن كل أمير


"""
صفحة رقم 396 """
أراد الله به خيرا فعادت بجميل نظر الأمير أدام الله أيامه وحسن رعايته وسياسته بلاد خراسان إلى الصلاح بعد الفساد وطرقها إلى الأمن بعد الخوف حتى انتشر ذكره بالجميل فى الآفاق وأشرقت الأرض بنور عدله كل الإشراق ولذلك قال سيدنا المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) فيما روى عنه ( السلطان ظل الله ورمحه فى الأرض ) وقال عليه السلام فيما روى عنه ( يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة ) وقال عبد الله بن المبارك
(
لولا الأئمة لم تأمن لنا سبل وكان أضعفنا نهبا لأقوانا )
زاده الله تأييدا وتسديدا وزاد من يؤازره فى الخير ويحثه عليه توفيقا وتسديدا ثم إنه أعز الله نصره صرف همته العالية إلى نصر دين الله وقمع أعداء الله بعد ما تقرر للكافة حسن اعتقاده بتقرير خطباء أهل مملكته على لعن من استوجب اللعن من أهل البدع ببدعته وأيس أهل الزيغ عن زيغه عن الحق وميله عن القصد فألقوا فى سمعه ما فيه مساءة أهل السنة والجماعة كافة ومصيبتهم عامة من الحنفية والمالكية والشافعية الذين لا يذهبون فى التعطيل مذاهب المعتزلة ولا يسلكون فى التشبيه طرق المجسمة فى مشارق الأرض ومغاربها ليتسلوا بالأسوة معهم فى هذه المساءة عما يسوؤهم من اللعن والقمع فى هذه الدولة المنصورة ثبتها الله ونحن نرجو عثوره عن قريب على ما قصدوا ووقوفه على ما أرادوا فيستدرك بتوفيق الله ما بدر منه فيما ألقى إليه ويأمر بتعزيز من زور عليه وقبح صورة الأئمة بين يديه وكأنه خفى عليه أدام الله عزه حال شيخنا أبى الحسن الأشعرى رحمة الله عليه ورضوانه وما يرجع إليه


"""
صفحة رقم 397 """
من شرف الأصل وكبر المحل فى العلم والفضل وكثرة الأصحاب من الحنفية والمالكية والشافعية الذين رغبوا فى علم الأصول وأحبوا معرفة دلائل العقول والشيخ العميد أدام الله توفيقه أولى أوليائه وأحراهم بتعريفه حاله وإعلامه فضله لما يرجع إليه من الهداية والدراية والشهامة والكفاية مع صحة العقيدة وحسن الطريقة
وفضائل الشيخ أبى الحسن ومناقبه أكثر من أن يمكن ذكرها فى هذه الرسالة لما فى الإطالة من خشية الملالة لكنى أذكر بمشيئة الله تعالى من شرفه بآبائه وأجداده وفضله بعلمه وحسن اعتقاده وكبر محله بكثرة أصحابه ما يحمله على الذب عنه وعن أتباعه
ثم أخذ البيهقى فى ذكر ترجمة الشيخ وذكر نسبه ثم قال إلى أن بلغت النوبة إلى شيخنا أبى الحسن الأشعري رحمه الله فلم يحدث فى دين الله حدثا ولم يأت فيه ببدعة بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة فى أصول الدين فنصرها بزيادة شرح وتبيين وأن ما قالوا وجاء به الشرع فى الأصول صحيح فى العقول بخلاف ما زعم أهل الأهواء من أن بعضه لا يستقيم فى الآراء فكان فى بيانه وثبوته ما لم يدل عليه أهل السنة والجماعة ونصرة أقاويل من مضى من الأئمة كأبى حنيفة وسفيان الثورى من أهل الكوفة والأوزاعى وغيره من أهل الشام
ومالك والشافعى من أهل الحرمين ومن نحا نحوهما من أهل الحجاز وغيرها من سائر البلاد وكأحمد بن حنبل وغيره من أهل الحديث والليث بن سعد وغيره وأبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى وأبى الحسين مسلم بن الحجاج النيسابورى إمامى أهل الآثار وحفاظ السنن التى عليها مدار الشرع إلى أن قال


"""
صفحة رقم 398 """
وصار رأسا فى العلم من أهل السنة فى قديم الدهر وحديثه وبذلك وعد سيدنا المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) أمته فيما روى عنه أبو هريرة أنه قال ( يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) ثم ساق حديث الأشعريين وإشارة النبى ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أبى موسى وقد قدمنا ذلك إلى أن قال
وحين كثرت المبتدعة فى هذه الأمة وتركوا ظاهر الكتاب والسنة وأنكروا ما ورد أنه من صفات الله تعالى نحو الحياة والقدرة والعلم والمشيئة والسمع والبصر والكلام والبقاء وجحدوا مادلا عليه من المعراج وعذاب القبر والميزان وأن الجنة والنار مخلوقتان وأن أهل الإيمان يخرجون من النيران وما لنبينا ( صلى الله عليه وسلم ) من الحوض والشفاعة وما لأهل الحنة من الرؤية وأن الخلفاء الأربعة كانوا محقين فيما قاموا به من الولاية وزعموا أن شيئا من ذلك لا يستقيم على العقل ولا يصح على الرأى أخرج الله من نسل أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه إماما قام بنصرة دين الله وجاهد بلسانه وبيانه من صد عن سبيل الله وزاد فى التبيين لأهل اليقين أن ما جاء به الكتاب والسنة وما كان عليه سلف هذه الأمة مستقيم على العقول الصحيحة
إلى أن قال بعد ذكر حديث عمران بن الحصين الذى قدمناه فمن تأمل هذه الأحاديث وعرف مذهب شيخنا أبى الحسن فى علم الأصول وعرف تبحره فيه أبصر صنع الله عزت قدرته فى تقديم هذا الأصل الشريف لما ذخر لعباده من هذا الفرع المنيف الذى أحيا به السنة وأمات به البدعة وجعله خلف حق لسلف صدق


"""
صفحة رقم 399 """
ثم اندفع فى بقية الرسالة وختمها بسؤاله العميد فى إطفاء الثائرة وترك السب وتأديب من يفعله
وقد ساق الحافظ الكتاب بمجموعة كما عرفناك فإن أردت الوقوف عليه كله فعليك بكتاب التبيين وفيما ذكرناه منه مقنع وبلاغ
وقد تضمن هذا الكتاب وقائله من علمت من الحفظ والدين والورع والاطلاع والمعرفة والثقة والأمانة والتثبت أن الصحابة ومن تبعهم بإحسان من علماء الأمة فقهائها ومحدثيها على عقيدة الأشعرى بل الأشعرى على عقيدتهم قام وناضل عنها وحمى حوزتها من أن تنالها أيدى المبطلين وتحريف الغالين وقد سمى من الفقهاء والمحدثين من سمعت
ذكر رسالة القشيرى إلى البلاد المسماة شكاية أهل السنة بحكاية ما نالهم من المحنة
وقد جالت هذه الرسالة فى البلاد وانزعجت نفوس أهل العلم منها وقام كل منهم بحسب قوته ودخلت بيهق فوقف عليها الحافظ البيهقى ولبى دعوتها وكتب الرسالة إلى العميد التى انفصلنا الآن عنها ثم دخلت بغداد فكتب الشيخ أبو إسحاق الشيرازى من الشافعية والقاضى الدامغانى من الحنفية وغيرهما من الفريقين ما أدت القدرة إليه
وقد أورد الحافظ بعض هذه الرسالة فى كتابه ونحن نرى أن نوردها كلها فإنه يخشى على مثلها الضياع إذا تمادى الزمان فإن هذا شأن المصنفات اللطاف لا سيما ما يغيظ أهل الباطل فإنهم يبادرون إلى إعمال الحيلة فى إعدامه


"""
صفحة رقم 400 """
لقد كان عند الشيخ الإمام نسخة من كتاب تبيين كذب المفترى لا يحسن الرائى أن يقرأ منها حرفا لما هو مكتوب فى حواشيها وبين أسطرها من أمور لا تتعلق بالكتاب بخط بعض فضلاء الحنابلة الذين يلمزون ببعض الأشاعرة فسألت الشيخ الإمام فقال هذه النسخة شريتها من تركة الحافظ سعد الدين الحارثى وكأنهم كانوا يريدون إعدامها ولكن كتاب التبيين كثير العدد 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 أهل السنة بحكاية ما نالهم من المحنة تخبر عن بثة مكروب ونفثة مغلوب وشرح ملم مؤلم


"""
صفحة رقم 401 """
وذكرمهم موهم وبيان خطب قادح وشر سانح للقلوب جارح رفعها عبد الكريم ابن هوازن القشيرى رحمه الله إلى العلماء الأعلام لجميع بلاد الإسلام
أما بعد
فإن الله تعالى إذا أراد أمرا قدره فمن ذا الذى أمسك ما سيره أو قدم ما أخره أو عارض حكمه فغيره أو غلبه على أمر فقهره كلا بل هو الله الواحد القهار الماجد الجبار
ومما ظهر ببلاد نيسابور من قضايا التقدير فى مفتتح سنة خمس وأربعين وأربعمائة من الهجرة ما دعا أهل الدين إلى شق صدور صبرهم وكشف قناع ضيرهم بل ظلت الملة الحنيفية تشكو غليلها وتبدى عويلها وتنصب عزالى رحمة الله على من يستمع شكوها وتصغى ملائكة السماء حتى تندب شجوها
ذلك مما أحدث من لعن إمام الدين وسراج ذوى اليقين محيى السنة وقامع البدعة وناصر الحق وناصح الخلق الزكى الرضى أبى الحسن الأشعرى قدس الله روحه وسقى بالرحمة ضريحه وهو الذى ذب عن الدين بأوضح حجج وسلك فى قمع المعتزلة وسائر أنواع المبتدعة أبين منهج واستنفد عمره فى النضح عن الحق فأورث المسلمين بعد وفاته كتبه الشاهدة بالصدق


"""
صفحة رقم 402 """
ولقد سمعت الأستاذ الشهيد أبا على الحسن بن على الدقاق رحمة الله عليه يقول سمعت أبا على زاهر بن أحمد الفقيه رحمة الله عليه يقول مات أبو الحسن الأشعرى رحمه الله ورأسه فى حجرى وكان يقول متنا فى حال نزعه من داخل حلقه فأدنيت إليه رأسى وأصغيت إلى ما كان يقرع سمعى وكان يقول لعن الله المعتزلة موهوا ومخرقوا
وإنما كان أبو الحسن الأشعرى رحمه الله يتكلم فى أصول الدين على جهة الرد على أهل الزيغ والبدع تأديا بما أوجب الله سبحانه على العلماء من النضح عن الدين وكشف تمويه الملحدين والمبتدعين بما زالوا عن النهج المستقيم
ولقد سمعت الأستاذ أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن عبيد الله الشيرازى الصوفى رحمه الله يقول سمعت بعض أصحاب أبى عبد الله بن خفيف الشيرازى رحمة الله عليهم يقول سمعت أبا عبد الله بن خفيف رحمه الله يقول دخلت البصرة فى أيام شبابى لأرى أبا الحسن الأشعرى رحمة الله عليه لما بلغنى خبره فرأيت شيخا بهى المنظر فقلت له أين منزل أبى الحسن الأشعرى فقال وما الذى تريد منه فقلت أحب أن ألقاه فقال ابتكر غدا إلى هذا الموضع قال فابتكرت فلما رأيته تبعته فدخل دار بعض وجوه البلد فلما أبصروه أكرموا محله وكان هناك جمع من العلماء ومجلس نظر فأقعدوه فى الصدر فلما شرع فى الكلام دخل هذا الشيخ فأخذ يرد عليه ويناظره حتى أفحمه فقضيت العجب من علمه وفصاحته فقلت لبعض من كان عندى من هذا الشيخ فقال أبو الحسن الأشعرى فلما قاموا تبعته فالتفت إلى وقال يا فتى كيف رأيت الأشعرى فخدمته وقلت يا سيدى كما هو فى محله


"""
صفحة رقم 403 """
ولكن مسألة قال قل يا بنى فقلت مثلك فى فضلك وعلو منزلتك كيف لم تسال ويسأل غيرك فقال أنا لا أتكلم مع هؤلاء ابتداء ولكن إذا خاضوا فى ذكر ما لا يجوز فى دين الله رددنا عليهم بحكم ما فرض الله علينا من الرد على مخالفى الحق وعلى هذه الجملة سيرة السلف أصحاب الحديث المتكلمين منهم فى الرد على المخالفين وأهل الشبه والزيغ
ولما من الله الكريم على أهل الإسلام ببركات السلطان المعظم المحكم بالقوة السماوية فى رقاب الأمم الملك الأجل شاهنشاه يمين خليفة الله وغياث عباد الله طغرلبك أبى طالب محمد بن ميكائيل أطال الله عمره موفقا معصوما بقاه وأدام بالتسديد نعماه وقام بإحياء السنة والمناضلة عن الملة حتى لم يبق من أصناف المبتدعة حزبا إلا سل لاستئصالهم سيفا عضبا وأذاقهم ذلا وخسفا وعقب لآثارهم نسفا حرجت صدور أهل الزيغ عن تحمل هذه النقم وضاق صدرهم عن مقاساة هذا الألم ومنوا بلعن أنفسهم على رءوس الأشهاد بألسنتهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت بانفرادهم بالوقوع فى مهواة محنتهم فسولت لهم أنفسهم أمرا وظنوا أنهم بنوع تلبيس وضرب تدليس يجدون لعسرهم يسرا فسعوا إلى عالى مجلس السلطان المعظم أعز الله نصره بنوع نميمة ونسبوا الأشعرى إلى مذاهب ذميمة وحكوا عنه مقالات لا يوجد فى كتبه منها حرف ولم ير فى المقالات المصنفة للمتكلمين الموافقين والمخالفين من وقت الأوائل إلى زماننا هذا لشئ منها حكاية ولا وصف


"""
صفحة رقم 404 """
بل كل ذلك تصوير بتزوير وبهتان بغير تقرير وإن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستحى فاصنع ما شئت
ولما رفعنا إلى المجلس العالى زاده الله إشراقا هذه الظلامة وكشفنا قناع هذه الخطة وذكرنا أن هذه المقالات لم تسمع من ألسنة هذه الزمرة ولم يوجد شئ فى كتبهم من هذه الجملة ولا حكى فى الكتب المصنفة فى مقالات المتكلمين حرف من هذه الأقاويل بل كان الجواب إنا إنما نوعز بلعن الأشعرى الذى قال هذه المقالات على هذه الصفة فإن لم يبينوا بها ولم يقل الأشعرى شيئا منها فلا عليك ما نقول ولا يلحقكم ضرر مما نصنع فقلنا الأشعرى الذى هو ما حكيتم وكان بما ذكرتم لم يخلقه الله بعد وما محل هذا إلا محل من حكى عن أئمة السلف أنهم دانوا بالبدع ونسبهم إلى الضلال والخطأ فإذا قيل له فى ذلك يقول إنما أقول لفلان الذى قال ما نسبته إليه ودان بهذا الذى قلت ومات عليه الكيس لا يرضى منه بذلك ولا يغضى على ذلك
ثم أخذنا فى سبيل الاستعطاف جريا فى دفع السيئة بالتى هى أحسن فلم تسمع لنا حجة ولم تقض لنا حاجة ولا حيلة لنا فى التوسط بيننا على من بعده فى مذهب واحد عصره فأغضينا على قذى الاحتمال واستنمنا إلى معهود الموافقة


"""
صفحة رقم 405 """
فى أصول الدين بين الفريقين فحضرنا مجلسه ولم نشك أنا لا ننصرف إلا وشمل الدين منتظم وشعب الوفاق فى الأصول ملتئم وأن كلنا على قمع المعتزلة وقهر المبتدعة يد واحدة وأن ليس بين الفريقين فى الأصول خلاف فأول ما سألناه بأن قلنا هل صح عنده عن الأشعرى هذه المقالات التى تحكى فقال لا غير أنى لا أستجيز الخوض فى هذه المسائل الكلامية وأمنع الناس عنها وأنهى ولا يجوز اللعن عندى على أهل القبلة لشئ منها وصرح بأنه ليس يعلم أنه قال هذه المسائل التى تحكى عنه أم لا ثم قال فى خلال كلامه إن الأشعرى عندى مبتدع وأنه فى البدعة يزيد على المعتزلة فحين سمعنا ذلك تحيرنا ونفينا وسمعنا غير ما ظننا وشاهدنا ما لو أخبرنا به ما صدقنا ورأينا بالعيان ما لو رأيناه فى المنام لقلنا أضغاث أحلام فسبحان الله كيف صرح بأنه لا يعرف مذهب رجل على الحقيقة وصح عنده مقالته ثم يبدعه من غير تحقق بمقالته ثم انصرفنا
وما نقموا من الأشعرى إلا أنه قال بإثبات القدر لله خيره وشره ونفعه وضره وإثبات صفات الجلال لله من قدرته وعلمه وإرادته وحياته وبقائه وسمعه وبصره وكلامه ووجهه ويده وأن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه تعالى موجود تجوز رؤيته وأن إرادته نافذة فى مراداته وما لا يخفى من مسائل الأصول التى تخالف طريقه طريق المعتزلة والمجسمة فيها وإذا لم يكن فى مسألة لأهل القبلة غير قول المعتزلة وقول الأشعرى قول زائد فإذا بطل قول الأشعرى فهل يتعين بالصحة أقوال المعتزلة وإذا بطل القولان فهل هذا إلا تصريح بأن الحق مع غير أهل القبلة وإذا لعن المعتزلة


"""
صفحة رقم 406 """
والأشعرى فى مسألة لا يخرج قول الأمة عن قوليهما فهل هذا إلا لعن جميع أهل القبلة
معاشر المسلمين الغياث الغياث سعوا فى إبطال الدين ورأوا هدم قواعد المسلمين وهيهات هيهات ) يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ( وقد وعد الله للحق نصره وظهوره وللباطل محقه وثبوره إلا أن كتب الأشعرى فى الآفاق مبثوثة ومذاهبه عند أهل السنة من الفريقين معروفة مشهورة فمن وصفه بالبدعة علم أنه غير محق فى دعواه وجميع أهل السنة خصمه فيما افتراه
فأما ما حكى عنه وعن أصحابه أنهم يقولون إن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ليس بنبى فى قبره ولا رسول بعد موته فبهتان عظيم وكذب محض لم ينطق منهم أحد ولا سمع فى مجلس مناظرة ذلك عنهم ولا وجد ذلك فى كتاب لهم وكيف يصح ذلك وعندهم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) حى فى قبره قال الله تعالى ) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ( فأخبر سبحانه بأن الشهداء أحياء عند ربهم والأنبياء أولى بذلك لتقاصر رتبة الشهيد عن درجة النبوة قال الله تعالى ) فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ( فرتبة الشهداء ثالث درجة النبوة
ولقد وردت الأخبار الصحيحة والآثار المروية بما تدل الشهادة على هذه الجملة
فمن ذلك ما أخبرنا به أبو سعيد محمد بن إبراهيم بن عبد الله الأديب حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن حاتم حدثنا محمد بن إسحاق بن الصباح الصاغانى حدثنا ابن جعشم عن سفيان عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن ابن مسعود


"""
صفحة رقم 407 """
عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن لله تعالى ملائكة سياحين فى الأرض تبلغنى عن أمتى السلام ) ولا يبلغ السلام إلا ويكون حيا
وأخبرنا إبراهيم بن محمد الفقيه أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد النسوى حدثنا أبو العباس الحسن بن سفيان الشيبانى النسوى حدثنا هشام ابن خالد حدثنا الحسن بن يحيى حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن يزيد بن أبى مالك عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ما من نبى يموت فيقيم فى قبره إلا أربعين صباحا حتى ترد إليه روحه )
وأخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين الثقفى أخبرنا أبو الحسين هارون بن محمد بن هارون العطار حدثنا أبو على الحسن بن على بن عيسى المقبرى أبو عبد الرحمن المقرئ حدثنا حيوة بن شريح عن أبى صخر المدنى عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبى هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ما من أحد يسلم على إلا رد الله عز وجل على روحى حتى أرد عليه السلام )
دل الخبر على أن الميت لا يعلم حتى ترد إليه الروح ودل على أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) حى فى قبره
وأخبرنا أبو الحسين على بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد أخبرنا أبو جعفر


"""
صفحة رقم 408 """
محمد بن عمرو البخترى حدثنا عيسى بن عبد الله الطيالسى حدثنا العلاء ابن عمرو الحنفى حدثنا أبو عبد الرحمن عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من صلى على عند قبرى سمعته ومن صلى على نائيا أبلغته )
وأخبرنا إبراهيم بن محمد الفقيه أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد النسوي أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة حدثنا أبو المعتمر وثابت البنانى عن أنس بن مالك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أتيت على موسى ليلة أسرى بى عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلى فى قبره )
وأخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الكاتب حدثنا أحمد بن عبد الصفار حدثنا تمتام محمد بن غالب حدثنا موسى حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أتيت وأنا فى أهلى فانطلقوا بى إلى زمزم وشرح صدرى ثم غسل بماء زمزم ثم أتيت بطست من ذهب ممتلئة إيمانا وحكما فحشى به صدرى ) قال أنس ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يرينا أثره ( فعرج بى الملك إلى السماء الدنيا فاستفتح الملك قال من ذا قال جبريل
قال ومن معك قال محمد ( صلى الله عليه وسلم )
قال وقد بعث قال نعم


"""
صفحة رقم 409 """
قال ففتح فإذا آدم عليه السلام قال مرحبا بك من ولد ومرحبا بك من رسول
ثم عرج بى الملك إلى السماء الثانية فاستفتح الملك فقال من ذا قال جبريل
قال ومن معك قال محمد ( صلى الله عليه وسلم )
قال وقد بعث قال نعم قال ففتح فإذا عيسى ويحيى عليهما السلام فقالا مرحبا بك من أخ ومرحبا بك من رسول
ثم عرج بى الملك إلى السماء الثالثة فاستفتح الملك فقال من ذا
قال جبريل
قال ومن معك قال محمد ( صلى الله عليه وسلم )
قال وقد بعث قال نعم
قال ففتح فإذا يوسف عليه السلام قال مرحبا بك من أخ ومرحبا بك من رسول
ثم عرج بى الملك إلى السماء الرابعة فاستفتح الملك فقال من ذا
قال جبريل قال ومن معك
قال محمد ( صلى الله عليه وسلم )


"""
صفحة رقم 410 """
قال وقد بعث قال نعم
قال ففتح فإذا أدريس عليه السلام قال مرحبا بك من أخ ومرحبا بك من رسول
ثم عرج بى الملك إلى السماء الخامسة فاستفتح فقال من ذا
قال جبريل قال ومن معك
قال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قال وقد بعث
قال نعم قال ففتح فإذا هارون عليه السلام فقال مرحبا بك من أخ ومرحبا بك من رسول
ثم عرج بى الملك إلى السماء السادسة فاستفتح الملك فقال من ذا
قال جبريل
قال ومن معك قال محمد ( صلى الله عليه وسلم )
قال وقد بعث قال نعم
قال ففتح فإذا موسى عليه السلام فقال مرحبا بك من أخ ومرحبا بك من رسول
ثم عرج بى الملك إلى السماء السابعة فاستفتح الملك قال من ذا قال جبريل
قال ومن معك


"""
صفحة رقم 411 """
قال محمد ( صلى الله عليه وسلم )
قال وقد بعث قال نعم قال ففتح فإذا إبراهيم عليه السلام فقال مرحبا بك من رسول الخبر بطوله
فدل هذا الخبر على أنهم عليهم السلام أحياء
ولقد روى الحسن بن قتيبة المدائنى وعد ذلك فى أفراده عن المسلم بن سعيد الثقفى عن الحجاج بن الأسود عن ثابت البنانى عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( الأنبياء أحياء فى قبورهم يصلون )
فإذا ثبت أن نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) حى فالحى لابد من أن يكون إما عالما أو جاهلا ولا يجوز أن يكون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جاهلا قال تعالى فى صفته ) ما ضل صاحبكم وما غوى ( وقال ) آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه (
فثبت أنه مؤمن ورتبة النبوة رتبة الشرف وعلو المنزلة وهو ( صلى الله عليه وسلم ) يزداد كل يوم شرفا ورتبة إلى الأبد فكيف لا يكون عارفا ولا نبيا
والرسول فعول بمعنى المرسل ولا نظير له فى اللغة والإرسال كلام الله وكلامه قديم وهو قبل أن خلق كان رسولا بإرسال الله وفى حالة اليوم وإلى الأبد رسول لبقاء كلامه وقدم قوله واستحالة البطلان على إرساله الذى هو كلامه ولقد سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقيل له متى كنت نبيا فقال ( وآدم منجدل فى طينته )
وأخبرنا أبو الحسن على بن أحمد الكاتب حدثنا أحمد بن عبد الصفار حدثنا يعقوب بن غيلان حدثنا محمد بن عبد الرحمن حدثنا عبد الرحمن بن مهدى حدثنا


"""
صفحة رقم 412 """
معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال السلمى عن العرباض بن سارية قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إنى لخاتم النبيين وإن آدم منجدل فى طينته )
وأخبرنا أبو الحسن على بن أحمد حدثنا أحمد بن عبد حدثنا محمد بن غالب حدثنى محمد بن سنان حدثنا إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة وعن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر قال قلت يا رسول الله متى كنت نبيا قال ( وآدم بين الروح والجسد )
فإن قيل فمن أين وقعت هذه المسألة إن لم يكن لها أصل قيل إن بعض الكرامية ملأ الله قبره نارا وظنى أن الله قد فعل ألزم بعض أصحابنا وقال إذا كان عندكم الميت فى حال موته لا يحس ولا يعلم فيجب أن يكون النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قبره غير مؤمن لأن الإيمان عندكم المعرفة والتصديق والموت ينافى ذلك فإذا لم يكن له علم وتصديق لا يكون له إيمان ومن لا يكون مؤمنا لا يكون نبيا ولأن عندهم الإيمان الإقرار الفرد وذلك قولهم لما قال الله لهم ) ألست بربكم قالوا بلى ( وزعموا أن قولهم ) بلى ( باق والإيمان ذلك وفى حال الموت عندهم الميت يحس ويعلم وقوله ) بلى ( باق عينه
وهذه المذاهب لهم مع ركاكتها وفسادها غير ملزمة لنا ما ألزمونا لأن عندنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حى يحس ويعلم وتعرض عليه أعمال الأمة ويبلغ الصلاة والسلام على ما بينا ثم الأشعرى لا يختص بقوله إن الميت لا يحس ولا يعلم فإن أحدا من المعتزلة وغيرهم من المتكلمين سوى الكرامية لم يقل إن الميت يحس ويعلم وغير الكرامية لم يقل أحد إن الإيمان هو الإقرار المجرد وهو قولهم ) بلى ( ولم يقل أحد سواهم إن ذلك الإقرار الذى هو ) بلى ( موجود وإن قال كثير من الناس ببقاء بعض


"""
صفحة رقم 413 """
الأعراض وجواب الأشعرى كجواب جميع الناس عن هذه المسألة مع ركاكتها وفساد قواعدها
واعلموا رحمكم الله أن ما يلزمه الخصم بدعواه فيقول هذا على أصلكم ومقتضى علتكم يلزمكم فلا يجوز أن ينسب ذلك إلى صاحب المذهب فيقال هذا مذهب فلان وما عروض هذا إلا عروض من قال إن مذهب الحنفى أن الوضوء بالخمر جائز فى السفر لأنه إذا جوز التوضى بالنبيذ على وصف يلزمه أن يجوز فى الخمر لاشتراكهما فى العلة وهو أن كل واحد منهما مسكر فمثل هذا الإلزام لا يصح أن ينسب به الحنفى أن يقول يجوز التوضى فى السفر بالخمر عند عدم الماء
كذلك إذا قالوا إن مذهب الأشعرى أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ليس بنبي فى قبره لأنه يلزمه حين قال إن الميت لا يحس ولا يعلم أن يقول إنه ليس بعالم ولا نبى ومن قال هذا كان كاذبا وكان قوله بهتانا فليعلم ذلك يزل الإيهام إن شاء الله تعالى
وأما ما قالوه إن مذهبه أنه يقول إن الله لا يجازى المطيعين على إيمانهم وطاعاتهم ولا يعذب الكفار والعصاة على كفرهم ومعاصيهم فذلك أيضا بهتان وتقول وكيف يصح من قول أحد يقر بالقرآن والله تعالى يقول فى محكم كتابه ) جزاء بما كانوا يعملون ( ويقول ) ذلك جزيناهم بما كفروا ( ويقول ) جزاء من ربك عطاء حسابا ( ويقول ) كذلك نجزي من شكر ( وغير ذلك من الآيات وليس الخلاف فى ذلك وإنما الخلاف فى أن المعتزلة ومن سلك سبيلهم فى التعديل والتجوير زعموا أنه يجب على الله تعالى أن يثيب المطيعين ويجب عليه أن يعذب العاصين


"""
صفحة رقم 414 """
فطاعة المطيعين علة فى استحقاقهم ثوابه وزلات العاصين علة فى استحقاقهم عقابه
وقال أهل السنة من الأشعرية ومن جميع من خالف المعتزلة إن الله سبحانه لا يجب عليه شئ وقالوا إن الخلق خلقه والملك ملكه والحكم حكمه فله أن يتصرف فى العباد بما يشاء وله أن يوصل الألم إلى من يشاء ويوصل اللذة إلى من يشاء وأنه يثيب المؤمنين ووعد لهم الجنة وقوله صدق فلا محالة أنه يجازيهم ويثيبهم ولو لم يعدهم عن طاعاتهم الثواب لم يكن يجب للعبد عليه شئ فإنه توعد العصاة بالعقوبة على معاصيهم على ذلك لأن وعيده حق ولو لم يعذبهم ولم يتوعدهم لكان ذلك جائزا إلا أن الله سبحانه قال فى صفة نفسه ) فعال لما يريد ( فالمطيعون لا محالة لهم جزاء الطاعات ولكن بفضل الله عليهم لا باستحقاقهم والعاصون لا محالة لهم على معاصيهم ما توعدهم به من العقاب لكن لحكمة لا باستحقاقهم فالطاعات والمعاصى علامات للثواب والعقاب لا علل ولا موجبات ومن صرح فى مخالفة هذا فقد أقر بالإعتزال والقدر ولقد أخبر الله سبحانه عن أهل الجنة أنهم يقولون ) الذي أحلنا دار المقامة من فضله (
وقال تعالى ) ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا (
وقال تعالى ) ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين (
وقال تعالى ) ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين (
وقال تعالى ) فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام (
أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن بن محمد الإسفراينى أخبرنا أبو عوانة يعقوب


"""
صفحة رقم 415 """
ابن إسحاق حدثنا سعيد بن مسعود المروزى السلمى أخبرنا النضر عن شهيل أخبرنا ابن عون عن محمد عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ليس أحد منكم ينجيه عمله ) قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ( ولا أنا إلا إن يتغمدنى الله منه برحمة ومغفرة )
أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك رحمة الله عليه أن عبد الله ابن جعفر أخبرهم حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسى حدثنا ابن أبى ذئب عن سعيد عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ما منكم أحد ينجيه عمله ) قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ( ولا أنا إلا إن يتغمدنى الله منه برحمة )
وهذه المسألة من شعب مسألة القدر وأهل الحق لا يقولون بوجوب شئ على الله ويقولون لله أن يحكم على عباده بما يرد ويختص من يشاء بالرحمة ويخص من يشاء بالألم والشدة ولو لم يعد أهل الطاعات بالثواب لم يتوجه لأحد عليه حق ولو ابتدأ الخلق بالعذاب لم يلحقه فيه لوم
ولقد روى ابن الديلمى رحمه الله قال أتيت أبى بن كعب رضى الله عنه فقلت إنه وقع فى نفسى شئ من القدر فحدثنى بشئ لعل الله أن يذهب من قلبى فقال لو أن الله عز وجل عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ولو أنفقت مثل أحد ذهبا ما قبله الله عز وجل منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك ولو مت على غير هذا دخلت النار


"""
صفحة رقم 416 """
ثم لقيت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك
ثم لقيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك
ثم لقيت زيد بن ثابت فحدثنى عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) بمثل ذلك
ولقد أخبرنا أبو الحسن على بن أحمد الأهوازى أخبرنا أحمد بن عبد الصفار حدثنا بشر بن موسى حدثنا حجاج حدثنا إسماعيل بن عياش الحمصى حدثنا عمر بن عبيد الله مولى غفرة عن رجل من الأنصار عن حذيفة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يكون قوم يقولون لا قدر أولئك مجوس هذه الأمة فإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم فإنهم شيعة الدجال وحق على الله أن يلحقهم به )
وأخبرنا على بن أحمد أخبرنا أحمد بن عبد حدثنا محمد بن خلف بن هشام حدثنا محرز بن عون عن حسان بن إبراهيم الكرمانى عن نصر عن قتادة عن أبى حسان الأعرج عن ناجية بن كعب عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( خلق الله يحيى فى بطن أمه مؤمنا وخلق الله فرعون فى بطن أمه كافرا )
فالحمد لله الذى أوضح سبيل الدين بحججه وهدى للحق سالكى نهجه وخذل أهل البدع حتى فضحوا أنفسهم بنصرة الباطل وظهر لجميع أهل السنة ما كان ملتبسا عليهم من أحوالهم الخافية
وأما ما يقولون عن الأشعرى أن مذهبه أن موسى عليه السلام لم يسمع كلام الله عز وجل فسبحان الله كيف لا يستحيى من يأتى بمثل هذا البهتان الذى يشهد بتكذيبه كل مخالف وموافق إن حد ما يجوز أن يسمع عند الأشعرى هو الموجود وكلام الله عنده قديم فكيف يقول لا يجوز أن يسمع كلام الله وقد قال الله سبحانه


"""
صفحة رقم 417 """
)
وكلم الله موسى تكليما ( ومذهبه أن الله تعالى أفرد موسى فى وقته بأن أسمعه كلام نفسه بغير واسطة ولا على لسان رسول وإنما لا يصح هذا على أصول القدرية الذين يقولون إن كلام الله مخلوق فى الشجرة وموسى عليه السلام يسمع كلامه وقال الأشعرى لو كان كلامه سبحانه فى الشجرة لكان المتكلم بذلك الكلام الشجرة فالقدرية قالوا إن موسى عليه السلام سمع كلاما من الشجرة فلزمهم أن يقولوا إنه سمع كلام الشجرة لا كلام الله وهذا كما قيل فى المثل رمتنى بدائها وانسلت ومن نسب إلى أحد قولا لم يسمعه يقوله ولا أحد حكى أنه سمعه يقول ذلك ولا وجد ذلك فى كتبه ولم يقله أحد من أصحابه ولم يناظر عليه أحد ممن ينتحل مذهبه ولا وجد فى كتب المقالات لموافق ولا مخالف أن ذلك مذهبه علم أنه بهتان وكذب وقد قال الله تعالى فى قصة الإفك ) ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ( وهذه مضاهية لتلك ونعوذ بالله من رقة الدين وقلة الحياء
وأما ما قالوا إن مذهبه أن القرآن لم يكن بين الدفتين وليس القرآن فى المصحف عنده فهذا أيضا تشنيع فظيع وتلبيس على العوام
إن الأشعرى وكل مسلم غير مبتدع يقول إن القرآن كلام الله وهو على الحقيقة مكتوب فى المصاحف لا على المجاز ومن قال إن القرآن ليس فى المصاحف على هذا الإطلاق فهو مخطئ بل القرآن مكتوب فى المصحف على الحقيقة والقرآن كلام الله وهو قديم غير مخلوق ولم يزل القديم سبحانه به متكلما ولا يزال به قائما ولا يجوز الانفصال على القرآن عن ذات الله ولا الحلول فى المحال وكون الكلام مكتوبا على


"""
صفحة رقم 418 """
الحقيقة فى الكتاب لا يقتضى حلوله فيه ولا انفصاله عن ذات المتكلم قال الله سبحانه ) النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ( فالنبى ( صلى الله عليه وسلم ) على الحقيقة مكتوب فى التوراة والإنجيل وكذلك القرآن على الحقيقة مكتوب فى المصاحف محفوظ فى قلوب المؤمنين مقروء متلو على الحقيقة بألسنة القارئين من المسلمين كما أن الله تعالى على الحقيقة لا على المجاز معبود فى مساجدنا معلوم فى قلوبنا مذكور بألسنتنا وهذا واضح بحمد الله ومن زاغ عن هذه الطريقة فهو قدرى معتزلى يقول بخلق القرآن وأنه حال فى المصحف نظير ما قالوا إنه لما أسمع موسى عليه السلام كلامه خلق كلامه فى الشجرة وهذا من فضائح المعتزلة التى لا يخفى فسادها على محصل وذلك أن عند الجبائى الذى هو رئيس القدرية البصرية أن القرآن يحل فى جميع المصاحف ولا يزداد بزيادة المصاحف ولا ينقص بنقصانها وهو حال فى حالة واحدة فى ألف ألف مصحف وإذا زيد فى المصاحف يحصل فيها وإذا نقصت المصاحف وبطلت لم يبطل الكلام ولم ينقص ولئن لم يكن هذا قولا متناقضا فاسدا فلا محال فى الدنيا
وأما البغداديون من المعتزلة فعندهم كلام الله عز وجل كان أعراضا حين خلقه والقرآن عندهم كان أعراضا ولا يجوز عندهم البقاء على الأعراض فعلى مذهبهم ليس لله إلا كلام موجود على الحقيقة والقرآن الذى أنزله الله عز وجل على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ليس بباق اليوم ولا موجود ومن ينتحل مثل هذه البدع ثم يرمى خصمه بما هو برئ منه فالله سبحانه حسيبه وجميع أهل التحصيل شهداء على بهته
وأما ما قالوا إن الأشعرى يقول بتكفير العوام فهو أيضا كذب وزور وقصد من يتعنت بذلك تحريش الجهلة والذين لا تحصيل لهم عليه كعادة من لا تحصيل له فى تقوله بما لا أصل له وهذا أيضا من تلبيسات الكرامية على العوام ومن لا تحصيل له


"""
صفحة رقم 419 """
فإنهم يقولون الإيمان هو الإقرار المجرد ومن لا يقول الإيمان هو الإقرار انسد عليه طريق التمييز بين المؤمن وبين الكافر لأنا إنما نفرق بينهما بهذا الإقرار وغير الكرامية من غير أهل القبلة لا يجوز هذا السؤال وجميع أهل القبلة سوى الكرامية فى الجواب عن هذا السؤال متساوون
وذلك أن الإيمان عند أصحاب الحديث جميع الطاعات فرضها ونفلها والانتهاء عن جميع ما نهى الله عنه تحريما وتنزيها
وعند أبى الحسن الأشعرى رحمه الله الإيمان هو التصديق وهذا مذهب أبى حنيفة رضى الله عنه والظن بجميع عوام المسلمين أنهم يصدقون الله تعالى فى إخباره وأنهم عارفون بالله مستدلون عليه بآياته فأما ما تنطوى عليه العقائد ويستكن فى القلوب من اليقين والشك فالله تعالى أعلم به وليس لأحد على ما فى قلب أحد اطلاع فنحن نحكم لجميع عوام المسلمين بأنهم مؤمنون مسلمون فى الظاهر ونحسن الظن بهم ونعتقد أن لهم نظرا واستدلالافى أفعال الله وأنهم يعرفونه سبحانه والله أعلم بما فى قلوبهم وليس كل ما يحكم به على الناس بأحكام المسلمين هو عين الإيمان فإن الدار إذا كانت دار إسلام ووجدنا شخصا ليس معه غيار الكفار فإنا نأكل ذبيحته ونصلى خلفه ولو وجدناه ميتا لغسلناه ونصلى عليه وندفنه فى مقابر المسلمين ونعقد معه عقد المصاهرة وإن لم نسمع منه الإقرار وكونه بزى المسلمين بالاتفاق ليس بإيمان وبذلك نجرى عليه أحكام المؤمنين وكذلك بالإقرار نجرى عليه أحكام المؤمنين وإن كان الإيمان غير الإقرار


"""
صفحة رقم 420 """
فإن قيل فقد قال الله تعالى ) ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ( ) ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ( وإذا أتى بالإقرار حكمنا بإيمانه فعلم أن الإقرار هو الإيمان
قيل هذا كسؤال الكرامية ولا يختص الأشعرى بجوابه فجميع من لا يقول إن الإيمان هو الإقرار المجرد مشتركون فى الجواب عن هذا
وجواب الجمهور أنا بإقراره نحكم فى الظاهر بإيمانه والله أعلم بحقيقة حاله فى صدقه وكذبه وهذا كقوله تعالى ) ولا تقربوهن حتى يطهرن ( ثم إذا قالت قد طهرت جاز قربانها وإن جاء أن يكون حالها فى المغيب بخلاف ما قالت فكذلك هذا
فإن قالوا فالأشعري يقول إن العوام إذا لم يعلموا علم الكلام فهم أصحاب التقليد فليسوا بمؤمنين
قيل هذا أيضا تلبيس ونقول إن الأشعرى لا يشترط فى صحة الإيمان ما قالوا من علم الكلام بل هو وجميع أهل التحصيل من أهل القبلة يقولون يجب على المكلف أن يعرف الصانع المعبود بدلائله التى نصبها على توحيده واستحقاق نعوت الربوبية وليس المقصود استعمال ألفاظ المتكلمين من الجوهر والعرض وإنما المقصود حصول النظر والاستدلال المؤدى إلى معرفة الله عز وجل وإنما استعمل المتكلمون هذه الألفاظ على سبيل التقريب والتسهيل على المتعلمين والسلف الصالح وإن لم يستعملوا هذه الألفاظ لم يكن فى معارفهم خلل والخلف الذين استعملوا هذه الألفاظ لم يكن ذلك منهم لطريق الحق مباينة ولا فى الدين بدعة كما أن المتأخرين من الفقهاء عن زمان الصحابة والتابعين استعملوا ألفاظ الفقهاء من لفظ العلة والمعلول والقياس وغيره ثم لم يكن استعمالهم بذلك بدعة ولا خلو السلف عن ذلك كان لهم نقصا وكذلك شأن النحويين والتصريفيين ونقلة الأخبار فى ألفاظ تختص كل فرقة منهم بها


"""
صفحة رقم 421 """
فإن قالوا إن الاشتغال بعلم الكلام بدعة ومخالفة لطريق السلف
قيل لا يختص بهذا السؤال الأشعرى دون غيره من متكلمى أهل القبلة ثم الاسترواح إلى مثل هذا الكلام صفة الحشوية الذين لا تحصيل لهم وكيف يظن بسلف الأمة أنهم لم يسلكوا سبيل النظر وأنهم رضوا بالتقليد حاش لله أن يكون ذلك وصفهم ولقد كان السلف من الصحابة رضى الله عنهم مستقلين بما عرفوا من الحق وسمعوا من الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من أوصاف المعبود وتأملوه من الأدلة المنصوبة فى القرآن وإخبار الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فى مسائل التوحيد وكذلك التابعون وأتباع التابعين لقرب عهدهم من الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فلما ظهر أهل الأهواء وكثر أهل البدع من الخوارج والجهمية والمعتزلة والقدرية وأوردوا الشبه انتدب أئمة السنة لمخالفتهم والانتصار للمسلمين بما ينير طريقهم فلما أشفقوا على القلوب أن تخامرها شبههم شرعوا فى الرد عليهم وكشف فسقهم وأجابوهم عن أسئلتهم وتحاموا عن دين الله بإيضاح الحجج ولما قال الله تعالى ) وجادلهم بالتي هي أحسن ( تأدبوا بآدابه سبحانه ولم يقولوا فى مسائل التوحيد إلا بما نبههم الله سبحانه عليه فى محكم التنزيل والعجب ممن يقول ليس فى القرآن علم الكلام والآيات التى فى الأحكام الشرعية والآيات التى فيها علم الأصول يجدها توفى على ذلك وتربى بكثير وفى الجملة لا يجحد علم الكلام إلا أحد رجلين جاهل ركن


"""
صفحة رقم 422 """
إلى التقليد وشق عليه سلوك أهل التحصيل وخلا عن طريق أهل النظر والناس أعداء ما جهلوا فلما انتهى عن التحقق بهذا العلم نهى الناس ليضل غيره كما ضل أو رجل يعتقد مذاهب فاسدة فينطوى على بدع خفية يلبس على الناس عوار مذهبه ويعمى عليهم فضائح طويته وعقيدته ويعلم أن أهل التحصيل من أهل النظر هم الذين يهتكون الستر عن بدعهم ويظهرون للناس قبح مقالتهم والقلاب لا يحب من يميز النقود والخلل فيما فى يده من النقود الفاسدة لا فى الصراف ذى التمييز والبصيرة وقد قال الله تعالى ) هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون (
ولما ظهر ابتداء هذه الفتنة بنيسابور وانتشر فى الآفاق خبره وعظم على قلوب كافة المسلمين من أهل السنة والجماعة أثره ولم يبعد أن يخامر قلوب بعض أهل السلامة والوداعة توهم فى بعض هذه المسائل أن لعل أبا الحسن على بن إسماعيل الأشعرى رحمه الله قال ببعض المقالات فى بعض كتبه ولقد قيل من يسمع يخل أثبتنا هذه الفصول فى شرح هذه الحالة وأوضحنا صورة الأمر بذكر هذه الجملة ليضرب كل من أهل السنة إذا وقف عليها بسهمه فى الانتصار لدين الله عز وجل من دعاء يخلصه واهتمام يصدقه وكل عن قلوبنا بالاستماع إلى شرح هذه القصة يحلمه بل ثواب من الله سبحانه على التوجع بذلك يستوجبه والله غالب على أمره


"""
صفحة رقم 423 """
وله الحمد على ما يمضيه من أحكامه ويبرمه ويقضيه فى أفعاله فيما يؤخره ويقدمه ( صلى الله عليه وسلم ) على سيدنا محمد المصطفى وعلى آله وسلم تسليما
تمت الشكاية
ذكر الرسالة المسماة زجر المفترى على أبى الحسن الأشعرى
وهذه الرسالة صنفها الشيخ الإمام العلامة ضياء الدين أبو العباس أحمد بن محمد ابن عمر بن يوسف بن عمر بن عبد المنعم القرطبى وقد وقع فى عصره من بعض المبتدعة هجو فى أبى الحسن فألفها ردا على الهاجى المذكور وبعث بها إلى شيخ الإسلام تقى الدين أبى الفتح ابن دقيق العيد إمام أهل السنة وقد كانت بينهما صداقة ليقف عليها فوقف عليها وقرظها بما سنحكيه بعد الانتهاء منها
وهى
أسير الهوى ضلت خطاك عن القصد
فها أنت لا تهدى لخير ولا تهدى
سللت حساما من لسانك كاذبا
على عالم الإسلام والعلم الفرد
تمرست فى أعراض بيت مقدس
رمى الله منك الثغر بالحجر الصلد
ضلالك والغى اللذان تألفا
هما أورداك الفحش من مورد عد
هما أسخنا عين الديانة والهدى بما
نثرا من ذم واسطة العقد
هما أضرما نارا بهجوك سيدا
ستصلى بها نارا مسعرة الوقد
وما أنت والأنساب تقطع وصلها
وما أنت فيها من سعيد ولا سعد
خطوت إلى عرض كريم مطهر
أرى الله ذاك الخطو جامعة القد


"""
صفحة رقم 424 """
أيا جاهلا لم يدر جهلا بجهله
أتعلو ثغور القاع فى قنن المجد
لقد طفئت نار الهوى من علومكم
إلى لتقدح نار هديك من زندى
أصخ لصريخ الحق فالحق واضح
فلم لا تصخ أصميت سمعا عن الرعد
وطهر عن الإضلال ثوبك إنه
لأدنس مما مسه وضر الزند
فيا قعديا عن معالى أولى النهى
ويا قائما بالجهل ضدان فى ضد
أفق من ضلال ظلت توضع نحوه
وتسرع إسراع المطهمة الجرد
وصح رويدا إن دون إمامنا
سيوف علوم سلها الله من غمد
لأيدى شيوخ حنكتهم يد الهدى
وأيدى كهول فى غطارفة مرد
يصولون بالعلم المؤيد بالتقى
وقد لبسوا درع الهدى محكم السرد
إذا برزوا يوم الجدال تخالهم
أسود شرى لا بل أجل من الأسد
وإن نطقوا مدت يد الله سرهم
بما سرهم فى الدين يالك من مد
هم أوردونا أبحرا من علومهم
مفجرة من غير جزر ولا مد
هم القوم فاحطط رحل دينك عندهم
لتنشد دين الله فى موطن النشد
يجيئون إن جاءوا بآيات ربهم
وتأتيهم إن جئت بالآى عن مرد
لشتان ما بين الفريقين فى الهدى
كشتان ما بين اليزيدين فى الرفد


"""
صفحة رقم 425 """
ضللتم عن التقوى وظلل هديها
علينا بفئ وارف الظل والبرد
فنحن بها فى روضة من هداية
مفتحة الأزهار فائحة الورد
تميس بها أعطافنا ثنى حلة
خلوقية الأردان سابغة البرد
نشاهده حسنا ونجنيه طيبا
ونشرب كأس الفضل من غير ما جهد
وراءك عن هذا المحل فإنه
محل جلال لست منه على حد
ودونك فالبس برد جهلك مائسا
بعطفيك فى الإغواء يا عابد البد
فإن كنت بالتجسيم دنت فعندنا
أسنة علم فى مثقفة صلد
زعمت بأن الله شئ مجسم
تبين رويدا ما أمامة من هند
فإن كان مسلوب انتهاء جعلته
بقاذورة الأجساد والميت واللحد
وفى الكلب والخنزير والوزغ والهبا
وفى مثل هذا النوع يا واجب القد
وفى البق والبرغوث والذر والذى
أجل وأدنى منه فى القد والعد
وفى حشرات الأرض والترب والحصى
ضلالة ما رواكه شيخك النجدى
وفى سائر الموجود يا أخبث الورى
مقالا تعالى الله يا ناقض العهد
وإن كان لا سلب انتهاء جعلته
أقل من المخلوق فى زعمك المردى


"""
صفحة رقم 426 """
وقلت إله العرش فى العرش كونه
وأنى لمحدود بمن جل عن حد
فحددته من حيث أنكرت حده
ويلزمك التخصيص فى العمق والقد
ويلزم أن الله مخلوق خالق
لقد جئت فى الإسلام بالمعضل الأد
وقلت لذات الله وصف تنقل
وحالة قرب عاقبت حالة البعد
وخيلت ذات الله فى أعين الورى
لمحسوسة الأجسام أخطأت عن عمد
وحددت تكييفا وكيفت جاهلا
أقست على حاليك فى العكس والطرد
وأنكرت تشبيها وشبهت لازما
وأثبت ضد العقل فى منتفى الضد
حللت عرى الإسلام من عقدك الذى
تدين فجاء الحل من قبل العقد
وزيفت فى نقد اعتقادك فاغتدى
وقد جاء زيف الدين من قبل النقد
سللت حسام الغى فى غمدك الهدى
فسلك من دين الهداية بالغمد
بنيت ضلالا إذ هددت شريعة
فأسست بنيان الضلالة بالهد
مددت لسانا للإمام فقصرت
يد الرشد فالتقصير من جانب المد
كذا عن طريق الدين يا أخفش الهدى
وصرح بما تخفى عن الدين من ضد
فقد وضحت آثار غيك فى الورى
كما وضحت فى سوأة خصيتا قرد
بتبيين هذا الحبر من نور علمه
دجى عقلك الهاوى وأقوالك الربد
فرد معانيك الخبيثة علمه
وغادرها فى الجهل صاغرة الخد
وسل حساما من بيان فهومه
فرد سيوف الغى مفلولة الحد


"""
صفحة رقم 427 """
وأبدى علوما ميزت فضل فضله كتمييز ذى البردين والفرس الورد )
فجاءت مجئ الصبح والصبح واضح
وسارت مسير الشمس والشمس فى السعد
وفاضت ففاضت أنفس من عداته
وغاضت وما غاضت على كثرة الورد
وآضت رياض العلم مطلولة الثرى
بسح غمام الفضل منسكب العهد
وجادت بنشر الدين فى عالم الهدى
فجاءت بنشر لا العرار ولا الرند
من الحكم اللاتى تضوع عرفها
فعد عن الورد المضاعف والند
سللن سيوف الحق فى موطن الهدى
فغادرن صرعى الملحدين بلا لحد
وأيدن دين الله فى أفق العلا
بلا منصل عضب ولا فرس نهد
وشيدن أعلام الحقائق فى الورى
فلله منها من تجن وما تبدى
ومجدن ذات الله تمجيد عالم
بما يستحق الله من صفة المجد
وكذبن دعوى كل غاو مجسم
بما رد من قول له واجب الرد
وأمضين حكم النقل والعقل فاحتوى
كلام إمام الحق مجدا على مجد
معان إذا جاشت ميادين فضلها
أخذن بأعناق الأنام إلى الرشد
وإن كنت عدليا يحكم عقله
برد مراد الله عن بعض ما قصد
وإمضاء ما يختاره العبد من هوى
فحكم إله العبد دون هوى العبد
وتجحد تشفيع الرسول وأنه
يرى الله يوم الحشر أف لذى الجحد
وتنفى صفات الله جل جلاله
وتزعم أن الآى محدثة العهد
وتلزم إيجابا على الله فعله
لأصلح ما يرضى وأفضل ما يجدى
فجانب هاتين الطريقين علمه
كما جانب القيسى فى النسب الأزدى
وقال بإثبات الصفات وذاتها
وسلب صفات النفس عن صمد فرد
فمن موجب يوما على الله حكمه
ومن ذا الذى يحتج إن هو لم يهد


"""
صفحة رقم 428 """
ومن ذا الذى يقضى بغير قضائه
ومن ذا الذى عن قهر عزته يحدى
وهل حاكم فى الخير والشر غيره
إذا شاء أمرا لم ترده يدا رد
هو الله لا أين ولا كيف عنده
ولا حد يحويه ولا حصر ذى حد
ولا القرب فى الأدنى ولا البعد والنوى
يخالف حالا منه فى القرب والبعد
فمن قبل قبل القبل كان وبعده
يكون بلا حصر لقبل ولا بعد
تنزه عن إثبات جسم وسلبه
صفات كمال فاقف رسمى أو حدى
تبارك ما يقضيه يمضى وما يشا
يكون بلا بدء عليه ولابد
تقدس موصوفا وعز منزها
وجل عن الأغيار منسلب الفقد
هو الواجب الأوصاف والذات فاطرح
سواها من الأقوال فهى التى تردى
هو الحق لا شئ سواه فمن يزغ
ضلالا فإنا لا نزيغ عن القصد
هو الفاعل المختار ليس بموجب
لشئ من المخلوق فى أنفس الفرد
وليس إله الخلق علة خلقه
ولكن فعل الله علية الوجد
ولا نسبة بين العباد وبينه
وهل علة إلا مناسبة تجدى
هو الواصل النعاب لطفا بضعفه
على فقده من أمه صلة الوجد
هو الخالق الأشباح فى ظلم الحشا
هو الكافل الطفل الرضيع لدى المهد
أدر له من جلدتين لبانه
ولولاه لم يسق اللبان من الجلد
فهذى فصول من أصول كثيرة
على قصر النظم المقصر عن قصدى


"""
صفحة رقم 429 """
وإلا ففى أبحاثه وعلومه
غوامض أسرار تلوح لذى الرشد
أيجحد فضل الأشعرى موحد
وما زال يهدى من معانيه ما يهدى
من الكلم اللاتى قصمن بحدها
عرى باطل الإلحاد كالصارم الهندى
فيا جاحدا هذا الإمام محله
من العلم والإيمان والعمل المجدى
هى الشمس لا تخفى على عين مسلم
سوى مقلة عمياء أو أعين رمد
فوالله لولا الأشعرى لقادنا
ضلالكم الهادى إلى أسوإ القصد
جزى الله ذاك الحبر عنا بفضله
جزاء يرقيه ذرى درج الخلد
وحمدا لربى فهو مهديه للورى
ولله أولى بالجميل وبالحمد
أين حطت مطايا هذا الجاهل الغبى والمبطل الغوى والملحد البدعى
أنخ لى إلى مغناه يا بارق الهدى
فقد وقدت بين الحشا نار هجرة
وصلنى بتعريف محل قراره
لأوصله منى إدامة هجره
وأصليه من فكرى بذاكى ذكائه
أقلبه منه على حر جمره
وأهديه من داجى الضلال بنير
ينير له عندى السرى وجه فجره
وإلا فدله على دلالة العصفور على حبة الفخ واهده إلى هداية العادى إلى نصل الجرح لا يفهم سهام كلامى إليه وأوقد سهام كلامى عليه وأفقأ بالنظر باب ناظريه وأفك بالبديهيات ماضغيه وأقفه من ثنايا خطاه على شفا جرف هار وأجنيه من ردايا خطله شجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار وأسمه بميسم الصغار وأغره عن الأسود بن غفار وأعلمه أنه فى مذهب أئمة الحق ثانى اثنى


"""
صفحة رقم 430 """
الكفار إن لم يكن عين الكفار وأنتصر للثاوى فى جنات الله أشرف الانتصار وأوضح له أن له فى كل زمان أنصارا من الأنصار
إذا أعملوا أفكارهم ناب قولها
عن السيف يوم الروع تدمى شفاره
وإن أظلمت آفاق خطب بدوا به
شموس معان فاستبان نهاره
وأناقش ألفاظه التى باعدها من معانيها وأعراضه التى ثوب بشيطان الضلالة داعيها وإشارته التى نعق فى فئة الضلالة غاويها
كما صاح بالمهراس إزب ضلالة
وكان لدين الله عاقبة النصر
وما برح الإيمان فى كل عصرة
يكاد فهذا الإرث فى آخر العصر
وها أنا أناديه من كثب التبيان بلسان البيان وأناجيه من وجوه العلم بمقلة الحسان وأقذى عينه من عمه قذاها وأغسل فكره من دنس أذاها وأرفع له علم إرادة هداها فإما رجعة إلى سبيل الرشاد عن غية وإما صرعة على مهاد العنا من بغيه
واعلم أرشدك الله أن الله وعد محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) بإظهار دينه على الدين كله وضمن له ضمان الحق والصدق فى فرع الإيمان وأصله فتأمل بعين الإيمان وقلبه وأصخ إلى الحق إصاخة مسترشد بربه كيف سير الله فى العالم علم هذا العالم واستودعه فى المشارق والمعارب قلوب الأعاجم والأعارب وعم به المجالس والمدارس وأخرس عنه الباغى المناقب والحاسد المنافس وجرى بذهنه على الإطلاق جرى السيل


"""
صفحة رقم 431 """
وامتد على الآفاق امتداد الليل وملأ عرض الأرض ما بين السها وسهيل فلا ينطق ذامه إلا همسا ولا يسمع لكافر فى الإعلان جرسا
والستر دون الفاحشات وما
يلقاك دون الخير من ستر
إنما يتراضعون بغضه تراضع الفئة الفاجرة ويتواضعون ذمه تواضع من ذكر الدنيا ونسى الآخرة لا يظهرونه إلى الإعلان عن الأسرار ولا تنطق به شفاههم إلا كأخى السرار
ويطوون داء الفضل فى نشر جهلهم
فأقبح بذاك الطى فى ذلك النشر
هم سفهوا آراءنا وإمامنا
وموعدنا والقوم مجتمع الحشر
ثم انظر إلى علماء الأمة الذين درجوا فى درجات الإفادة منه وتخرجوا بكلمات العلم المنقولة عنه كيف تناقلتهم الأعصار وتهادتهم الأمصار وطلعوا فى كل أفق طلوع الشمس ونسخوا بمحكمات علومهم كل لبس وقضوا من كشف غوامض الكتاب والسنة كل حاجة فى النفس أئمة تشد إليهم الرحال وتحط وعلماء تدار على أقوالهم معالم الإيمان وتحط كابن الباقلانى والإسفراينى وإمام الحرمين وابن العربى والغزالى والمادرى وأبو الوليد والرازى وغيرهم ممن اختلفت إليه أعناق الرفاق وملأ بعلمه ظهور الظواهر وبطون الأوراق وطلع طلوع الشمس فى الآفاق وتوازر على نصره السيف والقلم وانتشر عنه العلم وانتشر عليه بالإمامة العلم بما تأصل


"""
صفحة رقم 432 """
من أصول هذا الإمام وتفرع من فروعه وتفرق فى أعلام الأمة من مجموعة وأبانه من نجم هدايته الذى ما أفل من حين طلوعه وأبداه من دقائق العلم التى دلت على أن روح القدس نفث فى روعه
فأطلعها شمسا أنارت بهديها
معالم دين الله واسترشد العلما
هدت مبصرا فى الدين واضح رشده
وضل بها من كان فى هذه أعمى
إلى غير ذلك من امتداد باعهم فى الإمامة وكون كل منتسب إلى علم يقع منه موقع القلامة
كل صدر إذا تصدر يوما
شهدت كل أمة بعلاه
وإذا ما ابتدى لفصل جدال
شرف الله من هدى بهداه
فأرنى إماما من أئمة المجسمة لم يجمجم فى أقواله ولم يخف إخفاء الهمزة ما بين حم من ضلاله إنما يتواحر به أنحاء اليهود بأنبائها إلى أبنائها ويتهادونه تهادى الفجرة ضلالة إغوائها ويتعاوون به تعاوى الكلاب المتجاوبة فى عوائها فأى المذهبين تكفل الله لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) فى إعلاء كلمته وأى القولين أشهر شهرة وأوضح ظهورا فى ملته فاجتن ما غرسته لك فى رياض العلم ناميا واجتل حسن هديتى إليك فإن كنت مهتديا فقد وجدت هاديا وحذار أن ترد البضائع ماؤها عذب وتصدر فى الظهيرة ظاميا وتزيد شمس الدين واضح رشدها


"""
صفحة رقم 433 """
فتصد عنها أخفش متعاميا فرد مشرع الدين ليطف من حر نارك وتبصر عين اليقين لتشف من عين عوارك فقد نشرت لك علم العلم لتأتم بآثاره وأوضحت لك بدر التم لتهتدى بأنواره وأخذت بحجزتك عن مهوى الجهل فلا تصطلى بناره
فإنك إن تفعل فراشة عثة
أبت بعد مس النار إلا هلاكها
وقد وضحت شمس الأدلة فاستبن
ولا توثقن نفسا بغير فكاكها
فادخل أنت وأشياعك من باب سلم التسليم وقولوا حطة وتخط بواضح هذا التفهيم مدرجة هذه الحنطة وأفق بمداواة هذا التعليم من مرض هذه الخطة وإلا فإن أعلام الأئمة منشورة وسيوف الأدلة مشهورة وجيوش علماء الأمة فى المواقف على الملحدين منصورة وأعداؤهم ما برحت شبه ضلالتهم بحجج الحقائق مقهورة ) يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره (
فخذ بيد الإيمان إن كنت مؤمنا
وخذ بيد الإسلام إن كنت مسلما


"""
صفحة رقم 434 """
وهاك يدى عهدا عن الله أنه
سيكفيك إن تابعت رأيى جهنما
فقد والله محضتك النصيحة مرشدا وأخذت بنفسك مغورا فأخذت بك منجدا
لأشفيك يا عاريا مبطلا
بطبى من دائك الممرض
وأقضيك عن عرض هذا الإمام
وإن كنت للذل لا تقتضى
وأهديك من كلمات الهدى
بهادى سنا بارق مومض
وأكحلك بالصاب أو بالجلا
ففتح لكحلى أو غمض
ولو عقلت رشدك وصنت عن الاغتياب عقدك لحسن بك أن تتخالف عن هذا المشرع الذميم وتتحلى بهذا العقد النظيم من كلمات الفاضل الحكيم
لا تضع من شريف قدرا وإن كنت
مشارا إليك بالتعظيم
فالشريف العظيم ينحط قدرا
بالتعدى على الشريف العظيم
ولع الخمر بالعقول رمى الخمر
بتنجيسها وبالتحريم
ولا تطرد هذا القياس أيدك الله فى وفيك وخذ جواب ذلك قبل أن تنطق به شفتا فيك فإن الله لم يدنك من رتب جلالته ولا رقاك إلى أقل جزء من عالى درجته
فإنك لا تدرى بأية موطن
ولا أى وصف أنت فيه من الخلق
سوى أن قولا منك جاء فدلنا
على أن هذا القول مال عن الحق
وحاد عن التقوى وجار على الهدى
وجانب فى إعراضه جانب الصدق
أتهجو إمام المسلمين وقد مضى
إلى الله لا قدست فى ذلك النطق
أجدك أنى فيك قال فلا ترم
مكانك أو تلقى إلى كما ألقى
لتحكم فينا آية البعد أمرها
فتأفل فى غرب وأطلع فى شرق
وتشرب كأسا من ضلالك باغيا
فقد أترعت جهلا من المورد الرنق


"""
صفحة رقم 435 """
عذيرى لو ألقاك يوما بنجوة
ضربتك بالسيف المهند فى الفرق
واعجبا لعين عميت عن نور ملأ شرق الأرض وغربها وهداية أسبلت على فئة الضلالة غربها وجمعت على الائتمام بهذا الإمام عجم الإسلام وعربها
فطبق آفاق الورى فيض فضله
وفاء عليهم بالهدى فئ ظله
وقامت بحار العلم منه فأصبحت
ووبلك مغمور بقطرة طله
إليك فهذا مورد ما وردته
وراءك حل الفضل فيه لأهله
فلا فرع فى الإسلام زاك كفرعه
ولا أصل فى الإيمان هاد كأصله
فما انتصرت منه مابحث علمه
على عقله حتى استدل بنقله
ولا امتد إلا من علوم رسوله
ولا قال إلا عن صائح فضله
ولا أم إلا معجزات كتابه
إذا أم بحاث مجرد عقله
هو السيف ماضى الشفرتين فخله
وإلا فمقتولا أراك بنصله
هذه أيدك الله جالية صدأ الدين ومقذية عمه العين والعقيدة الآخذة يمين الإرشاد والذخيرة الهادية إلى سبيل الرشاد أنرت لك بها مسالك سبيلك ورميت بشهاب حقها شيطان تضليلك وجعلتها حجة على شبهك ومحجة لدليلك وأجنيتك بها روض الإيمان لما حنظلت شجراتك ورويتها نارى الإتقان لما أمرت بمرآتك فاعش إلى ضوء نارها واقف محاسن آثارها وضعها غرة فى جبينك واجعلها درة فى يمينك وأصخ بسمعك إلى داعى واجب الإجابة وأمهد لنفسك فى مغرس الإنابة ومقيل الإثابة فإنك خطوت فى بهماء مظلمة وسعيت فى دحض مزلة


"""
صفحة رقم 436 """
أسأت ومن يسئ يوما يساء
رويدك فالجزاء بها وراء
هجوت الأشعرى إمام حق
بفيك الترب فانطلق ما تشاء
ستعلم أينا أهدى سبيلا
إذا وقع الحساب أو الجزاء
وأى المذهبين أصح قولا
وتنزيها إذا كشف الغطاء
وتشهد فى القيامة أن ربى
سيشهد أنه منكم براء
أتزعم أن رب العرش فيه
وتزعم أن ذاك له وعاء
فإن ألزمته فيه قرارا
فذا زمن وقد طال الثواء
ويلزم أنه إن كان فيه
خلت منه البسيطة والسماء
وإن حركته منه تعالى
فيلزمه حدوث وانتهاء
ويلزمه التنقل فى محال
يعاقبها خلاء أو ملاء
فلم تترك من التشبيه شيئا
سوى أن قيل قد فقد السواء
فداو الدين من عمه ورين
فإن العلم والتقوى دواء
فقد صديت فهومكم وصدت
عن المثلى وقد وجد الجلاء
وأمرضها فساد العقل منها
مع التخليط وامتنع الشفاء
وإن كنت اعتزلت الدين رأيا
تحالفه الشقاوة والغباء
وأثبت المشيئة للبرايا
ولم تثبت لربك ما يشاء
وأنكرت القضاء له انفرادا
فقلت لعبده أيضا قضاء
وأوجبت الصلاح عليه حكما
يخالفه العبيد إذا أشاءوا
فمن يقضى عليه إن عصوه
أمقهور إلهك أم مساء


"""
صفحة رقم 437 """
وعجزا عنهم أم رفض فرض
عليه إن قولكم هزاء
وإن تك ملحدا فى الدين أضحى
على عينى كتابته غشاء
يعاند لا لمعنى يقتضيه
سوى أن جانبته الأتقياء
ففى يمنى الشريعة سيف حق
يؤيد نصله أسد ظماء
نطهر ديننا بدماء قوم
وإن نجست به تلك الدماء
فما خفيت وجوه العلم لكن
هواكم عم أو غلب الشقاء
وأيضا غركم شيطان جهل
ألب بكم وأفئدة هواء
ودلالكم غرورا فى هواكم
كما دليت على الرخو الدلاء
تأمل يا سقيم الفهم هذا
فإن الحق ليس به خفاء
وحصرى الحكم إثباتا ونفيا
لمعتل الدليل به شفاء
كأنى بالمجسم يوم حشر
وقد ضاقت به الأرض الفضاء
فنكس رأسه منه حياء
ولكن فات فى الدنيا الحياء
سيندم حين يسأله رجوعا
فيسمع لا لقد حم القضاء
صرف الله قلوبنا عن غباوة الخطأ وغواية الخطل وبصرنا بهداية العمل عن عماية الزلل وأخذ بأيدينا عن معانقة الأمل إلى مراقبة الأجل وأظلنا بظل عرشه فى الموقف الجلل وهدانا إلى اتباع خير الرسل وملة أشرف الملل ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى آله وأصحابه المهتدين به والهادين إلى أشرف السبل وسلم تسليما كثيرا
تمت بحمد الله وعونه ( صلى الله عليه وسلم ) على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين


"""
صفحة رقم 438 """
ذكر رسالة الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد المتضمنة تقريظ هذه الرسالة
المملوك محمد بن على يخدم الجناب الكريم العالى المولوى السيدى العالمى العلمى الورعى الأفضلى الأكملى الأبرعى الأورعى المحسنى الضيائى لا زال بحرا وأنواع المعارف مأواه بدرا وأوج السعادة سماؤه قطرا وعزمات المكارم أنواؤه صدرا منه مبدأ الشرف وإليه انتهاؤه
يقوم بنصر الدين فى كل موطن
به راية الإسلام تعلو وتنصب
ويأتى إلى روض على دمنة له
فتحرقه أنفاسه وهو معشب
فلا عدم الإسلام مثلك ساعيا
له راعيا ما الله يرعى ويطلب
إذا أجمع البدعى فى الغى أمره
وأبصر ما يمليه فهو المذبذب
وإن لاح من تلقائه فى ظلامه
سنا بارق إطفائه فهو خلب
يناديه فى تقريبه لضلاله
منه عنقاء مغرب
أبى لى أن يستهضم الحق جهرة
ويخذل أنصار لذاك ومغرب
أولئك قوم نص أن ظهورهم
على الحق ما داموا النبى المقرب
خدمة تقوم بواجب الفرض ويملأ ثناها ذات الطول والعرض ويصدق ودها فلا يرجى عليه ثواب ولا ينحى به منحى القرض ويثبت عهدها فإذا غير النأى المحبين قال هو فلن أبرح الأرض
دعاو لها من سالف الود شاهد
يصدقه منك الضمير ويقبل


"""
صفحة رقم 439 """
تدوم على الأيام والدهر ينقضى
وتظفر بالبقيا إذا خاب يذبل
متى تنتهى الأفكار منه لغاية
نظن مداها آخرا وهو أول
ويتلوه من إحسانك الجم شاهد
يزكيه طيب المنتمى ويعدل
وحسبك بشاهدين مقبولين ومزكى بل حاكمين لا يخشى حكمهما نقضا ولا حديثهما تركا بل علمين شاهدهما من أقبل وأدبر ونصيرهما من أضحك وأبكى بل مفردين لا يقبل إفرادهما تثنية ولا توحيدهما شركا بل جملتين لا يحكيهما متكلف وإن كانت الجمل قد تحكى وينهى ورود الكتاب الكريم والإحسان العميم والفضل الذى هو عنده وعند الله عظيم قرينا للحسناء التى صادت وصدت الكاس وصدت فى مذهبها فلم تجر على قاعدة القياس ونفرت من المملوك ولقد أعد لها الإيناس قبل الإبساس وعدلت عن ربعه ولو مرت لقال ما فى وقوفك ساعة من باس هجرت والقلوب للهجر تدمى والعيون تتضرج ونشرت ولعهدى بالحسناء تتزين ثم تتبرج وأخفت الخالص من نقدها وإنما يخفى ما يخاف أن يتبهرج ولعلها تصوفت فرجحت عالم الغيب على عالم الشهود أو تفقهت فرأت أن لا حرج على الفار إذا نوى أن يعود أو تأدبت فقال قد يرفض الأصل ويخرج عن المعهود أو تصرفت فمالت إلى الصلف ومخالفة محبوب ابن داود فبات المملوك ليالى بليل المشوق وقلق من بعد مزاره فتعلل بلمح البروق وكيف حال من أجدبت مراعيه


"""
صفحة رقم 440 """
وأظلمت مساعيه فهو ينتظر سحبا تريق أو أنوارا تروق ولما كان استقبال ليلة عزوبة زفت البكر التى هى من جناب سيدنا مألوفة وبين أهل العصر غريبة وأوفت والطفل جانح والنهار جامح والغروب لآية المساء شارح وإنسان العين فى بحر من العسجد سابح وحينئذ ترك المملوك عسى ولعل ورأى نجم تعليله قد أفل وحسن اختياره قد اضمحل وتحقق أن الصواب لمن وفق غير بعيد ومن رضى باختيار الله له فهو عين السعيد وقال لنفسه لعل التأخر ليجمع الله لك فى ليلة واحدة بين ليلتى عيد فتلقى راية وصلها باليمين وشد يده عليها لما ظفر بالعقد الثمين ورأى ألفاظها الساحرة تقسم على سلب الألباب فلا تمين فلو تمثلت أنا بشئ لقلنا ) إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ( ولزمها لزوم الخطب للمنابر والمقل للمحاجر والقيظ بشهر ناجر والأعراض لمحالها من الجواهر ولم يقض واجب الصلاة حتى عرضها المملوك واستكملها وأخذ مأخذ العزم فما فتر ولا لها وقال لعينه دونك فتمتعى بحسناء لن ترى مثلها وتعقليه عقل الأدب فإن عرض إشكال فمنك وإن بهر إحسان فلها ثم عزم على أن يبنى عليها بناء الأجساد على حليها والرياض على وسميها ووليها والفصحاء من أبناء الكرام على مولى النعمة ووليها ويجرى فى ذلك جواد اللسان ويطمع أن يأخذ بطرف من الإحسان وحكم أن لسان التقصير قصير ومحل سيدنا من الفضل كبير والخدام فى نشر محاسنه كثير ونشر سقط المتاع عين السفه ولو وقف المملوك عند طوره لما فاه ببنت شفه


"""
صفحة رقم 441 """
ومن شرع فى أمر ولم يكمله فما أنصفه والعجز عن درك الإدراك نفس الإدراك وعين المعرفة فأطال الله لسيدنا من العمر مداه وأرغم به أنف المبتدعة فما هم إلا عداه وبيض وجهه بما حبر قلمه وادخر كرامته لما قدمت يداه
فصل
وأما ما أشار به الجناب من رد المملوك على ذلك الساقط ولو شئت لقلت العافط وقد كان المملوك عندما رأى هذيانه وسمع ما سود من صحيفته ولسانه بادر بتضمين أبيات يسيرة أسرع إلى مستمليها سيرة ورام أن يعود عليها بالتنقيح والتهذيب فعجلت به بادرة الغيرة قال
علمنا ويك وانكشف الغطاء
ولاح الحق ليس به خفاء
وحققنا بأنك غير شك
ضعيف الرأى جؤجؤه هواء
يرى بتجمع الضدين جهلا
ويجهل ما رأى والجهل داء
ويثبت ما نفاه وليس يدرى
أأثبت أم نفى فهما سواء
فما متكمه لم يبد يوما
له من ضوء بارقة ضياء
أتت بعد الممات له دهور
فأفناه التمزق والعفاء


"""
صفحة رقم 442 """
بأعمى منك عن نظر صحيح
دلائله كما ارتفع الضحاء
قليل الدين كيف طعنت فيما
تناقله الثقات الأتقياء
وأقسم لست تثبت نفى ما قد
نفيت ولو أطيل لك النساء
وطعن المرء فى الأنساب كفر
كما يروى فهل غلب الشقاء
جعلت الشك فيما وضعه أن
تزول به الشكوك والامتراء
وطللت الذين حموك لما
تكنفك العدى ودنا العداء
فلو ردت إليك أمورهم فى
مناظرة لجد بك البلاء
فقف لخطاك لا تبلغ مداها
مقاما لا تقوم به النساء
وخل لملتقى الأبطال منهم
أسودا لا ينهنهها اللقاء
إذا حضروا الجلاد أتوا بنار
من الأذهان يوقدها الذكاء
وأغنوا حيث لا تغنى صفاح
كما أغنوا ولا أسل ظماء
فكم من ملحد دلوه حتى
أقر بما تقول الأنبياء
وكم متفلسف قد سفهوه
فما لقديم فلسفة بقاء
أتوا برواء حكمتهم فلما
أتى الأشياخ لم تبق الرواء
وكان القوم فى حصن منيع
عصا . . . . . . . . . . . . . . الهواء
فلما حاولوه صار أرضا
سماء الحصن واستفل العلاء
وكيف يكون حالة من سواهم
إذا دان الخصوم الأقوياء
وأما الاعتزال وناصروه
فإن حبال ما ابتدعوا هباء


"""
صفحة رقم 443 """
وكم من رافضى أوردوه
موارد ما هناه بها الرواء
وكم من مرجئ أو خارجى
تبين أن قولهما هراء
ومثلك قد لقى منهم مقاما
يسود وجهه ذاك اللقاء
أولئك عترتى ومحل ودى
وقد يفضى إلى الشرف اعتزاء
رأوا أن الأساس أهم مما
عداه فأتقنوه كيف شاءوا
وأفنوا مدة الأعمار فيه
عناء حبذا ذاك العناء
فليتك إذ خبرتك لست عندى
خليلا من أمام ولا وراء
بعيشك عند نفسك كيف يبنى
بلا أصل يقوم به البناء
هربت من ابتداع فى اعتقاد
تدين به فأوقعك القضاء
لعلك تكره التنزيه ممن
يراه فليس فيك له ولاء
لعلك تحسب الرحمن جسما
يلازمه التغير والفناء
لعل الصوت عندكم قديم
مكابرة تجنبها الحياء
وقولا إن تناقله الأعادى
لنا سروا بذاك كما نشاء
نفينا فخره عنا وفزتم
به فلكم برتبته الهناء
هجوت فملت نحوك مستفيدا
وعند الله فى ذاك الجزاء
فلو وافيتنا حيث استقرت
بشيعتنا الإقامة والثواء
وفهت بما نطقت به لديهم
أهنت هناك إن حضر الجلاء
وأثناء هذه البارقة ترادفت الهموم فأظلم الليل وتكاثفت الأشغال فحطم السيل وقلت أكتفى للمخذول بأن أقول بفيه الحجر وله الويل ولكن لما أصبح


"""
صفحة رقم 444 """
علم الهداية لسيدنا منصوبا وأجرى جواد البيان فى ميدان الإحسان فكان بحرا يعبوبا وقدح زناد الفكر ورمى بناره شيطان البدعة فأمسى منكوبا فلابد للمملوك أن يتبع الأثر ويقضى تلك الحقوق وينصر أبا الروح كما ينصر أبا الجسد فكلاهما محرم العقوق ويسرق وقتا لذلك السبب وإن كانت الموانع تقوم والعوائق تعوق ويقطعه عن أمثاله وأشغاله ومن العجائب أن يقطع المسروق
224
على بن الحسن بن محمد بن حمدويه بن سنجان
بفتح السين المهملة وإسكان النون بعدها جيم ثم ألف ثم نون كذا ضبطه ابن الصلاح بخطه السنجانى
القاضى أبو الحسن المروزى
قال الحاكم كان أحد فقهاء الشافعيين
سمع أبا الموجه محمد بن عمرو الفزارى وأقرانه بمرو
وبالعراق يوسف بن يعقوب القاضى وأقرانه
روى عنه مشايخنا الحكاية بعد الحكاية ولم يبلغ التحديث
ورد نيسابور قاضيا بها سنة ست عشرة وثلاثمائة


"""
صفحة رقم 445 """
سمعت أبا الحسن على بن أحمد العروضى الفقيه يقول سمعت أبا الحسن السنجانى قاضينا يقول سمعت أبا العباس بن سريج يقول يؤتى يوم القيامة بالشافعى وقد تعلق بالمزنى يقول رب هذا أفسد علومى فأقول أنا مهلا بأبى إبراهيم فإنى لم أزل فى إصلاح ما أفسده
سمعت الأستاذ أبا الوليد يقول سمعت أبا الحسن يقول عرض على بنيسابور في حكومة واحدة ألف درهم فرددتها وتعجبت من أمر نيسابور ثم قمت فصليت ركعتين وشكرت الله على ما وفقنى له
هذا كلام الحاكم
وذكره أبو حفص عمر بن على المطوعى فى كتابه المذهب فى ذكر شيوخ المذهب فقال أبو الحسن على بن الحسن بن سنجان السنجانى قاض جليل القدر نابه الذكر من أصحاب أبى العباس ومن أحفظهم للأقاويل والتوجيهات وتقلد القضاء بنيسابور انتهى
ومن خط ابن الصلاح فى المنتخب الذى انتخبه من المذهب نقلته وضبط بخطه سنجان بفتح السين وإسكان النون بعدها ثم الجيم


"""
صفحة رقم 446 """
225
على بن الحسين بن حرب بن عيسى البغدادى القاضى أبو عبيد بن حربويه
قاضى مصر وأحد أركان المذهب وهو من تلامذة أبى ثور وداود إمام الظاهر عنهما حمل العلم
سمع أحمد بن المقدام العجلى ويوسف بن موسى والحسن بن عرفة وزيد ابن أخزم والحسن بن محمد الزعفرانى
روى عنه أبو عمر بن حيويه وأبو بكر بن المقرئ وعمر بن شاهين وجماعة
قال أبو حفص المطوعى فى كتاب المذهب إنه تخرج بأبى ثور
قال وكان من خواص أصحابه وكان يسلك مناهجه فى الاختيارات التى اختص بها والتخريجات التى تفرد باستنباطها ذكر ذلك فى ذكر أبى ثور ثم ذكر فى ذكر ابن حربويه قال هو حسنة أبى ثور والسالك لسبيله وكانت الخلفاء ترفع مجلسه انتهى
وقال البرقانى ذكرته للدارقطنى فذكر من جلالته وفضله وقال حدث عنه النسائى فى الصحيح لم يحصل لى عنه حرف وقد مات بعد أن كتبت بخمس سنين
وقال أبو سعيد بن يونس هو قاضى مصر أقام بها طويلا وكان شيئا عجيبا ما رأينا مثله لا قبله ولا بعده وكان يتفقه على مذهب أبى ثور وعزل عن القضاء سنة إحدى عشرة لأنه كتب يستعفى ووجه بذلك رسولا إلى بغداد وأغلق بابه وامتنع


"""
صفحة رقم 447 """
من الحكم فأعفى فحدث حين جاء عزله وأملى مجالس ورجع إلى بغداد وكان ثقة ثبتا
قلت كان رسوله إلى بغداد بالاستعفاء أبو بكر بن الحداد ورجع إليه ولم يعف لأن الوزير إذ ذاك أبى أن يعفيه فما عاد ابن الحداد إلى مصر إلا وقد ولى وزير غير ذلك الوزير وهو ابن الفرات وكان يكره أبا عبيد فصرفه بعد أن كان له فى قضاء مصر أزيد من ثمانى عشرة سنة
وكان مهيبا مصمما مضبوط الكلمات قليلها وافر الحرمة لم يره أحد يأكل ولا يشرب ولا يلبس ولا يغسل يده إنما يفعل ذلك فى خلوة وهو منفرد بنفسه ولا رآه أحد يمتخط ولا يبصق ولا يحك جسمه ولا يمسح وجهه وكان عليه من الوقار والهيبة والحشمة ما يتذاكره أهل بلده
وقال ابن زولاق كان عالما بالاختلاف والمعانى والقياس عارفا بعلم القرآن والحديث فصيحا عاقلا عفيفا قوالا بالحق سمحا منقبضا وكان رزقه فى الشهر مائة وعشرين دينارا وكان يورث ذوى الأحكام وولى قضاء واسط قبل مصر وكان أمير مصر يأتى إلى داره
قال وهو آخر قاض ركب إليه الأمراء بمصر ولم يكن شكل أبى عبيد بهيا فكان من رآه ربما استزراه حتى يسمع كلامه وفصاحة لسانه فيقع من قلبه إذ ذاك أعظم موقع وكان ابن الحداد كثير المخالطة له والتعظيم له وله به خصوصية
قال ابن الحداد قدم أبو عبيد إلى مصر فرأيته فى الطريق فى جملة النظارة فما أعجبنى زيه ولا منظره ثم دخل شهر رمضان وكنا عند أبى القاسم بشر بن نصر الفقيه غلام عرق فدخل منصور بن إسماعيل الفقيه مهنئا له بشهر رمضان فقيل له من أين


"""
صفحة رقم 448 """
أقبلت فقال من عند القاضى هنأته بدخول الشهر قال ابن الحداد فقلت له كيف رأيت القاضى قال رأيت رجلا عالما بالقرآن والفقه والحديث والاختلاف ووجوه المناظرات وعالما باللغة والعربية وأيام الناس عاقلا ورعا زاهدا متمكنا فقلت له هذا يحيى بن أكثم فقال الذى عندى قلت لك
قال ابن الحداد ثم دخلت إليه فوجدت منصورا مقصرا فى وصفه
توفى فى صفر سنة تسع عشرة وثلاثمائة ببغداد وصلى عليه أبو سعيد الاصطخرى
ومن الرواية والفوائد والغرائب والملح عنه
أخبرنا المسند أبو العباس أحمد بن على الجزرى سماعا عليه أخبرنا محمد بن عبد الهادى إجازة عن أبى طاهر السلفى أخبرنا القاضى أبو عمر مسعود ابن على بن الحسين الملحى بأردبيل أخبرنا أبو على محمد بن وشاح بن عبد الله الكاتب ببغداد أخبرنا أبو القاسم عيسى بن على بن داود بن الجراح الوزير حدثه أبو عبيد على بن الحسين بن حرب القاضى حدثنا زكريا بن يحيى الكوفى حدثنى عبد الله بن صالح اليمانى حدثني أبو همام القرشى عن سليمان بن المغيرة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يا أبا هريرة علم الناس القرآن وتعلمه فإنك إن مت وأنت كذلك زارت الملائكة قبرك كما يزار البيت العتيق وعلم الناس سنتى وإن كرهوا ذلك وإن أحببت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجنة فلا تحدث فى دين الله حدثا برأيك )


"""
صفحة رقم 449 """
ليس لطارق بن شهاب عن أبى هريرة شئ فى الكتب الستة
قيل إن أبا عبيد قال لأبى جعفر الطحاوى وقد رآه يصمم على مقاله يا أبا جعفر أما علمت أن من لا يخالف إمامه فى شئ عصى قال نعم أيها القاضى وغبى
نقل المطوعى والجورى أن أبا عبيد أوجب الكفارة على من حرم مالا له من ثوب أو دار وما أشبههما وسوى بين ذلك وتحريم البضع من الزوجة
قال العبادى حكم أبو عبيد بأن الولد يلحق بالخصى إذا لم يكن مجبوبا فرفع الخصى الولد ونادى عليه بمصر ألا إن القاضى يلحق أولاد الزنا بالخدم
قلت وإنما تعرف هذه الحكاية عن أبى عبد الله الحسين بن الحسن بن عطية ابن سعد العوفى قاضى الشرقية ببغداد ثم قاضى عسكر المهدى وهو متقدم مات سنة إحدى ومائتين
قال الحارث بن أبى أسامة حدثني بعض أصحابنا قال جاءت امرأة إلى العوفى فساق الحكاية ولعلها اتفقت للقاضيين
والظاهر فى المذهب أن المسلول الخصيتين الباقى الذكر كالفحل فى لحوق النسب فما حكم أبو عبيد إلا بالمذهب الظاهر ولعل الذى حكم به أبو عبيد والعوفى إنما هو فى الممسوح وهو فاقد الذكر والأنثيين جميعا بالكلية ومع ذلك هو قول للشافعى اختاره بعض الأصحاب وإلا فلو كان فى الخصى الباقى الذكر لما استغربه أبو عاصم فليحقق ذلك
وقد أطال ابن زولاق فى ذكر أخبار القاضى أبى عبيد والثناء على محاسنه وقول أهل مصر إنهم لم يروا قبله ولا بعده قاضيا مثله قال وكان يذهب إلى قول أبى ثور ثم صار يختار فجميع أحكامه بمصر باختياره وحكم بمصر بأحكام لو حكم بها غيره


"""
صفحة رقم 450 """
لأنكر عليه فما أنكر عليه أحد لأن أبا عبيد كان رجلا لا يطعن عليه فى علم ولا تلحقه ظنة فى رشوة ولا يحيف فى حكم وكان يورث ذوى الأرحام
قال ابن الحداد وما كان أبو عبيد يؤمر أحدا بل إذا ذكر تكين أمير مصر يقول أبو منصور تكين ولا يقول الأمير قال وكان إذا ركب لا يلتفت ولا يتحدث مع أحد ولا يصلح رداءه وركب مرة إلى أمير مصر تكين وهو بالجيزة فى كاينة اتفقت له فقيل له قد رأى القاضى النيل فقال قد سمعت خرير الماء
قلت فلله در قاض أقام بمصر ثمانى عشرة سنة لم يبصر النيل وكانت الكاينة التى خرج فيها تكين إلى الجيزة قد قتل فيها فى الواقعة على ماقيل نحو من خمسين ألفا أراد تكين أن يحفر لهم خندقا ويدفنهم فخرج إليه القاضى وقال إنك إن فعلت ذلك تلفت المواريث ولكن ناد فى الناس من له قتيل يأخذه ففعل تكين ما قاله
قال ابن زولاق وجرى للقاضى فى هذا الخروج إلى الجيزة خبر عجيب حركه البول وهو راجع فعدل إلى بستان فنزل وبال واستنجى وتوضأ من مائه ثم انصرف ثم سأل بعد أيام عن البستان فقيل لفلانة فأرسل إليها يستأذنها على الحضور إليها فارتاعت لذلك وقالت أنا أركب إليه وكانت من أهل الأقدار فأبى فركب إليها أبو عبيد وقد فرشت له الدار وحسنتها فقال لها البستان لك وحدك بلا شريك فقالت نعم وأنا التى أسقيه من مائى قال فأنا نزلت فى أرضه وتوضأت من مائه فخذى ثمن ذلك فبكت وقالت أيها القاضى أنت فى حل ولو علمت أن القاضى يقبله هدية لأهديته إليه فقال لها عن طيب نفس تركت ولم تتركى ذلك لأجل القاضى وحرمته فقالت نعم فانصرف


"""
صفحة رقم 451 """
وحكى ابن زولاق أشياء من هذا الجنس دالة على تصلبه فى الورع وأشياء أخر دالة على شدته فى الحق وأشياء أخر دالة على تصميمه ووقاره وهيبته وأنه كان ينهى أن يتلفظ لافظ فى مجلسه بذكر الطعام أو النساء
قال ومكث فى مصر ثمانى عشرة سنة وستة أشهر ما رآه راء يأكل ولا يشرب
وذكر أن تواقيعه جمعت وكتبت لفصاحتها وبلاغتها وأنه كان إذا تكلم بكلمة طارت فى البلد إعجابا بها
ومن مليح توقيعاته
رفع إليه أن امرأة امتنعت من السفر مع زوجها فوقع إلى كاتبه إن لم يكن لها مهر عليه باق ولم يكن بينهما شقاق يدعوهما إلى مساوئ الأخلاق فله أن يخرج بها إلى جميع الآفاق
وكتب إليه خليفته الحسن بن صالح البهنسى إن جماعة ذمونى عند القاضى فكتب إليه أبو عبيد لو كان المادحون لك بعدد الذامين الزارين عليك لما نقصك ذلك عندى فكيف والمثنون عليك أضعاف الذامين وسألتك بالله ألا يزيدك كتابى إلا تواضعا ولا تقعقع بكتاب قاضيك على رعيتك فتضعف قلوبهم فإنما قربك منى قربك من الحق ومتى بعدت منه بعدت من قلبى والسلام
وكان أبو بكر بن الحداد كثير الإجلال للقاضى أبى عبيد بحيث لا يقول له إلا القاضى غيبة وحضورا فى حياته وبعد وفاته وإذا قيل له من القاضى غضب ويقول إنما القاضى أبو عبيد


"""
صفحة رقم 452 """
ومن قضايا أبى عبيد
شكت إليه امرأة كبر آلة زوجها وأنها لا تطيقه فأمر شاهدا بالكشف عن ذلك ثم فرق بينهما
كذا نقل النقلة فإما أن يكون فرق بينهما بمعنى أن توسط بينهما واسترضى خاطر الزوج حتى طلقها وإما أن يكون للمرأة الفسخ بكبر آلة الزوج وهذا غريب لا أعرف من قال به
ومما يحكى فى تصميمه أن مؤنسا الخادم وهو أكبر أمراء المقتدر وكان فى خدمته سبعون أميرا سوى أصحابه وكان يخطب له على جميع المنابر مع الخليفة ورد إلى مصر فى عسكر كبير فعرض له ضعف فأرسل إلى القاضى يطلب منه شهودا يشهدهم عليه أنه أوصى بوقف قرى كثيرة على سبيل البر وبعتق ستمائة مملوك وبأنواع من الخير فقال القاضى حتى يثبت عندى أن مؤنسا حر
هذا ومؤنس أكبر أمراء الإسلام فصمم القاضى وقال إن لم يرد على كتاب المقتدر أنه أعتقه وإلا فلا أفعل
ومن ذلك أن أمير المؤمنين المقتدر كتب كتابا إلى القاضى فوصل الكتاب إلى مؤنس فاستدعى بعض الأمراء ليوصله إلى القاضى فهاب القاضى فدعى تكين أمير مصر وحمله أن يذهب إلى القاضى ويوصل الكتاب إليه فأتى إلى القاضى وأومى بيده إلى أن ناوله الكتاب فقال القاضى ما هذا
فقال كتاب أمير المؤمنين
فقال أمن يدك فقال بلى
فقال بل من يد شاهدين عدلين يشهدان أنه كتاب أمير المؤمنين


"""
صفحة رقم 453 """
وذكر أن شخصا يقال له إبراهيم أصبح فى منزله يوما جنبا ليس معه شىء يدخل به الحمام قال فخرجت رجاء صديق يدخلنى الحمام فإذا بغريم على بابى يطالبنى بخمسة دنانير فحدثته حديثي فقال ما نفترق إلا إلى القاضى فتوجهنا إلى القاضى أبى عبيد فوجدناه خارجا من المسجد وبين يديه غلام أسود خصى فقال له خصمى أيد الله القاضى انظر فى أمرى فإنى بت على بابك
والقاضى مطرق لا ينظر إلينا حتى دخل داره وليس على بابه حاجب ولا أحد ثم خرج إلينا الغلام وقال ادخلا فدخلنا فوجدناه جالسا فى وسط مجلسه فقال تكلما فسبقت أنا فصرت المدعى فقالت أيد الله القاضى لى على هذا خمسة دنانير
فقال مصرية
فقلت نعم
فقال حالة
فقلت نعم فقال للخصم ما تقول فضحك متعجبا فصاح القاضى صيحة ملأت الدار وقال مم تضحك لا أضحك الله سنك ويحك تضحك فى مجلس الله مطلع عليك فيه ويحك تضحك وقاضيك بين الجنة والنار فأرعب القاضى الرجل وقال أنا أدفع إليه قم فقمنا فلما خرج قال لى امض فأنت فى حل فقلت ما نفترق إلا بخمسة دنانير ارجع بنا إلى القاضى فأعطانى دينارا ومرض ثلاثة أشهر فكنت إذا عدته يقول لى صيحة القاضى فى قلبى إلى الساعة وأحسبها تقتلنى
ومن المسائل عن القاضى أبى عبيد
مسألة اجتناب الحائض
حكى الرافعى فى كتاب النكاح عن أبى عبيد بن حربويه أنه تتجنب الحائض فى جميع بدنها لظاهر قوله تعالى ) فاعتزلوا النساء في المحيض ( ولم يحك هذا فى باب الحيض


"""
صفحة رقم 454 """
وقال النووى إن قول أبى عبيد هذا غلط فاحش مخالف للأحاديث الصحيحة المشهورة لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اصنعوا كل شىء إلا النكاح ) ولأنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يباشر فوق الإزار قال وقد خالف قائله إجماع المسلمين
قال ابن الرفعة الإجماع إن صح فالغلط فاحش وإن لم يصح ففيه للبحث مجال لأن الشافعى قال فى الأم فى الجزء الرابع عشر فى باب ما ينال من الحائض تحتمل الآية فاعتزلوا فروجهن لما وصف من الأذى وتحتمل اعتزال فروجهن وجميع أبدانهن فروجهن وبعض أبدانهن دون بعض وأظهر معانيه اعتزال أبدانهن كلها
وإذا كان هذا ظاهر الآية فما ذكر من مباشرة النبى ( صلى الله عليه وسلم ) للحائض فيما فوق الإزار يجوز أن يكون من خصائصه كيف وسياق الآية يصرفها إلى الأمة قال الله تعالى ) ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ( والظاهر أن قوله تعالى ) فاعتزلوا النساء في المحيض ( من جملة ما أمر أن يقوله لهم وإذا كان كذلك فهو غير داخل باللفظ فيهم وإن قال بعضهم إنه يشمله الخطاب لكنه من غير اللفظ وإذا كان غير داخل فيهم فلا يكون فعله مبينا له مقيدا أو مخصصا لما اقتضاه ظاهر الآية فيهم
وأما قوله عليه السلام ( اصنعوا كل شىء إلا النكاح ) فلعل أبا عبيد يحمل النكاح على المباشرة بآلته وهو الذكر ولا يخصه بمحل بل يجريه فى جميع البدن كما هو ظاهر الآية ويكون قائلا بإباحة القبلة والمعانقة ونحوهما ويحمل قوله ( صلى الله عليه وسلم ) على ذلك


"""
صفحة رقم 455 """
وعلى الجملة فمذهب أبى عبيد مرجوح ونص الشافعى فى الأم فى الجزء الرابع عشر فى باب إتيان الحائض على خلافه فإنه قال إن الآية وإن احتملت الجماع وغيره فالجماع أظهر لأن الله تعالى أمر بالاعتزال ثم قال تعالى ) ولا تقربوهن ( فأشبه أن يكون أمرا بينا ولهذا نقول بالاستدلال بالسنة انتهى كلامه فى المطلب
قال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوى فى جزء له لطيف سماه فتيا فقيه العرب يرويه الخطيب البغدادى عن القاضى أبى زرعة روح بن محمد الرازي عن ابن فارس قال سمعت أبا بكر محمد بن الحسين الفقيه يقول ادعى رجل مالا بحضرة أبى عبيد بن حربويه فقال المدعى عليه ماله على حق بضم اللام فقال أبو عبيد أتعرف الإعراب قال نعم قم قد ألزمتك المال انتهى
قال وهى مسألة غريبة وحكمها متجه


"""
صفحة رقم 456 """
226
على بن الحسين بن على المسعودى
صاحب التواريخ كتاب مروج الذهب فى أخبار الدنيا وكتاب ذخائر العلوم وكتاب الاستذكار لما مر من الأعصار وكتاب التاريخ فى أخبار الأمم وكتاب أخبار الخوارج وكتاب المقالات فى أصول الديانات وكتاب الرسائل وغير ذلك
قيل إنه من ذرية عبد الله بن مسعود رضى الله عنه
أصله من بغداد وأقام بها زمانا وبمصر أكثر
وكان أخباريا مفتيا علامة صاحب ملح وغرائب
سمع من نفطويه وابن زبر القاضى وغيرهما
ورحل إلى البصرة فلقى بها أبا خليفة الجمحى ولم يعمر على ماذكر
وقيل إنه كان معتزلى العقيدة
مات سنة خمس وأربعين أو ست وأربعين وثلاثمائة
وهو الذى علق عن أبى العباس ابن سريج رسالة البيان عن أصول الأحكام وهذه الرسالة عندى نحو خمس عشرة ورقة ذكر المسعودى فى أولها أنه حضر مجلس أبى العباس ببغداد فى علته التى مات بها سنة ست وثلاثمائة وقد حضر المجلس لعيادة أبى العباس جماعة من حذاق الشافعيين والمالكيين والكوفيين والداوديين وغيرهم من


"""
صفحة رقم 457 """
أصناف المخالفين فبينما أبو العباس يكلم رجلا من المالكيين إذ دخل عليه رجل معه كتاب مختوم فدفعه إلى القاضى أبى العباس فقرأه على الجماعة فإذا هو من جماعة الفقهاء المقيمين ببلاد الشاش يعلمونه أن الناس فى ناحيتهم أرض شاش وفرغانة مختلفون فى أصول فقهاء الأمصار ممن لهم الكتب المصنفة والفتيا ويسألونه رسالة يذكر فيها أصول الشافعى ومالك وسفيان الثورى وأبى حنيفة وصاحبيه وداود بن على الأصبهانى وأن يكون ذلك بكلام واضح يفهمه العامى فكتب القاضى هذه الرسالة ثم أملى فيما ذكر المسعودى عليهم بعضها وعجز لضعفه عن إملاء الباقى فقرىء عليه والمسعودى يسمع
227
على بن الحسن القاضى أبو الحسن الجورى
والجور بضم الجيم ثم الواو الساكنة ثم الراء بلدة من بلاد فارس
أحد الأئمة من أصحاب الوجوه
لقى أبا بكر النيسابورى وحدث عنه وعن جماعة
ومن تصانيفه كتاب المرشد فى شرح مختصر المزنى أكثر عنه ابن الرفعة والوالد رحمهما الله النقل ولم يطلع عليه الرافعى ولا النووى رحمهما الله وقد أكثر فيه من ذكر أبى على بن أبى هريرة وأضرابه
وذكر ابن الصلاح أنه وقف على كتاب له اسمه الموجز على ترتيب المختصر يشتمل على حجاج مع الخصوم اعتراضا وجوابا اختار فيه أن الزانى والزانية لا يصح


"""
صفحة رقم 458 """
نكاحهما إلا لمن هو مثلهما وأن الزنا لو طرأ من أحدهما بعد العقد انفسخ النكاح
وحكى قولين فى وجوب نفقة الكافر على الابن المسلم
قلت الخلاف مشهور والصحيح الوجوب
قلت وحكى أيضا قولين فيما إذا قال أنت على حرام أحدهما تجب الكفارة بنفس قوله أنت على حرام والثانى لا تجب إلا بالوطء لأن به تقع المخالفة كما يحنث فى اليمين
وقال الصحيح عندى جواز عقد الشركة على العروض
وقال فيما إذا علق الطلاق على محبتها أو بغضها فقالت أنا أحبك أو أبغضك وكذبها إنه لا يقع الطلاق وجزم به وفرق بينه وبين الحيض بأنها مؤتمنة فيه والحب والبغض ليس مما ائتمنت عليه ثم قال ولو قال قائل يقبل قولها فى ذلك قياسا على الحيض والحمل لأن الحب والبغض مما لا يوصل إلى علمه إلا منها لكان مذهبا انتهى
والقول بقبول قولها هو الذى جزم به الرافعى تبعا لأكثر الأصحاب


"""
صفحة رقم 459 """
228
على بن عبد العزيز بن الحسن بن على بن إسماعيل أبو الحسن الجرجانى
قاضى جرجان ثم قاضى الرى والجامع بين الفقه والشعر له ديوان مشهور وكان حسن الخط فصيح العبارة وهو مصنف كتاب الوساطة بين المتنبى وخصومه
ورد نيسابور سنة سبع وثلاثين مع أخيه فى الصبا وسمعا على الشيوخ
ذكره الشيخان أبو إسحاق الشيرازى وقال كان فقيها شاعرا وأبو عاصم وقال صنف كتابا فى الوكالة وفيه أربعة آلاف مسألة
قال وحكى عن المزنى أن التوكيل فى الظهار والرجعة لا يجوز
قلت وهو وجه مشهور
وقد ولى أبو الحسن هذا قضاء جرجان ثم انتقل إلى الرى وولى قضاء القضاة بها
ذكره أبو منصور الثعالبى فى اليتيمة فقال حسنة جرجان وفرد الزمان ونادرة الفلك وإنسان حدقة العلم ودرة تاج الأدب وفارس عسكر الشعر يجمع خط ابن مقلة إلى نثر الجاحظ ونظم البحترى وينظم عقد الإتقان والإحسان وله يقول الصاحب
إذا نحن سلمنا لك العلم كله
فدع هذه الألفاظ ننظم شذورها
هذا بعض كلام الثعالبى فى خبره


"""
صفحة رقم 460 """
ومن شعر أبى الحسن السائر فى الآفاق ما أنشدناه الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتى عليه قال أنشدنا الحسن بن على بن محمد بن الخلال بقراءتى أنشدنا جعفر بن على الهمذانى سماعا عليه قال أنشدنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى العثمانى الديباجى الإمام قال كتب إلى العلامة أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشرى من مكة وأجاز لى
ح وكتب إلى أحمد بن على الحنبلى وزينب بنت الكمال وفاطمة بنت إبراهيم بن أبى عمر عن محمد بن عبد الهادى عن الحافظ أبى طاهر السلفى عن الزمخشرى قال أنشدنا أحمد بن محمد بن إسحاق الخوارزمى قال أنشدنا أبو سعد المحسن بن محمد الجشمى قال أنشدنا الحاكم أبو الفضل إسماعيل بن محمد بن الحسن قال أنشدنا القاضى أبو الحسن على بن عبد العزيز الجرجانى لنفسه
يقولون لي فيك انقباض وإنما
رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم
ومن أكرمته عزة النفس أكرما
وما كل برق لاح لى يستفزنى
ولا كل من لاقيت أرضاه منعما
وإنى إذا ما فاتنى الأمر لم أبت
أقلب كفى إثره متندما
ولم أقض حق العلم إن كان كلما
بدا طمع صيرته لى سلما
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى
ولكن نفس الحر تحتمل الظما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتى
لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة
إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما


"""
صفحة رقم 461 """
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
ولو عظموه فى النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهان ودنسوا
محياه بالأطماع حتى تجهما
لله هذا الشعر ما أبلغه وأصنعه وما أعلى على هام الجوزاء موضعه وما أنفعه لو سمعه من سمعه وهكذا فليكن وإلا فلا أدب كل فقيه ولمثل هذا الناظم يحسن النظم الذى لا نظير له ولا شبيه وعند هذا ينطق المنصف بعظيم الثناء على ذهنه الخالص لا بالتمويه
وقد نحا نحوه شيخ الإسلام سيد المتأخرين أبو الفتح ابن دقيق العيد فقال لما كان مقيما بمدينة قوص
يقولون لى هلا نهضت إلى العلا
فما لذ عيش الصابر المتقنع
وهلا شددت العيس حتى تحلها
بمصر إلى ظل الجناب المرفع
ففيها من الأعيان من فيض كفه
إذا شاء روى سيله كل بلقع
وفيها قضاة ليس يخفى عليهم
تعين كون العلم غير مضيع
وفيها شيوخ الدين والفضل والألى
يشير إليهم بالعلا كل أصبع
وفيها وفيها والمهانة ذلة
فقم واسع واقصد باب رزقك واقرع
فقلت نعم أسعى إذا شئت أن أرى
ذليلا مهانا مستخفا بموضع
وأسعى إذ ما لذ لى طول موقفى
على باب محجوب اللقاء ممنع
وأسعى إذا كان النفاق طريقتى
أروح وأغدو في ثياب التصنع
وأسعى إذا لم يبق فى بقية
أراعى بها حق التقى والتورع
فكم بين أرباب الصدور مجالسا
تشب بها نار الغضى بين أضلعى


"""
صفحة رقم 462 """
وكم بين أرباب العلوم وأهلها
إذا بحثوا فى المشكلات بمجمع
مناظرة تحمى النفوس فتنتهى
وقد شرعوا فيها إلى شر مشرع
من السفه المزرى بمنصب أهله
أو الصمت عن حق هناك مضيع
فإما توقى مسلك الدين والتقى
وإما تلقى غصة المتجرع
ومن شعر الجرجانى
أفدى الذى قال وفى كفه
مثل الذى أشرب من فيه
الورد قد أينع فى وجنتى
قلت فمى باللثم يجنيه
ولم يزل على قضاء القضاة بالرى إلى أن توفى بها فى ذى الحجة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة وحمل تابوته إلى جرجان فدفن بها
229
على بن عمر بن أحمد بن مهدى بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله الإمام الجليل أبو الحسن الدارقطنى البغدادى الحافظ
المشهور الاسم صاحب المصنفات إمام زمانه وسيد أهل عصره وشيخ أهل الحديث
مولده فى سنة ست وثلاثمائة
سمع من أبى القاسم البغوى وأبى بكر بن أبى داود وابن صاعد ومحمد بن هارون الحضرمى وعلى بن عبد الله بن مبشر الواسطى وأبى عمر محمد بن يوسف القاضى


"""
صفحة رقم 463 """
والقاسم والحسين ابنى المحاملى وأبى بكر بن زياد النيسابورى وأبى روق الهزانى وبدر بن الهيثم وأحمد بن إسحاق بن البهلول وأحمد بن القاسم الفرائضى وأبى طالب أحمد بن نصر الحافظ وخلق كثير ببغداد والكوفة والبصرة وواسط
ورحل فى الكهولة إلى الشام ومصر فسمع القاضى أبا الطاهر الذهلى وهذه الطبقة
روى عنه الشيخ أبو حامد الإسفراينى الفقيه وأبو عبد الله الحاكم وعبد الغنى ابن سعيد المصرى وتمام الرازى وأبو بكر البرقانى وأبو ذر عبد بن أحمد وأبو نعيم الأصبهانى وأبو محمد الخلال وأبو القاسم التنوخى وأبو طاهر بن عبد الرحيم الكاتب والقاضى أبو الطيب الطبرى وأبو الحسن العتيقى وحمزة السهمى وأبو الغنائم بن المأمون وأبو الحسين بن المهتدى بالله وأبو محمد الجوهرى وخلق كثير
قال الحاكم صار الدارقطنى أوحد عصره فى الحفظ والفهم والورع وإماما فى القراء والنحويين وفى سنة سبع وستين أقمت ببغداد أربعة أشهر وكثر اجتماعنا بالليل والنهار فصادفته فوق ما وصف لى وسألته عن العلل والشيوخ
قال وأشهد أنه لم يخلف على أديم الأرض مثله
وقال الخطيب كان الدارقطنى فريد عصره وقريع دهره ونسيج وحده وإمام وقته انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال مع الصدق والثقة وصحة الإعتقاد والاضطلاع من علوم سوى علم الحديث


"""
صفحة رقم 464 """
منها القراءات فإن له فيها مصنفا مختصرا جمع الأصول فى أبواب عقدها فى أول الكتاب وسمعت من يعتنى بالقراءات يقول لم يسبق أبو الحسن إلى طريقته التى سلكها فى عقد الأبواب المقدمة فى أول القراءات وصار القراء بعده يسلكون ذلك ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء فإن كتابه السنن يدل على ذلك وبلغنى أنه درس فقه الشافعى على أبى سعيد الإصطخرى وقيل على غيره
ومنها المعرفة بالأدب والشعر فقيل إنه كان يحفظ دواوين جماعة
قال وحدثنى الأزهرى قال بلغنى أن الدارقطنى حضر فى حداثته مجلس إسماعيل الصفار فجلس ينسخ جزءا والصفار يملى فقال رجل لا يصح سماعك وأنت تنسخ فقال الدارقطنى فهمى للإملاء خلاف فهمك تحفظ كم أملى الشيخ قال لا قال أملى ثمانية عشر حديثا الحديث الأول عن فلان عن فلان ومتنه كذا والحديث الثانى عن فلان عن فلان ومتنه كذا ثم مر فى ذلك حتى أتى على الأحاديث فتعجب الناس منه أو كما قال
وقال رجاء بن محمد المعدل قلت للدارقطنى رأيت مثل نفسك فقال قال الله تعالى ) فلا تزكوا أنفسكم ( فألححت عليه فقال لم أر أحدا جمع ما جمعت
وقال أبو ذر عبد بن أحمد قلت للحاكم بن البيع هل رأيت مثل الدارقطنى فقال هو لم ير مثل نفسه فكيف أنا
وقال أبو الطيب القاضى الدارقطني أمير المؤمنين فى الحديث
وقال الأزهرى كان الدارقطنى ذكيا إذا ذوكر شيئا من العلم أى نوع كان وجد عنده منه نصيب وافر ولقد حدثنى محمد بن طلحة النعالى أنه حضر مع الدارقطنى دعوة فجرى ذكر الأكلة فاندفع الدارقطنى يورد أخبارهم ونوادرهم حتى قطع أكثر ليلته بذلك


"""
صفحة رقم 465 """
وقال الأزهرى رأيت الدارقطني أجاب ابن أبى الفوارس عن علة حديث أو اسم ثم قال له يا أبا الفتح ليس بين الشرق والغرب من يعرف هذا غيرى
وقال البرقانى كان الدراقطنى يملى على العلل من حفظه قال وأنا الذى جمعتها وقرأها الناس من نسختى
قال شيخنا الذهبى وهذا شىء مدهش فمن أراد أن يعرف قدر ذلك فليطالع كتاب العلل للدراقطنى
وقال الخطيب حدثنى العتيقي قال حضرت الدراقطنى وجاءه أبو الحسن البيضاوى بغريب ليسمع منه فامتنع واعتل ببعض العلل فقال هذا رجل غريب وسأله أن يملى عليه أحاديث فأملى عليه أبو الحسن من حفظه مجلسا تزيد أحاديثه على العشرين متون أحاديثه جميعها نعم الشىء الهدية أمام الحاجة فانصرف الرجل ثم جاءه بعد وقد أهدى له شيئا فقربه وأملى عليه من حفظه سبعة عشر حديثا متون جميعها ( إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه )
وقال الحافظ عبد الغنى بن سعيد أحسن الناس كلاما على حديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثة على بن المدينى فى وقته وموسى بن هارون فى وقته وعلى ابن عمر الدارقطنى فى وقته
وقال رجاء بن محمد المعدل كنا عند الدارقطنى يوما والقارىء يقرأ عليه وهو يتنفل فمر حديث فيه نسير بن ذعلوق فقال القارىء بشير فسبح الدارقطنى


"""
صفحة رقم 466 """
فقال بشير فسبح فقال بسير فتلا الدارقطنى ) ن والقلم (
وقال حمزة بن محمد بن طاهر كنت عند الدارقطنى وهو قائم يتنفل فقرأ عليه أبو عبد الله ابن الكاتب عمرو بن شعيب فقال عمرو بن سعيد فسبح الدارقطنى فأعاده وقال ابن سعيد ووقف فتلا الدارقطنى ) يا شعيب أصلاتك تأمرك ( فقال ابن شعيب
قلت وهذا فى الحكايتين مع حسنه فيه من أبى الحسن استعمال للمسألة المشهورة فيمن أتى فى الصلاة بشىء من نظم القرآن قاصدا للقراءة وشىء آخر فإن صلاته لا تبطل على الأصح ولو قصد ذلك الشىء الآخر وحده لبطلت
وقال محمد بن طاهر المقدسى كان للدارقطنى مذهب فى التدليس خفى يقول فيما لم يسمعه من أبى القاسم البغوى قرىء على أبى القاسم البغوي حدثكم فلان
توفى الدارقطنى يوم الخميس لثمان خلون من ذى القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة
قال أبو نصر بن ماكولا رأيت فى المنام كأنى أسأل عن حال الدارقطنى فى الآخرة فقيل لى ذاك يدعى فى الجنة الإمام
230
على بن محمد بن مهدى أبو الحسن الطبرى
تلميذ الشيخ أبى الحسن الأشعرى صحبه بالبصرة وأخذ عنه
وكان من المبرزين فى علم الكلام والقوامين بتحقيقه وله كتاب تأويل الأحاديث


"""
صفحة رقم 467 """
المشكلات الواردات فى الصفات وكان مفتنا فى أصناف العلوم
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحسن الأسدى كان شيخنا وأستاذنا أبو الحسن على بن مهدى الطبرى الفقيه مصنفا للكتب فى أنواع العلوم مفتنا حافظا للفقه والكلام والتفاسير والمعانى وأيام العرب فصيحا مبارزا فى النظر ما شوهد فى أيامه مثله انتهى
قوله ابن مهدى ربما أوهم أن مهديا أبوه وكذا وقع فى طبقاتى الوسطى والصغرى ثم تحققت أنه جده وأن أباه محمد
وقد ذكر العبادى هذا الشيخ فى طبقة القفال الشاشى وقال فيه صاحب الأصول والعلم الكثير
وترجمة الحافظ ابن عساكر فى كتاب التبيين ولم أر من أرخ وفاته
أنشدنا يحيى بن فضل الله العمرى فى كتابه عن مكي بن علان أن أبا القاسم الحافظ أنبأه قال أخبرنا نصر الله المصيصى أخبرنا على بن ابى العلاء المصيصى أخبرنا أبو الحسن محمد بن إبراهيم الفارقى المعروف بابن الضراب أخبرنا أبو سعد المالينى أنشدنا أبو الحسن على بن محمد بن مهدى الطبرى لنفسه
ما ضاع من كان له صاحب
يقدر أن يصلح من شأنه
فإنما الدنيا بسكانها
وإنما المرء بإخوانه


"""
صفحة رقم 468 """
وقال وأنشدنى أبو الحسن بن مهدى لنفسه أيضا
إن الزمان زمان سو
وجميع هذا الخلق بو
ذهب الكرام بأسرهم
وبقيت فى ليت ولو
فإذا سألت عن الندى
فجوابهم عن ذاك وو
231
على بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن بشر أبو الحسن الأنطاكى المقرىء
كان بصيرا بالعربية والقراءات والحساب وله حظ من الفقه
دخل بلاد الأندلس وكان عيشه من غزل جاريته
ولد بأنطاكية سنة تسع وتسعين ومائتين ومات بقرطبة فى ربيع الأول سنة سبع وسبعين وثلاثمائة
232
عمرو بن أحمد بن محمد بن الحسن أبو أحمد الإستراباذى الفقيه
تفقه بمصر على منصور بن إسماعيل الفقيه
وسمع الحديث من أبيه أحمد بن محمد بن الحسن ومن هميم بن همام وعمران بن موسى بن مجاشع وأبى خليفة وعبد الله بن ناجية وابن قتيبة العسقلانى


"""
صفحة رقم 469 """
روى عنه أبو سعد عبد الرحمن الإدريسى
وله مصنف فى الفقه وشعر كثير
توفى سنة ثنتين وستين وثلاثمائة
233
عمر بن أحمد بن عمر بن سريج الشيخ أبو حفص
ولد أبي العباس بن سريج
ذكره الأصحاب فيما إذا كانت النجاسة الواقعة فى الماء ميتة لا نفس لها سائلة ففيها قولان مشهوران أصحهما أنها لا تنجس الماء
قال الأصحاب تفريعا على الأصح فلو كثر هذا الحيوان الذى لا نفس له سائلة فغير الماء فهل ينجسه فيه وجهان أصحهما أنه ينجسه
قال الشيخ أبو حامد والبندنيجى والمحاملى فى المجموع وأبو عاصم العبادى فى الطبقات وصاحب العدة وغيرهم هذان الوجهان حكاهما أبو حفص عمر بن أبى العباس بن سريج عن أبيه


"""
صفحة رقم 470 """
234
عمر بن أكثم بن أحمد بن حبان بن بشر أبو بشر الأسدى
قاضى بغداد فى أيام المطيع لله
قال الخطيب لم يل القضاء ببغداد من الشافعية أحد قبله غير أبى السائب القاضى
وكان من بيت قضاء ورياسة
توفى فى عشر الثمانين سنة سبع وخمسين وثلاثمائة
235
عمر بن عبد الله بن موسى الإمام الكبير أبو حفص ابن الوكيل الباب شامى
من متقدمى أصحابنا ومن أئمة أصحاب الوجوه
ذكره المطوعى فقال فقيه جليل الرتبة من نظراء أبى العباس وأصحاب الأنماطى وممن تكلم وتصرف فيها فأحسن ما شاء ثم هو من كبار المحدثين والرواة وأعيان النقلة يشهد له بهذا كتبة الحديث ويقال إن المقتدر استقضاه على بعض كور الشام فلذلك عرف بالباب شامى لطول مقامه بها انتهى
ومن خط ابن الصلاح نقلته


"""
صفحة رقم 471 """
وقال ابن السمعانى الباب شامى بالألف بين البائين المنقوطتين بواحدة وفتح الشين المعجمة وفى آخرها الميم نسبة إلى باب الشام وهى إحدى المحال الأربعة المشهورة القديمة بالجانب الغربى من بغداد
قلت وأرى هذا فى نسبته أصح مما قاله المطوعى
236
عمر بن محمد أبو غانم
ملقى ابن سريج فيما أحسب كالمعيد الآن أو كالقارىء على المدرس أو المستملى على المملى
وهو الذى كانت به لثغة يسيرة وكان بابن سريج مثلها فلما انتهى إلى مسألة إمامة الألثغ استحيى أن يقول لابن سريج هل تصح إمامتك فقال هل تصح إمامتى فقال له ابن سريج نعم وإمامتى أيضا
نقل ذلك الرويانى فى البحر وغيره ونقل فى البحر أيضا فى مسألة ما إذا رعف الإمام المسافر فى الصلاة وخلفه مسافرون ومقيمون عن أبى غانم المشار إليه تأويلا فى تفاريع المسألة


"""
صفحة رقم 472 """
237
الفضل بن محمد بن الحسين أبو بشر بن أبى عبد الله الجرجانى
قال فيه أبو حفص المطوعى فاضل ملء ثوبه مفضل ملء كفه ضارب فى الإسماعيلية بعروقه
قلت يعنى بيت أبى بكر الإسماعيلى
وذكره أبو عاصم العبادى فقال ومنهم القاضى أبو بشر الإسماعيلى وهو الحاكى فى المبيع وفيه خيار الرؤية إذا مات أحد المتعاقدين أو جن قبل الرؤية أنه ينفسخ العقد
238
القاسم بن محمد بن على الشاشى صاحب التقريب
الإمام الجليل أحد أئمة الدنيا ولد الإمام الجليل القفال الكبير
ذكره العبادى فى الطبقات وقال مشهور الفضل يشهد بذلك كتابه قال وبه تخرج فقهاء خراسان وازدادت طريقة أهل العراق به حسنا


"""
صفحة رقم 473 """
وقال أبو حفص عمر بن على المطوعى المنجبون من فقهاء أصحابنا أربعة أبو بكر الإسماعيلى حيث ولد ابنه أبا سعد والإمام أبو سهل حيث ولد ابنه الإمام ابن الإمام إلى أن قال وأبو بكر القفال حيث حظى من نسله بالولد النجيب الذى ينسب إليه كتاب التقريب وأبو جعفر الحناطى حيث رزق مثل الشيخ أبى عبد الله ولدا رضيا نجلا زكيا
وقال حمزة السهمى فى تاريخ جرجان فى ترجمة الحليمى إن الحليمى قال علق عنى القاسم بن أبى بكر القفال صاحب التقريب أحد عشر جزءا من الفقه
قلت وفيما حكيناه دليل على ما لاشك فيه من أن القاسم هو صاحب التقريب وفى التذنيب لأبى القاسم الرافعى أن بعض الناس وهم فتوهم أن صاحب التقريب والده
قلت وأورث هذا الوهم الرافعى بعض شك من أجل ذلك قال وقد ذكره وهو القاسم إن شاء الله
وهذا الظن الذى ظنه بعض الناس من أن التقريب لأبيه متقدم الزمان فإن المطوعى ذكره فى كتابه فى ترجمة القفال بل كلامه كالمرجح لأن التقريب للوالد دون الولد وذلك فى ترجمة الوالد حيث قال أما التصنيف فهو يعنى القفال نظام عقده ونظام شمله يشهد بذلك كتابه المترجم بالتقريب وإن كان بعض الناس ينسبه إلى والده النجيب
انتهى ومن خط ابن الصلاح نقلته لكنه مدافع بقوله الذى حكيناه فى ترجمة القاسم هذا أن التقريب له وهو الصحيح


"""
صفحة رقم 474 """
والتقريب من أجل كتب المذهب ذكره الإمام أبو بكر البيهقى فى رسالته إلى الشيخ أبى محمد الجوينى بعد ما حث على حكاية ألفاظ الشافعى وألفاظ المزنى وقال لم أر أحدا منهم يعنى المصنفين فى نصوص الشافعى رضى الله عنه فيما حكاه أوثق من صاحب التقريب وهو فى النصف الأول من كتابه أكثر حكاية لألفاظ الشافعى منه فى النصف الأخير قال وقد غفل فى النصفين جميعا مع اجتماع الكتب له أو أكثرها وذهاب بعضها فى عصرنا عن حكاية ألفاظ لابد لنا من معرفتها لئلا نجترئ على تخطئة المزنى فى بعض ما نخطئه فيه وهو عنه برئ ولنتخلص بها عن كثير عن تخريجات أصحابنا انتهى
وقد كان القاسم جليل المقدار فى حياة أبيه يدل على ذلك ما ذكره الأصحاب فى كتاب الرضاع عن الحليمى فى فروع الاختلاط من قول الحليمى هذا شئ استنبطته أنا وكان فى قلبى منه شئ فعرضته على القفال الشاشى وابنه القاسم فارتضياه فسكنت ثم وجدته لابن سريج فسكن قلبى إليه كل السكون
قلت وقفت على نحو الثلث أو أكثر من أوائل كتاب التقريب


"""
صفحة رقم 475 """
ومن المسائل والفوائد عن صاحب التقريب
ذكر الإمام فى النهاية فى باب قتل المرتد أن صاحب التقريب قال فى الأسير إذا أكره على التلفظ بالكفر وعاد إلى بلاد الإسلام وعرض عليه الإسلام فأبى إنا نحكم بردته قال فإنه قد انضم امتناعه الآن إلى ما سبق منه من لفظ الكفر فدل أنه كان مختارا قال وقطع صاحب التقريب بهذا وهو الذى ذكره العراقيون قال وفيه احتمال عندى ظاهر فإنه لم يسبق منه اختيار وحكم الإسلام كان مستمرا له والمسلم لا يكفر بمجرد الامتناع عن تجديد الإسلام انتهى ملخصا
وتبع الغزالى فى الوسيط إمامه فى استشكال هذا وحكاه الرافعى عن الإمام ساكتا عليه بعد ما ذكر أن المنقول أنه إذا أبى يحكم بردته كما قال صاحب التقريب والعراقيون
قال ابن الرفعة والنظر الذى أبداه الإمام مندفع بما قرره صاحب التقريب فإنه قال قد انضم امتناعه الآن إلى ما سبق منه من لفظ الكفر فدل أنه كان مختارا فى ابتداء اللفظ ومن أكره على شئ فخطر له أن يأتى به مختارا فلا حكم للإكراه فإذا سبق منه اللفظ ولحق الامتناع عن التلفظ بالإسلام كان ذلك آية بينة فى أنه كان مختارا عند لفظه وفارق المسلم الذى لم يصدر منه كلمة الكفر حيث لا يجعل بالامتناع عن النطق بكلمة الإسلام مرتدا لأنه لم يسبق منه شئ يجوز أن يكون كفرا يقرره الامتناع ولا يقال لكم خلاف فى المكره على التلفظ بالطلاق إذا نواه هل يقع به فينبغى إجراؤه هنا لأنا نقول من لم يوقعه اعتل بأن اللفظ هو الذى يقع به الطلاق وهو مكره عليه فلم يبق إلا نية مجردة وهى لا يقع بها الطلاق ولا كذلك الردة لأنها تحصل بمجرد النية انتهى


"""
صفحة رقم 476 """
قلت وما ذكره عن التقريب إلى قوله عند لفظه مذكور فى النهاية وقوله وفارق المسلم إلى آخره هذا بحث ابن الرفعة ويلوح فى بادئ النظر حسنه إلا أنى تأملت بعد ما استبعدت خفاء مثل هذا الفرق على الإمام لا سيما وكلام صاحب التقريب مسطور فى النهاية فظهر لى فى جوابه ما أرجو أنه الحق فأقول
قال الرافعى أطلق أكثرهم العرض يعنى عرض الإسلام على الأسير إذا عاد إلى بلاد الإسلام وشرط له ابن كج ألا يؤم الجماعات ولا يقبل على الطاعات بعد العود إلينا فإن فعل ذلك أغنانا عن العرض
قلت وممن أطلق ولم يذكر ما شرطه ابن كج الإمام والذى أعتقده أنه إنما يقول ليس الامتناع عن التجديد دليلا على الكفر فى ممتنع يؤم الجماعات ويلزم الطاعات كسائر المسلمين فذاك هو الذى لا يكون امتناعه دالا على الكفر لأن فى فعله أفعال المسلمين دلالة بينة على أن تلك اللفظة لم تكن عن اختيار
أم نقول ذلك فى ممتنع أول رجوعه إلى بلاد الإسلام لم يعرف منه مفارقة مظان الطاعات أما من عرف منه أن لا يشهد جماعات المسلمين ولا يؤم مساجدهم فلا شك أن امتناعه دليل كفره وليس كالمسلم المستمر فإن هذا صدر منه سبب ظاهر مقترن بأفعال ظاهرة غير أنى لا أعتقد أن الإمام يخالف فى هذا
فإن قلت وملازم الجماعات لا خلاف فيه كما ذكر ابن كج
قلت هذا الذى ذكره ابن كج قد عرفناك أن الأكثرين ومنهم الإمام لم يذكروه فخرج من هذا أن الممتنع عن التجديد مع الإباء عن مشاهد المسلمين كافر قطعا والممتنع مع شهود جماعات المسلمين أو من غير أن يظهر منه خلاف ذلك هو الذى يقول الإمام لا يكون امتناعه دليل كفره


"""
صفحة رقم 477 """
إذا أقر بمجمل ولم يفسره فهل يوقف من ماله أقل متمول أو جميع ماله قيل فيه القولان فيما إذا مات
وقال القاسم يحتمل أن يوقف فى حال الحياة أقل الأشياء وبعد الوفاة جميع التركة هذا لفظ أدب القضاة لشريح الرويانى
وقول القاسم وهو صاحب التقريب حسن لأن التركة مرهونة بالدين وإن قل عنها على المذهب
قال القاسم فيما إذا شهد واحد بألف وآخر بألفين إن المدعى لا يأخذ الألف إلا بيمين
قال العبادى وهو غريب
قلت لا شك فى غرابته إن وقعت الدعوى بألفين واستشهاد كل من الشاهدين بما يعرفه أما إذا وقعت بألف فشهد واحد بألفين فهى مبادرة وفيها خلاف
وللوالد على شبه المسألة كلام ذكرناه بمزيد بسط فى النقل والتفقه فى كتاب ترشيح التوشيح
239
محارب بن محمد بن محارب أبو العلاء القاضى
توفى فى جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وثلاثمائة
ذكره ابن باطيش


"""
صفحة رقم 478 """
240
منصور بن إسماعيل أبو الحسن التميمى
الفقيه الشاعر الضرير المصرى أحد أئمة المذهب
قال الشيخ أبو إسحاق أخذ الفقه عن أصحاب الشافعى وأصحاب أصحابه وله مصنفات فى المذهب مليحة منها الواجب والمستعمل والمسافر والهداية وغيرها من الكتب وله شعر مليح وهو القائل
عاب التفقه قوم لا عقول لهم
وما عليه إذا عابوه من ضرر
ما ضر شمس الضحى والشمس طالعة
ألا يرى ضوءها من ليس ذا بصر
قلت وذكر الحاكم أبو عبد الله فى ترجمة الحافظ أبى على النيسابورى أنه سمعه يقول سمعت منصور بن إسماعيل بمصر ينشد لنفسه
قلت وقد أوردهما الخطابى عنه فى كتاب العزلة
قد قلت إذ مدحوا الحياة فأكثروا
للموت ألف فضيلة لا تعرف
منها أمان لقائه بلقائه
وفراق كل مصاحب لا ينصف
قال الحاكم قال أبو على رأيت منصورا وقد عمى وربما كان يركب حمارا فارها


"""
صفحة رقم 479 """
وقال القضاعى أصله من رأس عين وكان فقيها متصرفا فى كل علم شاعرا مجودا لم يكن فى زمانه مثله
وذكر ابن يونس فى تاريخ مصر أنه كان جنديا قبل أن يعمى
توفى منصور سنة ست وثلاثمائة
ومن الحكايات والأشعار والفوائد والغرائب عنه
كانت له قضية مع القاضى أبى عبيد بن حربويه طالت وعظمت
وذلك أنه كان خاليا به فجرى ذكر نفقة الحامل المطلقة ثلاثا فقال أبو عبيد زعم زاعم أن لا نفقة لها فأنكر منصور ذلك وقال أقائل هذا من أهل القبلة ثم انصرف منصور وحدث الطحاوى فأعاده على أبى عبيد فأنكره أبو عبيد فقال منصور أنا أكذبه قال أبو بكر بن الحداد حضر منصور فتبينت فى وجهه الندم على حضوره ولولا عجلة القاضى بالكلام لما تكلم منصور ولكن قال القاضى ما أريد أحدا يدل على لا منصور ولا نصار يحكون عنا ما لم نقل فقال منصور قد علم الله أنك قلت فقال كذبت فقال قد علم الله من الكاذب ونهض وهو أعمى فما جسر أحد من هيبة القاضى أن يأخذ بيده إلا ابن الحداد وكانت بينه وبين ابن الحداد مقاطعة فشكر له هذا الصنيع وقال له أحسن الله جزاك وشكر فعلك وأخذ بيدك يوم فاقتك إليه
ثم إن ابن الحداد أشار عليه بالرجوع إلى القاضى والاعتذار فرجع فلم يمكنه الحاجب من الدخول إليه ودفع فى ظهره وقال لا سبيل لك إلى هذا ثم تعصب لمنصور خلق كثيرون كانوا يعتقدونه وتحامل عليه آخرون منهم محمد بن الربيع الجيزى وكان من جلة شهود مصر
قال ابن الحداد سمع محمد بن الربيع منصورا يقول مقالة يحكيها عن النظام فنسبها إلى منصور وشهد عليه بها عند القاضى فهلع منصور وبلغه أن القاضى قال


"""
صفحة رقم 480 """
إن شهد عندى شاهد آخر مثل محمد بن الربيع ضربت عنق منصور فلزم منصور جامع ابن طولون يأتى كل يوم فلا يخرج منه إلى المساء محزونا مغموما وماج الناس وكثر الكلام حتى قال بنان العابد الزاهد يا قوم ما فى هذا البلد من يتوسط بين هذا القاضى وبين هذا الشيخ فقيل له فأنت فقال ما أكمل لهذا ولم يمض على منصور إلا أيام يسيرة وتوفى وعزم القاضى أبو عبيد على أن يصلى عليه فبلغه أن خلقا من العسكر والجند حملوا السلاح وتهيأوا لقتل القاضى إن هو صلى عليه فتأخر عن الصلاة عليه
وقيل كان حول جنازته مائتا سيف وآلاف من السكاكين وأظهر الناس فى الجنازة سب أبى عبيد وقذفه
وقيل إن منصورا أنشد عند موته
قضيت نحبى فسر قوم
حمقى بهم غفلة ونوم
كأن يومى على حتم
وليس للشامتين يوم
فبلغ ذلك القاضى أبا عبيد فنكث بيده الأرض وقال
تموت قبلى ولو بيوم
ونحن يوم النشور توم
فقد فرحنا وقد سررنا
وليس للشامتين لوم
والله أعلم بصحة ذلك
وقيل إن أبا عبيد ندم على ما جرى منه وأسف على ما فاته من منصور وكان أبو بكر بن الحداد رحمه الله يقول لو شئت لقلت إن دية منصور على عاقلة القاضى


"""
صفحة رقم 481 """
يريد أن أبا عبيد قاتله خطأ فإن منصورا بلغت منه نكاية أبى عبيد حتى جاءت على نفسه
ومن شعر منصور فى علته وإنما يعنى أبا عبيد
يا شامتا بى لأن هلكت
لكل حى مدى ووقت
وللمنايا وإن تناءت
بالموت ياذا الشمات بغت
وأنت فى غفلة المنايا
تخاف منها الذى أمنت
والكأس ملأى وعن قليل
تشرب منها كما شربت
وقال
تغابن الأيام تقدير
وأخذها جد وتشمير
كتب إلى أحمد بن أبى طالب عن محمد بن محمود الحافظ أخبرنا ضياء بن أحمد بن أبى على أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقى أخبرنا القاضى أبو المظفر هناد بن إبراهيم أنشدنى الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادى بنيسابور قال أنشدنا أبو أحمد بن عدى الحافظ قال أنشدنى منصور بن إسماعيل الفقيه لنفسه
من كفاه من مساعيه
رغيف يغتذيه
وله بيت يواريه
وثوب يكتسيه
فعلى م يبذل الوجه
لذى كبر وتية
وعلى م يبذل العرض
لمخلوق سفيه


"""
صفحة رقم 482 """
قال الحافظ أبو بكر الخطيب في كتاب القول فى النجوم حدثنى أبو عبد الرحمن محمد بن يوسف بن أحمد القطان النيسابورى قال أنشدنا أبو على صالح بن إبراهيم ابن محمد بن رشدين المصرى قال أنشدنى أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن مهاجر الكاتب قال أنشدنى منصور الفقيه لنفسه
من كان يخشى زحلا
أو كان يرجو المشترى
فإننى منه وإن
كان أبى الأدنى برى
قال وحدثنى محمد بن يوسف أنشدنا ابن رشد بن أسد بن أبى مهاجر أنشدنى منصور الفقيه لنفسه
إذا كنت تزعم أن النجوم
تضر وتنفع من تحتها
فلا تنكرن على من يقول
بأنك بالله أشركتها
قال الخطيب ولمنصور أيضا فيما بلغنى بغير هذا الإسناد
ليس للنجم إلى ضر م
ولا نفع سبيل
إنما النجم على الأوقات
والسمت دليل
أورد الحاكم فى ترجمة جعفر بن محمد بن الحارث أبى محمد المراغى من شعر منصور
الناس بحر عميق
والبعد عنهم سفينة
وقد نصحتك فانظر
لنفسك المسكينة
قلت ومن شعره أيضا
لى حيلة فيمن ينم م
وليس فى الكذاب حيله


"""
صفحة رقم 483 """
من كان يخلق ما يقول
فحيلتى فيه قليله
ومنه
الكلب أعلى قيمة
وهو النهاية فى الخساسه
ممن ينازع فى الرياسة
قبل أوقات الرياسة
ومنه وقد ذكره الخطابى فى كتاب العزلة
ليس هذا زمان قولك ما الحكم
على من يقول أنت حرام
والحقى بائنا بأهلك أو أنت
عتيق محرم يا غلام
ومتى تنكح المصابة فى العدمة
عن شبهة وكيف الكلام
فى حرام أصاب سن غزال
فتولى وللغزال بغام
إنما ذا زمان كدح إلى الموت
وقوت مبلغ والسلام
وقال وذكره الخطابى أيضا عنه
لولا بناتى وسيآتى
لذبت شوقا إلى الممات
لأننى في جوار قوم
بغضنى قربهم حياتى
وقال وأورده الخطابى أيضا
قد قلت إذ مدحوا الحياة فأكثروا
للموت ألف فضيلة لا تعرف
منها أمان لقائه بلقائه
وفراق كل معاشر لا ينصف


"""
صفحة رقم 484 """
241
هارون بن محمد بن موسى الجوينى الآزاذوارى وآزاذوار بمد الألف وفتح الزاى وسكون الذال المعجمة وفى آخرها الراء من قرى جوين من نواحى نيسابور الفقيه الأديب أبو موسى
قال الحاكم سمع بنيسابور أبا عبد الله البوشنجى وأقرانه وكتب بالرى وبغداد قبل العشر والثلاثمائة وكان إذا ورد البلد يعنى نيسابور تهتز مشايخنا لوروده
ثم روى الحاكم عنه حديثا واحدا ولم يزد فى ترجمته على ذلك
242
يحيى بن أحمد بن محمد بن حسن النيسابورى أبو عمرو المخلدى
كان فقيها إماما عابدا كثير التلاوة
حدث عن مؤمل بن الحسن الماسرجس وابنى الشرقى ومكي بن عبدان وأقرانهم
قال الحاكم وحدث بكتاب التاريخ لأبى بكر بن أبى خيثمة عن ذاك الشيخ الواسطى عنه قال وكان من مشايخ أهل البيوتات ومن العباد المجتهدين ومن قراء القرآن العظيم وكان ختن يحيى بن منصور القاضى على ابنته
روى عنه الحاكم وقال توفى فى شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وهو ابن ثمان وسبعين سنة


"""
صفحة رقم 485 """
243
يحيى بن أحمد أبو زكريا بن أبى طاهر السكرى
أحد أئمة أصحابنا
ذكره الحاكم وقال كان من صالحى أهل العلم والمناظرين على مذهب الشافعى
تفقه عند أبى الوليد وبه تخرج وكان يدرس نيفا وثلاثين سنة
سمع الإمام أبا بكر محمد بن إسحاق الصبغى وأبا العباس محمد بن يعقوب وأقرانهما وخرج له الفوائد وحدث
توفى فى الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة
244
يحيى بن محمد بن عبد الله بن العنبر بن عطاء بن صالح بن محمد ابن عبد الله بن سفيان السلمى مولى بنى حرب أبو زكريا العنبرى السلمى
أحد الأئمة
سمع أبا عبد الله البوشنجى وإبراهيم بن أبى طالب والحسين بن محمد القبانى وطائفة


"""
صفحة رقم 486 """
روى عنه أبو على النيسابورى الحافظ وأبو بكر بن عبدش وهما من أقرانه وأبو الحسن الحجاجى والحاكم أبو عبد الله وغيرهم
قال الحاكم فيه العدل الأديب المفسر الأوحد بين أقرانه قال وسمعت أبا على الحافظ غير مرة يقول الناس يتعجبون من حفظنا لهذه الأسانيد وأبو زكرياء العنبرى يحفظ من العلوم ما لو كلفنا حفظ شئ منها لعجزنا عنه وما أعلم أنى رأيت مثله
قال الحاكم اعتزل أبو زكريا الناس وقعد عن حضور المحافل بضع عشرة سنة وأطال الحاكم فى ترجمة العنبرى وذكر أنه توفى فى الثانى والعشرين من شوال سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وهو ابن ست وسبعين سنة ثم إنه سمعه يقول الشفق الحمرة لأن اشتقاقه من الخجل والخوف قال الله تعالى ) إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ( أى خائفون


"""
صفحة رقم 487 """
245
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد النيسابورى
الحافظ الكبير الجليل صاحب المسند الصحيح المخرج على كتاب مسلم أبو عوانة الإسفراينى النيسابورى
سمع بخراسان والعراق والحجاز واليمن والشام والثغور والجزيرة وفارس وأصبهان ومصر
وهو أول من أدخل مذهب الشافعى إلى أسفراين أخذه عن المزنى والربيع
سمع محمد بن يحيى ومسلم بن الحجاج ويونس بن على الأعلى وعمر بن شبة وعلى بن حرب وعلى بن إشكاب وسعدان بن نصر وخلقا سواهم
روى عنه أحمد بن على الرازى الحافظ وأبو على النيسابورى وعبد الله بن عدى والطبرانى وأبو بكر الإسماعيلى وخلق آخرهم ابن أخته أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراينى


"""
صفحة رقم 488 """
قال الحاكم أبو عوانة من علماء الحديث وأثباتهم سمعت ابنه محمدا يقول إنه توفى سنة ست عشرة
قلت وذكر عبد الغافر بن إسماعيل أنه توفى سنة ثلاث عشرة والصحيح الأول
وعلى قبر أبى عوانة مشهد بأسفراين يزار قيل وهو بداخل البلد
246
يعقوب بن موسى أبو الحسن الأردبيلى
سكن بغداد وحدث بها عن المشايخ
توفى فى شهر ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة
247
يوسف بن القاسم بن يوسف بن فارس بن سوار أبو بكر الميانجى
قاضى دمشق ومسند الشام فى وقته
مولده قبل التسعين ومائتين وسمع أبا خليفة وأبا العباس السراج وزكريا الساجى


"""
صفحة رقم 489 """
وعبدان الأهوازى ومحمد بن جرير والقاسم المطرز والباغندى وخلائق
روى عنه ابن أخيه صالح بن أحمد وأحمد بن الحسن الطيان وأحمد بن سلمة ابن كامل وعبد الوهاب الميدانى وأبو سليمان بن زبر مع تقدمه وخلق
وناب فى القضاء بدمشق عن قاضى مصر والشام أبى الحسن على بن النعمان
توفى في شعبان سنة خمس وسبعين وثلاثمائة آخر الطبقة الثالثة==

ج4.""" صفحة رقم 3 """
بسم الله الرحمن الرحيم
الطبقة الرابعة فيمن توفي بين الأربعمائة والخمسمائة
"""
صفحة رقم 4 """
صفحة فارغة
"""
صفحة رقم 5 """
248
أحمد بن إسحاق بن جعفر بن أحمد بن أبي أحمد بن جعفر ابن محمد بن هارون أبو العباس أمير المؤمنين القادر بالله
وجده جعفر هو المقتدر بن المعتضد بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد
مولده في سنة ست وثلاثين وثلاثمائة
وأمه تمنى مولاة عبد الواحد بن المقتدر
بويع بالخلافة عند القبض على الطائع في حادى عشر رمضان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة
وكان أبيض كث اللحية طويلها يخضب شيبه
وقد تفقه على أبي بشر أحمد بن محمد الهروي الشافعي
قال الخطيب كان من الديانة وإدامة التهجد وكثرة الصدقات على صفة
"""
صفحة رقم 6 """
اشتهرت عنه وصنف كتابا في الأصول كان يقرأ كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي
واستمر في الخلافة إلى أن مات
مدة خلافته إحدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر
توفي ليلة الاثنين حادي عشر ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وصلى عليه ولده الخليفة القائم والخلق وراءه وكبر أربعا
وعاش القادر سبعا وثمانين سنة إلا شهرا وثمانية أيام
249
أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص بن مسلم ابن يزيد القاضي أبو بكر بن أبي علي ابن الشيخ المحدث أبي عمرو الحيري
مولده سنة خمس وعشرين وثلاثمائة
تفقه على الأستاذ أبي الوليد النيسابوري
ودرس الكلام والأصول على أصحاب الشيخ أبي الحسن الأشعري
وسمع أبا علي محمد بن أحمد الميداني وحاجب بن أحمد وأبا العباس الأصم وأبا سهل بن زياد وأبا أحمد بن عدي وغيرهم بنيسابور ومكة وبغداد والكوفة وجرجان
روى عنه أبو عبد الله الحاكم وهو أكبر منه والإمامان أبو بكر الخطيب
"""
صفحة رقم 7 """
والبيهقي وأبو صالح المؤذن وأسعد بن مسعود العتبي وخلائق آخرهم موتا عبد الغفار بن محمد الشيرويى
وكان كبير خراسان رياسة وسؤددا وثروة وعلما وعلو إسناد ومعرفة بمذهب الشافعي
ولى قضاء نيسابور
قال عبد الغافر وأصابه وقر في آخر عمره
توفي في شهر رمضان سنة إحدى وعشرين وأربعمائة
250
أحمد بن الحسين بن أحمد بن جعفر أبو حامد الفقيه الهمذاني أحد أئمتنا
روى عن أبيه ومحمد بن عيسى وأبي نصر أحمد بن الحسين الكسار وجعفر بن محمد الحسيني
قال شيرويه سمعت منه وكان أحد مشايخ البلد ومفتيه
مات سادس عشرى صفر سنة إحدى وتسعين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 8 """
251
أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى الحافظ أبو بكر البيهقي النيسابوري الخسروجردي
وخسروجرد بضم الخاء المعجمة وسكون السين المهملة وفتح الراء وسكون الواو وكسر الجيم وسكون الراء وفي آخرها الدال المهملة قرية من ناحية بيهق
كان الإمام البيهقي أحد أئمة المسلمين وهداة المؤمنين والدعاة إلى حبل الله المتين
فقيه جليل حافظ كبير أصولي نحرير زاهد ورع قانت لله قائم بنصرة المذهب أصولا وفروعا جبلا من جبال العلم
ولد في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة
وسمع الكثير من أبي الحسن محمد بن الحسين العلوي وهو أكبر شيخ له ومن أبي طاهر الزيادي وأبي عبد الله الحاكم والبيهقي أجل أصحاب الحاكم ومن أبي عبد الرحمن السلمي وأبي بكر بن فورك وأبي علي الروذباري وأبي زكريا المزكي وخلق من أصحاب الأصم
وحج فسمع ببغداد من هلال الحفار وأبي الحسين بن بشران وجماعة
وبمكة من أبي عبد الله بن نظيف وغيره بخراسان والعراق والحجاز والجبال
"""
صفحة رقم 9 """
وشيوخه أكثر من مائة شيخ ولم يقع له الترمذي ولا النسائي ولا ابن ماجه
روى عنه جماعة كثيرة منهم ولده إسماعيل وحفيده أبو الحسن عبيد الله بن محمد ابن أبي بكر وأبو عبد الله الفراوي وزاهر بن طاهر وعبد الجبار بن محمد الخواري وآخرون
وأخذ الفقه عن ناصر العمري
وقرأ علم الكلام على مذهب الأشعري
ثم اشتغل بالتصنيف بعد أن صار أوحد زمانه وفارس ميدانه وأحذق المحدثين وأحدهم ذهنا وأسرعهم فهما وأجودهم قريحة وبلغت تصانيفه ألف جزء ولم يتهيأ لأحد مثلها
أما السنن الكبير فما صنف في علم الحديث مثله تهذيبا وترتيبا وجودة
وأما المعرفة معرفة السنن والآثار فلا يستغنى عنه فقيه شافعي وسمعت الشيخ الإمام رحمه الله يقول مراده معرفة الشافعي بالسنن والآثار
وأما المبسوط في نصوص الشافعي فما صنف في نوعه مثله
وأما كتاب الأسماء والصفات فلا أعرف له نظيرا
وأما كتاب الإعتقاد وكتاب دلائل النبوة وكتاب شعب الإيمان وكتاب مناقب الشافعي وكتاب الدعوات الكبير فأقسم ما لواحد منها نظير
وأما كتاب الخلافيات فلم يسبق إلى نوعه ولم يصنف مثله وهو طريقة مستقلة حديثية لا يقدر عليها إلا مبرز في الفقه والحديث قيم بالنصوص
"""
صفحة رقم 10 """
وله أيضا كتاب مناقب الإمام أحمد وكتاب أحكام القرآن للشافعي وكتاب الدعوات الصغير وكتاب البعث والنشور وكتاب الزهد الكبير وكتاب الإعتقاد وكتاب الآداب وكتاب الأسرى وكتاب السنن الصغير وكتاب الأربعين وكتاب فضائل الأوقات وغير ذلك
وكلها مصنفات نظاف مليحة الترتيب والتهذيب كثيرة الفائدة يشهد من يراها من العارفين بأنها لم تتهيأ لأحد من السابقين
وفي كلام شيخنا الذهبي أنه أول من جمع نصوص الشافعي وليس كذلك بل هو آخر من جمعها ولذلك استوعب أكثر ما في كتب السابقين ولا أعرف أحدا بعده جمع النصوص لأنه سد الباب على من بعده
وكانت إقامته ببيهق ثم استدعي إلى نيسابور ليقرأ عليه كتابه المعرفة فحضر وقرئت عليه بحضرة علماء نيسابور وثنائهم عليها
قال عبد الغافر كان على سيرة العلماء قانعا من الدنيا باليسير متجملا في زهده وورعه عاد إلى الناحية في آخر عمره وكانت وفاته بها
وقال شيخنا الذهبي كان البيهقي واحد زمانه وفرد أقرانه وحافظ أوانه
قال ودائرته في الحديث ليست كبيرة بل بورك له في مروياته وحسن تصرفه فيها لحذقه وخبرته بالأبواب والرجال
وقال إمام الحرمين ما من شافعي إلا وللشافعي في عنقه منة إلا البيهقي
"""
صفحة رقم 11 """
فإنه له على الشافعي منة لتصانيفه في نصرته لمذهبه وأقاويله
وقال شيخ القضاة أبو علي ولد البيهقي حدثني والدي قال حين ابتدأت بتصنيف هذا الكتاب يعني معرفة السنن والآثار وفرغت من تهذيب أجزاء منه سمعت الفقيه أبا محمد أحمد بن علي يقول وهو من صالحي أصحابي وأكثرهم تلاوة وأصدقهم لهجة يقول رأيت الشافعي في المنام وفي يده أجزاء من هذا الكتاب وهو يقول قد كتبت اليوم من كتاب الفقيه أحمد سبعة أجزاء
أو قال قرأتها
قال وفي صباح ذلك اليوم رأى فقيه آخر من إخواني يعرف بعمر بن محمد في منامه الشافعي قاعدا على سرير في مسجد الجامع بخسروجرد وهو يقول استفدت اليوم من كتاب الفقيه أحمد كذا وكذا
قال شيخ القضاة وحدثنا والدي قال سمعت الفقيه أبا محمد الحسين بن أحمد السمرقندي الحافظ يقول سمعت الفقيه أبا بكر محمد بن عبد العزيز المروزي الجنوجردي يقول رأيت في المنام كأن تابوتا علا في السماء يعلوه نور فقلت ما هذا فقيل تصانيف البيهقي
قيل وكان البيهقي يصوم الدهر من قبل أن يموت بثلاثين سنة
توفي البيهقي رضي الله عنه بنيسابور في العاشر من جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 12 """
وحمل إلى خسروجرد وهي أكبر بلاد بيهق فدفن هناك
ومن المسائل والفوائد عن البيهقي مسألة صوم رجب
ذكر البيهقي في فضائل الأوقات في الكلام على صوم رجب بعد ما ذكر حديث إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نهى عن صوم رجب كله وضعفه ثم قال إن صح فهو محمول على التنزيه لأن الشافعي قال في القديم وأكره أن يتخذ الرجل صوم شهر يكمله من بين الشهور كما يكمل رمضان قال وكذلك يوما من بين الأيام قال وإنما كرهته ألا يتأسى جاهل فيظن أن ذلك واجب وإن فعل فحسن
قال البيهقي فبين الشافعي جهة الكراهية ثم قال وإن فعل فحسن
وذلك لأن من العلم العام فيما بين المسلمين ألا يجب بأصل الشرع صوم غير صوم رمضان فارتفع بذلك معنى الكراهية
انتهى كلام البيهقي
قلت وهذه الزيادة وهي قول الشافعي وإن فعل فحسن لم أجدها في نصوص
"""
صفحة رقم 13 """
الشافعي المسمى ب جمع الجوامع لأبي سهل بن العفريس وهو كتاب حافل ذكر فيه هذا النص عن القديم وليس فيه هذه الزيادة ولو لم تكن ثابتة عند البيهقي لما ذكرها وهو من أعرف الناس بالنصوص وأصل النص على صوم رجب بكماله غريب والمنقول استحباب صيام الأشهر الحرم وأن أفضلها المحرم
وذكر النووي في الروضة من زياداته أن صاحب البحر قال أفضلها رجب
وليس كذلك إنما قال في البحر المحرم
وبالجملة هذا النص الذي حكاه البيهقي عن الشافعي فيه دلالة بينة على أن صوم رجب بكماله حسن وإذا لم يكن النهي عن تكميل صومه صحيحا بقي على أصل الاستحباب وفي ذلك تأييد لشيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام حيث قال من نهى عن صوم رجب فهو جاهل بمأخذ أحكام الشرع وأطال في ذلك
قلت وسيأتي في ترجمة الإمام أبي بكر بن السمعاني والد الحافظ أبي سعد في ذلك شيء ولا ينبغي أن يحتج على البيهقي بما في سنن ابن ماجة من حديث ابن عباس نهى عن صوم رجب
فإنه قد قضى بعدم صحته
"""
صفحة رقم 14 """
لا يقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن
قال البيهقي في كتاب المعرفة قال الشافعي وأحب للجنب ألا يقرأ القرآن لحديث لا يثبته أهل الحديث
وقد سكت البيهقي على هذا النص المقتصر على المحبة ولم يذكر غيره وهو مذهب داود وقال به ابن المنذر من أصحابنا
والمعروف عندنا الجزم بالتحريم وهذا النص غريب
والحديث الذي أشار إليه الشافعي رضي الله عنه ربما يقع في الذهن أنه حديث لا يقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن ولكن ليس هو إياه بل إنما أشار الشافعي رضي الله عنه إلى حديث علي كرم الله وجهه كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا يحجبه عن قراءة القرآن شيء إلا أن يكون جنبا
فإن الشافعي رضي الله عنه ذكر هذا الحديث وقال إن يكن أهل الحديث يثبتونه
قال البيهقي وإنما توقف الشافعي في ثبوته لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة وإنما روى هذا الحديث بعد أن كبر قاله شعبة
وقد روى الحديث أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم
"""
صفحة رقم 15 """
ولفظ أبي داود إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يخرج من الخلاء فيقرينا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه أو قال يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة
ولفظ الترمذي كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقرئنا القرآن ما لم يكن جنبا
واعلم أن معتمد الجمهور على هذا الحديث وفيه مقال من جهة عبد الله بن سلمة فإنه لم يرو إلا من حديث عمرو بن مرة عنه عن علي وقد قيل في حديثه تعرف وتنكر لما ذكرناه
وعلى حديث لا يقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن
رواه الترمذي وابن ماجة من حديث إسماعيل بن عياش وهو ضعيف
ورواه الدارقطني من حديث موسى بن عقبة وهو أيضا ضعيف
وفي الباب أحاديث أخر ضعيفة وقد ينتهي مجموعها إلى غلبات الظنون وهي كافية في المسألة فالمختار ما عليه الجمهور
وقدمنا في خطبة هذا الكتاب حديثا مرسلا عن عبد الله بن رواحة وقضيته مع زوجته فيه دلالة على التحريم
"""
صفحة رقم 16 """
مسألة بيع المكاتب إذا رضي
ذكر البيهقي في سننه أن المكاتب يجوز بيعه إذا رضي ثم روى حديث بريرة قال قال الشافعي وإذا رضي أهلها بالبيع ورضيت المكاتبة بالبيع فإن ذلك ترك للكتابة انتهى
قلت وهذا غريب
252
أحمد بن الحسين الفناكي
بفتح الفاء وتشديد النون
الإمام أبو الحسين الرازي
من كبار أصحابنا
قال الشيخ أبو إسحاق ولد بالري
وتفقه على أبي حامد الإسفرايني وأبي عبد الله الحليمي وأبي طاهر الزيادي وسهل الصعلوكي
ودرس ببروجرد
ومات بها سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وكان ابن نيف وتسعين سنة
قلت عمر دهرا ورحل إلى بخارى إلى الحليمي وإلى غيره بغيرها
وقال ابن الصلاح رأيت له كتاب المناقضات ومضمونه الحصر والاستثناء شبه موضوع تلخيص ابن القاص
"""
صفحة رقم 17 """
قلت وفيه يقول الفناكي من اشترى شيئا شراء صحيحا لزمه الثمن إلا في مسألة واحدة وهي المضطر يشتري الطعام بثمن معلوم فإنه لا يلزمه الثمن وإنما تلزمه قيمته
ذكره أبو علي الطبري واحتج بأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نهى عن بيع المضطر
قلت وهذا وجه في المسألة صححه الروياني وفي وجه آخر جعله الرافعي الأقيس وصححه القاضي أبو الطيب أنه يلزمه المسمى وفي ثالث يفرق بين زيادة تشق على المضطر وزيادة لا تشق
ومحل الخلاف إذا لم يمكن المضطر الأخذ قهرا فإن أمكنه والتزم بالثمن لزمه المسمى بلا خلاف
والحديث المشار إليه في سنده مقال ثم في معناه وجهان ذكرهما الخطابي
253
أحمد بن سهل
أبو بكر النيسابوري السراج ولد سنة ثمان وأربعمائة
وروى عن محمد بن موسى الصيرفي وأبي بكر الحيري وغيرها
روى عنه أبو سعد محمد بن أحمد الخليلي النوقاني الحافظ وزاهر ووجيه ابنا الشحامي وعبد الخالق بن زاهر المذكور وجماعة
"""
صفحة رقم 18 """
وكان يحسن الكلام على فقه الحديث
توفي ليلة سابع عشرى رمضان سنة إحدى وتسعين وأربعمائة
254
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الإمام الجليل الحافظ أبو نعيم الأصبهاني الصوفي الجامع بين الفقه والتصوف والنهاية في الحفظ والضبط
ولد في رجب سنة ست وثلاثمائة بأصبهان
وهو سبط الشيخ الزاهد محمد بن يوسف البنا أحد مشايخ الصوفية
وأحد الأعلام الذين جمع الله لهم بين العلو في الرواية والنهاية في الدراية
رحل إليه الحفاظ من الأقطار
واستجاز له أبوه طائفة من شيوخ العصر تفرد في الدنيا عنهم
أجاز له من الشام خيثمة بن سليمان
ومن بغداد جعفر الخلدي
"""
صفحة رقم 19 """
ومن واسط عبد الله بن عمر بن شوذب
ومن نيسابور الأصم
وسمع سنة أربع وأربعين وثلاثمائة من عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس والقاضي أبي أحمد محمد بن أحمد العسال وأحمد بن معبد السمسار وأحمد بن محمد القصار وأحمد بن بندار الشعار وعبد الله بن الحسن بن بندار والطبراني وأبي الشيخ والجعابي
ورحل سنة ست وخمسين وثلاثمائة فسمع ببغداد أبا علي بن الصواف وأبا بكر بن الهيثم الأنباري وأبا بحر البربهاري وعيسى بن محمد الطوماري وعبد الرحمن والد المخلص وابن خلاد النصيبي وحبيبا القزاز وطائفة كثيرة
وسمع بمكة أبا بكر الآجري وأحمد بن إبراهيم الكندي
وبالبصرة فاروق بن عبد الكريم الخطابي ومحمد بن علي بن مسلم العامري وجماعة
وبالكوفة أبا بكر عبد الله بن يحيى الطلحي وجماعة
وبنيسابور أبا أحمد الحاكم وحسينك التميمي وأصحاب السراج فمن بعدهم
روى عنه كوشيار بن لياليروز الجيلي وتوفي قبله ببضع وثلاثين سنة
"""
صفحة رقم 20 """
وأبو سعد الماليني وتوفي قبله بثماني عشرة سنة وأبو بكر بن أبي علي الذكواني وتوفي قبله بإحدى عشرة سنة والحافظ أبو بكر الخطيب وهو من أخص تلامذته وقد رحل إليه وأكثر عنه ومع ذلك لم يذكره في تاريخ بغداد ولا يخفى عليه أنه دخلها ولكن النسيان طبيعة الإنسان وكذلك أغفله الحافظ أبو سعد بن السمعاني فلم يذكره في الذيل
وممن روى عن أبي نعيم أيضا الحافظ أبو صالح المؤذن والقاضي أبو علي الوخشي ومستمليه أبو بكر محمد بن إبراهيم العطار وسليمان بن إبراهيم الحافظ وهبة الله بن محمد الشيرازي وأبو الفضل حمد وأبو علي الحسن ابنا أحمد الحداد وخلق كثير آخرهم وفاة أبو طاهر عبد الواحد بن محمد الدشتج الذهبي
وقد روى أبو عبد الرحمن السلمي مع تقدمه عن واحد عن أبي نعيم فقال في كتاب طبقات الصوفية حدثنا عبد الواحد بن أحمد الهاشمي حدثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله أخبرنا محمد بن علي بن حبيش المقرىء ببغداد أخبرنا أحمد بن محمد بن سهل الأدمي وذكر حديثا
"""
صفحة رقم 21 """
قال أبو محمد بن السمرقندي سمعت أبا بكر الخطيب يقول لم أر أحدا أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين أبو نعيم الأصبهاني وأبو حازم العبدوي الأعرج
وقال أحمد بن محمد بن مردويه كان أبو نعيم في وقته مرحولا إليه ولم يكن في أفق من الآفاق أسند ولا أحفظ منه كان حفاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده فكان كل يوم نوبة واحد منهم يقرأ ما يريده إلى قريب الظهر فإذا قام إلى داره ربما كان يقرأ عليه في الطريق جزء وكان لا يضجر لم يكن له غذاء سوى التصنيف أو التسميع
وقال حمزة بن العباس العلوي كان أصحاب الحديث يقولون بقي أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير لا يوجد شرقا ولا غربا أعلى إسنادا منه ولا أحفظ منه
وكانوا يقولون لما صنف كتاب الحلية حمل إلى نيسابور حال حياته فاشتروه بأربعمائة دينار
وقال ابن المفضل الحافظ قد جمع شيخنا السلفي أخبار أبي نعيم وذكر من حدثه عنه وهم نحو ثمانين رجلا
قال لم يصنف مثل كتابه حلية الأولياء سمعناه على أبي المظفر القاساني عنه سوى فوت يسير
وقال ابن النجار هو تاج المحدثين وأحد أعلام الدين
قلت ومن كراماته المذكورة أن السلطان محمود بن سبكتكين لما استولى على أصبهان ولي عليها واليا من قبله ورحل عنها فوثب أهل أصبهان وقتلوا الوالي فرجع محمود إليها
"""
صفحة رقم 22 """
وأمنهم حتى اطمأنوا ثم قصدهم يوم الجمعة في الجامع فقتل منهم مقتلة عظيمة وكانوا قبل ذلك قد منعوا أبا نعيم الحافظ من الجلوس في الجامع فحصلت له كرامتان السلامة مما جرى عليهم إذ لو كان جالسا لقتل وانتقام الله تعالى له منهم سريعا
ومن مصنفاته حلية الأولياء وهي من أحسن الكتب كان الشيخ الإمام الوالد رحمه الله كثير الثناء عليها ويحب تسميعها
وله أيضا كتاب معرفة الصحابة وكتاب دلائل النبوة وكتاب المستخرج على البخاري وكتاب المستخرج على مسلم وكتاب تاريخ أصبهان وكتاب صفة الجنة وكتاب فضائل الصحابة وصنف شيئا كثيرا من المصنفات الصغار
توفي في العشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة وله أربع وتسعون سنة رحمة الله عليه
ذكر البحث عن واقعة جزء محمد بن عاصم التي اتخذها من نال من أبي نعيم رحمه الله ذريعة إلى ذلك
قد حدث أبو نعيم بهذا الجزء ورواه عنه الأثبات والرجل ثقة ثبت إمام صادق وإذا قال هذا سماعي جاز الاعتماد عليه
وطعن بعض الجهال الطاعنين في أئمة الدين فقالوا إن الرجل لم يوجد له سماع بهذا الجزء
وهذا الكلام سبة على قائله فإن عدم وجدانهم لسماعه لا يوجب عدم وجوده وإخبار الثقة بسماع نفسه كاف
"""
صفحة رقم 23 """
ثم ذكر شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي أن شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي حدثه أنه رأى بخط الحافظ ضياء الدين المقدسي أنه وجد بخط الحافظ أبي الحجاج يوسف بن خليل أنه قال رأيت أصل سماع الحافظ أبي نعيم لجزء محمد بن عاصم
فبطل ما اعتقدوه ريبة
ثم قال الطاعنون ثانيا وهذا الخطيب أبو بكر البغدادي وهو الحبر الذي تخضع له الأثبات وله الخصوصية الزائدة بصحبة أبي نعيم قال فيما كتب إلي به أحمد بن أبي طالب من دمشق قال كتب إلي الحافظ أبو عبد الله بن النجار من بغداد قال أخبرني أبو عبيد الله الحافظ بأصبهان أخبرنا أبو القاسم بن إسماعيل الصيرفي أخبرنا يحيى بن عبد الوهاب بن مندة قال سمعت أبا الفضل المقدسي يقول سمعت عبد الوهاب الأنماطي يذكر أنه وجد بخط الخطيب سألت محمد بن إبراهيم العطار مستملي أبي نعيم عن جزء محمد بن عاصم كيف قرأته على أبي نعيم وكيف رأيت سماعه فقال أخرج إلي كتابا وقال هذا سماعي
فقرأته عليه
قلنا ليس في هذه الحكاية طعن على أبي نعيم بل حاصلها أن الخطيب لم يجد سماعه بهذا الجزء فأراد استفادة ذلك من مستمليه فأخبره بأنه اعتمد في القراءة على إخبار الشيخ وذلك كاف
ثم قال الطاعنون ثالثا وقد قال الخطيب أيضا رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها منها أنه يقول في الإجازة أخبرنا من غير أن يبين
"""
صفحة رقم 24 """
قلت هذا لم يثبت عن الخطيب وبتقدير ثبوته فليس بقدح ثم إطلاق أخبرنا في الإجازة مختلف فيه فإذا رآه هذا الخبر الجليل أعني أبا نعيم فكيف يعد منه تساهلا ولئن عد فليس من التساهل المستقبح ولو حجرنا على العلماء ألا يرووا إلا بصيغة مجمع عليها لضيعنا كثيرا من السنة
وقد دفع الحافظ أبو عبد الله بن النجار قضية جزء محمد بن عاصم بأن الحفاظ الأثبات رووه عن أبي نعيم وحكينا لك نحن أن أصل سماعه وجد فطاحت هذه الخيالات ونحن لا نحفظ أحدا تكلم في أبي نعيم بقادح ولم يذكر بغير هذه اللفظة التي عزيت إلى الخطيب وقلنا إنها لم تثبت عنه والعمل على إمامته وجلالته وأنه لا عبرة بهذيان الهاذين وأكاذيب المفترين
على أنا لا نحفظ عن أحد فيه كلاما صريحا في جرح ولو حفظ لكان سبة على قائله وقد برأ الله أبا نعيم من معرته
وقال الحافظ ابن النجار
في إسناد ما حكي عن الخطيب غير واحد ممن يتحامل على أبي نعيم لمخالفته لمذهبه وعقيدته فلا يقبل
قال شيخنا الذهبي والتساهل الذي أشير إليه شيء كان يفعله في الإجازة نادرا
قال فإنه كثيرا ما يقول كتب إلي جعفر الخلدي كتب إلي أبو العباس الأصم أخبرنا أبو الميمون بن راشد في كتابه
قال ولكن رأيته يقول أخبرنا عبد الله بن جعفر فيما قرىء عليه
قال والظاهر أن هذا إجازة
قلت إن كان شيخنا الذهبي يقول ذلك في مكان غلب على ظنه أن أبا نعيم لم يسمعه
"""
صفحة رقم 25 """
بخصوصه من عبد الله بن جعفر فالأمر مسلم إليه فإنه أعنى شيخنا الحبر الذي لا يلحق شأوه في الحفظ وإلا فأبو نعيم قد سمع من عبد الله بن جعفر فمن أين لنا أنه يطلق هذه العبارة حيث لا يكون سماع ثم وإن أطلق إذ ذاك فغايته تدليس جائز قد اغتفر أشد منه لأعظم من أبي نعيم
ثم قال الطاعنون رابعا قال يحيى بن مندة الحافظ سمعت أبا الحسين القاضي يقول سمعت عبد العزيز النخشبي يقول لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بن أبي أسامة بتمامه فحدث به كله
قلنا قال الحافظ ابن النجار وهم عبد العزيز في هذا فأنا رأيت نسخة من الكتاب عتيقة وعليها خط أبي نعيم يقول سمع مني فلان إلى آخر سماعي من هذا المسند من ابن خلاد فلعله روى الباقي بالإجازة
255
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن ثابت الإمام أبو نصر الثابتي البخاري
تفقه على الشيخ أبي حامد
وروى عن أبي طاهر المخلص وغيره
قال الشيخ أبو إسحاق وأصله من فسا وله عن الشيخ أبي حامد تعليقة
"""
صفحة رقم 26 """
وصنف ودرس ببغداد وتوفي بها في سنة سبع وأربعين وأربعمائة وصلى عليه الماوردي ودفن بباب حرب إلى جانب أبي حامد
قال ابن الصلاح رأيت من تصانيف الثابتي كتابا في الفرائض سهل العبارة موسوما بكتاب المهذب والمقرب
قلت حدث بيسير عن زاهر السرخسي
كتب عنه الخطيب رحمه الله
256
أحمد بن عبد الله بن علي بن طاوس المقرىء أبو البركات
ولد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ببغداد
وقرأ القرآن على أبي الحسن على بن الحسن العطار وعلى محمد بن علي بن فارس الخياط
وسمع عبد الله الأزهري وأبا طالب بن بكير وأبا طالب بن غيلان والعتيقي وجماعة
وقد دمشق بعد الخمسين وأربعمائة فسكنها وسمع بها من أبي القاسم الحنائي وجماعة
"""
صفحة رقم 27 """
وصنف في القراءات وأقرأ الناس وكان إماما ماهرا
روى عنه الفقيه نصر المقدسي وهو أكبر منه وابنه هبة الله بن طاوس والفقيه نصر الله المصيصي وحمزة بن أحمد بن كروس
توفي في جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة
257
أحمد بن عبد الوهاب بن موسى الشيرازي أبو منصور
الشافعي الواعظ
تفقه على أبي إسحاق الشيرازي
قال ابن النجار وكان واعظا مليح الوعظ يغسل الموتى
سمع أبا الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبدوس بن كامل السراج وأبا محمد الحسن بن علي الجوهري وغيرهما
روى عنه أبو الفضل بن طاهر الحافظ وغيره
مولده سنة ست وثلاثين وأربعمائة
ومات في شعبان سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة
ولا اعتبار بوقيعة أبي الفضل بن ناصر فيه فإنه كثير الوقيعة في الناس ورحم الله أبا سعد إنه لينكر منه ذلك
"""
صفحة رقم 28 """
258
أحمد بن علي بن حامد أبو حامد البيهقي
من خسروجرد بليدة ببيهق
قال ابن الصلاح ذكره أبو الحسن الخطيب يعني عبد الغافر الفارسي فقال الشيخ الإمام الأوحد أبو حامد المدرس المناظر شيخ مشهور ثقة
قال ورأيته كان يحضر مجالس المناظرة وحظه في حفظ المذهب أوفر منه في الخلاف
وذكر أنه سمع من أبي عبد الرحمن السلمي وعبد القاهر بن طاهر والقاضي أبي الطيب الطبري وغيرهم
قال ابن السمعاني توفي بعد سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة فإن الحسين الفوراني سمع منه في هذه السنة
"""
صفحة رقم 29 """
259
أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي أبو بكر الخطيب
الحافظ الكبير أحد أعلام الحفاظ ومهرة الحديث وصاحب التصانيف المنتشرة
ولد يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة
وكان لوالده الخطيب أبي الحسن علي إلمام بالعلم وكان يخطب بقرية درزيجان إحدى قرى العراق فحض ولده أبا بكر على السماع في صغره فسمع وله إحدى عشرة سنة
ورحل إلى البصرة وهو ابن عشرين سنة وإلى نيسابور ابن ثلاث وعشرين سنة ثم إلى أصبهان ثم رحل في الكهولة إلى الشام
سمع أبا عمر بن مهدي الفارسي وأبا الحسن بن رزقويه وأبا سعد الماليني وأبا الفتح بن أبي الفوارس وهلالا الحفار وأبا الحسين بن بشران وغيرهم ببغداد
وأبا عمر الهاشمي راوي السنن وجماعة بالبصرة
وأبا بكر الحيري وأبا حازم العبدوي وغيرهما بنيسابور
وأبا نعيم الحافظ وغيره بأصبهان
وأحمد بن الحسين الكسار وغيره بالدينور وبالكوفة والري وهمذان والحجاز
وقدم دمشق سنة خمس وأربعين حاجا فسمع خلقا كثيرا وتوجه إلى الحج ثم قدمها سنة إحدى وخمسين فسكنها وأخذ يصنف في كتبه وحدث بها بتآليفه
"""
صفحة رقم 30 """
روى عنه من شيوخه أبو بكر البرقاني وأبو القاسم الأزهري وغيرهما
ومن أقرانه عبد العزيز بن أحمد الكتاني وغيره وابن ماكولا وعبد الله بن أحمد السمرقندي ومحمد بن مرزوق الزعفراني وأبو بكر بن الخاضبة وخلائق يطول سردهم
ثم حدث الحافظ أبو القاسم بن عساكر عن أربعة وعشرين شيخا حدثوه عن الخطيب منهم أبو منصور بن زريق والقاضي أبو بكر الأنصاري وأبو القاسم بن السمرقندي وغيرهم
وكان من كبار الفقهاء تفقه على أبي الحسن بن المحاملي والقاضي أبي الطيب الطبري وعلق عنه الخلاف وأبي نصر بن الصباغ
وكان يذهب في الكلام إلى مذهب أبي الحسن الأشعري
وقرأ صحيح البخاري بمكة في خمسة أيام على كريمة المروزية
وأراد الرحلة إلى ابن النحاس إلى مصر قال فاستشرت البرقاني هل أرحل إلى ابن النحاس إلى مصر أو أخرج إلى نيسابور إلى أصحاب الأصم فقال إنك إن خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى رجل واحد إن فاتك ضاعت رحلتك وإن خرجت إلى نيسابور ففيها جماعة إن فاتك واحد أدركت من بقي
فخرجت إلى نيسابور
ثم أقام ببغداد وألقى عصا السفر إلى حين وفاته فما طاف سورها على نظيره يروى
"""
صفحة رقم 31 """
عن أفصح من نطق بالضاد ولا أحاطت جوانبها بمثله وإن طفح ماء دجلتها وروى كل صاد عرفته أخبار شأنها
وأطلعته على أسرار أبنائها وأوقفته على كل موقف منها وبنيان وخاطبته شفاها لو أنها ذات لسان
ومصنفاته تزيد على الستين مصنفا
قال ابن ماكولا كان أبو بكر آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظا وإتقانا وضبطا لحديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتفننا في علله وأسانيده وعلما بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره ومطروحه
قال ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن الدارقطني مثله
وقال المؤتمن الساجي ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من الخطيب
"""
صفحة رقم 32 """
وقال أبو علي البرداني لعل الخطيب لم ير مثل نفسه
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة لحديث وحفظه
وقال أبو الفتيان الرواسي كان الخطيب إمام هذه الصنعة ما رأيت مثله
وقال عبد العزيز الكتاني إنه أعني الخطيب اسمع الحديث وهو ابن عشر سنين
قال وعلق الفقه عن القاضي أبي الطيب وعن أبي نصر بن الصباغ
قلت وهو من أقران ابن الصباغ
قال وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري
قلت وهو مذهب المحدثين قديما وحديثا إلا من ابتدع فقال بالتشبيه وعزاه إلى السنة أو من لم يدر مذهب الأشعري فرده بناء على ظن فيه ظنه والفريقان من أصاغر المحدثين وأبعدهم عن الفطنة
"""
صفحة رقم 33 """
وقال شيخنا الذهبي هنا عقيب قول الكتاني إن الخطيب كان يذهب إلى مذهب الأشعري ما نصه قلت مذهب الخطيب في الصفات أنها تمر كما جاءت
صرح بذلك في تصانيفه
قلت وهذا مذهب الأشعري فقد أتي الذهبي من عدم معرفته بمذهب الشيخ أبي الحسن كما أتي أقوام آخرون وللأشعري قول آخر بالتأويل
وقال أبو سعد بن السمعاني كان مهيبا وقورا ثقة متحريا حجة حسن الخط كثير الضبط فصيحا ختم به الحفاظ
قال وله ستة وخمسون مصنفا
وقال ابن النجار هي نيف وستون
قلت والجمع بين الكلامين أن ابن السمعاني أسقط ذكر ما لم يوجد منها فإن بعضها احترق بعد موته قبل أن يخرج إلى الناس
وفيها يقول السلفي
تصانيف ابن ثابت الخطيب
ألذ من الصبا الغض الرطيب
يراها إذ رواها من حواها
رياضا للفتى اليقظ اللبيب
ويأخذ حسن ما قد ضاع منها
بقلب الحافظ الفطن الأريب
فأية راحة ونعيم عيش
يوازي عيشها بل أي طيب
"""
صفحة رقم 34 """
وكان للخطيب ثروة ظاهرة وصدقات على طلاب العلم دارة يهب الذهب الكثير للطلبة
قال المؤتمن الساجي تحاملت الحنابلة عليه
قلت وابتلى منهم بوضع أكاذيب عليه لا ينبغي شرحها
وقال غير واحد ممن رافق الخطيب في الحج إنه كان يختم كل يوم ختمة إلى قريب الغياب قراءة ترتيل ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب يقولون حدثنا فيحدثهم
قال أبو سعد السمعاني سمعت مسعود بن محمد بن أبي نصر الخطيب يقول سمعت الفضل بن عمر النسوي يقول كنت في جامع صور عند الخطيب فدخل عليه بعض العلوية وفي كمه دنانير وقال للخطيب فلان يسلم عليك ويقول لك اصرف هذا في بعض مهماتك
فقال الخطيب لا حاجة لي فيه
وقطب وجهه
فقال العلوي كأنك تستقله
ونفض كمه على سجادة الخطيب وطرح الدنانير عليها وقال هذه ثلاثمائة دينار
فقام الخطيب محمرا وجهه وأخذ السجادة وصب الدنانير على الأرض وخرج من المسجد
"""
صفحة رقم 35 """
قال الفضل ما أنسى عز خروج الخطيب وذل ذلك العلوي وهو قاعد على الأرض يلتقط الدنانير من شقوق الحصير ويجمعها
ويذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات وسأل الله ثلاث حاجات الأولى أن يحدث بتاريخ بغداد والثانية أن يملي بجامع المنصور والثالثة أن يدفن إذا مات عند بشر الحافي فحصلت الثلاثة
وحكي أن بعض اليهود أظهر كتابا وادعى أنه كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بإسقاط الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادات الصحابة رضي الله عنهم وذكروا أن خط علي فيه فعرض على الخطيب فتأمله وقال هذا مزور لأن فيه شهادة معاوية وهو أسلم عام الفتح
وخيبر فتحت قبل ذلك ولم يكن مسلما في ذلك الوقت ولا حضر ما جرى وفيه شهادة سعد بن معاذ ومات في بني قريظة بسهم أصابه في أكحله يوم الخندق وذلك قبل فتح خيبر بسنتين
ولما مرض وقف جميع كتبه وفرق جميع ماله في وجوه البر وعلى أهل العلم والحديث وكان ذا ثروة ومال كثير فاستأذن أمير المؤمنين القائم بأمر الله في تفريقها فأذن له
وسبب استئذانه أنه لم يكن له وارث إلا بيت المال
وحضر أبو بكر الخطيب مرة درس الشيخ أبي إسحاق الشيرازي فروى الشيخ حديثا من رواية بحر بن كنيز السقاء ثم قال للخطيب ما تقول فيه فقال إن أذنت لي ذكرت حاله
"""
صفحة رقم 36 """
فاستوى الشيخ وقعد مثل التلميذ بين يدي الأستاذ يسمع كلام الخطيب وشرع الخطيب في شرح أحواله وبسط الكلام كثيرا إلى أن فرغ
فقال الشيخ هذا دارقطني عهدنا
قال السلفي سألت أبا علي أحمد بن محمد بن أحمد البرداني الحافظ ببغداد هل رأيت مثل الخطيب فقال ما أظن أن الخطيب رأى مثل نفسه
قال المؤتمن بن أحمد الساجي ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من الخطيب
وقال أبو الفرج الإسفرايني وأسنده عنه الحافظ ابن عساكر في التبيين قال أبو القاسم مكي بن عبد السلام المقدسي كنت نائما في منزل الشيخ أبي الحسن الزعفراني ببغداد فرأيت في المنام عند السحر كأنا اجتمعنا عند الخطيب لقراءة التاريخ في منزله على العادة وكان الخطيب جالسا وعن يمينه الشيخ نصر المقدسي وعن يمين الفقيه نصر رجل لا أعرفه فقلت من هذا الذي لم تجر عادته بالحضور معنا فقيل لي هذا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جاء ليسمع التاريخ
فقلت في نفسي هذه جلالة للشيخ أبي بكر إذ حضر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مجلسه وقلت في نفسي هذا أيضا رد لمن يعيب التاريخ ويذكر أن فيه تحاملا على أقوام وشغلني التفكر في هذا عن النهوض إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وسؤاله عن
"""
صفحة رقم 37 """
أشياء كنت قد قلت في نفسي أسأله عنها فانتبهت في الحال ولم أكلمه ( صلى الله عليه وسلم )
توفي الخطيب في السابع من ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة ببغداد ودفن بباب حرب إلى جانب بشر بن الحارث
وأوقف جميع كتبه على المسلمين وتصدق بمال جزيل وفعل معروفا كثيرا في مرض موته وتبع جنازته الجم الغفير وكان له بها جماعة ينادون هذا الذي كان يذب عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذا الذي كان ينفي الكذب عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله
وكان الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ممن حمل جنازته
ورآه بعض الصلحاء في المنام وسأله عن حاله
فقال أنا في روح وريحان وجنة نعيم
ورؤي له منامات كثيرة تدل على مثل هذا
ومن شعره
الشمس تشبهه والبدر يحكيه
والدر يضحك والمرجان من فيه
ومن سرى وظلام الليل معتكر
فوجهه عن ضياء البدر يغنيه
في أبيات أخر
"""
صفحة رقم 38 """
ومن الفوائد عن الخطيب
ذكر في حديث عبد الله بن مسعود عن الصادق المصدوق ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن خلق أحدكم ) الحديث أن من أول الحديث إلى قوله ( شقي أو سعيد ) من كلام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وما بعده إلى آخر الحديث من كلام ابن مسعود ويؤيده أن سلمة بن كهيل رواه بطوله عن زيد بن وهب ففصل كلام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من كلام ابن مسعود
قلت ولكن حاء في صحيح مسلم من حديث سهل بن سعد أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن العبد ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل الجنة وإنه من أهل النار وإنه ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل النار وإنه من أهل الجنة وإنما الأعمال بالخواتم )
وفي صحيح البخاري في كتاب الجهاد في باب لا يقول فلان شهيد من حديث سهل بن سعد أيضا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة ) انتهى
ولم أر من تنبه له عند ذكر حديث ابن مسعود وإنما تنبهوا لرواية مسلم
"""
صفحة رقم 39 """
وأقول جائز أن يكون ابن مسعود سمع هذا من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما سمعه سهل بن سعد ثم أدرجه في هذا الحديث
وهذه الزيادة وهي فيما يبدو للناس أو فيما يرى الناس عظيمة الوقع جليلة الفائدة عند الأشعرية كثيرة النفع لأهل السنة والجماعة في مسألة أنا مؤمن إن شاء الله فليفهم الفاهم ما ينبه عليه
260
أحمد بن علي بن الحسين بن زكرياء الطريثيثي
المسند الصوفي أبو بكر البغدادي ويقال له ابن زهراء
تلميذ أبي سعيد بن أبي الخير الميهني شيخ الصوفية بخراسان
ولد في شوال سنة اثنتى عشرة وأربعمائة
سمع أباه وأبا القاسم اللالكائي الحافظ وأبا الحسن بن مخلد وأبا علي بن شاذان وغيرهم
روى عنه أبو القاسم بن السمرقندي وأبو الفضل بن ناصر وأبو الفتح بن البطي وأبو طاهر السلفي وطائفة آخرهم موتا أبو الفضل خطيب الموصل
قال ابن السمعاني شيخ له قدم في التصوف رأى المشايخ وحدثهم وكان حسن التلاوة صحب أبا سعيد النيسابوري
"""
صفحة رقم 40 """
قال وكانت سماعاته صحيحة إلا ما أدخله عليه أبو الحسن بن محمد الكرماني فحدث به اعتمادا على قول أبي الحسن وحسن الظن به ولم يكن يعرف طرائق المحدثين وادعى أنه سمع من أبي الحسن بن رزقويه وما يصح سماعه منه
وقال أبو القاسم بن السمرقندي دخلت على أحمد بن زهراء الطريثيثي وهو يقرأ عليه جزء من حديث ابن رزقويه فقلت متى ولدت فقال سنة اثنتى عشرة وأربعمائة فقلت وابن رزقوية في هذه السنة توفي وأخذت الجزء من يده وقد سمعوا فيه فضربت على التسميع فقام وخرج من المسجد
قلت ومن ثم قال ابن ناصر كان كذابا لا يحتج بروايته
وهذا من مبالغات ابن ناصر التي عهدت منه ولم يكن الرجل يكذب وليس فيه غير ما قاله ابن السمعاني لما أدخل عليه ولا يوجب ذلك قدحا فيه ولا ردا لما صح من سماعاته ولهذا كان السلفي يقول أخبرنا الطريثيثي من أصل سماعه ولو كان كذابا لم يرو عنه فغفر الله لابن ناصر كم يتعصب على الصوفية وعلى فقهاء الفريقين وقد صرح السلفي في معجمه بأن الطريثيثي من الثقات الأثبات وأنه لم يقرأ عليه إلا من أصول سماعه وأنها كالشمس وضوحا وذكر أيضا ما ذكره ابن السمعاني مما أدخل عليه
توفي في جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 41 """
261
أحمد بن علي بن عبد الله بن منصور
أبو بكر الطبري المعروف بالزجاجي بضم الزاي
قدم بغداد وسمع من أبي طاهر المخلص وأبي القاسم بن الصيدلاني وغيرهما
واستوطن الجانب الشرقي إلى آخر عمره
كتب عنه الخطيب وقال كان ثقة دينا يتفقه على مذهب الشافعي
قال ابن الصلاح وقوله يتفقه يطلقها هو وكثير ممن تقدمه من أهل الحديث على من يعنى بالفقه وإن لم يكن فيه مبتدئا وهي في هذا كتطبب
مات في آخر سنة سبع وأربعين وأربعمائة
262
أحمد بن علي بن عمرو بن أحمد بن عنبر
بفتح العين المهملة بعدها نون ساكنة ثم باء موحدة الحافظ أبو الفضل السليماني البخاري البيكندي
ولد سنة إحدى عشرة وثلاثمائة
وطوف البلاد ورحل إلى الآفاق
"""
صفحة رقم 42 """
وكان من الحفظ والإتقان وعلو الإسناد وكثرة التصانيف بمكان مكين وقدر رفيع
سمع محمد بن حمدويه بن سهل وعلي بن إسحاق المادرائي ومحمد بن يعقوب الأصم ومحمود بن إسحاق الخزاعي وعبد الله بن جعفر بن فارس الأصبهاني وخلقا
روى عنه جعفر بن محمد المستغفري وولده أبو ذر محمد بن جعفر وجماعة من أهل تلك الديار
قال الحاكم كان يحفظ الحديث ورحل فيه وكان من الحفاظ الزهاد
وقال ابن السمعاني لم يكن له نظير في زمانه إسنادا وحفظا ودراية بالحديث وضبطا وإتقانا
وقال وقولهم فيه السليماني نسبة إلى جده لأمه أحمد بن سليمان
وكان يصنف في كل جمعة شيئا ويرحل من بيكند إلى بخارى ويحدث بما صنف
توفي في ذي القعدة سنة أربع وأربعمائة
"""
صفحة رقم 43 """
263
أحمد بن علي أبو سهل الأبيوردي
أحد أئمة الدنيا علما وعملا
ذكره الأديب أبو المظفر محمد بن أحمد الأبيوردي في مختصر لطيف سماه نهزة الحفاظ ذكر فيه أنه عزم على أن يضع تاريخا لابيورد ونسا وكوفن وجيران وغيرها من أمهات القرى بتلك النواحي وأنه سئل في عمل هذا المختصر ليفرد فيه ذكر الأئمة الأعلام ممن كان في العلم مفزوعا إليه وفي الرواية موثوقا به وقد طنت بذكره البلدان وغنت بمدحه الركبان كفضيل بن عياض ومنصور بن عمار وزهير بن حرب وذكر فيه جماعة من الأئمة وأورد شيئا من حديثهم
وقال في الشيخ أبي سهل إذ ذكره كان من أئمة الفقهاء سمعت جماعة من أصحابه يقولون كان أبو زيد الدبوسي يقول لولا أبو سهل الأبيوردي لما تركت للشافعية بما وراء النهر مكشف رأس
وحدثني أبو الحسن علي بن عبد الرحمن الحديثي وكان من أصحابه المبرزين في الفقه أنه سمعه يقول كنت أتبزز في عنفوان شبابي فبينا أنا في سوق البزازين
"""
صفحة رقم 44 """
بمرو رأيت شيخين لا أعرفهما فقال أحدهما لصاحبه لو اشتغل هذا بالفقه لكان إماما للمسلمين
فاشتغلت حتى بلغت فيه ما ترى
وروى الحديث عن أبي بكر محمد بن عبد الله الأودني وأبي عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي وأبي الفضل السليماني الحافظ وغيرهم
هذا كلام أبي المظفر الأبيوردي ثم ساق له حديثا عن الأودني وحديثا عن السليماني
وذكر ابن الصلاح في ترجمة الأودني أنا أبا سهل قال سمعته يقول سمعت شيوخنا رحمهم الله تعالى يقولون دليل طول عمر الرجل اشتغاله بأحاديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
وقال الحافظ أبو سعد رحمه الله في ترجمة محمد بن ثابت الخجندي إنه تفقه على أبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي ويوافقه ما ذكره الذاكرون في ترجمة صاحب التتمة أنه تفقه ببخارى على أبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي
قاله ابن النجار وغيره
واعلم أن الأودني مات سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ومحمد بن ثابت الخجندي مات سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة فكأن الأبيوردي عمر دهرا طويلا
وهذه الترجمة التي لأبي سهل لا أراك بعد شدة الفحص تجدها في غير كتابنا وانظر كيف جمعناها من أماكن متفرقة وأبرزناها من مصنف غريب وهو نهزة الحفاظ
"""
صفحة رقم 45 """
التلوط بالغلام المملوك
ذكر القاضي الحسين في التعليقة أنه حكي عن الشيخ ابن سهل وهو الأبيوردي كما هو مصرح به في بعض نسخ التعليقة وصرح به ابن الرفعة في الكفاية أن الحد لا يلزم من يلوط بغلام مملوك له بخلاف مملوك الغير
قال القاضي وربما قاسه على وطء أمته المجوسية أوأخته من الرضاع وفيه قولان
انتهى
وهذا الوجه محكي في البحر والذخائر وغيرهما من كتب الأصحاب لكن غير مضاف إلى قائل معين وعلله صاحب البحر بأن ملكه فيه يصير شبهة في سقوط الحد
والذي جزم به الرافعي تبعا لأكثر الأصحاب أنه لا فرق بين مملوكه وغيره نعم في اللواط من أصله قول أن موجبه التعزير
قال الرافعي إنه مخرج من القول بنظيره في إتيان البهيمة
قال ومنهم من لم يثبته
قلت وقد أسقط النووي في الروضة حكاية هذا القول بالكلية
264
أحمد بن محمد بن أحمد بن زنجويه أبو بكر الزنجاني
وزنجان بفتح الزاي وسكون النون وفتح الجيم وآخرها نون بلدة معروفة
أحد تلامذة القاضي أبي الطيب الطبري
له رواية
"""
صفحة رقم 46 """
روى عنه محمد بن طاهر وأبو طاهر السلفي
قال السلفي وكانت الرحلة إليه لفضله وعلو إسناده سمعته يقول إني أفتي من سنة تسع وعشرين
قال وقيل لي عنه إنه لم يفت خطأ قط
قال وأهل بلده يبالغون في الثناء عليه الخواص والعوام ويذكرون ورعه وقلة طمعه
أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن الحسن الجزري قراءة عليه وأنا أسمع أنبأنا محمد بن عبد الهادي أجازنا السلفي أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن زنجويه الإمام بزنجان وسألته عن مولده فقال سنة ثلاث وأربعمائة أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن شاذان البزار ببغداد أخبرنا أبو الحسين عبد الصمد بن علي بن مكرم الطستي أخبرنا أبو سهل السري بن سهل بن خربان الجنديسابوري حدثنا عبد الله بن رشيد حدثنا أبو عبيدة مجاعة بن الزبير العتكي عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يتفلن أمامه ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت قدمه اليسرى فإنه يناجي ربه عز وجل )
"""
صفحة رقم 47 """
265
أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب
أبو بكر الخوارزمي الحافظ الكبير المعروف بالبرقاني بكسر الباء وفتحها
كان إماما حافظا ذا عبادة وفضائل جمة
قال الشيخ تفقه في حداثته وصنف في الفقه ثم اشتغل بعلم الحديث فصار فيه إماما
سمع من أبي علي بن الصواف وأبي بكر بن مالك القطيعي وأبي محمد بن ماسي وأبي بكر الإسماعيلي وأبي عمرو بن حمدان وأبي أحمد الحافظ وأبي منصور الأزهري وخلائق لا يحصون ببلاد عديدة
قال الخطيب واستوطن بغداد وحدث فكتبنا عنه وكان ثقة ورعا متقنا متثبتا فهما لم نر في شيوخنا أثبت منه حافظا للقرآن عارفا بالفقه له حظ من علم العربية كثير الحديث حسن الفهم له والبصيرة فيه وصنف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه الصحيحان
قال أبو القاسم الأزهري البرقاني إمام وإذا مات ذهب هذا الشأن يعني الحديث
قاله في حياته
وقال ما رأيت في الشيوخ أتقن منه
"""
صفحة رقم 48 """
وقال أبو محمد الخلال البرقاني نسيج وحده
وقال محمد بن يحيى الكرماني الفقيه ما رأيت في أصحاب الحديث أكثر عبادة من البرقاني
ولد في آخر سنة ست وثلاثين وثلاثمائة
ومات في أول يوم من رجب سنة خمس وعشرين وأربعمائة ببغداد
دخل إليه محمد بن علي الصوري قبل وفاته بأربعة أيام فقال له هذا اليوم السادس والعشرون من جمادى الآخرة وقد سألت الله أن يؤخر وفاتي حتى يهل رجب فقد روي أن لله فيه عتقاء من النار عسى أن أكون منهم فاستجيب له
266
أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل أبو الحسن الضبي المعروف بابن المحاملي
الإمام الجليل من رفعاء أصحاب الشيخ أبي حامد وبيته بيت الفضل والجلالة والفقة والرواية
وله التصانيف المشهورة كالمجموع والمقنع واللباب وغيرها
وله عن الشيخ أبي حامد تعليقه منسوبة إليه وصنف في الخلاف
وقال فيه الخطيب برع في الفقه ورزق من الذكاء وحسن الفهم ما أربى فيه على أقرانه
"""
صفحة رقم 49 """
وكان قد سمع من محمد بن المظفر وطبقته
ورحل به أبوه إلى الكوفة فسمع من أبي الحسن بن أبي السري وغيره
وسألته غير مرة أن يحدثني بشيء من سماعاته فكان يعدني بذلك ويرجىء الأمر إلى أن مات ولم أسمع منه إلا خبر محمد بن جرير عن قصة الخراساني الذي ضاع هميانه بمكة ولا أعلم سمع منه أحد غيري إلا ما حدثني ابنه أبو الفضل أن علي ابن أحمد الكاتب قرأ عليه رواية البغوي عن أحمد ابن حنبل رضي الله عنه الفوائد
مولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة
وقال المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي دخل علي أبو الحسن بن المحاملي مع أبي حامد الإسفرايني ولم أكن أعرفه فقال لي أبو حامد هذا أبو الحسن ابن المحاملي وهو اليوم أحفظ للفقه مني
وحكي عن سليم أن المحاملي لما صنف كتبه المقنع والمجرد وغيرهما من تعليق أستاذه أبي حامد ووقف عليها قال بتر كتبي بتر الله عمره فنفذت فيه دعوة أبي حامد وما عاش إلا يسيرا ومات يوم الأربعاء لتسع بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وأربعمائة
قال المحاملي في المقنع ما نصه ويستحب للمرأة إذا اغتسلت من حيض أو نفاس أن تأخذ قطعة من مسك أو غيره من الطيب فتتبع به أثر الدم وهي المواضع التي أصابها الدم من بدنها
انتهى
"""
صفحة رقم 50 """
وقد أغرب في قوله إنها تتبع كل ما أصابه الدم من البدن والحديث المروي في ذلك أن امرأة سألت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الغسل من الحيض فقال ( خذي فرصة من مسك فتطهري بها فقالت كيف أتطهر بها فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سبحان الله تطهري بها قالت عائشة قتل تتبعي بها أثر الدم )
قال الأصحاب أي أثر الحيض والمراد به هنا الفرج
قال النووي وما ذكره المحاملي لا أعرفه لغيره بعد البحث عنه
قلت إلا أن للمحاملي أن يقول هو ظاهر اللفظ في قولها الدم وتقييده بالفرج لا بد له عليه من دليل والمعنى يساعد المحاملي لأن المقصود دفع الرائحة الكريهة وهي لا تختص
هذا أقصى ما يتحيل به في مساعدة المحاملي والحق عند الإنصاف مع الأصحاب
ومما يستفاد هنا ولا تعلق للمحاملي به أن المرأة السائلة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقع في صحيح مسلم أنها بنت شكل بفتح الشين المعجمة والكاف بعدهما لام وإنما هي أسماء بنت يزيد بن السكن بالسين المهملة المفتوحة بعدها كاف مفتوحة ثم نون فوقع اللفظ في مسلم مصحفا منسوبا إلى الجد وهو على الصواب في الأسماء المبهمة للخطيب أبي بكر وذكر بإسناده في الحجة على ذلك من رواية يحيى ابن سعيد عن إبراهيم بن المهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت يزيد سألت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكرت الحديث
"""
صفحة رقم 51 """
قال المحاملي في المقنع أيضا ما نصه وإن ماتت امرأة وفي جوفها ولد فإن كان يرجى حياة الولد إذا أخرج شق جوفها وأخرج وإن لم يرج ذلك لم يخرج وترك على جوفها شيء حتى يموت ثم تدفن
انتهى
وهذا ما جرى عليه صاحب التنبيه وغيره
وقال النووي وهو غلط وإن كان قد حكاه جماعة
وقال ابن الصلاح في الفتاوي أربع مسائل من أربعة كتب مشهورة معتمدة وددت لو محيت أحكامها المذكورة وذكر منها قول التنبيه ترك عليه شيء حتى يموت
وقال وهذا في نهاية الفساد بل الصواب تركه حتى يموت من غير أن يوضع عليه شيء
وقد بان لك أن صاحب التنبيه غير منفرد باختيار هذا بل قد سبقه المحاملي والوجه محقق في المذهب وسبقه أيضا القاضي حسين فإنه قال في باب عدد الكفن ولو كان في بطنها ولد لا يشق بطنها عندنا بل يحمل على ولدها شيء ثقيل حتى يسكن ما فيه
وقال أبو حنيفه يشق بطنها
هذا كلامه لكنه قال قبل باب الشهيد فرع إذا ماتت وفي بطنها جنين هل يشق بطنها فيه وجهان أحدهما لا يشق والثاني يشق وعند أبي حنيفة يشق
قال والأولى أنها إن كانت في الطلق والولد يتحرك في بطنها أن يشق
"""
صفحة رقم 52 """
ولا خلاف أنه ما دام الولد في بطنها لا تدفن بل يتأتى حتى تسكن الحركة ثم تدفن
انتهى
وفيه مخالفة لما تقدم
وقد صرح النووي بحكاية وجوه ثلاثة أصحها الترك والثاني أن يشق جوفها ويخرج كما في الحالة التي يرجى حياته والثالث هذا إلا أنه غلط
والشيخ غير منفرد به
وأما قول بعض المؤولة لكلام الشيخ مراده ترك عليه شيء من الزمان حتى يموت ومعناه الوجه الثاني وهو أن يترك فهذا ليس بشيء
المنقول عن المقنع
وهو ما ذكره الشيخ أبو إسحاق في المهذب أنه لا يجوز أن يجلس على قبره وهذه العبارة ظاهرة في التحريم
وعبارة الشافعي الكراهة فإنه قال أكره أن يطأ القبر ويجلس عليه أو يتكىء عليه إلا أن لا يصل إلى قبر ميته إلا بوطء قبر غيره فيسعه ذلك
وكذلك أكثر الأصحاب ومنهم الرافعي والنووي
والقول بالتحريم هو ظاهر النهي في قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا تجلسوا على القبور ) وفي حديث آخر ( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثوبه وبدنه حتى تخلص إليه خير له من أن يجلس على قبر )
وقد أخذ الشافعي في تفسير الجلوس بظاهر الحديث فقال الجلوس أن يطأه ومنهم من فسر الجلوس بالحدث ومنهم من فسره بالملازمة
"""
صفحة رقم 53 """
ذكر المحاملي أنه لا يدخل عبد مسلم في ملك كافر ابتداء إلا في ست مسائل
قال في اللباب في باب إزالة النجاسة إذا أصاب الأرض بول فإن كانت صلبة صب عليها من الماء سبعة أمثال البول وإن كانت رخوة يقلعها
هذه عبارته وما ذكره من السبعة وجه محكي في الرافعي وغيره وأما قوله فيما إذا كانت الأرض رخوة إنه يقلعها وإنه لا يجزىء الصب عليها فغريب جدا لم أره لغيره
وذكر في اللباب أنه يستحب الوضوء من الغيبة وعند الغضب وأنه يستحب الغسل للحجامة ولدخول الحمام والاستحداد وكل هذا غريب ولكن ذكره غيره
وذكر في اللباب في باب مسح الخف المسحات سبعة وعد منها مسح اليدين والرجلين إذا كان أقطعهما فوق المفصل
وعبارة التنبيه في ذلك المس وهي تساعد هذا إذ قال استحب أن يمس الموضع ماء ولكن قالوا المراد بالمس الغسل وهذا المحاملي قد صرح بالمسح
وذكر في باب الحيض من اللباب أن الحيض يتعلق به عشرون معنى اثنا عشر منها محظوراته وثمانية أحكامه
وعد من المحظورات أن الحائض لا تحضر المحتضر
قال وكذلك النفساء
وهذا من أغرب الغريب ولا أعرف ما دليله
"""
صفحة رقم 54 """
وقد عرف قول المحاملي أنه لا يدخل عبد مسلم في ملك كافر ابتداء إلا في ست مسائل أحداها الإرث
والثانية يسترجع بإفلاس المشتري
والثالثة يرجع في هبته لولده
والرابعة يرد عليه بالعيب على الصحيح
والخامسة الملك الضمني إذا قال لمسلم أعتق عبدك عني فأعتقه وصححناه وهو الصحيح
والسادسة إذا عجز مكاتبه عن النجوم فله تعجيزه
قال النووي وفي عد هذه تساهل فإن المكاتب لا يزول ملك سيده عنه حتى يقول عاد
قال وترك سابعة وهي ما إذا اشترى من يعتق عليه باطنا كقريبه على الصحيح أو ظاهرا كما إذا أقر بحرية مسلم في يد غيره على الراجح
قال الشيخ صدر الدين بن المرحل وتركا ثامنة وهي إذا قلنا الإقالة فسخ فهل ينفذ التقابل فيه خلاف الرد بالعيب وتوجيه الجواز مشكل فإن التمليك فيه اختياري غير مستند إلى سبب
قال ولعل المحاملي لم يترك هذه المسألة إلا لكونه رأى الإقالة تجعل العقد كأنه لم يكن ولذلك لم تثبت به الشفعة فهو كالاستدامة ويرد عليه الرد بالعيب وأن
"""
صفحة رقم 55 """
الأصحاب رجحوا أنه لو وكله في بيع عبد فباعه ثم وجد به المشتري عيبا ورده على الوكيل أنه ليس له أن يبيعه ثانيا ولم يجعلوا العقد كأنه لم يكن
وذكروا أنه لو أوصى له أن يبيع عبده ويشتري جارية بثمنه ويعتقها فوجد المشتري بالعبد عيبا فرده على الوصي أن الوصي يبيعه ثانيا ويدفع ثمنه للمشتري
وفرقوا بينه وبين الوكيل بأن الإيصاء تولية وتفويض كلي ولا كذلك الوكالة
والفرق المذكور والحكم في الوكيل يخالفان ما قرره الرافعي وغيره من أنه يجوز الرد بالعيب في العبد المسلم على الكافر وما تقدم من أن الفسخ يجعل العقد كأنه لم يكن ويقوى الإشكال في الإقالة
قال وتركا تاسعة أيضا وهي إذا كان بين كافر ومسلم عبد مشترك فأعتق الكافر نصيبه وهو موسر سرى عليه وعتق سواء قلنا يقع العتق بنفس الإعتاق أو بأداء القيمة لأنه متقوم عليه شرعا لا باختياره كالإرث
قلت وتركوا مسائل منها إذا جاز له نكاح الأمة بشرطها وكانت لكافر هل يجوز الصحيح الجواز وينعقد الولد مسلما تبعا لأبيه أو أمه وينعقد على ملك
"""
صفحة رقم 56 """
الكافر ثم يؤمر بإزالة ملكه عنه بطريقة
"""
صفحة رقم 57 """
267
أحمد بن الفتح بن عبد الله أبو الحسن الموصلي
من أهلها يعرف بابن فرغان بفتح الفاء وإسكان الراء وبالغين المعجمة
تفقه على الشيخ أبي حامد
ذكره الشيخ
وقال ابن باطيش إنه مات بالموصل سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 58 """
268
أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو إسحاق النيسابوري الثعلبي
صاحب التفسير
كان أوحد زمانه في علم القرآن وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء عليهم السلام
قال ابن السمعاني يقال له الثعلبي والثعالبي وهو لقب لا نسب
روى عن أبي طاهر محمد بن الفضل بن خزيمة وأبي محمد المخلدي وأبي بكر بن هانىء وأبي بكر بن مهران المقرىء وجماعة
وعنه أخذ أبو الحسن الواحدي
وقد جاء عن الأستاذ أبي القاسم القشيري أنه قال رأيت رب العزة في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه فكان في أثناء ذلك أن قال الرب جل اسمه
أقبل الرجل الصالح
فالتفت فإذا أحمد الثعلبي مقبل
ومن شعر الثعلبي
وإني لأدعو الله والأمر ضيق
علي فما ينفك أن يتفرجا
ورب فتى سدت عليه وجوهه
أصاب له في دعوة الله مخرجا
توفي في المحرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 59 """
ومن المسائل عنه
ذهب الثعلبي إلى أن الدم الباقي على اللحم وعظامه غير نجس
قال لمشقة الاحتراز عنه
قال ولأن النهى إنما ورد عن الدم المسفوح وهو السائل
269
أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن حفص بن الخليل أبو سعد الماليني
المحدث الحافظ الزاهد الصالح طاووس الفقراء
سمع ببلاد ما وراء النهر وبلاد خراسان والري وأصبهان والبصرة والكوفة وبغداد والشام ومصر
ولقي عامة الشيوخ والحفاظ الذين عاصرهم
وحدث عن محمد بن عبد الله السليطي وأبي أحمد بن عدي وأبي عمرو بن نجيد وأبي الشيخ الأنصاري وأبي بكر الإسماعيلي وأبي بكر القطيعي ويوسف الميانجي وخلائق يطول ذكرهم
روى عنه أبو حازم العبدوي والحافظ عبد الغني وتمام الرازي وأبو بكر البيهقي
"""
صفحة رقم 60 """
وأبو بكر الخطيب وعبد الرحمن بن مندة وأبو عبد الله القضاعي وأبو الحسن الخلعي والحسين بن طلحة النعالي وآخرون
قال الخطيب كان أحد الرحالين في طلب الحديث والمكثرين منه
قال وكان ثقة متقنا صالحا
قلت استوطن مصر بالآخرة وبها توفي يوم الثلاثاء سابع عشر شوال سنة اثنتى عشرة وأربعمائة
ووهم حمزة السهمي فقال في تاريخ جرجان إن وفاته سنة تسع وأربعمائة 270 أحمد بن محمد بن أحمد بن دلويه
أبو حامد الأستوائي
سمع بنيسابور أبا أحمد الحاكم وأبا العباس أحمد بن محمد بن إسحاق الأنماطي ومحمد ابن عبد الله الجوزقي ونحوهم
وقدم بغداد فسمع من الدارقطني وطبقته واستوطنها إلى حين وفاته
وولى القضاء بعكبرا من قبل القاضي أبي بكر محمد بن الطيب
قال الخطيب وكان ينتحل في الفقه مذهب الشافعي وفي الأصول مذهب
"""
صفحة رقم 61 """
الأشعري وله حظ في معرفة الأدب والعربية وحدث شيئا يسيرا وكتبت عنه وكان صدوقا
ثم قال سألته عن مولده فقال لا أحقه لكنني أظنه سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة
ومات في ثامن عشرى شهر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وأربعمائة
271
أحمد بن محمد بن أحمد الأسفرايني
الشيخ أبو حامد شيخ طريقة العراق حافظ المذهب وإمامه جبل من جبال العلم منيع وحبر من أحبار الأمة رفيع
ولد سنة أربع وأربعين وثلاثمائة
وقدم بغداد شابا فتفقه على الشيخين ابن المرزبان والداركي حتى صار أحد أئمة وقته
وحدث عن عبد الله بن عدي وأبي بكر الإسماعيلي وأبي الحسن الدارقطني وإبراهيم بن محمد بن عبدك الإسفرايني وغيرهم
روى عنه سليم الرازي
"""
صفحة رقم 62 """
قال الشيخ أبو إسحاق انتهت إليه رئاسة الدين والدنيا ببغداد وعلق عنه تعاليق في شرح المزني وطبق الأرض بالأصحاب وجمع مجلسه ثلاثمائة متفقه واتفق الموافق والمخالف على تفضيله وتقديمه في جودة الفقه وحسن النظر ونظافة العلم
انتهى
وقال الخطيب سمعت من يذكر أنه كان يحضر مجلسه سبعمائة متفقة وكان الناس يقولون لو رآه الشافعي لفرح به
وكان عظيم الجاه عند الملوك مع الدين الوافر والورع والزهد والاستيعاب للأوقات بالتدريس والمناظرة ومؤاخذة النفس على دقيق الكلام ومحاسبتها على هفوات اللسان وإن بدرت في أثناء الإحسان
قال أبو حيان التوحيدي سمعت الشيخ أبا حامد يقول لطاهر العباداني لا تعلق كثيرا مما تسمع مني في مجالس الجدل فإن الكلام يجري فيها على ختل الخصم ومغالطته ودفعه ومغالبته فلسنا نتكلم لوجه الله خالصا ولو أردنا ذلك لكان خطونا إلى الصمت أسرع من تطاولنا في الكلام وإن كنا في كثير من هذا نبوء بغضب الله تعالى فإنا مع ذلك نطمع في سعة رحمة الله
قلت وهو طمع قريب فإن ما يقع في المغالطات والمغالبات في مجالس النظر يحصل به من تعليم إقامة الحجة ونشر العلم وبعث الهمم على طلبه ما يعظم في نظر أهل الحق ويقل عنده قلة الخلوص وتعود بركة فائدته وانتشارها على عدم الخلوص فقرب من الإخلاص إن شاء الله تعالى
"""
صفحة رقم 63 """
وهذه الحكاية عن الشيخ أبي حامد تدل على أن ما كان يكتب عنه بإذنه فقد أخلص عنه وقد كتب عنه من العلم ما لم يكتب نظيره عن أحد بعده فلله هذا الإخلاص في هذه الكثرة فإنه طبق الدنيا بعلمه وما كتب عنه
قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي سألت القاضي أبا عبد الله الصيمري وكان إمام أصحاب أبي حنيفة في زمانه هل رأيت أنظر من الشيخ أبي حامد فقال ما رأيت أنظر منه ومن أبي الحسن الخرزي الداوودي
قال الشيخ وكان أبو الحسين القدوري إمام أصحاب أبي حنيفة في عصرنا يعظمه ويفضله على كل أحد
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا أبو حفص عمر بن عبد المنعم بن القواس أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي إجازة قال أخبرنا ابن عبد السلام أخبرنا الشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفيروزابادي قال حكى لي رئيس الرؤساء شرف الوزراء جمال الورى أبو القاسم على بن الحسين عن أبي الحسين القدوري أنه قال الشيخ أبو حامد عند أفقه وأنظر من الشافعي
قال رئيس الرؤساء فاغتظت منه من هذا القول
"""
صفحة رقم 64 """
وبه إلى الشيخ أبي إسحاق قال قلت هذا القول من أبي الحسين حمله عليه اعتقاده في الشيخ أبي حامد وتعصبه للحنفية على الشافعي وما مثل الشافعي ومثل من بعده إلا كما قال الشاعر
نزلوا بمكة في قبائل نوفل
ونزلت بالبيداء أبعد منزل
وعن سليم الرازي أن الشيخ أبا حامد كان في أول أمره يحرس في بعض الدروب ويطالع العلم في زيت الحرس وأنه أفتى وهو ابن سبع عشرة سنة وأقام يفتي إلى أن مات ولما قربت وفاته قال لما تفقهنا متنا
وكان الشيخ أبو حامد رفيع الجاه في الدنيا ووقع من الخليفة أمير المؤمنين ما أوجب أن كتب إليه الشيخ أبو حامد اعلم أنك لست بقادر على عزلي عن ولايتي التي ولانيها الله تعالى وأنا أقدر أن أكتب رقعة إلى خراسان بكلمتين أو ثلاث أعزلك عن خلافتك
وحكى أن قارئا قرأ في مجلسه ) للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا (
فقال الشيخ أبو حامد أما العلو فقد أردنا وأما الفساد فما أردنا
وحكى أنه أرسل إلى مصر فاشترى أمالي الشافعي بمائة دينار
ومن شعر أبي الفرج الدارمي صاحب الاستذكار وقد عاده الشيخ أبو حامد في مرضة مرضها
"""
صفحة رقم 65 """
مرضت فارتحت إلى عائد
فعادني العالم في واحد
ذاك الإمام ابن أبي طاهر
أحمد ذو الفضل أبو حامد
ومن شعر الشيخ أبي حامد
لا يغلون عليك الحمد في ثمن
فليس حمد وإن أثمنت بالغالي
الحمد يبقى على الأيام ما بقيت
والدهر يذهب بالأحوال والمال
ومن محاسن الشيخ أبي حامد أنه اتفق في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة وقوع فتنة بين أهل السنة والشيعة ببغداد بسبب إخراج الشيعة مصحفا قالوا إنه مصحف ابن مسعود وهو يخالف المصاحف كلها فثار عليهم أهل السنة وثاروا هم أيضا ثم آل الأمر إلى جمع العلماء والقضاة في مجلس فحضر الشيخ أبو حامد وأحضر المصحف المشار إليه فأشار الشيخ أبو حامد والفقهاء بتحريقه ففعل ذلك بمحضر منهم فغضبت الشيعة وقصد جماعة من أحداثهم دار الشيخ أبي حامد ليؤذوه فانتقل منها ثم سكن الخليفة الفتنة وعاد الشيخ أبو حامد إلى داره
توفي الشيخ أبو حامد في شوال سنة ست وأربعمائة ودفن بداره ثم نقل سنة عشرة إلى المقبرة
وعليه تأول جماعة من العلماء حديث ( يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها )
"""
صفحة رقم 66 """
ومن الرواية عن الشيخ أبي حامد
أخبرنا الحافظ أبو عبد الله بقراءتي عليه أخبرنا الحسن بن علي الخلال ويوسف ابن أبي نصر الشقاري سماعا قالا أخبرنا الرشيد أبو الفضل محمد بن عبد الكريم ابن الهادي أخبرنا عبد الله بن صابر السلمي أخبرنا الشريف أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني أخبرنا الشيخ الفقيه الفاضل أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي قراءة عليه من أصل كتابه أخبرنا الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الإسفرايني حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبدك الشعراني أخبرنا الحسن بن سفيان الشيباني حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا المعتمر وشعيب بن إسحاق قالا حدثنا ابن عون عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهة لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الحرام كان أوقى لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهة وقع في الحرام كالراتع يرتع حول الحمى وإن حمى الله في الأرض محارمه ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يجسر )
قال ابن المتوكل وزاد فيه غيره عن زكريا عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب فما أنكر قلبك فدعه )
"""
صفحة رقم 67 """
تنبيه عجيب
وقع في كتاب الملل والنحل لأبي الفتح الشهرستاني في أوائله أن فلاسفة الإسلام الذين فسروا كتب الحكمة من اليونانية إلى العربية وأكثرهم على رأي أرسطاليس حنين بن إسحاق وأبو الفرج المفسر وأبو سليمان السجزي ويحيى النحوي ويعقوب بن إسحاق الكندي وأبو سليمان محمد بن معشر المقدسي وأبو بكر بن ثابت بن قرة الحراني وأبو تمام يوسف بن محمد النيسابوري وأبو زيد أحمد بن سهل البلخي وأبو محارب الحسن بن سهل وابن محارب القمي وأبو حامد أحمد بن محمد الإسفزاري وأبو زكريا يحيى بن عدي والصيمري وأبو نصر الفارابي وطلحة النسفي وأبو الحسن العامري والرئيس أبو علي بن سينا
انتهى ملخصا
وأبو حامد الإسفزاري المشار إليه فيلسوف من بلدة إسفزار بكسر الهمزة وسكون السين المهملة وبالفاء والزاي المكسورتين وفي آخرها الراء مدينة بين هراة وسجستان
وإنما نبهت على هذا لأنه تصحف على بعض الناس ممن تكلم معي وقال لي كان الشيخ أبو حامد من فلاسفة الإسلام فقلت له إن الشيخ أبا حامد شيخ العراق لا يدري الفلسفة ولا هو من هذا القبيل فأحضر إلي الكتاب وقد تصحف عليه
"""
صفحة رقم 68 """
الإسفزاري بالإسفرايني فعرفته ذلك ثم أحببت التنبيه على ذلك هنا لئلا يقع فيه غيره كما وقع هو
ومن المسائل والفوائد والغرائب عنه
وقفت على أكثر تعليقة الشيخ أبي حامد بخط سليم الرازي وهي الموقوفة بخزانة المدرسة الناصرية بدمشق والتي علقها البندنيجي عنه ونسخ أخر منها وقد يقع فيها بعض تفاوت وعلى كتابه في أصول الفقه وعلى المختصر المسمى بالرونق المنسوب إليه وكان الشيخ الإمام رحمه الله يتوقف في ثبوته عنه وسمعته غير مرة إذا عزا النقل إليه يقول الرونق المنسوب إلى الشيخ أبي حامد ولا يجزم القول بأنه له وهذه فوائد عن الشيخ أبى حامد من هذه الكتب أو من غيرها
قال في التعليقة في كتاب الفرائض في تاريخ نزول المواريث وعن خط سليم نقلته إن غزوة خيبر كانت في سنة خمس
وفي كلامه ما يشعر أن ذلك من كلام الشافعي وهذا غريب
ونقل صاحب البيان عن الشيخ أبي حامد أنه قال إذا باع كرسف بغداد وخراسان وما لا يحمل إلا سنة وكان جوزه قد انعقد وقوي وتشقق حتى بدا منه القطن لا يصح البيع كالطعام في سنبله
قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى في شرح المهذب وهو محمول على غلط النسخة
"""
صفحة رقم 69 """
وفي الرونق هل تجب الزكاة في اللوز والبلوط فيه قولان وهذا غريب
ذكر صاحب الحاوي في باب المطلقة ثلاثا أن الشيخ أبا حامد ذهب إلى أنه لا يجب الغسل ولا يتعلق أحكام الوطء لمن أدخل ذكره في الفرج غير منتشر بيده لأنه لا شهوة إلا مع الانتشار
ذكر الشيخ أبو حامد في باب الوكالة من تعليقته
أنه لو شهد أبو الموكل أو ابناه أبو أبواه وابنه على الموكل بأنه وكل لم تقبل
كذا نص عليه في أثناء الباب
قال لأن شهادة الأب لا تقبل لابنه وشهادة الابن لا تقبل لأبيه
كذا رأيته مجزوما به في عامة ما وقفت عليه من النسخ بالتعليقة ونقله عنه صاحب البيان ونقله ابن الصباغ في الشامل لكنه لم يصرح بأن الشيخ أبا حامد قائله بل غزاه إلى بعضهم ورده وسأحكي لفظهما
وهذه المسألة وقعت بدمشق سنة ست وتسعين وستمائة
قال الشيخ برهان الدين بن الفركاح في كتاب الشهادات من تعليقته ولم أجدها بخصوصها منقولة وخرج فيها خلافا من مسائل ثم ذكر بعد ذلك أنه وجدها في البيان
قلت ولفظ ابن الصباغ فيها فإن شهد للوكيل أو الموكل أبواه أو ابناه قال أصحابنا لا تثبت وكالته لأنه يثبت بذلك التصرف على الموكل فهي شهادة له وفيه نظر لأن هذه الوكالة تثبت بقول الموكل ويستحق الوكيل بذلك المطالبة بالحق وما يثبت بقوله يثبت بشهادة القرابة عليه كالإقرار انتهى
"""
صفحة رقم 70 """
وعبارة العمراني في البيان وإن شهد بالوكالة أبوا الموكل أو ابناه فذكر الشيخ أبو حامد أنهما لا يقبلان لأنهما يثبتان بذلك التصرف عن الموكل فهي شهادة له
قال ابن الصباغ وفيه نظر انتهى
وحكى بقية كلام ابن الصباغ بنصه
قلت وقال الشيخ برهان الدين ينبغي أن يكون في المسألة خلاف لأن الشهادة في الابتداء ليست للأب بل لأجنبي وهو الوكيل لكنها تتضمن إثبات فائدة للأب فيكون مأخذ الخلاف أن العبرة بالابتداء أو بالتضمن
وكان الشيخ برهان الدين رحمه الله إذ ذاك ابن ست وثلاثين سنة فأخرج لهم قبل أن يجد ما في البيان قول الرافعي في كتاب الشهادات قولين حكاهما الرافعي عن حكاية قول القاضي أبي سعد في عبد في يد زيد ادعى مدع أنه اشتراه من عمرو بعد ما اشتراه عمرو بن زيد صاحب اليد وقبضه وطالبه بالتسليم وأنكر زيد جميع ذلك فشهد ابناه للمدعي بما يقوله فإن الرافعي قال حكى القاضي أبو سعد فيه قولين أحدهما رد شهادتهما لتضمنها إثبات الملك لأبيهما وأصحهما القبول لأن المقصود بالشهادة في الحال المدعي وهو أجنبي عنهما
وذكر أيضا من كلام ابن الصلاح في فتاويه ما ذكر أنه يقرب من ذلك
قلت والشيخ أبو حامد لم يذكر في التعليقة من قبل نفسه إنما نقلها عن أبي العباس بن سريج كذا يظهر لمن تأمل أول كلامه وآخره وأبو العباس له فروع في الشهادة في الوكالة ختم بها باب الوكالة وخرجها على أصل الشافعي وقدماء
"""
صفحة رقم 71 """
العراقيين يذكرونها في باب الوكالة فربما وقف عليها بعض المصنفين فأحب تأخيرها إلى مظنتها من كتاب الشهادات فإنه بها أنسب ثم لما انتهى إلى كتاب الشهادات نسيها فمن هنا جاء إهمالها ولذلك نظائر كثيرة أتى الإهمال فيها من جهة التبويب
مسألة تعقبت على الشيخ أبي حامد
اعلم أنه ما جاء بعد أبي العباس بن سريج من اشتهرت تصانيفه وكثرت تلامذته واتسعت أقواله وبعد عن القرين في زمانه كالشيخ أبي حامد وبهذا القيد خرجت أئمة هم أجل منه وهم بعد ابن سريج لكن لم يتهيأ لهم هذا الوصف فطالما تعقب الشيخ أبو حامد كلام أبي العباس وما جاء بعد الشيخ أبي حامد في العراقيين مثل القاضي أبي الطيب الطبري وقد تعقب كثيرا من كلام أبي حامد
ومما تعقبه قال في تعليقته في باب القضاء بالشاهد واليمين بعد ما ذكر أن الجناية الموجبة للقصاص لا تثبت بالشاهد واليمين ما نصه وكذلك إذا قطعت يده من الساعد لم يسمع فيه الشاهد واليمين وغلط أبو حامد الإسفرايني في هذا فقال يسمع فيه الشاهد واليمين وليس كذلك لأن هذه الجناية تتضمن القصاص ولا يسمع فيه الشاهد واليمين
ثم أطال في الرد عليه واستشهد بنص الشافعي رضي الله عنه فإن كان الجراح هاشمة أو مأمومة لم أقبل منه أقل من شاهدين وساقها على نحو المناظرة بينه وبين الشيخ أبي حامد ولا يبعد ذلك فإن القاضي أبا الطيب كان يحضر مجلس أبي حامد وأيضا فإني لم أرها في تعليقة الشيخ أبي حامد فدل على أن ذلك كان مجلس نظر بينهما وإني ألخص المناظرة فأقول
"""
صفحة رقم 72 """
قال القاضي أبو الطيب بعد ما استشهد بالنص في الهاشمة والمأمومة ما حاصله إذا كان لا يقبل في الهاشمة أقل من شاهدين وإن كانت توجب المال لأن قبلها الموضحة وفيها القصاص فكذلك قطع اليد من الساعد لأن قبلها المفصل
قال الشيخ أبو حامد الفرق بين المسئلتين أن الهشم يتضمن الإيضاح فيكون مباشرا للإيضاح الذي ثبت فيه القصاص وواضعا الحديدة في موضع ثبت فيه القصاص بخلاف القطع من ساعد فإنه وضع الحديدة في موضع لا قصاص فيه
قال القاضي أبو الطيب فيجب على هذا أن تقول إنه لا يجب القصاص بتلك الجناية من المفصل وقد أجمعنا على وجوبه بها منه وصار في معنى الهشم
قال الشيخ أبو حامد لا أسلم أن القصاص يجب بهذه الجناية من المفصل
قال القاضي أبو الطيب غلط أيضا على المذهب لأن الشافعي نص على أنه إذا قطع يد رجل ويد المقطوع ذات ثلاث أصابع ويد القاطع كاملة الأصابع لم تقطع يده الكاملة بيده الناقصة فإن رضي بأن يقتص منه في ثلاث أصابع اقتص منه فيها وأخذ الحكومة في الباقي وهذا يدل على بطلان ما قاله
انتهى
وهو مكان مهم قد دارت المنازعة فيه بين هذين الإمامين الجليلين ولم أجد للرافعي ولا لابن الرفعة عليه كلاما وأغرب من ذلك أن ابن أبي الدم قد تكلم عليه في شرح الوسيط ولم يتعرض له ابن الرفعة في المطلب مع تتبعه كلام ابن أبي الدم
وقد قال ابن أبي الدم إن ما ذكره القاضي أبو الطيب طريقة له وإن الشيخ أبا علي قال في شرحه لمختصر المزني ولو ادعى على رجل أنه قطع يده من نصف
"""
صفحة رقم 73 """
الذراع هل يثبت بشاهد ويمين فيه قولان أحدهما المنع لأنه لو ثبت لثبت القصاص في الكوع والثاني يثبت الحكومة في الذراع ولا يثبت في الكوع قصاص ولا دية
قال فلو ادعى عليه جناية موجبة للمال إلا أن في ضمنها ما يوجب القود كالهاشمة والموضحة فنص الشافعي أنه لا يثبت إلا بشهادة شاهدين
وحكى فيه صاحب التقريب قولا آخر أنه يثبت بشاهد ويمين ويثبت به أرش الهاشمة وعلى هذا هل يثبت القصاص في الموضحة تبعا فيه وجهان فالذي قاله الشيخ أبو حامد قول لصاحب المذهب فلا وجه لتغليطه
هذا ملخص كلام ابن أبي الدم
وما حكاه صاحب التقريب من الوجهين في إثبات القصاص في الموضحة والحالة ما ذكر معروف بالإشكال فإنه كيف تتبع الموضحة الهاشمة في وجوب القصاص والمتبوع لا قصاص فيه نعم للخلاف في وجوب أرش الموضحة اتجاه لأنا وجدنا متعلقا لثبوت المال والمال يستتبع المال أما أنه يستتبع القصاص فلا
وجميع ما ذكره ابن أبي الدم عن صاحب التقريب وعن الشيخ أبي علي ذكره الرافعي وابن الرفعة كلاهما في باب دعوى الدم والقسامة ولم يتعرضا لكلام الشيخين أبي حامد والقاضي أبي الطيب
تعارض بين بينتي الرق والحرية
ذكر أبو عاصم العبادي أن الشيخ أبا حامد قال في مجهول النسب أقام البينة أنه حر وأقام المدعي البينة أنه رقيق إن بينة الرق أولى لأنه طارىء
"""
صفحة رقم 74 """
قال وقال غيره إن بينة الحرية أولى
قلت وصرح القاضي أبو سعد في الإشراف بنقل القول بتقديم الحرية عن جميع الأصحاب غير الشيخ أبي حامد
وصرح الماوردي في الحاوي في كتاب النكاح عند الكلام في خيار المعتقة بحكاية وجهين أحدهما التعارض والثاني أن بينة الرق أولى
والذي حزم به الرافعي في الفروع المنثورة آخر باب الدعاوي أن بينة الرق أولى
كما قاله الشيخ أبو حامد
وموضع الخلاف تعارض الرق وحرية الأصل أما الرق والعتق فلا يخفى أن العتق أولى وبه جزم الماوردي في كتاب النكاح والرافعي في باب الدعاوى وغيرهما وهو واضح
272
أحمد بن محمد بن أحمد القاضي أبو العباس الجرجاني
صاحب المعاياة والشافي والتحرير وغير ذلك
كان إماما في الفقه والأدب قاضيا بالبصرة ومدرسا بها
وله تصانيف في الأدب حسنة منها كتاب الأدباء
وقد سمع الحديث من أبي طالب بن غيلان وأبي الحسن القزويني وأبي عبد الله الصوري والقاضيين أبي الطيب والماوردي والخطيب أبي بكر وأبي بكر بن شاذان وغيرهم
"""
صفحة رقم 75 """
روى عنه أبو علي بن سكرة الحافظ وإسماعيل بن السمرقندي وأبو طاهر أحمد ابن الحسن الكرجي والحسين بن عبد الملك الأديب وغيرهم
وتفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي
قال ابن السمعاني فيه قاضي البصرة رجل من الرجال دخال في الأمور خراج أحد أجلاء الزمان
وقال ابن النجار له النظم المليح صنف كتاب كنايات الأدباء وإشارات البلغاء جمع فيه محاسن النظم والنثر
قلت لم يذكره واحد منهما بالفقه وقد كان فيه إماما ماهرا وفارسا مقداما وتصانيفه فيه تنبىء عن ذلك
توفي سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 76 """
ومن المسائل الغريبة والفوائد العجيبة عنه
قال في كتاب المعاياة إن السابي إذا وطىء الجارية المسبية يكون متملكا لها
وتبعه الروياني في الفروق على ذلك وهو غريب
وقال في الشافي إنه يجوز للرجل الخلوة بأمته المستبرأة وإنه يكره لمن عليه صوم رمضان أن يتطوع بصوم
وحكى وجها أن ضمان نفقة اليوم للزوجة لا يصح والمشهور الصحة
"""
صفحة رقم 77 """
273
أحمد بن محمد بن أحمد الإمام الكبير أبو العباس الروياني
جد صاحب البحر وهو صاحب الجرجانيات
روى عن القفال المروزي
أخبرنا أحمد بن علي الجزري عن محمد بن عبد الهادي عن أبي طاهر السلفي أخبرنا أبو المحاسن الروياني بالري سنة إحدى وخمسين وخمسمائة أخبرنا جدي
"""
صفحة رقم 78 """
أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الروياني بآمل حدثنا عبد الله بن أحمد الفقيه حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة عن أبيه قال خرجت مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلنا منزلا فقال ( إيت تينك الأشاءتين ) يعني نخلتين ( فقل لهما إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يأمركما أن تجتمعا ) فأتيتهما فقلت لهما فوثبت كل واحدة منهما إلى صاحبتها فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أتاهما فاستتر بهما فقضى حاجته فقال لي ( ائتهما فقل لهما ارجعا ) فقلت لهما فرجعت كل واحدة منهما إلى مكانها
274
أحمد بن محمد بن إسماعيل بن علي أبو الحسن الشجاعي النيسابوري
أمين مجلس القضاء بنيسابور
كان من فقهاء المذهب وكانت له ثروة ظاهرة وحشمة عالية
مولده سنة عشر وأربعمائة
وحدث عن أبي بكر الحيري
روى عنه عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي ومحمد بن جامع خياط الصوف وعمر ابن أحمد الصفار وعبد الخالق بن زاهر وعبد الله بن الفراوي وهبة الرحمن القشيري وغيرهم
"""
صفحة رقم 79 """
275
أحمد بن محمد ابن الحسن بن محمد بن إبراهيم أبو بكر الفوركي
سبط الإمام أبي بكر بن فورك من أهل نيسابور
ورد بغداد واستوطنها وكان يعظ بالنظامية
درس الكلام على مذهب الأشعري على أبي الحسن القزاز
وتزوج بابنة الأستاذ أبي القاسم القشيري
سمع أبا عثمان الصابوني وأبا الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي وأبا الحسن بن المرزبان وغيرهم
روى عنه عبد الوهاب بن الأنماطي وغيره
مولده في شهر رجب سنة ثمان وأربعمائة ومات سنة ثمان وسبعين وأربعمائة
276
أحمد بن محمد بن الحسين أبو نصر بن البخاري
حمو القاضي الصيمري
تفقه ببغداد على الشيخ أبي حامد
"""
صفحة رقم 80 """
قال الخطيب ثم ولي قضاء الكوفة فخرج إليها وأقام بها دهرا طويلا وقدم بغداد وحدث عن أبي القاسم المرجي الموصلي
كتبت عنه وكان ثقة
وبلغنا أنه مات بالكوفة في يوم الإثنين لست خلون من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وأربعمائة
277
أحمد بن محمد بن عبيد الله
مصغرا بن محمد بن جعفر بن أحمد بن موسى أبو بكر البستي من كبار أئمة نيسابور وأولى الرياسة والحشمة
حدث عن أبي الحسن الدارقطني
من كبار فقهاء أصحاب الشافعي والمدرسين المناظرين بنيسابور
وكانت له المروءة الظاهرة والثروة الوافرة
بنى لأهل العلم مدرسة على باب داره ووقف عليها جملة من ماله
وتوفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 81 """
278
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن سعيد أبو العباس الأبيوردي
أحد أصحاب الشيخ أبي حامد
سكن بغداد وولي قضاء الجانب الشرقي منها
وكانت له حلقة للفتوى في جامع المنصور
قال الخطيب وذكر لي أنه سمع ببلاد خراسان ولم يكن معه من مسموعاته غير شيء يسير كتبه بالري وهمذان عن علي بن القاسم بن شاذان القاضي وجعفر بن عبد الله الفناكي وصالح بن أحمد بن محمد التميمي
قال وكان حسن الإعتقاد جميل الطريقة ثابت القدم في العلم فصيح اللسان يقول الشعر
ولد سنة سبع وخمسين وثلاثمائة
ومات في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 82 """
279
أحمد بن محمد بن عبد الواحد
ابن أحمد بن محمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن المنكدر القرشي التيمي المروروذي المعروف بالمنكدري
إمام فاضل
تفقه على الشيخ أبي حامد في قدمة قدمها إلى بغداد
وسمع من أبي أحمد الفرضي وأبي عمر بن مهدي
وسمع بنيسابور من الحاكم أبي عبد الله والشيخ أبي عبد الرحمن السلمي
وحدث ببغداد
كتب عنه الخطيب
مولده في شعبان سنة أربع وسبعين وثلاثمائة
ومات بمروالروذ سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة وبها ولد
"""
صفحة رقم 83 """
280
أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن شجاع السرخسي
أبو حامد الشجاعي
تفقه على الشيخ أبي على السنجي ودرس مدة
وكان إماما مبرزا كبير القدر
سمع الحديث من الليث بن محمد الليثي وغيره
روى عنه ابن أخيه محمد بن محمود السره مرد وعمر البسطامي الحافظ وجماعة من شيوخ ابن السمعاني وله مجلس من أماليه مروي
توفي ببلخ سنة ثنتين وثمانين وأربعمائة
وسبق أحمد بن محمد الشجاعي غير هذا
281
أحمد بن محمد بن علي بن نمير
الشيخ الجليل أبو سعيد الخوارزمي الضرير
تفقه على الشيخ أبي حامد الإسفرايني
قال الخطيب وكان حافظا متقنا للفقه
"""
صفحة رقم 84 """
يقال لم يكن في عصره من الشيوخ بعد أبي الطيب الطبري أفقه منه
وكان يقدم على أبي القاسم الكرخي وأبي نصر الثابتي
وحدث عن أبي القاسم الصيدلاني
كتبت عنه وكان صدوقا
مات يوم الاثنين العاشر من صفر سنة ثمان وأربعين وأربعمائة
قال ابن الصلاح ذكر ابن عقيل في الفنون قال قال الشيخ الإمام أبو الفضل الهمذاني شيخنا في الفرائض ذاكرت بهذه المسألة يعني قول الرجل لامرأته أنت طالق لا كنت لي بمرة حيث كثر الاستفتاء فيها الشيخ أبا سعيد الضرير فقال هي على ثلاثة أقسام الأول أن يعني لا كنت لي بمرة لوقوع الطلاق عليك فيقع ما نواه من الطلاق وإن لم ينو عددا وقعت واحدة والثاني أن يعني لا كنت لي بمرة أي لا استمتعت بك فيكون معلقا بوطئها فإن وطئها وقعت طلقة الثالث أن يريد أنت طالق لا استدمت نكاحك فإن مضى زمان يمكنه فيه الإبانة فلم يبنها وقعت طلقة
282
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبيد الهروي
صاحب الغريبين في لغة القرآن ولغة الحديث
"""
صفحة رقم 85 """
أخذ اللغة عن الأزهري وغيره
وروى الحديث عن أحمد بن محمد بن ياسين وأبي إسحاق أحمد بن محمد بن يونس البزاز الحافظ
روى عنه أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وأبو عمر عبد الواحد ابن أحمد المليحي
توفي لست خلون من رجب سنة إحدى وأربعمائة
283
أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد أبو منصور بن الصباغ البغدادي
ابن أخي الشيخ أبي نصر وزوج ابنته
إمام عالم جليل القدر
وتفقه على القاضي أبي الطيب الطبري وعلى عمه الشيخ أبي نصر
وروى الحديث عن القاضي أبي الطيب والحسن بن علي الجوهري وأبي يعلى بن الفراء وأبي الحسين بن النقور وأبي القاسم بن اليسرى وأبي الغنائم بن المأمون وأبى على الحسن بن أحمد الحداد وغيرهم
"""
صفحة رقم 86 """
روى عنه محمد بن طاهر المقدسي وأبو المعمر الأنصاري وأبو الحسن بن الخل الفقيه وغيرهم
قال ابن النجار كان فقيها فاضلا حافظا للمذهب متدينا يصوم الدهر ويكثر الصلاة
قال وكان ينوب عن القاضي أبي محمد بن الدامغاني في القضاء بربع الكرخ ثم ولي الحسبة بالجانب الغربي ببغداد
قال وله مصنفات ومجموعات حسنة
قال وكان خطه رديئا
توفي يوم الاثنين رابع عشر المحرم سنة أربع وتسعين وأربعمائة
ودفن من الغد في مقبرة باب حرب ببغداد
ومن مسائل القاضي أبي منصور
ذكر أن إمامة الأقلف تكره بعد البلوغ ولا تكره قبله
وقال أبو منصور في الفتاوى التي جمعها من كلام عمه الشيخ أبي نصر وفيها كثير من كلامه إذا قال لزوجته أنت طالق لا بد أن تفعلي كذا أنه لم يجدها منصوصة
قال أبو منصور ورأيت شيخنا يعني أبا نصر بن الصباغ يفتي أنه يكون على الفور
قال وأفتى غيره بأنه يكون على التراخي
وقال أبو منصور أيضا في هذه الفتاوى في مسألة العمياء هل لهما حضانة
"""
صفحة رقم 87 """
لم أجد هذه المسألة مسطورة وسألت شيخنا يعني ابن الصباغ فقال إن كان الطفل صغيرا فلها الحضانة لأنه يمكنها حفظه وإن كان كبيرا فلا حضانة لها لتعذر الحفظ
قلت والأمر كما وصف من كون المسألة غير مسطورة ولم يقع البحث عنها إلا في زمان ابن الصباغ فأفتى بهذا وأفتى عبد الملك بن إبراهيم المقدسي بأنه لا حضانة لها مطلقا وأراه الأرجح
284
أحمد بن محمد الشيخ أبو حامد الغزالي القديم الكبير
هذا الرجل قد وقع الخبط في أمره وجهل أكثر الخلق حاله وأول بحثي عن ترجمته لما كنت أقرأ طبقات الشيخ أبي إسحاق على شيخنا الذهبي مررت بقوله وبخراسان وفيما وراء النهر من أصحابنا خلق كثير كالأودني وأبي عبد الله الحليمي وأبي يعقوب الأبيوردي وأبي علي السنجي وأبي بكر الفارسي وأبي بكر الطوسي وأبي منصور البغدادي وأبي عبد الرحمن السلمي وناصر المروزي وأبي سليم الشاشي والغزالي وأبي محمد الجويني وغيرهم ممن لم يحضرني تاريخ موتهم
"""
صفحة رقم 88 """
هذا كلام الشيخ أبي إسحاق أخبرنا به أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه من أصل سماعه وهو أصل صحيح قال أخبرنا عمر بن عبد المنعم بن القواس أخبرنا زيد بن الحسن الكندي إجازة أخبرنا ابن عبد السلام أخبرنا الشيخ أبو إسحاق فذكره
وقد سألت شيخنا الذهبي حالة القراءة عليه من هذا الغزالي فقال هذا زيادة من الناسخ فإنا لا نعرف غزاليا غير حجة الإسلام وأخيه ويبعد كل البعد أن يكون ثم آخر لأن هذه نسبة غريبة يقل الاشتراك فيها
قال ويبعد أن يريد حجة الإسلام إذ هو مثل تلامذته
وأيضا فإنه لم يذكر من أقرانه أحدا كإمام الحرمين وابن الصباغ وغيرهما فكيف يذكر من هو دونهم
وأيضا فإنه ذكره قبل الشيخ أبي محمد والشيخ أبو محمد شيخ شيخ الغزالي فإنه شيخ ولده إمام الحرمين شيخ الغزالي فكل هذا مما يمهد أنه لم يرد الغزالي
فقلت له إذ ذاك وثم دليل آخر قاطع على أنه لم يرد أبا حامد حجة الإسلام
فقال ما هو
فقلت قوله لم يحضرني تاريخ موتهم فإن هذا دليل منه على أنهم كانوا قد ماتوا ولكن ما عرف تاريخ موتهم وحجة الإسلام كان موجودا بعد موت الشيخ
قال صحيح
ثم ذكرت ذلك لوالدي الشيخ الإمام تغمده الله برحمته فذكر نحوا مما ذكره الذهبي
وتمادى الأمر وأنا لا أقف على نسخة من الطبقات وأكشف عن هذه الكلمة إلا وأجدها فأزداد تعجبا وفكرة
"""
صفحة رقم 89 """
ثم وقعت لي نسخة عليها خط الشيخ أبي إسحاق وقد كتب عليها بأنها قرئت عليه فألفيت هذه اللفظة فيها
ثم وقفت في تعليقة الإمام محمد بن يحيى صاحب الغزالي في الزكاة في مسألة التلف بعد التمكن أنه ألزم شافعي فقيل له أليس لو تلف النصاب قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة فكذلك بعد التمكن بخلاف ما لو أتلف فإنها لا تسقط
فقال مسألة الإتلاف ممنوعة لا زكاة عليه ولا ضمان وأسند هذا المنع إلى الغزالي القديم والشيخ أبي علي تفريعا على أن الزكاة إنما تجب بالتمكن
انتهى
ثم وقفت في كتاب الأنساب لابن السمعاني في ترجمة الزاهد أبي علي الفارمذي على أن أبا علي المذكور تفقه على أبي حامد الغزالي الكبير فلما وقفت على هذين الأمرين سر قلبي وانشرح صدري وأيقنت أن في أصحابنا غزاليا آخر فطفقت أبحث عنه في التواريخ فلا أجده مذكورا إلى أن وقفت على ما انتقاه ابن الصلاح من كتاب المذهب في ذكر شيوخ المذهب للمطوعي فرأيته أعني المطوعي قد ذكر أبا طاهر الزيادي وعظمه
ثم قال وتخرج بدرسه من لا يحصى كثرة كأبي يعقوب الأبيوردي صاحب التصانيف السائرة والكتب الفائقة الساحرة وذكره
ثم قال وكأبي حامد أحمد بن محمد الغزالي الذي أذعن له فقهاء الفريقين وأقر
"""
صفحة رقم 90 """
بفضله فضلاء المشرقين والمغربين إذا حاور العلماء كان المقدم وإن ناظر الخصوم كان الفحل المقرم وله في الخلافيات والجدل ورءوس المسائل والمذهب تصانيف
انتهى
فازددت فرحا وسرورا وحمدت الله حمدا كثيرا
وقد وافق هذا الشيخ حجة الإسلام في النسبة الغريبة والكنية واسم الأب ثم بلغني أنه عمه فقيل لي أخو أبيه وقيل عم أبيه أخو جده ثم حكى لي سيدنا الشيخ الإمام العلامة ولي الله جمال الدين عمدة المحققين محمد بن محمد بن محمد الجمالي حياه الله وبياه وأمتع ببقياه أن قبر هذا الغزالي القديم معروف مشهور بمقبرة طوس وأنهم يسمونه الغزالي الماضي وأنه جرب من أمره أنه من كان به هم ودعا عند قبره استجيب له
285
أحمد بن محمد الشقاني
"""
صفحة رقم 91 """
286
أحمد بن محمد الطوسي أبو حامد الراذكاني
وراذكان براء مهملة ثم ألف ساكنة ثم ذال معجمة مفتوحة ثم كاف ثم ألف ثم نون من قرى طوس
وهذا الراذكاني أحد أشياخ الغزالي في الفقه
تفقه عليه قبل رحلته إلى إمام الحرمين
287
أحمد بن منصور بن أبي الفضل
الفقيه أبو الفضل الضبعي السرخسي من أهلها الهوذي
من أقارب خارجة بن مصعب الضبعي بضاد معجمة مضمومة بعدها باء موحدة مفتوحة
قدم بغداد شابا فتفقه على الشيخ أبي حامد الإسفرايني
وسمع بها وبخراسان من طائفة
وكان بارعا مناظرا واعظا كبير القدر
ذكره أبو الفتح العياضي في رسالته فقال وأبو الفضل الهوذي في الفقه ما أثبته وفي مجلس النظر ما أنظره وعلى المنبر ما أفصحه
"""
صفحة رقم 92 """
وقال ابن السمعاني إنه حدث في مدينة سرخس ب سنن أبي داود عن القاضي أبي عمر الهاشمي وكانت ولادته تقريبا في سنة سبعين وثلاثمائة
قال شيخنا الذهبي أتوهمه بقي إلى حدود الخمسين وأربعمائة
288
محمد ابن الإمام أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل أبو نصر الإسماعيلي
كان عالما رئيسا رأس في حياة أبيه وكان رئيس مدينة جرجان والمشار إليه
ورحل في صباه فسمع أبا العباس الأصم ودعلج بن أحمد وأبا بكر الشافعي وأبا يعقوب البحيري وابن رحيم الكوفي وخلقا
روى عنه حمزة السهمي وقال في تاريخه كان له جاه عظيم وقبول عند الخاص والعام في كثير من البلدان وتحل بكتابه العقد
وكان يعرف الحديث ويدريه وأول ما جلس للإملاء في حياة والده أبي بكر الإسماعيلي وفي سنة ست وستين في مسجد الصفارين إلى أن توفي والده ثم انتقل إلى المسجد الذي كان والده يملي فيه ويملي كل سبت إلى أن توفي
وكانت وفاته في يوم الأحد ودفن يوم الاثنين لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وأربعمائة وصلى عليه أبو معمر الإسماعيلي
قلت ذكره ابن عساكر في كتاب التبيين لكونه هو وأهل بيته من أجلاء الأشعرية
"""
صفحة رقم 93 """
وقول شيخنا الذهبي في ترجمة المذكور وزعم ابن عساكر أنه كان أشعريا لا يتوهم منه أن الأمر عنده بخلاف ذلك فإن أشعرية هذا الرجل وأهل بيته أوضح من أن تخفى ولكن شيخنا على عادته في الإيهام غضا من الأشاعرة سامحه الله
ومن الرواية عنه
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أخبرنا محمد بن أبي العز بطرابلس عن محمود بن مندة أخبرنا أبو رشيد أحمد بن محمد أخبرنا عبد الوهاب بن مندة سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي أخبرنا أحمد بن عمرو بن الخليل الآملي حدثنا أبو حاتم الرازي حدثنا عمرو بن عون أنبأنا ابن المبارك عن ابن عجلان عن عامر بن عبد الله عن عمرو بن سليم عن أبي قتادة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس )
289
محمد بن أحمد بن سعيد بن موسى بن أحمد بن كعب بن زهير العقيلي الكاثي القاضي أبو عبد الله الكعبي
من علماء خوارزم
سمع بها من الشريف هبة الله بن الحسين العباسي
"""
صفحة رقم 94 """
وبمرو من أبي عبد الله الشيرنخشيري
وتفقه بخوارزم على أبيه
وبمرو على الشيخ أبي القاسم الفوراني
قال صاحب الكافي كان من مشاهير صدور خوارزم وفضلائها وفقهائها وبيته بخوارزم بيت علم وديانة ورياسة وثروة
تولى القضاء بكاث والخطابة ورياسة الفريقين إلى أن توفي لا ينازع في شيء منها
قال وكان قاضيا عدلا ومناظرا فحلا
وذكر أن أبا عثمان سعيد بن محمد الخوارزمي المعروف برئيس كركانج خوارزم وكان من فحول مناظري بخارى في عهده كان يقول لو دخلت خوارزم وناظرت القاضي الكعبي لقطعته فلما دخلها اجتمعا وتناظرا في مسألة نقصان الولادة هل ينجبر بالولد ظهر كلام القاضي عليه غاية الظهور وخجل رئيس كركانج
قال القاضي الكعبي سمعت الشيرنخشيري ينشد ويقول
أقبل معاذير من يأتيك معتذرا
إن بر عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من يأتيك معتذرا
وقد أجلك من يعصيك مستترا
قال صاحب الكافي توفي القاضي الكعبي في مستهل صفر سنة إحدى وثمانين وأربعمائة بكاث وحمل تابوته إلى خشراخان ودفن بها في مقبرة الكعبية وجلس ابنه أبو سعيد مكانه في القضاء والخطابة ورياسة الفريقين
"""
صفحة رقم 95 """
290
محمد بن أحمد بن شاكر القطان أبو عبد الله المصري
الذي جمع ما انتهى إليه من فضائل الشافعي رضي الله عنه
روى عن عبد الله بن جعفر بن الورد والحسن بن رشيق وجماعة
روى عنه القاضي أبو عبد الله القضاعي وأبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال وجماعة
توفي في المحرم سنة سبع وأربعمائة
291
محمد بن أحمد بن شاده بن جعفر أبو عبد الله الأصبهاني القاضي الروذدشتي
القاضي بدجيل
قال ابن السمعاني تفقه على مذهب الشافعي وكان رضي السيرة في القضاء
"""
صفحة رقم 96 """
سمع أبا عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي الفارسي وأبا الحسن محمد بن محمد بن محمد بن مخلد البزاز
ثم قال روى لنا عنه محمد بن عبد الباقي البزاز ويجيى بن علي الطراح
مات سنة أربع وستين وأربعمائة
292
محمد بن أحمد بن شعيب
وبخط شيخنا الذهبي أبي شعيب بن عبد الله بن الفضل بن عقبة أبو منصور الروياني
نزيل بغداد
سمع ابن كيسان النحوي وسهل بن أحمد الديباجي
روى عنه الخطيب
مات في شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة
293
محمد بن أحمد بن العباس الفارسي القاضي أبو بكر البيضاوي
كان إماما جليلا له الرتبة الرفيعة في الفقه وله معرفة بالأدب صنف في كل منهما وكان يعرف بالشافعي
"""
صفحة رقم 97 """
واعلم أن البيضاوي في هذه الطبقة من أصحابنا ثلاثة هذا القاضي وختن القاضي أبي الطيب الطبري وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد شيخ أبي إسحاق الشيرازي سيردان ولم يذكر الشيخ أبو إسحاق في كتابه غير شيخه
وأبو بكر هذا هو مصنف التبصرة في الفقه مختصر هو عندي وله عليه كتابان أحدهما الأدلة في تعليل مسائل التبصرة ذكر ابن الصلاح أنه وقف عليه والثاني التذكرة في شرح التبصرة وقفت أنا عليه وهو في مجلدين ذكر في خطبته أنه لما حصل بفرج سنة إحدى وعشرين وأربعمائة سئل فيه وقال في آخره صنفت هذا الكتاب بقرح عند رجوعي من بارم ولم يكن معي كتاب أعتمد في شيء عليه أو أرجع في وقت إليه وارتفع ذلك في مدة أربعة أشهر مع توفري كل يوم على التدريس ومذاكرة الجماعة إلى نصف النهار وكفى بالله ثم الشيوخ الشاهدين تأليفي هذا الكتاب على ما قلته شهيدا وانتهى الكتاب في الرابع عشر من شوال سنة إحدى وعشرين وأربعمائة
هذا نص كلامه وهو شرع حسن فيه فوائد
وله أيضا على ما ذكر ابن الصلاح كتاب الإرشاد في شرح كفاية الصيمري
ولم يذكره الخطيب في تاريخ بغداد إما لأنه لم يدخلها أو أنه لا رواية له أو لغير ذلك وإنما ذكر البيضاوي الآخر محمد بن عبد الله
"""
صفحة رقم 98 """
ذكر نخب وفوائد من مصنفات هذا الرجل
أما تعليل مسائل التبصرة فلم أقف عليه إلى الآن ووقف عليه ابن الصلاح وذكر أنه ذكر فيه أن الحائض لو قالت أنا أتبرع بقضاء ما فات من الصلوات في أيام الحيض قلنا لا يجوز ذلك بل تصلين ما أحببت من النوافل فأما قضاء ذلك فلا
واحتج بأن أمرأة ذكرت مثل ذلك لعائشة رضي الله عنها فنهتها وقالت أحرورية أنت
قال ابن الصلاح وصحح في كتاب الإرشاد القول بأن رب الدار أولى بالإمامة من السلطان وهو قول الشافعي
قلت وسيأتي في الطبقة السادسة في ترجمة القاضي ابن شداد تفصيله بين الجمعة والعيد وغيرهما وقوله إنما يكون الإمام أولى بالجمعة والعيد وكان الخطابي سبقه إليه
قلت ولا موقع لهذا التفصيل فإن الجمعة والعيد لا يكونان في دار حتى يقال السلطان أولى من رب الدار وإنما الكلام فيما يقام في الدور فهو في الحقيقة قول بأن رب الدار أولى كما صححه هذا البيضاوي رضي الله تعالى عنه
مسألة الصيغة في الشهادة على الزنا
قد علم أن الشافعي رضي الله عنه ذكر في صيغتها أن الشاهد يقول دخول المرود في المكحلة إذ قال في مختصر المزني في باب حد الزنا ولا يجوز على الزنا واللواط وإتيان البهائم إلا أربعة يقولون رأينا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة انتهى
"""
صفحة رقم 99 """
وكذا قال رضي الله عنه في الأم والتصريح به أن يقولوا رأينا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة إلى أن قال فإذا صرحوا بذلك فقد وجب الحد
قال ابن الرفعة وقد صار إلى ذلك الفوراني ولم يحك في إبانته غيره
ويوافقه قول القاضي الحسين وقد قيل إن ذلك التشبيه واجب كأنه لما غلظ بالعدد غلظ بالتشبيه ليكون أبلغ
قال لكن الذي ذكره القاضي أبو الطيب أنه يكفي أن يقول أولج ذكره في فرجها وإن ذكر كالمرود في المكحلة والإصبع في الخاتم والرشاء في البئر كان آكد وهذا ما أورده الرافعي لا غير وعزاه إلى القاضي أبي سعيد
انتهى كلام ابن الرفعة ملخصا
وأقول أما اقتصار الفوراني في إبانته على ذكر هذا التشبيه فقد اقتصر عليه أيضا الماوردي في الحاوي والبغوي في التهذيب والغزالي لكن من تأمل كلامهم لم يجده نصا في تعيين هذه اللفظة أعني لفظة التشبيه وقد تركها أبو علي بن أبي هريرة فلم يذكرها في تعليقته بل اقتصر على قوله ولا بد أن يقولوا رأيناه يزني بها ورأينا ذلك منه في ذلك منها
انتهى
وكذلك فعل المحاملي في كتاب المقنع وغير واحد لم يذكر أحد منهم لفظ المرود في المكحلة بالكلية
وصرح صاحب الشامل بأن أصحابنا قالوا إذا قال رأيت ذكره في فرجها كفى والتشبيه تأكيد
انتهى
وتبعه صاحب البحر فقال قال أصحابنا ولو قال رأينا ذكره غاب في
"""
صفحة رقم 100 """
فرجها أجزأهم ولا يحتاجون إلى قولهم مثل المرود في المكحلة لأنه صريح في هذا المعنى فإن ذكروه كان تأكيدا
انتهى
وأفاد قبيل ذلك أن قول الشافعي ذلك منه في ذلك منها تحسين للعبارة والمراد التصريح بما يحقق المراد
وهذه عبارته قال الشافعي ثم يتفهم الحاكم حتى يثبتوا أنهم رأوا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة وهذا تحسين للعبارة من جهة السلف فأما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فما قنع إلا بصريح العبارة
انتهى فدل أن المراد تحقيق الإيلاج خشية أن يظن المفاخذة زنا لا أنا متعبدون بلفظ المرود والمكحلة على خلاف ما يتسارع إلى الفهم من كلام الشافعي
ومن جرى على ظاهر نصه فليحمل كلام من أطلق على ما فسره القاضي أبو الطيب والقاضي أبو سعد ونقله ابن الصباغ والروياني عن الأصحاب من أن لفظ المرود والمكحلة غير شرط وإنما المراد الإيضاح دون التقيد به
وأما قول ابن الرفعة إن القاضي الحسين قال وقد قيل إن ذلك واجب فكأنه مستخرج في المسألة خلافا
وقد كشفت فوجدت الخلاف مصرحا به في كلام القاضي أبي بكر البيضاوي
قال في باب الشهادة على الزنا من كتابه شرح التبصرة ما نصه قال الشافعي رحمه الله كدخول المرود في المكحلة فمن أصحابنا من قال ذلك على الوجوب وإذا لم يقولوا ذلك لم تتم الشهادة والأصح أنه إذا قالوا نشهد أنه زنى بها ورأينا الذكر منه قد دخل في الفرج منها تمت الشهادة لأن الباقي تشبيه والتشبيه ليس من تمام
"""
صفحة رقم 101 """
الشهادة كما لو شهدوا أن ذلك ذبح فلانا فلا يحتاج أن يقولوا كما يذبح القصاب الشاة انتهى
فخرج في المسألة وجهان مصرح بهما بنقل هذا الإمام الثبت وأصحهما كما ذكر وهو الذي عزا إلى الأصحاب عدم الاحتياج وحمل ما وقع في كلام الشافعي على الإيضاح لا التقيد
وما وقع في كلام الشافعي وفي رواية أبي داود في حديث ماعز فإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال له ( أنكتها ) قال نعم
قال ( صلى الله عليه وسلم ) ( حتى غاب ذلك منك في ذلك منها ) قال نعم
قال كما يغيب الميل في المكحلة والرشاء في البئر قال نعم
الحديث
ولفظ الرشاء في البئر لم يقع في كلام الشافعي فدل أنه لم يفهم منه تعين هذه الألفاظ
نعم أنا أقول ينبغي أن يتعين لفظ النيك بصريح النون والياء والكاف فإني وجدته في غالب الروايات
وفي لفظ الصحيحين قال أنكتها لا يكنى
قال نعم الحديث
ولا أجد في الصراحة ما هو بالغ مبلغ لفظ النيك وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أشد الناس حياء وأشد حياء من العذراء في خدرها فلولا تعين هذه اللفظة لما نطقت بها شفتاه
هذا ما يترجح عندي وإن لم أجده في كلام الأصحاب ولكن كلامهم لا يأباه
"""
صفحة رقم 102 """
ولعلهم كنوا عنه بقولهم ذلك منه في ذلك منها ويرشد إلى هذا قول الروياني إنهم حسنوا العبارة وإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لم يقنع إلا بصريح العبارة فما لنا أن نقنع إلا بما قنع به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
واعلم أن أكثر الأصحاب إنما أوردوا تبعا للشافعي هذه المسألة في حد الزنا والغزالي أوردها في الشهادات فتبعه الرافعي ومن تابعه
294
محمد بن أحمد بن عبد الباقي بن الحسن بن محمد بن طوق أبو الفضائل الربعي الموصلي
تفقه على الماوردي وأبي إسحاق الشيرازي
وسمع الحديث من أبي إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي والقاضي أبي الطيب الطبري وأبي القاسم التنوخي وأبي طالب بن غيلان والحسن بن علي الجوهري وغيرهم
روى عنه هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي وأبو الفتيان الرواسي وإسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ وكثير بن سماليق وأبو نصر الحديثي الشاهد وآخرون
"""
صفحة رقم 103 """
وكتب الكثير بخطه
مات في مستهل صفر سنة أربع وتسعين وأبعمائة ودفن في مقبرة الشونيزي
295
محمد بن أحمد بن عيسى بن عبد الله القاضي أبو الفضل السعدي البغدادي راوي معجم الصحابة للبغوي عن ابن بطة العكبري
تفقه على الشيخ أبي حامد
وسمع أبا بكر بن شاذان وأبا طاهر المخلص وابن بطة وغيرهم بعدة بلاد
وسكن مصر وروى عنه جماعة
توفي سنة إحدى وأربعين وأربعمائة
296
محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل أبو الحسين الضبي المحاملي
سمع إسماعيل الصفار وعثمان السماك والنجاد
"""
صفحة رقم 104 """
قال الدارقطني حفظ القرآن والفرائض ودرس مذهب الشافعي وكتب الحديث وهو عندي ممن يزداد كل يوم خيرا
قال الخطيب مولده سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة
ومات في رجب سنة سبع وأربعمائة
297
محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عباد الهروي الإمام الجليل القاضي أبو عاصم العبادي
صاحب الزيادات وزيادات الزيادات والمبسوط والهادي وأدب القضاء الذي شرحه أبو سعد الهروي في كتابه الإشراف على غوامض الحكومات وله أيضا طبقات الفقهاء وكتاب الرد على القاضي السمعاني كذا رأيت في فصل ابن باطيش وغير ذلك
كان إماما جليلا حافظا للمذهب بحرا يتدفق بالعلم وكان معروفا بغموض العبارة وتعويص الكلام ضنة منه بالعلم وحبا لاستعمال الأذهان الثاقبة فيه
مولده سنة خمس وسبعين وثلاثمائة
أخذ العلم عن أربعة القاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزدي بهراة والقاضي أبي عمر البسطامي والأستاذ أبي طاهر الزيادي وأبي إسحاق الإسفرايني بنيسابور
"""
صفحة رقم 105 """
قال القاضي أبو سعد الهروي لقد كان يعني أبا عاصم أرفع أبناء عصره في غزارة نكت الفقه والإحاطة بغرائبه عمادا وأعلاهم فيه إسنادا
قال وتغليق الكلام كان من عادته التي لم يصادف على غيرها في مدة عمره
قال والمحصلون وإن أزروا عليه تغميض الكلام وتحروا الإيضاح عليه لكن جيلا من العلماء الأولين عمدوا على التغميض وفضلوه على الإيضاح وكأنهم ضنوا بالمعاني التي هي الأعلاق النفيسة على غير أهلها
ثم قال مع أن السبب الذي دعاه إلى التغليق وحمله على التغميض أنه كان من المتلقنين على الإمام أبي إسحاق الإسفرايني ومن تصفح مصنفات أبي إسحاق لا سيما تجربة الأفهام في الفقه ألفاها على شدة الغموض والإغلاق
واعلم أن الأستاذ أبا إسحاق أعدى الشيخ أبا عاصم بدائه وذهب به في مذهب الإيضاح عن سوائه
انتهى كلام أبي سعد
روى أبو عاصم عن أبي بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سهل القراب وغيره
وروى عنه إسماعيل بن أبي صالح المؤذن
مات في شوال سنة ثمان وخمسين وأربعمائة عن ثلاث وثمانين سنة
ومن الرواية عنه وهي عزيزة
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن قيم الضيائية قراءة عليه وأنا
"""
صفحة رقم 106 """
أسمع بقاسيون أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي سماعا أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن أبي المطهر القاسم بن الفضل الصيدلاني إجازة أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن الحافظ أبي صالح أحمد بن عبد الملك النيسابوري أخبرنا الشيخ الإمام أبو عاصم محمد بن أحمد بن محمد العبادي الهروي أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن سهل القراب أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن علي بن رزين الباشاني حدثنا عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان حدثنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال قال رجل يا رسول الله من أحق الناس مني بحسن الصحبة قال أمك
قال ثم من قال أمك
قال ثم من
قال أبوك
فكانوا يرون أن للأم الثلثين وللأب الثلث
رواه البخاري في الأدب عن قتيبة عن جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة به
وقال في عقبه وقال عبد الله بن شبرمة ويحيى بن أيوب حدثنا أبو زرعة مثله
رواه مسلم عن قتيبة وزهير كلاهما عن جرير عن عمارة بن القعقاع به
وعن أبي بكر بن أبي شيبة عن شريك
وعن أبي كريب عن محمد بن فضيل عن أبيه كلاهما عن عمارة بن القعقاع به
وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة
"""
صفحة رقم 107 """
وبه قال وحدثنا سفيان عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر )
أخرجه الترمذي عن الحسن بن الصباح البزار عن سفيان بن عيينة عن زائدة به
وعن أحمد بن منيع وغير واحد كلهم عن سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير نحوه
وقال الحسن وكان سفيان يدلس في هذا فربما ذكر زائدة وربما لم يذكره وروي بإسناد أتم من هذا وهو هكذا سفيان عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن هلال مولى ربعي عن ربعي
ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن وكيع
وعن ابن بشار عن مؤمل كلاهما عن سفيان الثوري به
وبه قال حدثنا سفيان قال حدثني عبد ربه عن عمرة عن عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول ( بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا )
أخرجه البخاري عن علي بن عبد الله
وعن صدقة بن الفضل المروزي
ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن أبي عمر
"""
صفحة رقم 108 """
وأبو داود عن زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة
والنسائي عن أبي قدامة السرخسي
وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة
سبعتهم عن سفيان بن عيينة عن عبد ربه بن سعيد به
ومن المسائل والغرائب والفوائد عن أبي عاصم
قال في الزيادات تعلم القدر الزائد من القرآن على ما تصح به الصلاة أفضل من صلاة التطوع لأن حفظه واجب على الأمة )
وقال المريض إذا كانت عليه زكاة ولا مال له يعزم على أن يؤدى إن قدر على ما فرط ولا يستقرض لأنه دين وقال شاذان بن إبراهيم يستقرض لأن حق الله تعالى أحق
وقال إذا أولج قبل الصبح فخشى فنزع وطلع الصبح فأمنى لم يفسد صومه وهو بمنزلة الاحتلام
وقال الوصي إذا أدى الموصى به من ماله ليرجع في التركة جاز إن كان وارثا وإن لم يكن يعد ولا يرجع لأن الدين لا يثبت في ذمة الميت
وفي زيادات الزيادات على أبي عاصم فيمن وكل وكيلين بقبول نكاح امرأة له وله أخوان فزوج كل أخ من وكيل ووقع العقدان معا قال بأن يفرض أنهما تكلما بالعقد والمؤذن يقول الله أكبر وفرغ كل منهما عند بلوغه حرف الراء إن العقد باطل لأن الزوج وإن كان واحدا فالإيحاب والقبول مختلفان لأن الموجب لأحد الوكيلين لو قبله منه الثاني لم يصح فسقطا
"""
صفحة رقم 109 """
قلت المسألة مسطورة في الرافعي والصحيح فيها الصحة غير أنه وقع في الرافعي أن أبا الحسن العبادي حكى عن القاضي وغيره البطلان فربما توهم من لا خبرة له أن القاضي هو القاضي الحسين
وأغرب من ذلك أن النووي أسقط في الروضة لفظ أبي الحسن واقتصر على ذكر العبادي والعبادي إذا أطلق لا يتبادر الذهن منه إلا إلى أبي عاصم نفسه فربما توهم أيضا أن أبا عاصم نقل ذلك عن القاضي الحسين وأبو عاصم أقدم من القاضي الحسين ولادة ووفاة وإنما القاضي المشار إليه فيما اعتقد هو القاضي أبو عاصم نفسه ولده أبو الحسن إذا أطلق القاضي فإنما يعني أباه ولعل ذلك خفي على الرافعي وإلا فكان يحسن أن يقول وحكى أبو الحسن العبادي عن أبيه القاضي أبي عاصم وغيره
فإن قلت فقد ذكر العبادي القاضي الحسين في كتاب الطبقات فغير بدع أن ينقل عنه
قلت ذكره له في الطبقات ذكر الأصاغر للأكابر والقاضي الحسين نقل عن العبادي في غير موضع ويمكن أن يتفق العكس وهو نقل العبادي عن القاضي الحسين لكنا لم نر ذلك ولا يظهر فيما ذكرناه ولا حامل على الحمل عليه بعد البيان الذي بيناه
وعن القاضي أبي عاصم في عالم وعامي أسرا وعند الإمام ما يفدي أحدهما أن العامي أولى لأنه ربما يفتن عن دينه والعالم إذا أكره يتلفظ وقلبه مطمئن بالإيمان
قال بخلاف ما لو دخل عالم وعامي حماما وليس هناك إلا إزار واحد فالعالم أولى به لأن العالم بعلمه يمتنع عن النظر إلى عورة العامي إن كشف عورته
قال أبو عاصم أنشدني أبو الفتح البستي الأديب لنفسه
رميتك من حكم القضاء بنظرة
وما لي عن حكم القضاء مناص
فلما جرحت الخد منك بنظرة
جرحت فؤادي والجروح قصاص
"""
صفحة رقم 110 """
البحث عن ثم هل هي عند القاضي أبي عاصم كالواو في اقتضاء الجمع المطلق
ذكر الإمام الشيخ الوالد رحمه الله في كتاب الطوالع المشرقة فيمن قال وقفت على أولادي ثم أولاد أولادي أن القاضي الحسين نقل عن أبي عاصم أنه لا يقول بالترتيب بل يحمله على الجمع
قال الشيخ الإمام وكذلك نقله ابن أبي الدم وقال إن ثم عنده كالواو
ثم توقف الشيخ الإمام في ثبوت ذلك عن أبي عاصم مطلقا وذكر أنه لم يجده في كلامه وأنه إن صح فيحمل على أن ثم عنده كالواو في هذه المسألة لأن ثم إنشاء لا يتصور دخول ترتيب فيه كقوله بعت هذا ثم هذا لا يصح إرادة الترتيب حتى يقال ينتقل الملك قريبا بل يكون كالواو
قال وأما إنكار أن ثم للترتيب مطلقا فيجل أبو عاصم عنه فإن ذلك مما لا خلاف فيه بين النحاة والأدباء والأصوليين والفقهاء بل هو من المعلوم باللغة بالضرورة
قال وقد تكلم المفسرون من زمان ابن عباس إلى اليوم في قوله تعالى ) ثم استوى إلى السماء وهي دخان ( في الجمع بينها وبين قوله ) والأرض بعد ذلك دحاها ( وذكروا أقوالا في تأويل بعد ولم يذكر أحد منهم أن ثم ليس للترتيب فوجب حمل كلام أبي عاصم على ما قلناه ولهذا يقول كثير من النحاة وغيرهم إنها للترتيب في الخبر فيقيدون الكلام تحرزا عن الإنشاء
"""
صفحة رقم 111 """
نعم يدخل ثم أيضا في متعلقات الإنشاء مما ليس بخبر كقولك اخترت هذا ثم هذا وأطال الشيخ الإمام في هذا الفصل
قلت وقد نقل عن بعض النحاة منهم الفراء والأخفش وقطرب إنكار كونها للترتيب فلا بدع أن يوافقهم أبو عاصم غير أن المنقول عنه أن الواو للترتيب ولا يمكن قائل هذا أن ينكر ترتيب ثم فإن الجمع بين المقالتين لا يمكن الذهاب إليه فمن ثم توقف الوالد في تثبيته عليه والوالد أيضا لا يثبت خلاف هؤلاء وهم عنده محجوجون إن ثبت النقل عنهم بزمان ابن عباس رضي الله عنهما فمن بعده ومن ثم صرح بنفي الخلاف وزعمه معلوما في اللغة بالضرورة فلا تعجب منه إذا حمل كلام أبي عاصم على ما حمل إنما تعجب من بعض أصحابه ممن يأخذ القدر الذي يفهمه من كلامه فيفرقه في كتبه غير معزو إليه كيف ينقل الخلاف في ثم ويجعل كونها للترتيب أمرا مختلفا فيه خلافا قريبا ثم ينقل مقالة أبي عاصم ويقول إنما قالها في هذه الصورة خاصة وذلك أنه أخذ مقالة أبي عاصم من كلام الوالد ورأى فيه أنه لعله إنما قالها في هذه الصورة بناء على اعتقاده وأن لا خلاف فيها فتابعه في ذلك غافلا عن نفسه وإثباتها الخلاف وذلك صنع من لا يتأمل ما يصنع
وإنشاء ذكره الوالد من الترتيب في الإنشاء فبحث نفيس هو المخترع له وكان كثيرا ما يردده ويطيل التفنن فيه ولعلنا نشبع الكلام عليه في مكان آخر
"""
صفحة رقم 112 """
وأذكره ليلة حضرنا ختمة وكان من الحاضرين الشيخ علاء الدين القونوي شيخ الشيوخ وهو علاء الدين المتأخر الحنفي لا السابق شارح الحاوي فإني لم أره فقرأ القارىء ) لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ( فقال له الشيخ الإمام ما معنى هذا الترتيب في الإنشاء فلم يفهم الرجل ما يقول الشيخ الإمام بالكلية فأخذ يوضح له وهو لا يدري على فضيلة كانت فيه رحمه الله
قال أبو عاصم في الزيادات إذا ختم القرآن في الصلاة في الركعة الأولى فإنه يقرأ في الركعة الثانية الفاتحة وشيئا من أول سورة البقرة لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( خير الناس الحال المرتحل ) وفسره ( صلى الله عليه وسلم ) بهذا لما سئل عنه انتهى
ونقله النووي في كتاب التبيان عن بعض الأصحاب وسكت عنه
قال أبو عاصم في أدب القضاء إذا حجر القاضي على السفيه وأشهد عليه لا يتصرف إلا في الطلاق والإقرار بالقصاص وغيره من موجبات الحدود وهل يؤاجر نفسه فيه قولان
قال أبو سعد الهروي ذكره الإشهاد على سبيل الاحتياط لا أنه ركن في صحة الحجر
فسر أبو عاصم كلمة التنصر بشيء عارضه فيه القاضي أبو سعد وسكت عليه الرافعي بأن ظاهره غير مستقيم وسأذكره في ترجمة أبي سعد آخر هذه الطبقة وأوجه كلام أبي عاصم
"""
صفحة رقم 113 """
298
محمد بن أحمد
أبو القاسم الشعري الطوسي
قال عبد الغافر من شيوخ الشافعية المتعصبين في المذهب
سمع من أبي منصور البغدادي وغيره
وخرج إلى نسا فسمعت أنه بلغه الخبر بوقعة موحشة للإمام أبي القاسم بن إمام الحرمين أبي المعالي على يدي عميد خراسان محمد بن محمد بن منصور ووضع من حشمته فحزن لذلك وتقطعت مرارته ومات من ليلته في رجب سنة أربع وثمانين وأربعمائة
299
محمد بن أحمد
أبو سعيد النسوي
قال ابن باطيش كان إمام وقته ببلد نسا مشهورا بالكرم والبذل
300
محمد بن أحمد المروزي أبو الفضل التميمي
أحد أئمة مرو ورؤسائها
"""
صفحة رقم 114 """
301
محمد بن إبراهيم بن الحسين بن أحمد بن عبد الله الشنشدانقي الكاثي أبو الحسين
قال صاحب الكافي كان من كبار خوارزم فضلا ورتبة وبيته بيت العلم والصلاح تفقه بمرو على الفوراني
وكان فحلا في المناظرة فصيح المحاورة لم يكن بكاث في عهده بعد الإمام إسماعيل الدرغاني أنظر منه
ولي قضاء كاث بعد سعيد بن محمد الكعبي
وتوفي في المحرم سنة ثمان وتسعين وأربعمائة
302
محمد بن إدريس بن محمد بن إدريس بن سليمان بن الحسن بن ذيب أبو بكر الحافظ
من أهل جرجرايا من نواحي النهروان
وهو تلميذ محمد بن أحمد المفيد
ورحل وجال في البلاد
سمع ببغداد من أحمد بن نصر الذارع وطبقته
"""
صفحة رقم 115 """
وبجرجان من أبي بكر الإسماعيلي
وبأصبهان من ابن المقرىء
وبدمشق من محمد بن أحمد الخلال وعثمان بن عمر الشافعي
روى عنه عبد الصمد بن إبراهيم البخاري الحافظ وهناد النسفي وأحمد بن الفضل الناظر قال وأبو حامد أحمد بن محمد بن ماما الحافظ وآخرون
سكن بخارى آخر عمره
وكان معروفا بالمعرفة والحفظ والانتخاب على المشايخ
مات في شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وأربعمائة
وقد ذكره الحافظ ابن عساكر في التاريخ مجهولا لأنه لم يعرفه
303
محمد بن أحمد بن محمد الحافظ أبو الفضل الجارودي الهروي
سمع أبا علي حامد بن محمد الرفاء ومحمد بن عبد الله السليطي وأبا إسحاق القراب والد الحافظ أبي يعقوب وعبد الله بن الحسين البصري المروزي وسليمان بن أحمد الطبراني ومحمد بن علي بن حامد وإسماعيل بن نجيد السلمي وأحمد بن محمد بن سلمويه النيسابوري وعمر بن محمد بن جعفر الأهوازي البصري وجماعة كثيرة بنيسابور والري وهمذان وأصبهان والبصرة وبغداد والحجاز
روى عنه أبو عطاء المليحي وعبد الله بن محمد الأنصاري الملقب شيخ
"""
صفحة رقم 116 """
الإسلام وكان إذا حدث عنه يقول حدثنا إمام أهل المشرق أبو الفضل
وطوائف هرويون
قال أبو النصر الفامي كان عديم النظير في العلوم خصوصا في علم الحفظ والتحديث وفي التقلل من الدنيا والاكتفاء بالقوت وحيدا في الورع وقد رأى بعض الناس في نومه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأوصاه بزيارة قبر الجارودي
وقال بعضهم هو أول من سن بهراة تخريج الفوائد وشرح الرجال والتصحيح
وقال ابن طاهر المقدسي سمعت أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري يقول سمعت الجارودي يقول رحلت إلى الطبراني فقربني وأدناني وكان يتعسر علي في الأخذ فقلت له أيها الشيخ تتعسر علي وتبذل للآخرين فقال لأنك تعرف قدر هذا الشأن
توفي في الثالث والعشرين من شوال سنة ثلاث عشرة وأربعمائة
304
محمد بن أحمد بن سعيد أبو عبد الله الحلابي الجاساني
قال صاحب الكافي تفقه ببغداد على القاضي أبي الطيب الطبري
قال وله كتاب اسمه النهاية في شرح المذهب وكتاب في المختلف اسمه المشخص يدلان على كمال فضله في الفقه
قال ووفاته قريب من سنة ستين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 117 """
305
محمد بن أحمد الصعلوكي كمال الدين أبو سهل
فيما علقته من خط ابن الصلاح من مجموعه الذي انتخبه فوائد كتبها من كتاب الجمع بين الطريقين قال وهو كتاب علقه بعضهم عن هذا الشيخ
منها
قال بعض أصحاب الرأي قوله تعالى ) واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ( الآية ورد في النساء على الانفراد كالمساحقات فحدهن الحبس في البيوت وقوله تعالى ) واللذان يأتيانها منكم ( ورد في الرجال على الانفراد وهو اللواط فحده الإيذاء باللسان وليس في الآيتين ذكر الرجال مع النساء والشيخ الإمام أبو سهل الصعلوكي يميل إلى هذه الطريقة وذكره في الدرس وقال الدليل عليه أنه أنث اللفظ في الآية الأولى وذكره في الثانية
وأجاب الشيخ القفال عن هذا وقال إنما أنث في الأولى لأنها وردت في الثيب فتكون أكثر القصد هناك من المرأة والآية التالية وردت في البكر والبكر تستحيي فتكون أكثر القصد من الرجل فلهذا غلب التذكير
كان الأستاذ أبو إسحاق يقول القيام بفروض الكفايات خير في الأجر والثواب من فروض الأعيان لأن في فروض الأعيان يسقط عن نفسه فقط وفي الكفاية يسقط عن نفسه وغيره
قلت وهذا قاله أيضا إمام الحرمين
"""
صفحة رقم 118 """
306
محمد بن أحمد الحوفي الإمام أبو عبد الله الحمدنجي
من تلامذة الشيخ أبي حامد الإسفرايني
تفقه عليه ببغداد وبيته بيت كبير
قال صاحب الكافي في تاريخ خوارزم لبيته نحو مائتين وخمسين سنة معمور بالعلماء وأطال في ترجمته في تاريخ خوارزم وقال توفي بعد سنة أربع وأربعين وأربعمائة
307
محمد بن إبراهيم أبو عبد الله الصانعي أبو عبد الله
من أهل خوارزم
رحل منها سنة تسعين وثلاثمائة إلى بغداد فتفقه بها على الشيخ أبي حامد الإسفرايني والشيخ أبي محمد الباقي
ثم عاد إلى خوارزم في سنة اثنتى عشرة وأربعمائة وتوطن حشراخوان
قال صاحب الكافي فكان هو المفتي والخطيب والواعظ والمدرس بها زمانا
"""
صفحة رقم 119 """
308
محمد بن إسماعيل بن محمد بن إبراهيم بن كثير الإستراباذي أبو حاجب
من أهل مازندران
قال ابن السمعاني كان طويل الباع في الفقه والنظر وكان حسن السيرة تقيا ثقة صدوقا واسع الرواية كثير السماع
رحل وكتب وعمر حتى حدث بالكثير
سمع حمزة بن يوسف السهمي وأبا الحسن بن رزقويه وخلقا
ذكره ابن السمعاني وأغفله ابن النجار أيضا
309
محمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن أحمد بن عمرو القاضي
أبو علي ابن أبي عمرو العراقي الطوسي
من أهلها
قال ابن السمعاني ولي القضاء مدة بالطابران قصبة طوس
ولقب بالعراقي لظرافته وطول مقامه ببغداد
"""
صفحة رقم 120 """
قال وكان فقيها فاضلا مبرزا حسن السيرة مفضلا مكرما مشهورا بخراسان والعراق
تفقه ببغداد على أبي حامد الإسفرايني
وسمع الحديث من أبي ظاهر المخلص وأبي القاسم يوسف بن كج الدينوري وأبي زكرياء عبد الله بن أحمد البلاذري الحافظ وجماعة
سمع منه جماعة من العلماء مثل أبي محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني وأبي الحسن محمد بن عبد الله بن يوسف الجرجاني وأبي الحسن محمد بن عبد الله البسطامي وأبي الفضل محمد بن أسعد الفاشاني المروزي وغيرهم
قال وقرأت في كتاب الفقهاء لأبي محمد عبد الله بن يوسف القاضي الجرجاني الحافظ فقال أبو علي العراقي الطابراني سمعته يقول أقمت ببغداد إحدى عشرة سنة كنت أختلف إلى أبي محمد البافي ثم اختلفت عشر سنين إلى أبي حامد وعلقت عنه جميع المختصر فلما رجعت قصدت جرجان فدخلت على الإمام أبي سعد الإسماعيلي وحضرت مجلسه وناظرت بين يديه ثم دخلت نيسابور وحضرت مجلس الإمام أبي الطيب الصعلوكي وناظرت فيه ثم رجعت إلى وطني
توفي سنة تسع وخمسين وأربعمائة
وهو ممن أخل ابن النجار بذكره مع ذكر ابن السمعاني له
"""
صفحة رقم 121 """
310
محمد بن بكر بن محمد أبو بكر الطوسي النوقاني
من نوقان بفتح النون ثم واو ساكنة ثم قاف يليها ألف ثم نون إحدى مدائن طوس
ذكره الرافعي في الشرح في كتاب الإجارة وكتاب الجراح وغير موضع
قال أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن هو إمام أصحاب الشافعي بنيسابور وفقيههم ومدرسهم وله الدرس والأصحاب ومجلس النظر وله مع ذلك الورع والزهد والانقباض عن الناس وترك طلب الجاه والدخول على السلاطين وما لا يليق بأهل العلم من الدخول في الوصايا والأوقاف وما في معناه
وكان من أحسن الناس خلقا ومن أحسنهم سيرة وظهرت بركته على أصحابه
وتفقه عند الأستاذ أبى الحسن الماسرجسى بنيسابور وببغداد عنه الشيخ أبي محمد البافي
وحكى عن محمد بن مأمون قال كنت مع الشيخ أبي عبد الرحمن السلمي ببغداد فقال لي تعال حتى أريك شابا ليس في جملة الصوفية ولا المتفقهة أحسن طريقة ولا أكثر أدبا منه فأخذ بيدي فذهب إلى حلقة البافي وأراني الشيخ أبا بكر الطوسي
تفقه على الطوسي جماعات منهم الأستاذ أبو القاسم القشيري
وتوفي بنوقان سنة عشرين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 122 """
311
محمد بن بيان بن محمد الآمدي الكازروني
شيخ الروياني وفخر الإسلام الشاشي والفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي
سكن آمد وتفقه به خلق
وحدث عن أحمد بن الحسين بن سهل بن خليفة البلدي والقاضي أبي عمر الهاشمي وأبي الفتح بن أبي الفوارس وابن رزقويه وغيرهم
روى عنه الفقيه نصر بن إبراهيم بن فارس الأزدي وأبو غانم عبد الرزاق العدي وعبد الله بن الحسن بن النحاس
مات سنة خمس وخمسين وأربعمائة
ومن الرواية عنه
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن محمد بن الحسن بن نباتة المحدث بقراءتي عليهما أخبرنا الغرافي أخبرنا القطيعي أخبرنا ابن الخل أخبرنا فخر الإسلام أبو بكر الشاشي قراءة علينا من كتابه أخبرنا محمد بن بيان الكازروني قراءة عليه في جامع ميافارقين أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي الفارسي قراءة عليه حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل القاضي حدثنا أحمد بن إسماعيل المدني حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة
"""
صفحة رقم 123 """
يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان )
فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على أحد ممن دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها قال نعم وأرجو أن تكون منهم
وأخرجه البخاري عن أبي اليمان عن شعيب
وعن إبراهيم بن المنذر عن معن بن عيسى عن مالك
ومسلم عن أبي الطاهر وحرملة
كلاهما عن ابن وهب عن يونس
وعن عمرو الناقد والحسن الحلواني وعبد بن حميد ثلاثتهم عن يعقوب ابن إبراهيم عن أبيه عن صالح
وعن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر خمستهم عن الزهري به
312
محمد بن ثابت بن الحسن بن علي أبو بكر الخجندي
نزيل أصبهان
قال ابن السمعاني إمام غزير الفضل حسن السيرة
"""
صفحة رقم 124 """
تفقه فبرع في الفقه حتى صار من جملة رؤساء الأئمة حشمة ونعمة
وتخرج به وبكلامه جماعة من أهل العلم وانتشر علمه في الآفاق
وولاه نظام الملك مدرسته التي بناها بأصبهان درس الفقه بها مدة
وكانت له يد باسطة في النظر والأصول
سمع الحديث من أبيه أبي محمد ثابت بن الحسن وأبي الحسن علي بن أحمد الإسترابادي وعبد الصمد بن نصر العاصمي وأبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي وكان أستاذه في الفقه
روى لنا عنه أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الطلحي وأبو منصور محمد بن أحمد بن عبد المنعم بن فاذشاه وأحمد بن الفضل المميز وغيرهم
هذا كلام ابن السمعاني وذكر له حديثا وأناشيد مسندة
توفي سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة
وعليه تفقه أبو العباس بن الرطبي وأبو علي الحسن بن سلمان الأصفهاني
قلت وأظنه صاحب كتاب زواهر الدرر في نقض جواهر النظر وهذا الكتاب يرويه فخر الإسلام الشاشي عنه رواه عباد بن سرحان بن مسلم بن سيد الناس من فضلاء المغرب دخل بغداد وسمع بها من رزق الله بن التميمي وغيره وقد روى هذا الكتاب عن الشاشي عنه
"""
صفحة رقم 125 """
ذكر ذلك ابن الصلاح في ترجمة الشاشي
وقد أخل ابن النجار في الذيل بذكر الخجندي مع ذكر ابن السمعاني له
ونقل القاضي مجلى في ذخائره وجهين عن روضة المناظر للخجندي وما أراه إلا هذا فيمن نذر صلاة مؤقتة وأخرجها عن وقتها هل تقبل ولكن المذهب أنها لا تقبل وهذا الوجه المستغرب ذكره الشيخ أبو إسحاق في النكت احتمالا لنفسه
وفي فتاوي ابن الصباغ أن واقعة وقعت بأصبهان وهي حاكم حكم بقياس ثم ظهر له أنه منصوص بنص يوافق ما حكم به فأفتى الخجندي بأن الحكم نافذ
وقال ابن الصباغ نافذ من حين الحكم
قلت وقد ثبت في كتاب الأشباه والنظائر أن ما قاله الخجندي أصح
313
محمد بن حامد أبو عبد الله بن حنار
ذكر أبو علي بن البناء في طبقات الفقهاء كما نقله عنه ابن النجار أن له القدر العالي في الفقه والأصول والقرآن والأدب
وأنه مات في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة في صفر
314
محمد بن حسان بن الحسن بن مكي أبو المحاسن الختام الواعظ مات بالري سنة تسع وثمانين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 126 """
315
محمد بن الحسن بن الحسين أبو عبد الله المروزي المهربندقشايي
كان إماما ورعا عارفا عابدا
وسمع الكثير من القفال ومسلم بن الحسن الكاتب
ورحل إلى هراة فسمع أبا الفضل عمر بن إبراهيم بن أبي سعد وأحمد بن محمد ابن الخليل وغيرهما
توفي سنة أربع وقيل سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة
316
محمد بن الحسن بن علي أبو جعفر الطوسي
فقيه الشيعة ومصنفهم
كان ينتمي إلى مذهب الشافعي
له تفسير القرآن وأملى أحاديث وحكايات تشتمل على مجلدين
قدم بغداد وتفقه على مذهب الشافعي
وقرأ الأصول والكلام على أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالمفيد فقيه الإمامية
"""
صفحة رقم 127 """
وحدث عن هلال الحفار
روى عنه ابنه أبو علي الحسن
وقد أحرقت كتبه عدة نوب بمحضر من الناس
توفي بالكوفة سنة ستين وأربعمائة
317
محمد بن الحسن بن فورك
الأستاذ أبو بكر الأنصاري الأصبهاني
الإمام الجليل والحبر الذي لا يجارى فقها وأصولا وكلاما ووعظا ونحوا مع مهابة وجلالة وورع بالغ
رفض الدنيا وراء ظهره وعامل الله في سره وجهره وصمم على دينه
مصمم ليس تلويه عواذله
في الدين ثبت قوي بأسه عسر
وحوم على المنية في نصرة الحق لا يخاف الأسد في عرينه
ولا يلين لغير الحق يتبعه
حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
وشمر عن ساق الاجتهاد
بهمة في الثريا إثر أخمصها
وعزمة ليس من عاداتها السأم
"""
صفحة رقم 128 """
ودمر ديار الأعداء ذوي الفساد
وعمر الدين عزم منه معتضد
بالله تشرق من أنواره الظلم
وصبر والسيف يقطر دما
والصبر أجمل إلا أنه صبر
وربما جنت الأعقاب من عسله
وبدر بجنان لا يخادعه حب الحياة ولا تشوقه الحاظ الدمى
لكنه مغرم بالحق يتبعه
لله في الله هذا منتهى أمله
أقام أولا بالعراق إلى أن درس بها مذهب الأشعري على أبي الحسن الباهلي ثم لما ورد الري وشت به المبتدعة وسعوا عليه
قال الحاكم أبو عبد الله فتقدمنا إلى الأمير ناصر الدولة أبي الحسن محمد بن إبراهيم والتمسنا منه المراسلة في توجهه إلى نيسابور فبنى له الدار والمدرسة من خانقاه أبي الحسن البوشنجي وأحيا الله به في بلدنا أنواعا من العلوم لما استوطنها وظهرت بركته على جماعة من المتفقهة وتخرجوا به
سمع عبد الله بن جعفر الأصفهاني وكثر سماعه بالبصرة وبغداد وحدث بنيسابور
هذا كلام الحاكم وروى عنه حديثا واحدا
قال عبد الغافر بن إسماعيل سمعت أبا صالح المؤذن يقول كان الأستاذ أوحد وقته أبو علي الدقاق يعقد المجلس ويدعو للحاضرين والغائبين من أعيان البلد وأئمتهم فقيل له يوما قد نسيت ابن فورك ولم تدع له
فقال كيف أدعو له وكنت أقسم على الله البارحة بإيمانه أن يشفي علتي وكان به وجع البطن تلك الليلة
"""
صفحة رقم 129 """
ولما حضرت الوفاة واحد عصره وسيد وقته أبا عثمان المغربي أوصى بأن يصلي عليه الإمام أبو بكر بن فورك وذلك سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة
وذكر الإمام الشهيد أبو الحجاج يوسف بن دوناس الفندلاوي المالكي المدفون خارج باب الصغير بدمشق وقبره ظاهر معروف باستجابة الدعاء عنده أنه روي أن الإمام أبا بكر بن فورك ما نام في بيت فيه مصحف قط وإذا أراد النوم انتقل عن المكان الذي فيه إعظاما لكتاب الله عز وجل
نقلت هذه الحكاية من خط شيخنا الحافظ أبي العباس بن المظفر
قال عبد الغافر بلغت تصانيفه في أصول الدين وأصول الفقه ومعاني القرآن قريبا من المائة
وحكى عن ابن فورك أنه قال كان سبب اشتغالي بعلم الكلام أني كنت بأصبهان أختلف إلى فقيه فسمعت أن الحجر يمين الله في الأرض فسألت ذلك الفقيه عن معناه فلم يجب بجواب شاف فأرشدت إلى فلان من المتكلمين فسألته فأجاب بجواب شاف فقلت لا بد من معرفة هذا العلم فاشتغلت به
وقد سمع ابن فورك من عبد الله بن جعفر الأصبهاني المذكور في كلام الحاكم جميع مسند الطيالسي
وسمع أيضا من ابن خرزاذ الأهوازي
روى عنه الحافظ أبو بكر البيهقي والأستاذ أبو القاسم القشيري وأبو بكر أحمد ابن علي بن خلف
"""
صفحة رقم 130 """
ودعي إلى مدينة غزنة وجرت له بها مناظرات ولما عاد منها سم في الطريق فتوفي سنة ست وأربعمائة حميدا شهيدا
ونقل إلى نيسابور ودفن بالحيرة وقبره ظاهر
قال عبد الغافر يستسقى به ويستجاب الدعاء عنده
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري تلميذه سمعت الإمام أبا بكر بن فورك يقول حملت مقيدا إلى شيراز لفتنة في الدين فوافيت باب البلد مصبحا وكنت مهموم القلب فلما أسفر النهار وقع بصري على محراب في مسجد على باب البلد مكتوب عليه ) أليس الله بكاف عبده ( وحصل لي تعريف من باطني أني أكفى عن قريب فكان كذلك
وكان شديد الرد على أبي عبد الله بن كرام وأذكر أن سبب ما حصل له من المحنة من شغب أصحاب ابن كرام وشيعتهم المجسمة بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحابته أجمعين
ذكر شرح حال المحنة المشار إليها
اعلم أنه يعز علينا شرح هذه الأمور لوجهين
أحدهما أن كتمانها وسترها أولى من إظهارها وكشفها لما في ذلك من فتح الأذهان لما هي غافلة عنه مما لا ينبغي التفطن له
والثاني ما يدعو إليه كشفها من تبيين معرة أقوام وكشف عوارهم وقد كان الصمت أزين ولكن لما رأينا المبتدعة تشمخ بآنافها وتزيد وتنقص على حسب أغراضها وأهوائها تعين لذلك ضبط الحال وكشفه مع مراعاة النصفة فنقول
"""
صفحة رقم 131 """
كان الأستاذ أبو بكر بن فورك كما عرفناك شديدا في الله قائما في نصرة الدين ومن ذلك أنه فوق نحو المشبهة الكرامية سهاما لا قبل لهم بها فتحزبوا عليه ونموا غير مرة وهو ينتصر عليهم وآخر الأمر أنهم أنهوا إلى السلطان محمود بن سبكتكين أن هذا الذي يؤلب علينا عندك أعظم منا بدعة وكفرا وذلك أنه يعتقد أن نبينا محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ليس نبيا اليوم وأن رسالته انقطعت بموته فاسأله عن ذلك
فعظم على السلطان هذا الأمر وقال إن صح هذا عنه لأقتلنه وأمر بطلبه
والذي لاح لنا من كلام المحررين لما ينقلون الواعين لما يحفظون الذين يتقون الله فيما يحكون أنه لما حضر بين يديه وسأله عن ذلك كذب الناقل وقال ما هو معتقد الأشاعرة على الإطلاق أن نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) حي في قبره رسول الله أبد الآباد على الحقيقة لا المجاز وأنه كان نبيا وآدم بين الماء والطين ولم تبرح نبوته باقية ولا تزال
وعند ذلك وضح للسلطان الأمر وأمر بإعزازه وإكرامه ورجوعه إلى وطنه
فلما أيست الكرامية وعلمت أن ما وشت به لم يتم وأن حيلها ومكايدها قد وهت عدلت إلى السعي في موته والراحة من تعبه فسلطوا عليه من سمه فمضى حميدا شهيدا
هذا خلاصة المحنة
والمسألة المشار إليها وهي انقطاع الرسالة بعد الموت مكذوبة قديما على الإمام أبي الحسن الأشعري نفسه وقد مضى الكلام عليها في ترجمته
إذا عرفت هذا فاعلم أن أبا محمد بن حزم الظاهري ذكر في النصائح أن ابن سبكتكين قتل ابن فورك بقوله لهذه المسألة ثم زعم ابن حزم أنها قول جميع الأشعرية
"""
صفحة رقم 132 """
قلت وابن حزم لا يدري مذهب الأشعري ولا يفرق بينهم وبين الجهمية لجهلهم بما يعتقدون
وقد حكى ابن الصلاح ما ذكره ابن حزم ثم قال ليس الأمر كما زعم بل هو تشنيع على الأشعرية أثارته الكرامية فيما حكاه القشيري
قلت وقد أسلفنا كلام القشيري في ذلك في ترجمة الأشعري
وذكر شيخنا الذهبي كلام ابن حزم وحكى أن السلطان أمر بقتل ابن فورك فشفع إليه وقيل هو رجل له سن فأمر بقتله بالسم فسقي السم
ثم قال وقد دعا ابن حزم للسلطان محمود أن وفق لقتل ابن فورك
وقال وفي الجملة ابن فورك خير من ابن حزم وأجل وأحسن نحلة
وقال قبل ذلك أعني شيخنا الذهبي كان ابن فورك رجلا صالحا
ثم قال كان مع دينه صاحب فلتة وبدعة
انتهى
قلت أما السلطان أمر بقتله فشفع إليه إلى آخر الحكاية فأكذوبة سمجة ظاهرة الكذب من جهات متعددة منها أن ابن فورك لا يعتقد ما نقل عنه بل يكفر قائله فكيف يعترف على نفسه بما هو كفر وإذا لم يعترف فكيف يأمر السلطان بقتله وهذا أبو القاسم القشيري أخص الناس بابن فورك فهل نقل هذه الواقعة بل ذكر أن من عزى إلى الأشعرية هذه المسألة فقد افترى عليهم وأنه لا يقول بها أحد منهم
ومنها أنه بتقدير اعترافه وأمره بقتله كيف ترك ذلك لسنه وهل قال مسلم إن السن مانع من القتل بالكفر على وجه الشهرة أو مطلقا ثم ليت الحاكي ضم إلى السن العلم وإن كان أيضا لا يمنع القتل ولكنه لبغضه فيه لم يجعل له خصلة يمت بها
"""
صفحة رقم 133 """
غير أنه شيخ مسن فيا سبحان الله أما كان رجلا عالما أما كان اسمه ملأ بلاد خراسان والعراق أما كان تلامذته قد طبقت طبق الأرض فهذا من ابن حزم مجرد تحامل وحكاية لأكذوبة سمجة كان مقداره أجل من أن يحكيها
وأما قول شيخنا الذهبي إنه مع دينه صاحب فلتة وبدعة فكلام متهافت فإنه يشهد بالصلاح والدين لمن يقضي عليه بالبدعة ثم ليت شعري ما الذي يعني بالفلتة إن كانت قيامه في الحق كما نعتقد نحن فيه فتلك من الدين وإن كانت في الباطل فهي تنافي الدين
وأما حكمه بأن ابن فورك خير من ابن حزم فهذا التفضيل أمره إلى الله تعالى ونقول لشيخنا إن كنت تعتقد فيه ما حكيت من انقطاع الرسالة فلا خير فيه ألبتة وإلا فلم لا نبهت على أن ذلك مكذوب عليه لئلا يغتر به
ومن الرواية عنه من حديثه عن ابن خرزاذ
أخبرنا الحافظ أبو العباس ابن المظفر بقراءتي عليه أخبرنا الشيخان أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن المطهر بن أبي عصرون وأبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر سماعا عليهما قالا أخبرنا أبو روح عبد العزيز بن محمد الهروي إجازة أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي أخبرنا الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك أخبرنا أبو بكر أحمد ابن محمد بن خرزاذ الأهوازي بها حدثنا أحمد بن سهل بن أيوب حدثنا خالد يعني ابن يزيد حدثنا سفيان الثوري وشريك بن عبد الله وسفيان بن عيينة عن
"""
صفحة رقم 134 """
سليمان عن خيثمة عن عبد الله عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( لا ترضين أحدا بسخط الله ولا تحمدن أحدا على فضل الله ولا تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله فإن رزق الله لا يسوقه حرص حريص ولا يرده عنك كراهة كاره وإن الله بعدله وقسطه جعل الروح والفرح في الرضا واليقين وجعل الهم والحزن في الشك والسخط
ومن حديثه عن عبد الله بن جعفر وبه إلى ابن فورك
أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا همام عن قتادة سمع أنسا يقول قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه
ومن كلام الأستاذ أبي بكر
قال كل موضع ترى فيه اجتهادا ولم يكن عليه نور فاعلم أنه بدعة خفية
قلت وهذا كلام بالغ في الحسن دال على أن الأستاذ كثير الذوق وأصله قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( البر ما اطمأنت إليه النفس
ومن الفوائد والمسائل عنه
قيل تناظر هو وأبو عثمان المغربي الذي ذكرنا أنه أوصى عند موته أن ابن فورك يصلى عليه في أن الولي هل يجوز أن يعرف أنه ولي فكان الأستاذ أبو بكر لا يجوز ذلك لأنه يسلبه الخوف ويوجب له الأمن
"""
صفحة رقم 135 """
قيل وكان أبو عثمان يقول بجوازه
قلت والذي نقله الأستاذ أبو القاسم في الرسالة أن الخلاف في هذه المسألة إنما هو بين الأستاذين أبي بكر بن فورك وأبي علي الدقاق وأن الدقاق قال بالجواز
قال الأستاذ أبو القاسم وهو الذي نؤثره ونختاره ونقول به
قال الأستاذ أبو القاسم ولا يجب ذلك في جميع الأولياء بل يجوز أن يعلم بعضهم ويكون علمه كرامة زائدة له وألا يعلم آخرون
ثم رد قول ابن فورك إن العلم بذلك يسقط الخوف بأن الذي يجدونه من الهيبة والإجلال يزيد ويربي على كثير من الخوف
قلت وما ذكره أبو القاسم هو الحق الذي لا مرية فيه والعلم بالولاية لا ينافي الخوف بل ولا النبوة ألا ترى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أشد الناس خوفا لربهم تعالى وهم يعلمون أنهم أنبياء فمقالة ابن فورك ضعيفة شاذة والولي ما دام إحساسه حاضرا وهو غير مصطلم يخاف المكر وذلك من أعظم الخوف
وذكر الأستاذ أبو القاسم بعد ذلك أنه يجوز أن يعلم أنه مأمون العاقبة
قلت ومع ذلك لا يزايله الخوف كما قلنا في الأنبياء عليهم السلام فإنهم يعلمون أنهم مأمونو العواقب وهم أشد خوفا والعشرة المشهود لهم بالجنة كذلك وقد قال عمر رضي الله عنه لو أن رجلي الواحدة داخل الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله
"""
صفحة رقم 136 """
318
محمد بن القاضي الحسين بن محمد بن أحمد المروالروذي أبو بكر بن القاضي الحسين
أما والده فهو الإمام المشهور بالذكر
وأما هو فقد حدث عن أبي مسعود أحمد بن محمد بن عبد الله البجلي الرازي الحافظ وغيره
سمع منه أبو عبد الله الحميدي وأبو بكر بن الخاضبة وغيرهما
ولد سنة عشرين وأربعمائة ولم أعلم لوفاته تاريخا
ذكره الشيخ في شرح المنهاج في النكاح في شروط الكفاية
319
محمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم الروذراوري
الوزير أبو شجاع
ولد سنة سبع وثلاثين وأربعمائة
وكان والده من أهل روذراور وصحب الأمير كرشاسف بن علاء الدولة صاحب همذان وأصبهان وبلاد الجبل وكان ينقاد له
وصحب الأمير هرارست
"""
صفحة رقم 137 """
أمير خوزستان والبصرة وواسط ثم استوحش منه وجهز أمواله إلى بغداد وأخفى نفسه وولده وخرج إلى حلب ثم توجه إلى همذان
ثم إن القائم بأمر الله صرف وزيره ابن جهير عن الوزارة وصور في نفسه أن يستوزره فورد الخبر بوفاته فقال الخليفة عولنا على هذا الدارج في وزارتنا فحالت الأقدار بيننا وبين الإيثار وقد عرفنا تميز ولده إلا أن السن لم ينته به إلى هذا المنصب فرقاه ولا يزال أبو شجاع يترقى إلى أن انتهت الخلافة إلى المقتدى وتزايد عظمة وترقت به الحال فوق ما كانت
ثم إن نظام الملك كاتب المقتدى في إبعاد أبي شجاع فإنه كان يكرهه فكتب الخليفة الجواب بخطه وعرف نظام الملك منزلة أبي شجاع عنده وفضله ودينه وأكد عليه في الوصاية به وترك الالتفات إلى قول أعدائه وأمر الوزير أبا شجاع بالخروج إلى أصبهان إلى خدمة نظام الملك وأصحبه بعض خدمه فتلقاه نظام الملك بالبشر وأعاده إلى بغداد مكرما فعاد وخرج إليه عسكر الخليفة مستلقين
ثم لما عزل المقتدى بالله عميد الدولة أبا منصور ابن جهير من وزارته ولاها ظهير الدين أبا شجاع وخلع عليه في النصف من شعبان سنة ست وسبعين وأربعمائة
وتوالت السعادة في وزارته وما زال يتقدم في كل يوم تقدما لم يكن لغيره وصار الأمر أمره والمقبول من ارتضاه والمدفوع من أباه وعظم الحق وانتشر العدل
وكان لا يخرج من بيته حتى يقرأ شيئا من القرآن ويصلي
وكان يصلي الظهر ويجلس للمظالم إلى وقت العصر وحجابه تنادي أين أصحاب الحوائج
"""
صفحة رقم 138 """
قال النقلة فلم يطمع في أيامه طامع ولم يحدث نفسه بالظلم ظالم
وكان من سعادته أن قاضي القضاة الشامي ذاك الرجل العالم الصالح هو القاضي في أيامه فانتظم أمر بغداد كما ينبغي
واستدعى يوما بعض كبار الأمراء بالنواحي فجاءه في خمسمائة فارس من الأمراء والسلارية فلما مثل بين يديه فقال له إن بعض أعوانك أخذ عمامة رجل
فقال يا مولانا إنك تتعمد الغض مني والنقص من محلي وهذا مما يسأل عنه من استنبته في الشرطة من أصحابي والمستخدمون على أبوابي
فقال له الوزير وإذا سألك الله تعالى في الموقف الذي يسألك فيه عن اللفظة واللحظة ومثقال الذرة يكون هذا جوابك
فخرج ذلك الملك واستبحث عن العمامة حتى عادت
وأخباره في ذلك ونظائره مشهورة كثيرة
ثم لاح له توفيق إلهي فحاسب نفسه على زكاة ماله وعلم أنه أخل بأدائها فيما تقدم واحتاط بأن أخرجها عن والده سنين كثيرة
ورأوه عدة أيام خاليا يكتب ويحسب فأشفق عليه بعض الأصدقاء وأرجف به الأعداء وقالوا خولط ولحقته السوداء
وأما ما كان يفعله من صنائع البر والتنوع في صلة المعروف فعجيب كثير
وحكي أنه استدعى بعض أخصائه في يوم بارد وعرض عليه رقعة من بعض
"""
صفحة رقم 139 """
الصالحين يذكر فيها أن في الدار الفلانية امرأة معها أربعة أطفال أيتام وهم عراة جياع
فقال له امض الآن وابتع لهم جميع ما يصلح لهم
ثم خلع أثوابه وقال والله لا لبستها ولا أكلت حتى تعود وتخبرني أنك كسوتهم وأشبعتهم
وبقي يرعد بالبرد إلى حيث قضى الأمر وعاد إليه وأخبره
وقال بعض من كان يتولى صدقاته إنه حسب ما انصرف على يده من صلاته فاشتمل على مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار
قال وكنت واحدا من عشرة يتولون صدقاته
ثم إن السلطان ملكشاه سأل الخليفة في عزلة فعزله في ربيع الأول سنة أربع وثمانين وأربعمائة فأنشد أبو شجاع في حال انصرافه
تولاها وليس له عدو
وفارقها وليس له صديق
وخرج إلى الجامع يوم الجمعة وأمالت العامة عليه تصافحه وتدعو له
وأقام في داره مكرما محترما وبنى على بابها مسجدا
واستمر إلى أن أذن له الخليفة في الحج في موسم سنة أربع وثمانين فلما عاد مع الحجيج في سنة خمس تلقاه من أصحاب السلطان من منعه من دخول العراق وسار به إلى روذراور فأقام بها إلى سنة سبع وثمانين وتوجه منها إلى الحج ودخل بعد وفاة المقتدي والسلطان ملكشاه ونظام الملك فأقام بمدينة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأضرب عن العز والجاه والأهل والوطن
"""
صفحة رقم 140 """
ومات أحد خدام روضة المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) وكان يكنس المسجد ويفرش الحصر ويشعل المصابيح
وكتب إلى ولده أبي منصور بأن يقف عنه مدرسة على أصحاب الشافعي
وكان رجلا فاضلا أديبا له شعر كثير حسن وقد كتب إليه أبو الحسن محمد بن علي بن أبي الصقر الواسطي يلتمس شعره لينظر فيه بقصيدة يقول فيها
يا ماجدا لو رمت مدح سواه لم
أقدر على بيت ولا مصراع
امنن علي بشعرك الدر الذي
شعر الرضى له من الأتباع
فأجابه
لو كنت أرضى ما جمعت شتيته
ما صنت معرضه عن الأسماع
لكن شعري شبه شوهاء اتقت
عيابها فتسترت بقناع
توفي في منتصف جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ودفن بالبقيع عند قبر إبراهيم بن سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم )
320
محمد بن الحسين بن محمد بن الهيثم بن القاسم بن مالك القاضي أبو عمر البسطامي
وبسطام بفتح الباء
قاضي نيسابور
"""
صفحة رقم 141 """
كان أحد الأئمة من أصحابنا والرفعاء من علمائهم
قدم بغداد في حياة الشيخ أبي حامد الإسفرايني وكان الشيخ أبو حامد يجله ويعظمه
وكان القاضي أبو عمر نظير أبي الطيب الصعلوكي حشمة وجاها وعلما فصاهره أبو الطيب وجاء من بينهما فضلاء أئمة
سمع القاضي أبو عمر الحديث بالعراق والأهواز وأصبهان وسجستان
وأملى وحدث عن أبي القاسم الطبراني وأحمد بن عبد الرحمن بن الجارود الرقي وأبي بكر القطيعي وعلي بن حماد الأهوازي وأحمد بن محمود بن خرزاذ القاضي وأبي محمد بن ماسي وغيرهم
روى عنه أبو عبد الله الحاكم مع تقدمه وأبو بكر البيهقي وأبو الفضل محمد بن عبيد الله الصرام وسفيان ومحمد ابنا الحسين بن فتحويه ويوسف الهمذاني وغيرهم
ذكره الحاكم في التاريخ فقال الفقيه المتكلم البارع الواعظ
ثم قال وورد له العهد بقضاء نيسابور وقرىء علينا العهد غداة الخميس ثالث ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة
وأجلس في مجلس القضاء في مسجد رجا في تلك الساعة وأظهر أهل الحديث
"""
صفحة رقم 142 """
من الفرح والاستبشار والنثار ما يطول شرحه وكتبنا بالدعاء والشكر إلى السلطان أيده الله وإلى أوليائه
وذكره أبو علي الحسن بن نصر بن كاكا المرندي فقال كان منفردا بلطائف السيادة معتمدا لمواقف الوفادة سفر بين السلطان المعظم ومجلس الخلافة أيام القادر بالله فأفتن أهل بغداد بلسانه وإحسانه وبزهم في إيراده وإصداره بصحة إتقانه
ونكت في ذلك المشهد النبوي والمحفل الإمامي أشياء أعجب بها كفاته وسلم الفضل له فيها حماته وقالوا مثله فليكن نائبا عن ذلك السلطان المؤيد بالتوفيق والنصرة وافدا على مثل هذه الحضرة حتى صدر وحقائبه مملوءة من أصناف الإكرام وسهامه فائزة بأقصى المرام ثم كان شافعي العلم شريحي الحكم سحباني البيان سحار اللسان
وذكر الخطيب أن أبا صالح المؤذن وأبا بكر محمد بن يحيى بن إبراهيم النيسابوري أخبراه أن القاضي أبا عمر توفي بنيسابور سنة سبع وأربعمائة
وقال عبد الغافر الفارسي إنه توفي سنة ثمان وأربعمائة
وقال عبد الغافر الفارسي إنه توفى . سنة ثمان واربعمائة وأعقب الموفق والمؤيد ولدين إمامين
"""
صفحة رقم 143 """
ومن الرواية عنه
أخبرنا أبو محمد بن القيم سماعا عليه أن أبا الحسن بن البخاري أخبره عن عبد الواحد بن أبي المطهر الصيدلاني أخبرنا أبو سعيد بن أبي صالح الحافظ المؤذن أخبرنا السيد أبو القاسم علي بن الحسين بن القاسم قدم علينا من هراة سنة سبع وخمسين وأربعمائة أخبرنا القاضي أبو عمر محمد بن الحسين بن محمد البسطامي أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود الرقي بعسكر مكرم حدثنا يزيد بن سنان البصري بمصر حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا يحيى بن العلاء عن طلحة العقيلي عن الحسن ابن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( نعم المفتاح الهدية أمام الحاجة )
لم يرو هذا الحديث من حديث الحسن رضي الله عنه في شيء من الكتب الستة
321
محمد بن الحسين بن موسى الأزدي
أبو عبد الرحمن السلمي جدا لأنه سبط أبي عمرو إسماعيل بن نجيد السلمي
النيسابوري بلدا
كان شيخ الصوفية وعالمهم بخراسان
له اليد الطولى في التصرف والعلم الغزير والسير على سنن السلف
سمع من أبي العباس الأصم وأحمد بن علي بن حسنويه المقرىء وأحمد بن محمد بن عبدوس ومحمد بن أحمد بن سعيد الرازي صاحب ابن وارة وأبي ظهير عبد الله بن فارس العمري البلخي ومحمد بن المؤمل الماسرجسي والحافظ أبي علي الحسين
"""
صفحة رقم 144 """
ابن محمد النيسابوري وسعيد بن القاسم البردعي وأحمد بن محمد بن رميح النسوي وجده أبي عمرو
روى عنه الحاكم أبو عبد الله وأبو القاسم القشيري وأبو بكر البيهقي وأبو سعيد ابن رامش وأبو بكر محمد بن يحيى المزكي وأبو صالح المؤذن وأبو بكر ابن خلف وعلى بن أحمد المديني المؤذن والقاسم بن الفضل الثقفي وخلق سواهم
وقع لنا الكثير من حديثه بعلو
واختلف في مولده فالمشهور أنه في رمضان سنة ثلاثين وثلاثمائة وقيل بل سنة خمس وعشرين وثلاثمائة
ذكره الحافظ عبد الغافر في السياق فقال شيخ الطريقة في وقته الموفق في جميع علوم الحقائق ومعرفة طريق التصوف وصاحب التصانيف المشهورة العجيبة في علم القوم وقد ورث التصوف عن أبيه وجده وجمع من الكتب ما لم يسبق إلى ترتيبه حتى بلغ فهرست تصانيفه المائة وأكثر
وحدث أكثر من أربعين سنة إملاء وقراءة
وكتب الحديث بنيسابور ومرو والعراق والحجاز
وانتخب عليه الحفاظ الكبار
توفي في شعبان سنة اثنتى عشرة وأربعمائة
ومن القول فيه له وعليه
قال الخطيب قال لي محمد بن يوسف النيسابوري القطان كان السلمي غير ثقة وكان يضع للصوفية
"""
صفحة رقم 145 """
قال الخطيب قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل وكان مع ذلك محمودا صاحب حديث
قلت قول الخطيب فيه هو الصحيح وأبو عبد الرحمن ثقة ولا عبرة بهذا الكلام فيه
قال الخطيب وأخبرنا أبو القاسم القشيري قال كنت بين يدي أبي على الدقاق فجرى حديث أبي عبد الرحمن السلمي وأنه يقوم في السماع موافقة للفقراء فقال أبو علي مثله في حاله لعل السكون أولى به امض إليه فستجده قاعدا في بيت كتبه وعلى وجه الكتب مجلدة صغيرة مربعة فيها أشعار الحسين بن منصور فهاتها ولا تقل له شيئا
قال فدخلت عليه فإذا هو في بيت كتبه والمجلدة بحيث ذكر أبو علي فلما قعدت أخذ في الحديث وقال كان بعض الناس ينكر على واحد من العلماء حركته في السماع فرئى ذلك الإنسان يوما خاليا في بيت وهو يدور كالمتواجد فسئل عن حاله فقال كانت مسألة مشكلة علي فتبين لي معناها فلم أتمالك من السرور حتى قمت أدور فقل له مثل هذا يكون حالهم
فلما رأيت ذلك منهما تحيرت كيف أفعل بينهما فقلت لا وجه إلا الصدق فقلت إن أبا علي وصف هذه المجلدة وقال احملها إلي من غير أن يعلم الشيخ وأنا أخافك وليس يمكنني مخالفته فأيش تأمر
"""
صفحة رقم 146 """
فأخرج أجزاء من كلام الحسين بن منصور وفيها تصنيف له سماه الصيهور في نقض الدهور وقال احمل هذه إليه
قلت الذي أفهمه من هذه الحكاية أن أبا عبد الرحمن يقول جوابا لأبي علي عن قوله إن مثله في حاله لعل السكون أولى به ما حاصله أن الحركة لم ينشئها السماع وأنى لست بحيث يأخذ مني السماع ولكن يعرض لي أمر لا مدخل للسماع فيه فيحصل معه من السرور ما يتعقبه بالحركة من غير تمالك ولا اختيار وليس للسماع هناك أثر لأن مثله يتفق للإنسان وهو خال في بيت مفرد ثم يوجد متواجدا لذلك فمثل هذا حالي وليس كما توهم في أن السماع يأخذ مني فإن حالي كما ذكر أبو علي أرفع
وأما إرساله كتاب الصيهور في نقض الدهور فلعل فيه إشارة خفية بين الشيخين لم أفهمها ولم يكن والله أعلم أبو عبد الرحمن وإن أباح السماع بحيث يتأثر به
وقد أنكر بقلبه على أستاذه أبي سهل فيما حكاه الأستاذ أبو القاسم القشيري قال سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن يقول خرجت إلى مرو يعني من نيسابور في حياة الأستاذ أبي سهل الصعلوكي وكان له قبل خروجي أيام الجمعة بالغدوات مجلس دور القرآن يختم به فوجدته عند رجوعي قد رفع ذلك المجلس وعقد لابن العقابي
"""
صفحة رقم 147 """
في ذلك الوقت مجلس القول فداخلني من ذلك شيء وكنت أقول في نفسي قد استبدل مجلس الختم بمجلس القول فقال لي يوما أيش يقول الناس في قلت يقولون رفع مجلس القرآن ووضع مجلس القول
فقال من قال لأستاذه لم لا يفلح أبدا
وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي كان يعني السلمي وافر الجلالة له أملاك ورثها من أمه وورثتها هي من أبيها وتصانيفه يقال إنها ألف جزء وله كتاب سماه حقائق التفسير ليته لم يصنفه فإنه تحريف وقرمطة فدونك الكتاب فسترى العجب
انتهى
قلت لا ينبغي له أن يصف بالجلالة من يدعي فيه التحريف والقرمطة وكتاب حقائق التفسير المشار إليه قد كثر الكلام فيه من قبل أنه اقتصر فيه على ذكر تأويلات ومحال للصوفية ينبو عنها ظاهر اللفظ
322
محمد بن الحسين بن أبي أيوب الأستاذ حجة الدين أبو منصور المتكلم
تلميذ ابن فورك وختنه
وهو صاحب كتاب تلخيص الدلائل
توفي في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 148 """
323
محمد بن داود بن محمد الداودي
أبو بكر شارح مختصر المزني
وهو الصيدلاني تلميذ الإمام أبي بكر القفال المروزي
كذا تحققناه بعد أن كنا شاكين فيه
قال ابن الرفعة أكثر النقل عنه في المطلب وتوهمه غير الصيدلاني
وقال في كلامه على دية الجنين ابن داود متقدم على القفال المروزي
ونقلت أنا ذلك عنه في الطبقات الوسطى والصغرى
ثم رأيت في الأنساب لابن السمعاني في ترجمة الداودي ما نصه وأبو المظفر سليمان بن داود بن محمد بن داود الصيدلاني المعروف بالداودي نسبة إلى جده
"""
صفحة رقم 149 """
الأعلى وهو نافلة الإمام أبي بكر الصيدلاني صاحب أبي بكر القفال انتهى
ثم وقفت على مجلدين من شرحه للمزني وفي أوله اسمه أبو بكر محمد بن داود المروزي المعروف بالصيدلاني
ثم وقع لي في شعبان سنة إحدى وسبعين وسبعمائة ربع الجنايات من شرحه وقد كتبه كاتبه في سنة إحدى وسبعين وأربعمائة وقال إنه طريقة الشيخ أبي بكر القفال المروزي التي حررها الشيخ أبو بكر بن داود الداودي الصيدلاني
فتحققت بهذا أن الداودي هو الصيدلاني وهو الذي علق على المزني شرحا مسمى عند الخراسانيين بطريقة الصيدلاني لأنه علقه على طريقة القفال التي كان يسمعها عنه مع زيادات يذكرها من قبله وصرت على قطع من ذلك ولله الحمد
324
محمد بن زهير بن أخطل
أبو بكر النسائي إمام نسا وخطيبها
"""
صفحة رقم 150 """
325
محمد بن سلامة بن جعفر بن علي القاضي أبو عبد الله القضاعي
الفقيه
قاضي مصر
مصنف كتاب الشهاب سمع أبا مسلم محمد بن أحمد الكاتب وأحمد بن ثرثال وأبا الحسن بن جهضم وأبا محمد بن النحاس وآخرين
روى عنه الحميدي وأبوعبد الجليل الساوي ومحمد بن محمد بن بركات السعيدي وسهل بن بشر الإسفرايني وأبو عبد الله الرازي في مشيخته والخطيب وابن ماكولا وآخرون
قال الأمير ابن ماكولا كان متفننا في عدة علوم ولم أر في مصر من يجري مجراه
"""
صفحة رقم 151 """
وقال السلفي كان من الثقات الأثبات شافعي المذهب والاعتقاد مرضي الجملة
قلت وقد ذهب إلى الروم رسولا ومن عجيب ما اتفق له أنه لقي شيخا بمدينة القسطنطينية فسمع منه بها ثم حدث عنه
326
محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين بن موسى البسطامي الرزجاهي
ورزجاه بفتح الراء المهملة كذا ذكر أبو سعد بن السمعاني
قال شيخنا الذهبي وقيل بضمها ثم سكون الزاي ثم جيم وفي آخرها هاء قرية من قرى بسطام
كان فقيها أديبا محدثا
تفقه على الأستاذ أبي سهل الصعلوكي وسمع أبا بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي وأبا أحمد بن عدي الجرجانيين وأبا أحمد الحاكم الحفاظ وأبا أحمد الغطريفي وأبا علي بن المغيرة
"""
صفحة رقم 152 """
روى عنه الحافظ أبو بكر البيهقي وأبو عبد الله الثقفي وأبو سعيد بن أبي صادق وأبو الحسن علي بن محمد بن أحمد الفقاعي وآخرون
مولده سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة
وكان يجلس لإسماع الحديث والأدب وله حلقة
وانتقل في آخر عمره إلى بسطام ومات بها في ربيع الأول سنة ست وعشرين وأربعمائة
327
محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد
القاضي أبو عبد الله البيضاوي
ولي القضاء بربع الكرخ من بغداد
وحدث بيسير عن أبي بكر ابن مالك القطيعي والحسين بن محمد بن عبيد العسكري
قال الخطيب كتبت عنه وكان ثقة صدوقا دينا سديدا
وقال الشيخ أبو إسحاق تفقه على الداركي وحضرت مجلسه وعلقت عنه وكان ورعا حافظا للمذهب والخلاف موفقا في الفتاوى
انتهى
"""
صفحة رقم 153 """
مات فجأة في ليلة الجمعة رابع عشر رجب سنة أربع وعشرين وأربعمائة
ودفن بمقبرة باب حرب
قال ابن الصلاح أظنه من بيضاء فارس
قال ابن الصلاح أيضا قرأت بخط القاضي أبي منصور بن الصباغ في كتابه كتاب الإشعار بمعرفة اختلاف علماء الأمصار وإذا رأى في ثوبه نجاسة ثم خفيت عليه فيما يغلب عليه ظني أني سمعت قاضي القضاة أبا عبد الله الدامغاني أو وجدته في كتابه أنه استفتي في هذه المسألة في زمان أبي عبد الله البيضاوي وأن جماعة فقهاء الوقت أفتوا بأنه يجب عليه غسل جميعه إلا البيضاوي فإنه أفتى بأنه يجب غسل ما رآه في الثوب فاستحسن ذلك منه
قال ابن الصلاح وهذا فيه غموض وكشفه أن النجاسة لم تحقق إلا فيما رأى فالاشتباه لا يتعداه فلا يتعداه الغسل إلى ما لم يره وهذا الخلاف خلاف ما يقال إذا أصاب الثوب نجاسة وخفي موضعها غسله كله
قلت هذا في الحقيقة ليس خلافا لما أفتوا به فإنه لو عرض عليهم لقبلوه وإنما الذهن السريع الإدراك يبادر إليه فهو دليل على حسن بديهة البيضاوي واتقاد ذهنه
ومثل هذا ما وقع في عصرنا وردت علي فتيا صورتها رجل وقف على الفقراء والمساكين وابن ابنه فقير فهل يدفع إليه من مال الوقف ويكون أحق من الأجانب فكتبت الأفضل الدفع إليه
ووافقني جماعة من المفتين ثم حضرت والدي رحمه الله تعالى وقد وردت عليه الفتيا مشحونة بخطوط المفتين فكتب تحتهم
"""
صفحة رقم 154 """
في الوقت الحاضر الأجوبة المذكورة صحيحة بشرطين أحدهما أن لا يكون الوقف في مرض الموت ويكون ابن ابنه وارثا فمتى كان كذلك لا يصرف إليه شيء والثاني أن يحصل الصرف إلى خمسة سواه اثنين من الفقراء وثلاثة من المساكين ليحصل حقيقة الجمع التي دل عليها لفظ الفقراء ولفظ المساكين فإذا اجتمع هذان الشرطان كان الأفضل الصرف إليه
328
محمد بن عبد الله بن الحسن الإمام أبو الحسين بن اللبان
الفرضي الفقيه
إمام عصره في الفرائض وقسمة التركات
وله في ذلك التصانيف المشهورة
سمع أبا العباس الأثرم والحسن بن محمد بن عثمان الفسوي وأبا بكر بن داسة وغيرهم
وحدث ببغداد
سمع منه القاضي أبو الطيب محمد بن بكر الطبري سنن أبي داود سماعه من ابن داسة
عن أبي داود
قال الشيخ أبو إسحاق كان ابن اللبان إماما في الفقه والفرائض صنف فيها كتبا كثيرة ليس لأحد مثلها وعنه أخذ الناس
"""
صفحة رقم 155 """
ممن أخذ عنه أبو أحمد بن أبي مسلم الفرضي وأبو الحسين أحمد بن محمد ابن يحيى الكازروني الذي لم يكن في زمانه أفرض منه ولا أحسب
انتهى
وقال الخطيب انتهى إليه علم الفرائض
وروي أنه كان يقول ليس في الدنيا فرضي إلا من أصحابي أو أصحاب أصحابي أو لا يحسن شيئا
329
محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري الحافظ أبو عبد الله الحاكم المعروف بابن البيع
صاحب التصانيف في علوم الحديث منها تاريخ نيسابور وهو عندي أعود التواريخ على الفقهاء بفائدة ومن نظره عرف تفنن الرجل في العلوم جميعها وله
"""
صفحة رقم 156 """
المستدرك على الصحيحين وعلوم الحديث وكتاب مزكى الأخبار وكتاب الإكليل وكتاب فضائل الشافعي وغير ذلك
كان إماما جليلا وحافظا حفيلا اتفق على إمامته وجلالته وعظم قدره
ولد صبيحة الثالث من شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة
وطلب العلم من الصغر باعتناء والده وخاله
فأول سماعه سنة ثلاثين
واستملى على أبي حاتم بن حبان سنة أربع وثلاثين
ورحل من نيسابور إلى العراق سنة إحدى وأربعين بعد موت إسماعيل الصفار بأشهر وحج وجال في بلاد خراسان وما وراء النهر وأكثر
وشيوخه الذين سمع منهم بنيسابور وحدها نحو ألف شيخ وسمع بغيرها من نحو ألف شيخ أيضا
روى عن محمد بن علي المذكر ومحمد بن يعقوب الأصم ومحمد بن يعقوب بن الأخرم ومحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الصفار نزيل نيسابور وأبي حامد بن حسنويه المقرىء وأبي بكر بن إسحاق الصبغي الفقيه وأبي النصر محمد بن محمد بن
"""
صفحة رقم 157 """
يوسف الفقيه وأبي عمرو عثمان بن السماك وأبي بكر النجار وأبي علي النيسابوري الحافظ وبه تخرج وأبي الوليد الفقيه وعبد الباقي بن قانع الحافظ وخلق
وكتب عن غير واحد أصغر منه سنا وسندا
روى عنه أبو الحسن الدارقطني وهو من شيوخه وأبو الفتح بن أبي الفوارس وأبو ذر الهروي وأبو بكر البيهقي والأستاذ أبو القاسم القشيري وأبو صالح المؤذن وجماعة آخرهم أبو بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي
وانتخب على خلق كثير
وتفقه على أبي علي بن أبي هريرة وأبي سهل الصعلوكي وأبي الوليد النيسابوري
وصحب في التصوف أبا عمر بن محمد بن جعفر الخلدي وأبا عثمان المغربي وجماعة
ورحل إليه من البلاد لسعة علمه وروايته واتفاق العلماء على أنه من أعلم الأئمة الذين حفظ الله بهم هذا الدين
وحدث عنه في حياته
وكتب أبو عمر الطلمنكي علوم الحديث للحاكم عن شيخ له سنة تسع وثمانين وثلاثمائة بسماعه من صاحب الحاكم عن الحاكم
كتب إلي أحمد بن أبي طالب عن جعفر الهمداني أخبرنا أبو طاهر السلفي قال سمعت إسماعيل بن عبد الجبار القاضي بقزوين يقول سمعت الخليل بن عبد الله الحافظ يقول فذكر الحاكم أبا عبد الله وعظمه وقال له رحلتان إلى العراق
"""
صفحة رقم 158 """
والحجاز الرحلة الثانية سنة ثمان وثلاثين وناظر الدارقطني فرضيه وهو ثقة واسع العلم بلغت تصانيفه قريبا من خمسمائة جزء
وقال أبو حازم عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدوي الحافظ إن الحاكم أبا عبد الله قلد قضاء نسا سنة تسع وخمسين في أيام السامانية ووزارة العتبي فدخل الخليل بن أحمد السجزي القاضي على أبي جعفر العتبي فقال هنأ الله الشيخ فقد جهز إلى نسا ثلاثمائة ألف حديث لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
فتهلل وجهه
قال وقلد بعد ذلك قضاء جرجان فامتنع
قال وسمعت مشيختنا يقولون كان الشيخ أبو بكر بن إسحاق وأبو الوليد النيسابوري يرجعان إلى أبي عبد الله الحاكم في السؤال عن الجرح والتعديل وعلل الحديث وصحيحه وسقيمه
قال وأقمت عند الشيخ أبي عبد الله العصمي قريبا من ثلاث سنين ولم أر في جملة مشايخنا أتقى منه ولا أكثر تنقيرا فكان إذا أشكل عليه شيء أمرني أن أكتب إلى الحاكم أبي عبد الله وإذا ورد عليه جوابه حكم به وقطع بقوله وانتخب على المشايخ خمسين سنة
وحكى القاضي أبو بكر الحيري أن شيخا من الصالحين حكى أنه رأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في النوم قال فقلت له يا رسول الله بلغني أنك قلت ولدت في زمن الملك العادل وإني سألت الحاكم أبا عبد الله عن هذا الحديث فقال هذا كذب ولم يقله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ( صدق أبو عبد الله )
قال أبو حازم أول من اشتهر بحفظ الحديث وعلله بنيسابور بعد الإمام مسلم
"""
صفحة رقم 159 """
ابن الحجاج إبراهيم بن أبي طالب وكان يقابله النسائي وجعفر الفريابي ثم أبو حامد بن الشرقي وكان يقابله أبو بكر بن زياد النيسابوري وأبو العباس بن سعد ثم أبو علي الحافظ وكان يقابله أبو أحمد العسال وإبراهيم بن حمزة ثم الشيخان أبو الحسين الحجاج وأبو أحمد الحاكم وكان يقابلهما في عصرهما ابن عدي وابن المظفر والدارقطني
وتفرد الحاكم أبو عبد الله في عصرنا من غير أن يقابله أحد بالحجاز والشام والعراقين والجبال والري وطبرستان وقومس وخراسان بأسرها وما وراء النهر
هذا بعض كلام أبي حازم ذكره في حياة الحاكم وقال في آخره جعلنا الله لهذه النعمة من الشاكرين
وذكر أنه سمعه يقول شربت ماء زمزم وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف
وقال عبد الغافر الفارسي إن الحاكم اختص بصحبة إمام وقته أبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغي وإنه كان يراجعه في الجرح والتعديل والعلل وأنه أوصى إليه في أمور مدرسته دار السنة وفوض إليه تولية أوقافه في ذلك
وسمعت مشايخنا يذكرون أيامه ويحكون أن مقدمي عصره مثل الإمام أبي سهل الصعلوكي والإمام ابن فورك وسائر الأئمة يقدمونه على أنفسهم ويراعون حق فضله ويوفون له الحرمة الأكيدة بسبب تفرده بحفظه ومعرفته
وكان إذا حضر مجلس سماع محتو على مشايخ وصدور يؤنسهم بمحاضرته ويطيب أوقاتهم بحكاياته بحيث يظهر صفاء كلامه على الحاضرين فيأنسون بحضوره
قال محمد بن طاهر الحافظ سألت سعدا الزنجاني الحافظ بمكة قلت له أربعة من الحفاظ تعاصروا أيهم أحفظ فقال من
"""
صفحة رقم 160 """
قلت الدارقطني ببغداد وعبد الغني بمصر وأبو عبد الله بن مندة بأصبهان وأبو عبد الله الحاكم بنيسابور
فسكت فألححت عليه فقال أما الدارقطني فأعلمهم بالعلل وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنساب وأما ابن مندة فأكثرهم حديثا مع معرفة تامة وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفا
وحكي أن أبا الفضل الهمذاني الأديب لما ورد نيسابور وتعصبوا له ولقب بديع الزمان أعجب بنفسه إذ كان يحفظ المائة بيت إذا أنشدت بين يديه مرة وينشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة فأنكر على الناس قولهم فلان الحافظ في الحديث ثم قال وحفظ الحديث مما يذكر
فسمع به الحاكم ابن البيع فوجه إليه بجزء وأجله جمعة في حفظه فرد إليه الجزء بعد الجمعة وقال من يحفظ هذا محمد بن فلان وجعفر بن فلان عن فلان أسامي مختلفة وألفاظ متباينة
فقال له الحاكم فاعرف نفسك واعلم أن حفظ هذا أضيق مما أنت فيه
قلت وذكر الحاكم في تاريخه في ترجمة الحافظ أبى علي النيسابوري قال
تذاكرنا يوما روى سليمان التيمي عن أنس فمررت أنا في الترجمة وكان بحضرة أبي علي وجماعة من المشايخ إلى أن ذكرت حديث ( لا يزني الزاني وهو مؤمن ) فحمل بعضهم علي فقال أبو علي له لا تفعل فما رأيت أنت ولا نحن في سنه مثله وأنا أقول إذا رأيته رأيت ألف رجل من أصحاب الحديث
"""
صفحة رقم 161 """
وروى أبو موسى المديني أن الحاكم أبا عبد الله دخل الحمام واغتسل وخرج وقال آه وقبض روحه وهو متزر لم يلبس قميصه بعد وذلك في ثالث صفر سنة خمس وأربعمائة يوم الأربعاء
ودفن بعد العصر وصلى عليه القاضي أبو بكر الحيري
وقال الحسن بن أشعث القرشي رأيت الحاكم في المنام على فرس في هيئة حسنة وهو يقول النجاة
فقلت له أيها الحاكم فيما ذا
قال في كتبة الحديث
قلت كذا صح وثبتت وفاته سنة خمس وأربعمائة ووهم من قال سنة ثلاث وأربعمائة رحمه الله
ذكر البحث عما رمي به الحاكم من التشيع وما زادت أعداؤه ونقصت أوداؤه رحمه الله تعالى والنصفة بين الفئتين
أول ما ينبغي لك أيها المنصف إذا سمعت الطعن في رجل أن تبحث عن خلطائه والذين عنهم أخذ ما ينتحل وعن مرباه وسبيله ثم تنظر كلام أهل بلده وعشيريته من معاصريه العارفين به بعد البحث عن الصديق منهم له والعدو الخالي عن الميل إلى إحدى الجهتين وذلك قليل في المتعاصرين المجتمعين في بلد
وقد رمي هذا الإمام الجليل بالتشيع وقيل إنه يذهب إلى تقديم علي من غير
"""
صفحة رقم 162 """
أن يطعن في واحد من الصحابة رضي الله عنهم فنظرنا فإذا الرجل محدث لا يختلف في ذلك وهذه العقيدة تبعد على محدث فإن التشيع فيهم نادر وإن وجد في أفراد قليلين
ثم نظرنا مشايخه الذين أخذ عنهم العلم وكانت له بهم خصوصية فوجدناهم من كبار أهل السنة ومن المتصلبة في عقيدة أبي الحسن الأشعري كالشيخ أبي بكر بن إسحاق الصبغي والأستاذ أبي بكر بن فورك والأستاذ أبي سهل الصعلوكي وأمثالهم وهؤلاء هم الذين كان يجالسهم في البحث ويتكلم معهم في أصول الديانات وما يجري مجراها
ثم نظرنا تراجم أهل السنة في تاريخه فوجدناه يعطيهم حقهم من الإعظام والثناء مع ما ينتحلون وإذا شئت فانظر ترجمة أبي سهل الصعلوكي وأبي بكر بن إسحاق وغيرهما من كتابه ولا يظهر عليه شيء من الغمز على عقائدهم وقد استقريت فلم أجد مؤرخا ينتحل عقيدة ويخلو كتابه عن الغمز ممن يحيد عنها سنة الله في المؤرخين وعادته في النقلة ولا حول ولا قوة إلا بحبله المتين
ثم رأينا الحافظ الثبت أبا القاسم بن عساكر أثبته في عداد الأشعريين الذين يبدعون أهل التشيع ويبرءون إلى الله منهم فحصل لنا الريب فيما رمي به هذا الرجل على الجملة
ثم نظرنا تفاصيله فوجدنا الطاعنين يذكرون أن محمد بن طاهر المقدسي ذكر أنه سأل أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري عن الحاكم أبي عبد الله فقال ثقة في الحديث رافضي خبيث وأن ابن طاهر هذا قال إنه كان شديد التعصب للشيعة في الباطن وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة وكان منحرفا غاليا عن معاوية وأهل بيته يتظاهر به ولا يتعذر منه
"""
صفحة رقم 163 """
فسمعت أبا الفتح ابن سمكويه بهراة يقول سمعت عبد الواحد المليحي يقول سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول دخلت على أبي عبد الله الحاكم وهو في داره لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبد الله بن كرام وذلك أنهم كسروا منبره ومنعوه من الخروج فقلت له لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل حديثا لاسترحت من هذه الفتنة
فقال لا يجيء من قلبي
يعني معاوية
وأنه قال أيضا سمعت أبا محمد بن السمرقندي يقول بلغني أن مستدرك الحاكم ذكر بين يدي الدارقطني فقال نعم يستدرك عليهما حديث الطير
فبلغ ذلك الحاكم فأخرج الحديث من الكتاب
هذا ما يذكره الطاعنون وقد استخرت الله كثيرا واستهديته التوفيق وقطعت القول بأن كلام أبي إسماعيل وابن الطاهر لا يجوز قبوله في حق هذا الإمام لما بينهم من مخالفة العقيدة وما يرميان به من التجسيم أشهر مما يرمى به الحاكم من الرفض ولا يغرنك قول أبي إسماعيل قبل الطعن فيه إنه ثقة في الحديث فمثل هذا الثناء يقدمه من يريد الإزراء بالكبار قبل الإزراء عليهم ليوهم البراءة من الغرض وليس الأمر كذلك
والغالب على ظني أن ما عزي إلى أبي عبد الرحمن السلمي كذب عليه ولم يبلغنا أن الحاكم ينال من معاوية ولا يظن ذلك فيه وغاية ما قيل فيه الإفراط في ولاء علي كرم الله وجهه ومقام الحاكم عندنا أجل من ذلك
وأما ابن كرام فكان داعية إلى التجسيم لا ينكر أحد ذلك ثم إن هذه حكاية لا يحكيها إلا هذا الذي يخالف الحاكم في المعتقد فكيف يسع المرء بين يدي الله تعالى
"""
صفحة رقم 164 """
أن يقبل قوله فيها أو يعتمد على نقله ثم أنى له اطلاع على باطن الحاكم حتى يقضي بأنه كان يتعصب للشيعة باطنا
وأما ما رواه الرواة عن الدارقطني إن صح فليس فيه ما يرمي به الحاكم بل غايته أنه استقبح منه ذكر حديث الطير في المستدرك وليس هو بصحيح فهو يكثر من الأحاديث التي أخرجها في المستدرك واستدركت عليه
ثم قول ابن طاهر إن الحاكم أخرج حديث الطير من المستدرك فيه وقفة فإن حديث الطير موجود في المستدرك إلى الآن وليته أخرجه منه فإن إدخاله فيه من الأوهام التي تستقبح
ثم لو دلت كلمة الدارقطني على وضع من الحاكم لم يعتد بها لما ذكر الخطيب في تاريخه من أن الأزهري حدثه أن الحاكم ورد بغداد قديما فقال ذكر لي أن حافظكم يعني الدارقطني خرج لشيخ واحد خمسمائة جزء فأروني بعضها فحمل إليه منها
وذلك مما خرجه لأبي إسحاق الطبري فنظر في أول الجزء الأول حديثا لعطية العوفي فقال استفتح بشيخ ضعيف ثم رمى الجزء من يده ولم ينظر في الباقي
فهذه كلمة من الحاكم في الدارقطني تقابل كلمة الدارقطني فيه وليس على واحد منها فضاحة غير أنه يؤخذ منهما أنه قد يكون بينهما ما قد يكون بين الأقران
"""
صفحة رقم 165 """
وقد قدمنا في الطبقة الأولى في ترجمة أحمد بن صالح أن كلام النظير في النظير عند ذلك غير مقبول ولا يوجب طعنا على القائل ولا المقول فيه وحققنا في ذلك جملة صالحة وذلك كله بتقدير ثبوت الحكاية وأن فيها تعريضا من الدارقطني بغمز الحاكم بسوء العقيدة ولا يسلم واحد من الأمرين وإنما فيها عندنا الغمز من كتاب المستدرك لما فيه مما يستدرك وهو غمز صحيح
ثم قال ابن طاهر وسمعت المظفر بن حمزة بجرجان يقول سمعت أبا سعد الماليني يقول طالعت المستدرك فلم أجد فيه حديثا على شرط الشيخين
قلت ليس في هذا تعرض للتشيع بنفي ولا إثبات ثم هو غير مسلم
قال شيخنا الذهبي بل هو غلو و إسراف من الماليني ففي المستدرك جملة وافرة على شرطهما وجملة كبيرة على شرط أحدهما
قال شيخنا الذهبي لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب
قال وفيه نحو الربع صح سنده وإن كان فيه علة
قال وما بقي وهو نحو الربع فهو مناكير وواهيات لا تصح وفي بعض ذلك موضوعات
ثم ذكر ابن طاهر أنه رأى بخط الحاكم حديث الطير في جزء ضخم جمعه
وقال وقد كتبته للتعجب
قلنا وغاية جمع هذا الحديث أن يدل على أن الحاكم يحكم بصحته ولولا ذلك لما أودعه المستدرك ولا يدل ذلك منه على تقديم علي رضي الله عنه على شيخ المهاجرين والأنصار أبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ له معارض أقوى لا يقدر على دفعه وكيف يظن بالحاكم مع سعة حفظه تقديم علي ومن قدمه على أبي بكر فقد طعن على
"""
صفحة رقم 166 """
المهاجرين والأنصار فمعاذ الله أن يظن ذلك بالحاكم ثم ينبغي أن يتعجب من ابن طاهر في كتابته هذا الجزء مع اعتقاده بطلان الحديث ومع أن كتابته سبب شياع هذا الخبر الباطل واغترار الجهال به أكثر مما يتعجب من الحاكم ممن يخرجه وهو يعتقد صحته
وحكى شيخنا الذهبي كلام ابن طاهر وذيل عليه أن للحاكم جزءا في فضائل فاطمة وهذا لا يلزم منه رفض ولا تشيع ومن ذا الذي ينكر فضائلها رضي الله عنها فإن قلت فهل ينكر أن يكون عند الحاكم شيء من التشيع قلت الآن حصحص الحق والحق أحق أن يتبع وسلوك طريق الإنصاف أجدر بذوي العقل من ركوب طريق الاعتساف
فأقول لو انفرد ما حكيته عن أبي إسماعيل وعن ابن طاهر لقطعت بأن نسبة التشيع إليه كذب عليه ولكني رأيت الخطيب أبا بكر رحمه الله تعالى قال فيما أخبرني به محمد بن إسماعيل المسند إذنا خاصا والحافظ أبو الحجاج المزي إجازة قالا أخبرنا مسلم بن محمد بن علان قال الأول إجازة وقال الثاني سماعا أخبرنا أبو اليمن الكندي أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال أبو عبد الله بن البيع الحاكم كان ثقة أول سماعه في سنة ثلاثين وثلاثمائة وكان يميل إلى التشيع فحدثني إبراهيم بن محمد الأرموي بنيسابور وكان صالحا عالما قال جمع أبو عبد الله الحاكم أحاديث وزعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم منها حديث الطير ومن كنت مولاه فعلي مولاه فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك ولم يلتفتوا إلى قوله
انتهى
"""
صفحة رقم 167 """
قلت والخطيب ثقة ضابط فتأملت مع ما في النفس من الحاكم من تخريجه حديث الطير في المستدرك وإن كان خرج أشياء غير موضوعة لا تعلق لها بتشيع ولا غيره فأوقع الله في نفسي أن الرجل كان عنده ميل إلى علي رضي الله عنه يزيد على الميل الذي يطلب شرعا ولا أقول إنه ينتهي به إلى أن يضع من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ولا إنه يفضل عليا على الشيخين بل أستبعد أن يفضله على عثمان رضي الله عنهما فإني رأيته في كتابه الأربعين عقد بابا لتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان واختصهم من بين الصحابة وقدم في المستدرك ذكر عثمان على علي رضي الله عنهما وروى فيه من حديث أحمد بن أخي ابن وهب حدثنا عمي حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أول حجر حمله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لبناء المسجد ثم حمل أبو بكر ثم حمل عمر حجرا ثم حمل عثمان حجرا فقلت يا رسول الله ألا ترى إلى هؤلاء كيف يسعدونك فقال ( يا عائشة هؤلاء الخلفاء من بعدي )
قال الحاكم على شرطهما وإنما اشتهر من رواية محمد بن الفضل بن عطية فلذلك هجر
قلت وقد حكم شيخنا الذهبي في كتابه تلخيص المستدرك بأن هذا الحديث لا يصح لأن عائشة لم يكن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دخل بها إذ ذاك
"""
صفحة رقم 168 """
قال وأحمد منكر الحديث وإن كان مسلم خرج له في الصحيح ويحيى وإن كان ثقة فيه ضعف
قلت فمن يخرج هذا الحديث الذي يكاد يكون نصا في خلافة الثلاثة مع ما في إخراجه من الاعتراض عليه يظن به الرفض
وخرج أيضا في فضائل عثمان حديث لينهض كل رجل منكم إلى كفئه فنهض النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى عثمان وقال ( أنت ولي في الدنيا والآخرة ) وصححه مع أن في سنده مقالات
وأخرج غير ذلك من الأحاديث الدالة على أفضلية عثمان مع ما في بعضها من الاستدراك عليه وذكر فضائل طلحة والزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص فقد غلب على الظن أنه ليس فيه ولله الحمد شيء مما يستنكر عليه إفراط في ميل لا ينتهي إلى بدعة
وأنا أجوز أن يكون الخطيب إنما يعني بالميل إلى ذلك ولذلك حكم بأن الحاكم ثقة ولو كان يعتقد فيه رفضا لجرحه به لا سيما على مذهب من يرى رد رواية المبتدع مطلقا فكلام الخطيب عندنا يقرب من الصواب
وأما قول من قال إنه رافضي خبيث ومن قال إنه شديد التعصب للشيعة فلا يعبأ بهما كما عرفناك
هذا ما ظهر لي والله أعلم
وحكى شيخنا الذهبي أن الحاكم سئل عن حديث الطير فقال لا يصح
"""
صفحة رقم 169 """
ولو صح لما كان أحد أفضل من علي بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
ثم قال شيخنا وهذه الحكاية سندها صحيح فما باله أخرج حديث الطير في المستدرك
ثم قال فلعله تغير رأيه
قلت وكلام شيخنا حق وإدخاله حديث الطير في المستدرك مستدرك وقد جوزت أن يكون زيد في كتابه وألا يكون هو أخرجه وبحثت عن نسخ قديمة من المستدرك فلم أجد ما ينشرح الصدر لعدمه وتذكرت قول الدارقطني إنه يستدرك حديث الطير فغلب على ظني أنه لم يوضع عليه ثم تأملت قول من قال إنه أخرجه من الكتاب فجوزت أن يكون خرجه ثم أخرجه من الكتاب وبقي في بعض النسخ فإن ثبت هذا صحت الحكايات ويكون خرجه في الكتاب قبل أن يظهر له بطلانه ثم أخرجه منه لاعتقاده عدم صحته كما في هذه الحكاية التي صحح الذهبي سندها ولكنه بقي في بعض النسخ إما لانتشار النسخ بالكتاب أو لإدخال بعض الطاعنين إياه فيه فكل هذا جائز والعلم عند الله تعالى
وأما الحكم على حديث الطير بالوضع فغير جيد ورأيت لصاحبنا الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي عليه كلاما قال فيه بعد ما ذكر تخريج الترمذي
"""
صفحة رقم 170 """
له وكذلك النسائي في خصائص علي رضي الله عنه إن الحق في الحديث أنه ربما ينتهي إلى درجة الحسن أو يكون ضعيفا يحتمل ضعفه
قال فأما كونه ينتهي إلى أنه موضوع من جميع طرقه فلا
قال وقد خرجه الحاكم من رواية محمد بن أحمد بن عياض قال حدثنا أبي حدثنا يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن أنس رضي الله تعالى عنه
قال ورجال هذا السند كلهم ثقاة معروفون سوى أحمد بن عياض فلم أر من ذكره بتوثيق ولا جرح
ويقرب من حديث الطير حديث علي خير البشر من أبي فقد كفر
أخرجه الحاكم أيضا فقال حدثنا السيد أبو الحسن محمد بن يحيى العلوى حدثنا الحسن بن محمد بن عثمان الشيباني حدثنا عبد الله بن محمد أبو عبد الله الهاشمي قال قلت للحر بن سعيد النخعي أحدثك شريك قال حدثني شريك عن أبي إسحاق عن أبي وائل عن حذيفة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره
وهو مما ينكر على الحاكم إخراجه
وقد رواه الخطيب أبو بكر من وجه آخر فقال أخبرنا الحسن بن أبي طالب حدثنا محمد بن إسحاق القطيعي حدثني أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى صاحب كتاب النسب حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق حدثنا الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) به بلفظه إلا أن الخطيب تعقبه بقوله هذا حديث منكر ما رواه سوى العلوي بهذا الإسناد وليس بثابت
ولم يعجب شيخنا الذهبي اقتصار الخطيب على هذه العبارة وقال ينبغي أن يأتي بأبلغ منها مما يدل على أن هذا حديث جلي البطلان
"""
صفحة رقم 171 """
وأخرج الحاكم أيضا حديث محمد بن دينار من أهل الساحل في شأن تزوج علي بفاطمة رضي الله عنها أخرجه بطوله ساكتا عليه وهو موضوع ولعل واضعه محمد بن دينار فإنه الذي يقال له العرقي لا يعرف
330
محمد بن عبد الله بن مسعود بن أحمد بن محمد بن مسعود المسعودي
الإمام أبو عبد الله المروزي
أحد أئمة أصحاب القفال المروزي
كان إماما مبرزا زاهدا ورعا حافظا للمذهب
شرح مختصر المزني
وسمع القليل من أستاذه أبي بكر القفال
وتوفي سنة نيف وعشرين وأربعمائة بمرو
وقال ابن الصلاح وحكاية من صحب القفال من الأئمة عن المسعودي تشعر بجلالة قدره
قلت كان المسعودي إن لم يكن من أقران القفال كما دل عليه كلام الفوراني في خطبة الإبانة فهو من أكبر تلامذته والذي يقع لي أنه من أقران الصيدلاني وفوق درجة الفوراني
"""
صفحة رقم 172 """
وسئل القفال وهو يتكلم عن العوام عن رجل حلف بطلاق زوجته لا يأكل البيض فلقيه إنسان وفي كمه شيء فقال إن لم آكل مما في كم فلان فامرأتي طالق وكان الذي في كمه البيض فما الحيلة في ألا يقع طلاقه
ففكر القفال ولم يحضره الجواب فلما نزل قال المسعودي يجعل ذلك البيض في القبيطاء يعني الحلاوة الناطف ثم يأكله ولا يقع طلاقه
قلت ومما حكاه الفوراني عن المسعودي في العمد أن المصلي صلاة العيد يقول بين كل تكبيرتين من التكبيرات الزوائد سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك وجل ثناؤك ولا إله غيرك
وقد نقله النووي في زيادة الروضة عن المسعودي
لكن في نقل الفوراني إياه عن المسعودي كما في نقل مسألة الناطف مما يشعر بجلالة المسعودي ورب قرين لقوم يكاد يكون لهم شيخا فهو بينهم وبين الشيخ الأستاذ كالمعيد فكأن المسعودي كان معيدا بين يدي القفال فكذلك كان صاحب التقريب بين يدي والده القفال الكبير ولذلك كان تلامذة أبيه كالحليمي يرجعون إليه
"""
صفحة رقم 173 """
البحث عن حال المسعودي المتكرر ذكره في كتاب البيان
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح كل ما يوجد في كتاب البيان للعمراني منسوبا إلى المسعودي فإنه غير صحيح النسبة إليه وإنما المراد به صاحب الإبانة أبو القاسم الفوراني
قال وذلك أن الإبانة وقعت في اليمن منسوبة إلى المسعودي على جهة الغلط لتباعد الديار
قلت وقال أبو عبد الله الطبري صاحب العدة في أولها بعد أن ذكر ما ذكره ابن الصلاح إن الإبانة تنسب في بعض بلاد خراسان إلى الصفار وفي بعضها إلى الشاشي وما ذكره ابن الصلاح من أن كل ما يوجد عن المسعودي في البيان فهو عن الإبانة مشكل بمواضع
منها أن صاحب البيان نقل فيه أن المسعودي قال إذا اشترى مالا شفعة فيه أصلا لا بالأصالة ولا بالتبعية كالسيف وما فيه شفعة أنه لا تثبت الشفعة في الشقص لتفرق الصفقة في الشقص على المشتري
وقد كشفت الإبانة فلم أجد ذلك فيها ولعلنا نزيد الكلام على هذا الوجه بسطة في ترجمة ابن أبي الدم إذا أنتهينا إليها إن شاء الله تعالى
ومنها نقل في البيان عن المسعودي أنه إذا ابتاع بثمن مؤجل فله أن يبيع ولا يخبر بالأجل وهذا يوافقه قول سليم في المجرد إنه يكره له أن يبيعه ولا يذكر الأجل
"""
صفحة رقم 174 """
وقد صرح الروياني في البحر بحكايته وجها عن الخراسانيين إلا أني كشفت الإبانة للفوراني فلم أر ذلك فيها
ومنها قال في البيان قال المسعودي في الأب هل يزوج ابنه الصغير وجهان الأصح لا لأنه لا حاجة له إليه
وهذا لم يوجد في الإبانة
وقد وقع في الروضة أن الفوراني حكى وجها وصححه أن الأب لا يملك تزويج الابن الصغير العاقل
قال وهو غلط
قال ابن الرفعة في المطلب ولم أر الوجه المذكور في الإبانة هنا
قلت ما أظن النووي أتي إلا من قبل ابن الصلاح فإنه لما استقر في نفسه ما ذكره من أن كل ما ينسب في البيان إلى المسعودي فهو إلى الفوراني ووجد هذا منسوبا إلى المسعودي نسبه إلى الفوراني وهو مكان كيس قد ذكرناه مع نظائر له في الكتاب الذي لقبناه خادم الرافعي في باب وهم على وهم
ومن الغلط عن المسعودي
نقل ابن يونس في شرح التنبيه عن المسعودي أنه لا يسمع شهادة الفرع إلا عند موت شهود الأصل
وهذا تصحيف إنما هو الشعبي أما أصحابنا فلم يقل منهم بذلك قائل لا المسعودي ولا غيره
نبه عليه ابن الرفعة في المطلب
"""
صفحة رقم 175 """
331
محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي أبو عمر النسوي
أقضى القضاة
ولد سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة
وكان يعرف بالقاضي الرئيس
وذكره كل واحد من عبد الله بن محمد الجرجاني في طبقات الشافعية وأبي سعد السمعاني في الذيل ومحمود الخوارزمي في تاريخ خوارزم
قال الجرجاني هو قاضي القضاة بخوارزم وفراوة ونسا أخذ الفقه ببلده عن القاضى الحسن الداماني النسوي
ثم رحل إلى العراق ومصر وحصل العلم
وولاه أمير المؤمنين القائم بأمر الله القضاء بالنواحي المذكورة ولقبه بأقضى القضاة
صنف كتبا في الفقه والتفسير حسن السيرة في القضاء مرضي الطريقة
وقال ابن السمعاني هو المعروف بالقاضي الرئيس كان من أكابر أهل عصره فضلا وحشمة وقبولا عند الملوك
بعث رسولا إلى دار الخلافة ببغداد من جهة الأمير طغرلبك
وله آثار وجدت بخراسان وخوارزم وولي قضاءها مدة وبنى بها مدرسة
سافر الكثير وسمع بنيسابور الإمام أبا إسحاق الإسفرايني الجرجاني وأبا معمر الإسماعيلي
"""
صفحة رقم 176 """
وبمصر أبا عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفراء
وبدمشق أبا الحسن بن علي بن موسى السمسار
وبمكة أبا ذر الهروي
وبنسا أبا بكر محمد بن زهير بن أخطل النسائي
وأملى المجلس وتكلم على الأحاديث
وروى عنه أبو عبد الله الفراوي وعبد المنعم القشيري وغيرهم
وقال الخوارزمي فاق أهل عصره فضلا وإفضالا وتقدم على أبناء دهره رتبة وجلالة وحشمة ونعمة وقولا وإقبالا له الفضل الوافر في فنون العلوم الدينية وأنواعها الشرعية وكان لغويا نحويا مفسرا مدرسا فقيها مفتيا مناظرا شاعرا محدثا
إلى أن قال وله الدين المتين الوازع عن ارتكاب ما يشين
إلى أن قال وكان سلاطين السلجوقية يعتمدونه فيما يعن لهم من المهمات
وذكر أن السلطان ملك شاه بن أرسلان استحضره بإشارة نظام الملك من خوارزم إلى أصبهان وجهزه إلى الخليفة ليخطب له ابنته فلما مثل بين يدي الخليفة وضعوا له كرسيا جلس عليه والخليفة على السرير فلما بلغ من إبلاغ الرسالة نزل عن السرير وقال هذه الرسالة وبقيت النصيحة
قال قل
قال لا تخلط بيتك الطاهر النبوي بالتركمانية
فقال الخليفة سمعنا رسالتك وقبلنا نصيحتك
فرجع عن حضرة الخليفة وقد بلغ الوزير نظام الملك الخبر قبل وصوله إليه فلما دخل إلى أصبهان قال له دعوناك من خوارزم لإصلاح أمر أفسدته
"""
صفحة رقم 177 """
فقال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( الدين النصيحة وأنا لا أبيع الدين بالدنيا ولم تنتقص حشمته بذلك )
ومن شعره قوله
(
من رام عند الإله منزلة فليطع الله حق طاعته )
(
وحق طاعاته القيام بها
مبالغا فيه وسع طاقته )
ومنه
(
اتخذ طاعة الإله سبيلا
تجد الفوز بالجنان وتنجو )
(
وأترك الإثم والفواحش طرا يؤتك الله ما تروم وترجو ) قال محمود الخوارزمي ولم يكن له كل قضاء خوارزم إنما كان قاضيا بالجانب الشرقي منها
قال وكان أبو القاسم محمود الزمخشري يحكي أنه كان لا يذكر أحدا إلا بخير وأنه ذكر له فقيه كثير المساوىء فقال لا تقولوا ذلك فإنه يتعمم حسنا يعني لم يجد وصفا جميلا إلا حسن عمته فذكره به
وتوفي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة
ولم يذكره ابن النجار
332
محمد بن عبد الرزاق الماخواني
المذكور في أوائل الباب الثاني في أركان الطلاق من شرح الرافعي
من قرية ماخوان بضم الخاء المعجمة وبالنون من قرى مرو
"""
صفحة رقم 178 """
وهو الإمام الكبير أبو الفضل المروزي
قال ابن السمعاني إمام فاضل متبحر في مذهب الشافعي
تفقه على أبي طاهر الشنجي
وروى الحديث عن أبي علي السنجي
روى لنا عنه ابناه عتيق وعبد الرزاق وعبد الرحمن بن علي العمي العدل وغيرهم
توفي سنة ست وتسعين وأربعمائة
333
محمد بن عبد العزيز بن عبد الله بن محمد أبو عبد الرحمن النيلي أحد أئمة خراسان
كان فقيها صالحا زاهدا وله ديوان شعر
حدث عن أبي عمرو بن حمدان وأبي أحمد الحاكم وغيرهما
روى عنه إسماعيل بن عبد الغافر وأحمد بن عبد الملك المؤذن وغيرهما
وأملى الحديث مدة وعمر ثمانين سنة
مات سنة ست وثلاثين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 179 """
ومن الفوائد عنه
أخبرنا الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر بقراءتي عليه أخبرنا أبو المظفر بن السمعاني إجازة أخبرنا الجنيد بن محمد القايني أنبأنا أبو الفضل الطبسي أنبأنا أبو عبد الرحمن النيلي فيما أنشده لنفسه
ما حال من أسر الهوى ألبابه
ما حاله من كسر التصابي بابه
نادى الهوى أسماعه فأجابه
حتى إذا ما جاز أغلق بابه
أهوى لتمزيق الفؤاد فلم يجد
في صدره قلبا فشق ثيابه
334
محمد بن عبد الملك بن خلف أبو خلف الطبري السلمي
من أئمة أصحابنا
تفقه على الشيخين القفال وأبي منصور البغدادي
وهو القائل بأنه تجب الكفارة بكل ما يأثم به الصائم من أكل أو شرب أو جماع ونحوها
وكان فقيها صوفيا وقفت له على كتاب سلوة العارفين وأنس المشتاقين في التصوف وهو كتاب جليل في بابه
أعجبت به جدا صنفه للرئيس أبي علي حسان
"""
صفحة رقم 180 """
ابن سعيد المنيعي ورتبه على اثنين وسبعين بابا أولها في معنى التصوف وآخرها على بيان طبقات الصوفية وتراجمهم وما أراه إلا حاكي رسالة أبي القاسم القشيري ولعل خمول هذا الكتاب بهذا السبب وإلا فهو حسن جدا ولم أقف منه قط إلا على النسخة التي قدمها هو للمنيعي نفسها وهي خط مليح مضبوط وقفها الملك الأشرف موسى في خزانة كتبه بدار الحديث الأشرفية بدمشق
وقد خاض أبو خلف في هذا الكتاب مع الصوفية في أحوالهم وأبان عن معرفة جيدة بهذه الطريقة وتكيف بها وذكر أنه فرغ من تصنيفه في ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وأربعمائة
وذكر ابن باطيش أن أبا خلف توفي في حدود سنة سبعين وأربعمائة
ومن الفوائد عن أبي خلف
. . .
335
محمد بن عبد الواحد بن عبيد الله بن أحمد بن المفضل بن شهريار الفقيه الحافظ أبو الحسن الأصبهاني الأردستاني
وأردستان بفتح الألف وسكون ا لراء وفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح التاء المنقوطة من فوقها باثنتين وفي آخرها نون
"""
صفحة رقم 181 """
وقيل بل بكسر الألف والدال وهي بلد على ثمانية عشر فرسخا من أصبهان
هو مصنف كتاب الدلائل السمعية على المسائل الشرعية في ثلاث مجلدات جود فيها ونصب الخلاف مع أبي حنيفة ومالك وروى فيه عن عبيد الله بن يعقوب بن إسحاق بن جميل من مسند أحمد بن منيع
قال شيخنا الذهبي وهو أكبر شيخ له
وروى أيضا عن الحسن بن أحمد بن علي البغدادي وأحمد بن إبراهيم العبقسي المكي وأبي عبد الله بن مندة والحسن بن عثمان بن بكران وأبي عمر بن مهدي الفارسي وإبراهيم بن عبد الله بن خرشيد قولة وأبي الطاهر إبراهيم بن محمد الذهبي صاحب ابن الأعرابي ومحمد بن أحمد بن جشنس وأحمد بن محمد بن الصلت المجبر وأبي أحمد الفرضي وإسماعيل بن الحسن البصري وأبي بكر بن مردويه ومحمد بن أحمد بن الفضل صاحب ابن أبي حاتم وأبي نعيم الأصبهاني الحافظ وأبي ذر الطبري وهما من أصغر شيوخه وخلق
روى عنه أبو علي الحداد وغيره
وقد روى هذا الكتاب عنه الحافظ أبو مسعود وسليمان بن إبراهيم الأصبهاني سماعا وسمع الكتاب المذكور على أبي بكر محمد بن أحمد بن ما شاذة بإجازته من سليمان
وذكر الأردستاني أنه فرغ من تأليف هذا الكتاب سنة إحدى عشرة وأربعمائة فتكون وفاته بعد ذلك
"""
صفحة رقم 182 """
وقد ترجم الحافظ أبو سعد بن السمعاني في كتاب الأنساب جده عبيد الله بن أحمد ولم يترجمه هو
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ
ح وكتبت إلي زينب بنت الكمال عن ابن خليل أخبرنا مسعود الجمال أخبرنا أبو علي الحداد أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن عبيد الله بن أحمد بن الفضل بن شهريار الإمام أخبرنا ابن المقرىء في صفر سنة ثمانين وثلاثمائة حدثنا عبدان حدثنا زاهر بن نوح حدثنا أبو همام عن هدبة عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( إذا صلت المرأة خمسها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة
ومن الفوائد عنه
336
محمد بن عبد الواحد بن محمد بن عمر بن الميمون الشيخ الإمام الجليل أبو الفرج الدارمي
صاحب الاستذكار وقد صنف هذا الكتاب في صباه وسنحكي كلامه فيه
وله أيضا تصنيف حافل في أحكام المتحيرة
وكان بدأ في كتاب سماه جامع الجوامع ومودع البدائع حافل جدا ذكر فيه
"""
صفحة رقم 183 """
الدلائل مبسوطة وجمع فيه منقولات المذهب فأكثر وقفت على الجزء الأول والثاني منه بخطه وهما جزآن لطيفان
ووقفت له أيضا على كتاب في الدور الحكمي
كان إماما كبيرا ذكي النظرة
تفقه على أبي الحسن بن الأردبيلي
قال الخطيب كان أحد الفهماء موصوفا بالذكاء والفطنة يحسن الفقه والحساب ويتكلم في دقائق المسائل ويقول الشعر
وانتقل من بغداد إلى الرحبة فسكنها مدة ثم تحول إلى دمشق فاستوطنها
روى عن أبي محمد بن ماسي وأبي بكر الوراق ومحمد بن المظفر وأبي بكر بن شاذان والدارقطني وغيرهم
روى عنه أبو علي الأهوازي وعبد العزيز الكتاني وأبو طاهر محمد بن الحسين الحنائي والحافظ أبو بكر الخطيب وغيرهم
وذكره الشيخ أبو إسحاق في الطبقات وقال كان فقيها حاسبا شاعرا ما رأيت أفصح منه لهجة
قال لي مرضت فعادني الشيخ أبو حامد الإسفرايني فقلت
مرضت فارتحت إلى عائد
فعادني العالم في واحد
ذاك الإمام ابن أبي طاهر
أحمد ذو الفضل أبو حامد
"""
صفحة رقم 184 """
قلت ومن شعره ما رأيته بخطه على كتابه الدور الحكمي
في الشرع دوران غير وهم
دور حساب ودور حكمي
وقد شرحت الحكمي منه
فاستمعوه استماع فهم
فللفتى الدارمي فيه
صحة معنى وحسن وسم
ولد الدارمي في يوم السبت الخامس والعشرين من شوال سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة
ومات بدمشق يوم الجمعة أول ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وأربعمائة
ومن الغرائب عنه
مما جمعت من كتاب الاستذكار وهذا الكتاب عندي منه أصل صحيح عليه خطة وهو كما قال ابن الصلاح نفيس كثير الفوائد ذو نوادر وغرائب لا تصلح مطالعته إلا لعارف بالمذهب
قلت غرائب في السند عنه توقفا لما رأيته بخط مصنفه آخره على النسخة التي عندي فنقلت من خط أبي الفرج الدارمي ما نصه جمعت هذا الكتاب في صباي من كتب أصحابنا رحمهم الله وكان أكثر ذلك على ما ذكروا وبدأت بذكر دلائل ثم اختصرت بتركها لأجمع الخلاف بدلائله مفردا وزدت بعض ما وجدت من الزلل
"""
صفحة رقم 185 """
فلما كثرت رأيت كثرة الزلل فيما ذكروا فذكرت من ذلك ما سهله الله وأرجو أن يعين على جمع جميع ما أوتره
وهذا الكتاب وإن كان فيه ما ذكرته فهو في الغاية في الاختصار يقف على ذلك من قرأه وقرأ غيره ومن أحب التحقيق نظر فيما جمعناه بعده من الغوامض والدقائق والمشكلات
وكتبه محمد بن عبد الواحد بن محمد بن عمر بن الميمون الدارمي البغدادي بدمشق سنة ست وثلاثين وأربعمائة وصلى الله على محمد النبي الأمي وآله وسلم تسليما
انتهى
وهذه فوائد حضرتني من كتاب الاستذكار
أذكرها على غير ترتيب بحسب استحضارها
إذا أسلم ذمي كان زنى فهل يحد على وجهين
قلت القول بسقوط الحد هو ما نقله ابن المنذر عن النص وهو من فوائد النووي والقول بوجوبه لم نكن نعرفه إلا عن أبي ثور فما للتصريح بحكايته وجه
فائدة
إذا قال للدباغ ادبغه ولم يكن آجره فمنهم من قلب قول أبي إسحاق وقال إذا ابتدأ المعمول له فلا تلزمه أجرة وإذا قال له الصانع ابتداء لزمه
"""
صفحة رقم 186 """
وقال الدارمي في باب الحدث من كتاب الاستذكار كل ما يوجب الوضوء عمده وسهوه سواء
"""
صفحة رقم 187 """
وحكى القيصري عن قوم أنه لا ينقض سهوه لأنا فرقنا في الصلاة دليلنا الظواهر والأخبار
هذه عبارة الاستذكار واستفدنا من ذلك أن القيصري متقدم عليه في الوجود وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر القيصري في آخر الكتاب
وأما القوم المشار إليهم فالظاهر أنهم من غير علماء المذهب
والرافعي حكى في مس الذكر ناسيا وجهين عن الحناطي
إن نوى غسل الجمعة فقط لم يجزئه عن الجنابة وهل يجزئه عن الجمعة على وجهين أحدهما أنه لا يجزئه لأن عليه فرضا فلا يحسب له نفل
إذا تيممت الحائض ووطئها فإذا دخل وقت صلاة أخرى فهل يطؤها بالتيمم الأول على وجهين
إن تيممت فرأت الماء ففي وطئها وجهان
"""
صفحة رقم 188 """
إن أذن كافر أسلم بشهادته ولا يجزىء أذانه لأنه أتى ببعضه قبل أوانه
قال بعض أصحابنا إن العاري يلزمه قبول هبة الثوب ولا يلزمه قبول العارية عكس المشهور
إن قرأ في ركوعه جاهلا بالنهي لم تفسد وإن كان عالما معتقدا لإبطالها بطلت وإن علم واعتقد أنها لا تبطل فوجهان وكذلك في السجود
وإذا سلم الإمام وبقي المأموم يطيل التشهد كرهناه ولم تفسد صلاته ما لم يطل
337
محمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد أبو طاهر البيع المعروف بابن الصباغ
وهو أبو صاحب الشامل
سمع أبا حفص بن شاهين وعلي بن عبد العزيز بن مردك وأبا القاسم بن حبابة وغيرهم
روى عنه أبي النرسي والحافظ أبو بكر الخطيب وقال كان ثقة فاضلا درس الفقه على أبي حامد الإسفرايني وكانت له حلقة للفتوى
"""
صفحة رقم 189 """
قال وسألته عن مولده فقال في شهر رمضان سنة ست وستين وثلاثمائة
ومات في يوم السبت الثالث والعشرين من ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وأربعمائة
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم المسند بقراءتي عليه أخبرنا المسلم بن علان كتابة أخبرنا زيد بن الحسن أخبرنا أبو منصور أخبرنا أبو بكر الخطيب أخبرني أبو طاهر محمد بن عبد الواحد حدثنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن مردك البزار البردعي حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري حدثنا يحيى بن حسان التنيسي حدثني يحيى بن حمزة حدثني يحيى بن الحارث الذماري عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام سنة ) يعني شهر رمضان وستة أيام بعده
قال الخطيب لا نحفظ حديثا روي عن يحيى عن يحيى عن يحيى غير هذا
"""
صفحة رقم 190 """
338
محمد بن علي بن حامد الإمام أبو بكر الشاشي
تفقه على أبي بكر السنجي ببلاده
ثم ارتحل إلى حضرة السلطان بغزنة فحصل له إقبال زائد وكان من أنظر أهل زمانه وأقام بغزنة وولد له بها أولاد وظهرت تصانيفه
ثم استدعاه نظام الملك في آخر أمره إلى هراة فشق ذلك على أهل غزنة لما رأوا من علمه ولكن لم يجدوا بدا من امتثال أمر الوزير فجهزوه مكرما بأولاده وأهله إلى مدينة هراة فدرس بها بالمدرسة النظامية بها
ثم قصد نيسابور زائرا
قال عبد الغافر الفارسي فأكرم أهل نيسابور مقدمه غير أنه لم يقع منهم الموقع الذي كانوا يعتقدونه فيه فإن اسمه كان فوق علمه
ثم عاد إلى هراة
وحدث عن منصور الكاغذي عن الهيثم بن كليب
مولده بالشاش سنة سبع وتسعين وثلاثمائة
وتوفي في شوال سنة خمس وثمانين وأربعمائة ووقع في كلام عبد الغافر أنه توفي في سنة خمس وتسعين وليس كذلك
"""
صفحة رقم 191 """
محمد بن علي بن الحسن بن علي بن عمر أبو الحسن بن أبي الصقر
الواسطي الأديب من أهلها
تفقه ببغداد عن أبي إسحاق الشيرازي وعلق عنه تعليقات
وسمع منه ومن أبي بكر الخطيب وأبي سعد المتولي
روى عنه أبو غالب الذهلي ومحمد بن ناصر الحافظ وأبو منصور بن الجواليقي وغيرهم
قال ابن السمعاني فقيه أديب شاعر ظريف مولده في ذي القعدة سنة تسع وأربعمائة
ومن شعره
من قال لي جاه ولي حشمة
ولي قبول عند مولانا
ولم يعد ذاك بنفع على
صديقه لا كان من كانا
ومن شعره أيضا
من عارض الله في مشيئته
فما من الدين عنده خبر
"""
صفحة رقم 192 """
لا يقدر الناس باجتهادهم
إلا على ما جرى به القدر
ومن شعره
كل مرء إذا تفكرت فيه
وتأملته رأيت ظريفا
كنت أمشي على اثنتين قويا
صرت أمشي على ثلاث ضعيفا
توفي يوم الخميس رابع عشر جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وأربعمائة بواسط
340
محمد بن علي بن عبد الواحد بن جعفر أبو غالب بن الصباغ
تفقه على ابن عمه الإمام أبي نصر بن الصباغ
وسمع الحديث من أبي الحسين أحمد بن محمد بن قفرجل وأبي إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي
وحدث باليسير
مات في شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 193 """
341
محمد بن علي بن عمر
أبو بكر بن الراعي
342
محمد بن الفرج بن منصور بن إبراهيم بن علي بن الحسن السلمي الشيخ أبو الغنائم الفارقي
أحد الأئمة الرفعاء من تلامذة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي
قدم بغداد مع أبيه سنة نيف وأربعين وأربعمائة فتفقه على الشيخ وبرع في المذهب
"""
صفحة رقم 194 """
وسمع الحديث من عبد العزيز الأزجي وأبي إسحاق البرمكي والحسن بن علي الجوهري والقاضي أبي الحسين بن المهتدي وغيرهم
وعاد إلى ديار بكر ثم قدم بعد حين ودرس ثم عاد فسكن جزيرة ابن عمر وحدث
روى عنه أبو الفتح بن البطي
وكان فقيها زاهدا موصوفا بالعلم والدين
توفي يوم الخميس مستهل شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة
ووقع في ترجمة تلميذه ابن المدرك من تاريخ شيخنا الذهبي أن أبا الغنائم مات سنة ثلاث وثمانين وهو وهم
343
محمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس أبو بكر يعرف بالصفار
أحد الفقهاء الصفارين بنيسابور
تفقه على الشيخ أبي محمد الجويني
قال ابن السمعاني وكان مكثرا من الحديث
ورد بغداد حاجا وعاد إلى بلده وأملى وحدث وكتبوا عنه
"""
صفحة رقم 195 """
سمع أبا عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ وأبا محمد عبد الله بن يوسف بن مامويه الأصبهاني وأبا عبد الرحمن السلمي وأبا طاهر الزيادي وأبا بكر الحيري وغيرهم
روى عنه زاهر ووجيه ابنا طاهر الشحامي وأبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي وغيرهم
وذكره أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني الحافظ في كتاب الفقهاء وذكر أنه تفقه على الشيخ أبي محمد وأنه كان خليفته حين خرج إلى الحج
قال وسمعت الإمام أبا عاصم العبادي يقول للقاضي أبي العلاء ما رأيت بنيسابور أحسن فتيا وأصوب منه
توفي منتصف شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وأربعمائة
344
محمد بن محمد بن جعفر الإمام أبو سعيد الناصحي النيسابوري أحد أعلام الأئمة علما وورعا
تفقه على الشيخ أبي محمد الجويني
وسمع الحديث من أبي طاهر الزيادي وعبد الله بن يوسف بن مامويه
وكان زاهدا ورعا
توفي كهلا سنة خمس وخمسين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 196 """
345
محمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد القاضي أبو الحسن البيضاوي
ختن القاضي أبي الطيب
قال الخطيب كتبت عنه وكان صدوقا
توفي في شعبان سنة ثمان وستين وأربعمائة عن ست وسبعين سنة
346
محمد بن محمد بن عبد الله الهروي القاضي أبو منصور الأزدي المهلبي
وهو من ولد المهلب بن أبي صفرة فإنه محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد بن مقاتل بن صبيح بن ربيع بن يزيد بن عبد الملك بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة
كان أحد أئمة الأصحاب الجامعين بين الفقه والحديث ومن أجل تلامذة الشيخ أبي زيد المروزي
"""
صفحة رقم 197 """
وكانت الرحلة إلى هراة فقها وحديثا من أجله
سمع محمد بن علي بن دحيم الشيباني ودعلج بن أحمد والحسن بن عمران الحنظلي وأحمد بن عثمان الأدمي
روى عنه ابن حمدين وعبد الرحمن بن أبي عاصم الجوهري وأبو سعد يحيى بن أبي نصر العدل وأبو إسماعيل الأنصاري وخلق
وأملي الحديث وطال عمره مع اتساع الرواية
وهو الذي أرسل إليه السلطان محمود بغلة الإسماعيلية ليركبها كما سيأتي في ترجمة محمود
وقد ذكر أبو عاصم القاضي أبا منصور وقال كان للمذهب سدادا وعلى أهل البدع حساما وخرج من مجلسه عدة فقهاء وكان قاضيا بهراة وحج قريبا من ثلاثين حجة والناس له تبع
توفي القاضي أبو منصور في المحرم سنة عشر وأربعمائة فجأة
"""
صفحة رقم 198 """
347
محمد بن محمد بن عبد الرحمن اليمني أبو حامد
صاحب كتاب المرشد في الفقه في سفرين وقفت على الأول منهما وقد ذكر في تاريخه أنه فرغ منه سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة
348
محمد بن محمد بن محمش
بفتح الميم بعدها حاء مهملة ساكنة ثم ميم مكسورة ثم شين معجمة بن علي ابن داود الفقيه الشيخ أبو طاهر الزيادي
إمام المحدثين والفقهاء بنيسابور في زمانه
وكان شيخا أديبا عارفا بالعربية
سلمت إليه الفقهاء الفتيا بمدينة نيسابور والمشيخة وله يد طولى في معرفة الشروط وصنف فيه كتابا وكان مع ذلك فقيرا وبقي يملى ثلاث سنين
ولد سنة سبع عشرة وثلاثمائة
"""
صفحة رقم 199 """
وسمع الحديث سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وبعدها
وتفقه سنة ثمان وعشرين
سمع من أبي حامد بن بلال ومحمد بن الحسين القطان وعبد الله بن يعقوب الكرماني والعباس بن قوهيار ومحمد بن الحسن المحمداباذي وأبي عثمان عمرو ابن عبد الله البصري وأبي علي الميداني وحاجب بن أحمد الطوسي وعلي بن حمشاد وأبي العباس محمد بن يعقوب الأصم وأبي عبد الله محمد بن عبد الله الصفار
وأدرك أبا حامد الشرقي ولم يسمع منه
روى عنه أبو عبد الله الحاكم وذكره في تاريخه وقد مات قبله والحافظ أبو بكر البيهقي وأبو صالح المؤذن والأستاذ أبو القاسم القشيري وعبد الجبار بن برزة ومحمد بن محمد الساماني وعلي بن أحمد الواحدي وأبو سعد بن رامش وأبو بكر بن يحيى المزكي والقاسم بن الفضل الثقفي وحديثه يعلو في الثقفيات وخلق يطول ذكرهم
وأخذ الفقه عن أبي الوليد وأبي سهل وعنه أخذ أبو عاصم العبادي وغيره
وكان والده من العباد الصالحين وإنما عرف بالزيادي فيما يظهر من كلام أبي سعد لأن زيادا اسم لبعض أجداده ويؤيده تصريح أبي عاصم العبادي بأنه منسوب إلى بشير بن زياد
وقال شيخنا الذهبي تبعا لعبد الغافر الفارسي إنما قيل له الزيادي لأن سكن ميدان زياد بن عبد الرحمن بنيسابور
"""
صفحة رقم 200 """
قلت ويشبه أن يكون ما ذكره أبو عاصم تصريحا وأبو سعد تلويحا أصح مما ذكره عبد الغافر
ذكره أبو عاصم في الطبقة الخامسة وكان من حقه أن يذكر في الرابعة ولكنه قال إنما أخرته إلى الخامسة لامتداد عمره
أثنى عليه أبو عاصم وقال الفقه مطيته يقود بزمامه طريقه له معبدة وخفيه ظاهر وغامضه سهل وعسيره يسير ورأيته يناظر ويضع الهناء مواضع النقب
قال وأخذ العلم عن أبي الوليد فلما توفي انتقل إلى أبي سهل
انتهى
وذكره عبد الغافر فقال إمام أصحاب الحديث بخراسان وفقيههم ومفتيهم بالاتفاق بلا مدافعه
توفي الأستاذ أبو طاهر في شعبان سنة عشر وأربعمائة
وحكى ابن الصلاح في كتاب أدب الفتيا أنه وجد بخط بعض أصحاب القاضي الحسين أنه سمع أبا عاصم العبادي يذكر أنه كان عند الاستاذ أبي طاهر الزيادي حين احتضر فسئل عن ضمان الدرك وكان في النزع فقال إن قبض الثمن فيصح وإلا فلا يصح
قال لأنه بعد قبض الثمن يكون ضمان ما وجب
قلت وهذا هو الصحيح في المذهب ولم يرد بحكايته أنه غريب بل حضور ذهن هذا الأستاذ عند النزع لمسائل الفقه ولذلك قال ابن الصلاح إن هذه الحكاية من أعجب ما يحكى
"""
صفحة رقم 201 """
فوائد ومسائل عن أبي طاهر
قال أبو عاصم سألته عن رجل أقام بينة على شخص ميت أنها امرأته وهذه الأولاد منها وأقامت امرأة بينة أنه زوجها وأولاده منها وكشف عنه فإذا هو خنثى فقال أفتى أبو حنيفة بأن المال بينهما نصفين وبه أخذ الشافعي بعده
قال أبو طاهر وعندي أن بينة الرجل أولى لأن الولادة أمر يقين والإلحاق بالأب مجتهد فيه
قال القاضي الحسين في التعليقة في مسألة الكفارة في الصوم على المرأة إذا جومعت وكان الأستاذ أبو طاهر يقول لا يتصور الخلاف في هذه المسألة لأن فطرها سبق الجماع لأنها أفطرت بوصول الواصل إلى جوفها فصار كما لو ابتلعت حصاة فإن تغييب بعض الحشفة يبطل صومها ولا يحصل الجماع إلا بتغييب جميع الحشفة ولو أدخل الإصبع في الفرج بطل صومها إلا أنهم يصورونه بما لو جومعت مكرهة فطاوعت في أثنائه أو ناسية فذكرت في خلاله فأصرت على ذلك ففطرها يومئذ حصل بالجماع لا محالة
انتهى
"""
صفحة رقم 202 """
349
محمد بن المظفر بن بكران بن عبد الصمد بن سليمان الحموي القاضي أبو بكر الشامي
الزاهد الورع أحد الأئمة
ولد بحماة سنة أربعمائة
ورحل إلى بغداد فسكنها وتفقه على القاضي أبي الطيب الطبري
وسمع الحديث من عثمان بن دوست وأبي القاسم بن بشران وأبي طالب بن غيلان وأبي الحسن العتيقي وآخرين
روى عنه أبو القاسم بن السمرقندي وإسماعيل بن محمد الحافظ وهبة الله بن طاوس المقرىء وغيرهم
ووقفت على نسخة قديمة من كتاب الضعفاء لأبي جعفر العقيلي وفيها سماعه للكتاب كله على أبي الحسن العتيقي وقد حدث به سنة سبع وتسعين وأربعمائة ببغداد
قال ابن السمعاني هو أحد المتقنين لمذهب الشافعي وله اطلاع على أسرار الفقه
"""
صفحة رقم 203 """
وكان ورعا
زاهدا متقنا جرت أحكامه على السداد
ولي قضاء القضاة ببغداد بعد موت أبي عبد الله الدامغاني سنة ثمان وسبعين إلى أن تغير عليه المقتدى بالله لأمر فمنع الشهود من حضور مجلسه مدة فكان يقول ما أنعزل حتى يتحقق على الفسق
قلت لعله كان يرى ذلك والمذهب أنه ينعزل وإن لم يفسق
ثم إن الخليفة خلع عليه واستقام أمره
وقال أبو علي بن سكرة ورع زاهد وأما العلم فكان يقال لو رفع مذهب الشافعي أمكنه أن يمليه من صدره
وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني كان حافظا لتعليقة القاضي أبي الطيب كأنها بين عينيه
قلت وكان من قضاة العدل واتفقت منه محاسن أيام قضائه
وكان الذي أشار على الخليفة بولايته عند موت الدامغاني الوزير أبو شجاع فامتنع الشامي من القبول فما زالوا به حتى تقلده وشرط أن لا يأخذ رزقا ولا يقبل شفاعة ولا يغير ملبوسه فأجيب إلى ذلك
قال عبد الوهاب الأنماطي لم يكن الشامي يتبسم في مجلسه قط
قال ولما منعت الشهود من حضور مجلسه وقعد في بيته نقل إليه القاضي أبو يوسف القزويني المعتزلي ما عزلك الخليفة إنما عزلك النبي ( صلى الله عليه وسلم )
"""
صفحة رقم 204 """
قال وكيف ذلك
قال لأنه قال لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان وأنت طول عمرك غضبان
وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني كان لا يقبل من سلطان عطية ولا من صديق هدية وكان يعاب بالحدة وسوء الخلق
وقال ابن النجار ما استناب أحدا في القضاء وكان يسوي بين الوضيع والشريف في الحكم ويقيم جاه الشرع فكان هذا سبب انقلاب الأكابر عنه فألصقوا به ما كان منه بريئا من أحاديث ملفقة ومعايب مزورة
وقال الفقيه أحمد بن عبد الله بن الآبنوسي جاء أمير المؤمنين إلى قاضي القضاة الشامي فادعى شيئا وقال بينتي فلان والمشطب الفرغاني الفقيه
فقال لا أقبل شهادة المشطب لأنه يلبس الحرير
"""
صفحة رقم 205 """
فقال السلطان ملكشاه ووزيره نظام الملك يلبسانه
فقال لو شهدا عندي ما قبلت شهادتهما أيضا
قال ابن الآبنوسي كان له كيسان أحدهما يجعل فيه عمامته وقميصه والعمامة كتان والقميص قطن خشن فإذا خرج لبسهما والكيس الآخر فيه فتيت فإذا أراد الأكل جعل منه في قصعة وقليل من الماء وأكل منه
وكان له كراء بيت في الشهر بدينار ونصف كان منه قوته فلما ولي القضاء جاء إنسان فدفع فيه أربعة دنانير فأبى وقال لا أغير ساكني وقد ارتبت بك لم لا كانت هذه الزيادة قبل القضاء وكان يشد في وسطه مئزرا ويخلع في بيته ثيابه ثم يجلس
وكان يقول ما دخلت في القضاء حتى وجب علي
توفي في عاشر شعبان سنة ثمان وثمانين وأربعمائة
ودفن عند أبي العباس بن سريج
"""
صفحة رقم 206 """
350
محمد بن منصور بن عمر بن علي الكرخي بالخاء المعجمة الفقيه أبو بكر البغدادي
وهو ولد الإمام أبي القاسم منصور بن عمر الكرخي أحد أصحاب الشيخ أبي حامد
ووالد أبي البدر إبراهيم بن محمد الكرخي أحد رواة الحديث
قال أبو سعد بن السمعاني كان يسكن قطيعة الربيع من الكرخ وكان صالحا متدينا يرجع إلى فضل وعلم
سمع أبا علي بن شاذان وأبا الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم البزاز وغيرهما
روى لنا عنه إسماعيل بن أحمد بن عمر وعبد الوهاب بن المبارك بن أحمد الحافظان
قال وذكر ابن ناصر الحافظ أنه مات ليلة الجمعة وحمل من الغد إلى جامع المدينة فصلي عليه فيه ثاني جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة ودفن في مقبرة باب حرب
"""
صفحة رقم 207 """
351
محمد بن هبة الله بن ثابت أبو نصر البندنيجي
نزيل مكة ويعرف بفقيه الحرم
كان من كبار أصحاب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي
وقد سمع الحديث
وحدث عنه إسماعيل بن محمد الحافظ وغيره
وكان يقرأ في كل أسبوع ستة آلاف مرة ) قل هو الله أحد ( ويعتمر في رمضان ثلاثين عمرة وهو ضرير يؤخذ بيده
توفي سنة خمس وتسعين وأربعمائة وقد نيف على الثمانين
قال أبو نصر البندنيجي في المعتمد ليس للشافعي نص في غير الغنم في العقيقة وعندي لا يجزىء غيرها
352
محمد بن هبة الله بن الحسن بن منصور اللالكائي
أبو بكر بن الحافظ أبي القاسم الطبري البغدادي قال ابن الصلاح كثير السماع واسع الرواية صدوق مأمون
"""
صفحة رقم 208 """
سمع هلالا الحفار وأبا الحسين بن بشران وأبا الحسين بن الفضل القطان وغيرهم
سمع منه أبو القاسم الرميلي الحافظ وغيره من الحفاظ
قلت وإسماعيل بن السمرقندي وعبد الوهاب الأنماطي وطائفة
قال ابن الصلاح وسئل عن مولده فقال في ذي الحجة سنة تسع وأربعمائة ببغداد بدرب المروزي
قال شيخنا الذهبي فيكون سماعه من الحفار حضورا
قلت لأن الحفار مات سنة أربع عشرة وأربعمائة
قال شيخنا الذهبي وقد بادر من ذكر هذا الرجل في علماء الشافعية فإنه ليس هناك
قلت قد أورده ابن الصلاح في الشافعية
مات ببغداد في جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة
353
محمد بن هبة الله بن محمد بن الحسين الإمام الكبير أبو سهل
ولد جمال الإسلام أبي محمد بن القاضي أبي عمر البسطامي ثم النيسابوري وهو الذي يقال له أبو سهل بن الموفق والموفق لقب والده جمال الإسلام
ولد سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة
قال فيه عبد الغافر سلالة الإمامة وقرة عين أصحاب الحديث انتهت إليه زعامة الشافعية بعد أبيه فأجراها أحسن مجرى ووقعت في أيامه محن ووقائع للأصحاب
وكان يقيم رسم التدريس
"""
صفحة رقم 209 """
وسمع من مشايخ وقته بخراسان والعراق مثل النصروي وأبي حسان المزكي وأبي حفص بن مسرور وكان بيتهم مجمع العلماء وملتقى الأئمة
توفي أبوه سنة أربعين فاحتف به الأصحاب وراعوا فيه حق والده وقدموه للرياسة وقام الأستاذ أبو القاسم القشيري في تهيئة أسبابه واستدعى الكل إلى متابعته وطلب من السلطان ذلك فأجيب وأرسل إليه الخلع ولقب بلقب أبيه جمال الإسلام وصار ذا رأي وشجاعة ودهاء وظهر له القبول عند الخاص والعام حتى حسده الأكابر وخاصموه فكان يخصمهم ويتسلط عليهم فبدا له خصوم واستظهروا بالسلطان عليه وعلى أصحابه وصارت الأشعرية مقصودين بالإهانة والمنع عن الوعظ والتدريس وعزلوا من خطابة الجامع ونبغ من الحنفية طائفة أشربوا في قلوبهم الاعتزال والتشيع فخيلوا إلى ولي الأمر الإزراء بمذهب الشافعي عموما وبالأشعرية خصوصا
وهذه هي الفتنة التي طار شررها وطال ضررها وعظم خطبها وقام في سب أهل السنة خطيبها فإن هذا الأمر أدى إلى التصريح بلعن أهل السنة في الجمع وتوظيف سبهم على المنابر وصار لأبي الحسن الأشعري بها أسوة بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه واستعلى أولئك في المجامع فقام أبو سهل في نصر السنة قياما مؤزرا
"""
صفحة رقم 210 """
وتردد إلى العسكر في ذلك ولم يفد وجاء الأمر من قبل السلطان طغرلبك بالقبض على الرئيس الفراتي والأستاذ أبي القاسم القشيري وإمام الحرمين وأبي سهل بن الموفق ونفيهم ومنعهم عن المحافل وكان أبو سهل غائبا في بعض النواحي فلما قرىء الكتاب بنفيهم أغري بهم الغاغة والأوباش وأخذوا بالأستاذ أبي القاسم القشيري والفراتي يجرونهما ويستخفون بهما وحبسا بالقهندز
وأما إمام الحرمين فإنه كان أحس بالأمر فاختفى وخرج على طريق كرمان إلى الحجاز
وبقيا في السجن معترقين أكثر من شهر فتهيأ أبو سهل من ناحية باخرز وجمع من أعوانه رجالا عارفين بالحرب وأتى باب البلد وطلب إخراج الفراتي والقشيري فما أجيب بل هدد بالقبض عليه فما التفت وعزم على دخول البلد ليلا والاشتغال بإخراجهما مجاهرة وكان متولي البلد قد تهيأ للحرب فزحف أبو سهل ليلا إلى قرية له على باب البلد ودخل البلد مغافصة إلى داره وصاح من معه بالنعرات العالية ورفعوا عقائرهم
"""
صفحة رقم 211 """
354
محمد بن يحيى بن سراقة أبو الحسن العامري البصري
الفقيه الفرضي المحدث
صاحب التصانيف في الفقه والفرائض والشهادات وأسماء الضعفاء والمتروكين
أقام بآمد مدة ودخل في الحديث
وذكر له أبو الفتح الموصلي بالموصل فانحدر إليه وسمع منه تصانيفه وأخذ عن أبي الفتح كتابه في الضعفاء ثم نسخه وراجع فيه الدارقطني
وروى عن ابن داسة والهجيمي وابن عباد
ودخل فارس وأصبهان والدينور والأهواز
وكان حيا سنة أربعمائة وأراه توفي في حدود سنة عشر وأربعمائة
"""
صفحة رقم 212 """
ومن الغرائب والفوائد عنه
قال في كتاب له سماه الأعداد وقف عليه ابن الصلاح وكتب منه فوائد وغرائب
منها قوله الخطب المعتادة عشر وسماها ثم قال وكلها سنة إلا الجمعة وخطبة عرفة فهما فرضان يفعلان قبل الصلاة وبعد الزوال
قال ابن الصلاح وذكر هذا في موضع آخر
قلت ووقفت من تصانيفه على كتاب أدب الشاهد وما يثبت من الحق على الجاحد وقد ذكر في خطبته أنه صنف قبله كتابا في أدب القضاة ذكر فيه أن الوقف والعتق والولاء لا يجوز الشهادة عليها بالاستفاضة وأن أبا سعيد الإصطخري جوز ذلك إلا أن تكون الشهادة في حقوقه وسيلة والولاية عليه فلا يجوز إلا بالمعاينة وأن أبا علي بن أبي هريرة قال تقبل بالاستفاضة أنها مولاة فلان لا أن فلانا أعتقها وأنه وقف فلان لا أن فلانا أوقفه
قال كما يقبل أنها زوجة فلان لا أن فلانا زوجها لأنها شهادة على عقد فلا تقبل إلا بالمعاينة
قلت الذي صححه النووي وعليه العمل قول الإصطخري وتوقف الوالد رحمه الله عن أن يرجح في المسألة شيئا ذكر ذلك في كتاب الحلبيات
"""
صفحة رقم 213 """
قال وينبغي للقاضي أن يتحرر منه إلا إذا دعت الحاجة من إحياء وقف مختف أو انتزاعه من يد ظالم ونحوه ويضم إليه طريق آخر من يد ونحوها
قلت واعلم أن فيما حكيته من كلام ابن سراقة عنه فوائد إحداها أنه تضمن أن شرائط الوقف لا تثبت بالاستفاضة جزما وهو ما أفتى به النووي وفي كثير من الأذهان أنه غير منقول وها هو منقول في كلام هذا الرجل المتقدم
والثانية ما حكاه عن ابن أبي هريرة من التفصيل والمحكي عنه في الرافعي وغيره إنما هو قول الإصطخري وهذا وجه ثالث مفصل حسن واستشهاده عليه بالزوجة أيضا حسن فالمعروف أن الخلاف في الزوجة كالخلاف في الثلاثة وفي الرافعي عن القفال ما يؤيد هذا التفصيل غير أن فيه نظرا فلا فرق بين أن يقول أشهد أن فلانا وقفه أو أنه وقف فلان ولا يتخيل أنه فيما إذا قال إنه وقفه شهد على العقد نفسه فإن الشاهد بأنه وقف فلان مثله وكما شهد بأنه وقفه بالتسامع شهد أنه وقفه لا فرق
والثالثة أن التصريح باسم الواقف لا بد منه وهو ما في فتاوي القفال والبغوي أيضا وذكره الوالد في الحلبيات وقال إنه قول القائلين بثبوت الوقف بالاستفاضة والأمر كذلك غير أن عندي نظرا في هذا الشرط وإن قلنا بثبوته بالاستفاضة فلم لا يثبت كون هذه الأرض وقفا وإن لم يعرف واقفها
ومن فتاوي ابن الصلاح أن الظاهر ثبوت الشرط ضمنا تبعا للشهادة بأصل الوقف لا استقلالا
قال الشيخ برهان الدين بن الفركاح في تعليقه وهو أولى مما قاله النووي
وفي الحاوي للماوردي والبحر للروياني عبارة مشكلة فنذكر ما في لفظ الحاوي
"""
صفحة رقم 214 """
قال وأما الوقف في تظاهر الخبر به إذا سمع على مرور الأوقات فلا يثبت وقفه بسماع الخبر الظاهر لأنه عن لفظ يفتقر إلى سماعه من عاقده فلم يجز أن يعمل على تظاهر الخبر به فأما ثبوته وقفا مطلقا والشهادة أن هذا وقف آل فلان أوقف على الفقراء والمساكين فقد اختلف أصحابنا في ثبوته
انتهى
قال الشيخ برهان الدين والظاهر أنه قصد أنه لا يشهد بالاستفاضة أن فلانا قال وقفت هذا بخلاف هذا وقف
355
محمد بن يوسف بن الفضل الشالنجي
بفتح الشين المعجمة واللام بينهما ألف والنون الساكنة وفي آخرها الجيم وهذه النسبة إلى بيع ما يعمل من الشعر كالمخلاة والمقود ونحوهما
أبو بكر الجرجاني القاضي
كان من مشاهير أئمة جرجان عليه بها مدار التدريس والفتيا والإملاء والوعظ
سمع الكثير من ابن عدي وأحمد بن الحسن بن ماجه القزويني ونعيم بن عبد الملك الجرجاني ومحمد بن حمدان وغيرهم
روى عنه إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي وغيره
توفي بجرجان في ثامن ذي الحجة سنة ثماني عشرة وأربعمائة عن إحدى وتسعين سنة
356
محمد بن أبي سهل الطوسي
مات سنة إحدى وتسعين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 215 """
357
إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزاباذي بكسر الفاء أبو إسحاق الشيرازي
صاحب التنبيه والمهذب في الفقه والنكت في الخلاف واللمع وشرحه والتبصرة في أصول الفقه والملخص والمعونة في الجدل وطبقات الفقهاء ونصح أهل العلم وغير ذلك
هو الشيخ الإمام شيخ الإسلام صاحب التصانيف التي سارت كمسير الشمس ودارت الدنيا فما جحد فضلها إلا الذي يتخبطه الشيطان من المس بعذوبة لفظ أحلى من الشهد بلا نحله وحلاوة تصانيف فكأنما عناها البحتري بقوله
وإذا دجت أقلامه ثم انتحت
برقت مصابيح الدجى في كتبه
باللفظ يقرب فهمه في بعده
منا ويبعد نيله في قربه
حكم سحائبها خلال بنانه
هطالة وقليبها في قلبه
فالروض مختلف بحمرة نوره
وبياض زهرته وخضرة عشبه
وكأنها والسمع معقود بها
شخص الحبيب بدا لعين محبه
"""
صفحة رقم 216 """
وقد كان يضرب به المثل في الفصاحة والمناظرة وأقرب شاهد على ذلك قول سلار العقيلي أوحد شعراء عصره
كفاني إذا عن الحوادث صارم
ينيلني المأمول بالإثر والأثر
يقد ويفرى في اللقاء كأنه
لسان أبي إسحاق في مجلس النظر
وكانت الطلبة ترحل من المشرق والمغرب إليه والفتاوي تحمل من البر والبحر إلى بين يديه والفقه تتلاطم أمواج بحاره ولا يستقر إلا لديه ويتعاظم لابس شعاره إلا عليه حتى ذكروا أنه كان يجري مجرى ابن سريج في تأصيل الفقه وتفريعه ويحاكيه في انتشار الطلبة في الربع العامر جميعه
قال حيدر بن محمود بن حيدر الشيرازي سمعت الشيخ أبا إسحاق يقول خرجت إلى خراسان فما دخلت بلدة ولا قرية إلا وكان قاضيها أو مفتيها أو خطيبها تلميذي أو من أصحابي
وأما الجدل فكان ملكه الآخذ بزمامه وإمامه إذا أتى كل واحد بإمامه وبدر سمائه الذي لا يغتاله النقصان عند تمامه وأما الورع المتين وسلوك سبيل المتقين والمشي على سنن السادة السالفين فذلك أشهر من أن يذكره الذاكر وأكثر من أن يحاط له بأول وآخر لن ينكر تقلب وجهه في الساجدين ولا قيامه في جوف الدجى وكيف والنجوم من جملة الشاهدين
يهوى الدياجي إذا المغرور أغفلها
كأن شهب الدياجي أعين نجل
وكان يقال إنه مستجاب الدعوة
"""
صفحة رقم 217 """
وقال أبو بكر بن الخاضبة سمعت بعض أصحاب أبي إسحاق ببغداد يقول كان الشيخ يصلي ركعتين عند فراغ كل فصل من المهذب
وقال ابن السمعاني إنه سمع بعضهم يقول دخل أبو إسحاق يوما مسجدا ليتغدى فنسى دينارا ثم ذكر فرجع فوجده ففكر ثم قال لعله وقع من غيري
فتركه
هذا هو الزهد هكذا هكذا وإلا فلا لا وهذا هو الورع وليكن المرء هكذا وإلا فلا يؤمل من الجنة آمالا وهذا هو خلاصة الناس وهذا هو الحلي وما يظن أنه نظيره فذاك هو الوسواس فإن كان صالح ترتجى بركاته فهذا وإن كان سيد يؤمل في الشدائد فحسبك هو ملاذا وإن كان تقي فهذا العمل الأتقى وإن كانت موالاة فلمثل هذه الشيم التي لا يتجنبها إلا الأشقى
ولد الشيخ بفيروزاباذ وهي بليدة بفارس سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ونشأ بها
ثم دخل شيراز وقرأ الفقه على أبي عبد الله البيضاوي وعلى ابن رامين صاحبي أبي القاسم الداركي تلميذ أبي إسحاق المروزي صاحب ابن سريج
ثم دخل البصرة وقرأ الفقه بها على الخرزي
ثم دخل بغداد في سنة خمس عشرة وأربعمائة وقرأ على القاضي أبي الطيب الطبري ولازمه واشتهر به وصار أعظم أصحابه ومعيد درسه
وقرأ الأصول على أبي حاتم القزويني
"""
صفحة رقم 218 """
وقرأ الفقه أيضا على الزجاجي وطائفة آخرين
وما برح يدأب ويجهد حتى صار أنظر أهل زمانه وفارس ميدانه والمقدم على أقرانه وامتدت إليه الأعين وانتشر صيته في البلدان ورحل إليه في كل مكان
ولقد كان اشتغاله أول طلبه أمرا عجابا وعملا دائما يقول من شاهده عجبا لهذا القلب والكبد كيف ما ذابا
يقال إنه اشتهى ثريدا بماء الباقلاء قال فما صح لي أكله لاشتغالي بالدرس وأخذى النوبة
وقال لي كنت أعيد كل قياس ألف مرة فإذا فرغت منه أخذت قياسا آخر وهكذا وكنت أعيد كل درس ألف مرة فإذا كان في المسألة بيت يستشهد به حفظت القصيدة
وسمع الشيخ الحديث ببغداد من أبي بكر البرقاني وأبي علي بن شاذان وأبي الطيب الطبري وغيرهم
روى عنه الخطيب وأبو عبد الله بن محمد بن أبى نصر الحميدي وأبو بكر بن الخاضبة وأبو الحسن بن عبد السلام وأبو القاسم بن السمرقندي وأبو البدر بن الكرخي وغيرهم
وكان الشيخ أولا يدرس في مسجد بباب المراتب إلى أن بنى له الوزير نظام المالك المدرسة على شاطىء دجلة فانتقل إليها ودرس بها بعد تمنع شديد في يوم السبت مستهل ذي الحجة سنة تسع وخمسين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 219 """
قال القاضي أبو العباس الجرجاني صاحب المعاياة وغيرها كان أبو إسحاق الشيرازي لا يملك شيئا من الدنيا فبلغ به الفقر حتى كان لا يجد قوتا ولا ملبسا
قال ولقد كنا نأتيه وهو ساكن في القطيعة فيقوم لنا نصف قومة ليس يعتدل قائما من العرى كي لا يظهر منه شيء
وقيل كان إذا بقي مدة لا يأكل شيئا جاء إلى صديق له باقلاني فكان يثرد له رغيفا ويثريه بماء الباقلاء فربما أتاه وكان قد فرغ من بيع الباقلاء فيقف أبو إسحاق ويقول ) تلك إذا كرة خاسرة (
ويرجع
وقال أبو بكر محمد بن علي البروجردي أخرج أبو إسحاق يوما قرصين من بيته فقال لبعض أصحابه وكلتك في أن تشتري لي الدبس والراشي بهذه القرصة على وجه هذه القرصة الأخرى
فمضى الرجل وشك بأي القرصين اشترى فما أكل الشيخ ذلك وقال لا أدري اشترى الذي وكلته أم بالأخرى
وقال القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري حملت يوما فتيا إلى الشيخ أبي إسحاق فرأيته وهو يمشي فسلمت عليه فمضى إلى دكان خباز وأخذ قلمه ودواته منه وكتب الجواب في الحال ومسح القلم في ثوبه وأعطاني الفتوى
وقد دخل الشيخ خراسان وعبر نيسابور وكان السبب في ذلك أن الخليفة أمير المؤمنين المقتدى بالله تشوش من العميد أبي الفتح بن أبي الليث فدعا الشيخ أبا إسحاق وشافهه بالشكوى منه وأن أهل البلد حصل لهم الأذى به وأمره بالخروج إلى العسكر وشرح الحال بين يدي السلطان وبين يدى الوزير نظام الملك فتوجه الشيخ ومعه جمال الدولة عفيف وهو خادم من خدام الخليفة
"""
صفحة رقم 220 """
قال أبو الحسن الهمذاني وكان عند وصوله إلى بلاد العجم يخرج أهلها بنسائهم وأولادهم فيمسحون أركانه ويأخذون تراب نعليه يستشفون به وكان يخرج من كل بلد أصحاب الصنائع بصنائعهم وينثرونها ما بين حلوى وفاكهة وثياب وفرا وغير ذلك وهو ينهاهم حتى انتهوا إلى الأساكفة فجعلوا ينثرون المتاعات وهي تقع على رؤوس الناس والشيخ يتعجب
ولما انتهوا جعل الشيخ يداعب أصحابه ويقول رأيتم النثار ما أحسنه وأيش وصل إليكم يا أولادي منه قلت وكان ممن صحبه في هذه السفرة من أصحابه فخر الإسلام الشاشي والحسين بن علي الطبري صاحب العدة وابن بيان والميانجي وأبو معاذ والبندليني وأبو ثعلب الواسطي وعبد الملك الشابرخواستي وأبو الحسن الآمدي وأبو القاسم الزنجاني وأبو علي الفارقي وأبو العباس بن الرطبي وغيرهم
قلت وخرج إليه صوفيات البلد وما فيهن إلا من معها سبحة وألقين
"""
صفحة رقم 221 """
الجميع إلى المحفة وكان قصدهن أن يلمسها فتحصل لهن البركة فجعل يمرها على يديه وجسده ويتبرك بهن ويقصد في حقهن ما قصدن في حقه وكان هذا الحال بساوة من بلاد العجم
ولما بلغ بسطام قيل للشيخ قد أتى فلان الصوفي فنهض الشيخ من مكانه وعدا إليه وإذا به شيخ كبير هم وهو راكب بهيمة وخلفه خلق من الصوفية بمرقعات جميلة فقيل له قد أتاك الشيخ أبو إسحاق فرمى نفسه عن البهيمة وقبل يده وقبل الشيخ أبو إسحاق رجله وقال له الصوفي قتلتني يا سيدي فما يمكنني أمشي معك ولكن تتقدم إلى مجلسك ولما وصل جلس الشيخ أبو إسحاق بين يديه وأظهر كل واحد منهما من تعظيم صاحبه ما جاوز الحد ثم أخرج الصوفي خرقتين في إحداهما حنطة وقال هذه حنطة نتوارثها عن أبي يزيد البسطامي وفي الأخرى ملح فأعجب الشيخ أبا إسحاق ذلك وودعه وانصرف
قال ابن الهمذاني وحدثني الشيخ أبو الفضائل أن ابن بيان مدرس البصرة قال هذا الشيخ الصوفي الذي قصد الشيخ أبا إسحاق يعرف بالسهلكي وحكى في ذلك المجلس أن هذه البلدة يعني بلدة بسطام لا تخلو من ولي لله فكانوا يرون أن الولاية انتهت إليه
"""
صفحة رقم 222 """
ثم إن الشيخ دخل نيسابور وتلقاه أهلها على العادة المألوفة ممن وراءهم من بلاد خراسان وحمل شيخ البلد إمام الحرمين أبو المعالي الجويني غاشيته ومشى بين يديه كالخديم وقال أفتخر بهذا
وتناظر هو وإياه في مسائل انتهى إلينا بعضها
وكان الشيخ أبو إسحاق غضنفرا في المناظرة لا يصطلى له بنار
وقد قيل إنه كان يحفظ مسائل الخلاف كما يحفظ أحدكم الفاتحة
وقيل إن سبب تصنيفه المهذب أنه بلغه أن ابن الصباغ قال إذا اصطلح الشافعي وأبو حنيفة ذهب علم أبي إسحاق الشيرازي يعني أن علمه هو مسائل الخلاف بينهما فإذا اتفقا ارتفع فصنف الشيخ حينئذ المهذب
حكى ذلك ابن سمرة في طبقات اليمنيين وذكر أن الشيخ صنف المهذب مرارا فلما لم يوافق مقصوده رمى به في دجلة وأجمع رأيه على هذه النسخة المجمع عليها
ثم عاد الشيخ إلى بغداد وصحبته كتب السلطان الأعظم ملكشاه بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي والوزير نظام الملك
قلت وأظن الشيخ في هذه السفرة خطب للخليفة بنت السلطان وكان السفير في ذلك وما أراه إلا في هذه السفرة فتزوج بها الخليفة وأولدها جعفرا وكان قصده بهذا التقرب إلى خاطر ملكشاه فلم يزده ذلك إلا بعدا وتغير عليه خاطر السلطان ملكشاه بعد زمن قريب وكان قد جعل ولده المستظهر بالله ولي العهد فألزمه أن يعزله ويجعل ابن بنته جعفرا ولي العهد وأن يسلم بغداد إلى السلطان ويخرج إلى البصرة فشق ذلك على الخليفة وبالغ في استنزال السلطان ملكشاه عن هذا الرأي فأبى
"""
صفحة رقم 223 """
فاستمهله عشرة أيام ليتجهز فقيل أنه جعل يصوم ويطوي وإذا أفطر جلس على الرماد ويدعو على ملكشاه فلم يفلح ملكشاه بل مات بعد أيام يسيرة ولم يتم له شيء مما أراده
وكان هذا الخليفة المقتدي بأمر الله كبير الإجلال للشيخ أبي إسحاق وكان الشيخ أبو إسحاق سببا في جعله خليفة
قال ابن سمرة قال القاضي طاهر بن يحيى قلت هو ابن صاحب البيان وكان مع الزهد المتين والورع الشديد طلق الوجه دائم البشر حسن المجالسة مليح المحاورة يحكى الحكايات الحسنة والأشعار المليحة ويحفظ منها كثيرا وربما أنشد على البديهة لنفسه مثل قوله مرة لخادمه في المدرسة النظامية أبي طاهر بن شيبان بن محمد الدمشقي
وشيخنا الشيخ أبو طاهر
جمالنا في السر والظاهر
ومنه قوله وهو ماش في الوحل يوما وقد أكثر الإنشاد من الأشعار فقال
إنشادنا الأشعار في الوحل
هذا لعمري غاية الجهل
قال تلميذه علي بن حسكويه وكان معه يا سيدي بل هذا لعمري غاية الفضل
وقال علي بن حسكويه اجتمع الشيخ أبو إسحاق والرئيس أبو الخطاب علي بن عبد الرحمن فأتيا بثلجية فيها ماء بارد فأنشأ الشيخ أبو إسحاق قوله
ممنع وهو في الثلاج
فكيف لو كان في الزجاج
فأجابه الرئيس أبو الخطاب
ماء صفا رقة وطيبا
ليس بملح ولا أجاج
"""
صفحة رقم 224 """
وحكى أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد القاهر خطيب الموصل قال لما جئت إلى بغداد قاصدا الشيخ أبا إسحاق رحب بي وقال من أي البلاد أنت فقلت من الموصل
فقال مرحبا بلديى
فقلت يا سيدنا أنا من الموصل وأنت من فيروزاباذ
فقال يا ولدي أما جمعتنا سفينة نوح وله أدب أعذب من الزلال مازجته المدام وأزهر من الروض باكره ماء الغمام وأبهى من المنثور هذا مع أنه لا يتلون وأزهى من صفحات الخدود وإن كان آس العذار على جوانب ورده تكون لو سمعه ديك الجن لصاح كأنه مصروع ولو تأمل مقاطيعة ابن قلاقس لأصبح وهو ذو قلب مقطوع
فمنه
سألت الناس عن خل وفي
فقالوا ما إلى هذا سبيل
تمسك إن ظفرت بود حر
فإن الحر في الدنيا قليل
ومنه
إذا تخلفت عن صديق
ولم يعاتبك في التخلف
فلا تعد بعدها إليه
فإنما وده تكلف
"""
صفحة رقم 225 """
ومنه في غريق
غريق كأن الموت رق لفقده
فلان له في صورة الماء جانبه
أبى الله أن أنساه دهري لأنه
توفاه في الماء الذي أنا شاربه
ومنه أيضا
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا
وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
وقلت يا عدتي في كل نائبة
ومن عليه لكشف الضر أعتمد
أشكو إليك أمورا أنت تعلمها
مالي على حملها صبر ولا جلد
وقد مددت يدي بالضر مبتهلا
إليك يا خير من مدت إليه يد
فلا تردنها يا رب خائبة
فبحر جودك يروي كل من يرد
قال الحافظ أبو بكر الخطيب في كتابه في القول في النجوم أنشدنا أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفيروزابادي لنفسه
حكيم رأى أن النجوم حقيقة
ويذهب في أحكامها كل مذهب
يخبر عن أفلاكها وبروجها
وما عنده علم بما في المغيب
وحكي أن الشيخ قال كنت نائما فرأيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في المنام ومعه صاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقلت يا رسول الله بلغني عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار فأريد أن أسمع منك خبرا أتشرف به في الدنيا وأجعله ذخيرة في الآخرة
"""
صفحة رقم 226 """
فقال لي يا شيخ وسماني شيخا وخاطبني به وكان الشيخ يفرح بهذا ويقول سماني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شيخا
قال الشيخ ثم قال لي ( صلى الله عليه وسلم ) من أراد السلامة فليطلبها في سلامة غيره
قلت ومثل هذه الحكاية حكاية شيخه القاضي أبي الطيب في رؤياه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في المنام وتسميته إياه فقيها وكان القاضي أيضا يفتخر بذلك
وكان الشيخ أبو إسحاق يقول من قرأ علي مسألة فهو ولدي
ويقول العوام ينسبون بالأولاد والأغنياء بالأموال والعلماء بالعلم
وكان يقول العلم الذي لا ينتفع به صاحبه أن يكون الرجل عالما ولا يكون عاملا
وينشد لنفسه
علمت ما حلل المولى وحرمه
فاعمل بعلمك إن العلم بالعمل
وكان يقول الجاهل بالعالم يقتدي فإذا كان العالم لا يعمل بعلمه فالجاهل ما يرجو من نفسه فالله الله يا أولادي نعوذ بالله من علم يصير حجة علينا
وكان يمشي بعض أصحابه معه في طريق فعرض لهما كلب فقال الفقيه لذلك الكلب اخسأ وزجره فنهاه الشيخ وقال لم طردته عن الطريق أما علمت أن الطريق بيني وبينه مشترك
ومنام الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن نصر بن كاكا المؤيدي مشهور وهو ما ذكره فقال رأيت في العشر الأوسط من المحرم سنة ثمان وستين وأربعمائة ليلة الجمعة الشيخ أبا إسحاق طول الله عمره في منامي يطير مع أصحابه في السماء الثالثة أو الرابعة فتحيرت في نفسي وقلت هذا هو الشيخ الإمام مع أصحابه يطير وأنا معهم استعظاما لتلك الحال والرؤية فكنت في هذه الفكرة إذ تلقى الشيخ
"""
صفحة رقم 227 """
الإمام ملك وسلم عليه عن الله تبارك وتعالى وقال له إن الله تبارك وتعالى يقرأ عليك السلام ويقول ماذا تدرس لأصحابك فقال الشيخ أدرس ما نقل عن صاحب الشرع
فقال له الملك فاقرأ علي شيئا من ذلك لأسمعه
فقرأ عليه الشيخ مسألة لا أذكرها
فاستمع له الملك وانصرف
وأخذ الشيخ يطير وأصحابه معه فرجع الملك بعد ساعة وقال للشيخ إن الله تعالى يقول الحق ما أنت عليه وأصحابك فادخل الجنة معهم
وكان الإمام أبو بكر محمد بن علي بن حامد الشاشي يقول الشيخ الشيرازي حجة الله على أئمة العصر
وقال الإمام أبو الحسن الماوردي صاحب الحاوي وقد اجتمع بالشيخ وسمع كلامه في مسألة ما رأيت كأبي إسحاق لو رآه الشافعي لتجمل به
وقال الموفق الحنفي إمام أصحاب الرأي أبو إسحاق إمام المؤمنين في الفقهاء
وكان عميد الدولة بن جهير الوزير يقول هو وحيد عصره وفريد دهره مستجاب الدعوة
وقال القاضي محمد بن محمد الماهاني إمامان ما اتفق لهما الحج الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وقاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني
فقال الشيخ أبو إسحاق ما كان له استطاعة الزاد والراحلة ولكن لو أراد الحج لحملوه على الأحداق إلى مكة والدامغاني لو أراد أن يحج على السندس والإستبرق لأمكنه ذلك
"""
صفحة رقم 228 """
وكان الشيخ إذا أخطأ بين يديه المباحث في كلمة قال أي سكتة فاتتك وربما تكلم في مسألة فسأله السائل سؤالا غير متوجه فيقول
سارت مشرقة وسرت مغربا
شتان بين مشرق ومغرب
قال أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي كان الشيخ يتوضأ في الشط فنزل المشرعة يوما وكان يشك في غسل وجهه ويكرر حتى غسل نوبا عدة فوصل إليه بعض العوام وقال له يا شيخ أما تستحي تغسل وجهك كذا وكذا نوبة وقد قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( من زاد على الثلاث فقد أسرف ) فقال له الشيخ لو صح لي الثلاث ما زدت عليها
فمضى وخلاه فقال له واحد أيش قلت لذلك الشيخ الذي كان يتوضأ فقال الرجل ذاك شيخ موسوس قلت له كذا على كذا
فقال له يا رجل أما تعرفه فقال لا
قال ذاك إمام الدنيا وشيخ المسلمين ومفتي أصحاب الشافعي
فرجع ذلك الرجل خجلا إلى الشيخ وقال يا سيدي تعذرني فإني قد أخطأت وما عرفتك
فقال الشيخ الذي قلت صحيح فإنه لا يجوز الزيادة على الثلاث والذي أجبتك به أيضا صحيح لو صح لي الثلاث ما زدت عليها
كتب إلي أحمد بن أبي طالب عن محمد بن محمود الحافظ أن عبد الوهاب بن علي أنبأه عن أبي صالح عبد الصمد بن علي الفقيه أن أبا بكر محمد بن أحمد بن
"""
صفحة رقم 229 """
الخاضبة قال سمعت الشيخ أبا إسحاق يقول لو عرض هذا الكتاب الذي صنفته وهو المهذب على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لقال هذا شريعتي التي أمرت بها أمتي
أخبرنا أبو العباس بن الشحنة إذنا أن الحافظ أبا عبد الله البغدادي قال سمعت محمد بن جعفر بن محمد بن علي النسائي بأصبهان يقول سمعت محمد بن عبد الرشيد بن محمد يقول سمعت الحسن بن العباس الرستمي يقول سمعت الحسن الطبري الإمام يقول سمعت صوتا من الكعبة أو من جوف الكعبة من أراد أن يتنبه في الدين فعليه بالتنبيه
توفي في الليلة التي صبيحتها يوم الأربعاء الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة ست وسبعين وأربعمائة
وغسله أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي
ودفن من الغد بمقبرة باب حرب
ومن الروايات والفوائد عنه
أخبرنا أبو العباس الأشعري الحافظ قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا يوسف بن محمد بن عبد الله بن المهتار سماعا أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي بن المبارك بن ماسويه أخبرنا أبو الخير مسعود بن علي بن صدقة بن مطرز الخباز قراءة عليه أخبرنا أبو الكرم
"""
صفحة رقم 230 """
خميس بن علي بن أحمد الحوزي إملاء بواسط أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن علي ابن يوسف شيخ الشافعيين ببغداد حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب البرقاني حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد بن حمدان النيسابوري الحافظ حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال كان من دعاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك ومن فجأة نقمتك ومن جميع سخطك وغضبك )
صحيح انفرد مسلم بإخراجه في صحيحه عن أبي زرعة الرازي الحافظ عن يحيى ابن عبد الله بن بكير كما أخرجناه وليس لمسلم عن أبي زرعة في صحيحه سوى هذا الحديث
والبوشنجي وهو الإمام أبو عبد الله تقدم في الطبقة الثانية
أخبرنا أحمد بن المظفر الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا القاضي أبو الفضل سليمان بن أحمد المقدسي بقراءتي أخبرنا الحافظ الضياء محمد بن عبد الواحد أخبرنا أبو القاسم الفضل بن القاسم أنبأنا الإمام أبو سعد إسماعيل بن الحافظ أبي صالح أحمد بن
"""
صفحة رقم 231 """
عبد الملك النيسابوري نزيل كرمان أخبرنا الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الحافظ أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن حمدان حدثنا محمد بن أيوب حدثنا أبو الوليد حدثنا همام قال سمعت إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة يقول سمعت عبد الرحمن بن أبي عمرة يقول سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن عبدا أذنب ذنبا فقال أي رب أذنبت ذنبا فاغفر لي فقال الله تعالى علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا آخر ثم قال أي رب أذنبت ذنبا فاغفر لي فقال ربه علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي
حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا عن أحمد بن هبة الله بن عساكر أن أبا المظفر ابن السمعاني أنبأه قال أخبرنا أبي الحافظ أبو سعد أخبرنا أبو الحسن محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق الزعفراني إجازة وأنشدنا عنه أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسين الإصطخري الفقيه قال أنشدنا الإمام أبو إسحاق الشيرازي ببغداد ولم يسم قائلا
(
صبرت على بعض الأذى خوف كله
وألزمت نفسي صبرها فاستقرت
وجرعتها المكروه حتى تدربت
ولو حملته جملة لاشمأزت
فيا رب عز جر للنفس ذلة
ويا رب نفس بالتذلل عزت
وما العز إلا خيفة الله وحده
ومن خاف منه خافه ما أقلت
فيا صدق نفسي إن في الصدق حاجتي
فأرضى بدنياي وإن هي قلت
وأهجر أبواب الملوك فإنني
أرى الحرص جلابا لكل مذلة
"""
صفحة رقم 232 """
إذا ما مددت الكف ألتمس الغنى
إلى غير من قال اسألوني فشلت
إذا طرقتني الحادثات بنكبة
تذكرت ما عوقبت منه فقلت
وما نكبة إلا ولله منة
إذا قابلتها أدبرت واضمحلت
تبارك رزاق البرية كلها
على ما أراد لا على ما استحقت
فكم عاقل لا يستبيت وجاهل
ترقت به أحواله وتعلت
وكم من جليل لا يرام حجابه
بدار غرور أدبرت وتولت
تشوب القذى بالصفو والصفو بالقذى
ولو أحسنت في كل حال لملت
قلت قوله تبارك رزاق البرية البيتين أصدق من قول أبي العلاء المعري
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه
وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذي ترك الأوهام حائرة
وصير العالم النحرير زنديقا
فقبحه الله ما أجرأه على الله عزوجل وقد أحسن الذي قال نقصضا عليه
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه
وجاهل جاهل شعبان ريانا
هذا الذي زاد أهل الكفر لا سلموا
كفرا وزاد أولي الإيمان إيمانا
أخبرنا أبو العباس النابلسي الحافظ إذنا خاصا عن أحمد بن هبة الله عن عبد الرحيم وعبد الكريم بن محمد بن منصور أن أباه أخبره قال أنشدنا أبو المظفر شبيب بن الحسين القاضي إملاء ببروجرد أنشدنا الإمام الكبير أبو إسحاق الفيروزابادي أنشدني المطرز البغدادي لنفسه
"""
صفحة رقم 233 """
ولما وقفنا بالضراب عشية
حيارى لتوديع ورد سلام
وقفنا على رغم الحسود وكلنا
نفض عن الأثواب كل ختام
وسوغني عند الوداع عناقه
فلما رأى وجدي به وغرامي
تلثم مرتابا بفضل ردائه
فقلت هلال بعد بدر تمام
وقبلته فوق اللثام فقال لي
هي الخمر إلا أنها بفدام
أخبرنا أبو عبد الله وأبو العباس الحافظان في كتابهما عن أبي الفضل العساكري أن عبد الرحيم بن أبي سعد أنبأه أن والده الحافظ قال له سمعت سيدنا القاضي يقول عقب هذا ثم قال لي الشيخ أبو إسحاق يا بني قد رويت عن هذا الرجل في النسيب شيئا فأودعني ما يمحو ذلك وأنشدني لنفسه
يا عبد كم لك من ذنب ومعصية
إن كنت ناسيها فالله أحصاها
يا عبد لا بد من ذنب تقوم له
ووقفة منك تدمي الكف ذكراها
إذا عرضت على نفسي تذكرها
وساء ظني قلت استغفر الله
أخبرنا أحمد بن المظفر الحافظ رحمه الله إذنا خاصا عن أحمد بن هبة الله عن أبي المظفر السمعاني أن والده الحافظ أبا سعد أخبره قال أنشدنا شبيب بن
"""
صفحة رقم 234 """
الحسين قاض ببروجرد قال أنشدني أبو إسحاق الشيرازي وأظنه قال هي للمطرز
وحديثها السحر الحلال لو أنه
لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت
ود المحدث أنها لم توجز
شرف النفوس ونزهة ما مثلها
للمطمئن وعقلة المستوفز
ذكر الشيخ أبو إسحاق في النكت احتمالا لنفسه فيما إذا نذر صلاة مؤقتة وأخرجها عن وقتها أنه يقبل وهو وجه مصرح بحكايته في بعض نسخ الذخائر عن روضة المناظر
وكان الشيخ أبو إسحاق مجمعا عليه من أهل عصره علما ودينا رفيع الجاه بسبب ذلك محببا إلى غالب الخلق لا يقدر أحد أن يرميه بسوء لحسن سيرته وشهرتها عند الخلق
وزعمت الحنابلة في واقعة ابن القشيري أن الشيخ أبا إسحاق أراد أن يبطل مذهبهم لما وقعت الفتنة بين الحنابلة والأشعرية وقام الشيخ أبو إسحاق في نصر أبي نصر بن القشيري لنصره لمذهب الأشعري وكاتب نظام الملك في ذلك
وكان من ذلك أن الشيخ أبا إسحاق اشتد غضبه على الحنابلة وعزم على الرحلة من بغداد لما نال الأشعري من سب الحنابلة إياه وما نال أبا نصر بن القشيري من أذاهم فأرسل الخليفة إلى الشيخ أبي إسحاق يسكنه ويخفف ما عنده
"""
صفحة رقم 235 """
ثم كتب الشيخ أبو إسحاق رسالة إلى نظام الملك يشكو الحنابلة ويذكر ما فعلوه من الفتن وأن ذلك من عاداتهم ويسأله المعونة فعاد جواب نظام الملك إلى فخر الدولة وله بإنكار ما وقع والتشديد على خصوم ابن القشيري وذلك في سنة تسع وستين وأربعمائة فسكن الحال قليلا
ثم أخذ الشريف أبو جعفر بن أبي موسى وهو شيخ الحنابلة إذ ذاك وجماعته يتكلمون في الشيخ أبي إسحاق ويبلغونه الأذى بألسنتهم فأمر الخليفة بجمعهم والصلح بينهم بعد ما ثارت بينهم في ذلك فتنة هائلة قتل فيها نحو من عشرين قتيلا
فلما وقع الصلح وسكن الأمر أخذ الحنابلة يشيعون أن الشيخ أبا إسحاق تبرأ من مذهب الأشعري فغضب الشيخ لذلك غضبا لم يصل أحد إلى تسكينه وكاتب نظام الملك فقالت الحنابلة إنه كتب يسأله في إبطال مذهبهم ولم يكن الأمر على هذه الصورة وإنما كتب يشكو أهل الفتن فعاد جواب نظام الملك في سنة سبعين وأربعمائة إلى الشيخ باستجلاب خاطره وتعظيمه والأمر بالانتقام من الذين أثاروا الفتنة وبأن يسجن الشريف أبو جعفر وكان الخليفة قد حبسه بدار الخلافة عند ما شكاه الشيخ أبو إسحاق
قالوا ومن كتاب نظام الملك إلى الشيخ وأنه لا يمكن تغيير المذاهب ولا نقل أهلها عنها والغالب على تلك الناحية مذهب أحمد ومحله معروف عند الأئمة وقدره معلوم في السنة في كلام طويل سكن به جأش الشيخ
وأنا لا أعتقد أن الشيخ أراد إبطال مذهب الإمام أحمد وليس الشيخ ممن ينكر مقدار هذا الإمام الجليل المجمع على علو محله من العلم والدين ولا مقدار الأئمة من أصحابه أهل السنة والورع وإنما أنكر على قوم عزوا أنفسهم إليه وهو منهم بريء
"""
صفحة رقم 236 """
وأطالوا ألسنتهم في سب الشيخ أبي الحسن الأشعري
وهو كبير أهل السنة بعده وعقيدته وعقيدة الإمام أحمد رحمه الله واحدة لا شك في ذلك ولا ارتياب وبه صرح الأشعري في تصانيفه وكرر غير ما مرة أن عقيدتي هي عقيدة الإمام المبجل أحمد بن حنبل هذه عبارة الشيخ أبي الحسن في غير موضع من كلامه
قال الفقيه أبو يعلى محمد بن محمد بن صالح العباسي المعروف بابن الهبارية في كتابه فلك المعالي وهو كتاب عمله للوزير أبي نصر سعيد بن المؤمل رتبة على اثنى عشر بابا على ترتيب البروج ومن خط ابن الصلاح نقلت لما توفي قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن جعفر بن ماكولا ببغداد أكره القائم بأمر الله الشيخ الإمام أبا إسحاق الفيروزابادي على أن يتقلد له النظر في الإحكام والمظالم شرقا وغربا فامتنع فوكل به فكتب إليه ألم يكفك أن هلكت حتى تهلكني معك
فبكى القائم بأمر الله وقال هكذا فليكن العلماء إنما أردنا أن يقال إنه كان في عصرنا من وكل به وأكره على القضاء فامتنع وقد أعفيناه
قال الخطيب أبو بكر . . .
"""
صفحة رقم 237 """
مناظرة بين الشيخ أبي إسحاق الشيرازي والشيخ أبي عبد الله الدامغاني
وكانا قد اجتمعا في عزاء ببغداد
سئل الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشافعي عن الذمي إذا أسلم هل تسقط عنه الجزية لما مضى فمنع من ذلك وهو مذهب الشافعي فسئل الدليل فاستدل على ذلك بأنه أحد الخراجين فإذا وجب في حال الكفر لم يسقط بالإسلام أصله خراج الأرض
فقال الشيخ أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الدامغاني لا يمتنع أن يكون نوعان من الخراج ثم يشترط في أحدهما مالا يشترط في الآخر كما أن زكاة الفطر وزكاة المال نوعان من الزكاة ثم يشترط في أحدهما النصاب ولا يشترط في الآخر
والسؤال الثاني لا يمنع أن يكون حقان متعلقان بالكفر ثم أحدهما يسقط بالإسلام والآخر لا يسقط ألا ترى أن الاسترقاق والقتل حقان متعلقان بالكفر ثم أحدهما يسقط بالإسلام وهو القتل والآخر لا يسقط بالإسلام وهو الاسترقاق
والسؤال الثالث المعنى في الأصل أن الخراج يجب بسبب التمكن من الانتفاع بالأرض ويجوز أن يجب بمثل هذا السبب حق عليه في حال الإسلام وهو العشر فلهذا جاز أن يبقى ما وجب عليه منه حال الكفر وليس ذلك ها هنا لأنه ليس يجب بمثل نسبته حق في حال الإسلام فلهذا سقط ما وجب في حال الكفر
فقال الشيخ أبو إسحاق على الفصل الأول وهو اعتبار نصاب في زكاة المال
دون زكاة الفطر ثلاثة أشياء
"""
صفحة رقم 238 """
أحدهما أن ما ذكرت حجة لنا لأن زكاة الفطر وزكاة المال لما كان سبب إيجابهما الإسلام والكفر ينافيهما كان تأثير الكفر في إسقاطهما مؤثرا واحدا حتى إنه إذا وجبت عليه زكاة الفطر وارتد عندهم سقط عنه ذلك كما إذا وجبت عليه زكاة المال ثم ارتد سقطت عنه الزكاة فكان تأثير الباقي في إسقاطهما على وجه واحد فكذلك ههنا لما كان سبب الخراجين هو الكفر والإسلام ينافيهما فيجب أن يكون تأثير الإسلام في إسقاطهما واحدا وقد ثبت أن أحدهما لا يسقط بالإسلام فكذلك الآخر
جواب ثان أن الزكاتين افترقتا لأن زكاة الفطر فارقت سائر الزكوات في تعلقها بالذمة ففارقها في اعتبار النصاب وليس كذلك الخراجان فإنهما سواء في اعتبار الكفر في وجوبهما ومنافاة الإسلام لهما فلو سقط أحدهما بالإسلام سقط الآخر
جواب ثالث وهو أن زكاة الفطر لا تزداد بزيادة المال فلهذا لم يعتبر فيها النصاب وليس كذلك سائر الزكوات فإنها تختلف باختلاف المال وتزداد بزيادته فلهذا اعتبر فيها النصاب وأما حال الخراجين فإنهما على ما ذكرت سواء فوجب أن يتساويا في الإسلام
وأما الفصل الثاني وهو القتل والاسترقاق فالجواب عنه من وجهين أحدهما أن القتل والاسترقاق جنسان مختلفان ومع اختلاف الأجناس يجوز أن تختلف الأحكام فأما في مسألتنا فالخراجان من جنس واحد يجبان بسبب الكفر فلا يجوز أن يختلف حكمهما
والثاني الاسترقاق إذا حصل في حال الكفر كان ما بعد الإسلام استدامة للرق وبقاء عليه وليس كذلك القتل فإنه ابتداء عقوبة فجاز أن يختلفا وأما في مسألتنا فحال الخراجين واحد من استيفاء ما تقدم وجوبه فإذا لم يسقط أحدهما لم يسقط الآخر
"""
صفحة رقم 239 """
وأما الفصل الثالث وهو المعاوضة فالجواب عنه من وجهين أحدهما إن قال لا أسلم أن بمثل سبب الخراج يجب على المسلم حق فإن الخراج إنما وجب بسبب التمكن من الانتفاع مع الكفر والعشر إنما لزم للأرض بحق الله وهو الإسلام
والثاني أنه إن كان هناك حق يجب بمثل سبب الخراج فيحسن أن يجري عليه الذي في حال الإسلام فلهذا جاز أن يبقى ما تقدم وجوبه في حال الكفر فكذلك في مسألتنا يجب بمثل سبب الجزية حق حتى يجري عليه في حال الإسلام وهو زكاة الفطر فإن الزكاة وزكاة الفطر تجب عن الرقبة فيجب أن الجزية تجب عن الرقبة وأن يبقى ما وجب من ذلك في حال الكفر فلا فرق بينهما
فقال أبو عبد الله الدامغاني على فصل الزكاة على الجواب الأول وهو قال فيه إن ذلك حجة فإنهما يستويان في اعتبار الإسلام في حال واحد من الزكاتين فقال لا يمتنع أن يكون الكفر يعتبر في كل واحد من الخراجين ثم يختلف حكمهما بعد ذلك في الاستيفاء كما أن زكاة الفطر وزكاة المال يستويان في أن المال معتبر في حال واحدة فيهما ثم يختلفان في كيفية الاعتبار فالمعتبر في زكاة الفطر أن معه ما يؤدي فاضلا عن كفايته عندكم والمعتبر في سائر الزكوات أن يكون مالكا لنصاب فكذلك هاهنا يجوز أن يستوي الخراجان في اعتبار الكفر في كل واحد منهما ثم يختلف حكمهما عند الاستيفاء فيعتبر البقاء على الكفر في أحدهما دون الآخر
وجواب ثان أن الزكاتين إنما أثر الكفر فيهما على وجه واحد لأنهما يجبان على
"""
صفحة رقم 240 """
سبيل العبادة فلا يجوز استيفاؤهما بعد الكفر لأن الكافر لا تثبت في حقه العبادات وليس كذلك في مسألتنا فإن الجزية تجب على سبيل الصغار لأن الله تعالى قال ) حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ( وبعد الإسلام لم يوجد الصغار فلا يصح استيفاؤهما وكذلك الخراج في الأرض لا يجب على سبيل الصغار ولهذا يجوز أن يوجد باسمه من المسلمين وهو الذي ضربه عمر رضي الله عنه على الأرض السواد
وتكلم على الجواب الثاني عن هذا الفصل وهو أن زكاة الفطر تتعلق بالذمة فقال لا يمتنع أن يكون أحدهما في الذمة والآخر في المال ثم يستويان في النصاب كما أن أرش الجناية يتعلق بعين الجاني وزكاة الفطر تتعلق بالذمة ثم لا يعتبر النصاب في واحد منهما وأيضا فقد اختلف قول الشافعي في أن الزكاة تتعلق بالعين أو الذمة فدل على أنه ليس العلة فيه ما ذكرت
وتكلم على الجواب الثالث في هذا الفصل وهو أن زكاة الفطر لا تزداد بزيادة المال فقال لما جاز أن لا تزداد بزيادة المال ثم لا يعتبر فيه النصاب ثم هذا يبطل بما زاد على نصاب الدنانير والدراهم عندك فإنه يزداد بزيادة المال ثم لا يعتبر فيها النصاب
وتكلم على الفصل الثاني وهو الاسترقاق والقتل حيث قال إنهما جنسان يختلفان وهاهنا جنس واحد فقال إنهما وإن كانا جنسين إلا أنهما يجبان بسبب الكفر وكان يجب أن يكون تأثير الإسلام فيهما واحدا كما قلنا في الخراجين والثاني أن الخراجين وإن كانا جنسا واحدا فإنه يجب أن يستوفيا في حال الإسلام كالخراج
"""
صفحة رقم 241 """
الذي وضعه عمر رضي الله عنه مع الخراج فهما خراجان ثم يجوز ابتداء أحدهما بعد الإسلام فلا يجوز ابتداء الآخر فكذلك هاهنا
وأجاب عن الجواب الثاني في هذا الفصل وهو أن الاسترقاق استدامة والقتل ابتداء فعل فقال القتل والجزية سواء لأن القتل قد تقدم وجوبه ولكن بقي بعد الإسلام الاستيفاء كما وجبت الجزية وتقدم وجوبها وبقي الاستيفاء وإن كان القتل لا يجوز بعد الإسلام لأنه ابتداء مع ما تقدم وجوبه في حال الكفر فهما سواء
وتكلم على المعاوضة على الجواب الأول أن العشر لا يجب بالسبب الذي يجب به الخراج فقال الخراج يجب بإمكان الانتفاع بالأرض ولذلك لا يجب فيما لا منفعة فيه من الأرض كالمستغدر وما يبطل منه الانتفاع به كما يجب العشر بإمكان الانتفاع فهما يجبان بسبب واحد فإذا جاز ابتداء أحدهما بعد الإسلام جاز البقاء على الآخر بعد الإسلام
وتكلم على الفصل الثاني وهو زكاة الفطر فقال الجزية لا تجب بالمعنى الذي تجب به زكاة الفطر لأن زكاة الفطر تجب على سبيل العبادة والجزية تجب على وجه الصغار فسببهما مختلف
فتكلم الشيخ أبو إسحاق على الجواب الأول بأن ذلك حجة لي فقال أما قولك أنه يجوز أن يشترك الحقان في اعتبار الإسلام ثم يختلفان في الكيفية والتفصيل كما استوى زكاة الفطر وزكاة المال في اعتبار المال واختلفا في كيفية الاعتبار فهذا صحيح في اعتبار المال فأما في اعتبار الدين فلا يجوز أن يختلف جاز الابتداء والاستيفاء ألا ترى أن زكاة الفطر خالفت سائر الزكوات في التفصيل في اعتبار المال ثم الكفر لما كان
"""
صفحة رقم 242 """
مباينا لهما والإسلام معتبر فيهما لم يختلف اعتبار ذلك فيهما لا في الابتداء ولا في الاستيفاء بل إذا زال الإسلام الذي هو شرط في وجوبهما أثر الكفر في إسقاط كل واحد منهما ومنع من استيفائهما فكذلك هاهنا لما كان الإسلام منافيا للخراجين والكفر شرط في وجوبهما وجب أن يكون حالهما واحدا في اعتبار الكفر في الابتداء والاستيفاء كما قلنا في زكاة الفطر وزكاة المال
وأما الكلام الثاني الذي ذكرت على هذا بأن زكاة الفطر وزكاة المال يجبان على سبيل العبادة فنافاهما الكفر وأن الجزية على سبيل الصغار فغير صحيح لأنه كما تجب الجزية على سبيل الصغار فخراج الأرض كذلك فإذا نافى الإسلام أحدهما ومنع من الاستيفاء لأنه ليس بحال صغار وجب أن ينافى الآخر أيضا ووجوبه على سبيل الصغار
والثاني أنا لا نعلم أن الجزية تجب على سبيل الصغار بل هي معاوضة ولهذا المعنى تعتبر فيها المدة كما تعتبر في المعاوضات ولو كان ذلك صغارا لم تعتبر فيها المدة كما تعتبر في الاسترقاق والقتل ويدل عليه أنها تجب في مقابلة معوض لهم وهو الحقن والمساكنة في دار الإسلام وما سلم لهم معوضه دل على أنه يجب على سبيل العوض
وأما قوله تعالى ) حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ( فقد قيل في التفسير إن المراد به أنهم ملتزمون لأحكام الإسلام
والثالث أن الصغار إنما يعتبر في الوجوب فأما في الاستيفاء فلا يعتبر ألا ترى أنه لو ضمن عنه مسلم جاز أن يستوفي عنه وإن لم يجب على المسلم في ذلك صغار فدل على بطلان ما قالوه وأيضا فإن الصغار قد يعتبر في إيجاب الشيء ولا يعتبر في
"""
صفحة رقم 243 """
استيفائه كما أن الحدود تجب على سبيل التنكيل بالمعاصي ولهذا قال الله تبارك وتعالى ) جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ( فذكر النكال عقب ذكر الحد كما ذكر الصغار عقيب ذكر النكال فقد روي عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) فكذلك هاهنا
وأما الكلام عن الجواب الثاني من هذا الفصل وهو أن زكاة الفطر تتعلق بالعين فصحيح وما ذكرت من التفصيل فلا يلزم لأني لم أقل إن كل حق يتعلق بالعين يعتبر فيه النصاب وإنما قلت إن الزكاة إذا تعلقت بالعين اقتضت النصاب وزكاة الفطر تخالف سائر الزكوات في تعلقها بالعين فخالفتها في اعتبار النصاب فلا يلزم عليه سائر الحقوق
وأما قولك إن النصاب معتبر في سائر الزكوات من غير اختلاف وفي تعلق الزكاة بالعين قولان فغير صحيح لأن القول به فاسد وبهذا يستدل على فساده لأنه لو كان تعلق بالذمة لما اعتبر فيه النصاب
وأما الجواب الثالث عن هذا الفصل أن زكاة الفطر لا تزداد بزيادة المال وسائر الزكوات تزداد بزيادة المال فهو صحيح وما ذكرت من أنه لو كان ذلك صحيحا لما اعتبر فيه وجود صاع فاضلا عن الكفاية فباطل لأنه يعتبر فيها النصاب ولا يزداد بزيادة المال
وأما قولك إنه يبطل هذا بما زاد على نصاب الأثمان والعشر فلا يلزم لأني جعلت ذلك علة في اعتبار النصاب الثاني إلا لدفع الضرر فيما يدخل الضرر فيه وهو تبعيض الحيوان والمشاركة فيه وهذا لا يوجد في الحبوب ولا في العين فسقط اعتباره
وأما الكلام في الفصل الثاني وهو الاسترقاق فما ذكرته من الجواب أن
"""
صفحة رقم 244 """
الاسترقاق والقتل جنسان مختلفان وهاهنا جنس واحد فصحيح وقولك إنهما وإن كانا جنسين إلا أنهما يجبان بسبب الكفر ولولا الكفر لم يجبا فكان يجب أن يؤثر الإسلام في إسقاطهما فغير صحيح لأنه وإن كان وجوبهما بسبب واحد إلا أنهما حقان مختلفان وإذا اختلفت الحقوق يجوز أن تختلف أحكامها ألا ترى أن الجمعة والخطبة تجبان لمعنى واحد إلا أنهما لما اختلفا في الجنسية اختلفا في الأحكام فكذا هنا الاسترقاق والقتل وإن وجبا بسبب الكفر إلا أنهما جنسان مختلفان فيجوز أن يختلف حكمهما
وأما قولك إن هذا يبطل بخراج السواد وجزية الرقاب فإنهما خراجان لم يبتدىء أحدهما بعد الإسلام ولا يبتدىء الآخر فخطأ لأني لم أقل إنهما جنس واحد سواء بل قلت إنهما جنس واحد وسببهما الكفر وإنما هو البيع والإجارة على اختلاف المذهب وهاهنا كل من الخراجين وجب لحق الكفر فلم يختلفا
وأما الجواب الثاني عن هذا الفصل وهو أن الاسترقاق استدامة والقتل ابتداء عقوبة فصحيح وقولك إن القتل استيفاء ما تقدم فغير صحيح لأني قلت إن القتل ابتداء عقوبة والاسترقاق استدامة لأنه قد تقدم فعل الاسترقاق في حال الكفر وليس كذلك هاهنا لأنه كالخراجين استيفاء ما تقدم وإن جاز أحدهما جاز الآخر وليس في القتل مثل هذا ألا ترى أنه ليس في جنسه ما يساويه في الاستيفاء بحق الكفر ثم بعد الإسلام وهاهنا من جنسه ما يستوفى بعد الإسلام وهو خراج الأرض فلو لم يجز استيفاء الجزية بعد الإسلام لوجب أن يقال لا يجوز استيفاء الخراج
وأما الفصل الثالث وهو المعاوضة فما ذكرت من المنع صحيح لأن الخراج يجب بسبب الكفر ويعتبر فيه التمكين من الانتفاع بالأرض والعشر يجب بحق الإسلام ويعتبر فيه الخراج فأحدهما لا يجب بالسبب الذي يجب به الآخر ويدل على أنه لا يصح اجتماعهما في حال الكفر ولا في حال الإسلام لأنه في حال الكفر
"""
صفحة رقم 245 """
يجب الخراج ولا يجب العشر وفي حال الإسلام يجب ولا يجب الخراج فدل على أنها متنافيان ولا يجوز أن يستدل من وجوب أحدهما بعد الإسلام على بقاء الآخر بعد الإسلام
والثاني ما ذكرت من زكاة الفطر فهو صحيح في الفرع لأنه كما يجب بسبب منفعة الأرض حق مبتدأ على المسلم فبسبب الرقبة يجب حق مبتدأ على المسلم وهو زكاة الفطر وقولك إن زكاة الفطر على سبيل العبادة والجزية والخراج على سبيل الكفر والصغار فلا يجوز أن يستدل بأحدهما بعد الإسلام على بقاء الآخر كذلك يجوز أن يستدل بوجوب زكاة الفطر حال الإسلام على بقاء الجزية
والله أعلم
مناظرة أيضا ببغداد بين أبي إسحاق وأبي عبد الله الدامغاني رضي الله عنهما
قال أبو الوليد الباجي المالكي رحمه الله وقد شاهد هذه المناظرة وحضرها العادة ببغداد أن من أصيب بوفاة أحد ممن يكرم عليه قعد أياما في مسجد ربضه يجالسه فيها جيرانه وإخوانه فإذا مضت أيام عزوه وعزموا عليه في التسلي والعودة إلى عادته من تصرفه فتلك الأيام التي يقعد فيها في مسجده للعزاء مع إخوانه وجيرانه لا تقطع في الأغلب إلا بقراءة القرآن أو بمناظرة الفقهاء في المسائل فتوفيت زوجة القاضي أبي الطيب الطبري وهو شيخ الفقهاء ذلك الوقت ببغداد وكبيرهم فاحتفل الناس بمجالسته ولم يكد يبقى أحد منتم إلى علم إلا حضر ذلك المجلس وكان ممن حضر ذلك المجلس القاضي
"""
صفحة رقم 246 """
أبو عبد الله الصيمري وكان زعيم الحنفية وشيخهم وهو الذي كان يوازي أبا الطيب في العلم والشيخوخة والتقدم فرغب جماعة من الطلبة إلى القاضيين أن يتكلما في مسألة من الفقه يسمعها الجماعة منهما وتنقلها عنهما وقلنا لهما إن أكثر من في المجلس غريب قصد إلى التبرك بهما والأخذ عنهما ولم يتفق لمن ورد منذ أعوام جمة أن يسمع تناظرهما إذ كانا قد تركا ذلك منذ أعوام وفوضا الأمر في ذلك إلى تلاميذهما ونحن نرغب أن يتصدقا على الجمع بكلامهما في مسألة يتجمل بنقلها وحفظها وروايتها
فأما القاضي أبو الطيب فأظهر الإسعاف بالإجابة وأما القاضي أبو عبد الله فامتنع من ذلك وقال من كان له تلميذ مثل أبي عبد الله يريد الدامغاني لا يخرج إلى الكلام وها هو حاضر من أراد أن يكلمه فليفعل فقال القاضي أبو الطيب عند ذلك وهذا أبو إسحاق من تلامذتي ينوب عني فلما تقرر الأمر على ذلك انتدب شاب من أهل كازرون يدعى أبا الوزير يسأل أبا إسحاق الشيرازي الإعسار بالنفقة هل يوجب الخيار للزوجة فأجابه الشيخ أنه يوجب الخيار وهو مذهب مالك خلافا لأبي حنيفة في قوله إنه لا يوجبه لها
فطالبه السائل بالدليل على صحة ما ذهب إليه
فقال الشيخ أبو إسحاق الدليل على صحة ما ذهبت إليه أن النكاح نوع ملك يستحق به الإنفاق فوجب أن يكون الإعسار بالإنفاق يؤثر في إزالته كملك اليمين
فاعترضه السائل باعتراضات ووقع الانفصال عنها
ثم تناول الكلام على وجه النيابة عنه وهو الذي يسميه أهل النظر المذنب الشيخ أبو عبد الله الدامعاني فقال هذا غير صحيح لأنه لا يمنع أن يستويا في أن كل واحد
"""
صفحة رقم 247 """
منهما يستحق به النفقة ثم يختلفان في الإزالة ألا ترى أن البيع والنكاح يستويان في أن كل واحد منهما يستحق به الملك ثم فوات التسليم بالهلاك في أحدهما يوجب بطلان العقد وهو البيع لأنه إذا هلك المبيع قبل التسليم بطل البيع وفي النكاح لا يبطل العقد وتنفذ أحكام الزوجية بعد الموت فكذلك في الفرع يجب أن يتساويا في أن كل واحد منهما يستحق به النفقة ثم العجز عن الإنفاق في أحد الموضعين يوجب الإزالة وفي الفرع لا يمكن نقل الملك عنه إلى الغير فوجب ألا تجب الإزالة بالإعسار كما يقال في أم الولد
فأجاب الشيخ أبو إسحاق عن الفصل الأول بفصلين
أحدهما أنه قال إن هذا المعنى ليس بإلزام صحيح لأني لم أقل إنه إذا تساوى الملكان في معنى وجب أن يتساويا في جميع الأحكام لأن الإملاك والعقود تختلف أحكامها وموجباتها وإنما جمعت بينهما بهذا المعنى الذي هو استحقاق النفقة ثم العجز عن هذه النفقة التي لملك اليمين يوجب إزالة الملك فوجب أن يكون الآخر مثله
والثاني أن النكاح إنما خالف البيع فيما ذكره لأن المقصود به الوصلة والمصاهرة إلى الموت فإذا مات أحدهما فقد تمت الوصلة وانتهى العقد إلى منتهاه فمن المحال أن يكون مع تمام العقد نحكم بإبطال العقد كما نقول في الإجارة إذا عقدت إلى أمد ثم انقضت المدة لم يجز أن يقال إن الأحكام قد بطلت بانقضاء المدة وتمامها فكذلك النكاح وليس كذلك البيع فإن المقصود به التصرف في المعاني التي تثبت الملك من الاقتناء والتصرف والاستخدام فإذا هلك المبيع قبل التسليم فإن المعنى المقصود قد فات فلهذا تبطل وأما في مسألتنا فالملكان على هذا واحد في الاستحقاق للنفقة فإذا وجبت الإزالة في أحد الموضعين بالعجز عن الإنفاق وجب أن يكون في الموضع الآخر مثله
"""
صفحة رقم 248 """
وأما المعاوضة التي ذكرتها فلا تصح لأنه إن جاز أن يقال في العبد إنه يزول ملكه عنه لأنه تمكن إزالة الملك فيه بالنقل إلى غيره ففي الزوجة أيضا يمكن إزالة الملك إلى غيره بالطلاق فوجب أن يزال وعلى هذا تبطل به إذا عجز الزوج عن الوطء فإنه يثبت لها الخيار في مفارقة الزوج وإن كان لا يصح الملك فيها ألا ترى أنا نفرق بينهما بالعنة فكذلك هاهنا فأما الكلام في أم الولد فإنا لا نسلمه فإن من أصحابنا من قال إنه يجب إعتاقها متى عجز عن الإنفاق فعلى هذا لا نسلمه وإن سلمت فالمعنى فيها أنه لا يمكنها أن تتوصل إلى تحصيل النفقة بمثل ذلك السبب إذا أزيل ملكه عنها وهى ها هنا يمكنها التوصل إلى تحصيل النفقة بمثل ذلك السبب إذا أزيل ملكه عنها وذلك بأن تتزوج آخر وهو بمنزلة ما ذكرت من العبد القن
فقال له الشيخ أبو عبد الله الدامغاني على الفصل الأول إذا كان قد استويا في مسألتنا في استحقاق النفقة بالملك في كل واحد منهما وأوجب ذلك التسوية بينهما في إزالة الملك فيهما لزمك أنه قد استوى البيع والنكاح في أن كل واحد منهما يستحق به الملك فوجب أن يستويا في إبطاله بفوات التسليم
وأما قولك إن المقصود بالنكاح هو الوصلة وقد حصلت فليس بصحيح لأن المقصود في النكاح هو الوطء لأن الزوج إنما يتزوج للاستمتاع لا بقصد الوصلة من غير استمتاع وعلى أنه إن كان المقصود في النكاح هو الوصلة ففي البيع أيضا هو الملك دون الاقتناء والاستخدام بدليل أنه إذا اشترى أباه يحكم بصحة البيع وإن لم يحصل الاستخدام ولكن لما حصل الملك حكمنا بجوازه وعلى أن في مسألتنا أيضا النكاح مخالف لملك اليمين في باب النفقة ألا ترى أن كل نفقة واجبة
"""
صفحة رقم 249 """
249
في ملك اليمين يستحق بها الإزالة وقد تجب في النكاح نفقات واجبة يحبس عليها ولا يستحق عليها الإزالة وهي النفقة الماضية ونفقة الخادم فدل ذلك على الفرق بينهما
وأما الفصل الثاني وهي المعاوضة فهي صحيحة وقوله إن هاهنا أيضا يمكن إزالة الملك بالطلاق فغير صحيح لأن الطلاق إزالة ملك بغير عوض وهذا لا يوجبه العجز عن النفقة كما لا يجب إعتاق عبده للعجز عن النفقة
وأما ما ألزمت من الوطء إذا عجز عنه الزوج فليس بصحيح فإن في الوطء لا يمكنها تحصيله وأما النفقة فيمكنها تحصيلها بالاستقراض والاستخدام وغير ذلك وتنفق على نفسها
وأما ما قلت في أم الولد إني لا أسلمه
فإنه لا خلاف أنه لا يجوز إعتاقها
وقولك إنه لا يتوصل إلى مثله بمثل هذا السبب وهاهنا يمكنه التوصل غير صحيح لأنه لا يمكنها أن تتوصل حتى تنقضي عدتها وتتزوج زوجا آخر وربما كان الزوج الثاني مثل الزوج الأول في الفقر فتركها عند الأول أولى
قال الشيخ أبو إسحاق على الفصل الأول إنما جمعت بين الملكين وجعلته مؤثرا في باب الإزالة وهو استحقاق النفقة في كل واحد منهما فإذا حصل العجز ووجبت الإزالة في أحد الموضعين وجب في الموضع الآخر مثله وليس هذا بمنزلة المساواة في البيع والنكاح في أن كل واحد منهما يوجب الملك لأنهما وإن تساويا في الملك إلا أنهما مختلفان في التسليم ألا ترى أن التسليم مستحق بعد البيع وغير مستحق بعد النكاح والذي يدل عليه أنه إذا باع عبدا آبقا لم يصح العقد فدل على أنهما مختلفان في وجوب التسليم فجاز أن يختلفا في جواز التسليم وفي مسألتنا استويا في وجوب النفقة فوجب أن يتساويا في الإزالة عند العجز عنها
"""
صفحة رقم 250 """
وأما ما ذكرت من الفرق بين البيع والنكاح في المقصود وقلت إن المقصود من النكاح هو الوصلة والمصاهرة فإذا فرق الموت بينهما فقد حصل المقصود وتمت الوصلة فلهذا قلنا إنه لا يبطل وفي البيع المقصود هو التصرف والاقتناء فإذا هلك التسليم فإن المقصود قد فات
وقولك إن الرجل يقصد بالنكاح الاستمتاع فهو صحيح إلا أنه لا يمتنع أن يكون له مقاصد أخر وليس كذلك البيع فإن عامة مقاصده قد فاتت بفوات التسليم فافترقا
وأما ما ذكرت من أن البيع المقصود منه أيضا هو الملك وقد حصل بدليل أنه يجوز له أن يشتري أباه فيعتق عليه فهذا نادر وشاذ في باب البيع والمقصود من البياعات والأشرية ما ذكرت فلا يجوز إبطال ما وضع عليه الباب بأشذ وأندر على أن هناك قد حصل المقصود لأن المقصود في شراء الوالد أن يعتق عليه ولهذا قال ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ) وليس كذلك هاهنا إذا مات قبل التسليم فإنه لا يحصل المقصود فافترقا
وأما قولك في ملك النكاح أيضا إنه مخالف للملك في باب النفقة بدليل أن كل نفقة واجبة في ملك اليمين يزال بالعجز عنها الملك ولا يزال الملك في النكاح بكل نفقة واجبة وهي النفقة الماضية ونفقة الخادم فغير صحيح لأنه للبر في نفقة الخادم والنفقة الماضية الواجبة غير أنه لا ضرر في الامتناع من ذلك فلم يثبت لها الخيار وعليها ضرر في الامتناع من نفقة الحال فصارت هذه النفقة مثل نفقة العبد سواء
"""
صفحة رقم 251 """
وأما المعارضة بما ذكرت أنه لا يمكن إزالة الملك هاهنا بالطلاق وقولك إن الطلاق إزالة ملك بغير العتق وهو أن يباع
فلا حاجة بنا إلى إزالة الملك فيه بالعتق وليس كذلك في الزوجة فإنه لا يمكن إزالة الملك فيها بالبيع ونقل الملك فأزيل بالطلاق ولهذا قلت في أم الولد إنه لما لم يمكن إزالة الملك فيها بالبيع أزلنا ذلك بالعتق على مذهب بعض أصحابنا وهو اختيار الشيخ أبي يعقوب وأما ما التزمت من الوطء إذا عجز فهو صحيح وهو فصل في المسألة
قال فإن الذي يلحق المرأة في ترك النفقة أعظم من الضرر في ترك الجماع فإن الجماع قد تصبر المرأة لفقده والنفقة لا بد منها وبها يقوم البدن والنفس ثم قلنا إنه يثبت الخيار وإن كان لا يمكن نقل الملك فيها بعوض فكذلك هاهنا
وأما قولكم في الجماع لا تتوصل إليه إلا بإزالة الملك وهاهنا تتوصل إليه بأن تستقرض فغير صحيح فإنه يلحقه الضرر بالاستقراض ويطلب ويحبس عليه وإن ألزمناها ذلك يجب أن نلزمها أن تكري لنفسها وفي ذلك مشقة عظيمة ولا يجب إلزامها
وأما ما ذكرت في أم الولد أنى لا أسلمه فهو صحيح وقولك إني أقيس عليه إذا كان لها كسب فلا يلزم لأنها إذا كان لها كسب فليس هناك إعسار بالنفقة فإن كسبها يكون لمولاها ويمكنه أن ينفق عليها وفي مسألتنا عجز عن الإنفاق على ما ذكرت
وأما الفرق الذي ذكرت فهو صحيح وقولك إنه لا تتوصل إلى تحصيل النفقة إلا بانقضاء عدة فتزوج آخر فغير صحيح لأنه لو كان لهذا المعنى لوجب أن يفرق
"""
صفحة رقم 252 """
فيها قبل الدخول وبعده ولأنه إذا كان قبل الدخول توصل إلى تحصيل النفقة في الحال فسقط ما قلته وعلى هذا إن كان لا يوجب إزالة الملك لهذا المعنى فيجب أن يكون في الوطء لا يثبت لها الخيار فإنها لا تتوصل أيضا إلى تحصيل الجماع حتى تنقضي عدتها وتتزوج زوجا آخر وربما كان الثاني مثل الأول في العجز عن الجماع ولما ثبت أنه يزول الملك للعجز عن الجماع بطل ما قلتم والله الموفق للصواب
مناظرة بين إمام الحرمين أبي المعالي الجويني وبين الشيخ أبي إسحاق بنيسابور
في اختيار البكر البالغ بأن قال باقية على بكارة الأصل فجاز للأب تزويجها بغير إذنها
أصله إذا كانت صغيرة فقال السائل جعلت صورة هذه المسألة علة في الأصل وذلك لا يجوز
فقال لا يصح لثلاثة أوجه أحدها أنى ما جعلت صورة المسألة علة في الأصل وأن صورة المسألة تزويج البكر البالغة من غير إذن
وعلتي أنها باقية على بكارة وليس هذا صورة المسألة لأن هذه العلة غير مقصورة على البكر البالغة بل هي عامة في كل بكر ولهذا قست على الصغيرة
الثاني قولك لا يجوز أن تجعل صورة المسألة علة دعوى لا دليل عليها وما المانع من ذلك الثالث أن العلل شرعية كما أن الأحكام شرعية ولا ينكر في الشرع أن يعلق
"""
صفحة رقم 253 """
الشارع الحكم على الصورة مرة كما يعلق على سائر الصفات فلا معنى للمنع من ذلك فإن كان عندك أنه لا دليل على صحتها فطالبني بالدليل على صحتها من جهة الشرع
فقال السائل ما الدليل على صحتها من الشرع فقال الدليل على صحة هذه العلة الخبر والنظر
أما الخبر فما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( الأيم أحق بنفسها من وليها ) والمراد به الثيب لأنه قابلها بالبكر فقال ( والبكر تستأمر ) فدل على أن غير الثيب وهي البكر ليست أحق بنفسها وأقوى طريق تثبت به العلة ما نطق به صاحب الشرع
وأما النظر فلا خلاف أن البكر يجوز أن تزوجها من غير نطق لبكارتها ولو كانت ثيبا لم يجز تزويجها من غير نطق أو ما يقوم مقام النطق عنده وهو الكتابة ولو لم يكن تزويجها إلى الولي لما جاز تزويجها من غير نطق
اعترض عليه الشيخ الإمام أبو المعالي فقال المعول في الدليل على ما ذكرت من الخبر والنظر فأما الخبر فإنه يحتمل التأويل فإنه يجوز أن يكون المراد به أن الثيب أحق بنفسها لأنه لا يملك تزويجها إلا بالنطق والبكر بخلافها وإذا احتمل التأويل أولناه على ما ذكرت بطريق يوجب العلم وهو أنه قد اجتمع للبكر البالغة الأسباب التي يسقط معها ولاية الولي وتستقل بنفسها في التصرف في حق نفسها لأن المرأة إنما تفتقر إلى الولي لعدم استقلالها بنفسها لصغر أو جنون فإذا اجتمع فيها الأسباب التي تستغني بها عن ولاية الولي لم يجز ثبوت الولاية عليها في التزويج بغير إذنها ولأن في الخبر ما يدل على صحة هذا التأويل من وجهين أحدهما أنه ذكر الولي وأطلق ولم يفصل بين الأب والجد وغيرهما من الأولياء ولو كان المراد ولاية الإجبار لم يطلق
"""
صفحة رقم 254 """
الولاية لأن غير الأب والجد لا يملك الإجبار بالإجماع فثبت أنه أراد به اعتبار النطق في حق الثيب وسقوطه في حق البكر ولأنه قال والبكر تستأمر وإذنها صماتها فدل أنه أراد في الثيب اعتبار النطق
أجاب الشيخ الإمام أبو إسحاق فقال لا يجوز حمله على ما ذكرت من اعتبار النطق لأنه قال ( صلى الله عليه وسلم ) ( أحق بنفسها ) وقد اقتضى أنها أحق بنفسها في العقد والتصرف دون النطق
وقولك إنه أطلق الولي فإنه عموم ما حمله على الأب والجد بدليل التعليل الذي ذكره في الثيب فإنه قال والثيب أحق بنفسها من وليها ) وذكر الصفة في الحكم تعليل والتعليل بمنزلة النص فيخص به العموم كما يخص بالقياس
وقولك إنه ذكر الصمات في حق البكر فدل على أنه أراد به النطق في حق الثيب لا يصح بل هو الحجة عليك لأنه لما ذكر البكر صفة إذنها وأنه الصمات ولو كان المراد به في الثيب النطق لما احتاج إلى إعادة الصمات في قوله ( والبكر تستأمر ) وأما قوله إن هاهنا دليلا يوجب القطع غير صحيح وإنما هو قياس على سائر الولايات والقياس يترك بالنص
فقال الشيخ أبو المعالي لا يخلو إما أن تدعي أنه نص ودعواه لا تصح لأن النص ما لا يحتمل التأويل فإذا بطل أنه نص جاز التأويل بالدليل الذي ذكرت
وأما قولك إني أحمل الولي على الأب والجد بدليل التعليل الذي ذكره في الخبر فليس بصحيح لأن ذكر الصفة في الحكم إنما يكون تعليلا إذا كان مناسبا للحكم الذي علق عليه كالسرقة في إيجاب القطع والثيوبة غير مناسبة للحكم الذي علق عليها وهي أنها أحق بنفسها فلا يجوز أن تكون علة ولأن ما ذكرت ليس بقياس وإنما هو طريق آخر فجاز أن يترك له التعليل
"""
صفحة رقم 255 """
أجاب الشيخ الإمام أبو إسحاق فقال أما التأويل فلا يصح دعواه لأن التأويل صرف الكلام عن ظاهره إلى وجه يحتمله كقول الرجل رأيت حمارا وأراد به الرجل البليد فإن هذا مستعمل فصار صرف الكلام إليه فأما ما لا يستعمل اللفظ فيه فلا يصح تأويل اللفظ عليه كما لو قال رأيت بغلا ثم قال أردت به رجلا بليدا لم يقبل لأن البغل لا يستعمل في الرجال بحال فكذلك هاهنا قوله ( الأيم أحق بنفسها من وليها )
وقولك ليس بتعليل لأنه لا يناسب الحكم فلا يصح لأن ذكر الصفة في الحكم تعليل في كلام العرب ألا ترى أنه إذا قال اقطعوا السارق
كان معناه لسرقته وإذا قال جالس العلماء
معناه لعلمهم
وقولك إنه إنما يجوز فيما يصلح أن يكون تعليلا للحكم الذي علق عليه كالسرقة في إيجاب القطع
إلا أن التعليل للحكم الذي علق عليه طريقه الشرع ولا ينكر في الشرع أن تجعل الثيوبة علة لإسقاط الولاية كما لا ينكر أن تجعل السرقة علة لإيجاب القطع والزنا للحد
وقولك هذا الذي ذكرت ليس بقياس خطأ بل جعلت استقلالها بهذه الصفات معينا على الولاية ولا يصح بهذه الدعوى إلا بالإسناد إلى الولايات الثابتة في الشرع والولايات الثابتة في الشرع إنما زالت بهذه الصفات في الأصل فحملت ولاية النكاح عليها وذلك يحصل بالقياس ولو لم يكن هذا الأصل لما صح لك دعوى الاستقلال بهذه الصفات فإنه لا يسلم أن الولاية تثبت في حق المجنون والصغير بمقتضى العقل وإنما يثبت ذلك بالشرع والشرع ما ورد إلا في الأموال فكان حمل النكاح عليه قياسيا والقياس لا يعارض النص وقد ثبت أن الخبر نص لا يحتمل التأويل فلا يجوز تركه بالقياس ولأن هذا طريق تعارضه مسألة وذلك أنه إذا كانت الأصول موضوعة على ثبوت الولاية للحاجة وسقوطها بالاستقلال بهذه الصفات فالأصول موضوعة على أن
"""
صفحة رقم 256 """
النطق لا يعتبر إلا في موضع لا يثبت فيه الولاية وقد ثبت أن النطق قد سقط في حق البكر فوجب أن تثبت الولاية عليها
فقال الشيخ الإمام أبو المعالي رحمه الله النطق سقط أيضا
فقال الشيخ الإمام أبو إسحاق هذا تأكيد لأن سقوطه بالنص دليل على ما ذكرت
وهذا آخر ما جرى بينهما
والله أعلم
358
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني
أحد أئمة الدين كلاما وأصولا وفروعا
جمع أشتات العلوم
واتفقت الأئمة على تبجيله وتعظيمه وجمعه شرائط الإمامة
قال الحاكم انصرف من العراق بعد المقام بها وقد أقر له أهل العلم بالعراق وخراسان بالتقدم والفضل فاختار الوطن إلى أن خرج بعد الجهد إلى نيسابور وبنى له المدرسة التي لم يبن قبلها بنيسابور مثلها ودرس فيها وحدث
سمع بخراسان الشيخ أبا بكر الإسماعيلي
وبالعراق أبا بكر محمد بن عبد الله الشافعي ودعلج بن أحمد وأقرانهما
روى عنه أبو بكر البيهقي وأبو القاسم القشيري وأبو السنابل هبة الله بن أبي الصهباء ومحمد بن الحسن البالوي وجماعة
"""
صفحة رقم 257 """
قيل وكان يلقب ركن الدين
وله التصانيف الفائقة منها كتاب الجامع في أصول الدين والرد على الملحدين ومسائل الدور وتعليقة في أصول الفقه وغير ذلك
قال عبد الغافر كان أبو إسحاق طراز ناحية المشرق فضلا عن نيسابور ونواحيها ثم كان من المجتهدين في العبادة المبالغين في الورع انتخب عليه أبو عبد الله الحاكم عشرة أجزاء
وذكره في تاريخه لجلالته
قال وكان ثقة ثبتا في الحديث
وقال الحافظ ابن عساكر حكى لي من أثق به أن الصاحب بن عباد كان إذا انتهى إلى ذكر ابن الباقلاني وابن فورك والإسفرايني وكانوا متعاصرين من أصحاب أبي الحسن الأشعري قال لأصحابه ابن الباقلاني بحر مغرق وابن فورك صل مطرق
والإسفرايني نار تحرق
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي درس عليه شيخنا القاضي أبو الطيب وعنه أخذ الكلام والأصول عامة شيوخ نيسابور
وقال أبو صالح المؤذن سمعت أبا حازم العبدوي يقول كان الأستاذ يقول لي بعد ما رجع من أسفراين أشتهي أن يكون موتى بنيسابور حتى يصلي على جميع أهل
"""
صفحة رقم 258 """
نيسابور فتوفي بعد هذا الكلام بنحو من خمسة أشهر يوم عاشوراء سنة ثمان عشرة وأربعمائة
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز قراءة عليه وأنا أسمع قال أنبأنا الشيخان أبو بكر محمد ورقية ابنا إسماعيل الأنماطي حضورا وغيرهما قالوا حدثنا أبو بكر بن أبي سعد الصفار كتابة أنبأنا أبو منصور عبد الخالق بن زاهر الشحامي سماعا أنبأنا الشيخ أبو إبراهيم محمد بن الحسن بن محمد ابن أحمد بن محمد البالوي أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإسفرايني أنبأنا أبو محمد دعلج ابن أحمد السجزي ببغداد حدثنا علي بن عبد العزيز المكي حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن سعد بن إبراهيم عن ابن كعب بن مالك عن أبيه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع يميلها الرياح مرة هكذا ومرة هكذا ومثل المنافق كمثل الأرزة المجذية على الأرض حتى يكون انجعافها )
أخبرنا الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن هبة الله الدمشقي عن أبي بكر القاسم بن أبي سعد عبد الله بن عمر الصفار وأبي المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد عبد الكريم بن السمعاني قالا أنبأتنا عائشة ابنة أبي نصر أحمد بن منصور بن الصفار قراءة عليها ونحن نسمع قالت أنبأنا الشريف أبو السنابل هبة الله ابن أبي الصهباء محمد بن حيدر القرشي قراءة عليه وأنا أسمع حدثنا الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم المهرجاني الإسفرايني إملاء في مسجد عقيل
"""
صفحة رقم 259 """
بعد صلاة العصر يوم الخميس في المحرم سنة إحدى عشرة وأربعمائة وهو أول إملاء عقد له أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي حدثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة حدثنا أحمد بن طارق حدثنا مسلم بن خالد حدثنا زياد بن سعد عن محمد بن المنكدر عن صفوان بن سليم عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( بعثت على أثر ثمانية آلاف نبي منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل
ذكر نخب وفوائد عنه
تكلم الأستاذ الإسفرايني في كتاب الحلي في أصول الدين على قول الشافعي رضي الله عنه الإيمان لا يشركه الشرك والشرك يشركه الشرك بما حاصله أن الإيمان لو قارنه اعتقاد قدم العالم أو نحوه من الكفران ارتفع بجملته والكفر كالتثليث مثلا لو قارنه اعتقاد خروج الشيطان على الرحمن ومغالبته كما يقول المجوس لم يرتفع شركه بالنصرانية بل ازداد شركا بالمجوسية
وأطال في ذلك
قلت فيؤخذ منه أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وأن الكفر يزيد وينقص فتأمل ذلك
ومن المسائل الحديثية التي سألها الحافظ أبو سعد عبد الرحمن بن الحسن ابن عليك النيسابوري من الأستاذ أبي إسحاق إذا روى عن الشيخ الأحاديث الطوال وقال فيه وذكر الحديث بطوله ثم أحب هذا أن يروي الحديث بطوله ولا يختصر هل له ذلك أجاب الأستاذ أن ذلك لا يجوز
قلت وهذا الذي أراه وقد قدمته في الطبقة الثانية في ترجمة داود الظاهري وذكرت ما فيه عن أبي بكر الإسماعيلي وأبي علي الزجاجي
"""
صفحة رقم 260 """
وفيها أنه لا يرجح الذكورة عن الأنوثة في الرواية بل هما سواء
وأنه إذا سقط من الأسناد رجل يعلم أنه غلط من الكاتب لم يجز أن يثبت اسم ذلك الرجل وقال الأستاذ ومن فعله سقط في جميع أحاديثه
وأنه إذا قلب الأسناد والمتن على حاله فجعل بدل شعبة سعيدا وما أشبهه يريد أن يجعل الحديث مرغوبا فيه غريبا يصير دجالا كذابا تسقط به جميع أحاديثه وإن رواها على وجهها
نقل الرافعي عن الأستاذ أبي إسحاق أن الأم تعتق إذا أعتق حملها مالكها كما يعتق هو بعتقها وهذا مشكل فإنه لا تتخيل فيه السراية فإن السراية في الأشقاص لا في الأشخاص والحمل إنما يتبع الأم إذا أعتقها مالكها لأن الحمل تابع للأم لا للسراية لما ذكرناه وكيف تتبع الأم الحمل والتابع كيف ينقلب متبوعا
"""
صفحة رقم 261 """
مناظرة بين الأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني والقاضي عبد الجبار المعتزلي
قال عبد الجبار في ابتداء جلوسه للمناظرة سبحان من تنزه عن الفحشاء
فقال الأستاذ مجيبا سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء
"""
صفحة رقم 262 """
فقال عبد الجبار أفيشاء ربنا أن يعصى
فقال الأستاذ أيعصى ربنا قهرا
فقال عبد الجبار أفرأيت إن منعني الهدى وقضى علي بالردى أحسن إلي أم أسا فقال الأستاذ إن كان منعك ما هو لك فقد أسا وإن منعك ما هو له فيختص برحمته من يشا
فانقطع عبد الجبار
359
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن يوسف أبو إسحاق الطوسي
الفقيه النظار أحد كبراء الأصحاب ومناظريهم ومن له الثروة الزائدة والجاه الوافر
تفقه على الأستاذ أبي الوليد الفقيه
وروى عنه وعن أبي العباس الأصم وغيرهما
"""
صفحة رقم 263 """
روى عنه البيهقي وغيره
وقع لنا حديثه في الأربعين الصغرى للبيهقي
360
إبراهيم بن محمد بن موسى بن هارون بن الفضل بن هارون أبو إسحاق المطهري السروي
بالسين المهملة والراء المفتوحتين نسبة إلى سارية بلدة من بلاد مازندران وربما نسب إليها الساري
والمطهري نسبة إلى مطهر قرية من قرى سارية وهي بفتح الهاء اسم لمفعول طهر
له تصانيف كثيرة في المذهب والخلاف والأصول والفرائض
تفقه ببلده على أبي محمد بن أبي يحيى
وببغداد على أبي حامد الإسفرايني
وقرأ الفرائض على ابن اللبان
وولي قضاء سارية والتدريس والفتوى
وسمع المخلص وأبا العباس النسوي وأبا نصر بن الإمام أبي بكر الإسماعيلي
وأملى الحديث
وتوفي عن مائة في صفر سنة ثمان وخمسين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 264 """
361
إبراهيم بن المظفر الشهرستاني أبو إسحاق الفقيه درس الفقه على أبي القاسم البوشنجي
قال عبد الغافر وكان آخر العهد به سنة إحدى وثمانين وأربعمائة
362
إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الحافظ أبو يعقوب القراب السرخسي ثم الهروي
الإمام الجليل محدث هراة صاحب المصنفات الكثيرة
ولد سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة
وطلب الحديث فأكثر
قال أبو النصر الفامي حتى إن عدد شيوخه زاد على ألف ومائتي نفس
وله تاريخ السنين الذي صنفه في وفيات أهل العلم من زمان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى سنة وفاته سنة تسع وعشرين
ومن تصانيفه أيضا كتاب نسيم المهج وكتاب الأنس والسلوة
وكتاب شمائل العباد
قال وكان زاهدا مقلا من الدنيا
"""
صفحة رقم 265 """
قلت ومن مشايخه العباس بن الفضل النضروي وأبو الفضل محمد بن عبد الله اليساري وعبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي وزاهر بن أحمد الفقيه وأحمد بن عبد الله النعيمي والخليل بن أحمد القاضي
وكتب عمن هو أصغر منه
وحدث عن الحافظ أبي علي الوخشي وهو من أصحابه
روى عنه أبو إسماعيل الأنصاري وأبو الفضل أحمد بن أبي عاصم الصيدلاني والحسين بن محمد بن مت وغيرهم
توفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة
363
إسماعيل بن أحمد بن عبد الله أبو عبد الرحمن الضرير الحيري النيسابوري
صاحب الكفاية في التفسير وغيرها
ولد سنة إحدى وستين وثلاثمائة
وقرأ الخطيب عليه صحيح البخاري كاملا في ثلاثة مجالس
"""
صفحة رقم 266 """
حدث عن زاهر السرخسي وغيره
مات بعد سنة ثلاثين وأربعمائة
364
إسماعيل بن أحمد النوكاني الطريثيثي من تلامذة الشيخ أبي محمد الجويني
وقفت بخطه على شرح عيون المسائل للفارسي علقه عن الشيخ أبي محمد بنيسابور في مجلدة واحدة . . .
365
إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن القراب أبو محمد
الفقيه المقرىء السرخسي ثم الهروي أخو الحافظ إسحاق
هذا مصنف كتاب مناقب الشافعي الذي رتبه على مائة وستة عشر بابا أولها في نسب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الذي يرجع إليه نسب الشافعي وآخرها أربعون بابا جمع فيها أربعين حديثا من أحاديث الأحكام من رواية الشافعي بسنده إليه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو كتاب حافل رأيت منه نسخة في مجلدين في خزانة كتب دار الحديث الأشرفية بدمشق
"""
صفحة رقم 267 """
وله مصنفات في علوم أخر كتاب درجات التائبين وكتاب الشافي في القراءات وكتاب الكافي وكتاب الجمع بين الصحيحين
وكان إماما في عدة علوم زاهدا ورعا
تفقه على الداركي
وسمع الحديث من أبي بكر الإسماعلي بجرجان
ومنصور بن العباس بهراة
وأحمد بن محمد بن مقسم ببغداد
ومن محمد بن عبد الله الساري وأبي عمرو بن حمدان وعلي بن عيسى العاصمي وأبي أحمد الغطريفي ومخلد بن جعفر الباقرحي وبشر بن أحمد الإسفرايني ومحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن زيد الصفار وعلي بن الحسن بن علي الجراحي ومحمد بن عبد الله أبي عبد الله بن الحاكم وغيرهم
وروى عنه الأنصاري صاحب كتاب ذم الكلام وأبو عطاء عبد الأعلى بن عبد الواحد بن أحمد المليحي وغيرهما
وكان إماما مبرزا في عدة علوم زاهدا ورعا
ذكره أبو نصر الفامي ويوسف بن أحمد الشيرازي الحافظان
وقالا كان في عدة علوم إماما منها الحديث والقراءات ومعاني القرآن والفقه والأدب وله تصانيف كلها حسنة
"""
صفحة رقم 268 """
قالا وكان في الزهد والتقلل من الدنيا آية
قالا ولم يجد سوق فضله بهراة نفاقا لأن الاسم كان لغيره
قال ابن الصلاح وقد رأيت بنيسابور كتابه الكافي في القراءات وهو كتاب يشتمل على علم كثير في مجلدات عدة
وفي كتابه المناقب يقول لقيت جماعة من أصحاب أبي العباس يعني ابن سريج فمنهم من سمع الحديث منه ومنهم من تفقه عليه ومنهم من حكى لي عنه حكايات
قال ابن الصلاح ووجدت عن الحاكم أبي عبد الله أنه ذكره فقال كان من صالحي أهل العلم والمقدمين في معرفة القراءات
طلب العلم بخراسان والعراق
وكان من أجل بيت لأهل الحديث بهراة
انتهى
قلت وقد تأخرت وفاته عن الحاكم فإنه مات في شعبان سنة أربع عشرة وأربعمائة ومات الحاكم سنة خمس وأربعمائة
وقد حدث هو أيضا في كتابه المناقب عن الحاكم وأكثر فيه النقل عنه
وقد نقلت من كتاب المناقب هذا فوائد استعذبتها فمنها قال سمعت أبا القاسم عبد العزيز بن عبد الله الداركي يقول ببغداد في درسه
"""
صفحة رقم 269 """
حكي له أنه صلى على أحمد بن حنبل ستمائة ألف رجل وستون ألف امرأة
"""
صفحة رقم 270 """
وذكر ذلك في الباب الرابع والثلاثين من الجزء الثاني من المناقب
والجزء الثاني مشتمل على ثلاثة وسبعين بابا فإنه جزأ كتابه جزئين أولها أربعة وأربعون بابا أولها في النسب الزكي وآخرها في ألفاظ رويت عن الشافعي في فضل العلم والعلماء وذلك سنة ثلاث وستين أولها في تبحر الشافعي في اللغة والعربية وآخرها حديث من روايته في الوعظ والتذكير هو آخر الأربعين التي هي آخر الكتاب
366
إسماعيل بن زاهر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي أبو القاسم النوقاني ثم النيسابوري
تلميذ أبي بكر الطوسي
"""
صفحة رقم 271 """
قال فيه عبد الغافر الفقيه الإمام فاضل جليل نبيه ثقة أمين من أركان فقهاء أصحاب الشافعي
درس الفقه على أبي بكر الطوسي قديما
قال وسافر إلى العراق وحج مع الشيخ أبي محمد الجويني وزين الإسلام يعني القشيري أبا القاسم والبيهقي
وقال ابن السمعاني كان شيخا فقيها حسن السيرة صالحا دينا كثير السماع والرواية ثقة صدوقا
سمع أبا الطيب سهل بن محمد الصعلوكي والقاضي أبا عمر البسطامي والشيخ أبا عبد الرحمن السلمي وأبا بكر الحيري وخلائق
وذكر عبد الغافر أن مولده سنة سبع وتسعين وثلاثمائة وذكر غيره أنه ولد سنة خمس وتسعين
قال ابن السمعاني والأول أشبه
قال وسمعت أبا الحسن علي بن جعفر الكاتب يقول يقال إنه توفي سنة تسع وسبعين وأربعمائة
367
إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن عامر بن عابد شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني
الفقيه المحدث المفسر الخطيب الواعظ المشهور الاسم الملقب بشيخ الإسلام لقبه أهل السنة في بلاد خراسان فلا يعنون عند إطلاقهم هذه اللفظة غيره
"""
صفحة رقم 272 """
وأما المجسمة بمدينة هراة فلما ثارت نفوسهم من هذا اللقب عمدوا إلى أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري صاحب كتاب ذم الكلام فلقبوه بشيخ الإسلام وكان الأنصاري المشار إليه رجلا كثير العبادة محدثا إلا أنه يتظاهر بالتجسيم والتشبيه وينال من أهل السنة وقد بالغ في كتابه ذم الكلام حتى ذكر أن ذبائح الأشعرية لا تحل وكنت أرى الشيخ الإمام يضرب على مواضع من كتاب ذم الكلام وينهى عن النظر فيه
وللأنصاري أيضا كتاب الأربعين سمتها أهل البدعة الأربعون في السنة يقول فيها باب إثبات القدم لله باب إثبات كذا وكذا
وبالجملة كان لا يستحق هذا اللقب وإنما لقب به تعصبا وتشبيها له بأبي عثمان وليس هو هناك
وكان أهل هراة في عصره فئتين فئة تعتقده وتبالغ فيه لما عنده من التقشف والتعبد وفئة تكفره لما يظهره من التشبيه
ومن مصنفاته التي فوقت نحوه سهام أهل الإسلام كتاب ذم الكلام وكتاب الفاروق في الصفات وكتاب الأربعين وهذه الكتب الثلاثة أبان فيها عن اعتقاد التشبيه وأفصح
وله قصيدة في الإعتقاد تنبىء عن العظائم في هذا المعنى وله أيضا كتاب منازل السائرين في التصوف
وكان الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية مع ميله إليه يضع من هذا الكتاب أعني منازل السائرين
قال شيخنا الذهبي وكان يرمي أبا إسماعيل بالعظائم بسبب هذا الكتاب ويقول إنه مشتمل على الاتحاد
"""
صفحة رقم 273 """
قلت والأشاعرة يرمونه بالتشبيه ويقولون إنه كان يلعن شيخ السنة أبا الحسن الأشعري وأنا لا أعتقد فيه أنه يعتقد الاتحاد وإنما أعتقد أنه يعتقد التشبيه وأنه ينال من الأشاعرة وأن ذلك بجهله بعلم الكلام وبعقيدة الأشعرية فقد رأيت أقواما أتوا من ذلك
وكان شديد التعصب للفرق الحنبلية بحيث كان ينشد على المنبر على ما حكى عنه تلميذه محمد بن طاهر
أنا حنبلي ما حييت وإن أمت
فوصيتي للناس أن يتحنبلوا
وترك الرواية عن شيخه القاضي أبي بكر الحيري لكونه أشعريا وكل هذا تعصب زائد برأنا الله من الأهواء
وذكر أبي إسماعيل خارج عن غرض هذا الكتاب فإنما أردنا أن ننبه على الفرق بينه وبين شيخ الإسلام على الحقيقة أبي عثمان نترجمه الآن فلنعد إلى ترجمته فنقول ذكره عبد الغافر في السياق فقال هو الأستاذ الإمام شيخ الإسلام أبو عثمان الخطيب المفسر المحدث الواعظ أوحد وقته في طريقته وعظ المسلمين في مجالس التذكير سبعين سنة وخطب وصلى في الجامع يعني بنيسابور نحوا من عشرين سنة
ثم قال ورزق العز والجاه في الدين والدنيا وكان جمالا للبلد زينا للمحافل والمجالس مقبولا عند الموافق والمخالف مجمعا على أنه عديم النظير وسيف السنة ودافع البدعة
"""
صفحة رقم 274 """
وهو النسيب المعم المخول المدلي من جهة الأمومة إلى الحنفية والفضلية والشيبانية والقرشية والتميمية والمزنية والضبية من الشعب النازلة إلى الشيخ أبي سعد يحيى بن منصور بن حسنويه السلمي الزاهد الأكبر على ما هو مشهور من أنسابهم عند جماعة من العارفين بالأنساب لأنه أبو عثمان إسماعيل بن زين البيت ابنة الشيخ أبي سعد الزاهد بن أحمد بن مريم بنت أبي سعد الأكبر الزاهد
وأما من جهة الأب فهو الأصل الذي لا يحتاج نسبه إلى زيادة فقال وكان أبوه أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور ففتك به لأجل التعصب والمذهب وقلد الأمة صبيا بعد حول سبع سنين فاستدعى أن يذكر صبيا دعي للختم على رأس قبر أبيه كل يوم وأقعد بمجلس الوعظ مقام أبيه وحضر أئمة الوقت مجالسه
وأخذ الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي في تربيته وتهيئة أسبابه وترتيب حشمته ونوبه وكان يحضر مجالسه ويثني عليه مع تكبره في نفسه وكذلك سائر الأئمة كالأستاذ الإمام أبي إسحاق الإسفرايني والأستاذ أبي بكر بن فورك وسائر الأئمة كانوا يحضرون مجلس تذكيره ويتعجبون من كمال ذكائه وعقله وحسن إيراده الكلام عربيه وفارسيه وحفظه الأحاديث حتى كبر وبلغ مبلغ الرجال وقام مقام أسلافه في جميع ما كان إليهم من النوب
ولم يزل يرتفع شأنه حتى صار إلى ما صار إليه من الحشمة التامة والجاه العريض وهو في جميع أوقاته مشتغل بكثرة العبادات ووظائف الطاعات بالغ في العفاف والسداد وصيانة النفس معروف بحسن الصلاة وطول القنوت واستشعار الهيبة حتى كان يضرب به المثل في ذلك
وكان محترما للحديث ولثبت الكتب
"""
صفحة رقم 275 """
قرأت من خط الفقيه أبي سعيد السكري أنه حكى عن بعض من يوثق بقوله من الصالحين أن شيخ الإسلام قال ما رويت خبرا ولا أثرا في المجلس إلا وعندي إسناده وما دخلت بيت الكتب قط إلا على طهارة وما رويت الحديث ولا عقدت المجلس ولا قعدت للتدريس قط إلا على الطهارة
وقال منذ صح عندي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في ركعتي صلاة العشاء ليلة الجمعة ما تركت قراءتهما فيهما
قال وقد كنت في بعض الأسفار المخوفة وكان أصحابي يفرقون من اللصوص وقطاع الطريق وينكرون على في التطويل بقراءة السورتين وغير ذلك فلم أمتنع عن ذلك ولم أنقص شيئا مما كنت أواظب عليه في الحضر فتولانا الله بحفظه ولم تلحقنا آفة
وقرأت من خط السكري أيضا قال قرأت في كتاب كتبه الإمام سهل الصعلوكي إلى زاهر بن أحمد الإمام بسرخس حين قصد الأستاذ الإمام إسماعيل أن يرحل إليه لسماع الحديث في صباه بعد ما قتل أبوه شهيدا وفي الكتاب بعد الخطاب وإذا عدت الأحداث التي كانت في هذه السنين الخالية قطارا أرسالا ومتصلة اتصالا ومتوالية حالا فحالا كان أعظمها نكاية في الدين وجناية عليه ما جرى من الفتك بأبي نصر الصابوني رحمه الله نهارا والمكر الذي مكر به كبارا كما إذا عدت غرائب الوقت وعجائبه في الحسن كان بولده الولد الفقيه أبي عثمان إسماعيل أدام الله بقاه وسلامته الابتداء وبذكره الافتتاح فإنه بلغ ولم يبلغ بالسن ما تقصر عنه الأمنية والاقتراح من التدبر والتعلم والوجاهة والتقدم على التحفظ
"""
صفحة رقم 276 """
والتورع والتيقظ وقد كان في نفسه لذكائه وكيسه وفطنته وهدايته وعقله الرحلة إلى الشيخ فذكر فصلا فيه ثم قال ولا نشك أنه يصادف منه في الإكرام والتقديم والتعظيم ما يليق بصفاته وإنجابه ودرجاته وأنا شريك في الامتنان لذلك كله وراغب في تعجيل إصداره إلى موضعه ومكانه في عمارة العلم بقعوده للتذكير والتبصير وما يحصل به من النفع الكثير فإن الرجوع لغيبته شديد والاقتضاء بالعموم لعوده أكيد والسلام
وذكر عن الشيخ أحمد البيهقي أنه قال عهدي بالحاكم الإمام أبي عبد الله مع تقدمه في السن والحفظ والإتقان أنه يقوم للأستاذ عند دخوله إليه ويخاطبه بالأستاذ الأوحد وينشر علمه وفضله ويعيد كلامه في وعظه متعجبا من حسنه معتدا بكونه من أصحابه
قال السكري ورأيت كتاب الأستاذ الإمام أبي إسحاق الإسفرايني الذي كتبه بخطه وخاطبه بالأستاذ الجليل سيف السنة وفي كتاب آخر غيظ أهل الزيغ
وحكى الأستاذ أبو القاسم الصيرفي المتكلم أن الإمام أبا بكر بن فورك كان رجع عن مجلسه يوما فقال تعجبت اليوم من كلام هذا الشاب تكلم بكلام مهذب عذب بالعربية والفارسية
وحكى عن الشيخ الإمام سهل أيضا أنه كان يقول له بالفارسية أبي سرايخ براتيش است بيش است
قرأت بخط السكري أن الأستاذ أبا عثمان كان يتكلم بين يدي الإمام سهل
"""
صفحة رقم 277 """
الصعلوكي وكان ينحرف بوجهه عن جانبه فصاح به الإمام سهل استقبلني واترك الانحراف عني
فقال إني أستحيي أن أتكلم في حر وجهك
فقال الإمام سهل انظروا إلى عقله
ولقد أكثر الأئمة الثناء عليه ولذلك مدحه الشعراء في صباه إلى وقت شبابه ومشيبه بما يطول ذكره فمن ذلك ما قال فيه بعض من ذكر من أئمة الأصحاب
بينا المهذب إسماعيل أرجحهم
علما وحلما ولم يبلغ مدى الحلم
وكتب أبو المظفر الجمحي إليه بعد أن سمع خطبته بهذه الأبيات
أستدفع الله عنه آفة العين
وكم قرأت عليه آية العين
العلم يفخر والآداب فاخرة
منيرة يهتدي فيها ذوو الشين
لو عاد سحبان حيا قال من عجب
عين الإله على عين الفريقين
قد كان ديني على إتمام رؤيته
لما رأيت محياه قضي ديني
قل للذي زانه علم ومعرفة
كم للعلوم بإسماعيل من زين
وقال فيه البارع الزوزني
ماذا اختلاف الناس في متفنن
لم يبصروا للقدح فيه سبيلا
والله ما رقي المنابر خاطب
أو واعظ كالحبر إسماعيلا
ولقد عاش عيشا حميدا بعد ما قتل أبوه شهيدا إلى آخر عمره فكان من قضاء الله تعالى أنه كان يعقد المجلس فيما حكاه الأثبات والثقات يوم الجمعة في جانب
"""
صفحة رقم 278 """
الحسين على العادة المألوفة منذ نيف وستين سنة ويعظ الناس فبالغ فيه ودفع إليه كتاب ورد من بخارى مشتمل على ذكر وباء عظيم وقع بها واستدعي فيه أغنياء المسلمين بالدعاء على رءوس الأملاء في كشف ذلك البلاء عنهم ووصف فيه أن واحدا تقدم إلى خباز يشتري الخبز فدفع الدراهم إلى صاحب الحانوت فكان يزنها والخباز يخبز والمشتري واقف فمات الثلاثة في الحال فاشتد الأمر على عامة الناس
فلما قرأ الكتاب هاله ذلك واستقرأ من القارىء قوله تعالى ) أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض ( ونظائرها وبالغ في التخويف والتحذير وأثر فيه ذلك وتغير في الحال وغلبه وجع البطن من ساعته وأنزل من المنبر فكان يصيح من الوجع وحمل إلى الحمام إلى قريب من غروب الشمس فكان يتقلب ظهرا لبطن ويصيح ويئن فلم يسكن ما به فحمل إلى بيته وبقي فيه ستة أيام لم ينفعه علاج
فلما كان يوم الخميس سابع مرضه ظهرت آثار سكر الموت عليه وودع أولاده وأوصاهم بالخير ونهاهم عن لطم الخدود وشق الجيوب والنياحة ورفع الصوت بالبكاء
ثم دعا بالمقرىء أبي عبد الله خاصته حتى قرأ سورة يس وتغير حاله وطاب وقته وكان يعالج سكرات الموت إلى أن قرأ إسنادا فيه ما روي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) ثم توفي من ساعته عصر يوم الخميس وحملت جنازته من الغد عصر يوم الجمعة إلى ميدان الحسين الرابع من المحرم سنة تسع وأربعين وأربعمائة واجتمع من الخلائق ما الله أعلم بعددهم وصلى عليه ابنه أبو بكر ثم أخوه أبو يعلى ثم نقل إلى مشهد أبيه في سكة حرب ودفن بين يدي أبيه
"""
صفحة رقم 279 """
وكان مولده سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وكان وفاته طاعنا في سنة سبع وسبعين من سنته
وسمعت الإمام خالي أبا سعيد يذكر مجلسه في موسم من ذلك العام على ملأ عظيم من الخلق وأنه يصيح بصوت عال مرارا ويقول لنفسه يا إسماعيل هفتا دوهفت هفتا دو هفت بالفارسية فلم يأت عليه إلا أيام قلائل ثم توفي لأنه كان يذكر المشايخ الذين ماتوا في هذه السن من أعمارهم
ثم قرأت في المنامات التي رؤيت له في حياته وبعد مماته أجزاء لو حكيتها لطال النفس فيها فأقتصر على شيء من ذلك ومن جملته ما حكاه الفقيه أبو المحاسن بن الشيخ أبي الحسن القطان في عزاء شيخ الإسلام أنه رأى في النوم كأنه في خان الحسن وشيخ الإسلام على المنبر مستقبل القبلة يذكر الناس إذ نعس نعسة ثم انتبه وقال نعست نعسة فلقيت ربي ورحمني ورحم أهلي ورحم من شيعني
وحكى الثقات عن المقرىء أبي عبد الله المخصوص به أنه رأى قبيل مرض شيخ الإسلام كأن منبره خال عنه وقد أحدق الناس بالمقرىء ينتظرون قراءته فجاء على لسانه ) وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ( الآية
قال فانتبهت ولم أر أحدا فما مضت إلا أيام قلائل حتى بدأ مرضه وتوفي منه
وحكى بعض الصالحين أنه رأى أبا بكر بن أبي نصر المفسر الحنفي جالسا على كرسي وبيده جزء يقرؤه فسأله عما فيه فقال إذا احتاج الملائكة إلى الحج وزيارة بيت الله العتيق جاءوا إلى زيارة قبر إسماعيل الصابوني
"""
صفحة رقم 280 """
وقرأت من خط الفقيه أبي سعد السكري أنه حكى عن السيد أبي إبراهيم بن أبي الحسن بن ظفر الحسيني أنه قال رأيت في النوم السيد النقيب زيد بن أبي الحسن بن الحسين بن محمد بن الحسين وبين يديه طبق عليه من الجواهر ما شاء الله فسألته فقال أتحفت بهذا مما نثر على روح إسماعيل الصابوني
وحكى المقرىء محمد بن عبد الحميد الأبيوردي الرجل الصالح عن الإمام فخر الإسلام أبي المعالي الجويني أنه رأى في المنام كأنه قيل له عد عقائد أهل الحق
قال فكنت أذكرها إذ سمعت نداء كان مفهومي منه أنى أسمعه من الحق تبارك وتعالى يقول ألم نقل إن ابن الصابوني رجل مسلم
وقرأت أيضا من خط السكري حكاية رؤيا رآها الشيخ أبو العباس الشقاني واستدعى منه شيخ الإسلام أن يكتبها فكتب يقول أحمد بن محمد الحسنوي لولا امتناع خروجي عن طاعة الأستاذ الإمام شيخ الإسلام لوجوبها علي لم أكن لأحكي شيئا من هذه الرؤيا هيبة لها لما فيها مما لا أستجيز ذكرها فرقا منها ثم ذكر زيارته لتربة الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة يوما وأنه طاب وقته عندها فرجع إلى بيته ونام وقت الهاجرة فرأى الحق تبارك وتعالى في منامه ذكر الإمام بما قال ولم يحك ذلك ثم عقب ذلك بحديث الأستاذ الإمام وذكر أشياء نسيت بعضها والذي أذكر منها أنه قال وأما ابن ذلك المظلوم فإن له عندنا قرى ونعمى وزلفى
إلى آخر ما كان منه
"""
صفحة رقم 281 """
ثم قال أبو العباس كتبته وحق الحق لحرمته وطاعة لأمره
وقرأت من خط قديم معروف أنه حكي عن يهودي أنه قال اغتممت لوفاة أبي نصر الصابوني وقتله فاستغفرت له ونمت فرأيته في المنام وعليه ثياب خضر ما رأيت مثلها قط وهو جالس على كرسي بين يديه جماعة كثيرة من الملائكة وعليهم ثياب خضر فقلت يا أستاذ أليس قد قتلوك قال فعلوا بي ما رأيت
فقلت ما فعل بك ربك
قال يا أبا حوايمرد كلمة بالفارسية لمثلي يقال هذا غفر لي وغفر لمن صلى علي كبيرهم وصغيرهم ومن يكون على طريقي
قلت أما أنا فلم أصل عليك
قال لأنك لم تكن على طريقي
فقلت إيش أفعل لأكون على طريقك فقال قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
فقلت ذلك ثم قلت أنا مولاك
قال لا أنت مولى الله
قال فانتبهت فجاء من عنده إلى قبره وذكر ما رأى في المنام وقال أنا مولاه وأسلم عند قبره ولم يأخذ شيئا من أحد وقال إني غني أسلمت لوجه الله لا لوجه المال
وحكى أبو سهل بن هارون قال قال أبو بكر الصيدلاني وكان من الصالحين كنت حاضرا قبره حين جاء اليهودي فأسلم
"""
صفحة رقم 282 """
وقرأت من مضمون كتاب كتبه الإمام زين الإسلام من طوس في تعزية شيخ الإسلام أبي عثمان فصولا كتبت منها هذه الكلمات اختصارا يا ليلة فترة الشريعة ليتك ترى الإصباح ويا محنة أهل السنة أنخت بكلكلك لعله لا براح ويا معراج السماء ليت شعري كيف حالك وقد خلوت من صواعد دعوات مجلس شيخ الإسلام ويا ضلة الإسلام لولا أنك محكوم لك بالدوام لقلنا فنيت عن كل النظام ويا أصحاب المحابر حطوا رحالكم فقد استتر بخلال التراب من كان عليه إلمامكم ويا أرباب المنابر أعظم الله أجوركم
فلقد مضى سيدكم وإمامكم
وقالوا الإمام قضى نحبه
وصيحة من قد نعاه علت
فقلت فما واحد قد مضى
ولكنه أمة قد خلت
وفيه في فصل آخر أليس لم يجسر مفتر أن يكذب على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في وقته أليست السنة كانت بمكانة منصورة والبدعة لفرط حشمته مقهورة أليس كان داعيا إلى الله هاديا عباد الله شابا لا صبوة له ثم كهلا لا كبوة له ثم شيخا لا هفوة له أليس دموع ألوف من المسلمين كل مجلس بذكره كانت تتبرج وقلوبهم بتأثير وعظة كانت تتوهج ترى أن الملائكة لم يؤمروا باستقباله والأنبياء والصديقين لم يستبشروا بقدومه عليهم وإقباله
قلت ولما انقلب إلى رحمة الله كثرت فيه المرائي والأشعار وكانت حاله كما قيل
لقد حسنت فيك المراثي وذكرها
كما حسنت من قبل فيك المدائح
ومن أحسن ما قيل فيه ما كتبته بهراة في مرثيته للإمام جمال الإسلام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداوودي البوشنجي حيث يقول
أودى الإمام الحبر إسماعيل
لهفي عليه فليس منه بديل
"""
صفحة رقم 283 """
بكت السما والأرض يوم وفاته
وبكى عليه الوحي والتنزيل
والشمس والقمر المنير تناوحا
حزنا عليه وللنجوم عويل
والأرض خاشعة تبكي شجوها
ويلي تولول أين إسماعيل
أين الإمام الفرد في آدابه
ما إن له في العالمين عديل
لا تخدعنك مني الحياة فإنها
تلهي وتنسي والمنى تضليل
وتأهبن للموت قبل نزوله
فالموت حتم والبقاء قليل
هذا كلام عبد الغافر وقد اشتمل من ترجمة شيخ الإسلام على ما فيه مقنع وبلاغ
ذكره أبو سعد السمعاني أيضا وأطنب في وصفه وقال زرت قبره ما لا أحصيه كثرة ورأيت أثر الإجابة لكل دعاء دعوته ثم
وذكره الإمام الرافعي في كتاب الأمالي
وقال نشر العلم إملاء وتصنيفا وتذكيرا واستفاد منه الناس على اختلاف طبقاتهم
قلت وبالجملة كان مجمعا على دينه وسيادته وعلمه لا يختلف عليه أحد من الفرق
وقد حدث عنه البيهقي وهو من أقرانه وقال فيه إنه إمام المسلمين حقا وشيخ الإسلام صدقا وأهل عصره كلهم مذعنون لعلو شأنه في الدين والسيادة وحسن الإعتقاد وكثرة العلم ولزوم طريقة السلف
وقال أبو عبد الله المالكي أبو عثمان الصابوني ممن شهدت له أعيان الرجال بالكمال في الحفظ والتفسير وغيرهما حدث عن زاهر بن أحمد
"""
صفحة رقم 284 """
السرخسي وأبي سعيد عبد الله بن محمد الرازي والحسن بن أحمد المخلدي وأبي بكر ابن مهران المقرىء وأبي طاهر بن خزيمة وأبي الحسين الخفاف وعبد الرحمن بن أبي شريخ والحاكم أبي عبد الله الحافظ وأبي بكر محمد بن عبد الله الجوزقي وغيرهم
قال ابن السمعاني وسمع منه عالم لا يحصون
قلت منهم عبد العزيز الكتاني وعلي بن الحسن بن صصرى وأبو القاسم المصيصي ونصر الله الخشنامي وأبو بكر البيهقي وخلق آخرهم أبو عبد الله الفراوي
وتقدم في كلام عبد الغافر أنه توفي لأربع ليال مضين من المحرم سنة تسع وأربعين وأربعمائة
ولو لم يكن في ترجمة هذا الرجل إلا ما حكيناه من قول البيهقي فيه إنه إمام المسلمين حقا وشيخ الإسلام صدقا لكفى في الدلالة على علو شأنه فما ظنك بما تقدم من كلام أئمة عصره
وبه قال زين الإسلام وكتبه من طوس
وزين الإسلام المشار إليه ليس هو فيما أظن بالغزالي فإن الغزالي لم يكن ولد هذا الزمان ويبعد أن يكون كتب كتابا للتعزية فيه
"""
صفحة رقم 285 """
مع وفاته قبل ميلاده ولعله أبو القاسم القشيري كان بنيسابور فإنه كان وقت وفاة أبي عثمان كان بطوس وليس ببعيد
والله أعلم
ومن الفوائد عنه
قال عبد الغافر الفارسي من فضائله نظم الشعر على ما يليق بالعلماء ومن غير مبالغة في تعمق يلحقه بالمنهي وقد أنشد له الثعالبي في تتمة اليتيمة
إذا لم أصب أموالكم ونوالكم
ولم أنل المعروف منكم ولا البرا
(
وكنتم عبيدا للذي أنا عبده فمن أجل ماذا أتعب البدن الحرا
وهذه وصيته وقد وجدت بها بدمشق عند دخوله إليها حاجا
هذا ما أوصى به إسماعيل بن عبد الرحمن بن إسماعيل أبو عثمان الصابوني الواعظ غير المتعظ الموقظ غير المتيقظ الآمر غير المؤتمر الزاجر غير المنزجر المتعلم المعترف المنذر المخوف المخلط المفرط المسرف المقترف للسيئات المغترف الواثق مع ذلك برحمة ربه الراجي لمغفرته المحب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وشيعته الداعي الناس إلى التمسك بسنته وشريعته ( صلى الله عليه وسلم )
أوصى وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يشرك في حكمه أحدا الأول الآخر الظاهر الباطن الحي القيوم الباقي بعد فناء خلقه المطلع على عباده العالم بخفيات الغيوب الخبير بضمائر القلوب المبدىء المعيد الغفور الودود ذو العرش المجيد الفعال لما يريد ) ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ( هو مولانا فنعم
"""
صفحة رقم 286 """
المولى ونعم النصير يشهد بذلك كله مع الشاهدين مقرا بلسانه عن صحة اعتقاد وصدق يقين ويتحملها عن المنكرين الجاحدين ويعدها ليوم الدين ) يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ( ) يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم (
ويشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
ويشهد أن الجنة حق وجملة ما أعد الله تبارك وتعالى فيها لأوليائه حق
ويسأل مولاه الكريم جل جلاله أن يجعلها مأواه ومثواه فضلا منه وكرما
ويشهد أن النار وما أعد الله فيها لأعدائه حق ويسأل الله مولاه أن يجيره منها ويزحزحه عنها ويجعله من الفائزين قال الله عز وجل ) فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (
ويشهد أن صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمر وهو من المسلمين والحمد لله رب العالمين
وأنه رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما على ذلك يحيي وعليه يموت إن شاء الله عز وجل
ويشهد أن الملائكة حق وأن النبيين حق وأن الساعة لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور
ويشهد أن الله سبحانه وتعالى قدر الخير وأمر به ورضيه وأحبه وأراد كونه من فاعله ووعد حسن الثواب على فعله وقدر الشر وزجر عنه ولم يرضه ولم يحبه
"""
صفحة رقم 287 """
وأراد كونه من مرتكبه غير راض به ولا محب له تعالى ربنا عما يقول الظالمون علوا كبيرا وتقدس أن يأمر بالمعصية أو يحبها ويرضاها وجل أن يقدر العبد على فعل شيء لم يقدره عليه أو يحدث من العبد ما لا يريده ولا يشاؤه
ويشهد أن القرآن كتاب الله وكلامه ووحيه وتنزيله غير مخلوق وهو الذي في المصاحف مكتوب وبالألسنة مقروء وفي الصدور محفوظ وبالآذان مسموع
قال الله تعالى ) وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ( وقال ) بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ( وقال ) إن الذين يتلون كتاب الله ( وقال ) إن هو إلا ذكر وقرآن مبين (
ويشهد أن الإيمان تصديق بالقلب بما أمر الله أن يصدق به وإقرار باللسان بما أمر الله أن يقر به وعمل بالجوارح بما أمر الله أن يعمل به وانزجار عما زجر عنه من كسب قلب وقول لسان وعمل جوارح وأركان
ويشهد أن الله سبحانه وتعالى مستو على عرشه استوى عليه كما بينه في كتابه في قوله تعالى ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ( وقوله ) استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا ( في آيات أخر والرسول ( صلى الله عليه وسلم ) تسليما ذكره فيما نقل عنه من غير أن يكيف استواءه عليه أو يجعله لفعله وفهمه أو وهمه سبيلا إلى إثبات كيفيته إذ الكيفية عن صفات ربنا منفية
قال إمام المسلمين في عصره أبو عبد الله مالك بن أنس رضي الله عنه في جواب من سأله عن كيفية الاستواء الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب
والسؤال عنه بدعة وأظنك زنديقا أخرجوه من المسجد
"""
صفحة رقم 288 """
ويشهد أن الله تعالى موصوف بصفات العلى التي وصف بها نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) تسليما كثيرا لا ينفي شيئا منها ولا يعتقد شبها له بصفات خلقه بل يقول إن صفاته لا تشبه صفات المربوبين كما لا تشبه ذاته ذوات المحدثين تعالى الله عما يقول المعطلة والمشبهة علوا كبيرا
ويسلك في الآيات التي وردت في ذكر صفات البارىء جل جلاله والأخبار التي صحت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في بابها كآيات مجيء الرب يوم القيامة وإتيان الله في ظلل من الغمام وخلق آدم بيده
واستوائه على عرشه وكأخبار نزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا والضحك والنجوى ووضع الكنف على من يناجيه يوم القيامة وغيرها مسلك السلف الصالح وأئمة الدين من قبولها وروايتها على وجهها بعد صحة سندها وإيرادها على ظاهرها والتصديق بها والتسليم لها واتقاء اعتقاد التكييف والتشبيه فيها واجتناب ما يؤدي إلى القول بردها وترك قبولها أو تحريفها بتأويل يستنكر ولم ينزل الله به سلطانا ولم يجر به للصحابة والتابعين والسلف الصالحين لسان
وينهى في الجملة عن الخوض في الكلام والتعمق فيه وفي الاشتغال بما كره السلف رحمهم الله الاشتغال به ونهوا وزجروا عنه فإن الجدال فيه والتعمق في دقائقه والتخبط في ظلماته كل ذلك يفسد القلب ويسقط منه هيبة الرب جل جلاله ويوقع الشبه الكبيرة فيه ويسلب البركة في الحال ويهدي إلى الباطل والمحال والخصومة في الدين والجدال وكثرة القيل والقال في الرب ذي الجلال الكبير المتعال سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا والحمد لله على ما هدانا من دينه وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه حمدا كثيرا
"""
صفحة رقم 289 """
ويشهد أن القيامة حق وكل ما ورد به الكتاب والأخبار الصحاح من أشراطها وأهوالها وما وعدنا به وأوعدنا به فيها فهو حق نؤمن به ونصدق الله سبحانه ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما أخبر به عنه كالحوض والميزان والصراط وقراءة الكتب والحساب والسؤال والعرض والوقوف والصدر عن المحشر إلى جنة أو إلى نار مع الشفاعة الموعودة لأهل التوحيد وغير ذلك مما هو مبين في الكتاب ومدون في الكتب الجامعة لصحاح الأخبار
ويشهد بذلك كله في الشاهدين ويستعين بالله تبارك وتعالى في الثبات على هذه الشهادات إلى الممات حتى يتوفى عليها في جملة المسلمين المؤمنين الموقنين الموحدين
ويشهد أن الله تبارك وتعالى يمن على أوليائه بوجوه ناضرة إلى ربها ناظرة ويرونه عيانا في دار البقاء لا يضارون في رؤيته ولا يمارون ولا يضامون ويسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل وجهه من تلك الوجوه ويقيه كل بلاء وسوء ومكروه ويبلغه كل ما يؤمله من فضله ويرجوه بمنه
ويشهد أن خير الناس بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ويترحم على جميع الصحابة ويتولاهم ويستغفر لهم وكذلك ذريته وأزواجه أمهات المؤمنين ويسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله معهم ويرجو أن يفعله به فإنه قد صح عنده من طرق شتى أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( المرء مع من أحب )
ويوصي إلى من يخلفه من ولد وأخ وأهل وقريب وصديق وجميع من يقبل وصيته من المسلمين عامة أن يشهدوا بجميع ما شهد به وأن يتقوا الله حق تقاته وألا يموتوا إلا وهم مسلمون ) إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون (
"""
صفحة رقم 290 """
ويوصيهم بصلاح ذات البين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران والأقارب والإخوان ومعرفة حق الأكابر والرحمة على الأصاغر
وينهاهم عن التدابر والتباغض والتقاطع والتحاسد
ويأمرهم أن يكونوا إخوانا على الخيرات أعوانا وأن يعتصموا بحبل الله جميعا ولا يتفرقوا ويتبعوا الكتاب والسنة وما كان عليه علماء الأمة
وأئمة الملة كمالك بن أنس والشافعي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم ويحيى بن يحيى وغيرهم من أئمة المسلمين وعلماء الدين رضي الله عنهم أجمعين وجمع بيننا وبينهم في ظل طوبى ومستراح العابدين
أوصى بهذا كله إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني إلى أولاده وأهله وأصحابه
ومختلفة مجالسه
وأوصى أنه إذا نزلت به المنية التي لا شك أنها نازلة والله يسأل خير ذلك اليوم الذي تنزل المنية به فيه وخير تلك الليلة التي تنزل به فيه وخير تلك الساعة وخير ما قبلها وخير ما بعدها أن يلبس لباسا طيبا حسنا طاهرا نقيا ويوضع على رأسه العمامة التي كان يشدها في حال حياته وضعا على الهيئة التي كان يضعها على رأسه أيام حياته ويوضع الرداء على عاتقيه ويضجع مستلقيا على قفاه موجها إلى القبلة وتجلس أولاده عند رأسه ويضعوا المصاحف على حجورهم ويقرءوا القرآن جهرا وحرج عليهم ألا يمكنوا امرأة لا قرابة بينه وبينها ولا نسب ولا سبب من طريق الزوجية تقرب من مضجعه تلك الساعة أو تدخل بيتا يكون فيه وكذلك يحرج عليهم أن يأذنوا لأحد من الرجال في الدخول عليه في تلك الساعة بل يأمرون الأخ والأحباب وغيرهم أن يجلسوا في المدرسة ولا يدخلوا الدار وليساعدوا الأصحاب في قراءة القرآن وإمداده بالدعاء فلعل الله سبحانه وتعالى أن يهون عليه سكرات الموت ويسهل
"""
صفحة رقم 291 """
له اقتحام عقبة الموت على الإسلام والسنة في سلامة وعافية
وأوصى إذا قضى نحبه وأجاب ربه وفارقت روحه جسده أن يشد ذقنه وتغمض عيناه
وتمد أعضاؤه ويسجى بثوب ولا يكشف عن وجهه لينظر إليه إلا أن يأتيه غاسله فيحمله إلى مغتسله جعل الله ذلك الحمل مباركا عليه ونظر بعين الرحمة إليه وغفر له ما قدمه من الأعمال السيئة بين يديه
وأوصى ألا يناح عليه وأن يمنع أولياؤه وأقرباؤه وأحباؤه وجميع الناس من الرجال والنساء أنفسهم عن الشق والحلق والتخريق للثياب والتمزيق وألا يبكوا عليه إلا بكاء حزن قلب ودموع عين لا يقدرون على ردهما ودفعهما وأما دعاء بويل ورن شيطان وخمش وجوه وحلق شعر ونتفه وتخريق ثوب وتمزيقه وفتقه فلا وهو بريء ممن فعل شيئا من ذلك كما برىء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منهم
وأوصى أن يعجل تجهيزه وغسله وتكفينه وحمله إلى حفرته ولا يحبس ولا يبطأ به وإن مات ضحوة النهار أو وقت الزوال أو بكرة فإنه لا يؤخر تجهيزه إلى الغد ولا يترك ميتا بين أهله بالليل أصلا بل يعجل أمره فينقل إلى حفرته نقلا بعد أن يغسل وترا ويجعل في آخر غسله من غسلاته كافور ويكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية إن وجدت فإن لم توجد سحولية كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ويجمر كفنه وترا لا شفعا قبل أن يلف عليه ويسرع بالسير بجنازته كما أمر به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويحمل للصلاة عليه إلى ميدان الحسين ويصلي عليه ولده أبو نصر إن كان حاضرا فإن عجز عن القيام بالصلاة عليه فأمر الصلاة عليه إلى أخيه أبي يعلى ثم يرد إلى المدرسة فيدفن فيها بين يدي والده الشهيد رضي الله تعالى عنه ويلحد له لحد وينصب عليه اللبن نصبا
"""
صفحة رقم 292 """
ولا يشق له شق ولا يتخذ له تابوت أصلا ولا يوضع في التابوت للحمل إلى المصلى وليوضع على الجنازة ملفوفا في الكفن مسجى بثوب أبيض ليس فيه إبريسم بحال ولا يطين قبره ولا يجصص ويرش عليه الماء ويوضع عليه الحصا ويمكث عند قبره مقدار ما ينحر جزور ويقسم لحمه حتى يعلم ما يراجع به رسل ربه جل وعلا ويسأل الله تعالى على رأس قبره له التثبيت الموعود لجملة المؤمنين في قوله تعالى ) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ( ويستغفر له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ولا ينسى بل يذكر بالدعاء فإن المؤمن إذا قبر كان كالغريق المغتوت ينتظر دعوة صالحة تلحقه ولا يمكن أحد من الجواري والنسوان أن يكشفن رءوسهن وأن يندبنه في ذلك الوقت بل يشتغل الكل بالدعاء والاستغفار لعل الله سبحانه وتعالى يهون عليه الأمر في ذلك الوقت وييسر خروج منكر ونكير من قبره على الرضا منه وينصرفان عنه وقد قالا له نم نومة العروس فلا روعة عليك
ويفتحان في قبره بابا من الجنة فضلا من الله ومنة فيفوز فوزا عظيما ويحوز ثوابا كريما ويلقى روحا وريحانا وربا كريما رحيما
آخر الوصية
"""
صفحة رقم 293 """
368
إسماعيل بن عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد بن الحسين الإسماعيلي أبو سعد الأطروش
من أهل جرجان
قال ابن السمعاني كان وافر العلم والزهد
درس القرآن والفقه
وكان مجتهدا في الطاعة ثقة صدوقا أصيلا مأمونا
سمع أبا الحارث محمد بن عبد الرحيم الأسواني وعبد الغافر بن محمد الفارسي وغيرهما
قال وتوفي بعد سنة إحدى وسبعين وأربعمائة
369
إسماعيل بن علي بن المثنى أبو سعد الإستراباذي
الواعظ الصوفي العنبري
قدم نيسابور قديما وبنى بها مدرسة لأصحاب الشافعي تنسب إليه
وروى عن أبيه وعن علي بن الحسن بن حيوية
روى عنه أحمد بن أبي جعفر القاضي وأبو بكر الخطيب البغدادي الحافظ وأحمد الموسياباذي وغيرهم
"""
صفحة رقم 294 """
مات في حدود سنة أربعين وأربعمائة
370
إسماعيل بن الفضل أبو محمد الفضيلي والد الإمام أبي عاصم الصغير الهروي
ذكره أبو النصر عبد الرحمن الهروي في تاريخه فقال هو الفحل المقرم والإمام المقدم في فنون الفضل وأنواع العلم
توفي سنة ثمان وثمانين وأربعمائة
والفضيلي بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة وسكون الياء آخر الحروف في آخرها اللام نسبة إلى الفضيل اسم جده
والله تعالى أعلم
371
إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن الإمام أبي بكر أحمد بن إبراهيم ابن إسماعيل الإسماعيلي الإمام أبو القاسم
من أهل جرجان من بيت العلم والفضل والرياسة
"""
صفحة رقم 295 """
كان صدرا رئيسا وعالما كبيرا يعظ ويملي على فهم ودراية وديانة جيد الفقه مليح الوعظ والنظم والنثر
ولد سنة سبع وأربعمائة وقيل سنة ست بجرجان
قال ابن السمعاني والأول أشبه
سمع أباه وعمه المفضل وحمزة السهمي والقاضي أبا بكر محمد بن يوسف الشالنجي وأحمد بن إسماعيل الرباطي وجماعة والقاضي أبا عمر البسطامي وخلقا
وروى عنه زاهر ووجيه ابنا الشحامي وإسماعيل بن السمرقندي وأبو منصور ابن حمدون وأبو البدر الكرخي وآخرون
قال أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني فيه أوحد عصره وفريد وقته في الفقه والأدب والورع والزهد سمع جواد مراع لحقوق الفضلاء والغرباء والواردين
أخذ الفقه عن عمه أبي العلاء وأبي نصر الشعيري
وله شعر وترسل وحسن خط
وإليه اليوم الدرس والفتوى والإملاء
انتهى
وقال ابن السمعاني سافر البلاد ودخلها وروى الحديث بها مثل نيسابور والري وأصبهان ودخل بغداد حاجا وحدث بالكامل لابن عدي وتاريخ جرجان وغيرهما
انتهى
"""
صفحة رقم 296 """
ولما دخل أبو القاسم هذا بغداد دخل عليه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي مسلما فقام إليه واستقبله وقال لا أدري بأيهما أنا أشد فرحا بدخولي مدينة السلام أو رؤية الشيخ الإمام
فاستحسن أهل بغداد قوله
توفي بجرجان سنة سبع وسبعين وأربعمائة
372
باي بن جعفر بن باي أبو منصور الجيلي
وباي بفتح الباء الموحدة وآخرها آخر الحروف مشددة
ووهم من زعمه بباءين أو بباء مفتوحة بدل آخر الحروف
تفقه على الشيخ أبي حامد وكان من مدرسي أصحاب الشيخ أبي حامد
وحكى أنه لما آن أن يجلس في الحلقة قيل للخليفة كيف تعطى الحلقة من اسمه هذا فغيره وصيره عبد الله
قال الخطيب سمع الحديث من أبي الحسن بن الجندي بضم الجيم وأبي القاسم الصيدلاني وغيرهما
قال وكتبنا عنه وكان ثقة
مات في أول محرم سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 297 """
373
بديل بن علي بن بديل
بفتح الباء الموحدة وكسر الدال ثم آخر الحروف ساكنة ثم لام
البرزندي وبرزند بفتح الباء الموحدة وبعدها راء ساكنة ثم زاي ثم نون ثم دال
كنيته أبو محمد ويقال أبو القاسم وأبو عبد الله
تفقه ببغداد
وسمع القاضي أبا الطيب والحسن بن علي الجوهري وأبا الحسين بن المهتدي وأبا الغنائم بن المأمون وغيرهم
روى عنه إسماعيل بن السمرقندي وأبو العز بن كادش وجماعة
مات سنة خمس وسبعين وأربعمائة
والله تعالى أعلم
374
جعفر بن باي
أبو مسلم الجيلي
أحد أصحاب الشيخ أبي حامد
وهو والد الشيخ أبي منصور المتقدم
سمع الحديث من أبي بكر المقرىء وابن بطة العكبري
"""
صفحة رقم 298 """
روى عنه الخطيب وقال مات سنة سبع عشرة وأربعمائة بقرية بزيذي بباء موحدة ثم زاي مكسورة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم ذال معجمة
375
جعفر بن القاسم بن جعفر بن عبد الواحد بن العباس بن عبد الواحد ابن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس القاضي أبو محمد بن القاضي أبي عمر بن القاضي أبي القاسم
قال الشيخ ولد سنة إحدى وستين وثلاثمائة
ومات سنة خمس عشرة وأربعمائة بعد موت أبيه بسنة
وتفقه على أبي القاسم الصيمري
وكان ظريفا عفيفا أديبا فقيها جامعا للمحاسن
وله ديوان شعر قيل إنه غسله قبل موته
"""
صفحة رقم 299 """
376
جعفر بن محمد بن عثمان والفقيه أبو الخير المروزي
قدم معرة النعمان في سنة ثماني عشرة وأربعمائة واستوطنها ودرس بها وحمل عنه أهلها الفقه
وصنف في المذهب كتابا سماه الذخيرة لم أقف عليه
إنما المشهور ذخيرة البندنيجي
توفي أبو الخير سنة سبع وأربعين وأربعمائة
377
حسان بن سعيد بن حسان بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد ابن منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي الرئيس أبو علي المنيعي الحاجي
أما المنيعي فنسبة إلى جده منيع بن خالد وأما الحاجي فلغة العجم في النسبة إلى من حج يقولون للحاج إلى بيت الله الحرام حاجي
وأبو علي هذا هو واقف الجامع المنيعي بنيسابور الذي كان إمام الحرمين خطيبه وقبله أبو عثمان الصابوني شيخ الإسلام
وكان الرئيس أبو علي من أهل مرو الروذ وكان في أول أمره تاجرا إلى أن نما ماله وتزايدت النعم عليه وعلت منزلته وصار مشارا إليه عند السلاطين
"""
صفحة رقم 300 """
وفقه الله تعالى فحج إلى بيت الله الحرام ثم عاد وأنفق أموالا جزيلة في بناء المساجد والربط وتنوع في المعروف وبنى جامعا بمرو الروذ تقام فيه الجمعة والجماعة
قال عبد الغافر عم الآفاق بخيره وبره
وكان يدخل نيسابور في أوائل أمره ويعامل أهلها فلما رأى اضطراب الأمور وتزايد التعصب من الفريقين قبل أن يجلس السلطان ألب أرسلان على سرير ملكه ويزين وجه الآفاق بطلعة نظام ملكه انقطع حتى انقطعت مادة الأهواء وطوي بساط العصبية بذب نظام الملك عن حريم الملة الحنيفية ومساعدة السلطان الذي هو سلطان الوقت المذعن إلى الخير المنقاد إلى المعروف ألب أرسلان وعند ذلك سأل الرئيس أبو علي السلطان والوزير في بناء الجامع المنيعي بنيسابور فأجيب إلى مسألته فعمد إلى خالص ماله وأنفق في بنائه الأموال الجزيلة وكان لا يفتر آونة من ليل ولا ساعة من نهار مخافة تغير الأمور واضطراب الآراء إلى أن تم وأقيمت الجمعة فيه وصار جامع البلد المشهور وهو الذي كان إمام الحرمين خطيبه
قال ابن السمعاني بلغني أن عجوزا جاءته وهو يبني جامع نيسابور ومعها ثوب يساوي نصف دينار وقالت سمعت أنك تبني الجامع فأردت أن يكون لي في النفقة المباركة أثر فدعا خازنه واستحضر ألف دينار واشترى بها منها الثوب وسلم المبلغ إليها ثم قبض منها الخازن ثم قال له أنفق هذه الألف منها في بناء المسجد وقال احفظ هذا الثوب لكفني ألقى الله فيه
"""
صفحة رقم 301 """
وكان أبو علي على قدم عظيم من الاجتهاد في العبادة والتواضع والبر وكثرة الصدقات والصلاة يقوم الليل ويصوم النهار ويلبس خشن الثياب مع كثرة الأموال الجزيلة والجاه العريض في الدنيا ونفاذ الكلمة
ولما وقع القحط بتلك البلاد في شهور سنة إحدى أو اثنتين وستين وأربعمائة أنفق أموالا عظيمة وكان ينصب القدر ويفرق أكثر من ألف من خبزا كل يوم للفقراء أو ينصب القدور ويفرق طعاما كثيرا كل ذلك غير ما يتصدق به سرا
وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والملوك تسعى إليه وتحترمه حتى قيل إن السلطان ألب أرسلان قال في مملكتي من لا يخافني وإنما يخاف من الله
مشيرا إليه
وكان كلما أقبل الشتاء يتخذ الجباب والقمص والسراويلات ويكسو قريبا من ألف فقير
وبالجملة كان كثير المحاسن
وقد سمع من أبي طاهر الزيادي وأبي القاسم بن حبيب وأبي الحسن السقا وجماعة
روى عنه محيى السنة البغوي وأبو المظفر عبد المنعم القشيري ووجيه الشحامي وغيرهم
"""
صفحة رقم 302 """
قال عبد الغافر الفارسي لو تتبعنا ما ظهر من آثاره وحسناته لعجزنا
توفي في يوم الجمعة سابع عشرى ذي القعدة سنة ثلاث وستين وأربعمائة
ومن الفوائد عنه رحمه الله تعالى
وهو الذي لقنه القاضي الحسين مسألة ليغالط بها فقهاء مرو إذا قدم عليهم
وصورتها رجل غصب حنطة في زمن الغلاء وفي زمن الرخص طالبه المالك فهل يطالب بالمثل أو القيمة فمن قال إنه يطالب بالمثل فقط غلط
ومن قال يطالب بالقيمة غلط لأن في المسألة تفصيلا إذا تلفت الحنطة في يده كما هي قبل الطحن كما إذا احترقت وجب المثل وإن طحن وعجن وخبز وأكل فعليه القيمة لأن الطحن والعجن والخبز من ذوات القيم
وقد نقل ذلك أبو سعد الهروي في الإشراف والرافعي في الشرح
378
الحسن بن أحمد بن محمد بن الليث الحافظ
أبو علي الكشي ثم الشيرازي
سمع ببغداد من إسماعيل الصفار وعبد الله بن درستويه
"""
صفحة رقم 303 """
وبنيسابور من الأصم وابن الأخرم الشيباني
وبفارس من الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي
سمع منه أبو عبد الله الحاكم وقال هو مقدم في معرفة القراءات حافظ للحديث رحال
قدم علينا أيام الأصم ثم قدم علينا سنة ثلاث وخمسين
وسمع منه أيضا أبو الشيخ الحافظ وغير واحد
ورحل إلى هراة ومعه ابناه الليث وأبو بكر
فسمعوا بها الحديث من أبي الفضل بن خميرويه
توفي في شعبان سنة خمس وأربعمائة
379
الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد
"""
صفحة رقم 304 """
380
الحسن بن الحسين بن حمكان أبو علي الهمذاني
صاحب أبي حامد المروروذي
قال الشيخ سكن بغداد ودرس بها
قلت روى عن أبي بكر النقاش وغيره من خلائق يطول تعدادهم
وروى عنه جماعة منهم أبو القاسم الأزهري وكان يضعفه في الحديث
وله كتاب في مناقب الشافعي رضي الله عنه
توفي في سنة خمس وأربعمائة
381
الحسن بن الحسين بن محمد بن الحسين بن رامين
القاضي أبو محمد الإستراباذي
نزيل بغداد
حدث عن ابن عدي ويوسف بن القاسم الميانجي وخلف بن محمد الخيام وأبي بكر القطيعي وإسماعيل بن محمد وبشر بن أحمد الإسفرايني وغيرهم
روى عنه الخطيب أبو بكر الحافظ وعبد الواحد بن علوان بن عقيل وطاهر بن أحمد الفارسي نزيل دمشق
"""
صفحة رقم 305 """
قال الخطيب كتبت عنه وكان صدوقا فاضلا صالحا
سافر الكثير ولقي شيوخ الصوفيه
وكان يفهم الكلام على مذهب الأشعري والفقه على مذهب الإمام الشافعي
مات سنة ثنتي عشرة وأربعمائة
382
الحسن بن عبد الله
وقيل عبيد الله مصغرا
هو القاضي أبو علي البندنيجي صاحب الذخيرة وأحد العظماء من أصحاب الشيخ أبي حامد وله عنه تعليقة مشهورة
كان فقيها عظيما غواصا على المشكلات صالحا ورعا
قال الشيخ أبو إسحاق كان حافظا للمذهب
وقال الخطيب كانت له حلقة في جامع المنصور للفتوى وكان صالحا دينا ورعا سمعت أبا عبد الكريم بن علي القصري يقول لم أر فيمن صحب أبا حامد أدين من أبي علي البندنيجي
"""
صفحة رقم 306 """
قال الخطيب وخرج بأخرة إلى البندنيجين فمات بها في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وأربعمائة
والله أعلم
ومن الفوائد والغرائب عنه
حكى في الذخيرة وجهين فيمن دخل المسجد في الأوقات المكروهة لا لغرض هل يجوز له صلاة التحية والرافعي والأكثر خصصوا الوجهين بما إذا دخل لغرض التحية فقط وقالوا الأقيس الكراهة فالصور إذا ثلاثة من دخل لغرض ما من درس أو اعتكاف أو غيرهما فيصليهما إما بلا خلاف أو على الصحيح عند من يثبت الخلاف في هذه الصورة
ومن دخل لا لحاجة بل ليصلي التحية وفيها الوجهان في الرافعي وغيره
ومن دخل لا لحاجة أصلا وهي صورة البندنيجي إلا أن ينزل كلامه على ما صور الرافعي
والأظهر عندي العكس وهو أن ينزل كلام الرافعي على كلام البندنيجي
ويقال الوجهان فيمن دخل لا لغرض غير التحية سواء دخل لغرض التحية أم لا لغرض أصلا
ويظهر عندي ترجيح الكراهة فيمن دخل لأجل التحية وهو ما صور الرافعي ورجح
وترجيح عدم كراهة الصلاة فيمن دخل لا لغرض أصلا فليبحث عن ذلك
"""
صفحة رقم 307 """
نقل البندنيجي عن الشافعي والأصحاب أن المسافر إذا جمع بين الظهر والعصر تقديما حرم عليه أن يتنفل بعد ذلك في وقت الظهر
قال لأنها نافلة بعد العصر
ولم أره في الذخيرة وكأنه حكاه في التعليقة
وقد أفتى الشيخ العماد بن يونس بخلاف ذلك وكأنه لم ير كلام البندنيجي مع أن المسألة محتملة
383
الحسن بن عبد الرحمن بن الحسين بن عمر بن حفص بن زيد النيهي
نسبة إلى نيه بكسر النون وسكون آخر الحروف وفي آخرها الهاء
بلدة صغيرة بين سجستان وأسفراين
هو الفقيه الجليل أبو محمد تلميذ القاضي الحسين وشيخ إبراهيم المروروذي
قال ابن السمعاني إمام فاضل ورع عارف بالمذهب انتشر عنه الأصحاب
سمع الحديث من أستاذه يعني القاضي الحسين ومن أبي عبد الله محمد بن محمد ابن العلاء البغوي وغيرهما
وكانت وفاته في حدود سنة ثمانين وأربعمائة
قال الرافعي في أوائل حد القذف من كتاب موجبات الضمان ولو قال له يا مؤاجر فليس بصريح في القذف بأنه يؤتى
وعن الشيخ إبراهيم المروروذي أنه حكى عن أستاذه النيهي أنه قال هو صريح لاعتياد الناس القذف به
انتهى
"""
صفحة رقم 308 """
وقد تصحف النيهي في نسخ الرافعي بالتيمي بالتاء المثناة من فوق بعدها آخر الحروف ثم الميم وإنما هو النيهي هذا فاضبط ذلك
والفرح مسطور في تعليقة الشيخ إبراهيم وفيه مقالة ثالثة عن عبد الله أخي الحسن النيهي فإن إبراهيم في تعليقته ذكر في باب حد القذف أن الأصحاب قالوا إنه كناية إذ ليس فيه إلا معنى الإجارة والإنسان قد يؤاجر نفسه لبعض الأعمال
ثم قال وقال شيخى الإمام الحسن النيهي هو صريح في القذف لاعتياد الناس القذف به
وقال أخوه الشيخ الإمام عبد الله يحتمل أن يجعل هذا كناية من المميز صريحا من العامي كقوله حلال الله علي حرام
انتهى
وذكره القاضي الحسين في التعليقة وقال إنه صريح لجريان العرف بالقذف به
ومنه فيما أحسب أخذ الحسن النيهي وحكاه صاحب العمد في باب حد القذف عن القفال
فقد بان أن القفال قائل هذه المقالة ومنه أخذها تلميذه القاضي الحسين ومنه أخذها تلميذه النيهي
ولعل هذا في بلادهم أما بلادنا فلا عرف لهذه اللفظة فيها فالأشبه أن لا تجعل صريحا ولا كناية
والله تعالى أعلم
"""
صفحة رقم 309 """
384
الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس الطوسي
الوزير الكبير العالم العادل أبو علي الملقب نظام الملك
وزير غالى الملوك في سمعتها وغالب الضراغم وكانت له النصرة مع شدة منعتها وضاهى الخلفاء في عطائها وباهى الفراقد فكان فوق سمائها
ملك طائفة الفقهاء بإحسانه وسلك في سبيل البر معهم سبيلا لم يعهد قبل زمانه هو أشهر من بنى لهم المدارس وشيد أركانهم ولولاه خيف أن يكون كالطلال الدارس
كان جوادا يخجل لديه كل ذي جبين وضاح ويتنافس على أريج ثنائه مسك الليل وكافور الصباح طمس ذكر من كنا نسمع في المكارم من الملوك خبره وغرس في القلوب شجرات إحسانه المثمرة
دولته كلها فضل وأيامه جميعها عدل ووقته وابل بالسماح مغدق ومجلسه بجماعة العلماء صباح مشرق
كل يوم من أيامه مقداره ألف سنة وكل معدلة من أحكامه أنامت الأنام فأمن كل واستطاب وسنه
لو هدد الدهر بعدله لما تعدى بصروفه ولو عرض نداه في كل ناد من الخلفاء لعرف من بينهم بمعروفه
"""
صفحة رقم 310 """
إن جلس بين العلماء جلس وعليه سيما الوقار وله من التأدب معهم ما شهدت به في التواريخ الأخبار
يتضاءل بين العلماء ويتنازل وإن كان منزله أعلا من نجم السماء
خلق أرق من النسيم ومحيا تعرف فيه نضرة النعيم
تنبي طلاقة بشره عن جوده
فيكاد يلقى النجح قبل لقائه
وضياء وجه لو تأمله امرؤ
صادي الجوانح لارتوى من مائه
وإن قعد للمظالم أقام بالكتاب والسنة وأخاف في الله ببطشه كل ذي يد عادية تغدو بعدها النفوس مطمئنة حتى أقرت له بالعدل عظماء السلاطين واستقرت في أيامه بالأمن الناس لا يخشون نازلة المتعالين
وإن أفاض جوده أخجل الغمام وأجزل كل عطاء جزل لم تره النفس إلا في آمال اليقظة أو أحلام المنام
ليس التعجب من مواهب ماله
بل من سلامتها إلى أوقاتها
وإن ركب الهيجاء لم يكن له حاجب إلا مواضي الصفاح ولا طليعة إلا شهب الأسنة على رءوس الرماح
ولا كتب إلا المشرفية عنده
ولا رسل إلا الخميس العرمرم
ولم يخل من نصر له من له يد
ولم يخل من شكر له من له فم
ولم يخل من أسمائه عود منبر
ولم يخل دينار ولم يخل درهم
يرفع لواء الإسلام ويسمع نوح الحمام على أمم أنزل بهم الحمام ويقوم فيقعد
"""
صفحة رقم 311 """
كل كمى ويرعف أنف كل مشرفي وسمهري
على عاتق الملك الأعز نجاده
وفي يد جبار السموات قائمه
يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ويناضل فلا يدع في حي الأعداء حيا ويبارز حيث تتأخر الجياد السنابك ويجاوز فلا تسمع إلا من يقول وما الناس إلا هالك وابن هالك
في جحفل ستر العيون غباره
فكأنما يبصرن بالآذان
قد سودت روس الجبال شعورهم
فكأن فيه مسفة الغربان
إن السيوف مع الذين قلوبهم
كقلوبهم إذا التقى الجمعان
يلقى الحسام على جراءة حده
مثل الجبان بكف كل جبان
أسنة مسنونة وسنة مسنونة وأيام بعدله مأمونة وزمن بالنعماء مشحون وفوق الزمن السالف إذا اعتبرت السنون وأجل وكيف وفي ذلك فرد أمين ومأمون وكل أحد في زمن هذا أمين ومأمون
فلا عقرب إلا بخد مليحة
ولا جور إلا في ولاية ساق
وملك هو نظامه وسلك هو واسطته إذا عدت أيامه وإفك هو ماحيه إذا دجى ظلامه
"""
صفحة رقم 312 """
بطل شجاع ورجل يخافه على صافناتها الأبطال وفوق سريرها الملوك وفي أجماتها السباع
مقدم العساكر ومقدامها وأسد الممالك وضرغامها وأسد الأبطال رأيا وهمامها
لا تضع الحرب عنده أوزارها حتى يضع العصاة أوزارها وترجع إلى الله تعالى رجعة نفوس لا تبالي ولى عنها شيطانها أوزارها
ولد نظام الملك سنة ثمان وأربعمائة وكان من أولاد الدهاقين الذين يعملون في البساتين بنواحي طوس فحفظه أبوه القرآن وشغله في التفقه على مذهب الشافعي
ثم خرج من عند أبيه إلى غزنة وخدم في الديوان السلطاني ورقت به الأحوال سفرا وحضرا
وخدم في الدواوين بخراسان وغزنة واختص بأبي علي بن شاذان وزير السلطان ألب رسلان فلما حانت وفاة ابن شاذان أوصى ألب أرسلان به وذكر له كفاءته وأمانته فنصبه مكانه في الوزارة
ولم يزل السعد يخدمه والأمور تجري على وفق مراده واتفق في أيامه من محاسن الأفعال ونشر العدل وضبط الأحوال ما سارت به الركبان وتناقلته الألسنة وصار بابه محط الرحال ومنتهى الآمال
وأخذ في بناء المساجد والمدارس والرباطات وفعل أصناف المعروف بتنوع أقسامه واختلاف أنواعه واشتدت مع ذلك وطأته وعظمت مكانته وتزايدت هيبته
إلى أن انقضت دولة ألب أرسلان فملك بعده السلطان الكبير ملكشاه بتدبير نظام الملك وكفايته فازدادت حرمته وتصاعدت مرتبته
"""
صفحة رقم 313 """
وقدم بغداد مرارا مع السلطان وقوبل من الخليفة بنهاية الإجلال والتعظيم وبنى ببغداد مدرسة ورباطا
وتوجه مع السلطان ملكشاه إلى الغزاة ببلاد الروم وفتح عدة بلاد من ديار بكر وربيعة والجزيرة وحلب ومنبج ثم عاد إلى خراسان وما وراء النهر
وجرت أموره على السداد نافذة أموره في أقطار الأرض إليه يرجع الناس بأمورهم وهو الحاكم لا كلمة لغيره ومجالسه معمورة بالعلماء
مأهولة بالأئمة والزهاد لم يتفق لغيره ما اتفق له من ازدحام العلماء عليه وتردادهم إلى بابه وثنائهم على عدله وتصنيفهم الكتب باسمه يحضر سماطه مثل أبي القاسم القشيري وأبي إسحاق الشيرازي وإمام الحرمين وغيرهم
وذكر النقلة أنه لم يكن في زمانه أكفأ منه في صناعة الحساب وصناعة الإنشاء ووصفوه بسداد الألفاظ فيهما عربية وفارسية
وكان من أخلاقه أنه ما جلس قط إلا على وضوء ولا توضأ إلا وتنفل ويقرأ القرآن ولا يتلوه مستندا إعظاما له ويستصحب المصحف معه أينما توجه وإذا أذن المؤذن أمسك عن كل شغل هو فيه وأجابه ويصوم يوم الاثنين والخميس
ولا يمنع أحدا من الدخول عليه لا وقت الطعام ولا غيره إذا جلس
وهجمت امرأة عليه مرة وقت الطعام ومعها قضية فزبرها بعض الحجاب فحانت منه التفاتة إليه فلقيه بالكلام الصعب وقال إنما أريدك وأمثالك لإيصال مثل هذه وأما المحتشمون فهم يوصلون نفوسهم
وبنى مدرسة ببغداد ومدرسة ببلخ ومدرسة بنيسابور ومدرسة بهراة ومدرسة بأصبهان ومدرسة بالبصرة ومدرسة بمرو ومدرسة بآمل طبرستان ومدرسة بالموصل
"""
صفحة رقم 314 """
ويقال إن له في كل مدينة بالعراق وخراسان مدرسة وله بيمارستان بنيسابور ورباط ببغداد
قلت وشيخنا الذهبي زعم أنه أول من بنى المدارس وليس كذلك فقد كانت المدرسة البيهقية بنيسابور قبل أن يولد نظام الملك والمدرسة السعدية بنيسابور أيضا بناها الأمير نصر بن سبكتكين أخو السلطان محمود لما كان واليا بنيسابور ومدرسة ثالثة بنيسابور بناها أبو سعد إسماعيل بن علي بن المثنى الإستراباذي الواعظ الصوفي شيخ الخطيب ومدرسة رابعة بنيسابور أيضا
بنيت للأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني وقد قال الحاكم في ترجمة الأستاذ لم يبن بنيسابور قبلها يعني مدرسة الأستاذ مثلها
وهذا صريح في أنه بني قبلها غيرها وقد أدرت فكري وغلب على ظني أن نظام الملك أول من قدر المعاليم للطلبة فإنه لم يتضح لي هل كانت المدارس قبله بمعاليم للطلبة أو لا والأظهر أنه لم يكن لهم معلوم
ونقلت من خط إمام الحرمين في خطبة الغياثي ما قاله يصف نظام الملك سيد الورى ومؤيد الدين والدنيا ملاذ الأمم مستخدم للسيف والقلم ومن ظل ظل الملك بيمن مساعيه ممدودا ولواء النصر معقودا فكم باشر أوزار الحرب وأدار رحى الطعن والضرب فلا يده ارتدت ولا طلعته البهية أربدت ولا عزمه انثنى ولا حده نبا قد سدت مسالك المهالك صوارمه وحصنت الممالك صرائمه وحلت شكائم العدى عزائمه وتحصنت المملكة بنصله وتحسنت الدنيا بأفضاله وفضله وعم ببره آفاق البلاد ونفى الغي عنها بالرشاد وجلى ظلام الظلم عدله وكسر فقار الفقر بذله وكانت خطة الإسلام شاغرة وأفواه الخطوب إليها فاغرة
"""
صفحة رقم 315 """
فجمع الله برأيه الثاقب شملها ووصل بيمن نقيبته حبلها وأصبحت الرعايا في رعايته وادعة وأعين الحوادث عنها هاجعة والدين يزهى بتهلل أساريره وإشراق جبينه والسيف يفخر في يمينه يرجوه الآيس البائس في أدراج أنينه ويركع له تاج كل شامخ بعرنينه ويهابه الليث المزمجر في عرينه
انتهى
وهذا من هذا الإمام الجليل وإن لم يخل عن بعض المبالغة شاهد عدل لعلو مقدار نظام الملك عند هذا الحبر الذي يحتج بكلماته المتقدمون والمتأخرون وعنه انتشرت شريعة الله أصولا وفروعا
وحكى الأمير أبو نصر بن ماكولا قال حضرت مجلس نظام الملك وقد رمى بعض أرباب الحوائج رقعة إليه فوقعت على دواته وكان مدادها كثيرا فنال المداد عمامته وثيابه فاسودت فلم يقطب ولم يتغير ومد يده إلى الرقعة فأخذها ووقع عليها فتعجبت من حلمه فحكيت لأستاذ داره فقال الذي جرى في بارحتنا أعجب كان في نوبتنا أربعون فراشا فهبت ريح شديده ألقت التراب على بساطه الخاص فالتمست أحدهم ليكنسه فلم أجده فاسودت الدنيا في عيني وقلت أقل ما يجري صرفي وعقوبتهم فأظهرت الغضب فقال نظام الملك لعل أسبابا لهم اتفقت منعتهم من الوقوف بين أيدينا وما يخلو الإنسان من عذر مانع وشغل قاطع يصده عن تأدية الفرض وما هم إلا بشر مثلنا يألمون كما نألم ويحتاجون إلى ما نحتاج إليه وقد فضلنا الله عليهم فلا نجعل شكر نعمته مؤاخذتهم على ذنب يسير
قال فعجبت من حلمه
ويحكى عنه من هذا الباب لطائف كثيرة
"""
صفحة رقم 316 """
قلت وفي هذه الحكاية أيضا دلالة على كثرة ما كان فيه من الحشمة لدلالتها على أن نوبة الفراشين عنده أربعون نفسا فإن كان يعمل النوب ثلاثا كعادة السلاطين في بلادنا فيدل على أن له مائة وعشرين فراشا وإن كان يعملها نوبتين كعادة نواب السلطنة والأمراء الكبار فيدل على أن له ثمانين فراشا وهذا أمر عظيم فنائب الشام وهو أعظم نواب سلطان الإسلام في هذا الزمان ليس له غير ستة عشر فراشا كل نوبة ثمانية هذا حاله وحال من قبله من زمان تنكز إلى الآن لا يزيدون على هذا القدر وأكثرهم ينقص عنه وكان من قبل تنكز دونه
ومما يدل أيضا على عظمته وحشمته مع ديانته ما حكي أن الأستاذ أبا القاسم القشيري دخل عليه مرة فوجد بين يديه الجمدارية قد اصطفت ميمنة وميسرة وكانوا ثمانين جمدارا ملبسين أحسن الملابس وكلهم مرد ملاح فقطب الأستاذ ففهم نظام الملك أن الأستاذ أنكر هذه الحالة فقال له يا أستاذ ما في هؤلاء المماليك الثمانين إلا من شراؤه فوق الثمانين ألفا ومع ذلك والله ما حللت سراويلي على حرام قط ولكن حرمة الوزارة والملك تقتضي هذا
فهذه الحكاية تدل على أن له إما مائة وستين جمدارا إن كان يعمل نوبتين أو أكثر إن كان أكثر من نوبتين وإن كان هذا عدد الجمدارية وهم عبارة عن مماليك مردان يكونون مع الملوك في غالب أحوالهم فما يكون عدد مماليكه الذين يعدهم للحرب وكل ذلك خارج عن أجناده المجندة فإن أولئك مضافون إلى السلطان لا إليه وإن كانوا في خدمته ومؤتمرين بأمره
وقد كانت حالته تقتضي أكثر من ذلك فإنه مكث في الوزارة ثلاثين سنة ولم تكن
"""
صفحة رقم 317 """
وزارته وزارة بل فوق السلطنة فإن السلطان جلال الدولة ملكشاه بن ألب أرسلان اتسعت ممالكه فكانت تحت ملكه بلاد ما وراء النهر وبلاد الهياطلة وباب الأبواب وخراسان والعراق والشام والروم والجزيرة فمملكته من كاشغر وهي أقصى مدائن الترك إلى بيت المقدس طولا ومن قرب قسطنطينية إلى بحر الهند عرضا ولم يكن مع ذلك لملكشاه مع نظام الملك غير الاسم والأبهة والتنوع في اللذات وكان مشغولا بالصيد واللذة ونظام الملك هو الآمر المتصرف لا يجري جليل ولا حقير إلا بأمره مستبدا بذلك
ويقال إن نظام الملك أول من فرق الإقطاعات على الجند ولم يكن عادة الخلفاء والسلاطين من لدن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلا أن الأموال كلها تجبى إلى الديوان ثم تفرق العطايا على الأمراء والأجناد على حسب المقرر لهم فلما اتسعت مملكة نظام الملك رأى أن يسلم إلى كل مقطع قرية أو أكثر أو أقل على قدر إقطاعه
قال فإن فيه أنه إذا تسلمها وليس له غيرها عمرها واعتنى بها بخلاف ما إذا شمل الكل ديوان واحد فإن الخرق يتسع ففعل ذلك فكان سبب عمارة البلاد وكثرة الغلات وتناقلته الملوك بعده واستمرت إلى اليوم في بلاد الإسلام وأما بلاد العجم وممالك نظام الملك كلها الآن فما أظنها على هذا الوجه بل تغيرت أحوالها لكثرة التغيرات
وحكى أخوه أبو القاسم عبد الله بن علي بن إسحاق أنه كان بمكة وأراد الخروج
"""
صفحة رقم 318 """
إلى عرفات فأخبره رجل أن إنسانا من الخراسانية مات ببعض الزوايا وأنه انتفخ وفسد ولزم القيام بحقه
قام فمكثت لذلك فرآني بعض من كان يأتمنه نظام الملك على أمور الحاج فقال لي ما وقوفك ها هنا والقوم قد رحلوا فحكيت له القصة فقال اذهب ولا تهتم لأمر هذا الميت فإن عندي خمسين ألف ذراع من الكرباس لتكفين الموتى من جهة الصاحب نظام الملك قال وكان أخي نظام الملك يملي الحديث بالري فلما فرغ قال إني لست أهلا لما أتولاه من الإملاء لكني أريد أن أربط نفسي على قطار نقلة حديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
قلت وقد سمع الحديث بأصبهان من محمد بن علي بن مهريزد الأديب وأبي منصور شجاع بن علي بن شجاع
وبنيسابور من الأستاذ أبي القاسم القشيري
وببغداد من أبي الخطاب بن البطر وغيره
وأملى ببغداد مجلسين أحدهما بجامع المهدي بالرصافة والآخر بمدرسته وحضر إملاءه الأئمة
وروى عنه جماعة منهم نصر بن نصر العكبري وعلي بن طراد الزينبي وأبو محمد الحسن بن منصور السمعاني وغيرهم
قال أبو الوفاء بن عقيل في الفنون أيامه التي شاهدناها تربي على كل أيام سمعنا بها وصدقنا بما رأيناه ما سمعناه وإن كنا قبل ذلك مستبعدين له ناسبين ما ذكر في
"""
صفحة رقم 319 """
التواريخ إلى نوع تحسين من الكذب فأبهرت العقول سيرته جودا وكرما وعدلا وإحياء لمعالم الدين بنى المدارس ووقف الوقوف ونعش من العلم وأهله ما كان خاملا مهملا في أيام من قبله وفتح طريق الحج وعمره وعمر الحرمين واستقام الحجيج وابتاع الكتب بأوفر الأثمان وأدر الجرايات للخزان
وكانت سوق العلم في أيامه قائمة والنعم على أهله دارة وكانوا مستطيلين على صدور أرباب الدولة أرفع الناس في مجلسه لا يحجبون عن بابه بتوسل بهم الناس في حوائجهم
هذا بعض كلام ابن عقيل
وحكى عبد الله الساوجي أن نظام الملك استأذن السلطان ملكشاه في الحج فأذن له وهو إذ ذاك ببغداد فعبر دجلة وعبروا بالآلات والأقمشة وضربت الخيام على شط دجلة
قال فأردت يوما أن أدخل عليه فرأيت بباب الخيمة فقيرا يلوح عليه سيما القوم فقال لي يا شيخ أمانة توصلها إلى الصاحب
قلت نعم
فأعطاني رقعة مطوية فدخلت بها ولم أنظر فيها حفظا للأمانة ووضعتها بين يدي الوزير فنظر فيها وبكى بكاء شديدا حتى ندمت وقلت في نفسي ليتني نظرت فيها فإن كان ما فيها يسوءه لم أدفعها إليه
"""
صفحة رقم 320 """
ثم قال لي يا شيخ أدخل علي صاحب هذه الرقعة
فخرجت فلم أجده وطلبته فلم أظفر به فأخبرت الوزير بذلك فدفع إلي الرقعة فإذا فيها رأيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقال لي ( اذهب إلى الحسن وقل له أين تذهب إلى مكة حجك ها هنا أما قلت لك أقم بين يدي هذا التركي وأعن أصحاب الحوائج من أمتي ) فرجع نظام الملك
وكان يقول لو رأيت ذلك الفقير حتى أتبرك به قال فرأيته على شط دجلة وهو يغسل خريقات له فقلت له إن الصاحب يطلبك
فقال ما لي وللصاحب إنما كانت عندي أمانة فأديتها
قال ابن الصلاح الساوجي هذا كان خيرا كثير المعروف يعرف بشيخ الشيوخ
وحكى الفقيه أبو القاسم أخو نظام الملك أنه كان عنده ليلة على أحد جانبيه والعميد خليفة على الجانب الآخر وبجنبه فقير مقطوع اليمنى
قال فشرفني الصاحب بالمواكلة وجعل يلحظ العميد خليفة كيف يلاحظ الفقير
قال فتنزه خليفة من مواكلة الفقير لما رآه يأكل بيساره فقال لخليفة تحول إلى هذا الجانب
"""
صفحة رقم 321 """
وقال للفقير إن خليفة رجل كبير في نفسه مستنكف من مواكلتك فتقدم إلي وأخذ يواكله
وحكي عنه أنه كان بهمذان وقدم عليه ابنه مؤيد الملك من بلخ فإنه كان استقدمه لينفذه إلى بغداد حين زوجه فدخل عليه ووقف بين يديه ساعة وقضى للناس حوائجهم فلما أذن المؤذن لصلاة الظهر وتفرق الناس نظر إلى ابنه واستدناه فجعل يقبل الأرض ويدنو فضمه إليه وقبل بين عينيه وقال له يا بني توجه إلى بيتك إلى بغداد في ساعتك هذه
فودعه وقبل يده وسار من ساعته
والتفت نظام الملك إلى من عنده وقد تغرغرت عينه بالدموع وقال إن عيش أحد البقالين أصلح من عيشي يخرج إلى دكانه غدوة ويروح عشية ومعه ما قسم له من الرزق فيجتمع هو وأولاده على طعامه ويسر بقربهم منه وحضورهم معه وهذا ولدي ما رأيته منذ ولد غير أوقات يسيرة وقد نشأ هذا المنشأ وما يظهر على ما عندي من الحنو والشفقة فنهاري بين أخطار وتكلف ومشاق وليلى بين سهر وفكر تارة لتدبير الممالك والبلدان ومن أرتب في كل صقع ومكان وما يخرج لكل واحد من العطاء والإحسان وكيف أرضى هذا السلطان حتى يميل إلي ولا يتغير علي وبأي أمر أدفع شر من يقصدني فمتى يكون لي زمان ألتذ فيه بنعمتي وأستدرك أفعالي بما ينفعني عند لقاء ربي وبكى بكاء شديدا
وقال أبو الحسن محمد بن عبد الملك الهمذاني قدم نظام الملك إلى بغداد مرتين وكان يباكر دار السلطان ويعود من الديوان إذا أضحى النهار فيخلو بنفسه إلى وقت
"""
صفحة رقم 322 """
الظهر ويصلي فيجلس ويحضر الناس ويقرأ بين يديه جزء من الحديث على شيخ كبير عالي السند ويكرمه ويجلسه إلى جانبه ويتكلم الفقهاء في المسائل ويقعد نظام الملك مطأطأ الرأس وهو يسمع جميع ما يجري في المجلس ويسأل الحوائج في أثناء ذلك الوقت ويجيب عنها وينعم بالأموال الطائلة والهبات الجزيلة
ويقال كان يتصدق في بكرة كل يوم بمائة دينار
ولم تبرح أموره على ما شرحناه وفوق ما وصفناه إلى أن خرج مع السلطان من بغداد إلى أصبهان في شهر ربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة فأقام بها شهورا فلما انقضى الحر توجها إلى بغداد في شهر رمضان وقد تغير السلطان على نظام الملك بأمور منها ما هو من محاسن نظام الملك وهو تعظيمه لأمر الخليفة وكان نظام الملك يتقرب بذلك إلى الله تعالى
ولما دخل على أمير المؤمنين المقتدي بالله أذن له في الجلوس بين يديه وقال له يا حسن بن علي رضي الله عنك برضا أمير المؤمنين عنك
وكان نظام الملك يستبشر بهذا ويفرح ويقول أرجو أن الله تعالى يستجيب دعاءه
وانضم إلى ذلك أن تاج الملك أبا الغنائم استولى على قلب السلطان وتوصل إلى أن حظي بالمنزلة الرفيعة عنده ولم يكن للسلطان من القدرة أن يعزل نظام الملك لشدة استيلاء نظام الملك على السلطنة
فلما انفصلوا عن نهاوند وعسكروا بجانبها في يوم الخميس عاشر شهر رمضان وحان وقت الإفطار اتفق في ليلته قتل نظام الملك
"""
صفحة رقم 323 """
شرح حال مقتل نظام الملك رحمه الله تعالى
صلى نظام الملك المغرب في هذه الليلة وجلس على السماط وعنده خلق كثير من الفقهاء والقراء والصوفية وأصحاب الحوائج فجعل يذكر شرف المكان الذي نزلوه من أرض نهاوند وأخبار الوقعة التي كانت به بين الفرس والمسلمين في زمان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ومن استشهد هناك من الأعيان ويقول طوبى لمن لحق بهم
فلما فرغ من إفطاره خرج من مكانه قاصدا مضرب حرمه فبدر إليه حدث ديلمي كأنه مستميح أو مستغيث فعلق به وضربه وحمل إلى مضرب الحرم
فيقال إنه أول مقتول قتلته الإسماعيلية المسمون عندنا بالفداوية فانبث الخبر في الجيش وصاحت الأصوات وجاء السلطان ملكشاه حين بلغه الخبر مظهرا الحزن والنحيب والبكاء وجلس عند نظام الملك ساعة وهو يجود بنفسه حتى مات فعاش سعيدا ومات شهيدا فقيدا حميدا
وكان قاتله قد تعثر بأطناب الخيمة فلحقه مماليك نظام الملك وقتلوه
وقال بعض خدامه كان آخر كلام نظام الملك أن قال لا تقتلوا قاتلي فإني قد عفوت عنه وتشهد ومات
قال فمضيت أنا فإذا هو قد قتل ولو قلت لما قبل قولي
ثم اختلفت الأقاويل في الجيش فمن قائل إن الباطنية جهزوا إليه من قتله فإن ابن صباح رأس الباطنية في ذلك الوقت دخل على المستنصر صاحب مصر فأكرمه وأمره أن يدعو إلى إمامته فعاد إلى خراسان ونواحي الشرق يضل الناس وأقام
"""
صفحة رقم 324 """
بقلعة ألموت بناحية قزوين وأظهر الزهد إغواء للناس وتسلم القلعة المذكورة بالجبل فبلغ نظام الملك فأرسل له عسكرا ضايقوه فبعث هو لما علم أنه لا قبل له بنظام الملك من قتل نظام الملك وصار الإقدام على القتل سنة للباطنية واستفحل أمرهم بعد الصاحب وهذا القول هو الأقرب عندي إلى الصحة
ومن قائل إن السلطان هو الذي دس عليه هذا القاتل وذكروا لذلك أسبابا ظهرت على السلطان حاصلها أنه كان بينهما وحشة من قبل أن نظام الملك كان يعظم أمر الخليفة كما قدمناه وكلما أراد السلطان نزع الخليفة منعه النظام وأرسل في الباطن إلى الخليفة ينبهه ويرشده إلى استمالة خاطر السلطان ولم يكن النظام يفعل ذلك إلا تدينا وذبا عن حريم الخلافة وإلا فقد كانت حالته وحشمته إضعاف أحوال الخلفاء
وفي حدود سنة سبعين لما فهم النظام التغير من السلطان على الخليفة أرسل إلى الخليفة وأشار عليه بأن يخطب ابنة السلطان لينسج الود بينهما فخطبها وكان السفير بينهما الشيخ أبو إسحاق الشيرازي صاحب التنبيه فتزوج بها ودخل بها في أول سنة ثمانين وكان عرسا هائلا تناقل أخباره المؤرخون فاستمرت معه إلى سنة اثنتين وثمانين أرسلت إلى والدها تشكو من الخليفة كثرة اطراحه لها فأرسل يطلب بنته منه طلبا لا بد منه فأرسلها الخليفة ومعها ولدها جعفر فذهبت فماتت بأصبهان في ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين
فلما كان شهر رمضان سنة خمس وثمانين توجه السلطان من أصبهان إلى بغداد عازما على تغيير الخليفة وعرف أن ذلك لا يتم له ونظام الملك في الحياة فعمل على قتله قبل الوصول إلى بغداد حسبما شرحناه
"""
صفحة رقم 325 """
وكان من ذنوب نظام الملك عنده غير ما ذكرناه استيلاء أولاده على الممالك وشدة وطأته وأنه بالآخرة ولى ابن ابنه مرو فتوجه إليها ومعه شحنة السلطان فجرى بين شحنة السلطان بمرو وبين ولد نظام الملك ما أغضبه عليه فعمل ابن نظام الملك وقبض على الشحنة فلما بلغ السلطان الخبر غضب وبعث جماعة إلى نظام الملك يعتبه ويوبخه ويقول إن كنت شريكي في الملك فلذلك حكم وهؤلاء أولادك قد استولى كل واحد منهم على إقليم كبير ولم يكفهم حتى تجاوزا أمر السياسة
فأدوا الرسالة إلى نظام الملك
فيقال إنه قوى نفسه وأخذ يجيب بأمور وأنه قال في آخر كلامه إن كان لم يعلم أني شريكه في الملك فليعلم
فاشتد غضب السلطان وعمل عليه الحيلة سنين حتى تمت له في هذه السنة
ويقال إن أول تغيير خاطره عليه من سنة ست وسبعين وممن كان غير خاطره عليه في هذه السنة سيد الرؤساء أبو المحاسن ابن كمال الدين ابن أبي الرضا وهو رجل تقرب إلى خاطر السلطان في هذه السنة أعني سنة ست وسبعين وأربعمائة وكان أبوه كمال الملك يكتب الإنشاء للسلطان وكان أبو المحاسن هذا عنده جراءة فقال للسلطان أيها الملك سلم إلي نظام الملك وأنا أعطيك ألف ألف دينار فإنهم قد أكلوا البلاد
فبلغ ذلك نظام الملك فمد سماطا وأقام عليه مماليكه وهم ألوف من الأتراك وأقام سلاحهم وخيلهم ودعا السلطان فلما حضر قال له إني خدمتك وخدمت
"""
صفحة رقم 326 """
أباك وجدك ولي حق خدمة وقد بلغك أخذي لأموالك وصدق القائل أنا آخذ المال وأعطيه لهؤلاء الغلمان الذين جعلتهم لك وأصرفه أيضا في الصدقات والوقوف والصلات التي معظم ذكرها لك وأجرها لك وأموالي وجميع ما أملكه بين يديك وأنا أقنع بمرقعة وزاوية
فصفا له السلطان وأمر أن تسمل عينا أبي المحاسن ونفذه إلى قلعة ساوة فسمع أبوه كمال الملك الخبر فاستجار بنظام الملك وحمل مائتي ألف دينار وعزل عن الطغراء يعني كتابة السر ووليها مؤيد الملك بن نظام الملك
ومن قائل لم يصف له السلطان باطنا ولكن عرف عجزه عنه
وهذه الحكاية حكاها ابن الأثير وأظن نظام الملك كان أعظم من أن يطلب منه ألف ألف دينار ولعل هذا المبلغ يسير مما يصل إليه كل عام
ثم لم يمتع السلطان بعد قتل نظام الملك ولم يلذ له عيش بل تنكدت أحواله وتعكست أموره
وأما نظام الملك فحمل ميتا إلى أصبهان ودفن هناك بمحلة له
فأما السلطان فاستمر ذاهبا إلى بغداد واستوزر تاج الملك أبا الغنائم وقدم بغداد متمرضا وهي المقدمة الثالثة فإنه لم يعبرها غير ثلاث مرات ووجد المقتدى قد جعل ولده المستظهر بالله ولي العهد فألزمه أن يعزله ويجعل ابن بنته جعفرا ولي العهد وكان طفلا وأن يسلم بغداد له ويخرج إلى البصرة تكون دار خلافته فشق ذلك على الخليفة وبالغ في استعطاف ملكشاه واستنزله عن هذا الرأي فلم يفعل فاستمهله عشرة أيام ليتجهز فقيل إن الخليفة جعل يصوم ويطوي وإذا أفطر جلس على الرماد ودعا على ملكشاه فقوي مرضه ومات
"""
صفحة رقم 327 """
والحاصل أنه بعد نظام الملك لم يمتع بملكه ولم يعش غير شهر واحد وأن الوزير تاج الملك أيضا وكان رجلا خيرا كما سيأتي في ترجمته لم يمتع
ويقال من سعادة ذي المنصب ألا يليه بعده كفو له فصادف أنه ولي مكان نظام الملك فمقته الخلق مع جودته وجرى له ما سنشرحه إن شاء الله تعالى في ترجمته
ووصل الخبر إلى بغداد بوفاة نظام الملك فجلس الوزير عميد الدولة للعزاء وحضر الناس على اختلاف طبقاتهم
ورأى صاحب العدة الحسين الطبري في منامه حين توفي نظام الملك مكتوبا على أديم السماء بالنجوم رفع العدل عن أهل الأرض
ورآه آخر في المنام وهو متوج بتاج مرصع بجوهر قال فقلت له بأي شيء بلغت هذه المنزلة فقال بفضل الله وحده
ومات نظام الملك وله سبع وسبعون سنة
ومن الرواية والفوائد عن نظام الملك
أخبرنا عبد الغالب بن محمد بن عبد القاهر الماكسيني بقراءتي عليه بدمشق أخبرنا عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم الزهري الخطيب أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي عبد الله بن جامع البناء الصوفي في سنة ثمان وستمائة أخبرنا نصر بن نصر العكبري أخبرنا نظام الملك أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الوزير أخبرنا أبو بكر أحمد ابن منصور بن خلف أخبرنا أبو طاهر بن خزيمة حدثنا محمد بن إسحاق السراج حدثنا
"""
صفحة رقم 328 """
قتيبة حدثنا مالك بن أنس عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الأنصاري عن أبي قتادة السلمي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس )
قال أبو سعد بن السمعاني قرأت في كتاب سر السرور لصديقنا القاضي أبي العلاء محمد بن محمود الغزنوي أن نظام الملك صادف في سفر رجلا في زي العلماء قد مسه الكلال فقال له أيها الشيخ أعييت أم أعييت فقال أعييت
فتقدم إلى حاجبه بتقديم بعض الجنائب إليه والإصلاح من شأنه وأخذ في اصطناعه
وإنما أراد بسؤاله اختباره فإن عيى في اللسان وأعيى كل وتعب
قال أبو الخير دلف بن عبد الله بن محمد التبان البغدادي سمعت الإمام عبد الرحيم ابن الشافعي القزويني بقزوين يقول دخل أبو علي القومساني على نظام الملك أبي علي الوزير في مرضة مرضها يعوده فأنشأ يقول
(
إذا مرضنا نوينا كل صالحة فإن شفينا فمنا الزيغ والزلل )
(
نرجو الإله إذا خفنا ونسخطه
إذا أمنا فما يزكو لنا عمل ) فبكى نظام الملك وقال هو كما يقول
"""
صفحة رقم 329 """
385
الحسن بن علي بن محمد بن إسحاق بن عبد الرحيم بن أحمد
الأستاذ أبو علي الدقاق
شيخ الأستاذ أبي القاسم القشيري
تفقه على الخضري والقفال
وصحب في التصوف أبا القاسم النصراباذي
وسمع الحديث من أبي عمرو بن حمدان وأبي الهيثم محمد بن مكي الكشميهني وأبي علي محمد بن عمر الشبويى وغيرهم
روى عنه القشيري وغيره
قال عبد الغافر هو لسان وقته وإمام عصره نيسابوري الأصل تعلم العربية وحصل علم الأصول وخرج إلى مرو وتفقه بها على الخضري وبرع في الفقه وأعاد على الشيخ أبي بكر القفال المروزي في درس الخضري
ولما استمع ما يحتاج إليه من العلوم أخذ في العمل وسلك طريق التصوف وصحب الأستاذ أبا القاسم النصراباذي
"""
صفحة رقم 330 """
وكان الأستاذ أبو علي لا يستند إلى شيء كأنه يعود نفسه ترك الرفاهية
قال الأستاذ أبو القاسم القشيري كنت في ابتداء وصلتي بالأستاذ أبي علي عقد لي المجلس في مسجد المطرز فاستأذنته وقت الخروج إلى نسا فأذن لي فكنت أمشي معه يوما في طريق مجلسه فخطر ببالي ليته ينوب عني في الأسبوع يومين بل ليته يقتصر على يوم واحد في الأسبوع
فالتفت إلي وقال إن لم يمكني في الأسبوع يومين أنوب مرة واحدة
فمشيت قليلا فخطر لي شيء ثالث فالتفت إلي وصرح بالإخبار عنه على القطع
توفي في ذي الحجة سنة خمس وأربعمائة ووهم من قال سنة ست
ومن كلامه
أنبأنا الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر بقراءتي عليه أخبرنا الإمام شهاب الدين أبو بكر القاسم بن الإمام أبي سعد عبد الله بن عمر بن الصفار إجازة أخبرنا جدي عصام الدين أبو حفص عمر بن أحمد بن منصور بن الصفار سماعا عليه قال سمعت جدي ابن الفارسي يقول سمعت أبا القاسم القشيري يقول سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول من استهان بأدب من آداب الإسلام عوقب بحرمان السنة ومن ترك سنة عوقب بحرمان الفريضة ومن استهان بالفرائض قيض الله له مبتدعا يذكر عنده باطلا فيوقع في قلبه شبهة
"""
صفحة رقم 331 """
قال أبو علي فيما روي من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من أكرم غنيا لغناه ذهب ثلثا دينه ) إنما ذلك لأن المرأ بقلبه ولسانه ونفسه فإذا تواضع لغني بلسانه ونفسه ذهب ثلثا دينه فإن اعتقد فضله بقلبه كما تواضع له بلسانه ونفسه ذهب دينه كله
وقال تكلم الناس في الفقر والغنى أيهما أفضل وعندي الأفضل أن يعطى الرجل كفايته ثم يصان فيه
386
الحسن بن محمد بن العباس القاضي الإمام الجليل أبو علي الزجاجي
أحد أئمة الأصحاب
لم أجد له ترجمة تشفي الغليل
وقد كان أجل أو من أجل تلامذة أبي العباس ابن القاص ومن أجل مشايخ القاضي أبي الطيب الطبري
قال الشيخ أبو إسحاق له كتاب زيادة المفتاح وعنه أخذ فقهاء آمل
قلت وله أيضا كتاب في الدور علقه عن ابن القاص
قلت وأراه توفي في حد الأربعائة إما قبلها وإما بعدها ولعل الأشبه أن يكون قبل الأربعائة ولذلك ذكرناه في الثالثة ثم أعدنا ذكره هنا استظهارا
وقد وقع لنا حديثه لأن روى عن شيخه ابن القاص جزءا في الكلام على حديث أبي عمر
"""
صفحة رقم 332 """
ومن الفوائد والغرائب عنه رحمه الله تعالى
قال في مسائل الدور أصل هذه المسائل كلها قوله تعالى ) ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ( فعير من نقض شيئا بعد إثباته له فدل أن كل ما أدى إثباته إلى نقضه باطل
إذا قاسم الوصي الورثة وأخذ الثلث الموصى به لغير معينين فتلف في يده قال أبو علي الزجاجي ليست هذه القسمة إلى الوصي كما ليس إليه القسمة في حق الغائب ويؤتمن في ولايته فإذا تلف المال فإن كان بغير تعديه فتصير القسمة كأن لم تكن فيخرج الثلث ثانيا
وقال أبو علي الثقفي صحت القسمة وبطلت الوصية
نقله القاضي أبو سعد في الإشراف والقاضي شريح في أدب القضاء
ورجح أبو سعد قول الثقفي وقال هو كزكاة واحد دفعها إلى العامل فتلفت في يده من غير تفريط
387
الحسن بن محمد بن الحسن أبو علي الساوي
الفقيه المتكلم على مذهب الأشعري
حدث بدمشق عن أبي طالب بن غيلان وأبي ذر الهروي وغيرهما
روى عنه نصر المقدسي وهو من أقرانه وغيره
توفي في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة عن ست وسبعين سنة
"""
صفحة رقم 333 """
388
الحسين بن أحمد بن علي أبو عبد الله بن البقال
تفقه على القاضي أبي الطيب
قال ابن النجار وكانت له مقامات سنية في النظر والجدال وكان فقيها فاضلا بارعا كاملا مدققا حسن النظر محققا جميل الطريقة زاهدا متعبدا عفيفا نزها على طريقة السلف
ولي القضاء بحريم دار الخلافة عن أبي عبد الله الدامغاني
مولده سنة إحدى وأربعمائة ومات في الحادي والعشرين من شعبان سنة سبع وسبعين وأربعمائة
389
الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم باللام الشيخ الإمام أبو عبد الله الحليمي
أحد أئمة الدهر وشيخ الشافعيين بما وراء النهر
قال فيه الحاكم الفقيه القاضي أبو عبد الله بن أبي محمد أوحد الشافعيين بما وراء النهر وأنظرهم بعد أستاذيه أبي بكر القفال وأبي بكر الأودني
قدم نيسابور سنة سبع وسبعين حاجا فحدث وخرجت له الفوائد ثم قدمها سنة خمس وثمانين رسولا من السلطان فعقدنا له الإملاء وحدث مدة مقامه بنيسابور
"""
صفحة رقم 334 """
وروى عنه الحاكم وعن أخيه أبي الفضل الحسن بن أبي محمد الحسن الحليمي وفي ترجمة الشيخ أبي عبد الله ثم قال توفي الحاكم العالم أبو عبد الله الحليمي في سنة ثلاث وأربعمائة
قلت ومولده سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وكذلك مولد أخيه أبي الفضل الحسن ولدا في سنة واحدة ببخارى كذا ذكره الحاكم في ترجمة أبي الفضل
قال وأبو عبد الله من حرة جرجانية وأبو الفضل من جارية تركية
قال وأبو عبد الله حدث وقضى في بلاد خراسان
قلت وروى عنه أبو سعد الكنجروذي ذلك وقد وقع لنا حديثه من طريقه
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر بقراءتي عليه أجازنا أبو روح أخبرنا زاهر بن طاهر أخبرنا الإمام أبو سعد محمد ابن عبد الرحمن بن محمد أخبرنا الشيخ الإمام أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد الحليمي أخبرنا أبو بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي حدثنا أحيد بن الحسين أخبرنا مقاتل بن إبراهيم حدثنا نوح بن أبي مريم عن يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لصاحب القرآن دعوة مستجابة عند ختمه )
تفرد به نوح بن أبي مريم وهو نوح بن يزيد قاضي مرو الجامع أبو عصمة
"""
صفحة رقم 335 """
روى الترمذي قال أبو عبد الله الحاكم وضع نوح الجامع حديث فضائل القرآن الطويل وروى عن الزهري وعدة
وقال فيه البخاري منكر الحديث
قلت وقد نقل ابن القطان أن البخاري قال كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه
ومن مصنفات الحليمي كتاب المنهاج في شعب الإيمان وهو من أحسن الكتب وفيه ما نصه وشرب الخمر من الكبائر فإن استكثر الشارب منه حتى سكر أو جاهر به فذاك من الفواحش فإن مزج خمرا بمثلها من الماء فذهبت شرتها وشربها فذاك من الصغائر
انتهى
والغرابة في قوله مزج فذاك من الصغائر
ولعله أراد مزجا يصير المجموع به غير مسكر أما إذا مزج بالماء قدرا من الخمر لا يخرجه الماء بالمزج عن كونه مسكرا فلا يظهر إلا أنه من الكبائر جزما
وقال فيه أيضا قذف المحصنات كبيرة فإن كانت المقذوفة أما أو أختا أو امرأة قانتة كان فاحشة وقذف الصغيرة والمملوكة والحرة المتهتكة من الصغائر
وقال أيضا أما الخدشة أو الضربة بالعصا مرة أو مرتين فمن الصغائر
"""
صفحة رقم 336 """
قال الأصحاب إذا اشترك جماعة في قتل واحد إن دم كل واحد منهم مستحق للولي
وقال الحليمي القصاص مفضوض عليهم فإذا قتل عشرة واحدا فالمستحق للولي العشر من دم كل واحد إلا أنه لا يمكن استيفاؤه إلا باستيفاء الباقي وقد يستوفى من المتعدي غير المستحق إذا لم يمكن استيفاء المستحق إلا به كما إذا أدخل الغاصب المغصوب في بيت ضيق واحتيج في رده إلى قلع الباب وهدم الجدار وكما إذا وقع دينار في محبرة ولا يمكن إخراجه إلا بكسرها فإنها تكسر ولذلك نظائر كثيرة
"""
صفحة رقم 337 """
وتظهر فائدة الخلاف بين الحليمي والجمهور في مسائل
منها لو اشتركوا في موضحة واحدة فهل يقتص من كل واحد بقدر جميع ما أوضحه أو توزع عليهم ويوضح من كل بقسطه وفيه احتمالان للإمام وبالأول منهما قطع في التهذيب وهو يوافق قول الجمهور بخلاف الثاني
ومنها لو اشتركوا في قتل خطأ فإن قلنا بقول الجمهور ضرب على عاقلة كل واحد ما يخصه في ثلاث سنين لأنه بدل النفس فأشبه بدل النفس الناقصة وإن قلنا بقول الحليمي ضرب ما يخص كل واحد في سنة كأرش الطرف
ومنها إذا اشتركوا في قتل خطأ فهل يجب على كل واحد كفارة أو على الكل كفارة واحدة فيه قولان أولهما يوافق قول الجمهور والثاني قول الحليمي
وقد عورض الحليمي في مقالته بوجوه ثلاثة الأول قال الإمام إن استدلاله بالدية يبطل بقتل الرجل المرأة فإنه يقتل بها وإذا آل الأمر إلى الدية لم يجب إلا نصفها
وأجاب عنه ابن الرفعة بأن نفس المرأة جعلها الشرع مضمونة بقصاص أو دية في نصف دية الرجل فمن انفرد بإتلافها ضمن كل البدل والرجل إذا قتلها ينفرد بالإتلاف بخلاف ما نحن فيه فإنه إنما أتلف العشر فوجب أن لا يضمن إلا نصف المقدر من القصاص كما لا يضمن إلا عشر المقدر من المال
والثاني قال الإمام قوله إن الزائد يستوفى تبعا باطل كما لو قطع شخص يدا
"""
صفحة رقم 338 """
من نصف الساعد فإنه لا يجري القصاص فيه خوفا من استيفاء زيادة على الجناية بجزء يسير فكيف يريق تسعة أعشار الدم من غير استحقاق لاستيفاء عشر واحد وأجاب عنه ابن الرفعة بأن القياس المنع ولكن وجب حسم مادة إهدار النفوس وذلك مفقود في قطع نصف الساعد لأن القصاص مشروع والحالة هذه في الكف وبه تحصل صيانة العضو عن الإهدار وعصمته
قال في المطلب وهذا الجواب لا محيص عنه
والثالث ذكره ابن الرفعة في الكفاية وهو أن الحليمي ناقض أصله إذ قال فيما إذا قتل واحد جماعة وتمالأ على القاتل أولياء القتيل فقتلوه جميعا إنه يكتفى به عن جميعهم ولا رجوع إلى الدية محتجا له بأنه في المسألة المتقدمة التي هي عكس هذه يجعل كل واحد كالمنفرد بالقتل فلما جعل كالمنفرد في الاعتداء فكذلك في الاستيفاء فيقال للحليمي أنت لم تجعل كل واحد في تلك كالمنفرد بل صاحب عشر
قلت لعل الحليمي لم يبن هنا كلامه على مقالته بل على مقالة الأصحاب وإن بنى على أصله فقد يقول كما نزل الشارع من اعتدى على عشر دم منزلة المعتدى على كله في وجوب القصاص كذلك ينزل من استوفى مع آخر منزلة المنفرد بالاستيفاء
ومن مسائل الحليمي
أنه يستحب الغسل لكل ليلة من رمضان
وأن القيء إذا خرج غير متغير فهو طاهر كالإنفحة وكذلك في التتمة
والمجزوم به في الرافعي والروضة أن القيء نجس من غير تفصيل
"""
صفحة رقم 339 """
وأن الإنسان إذا خرج منه ريح فإن كانت ثيابه رطبة تنجست وإن كانت يابسة فلا
وكذا قال القاضي لو أصاب دخان النجاسة ثوبا فإن كان رطبا نجسه وإن كان يابسا فوجهان
ولو دخل الإصطبل وراثت الدواب وخرج منها دخان فإن أصاب ثوبا رطبا نجسه أو يابسا فوجهان
ومن غرائب الحليمي أيضا
قوله إنا إذا قلنا بإباحة الدف فلا يجوز تعاطيه إلا للنساء
والجمهور لم يفرقوا بين الرجال والنساء
قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله وفرق الحليمي ضعيف
"""
صفحة رقم 340 """
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
"""
صفحة رقم 341 """
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
"""
صفحة رقم 342 """
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
"""
صفحة رقم 343 """
وقال في المنهاج في باب الحث على ترك الحسد إن تمني الكفر لا يكون كفرا إلا إذا كان على وجه الاستحسان له واستدل بدعاء موسى عليه الصلاة والسلام على فرعون وقومه حيث قال ) ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم (
قال فاستقباح الإنسان الكفر هو الذي يحمله أن يدعو به على عدوه أو يتمناه له واستحسانه الإسلام هو الذي يحمله على أن يكرهه له
هذا ملخص كلامه
"""
صفحة رقم 344 """
90
الحسين بن شعيب بن محمد السنجي
من قرية سنج بكسر السين المهملة بعدها نون ساكنة ثم جيم وهي من أكبر قرى مرو
وهذا هو الإمام الجليل الشيخ أبو علي السنجي فقيه العصر وعالم خراسان وأول من جمع بين طريقتي العراق وخراسان وهو والقاضي الحسين أنجب تلامذة القفال
وقد تفقه على شيخ العراقيين الشيخ أبي حامد ببغداد وعلى شيخ الخراسانيين أبي بكر القفال بمرو وهو أخص به
كتب بنيسابور عن السيد أبي الحسن محمد بن الحسين العلوي وأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ
وببغداد عن أصحاب المحاملي
وصنف شرح المختصر وهو الذي يسميه إمام الحرمين بالمذهب الكبير وشرح تلخيص ابن القاص وشرح فروع ابن الحداد
قال بعض أصحابنا بنيسابور الأئمة بخراسان ثلاثة مكثر محقق ومقل محقق ومكثر غير محقق فأما المكثر المحقق فالشيخ أبو علي السنجي وأما المقل المحقق فالشيخ أبو محمد الجويني والمكثر غير المحقق فالفقيه ناصر العمري المروزي
ومن مستحسن الكلام الشيخ والقاضي زينة خراسان والشيخ والقاضي زينة العراق وهم الشيخ أبو علي والقاضي الحسين والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب
"""
صفحة رقم 345 """
توفي في سنة ثلاثين وأربعمائة
وقبره بجنب أستاذه القفال بمقبرة مرو
ومن المسائل والغرائب والفوائد عن الشيخ أبي علي
حكى في شرح الفروع وجها في فرع ابن الحداد الشهير وهو أول فروعه أنه إن مس الكلب نفس الإناء لم يطهر بطهارة الماء وإن مس الماء دون الإناء فإذا طهر الماء طهر الإناء
وهذا وجه غريب وقد يشبه بالوجه الضعيف في الصبة المفرق بين أن يلاقي محل الشرب فيحرم أو لا فلا
ولقد أحسن الشيخ أبو علي في شرح هذا الفرع وهو كلب ولغ في إناء فيه ماء اقل من قلتين ثم صب في ذلك الإناء ماء حتى بلغ بالماء الأول قلتين فالماء طاهر ما دام قلتين فإن نقص فسد فإن الإناء نجس بحاله حتى يغسل تمام سبع إحداهن بالتراب لأن الإناء لو ولغ فيه الكلب فألقي في البحر ثم أخرج لم يطهر ولم يكن إلقاؤه في البحر إلا كغسلة واحدة
هذا مذهب ابن الحداد
وفي المسألة وجه ثالث أن الإناء يطهر
وأجاد الشيخ أبو علي في الشرح الكلام على هذه المسألة وهي من أشهر المسائل بين الأصحاب ومن أشهر مولدات ابن الحداد ثم ليست هي في الرافعي وإنما تؤخذ من كلامه
"""
صفحة رقم 346 """
قال في الروضة من زياداته في باب الوضوء ولو نسي لمعة في وضوئه أو فى غسله ثم نسي أنه توضأ أو اغتسل فأعاد الوضوء أو الغسل بنية الحدث أجزأه وتكمل طهارته بلا خلاف
انتهى
وقد حكى الشيخ أبو علي الخلاف في شرح الفروع فقال رأيت بعض أصحابنا قال هذا على القول الذي يجوز تفريق الطهارة لأنه غسل قدر اللمعة في المرة الثانية دون الأولى فهل تجزئه على قولين قال الشيخ أبو علي وهذا غلط جدا لأنا إن لم نجوز التفريق فهو قد غسل جميع بدنه بنية الجنابة فأجزأ الكل كما أجزأ قدر اللمعة
قال ومثل هذه المسألة ما قال المزني لو أن رجلا صلى الظهر ونسي سجدة منها ثم أدرك تلك الصلاة بعينها تصلى جماعة فصلاها وعنده أنه قد أداها مرة على الكمال لم يجزه ما فعل عن الفرض وعليه أن يعيد مرة ثالثة إذا علم أنه قد ترك سجدة من الفعلة الأولى ولو كانت المسألة بحالها صلى الظهر وترك منها سجدة ثم أدرك تلك الصلاة بعينها وقد نسي أن يكون صلى واحدة فصلاها على أنها عليه ثم تذكر أنه كان قد صلاها مرة وترك سجدة منها أجزأه الثاني ولم يضره ما أغفله منها في المرة الأولى
وذكر الشيخ أبو علي في هذه المسألة ما إذا اغتسلت المرأة بعد الحيض لتمكين الزوج فقط هل يرتفع حدثها والمسألة فيها وجوه كثيرة مشهورة إلا أن الصحيح عند الرافعي والنووي والشيخ الإمام أن الحدث يرتفع فنقله الشيخ أبو علي عن شيخه وهو القفال ثم قال رأيت للكثير من أصحابنا أنه لا يصح
انتهى
فتكون الجماعة قد صححوا خلاف ما عليه الكثير من الأصحاب على ما نقل الشيخ أبو علي
"""
صفحة رقم 347 """
وبعض الناس سأل أما هذه المسألة أعني ما إذا نوت تمكين الزوج فقط غير المسألة المشهورة إذا نوى رفع بعض الأحداث وعينها ذات الأوجه
والجواب أن الفارق أن الذي لا يصحح هنا علته كما قال الشيخ أبو علي أن اغتسالها وقع لما ينقضه وهو الجماع فليس في ضمنه رفع الحدث ولا يوجب صحته في حق الوطء أن يصح في حق الصلاة
واستدل عليه الشيخ أبو علي بالمذهب في أن الذمية إذا اغتسلت لتحل لزوجها المسلم يصح في إباحة الوطء دون الصلاة لو أسلمت
قلت ويشهد له أن المرأة التي زال حيضها لو نوت بالغسل الصلاة فقط لجاز للزوج الوطء بلا شك على هذا فدل على أن المأخذ ليس هو استباحة بعض ما يستباح وحده
قال الإمام في الأساليب في تقويم الطعام المغصوب الإنسان إذا أشار إلى طعام غيره فقال ألي وذكر لآخر ذلك وأباح له أكله فإذا غرمه رجع على من غره وإن لم تثبت يد الغار عليه تعويلا على الغرور
وهذا مذهب حكاه الشيخ أبو علي وارتضاه لنفسه وهو جار على طرق قياس الغرور
انتهى كلام الأساليب
قال الشيخ أبو علي في شرح التلخيص بعد ما حكى الخلاف في التفريق بين الجارية وولدها المرهونة بالبيع ما نصه ولو كان للراهن سوى الجارية وولدها كلف قضاء الدين منه ولا تباع لأن بيعها دون الولد أو مع الولد وليس برهن كلاهما ضرورة فلا يصار إليه مع وجود المال
ويحكى هذا عن أبي إسحاق المروزي وقد
"""
صفحة رقم 348 """
نقله عنه صاحب التعجيز في شرحه للوجيز وهو غريب حسن لا ينبغي أن يختلف فيه
قطع نبات الحرم غير الإذخر
حكى الإمام في النهاية عن شرح التخليص للشيخ أبي علي وجهين فيما لو احتيج إلى قطع نبات غير الإذخر من الحرم للدواء هل يجوز قطعه قياسا على الإذخر وتبعه الغزالي والرافعي ومن بعدهما ولم أر في شرح التلخيص للشيخ أبي علي عن حكاية الوجهين إلا في وجوب الجزاء أما القطع فجزم بجوازه
391
حسين بن عبد العزيز بن محمد
"""
صفحة رقم 349 """
392
الحسين بن علي بن جعفر بن علكان
ابن الأمير أبي دلف العجلي أبو عبد الله الجرباذقاني المعروف بابن ماكولا
ولي قضاء القضاة ببغداد من قبل القادر بالله أمير المؤمنين وكان قد ولي قبلها قضاء البصرة
قال الخطيب وكان نزها عفيفا لم نر قاضيا أعظم نزاهة منه ولا أظلف نفسا
وسمعته يذكر أنه سمع الحديث بأصبهان من أبي عبد الله بن مندة الحافظ
مات في ثامن عشر شوال سنة سبع وأربعين وأربعمائة
وقيل إن مولده سنة ثمان وستين وثلاثمائة
393
الحسين بن علي الطبري
صاحب العدة الموضوعة شرحا على إبانة الفوراني
إمام كبير
"""
صفحة رقم 350 """
تفقه على ناصر العمري بخراسان
وعلى القاضي أبي الطيب ببغداد صغيرا ولازم بعده الشيخ أبا إسحاق الشيرازي وبرع وصار من عظماء أصحابه
ودرس بالنظامية بعد أبي القاسم الدبوسي منفردا ثم اشترك فيها مع أبي محمد الفامي فكان يدرس كل منهما يوما إلى أن قدم الغزالي فعزلا جميعا به إلى أن ترك الغزالي تدريسها في سنة تسع وثمانين وأربعمائة فأعيد صاحب العدة إلى التدريس
وكان إماما كبيرا أشعري العقيدة جرت بينه وبين الحنابلة القائلين بالحرف والصوت خطوب
وسمع الحديث من القاضي أبي الطيب والشيخ أبي إسحاق وغيرهما
وسمع صحيح مسلم من عبد الغافر الفارسي
روى عنه إسماعيل الحافظ والسلفي وآخرون
وجاور بمكة وصار له بها أعقاب وأولاد
والأقرب أنه توفي سنة خمس وتسعين وأربعمائة لا أدري بمكة أم بأصبهان
"""
صفحة رقم 351 """
وهذا الذي ذكرته في ترجمته ملخص من اختلاف كثير وقع نبهت عليه في الطبقات الوسطى واقتصرت هنا على ما وقع لي أنه الصواب
"""
صفحة رقم 352 """
ومن المسائل والغرائب عنه
مسألة تعمد الكذب هل هو من الصغائر أو الكبائر حتى ترد الشهادة بالمرة الواحدة منه هذه المسألة قد استبهم علي وجه النقل فيها فقضية ما وجدته في أكثر الكتب أي كتب المتقدمين من أصحابنا يشهد لكونه كبيرة وقضية ما وجدته في أكثر كتب المتأخرين يشهد لكونه صغيرة والنفس إلى الأول أميل لكثرة الأحاديث الواردة في التحذير منه
وقد جمعت في الأحاديث الواردة فيه مجلسا جامعا وقد لخص الكلام بكذب فيه ضرر وأما ما لا ضرر فيه وفيه غرض صحيح فلا يخفى لخروجه عن المعصية مطلقا
وأما ما لا غرض فيه صحيح ولا ضرر فقد يقال إنه صغيرة ولكنه مسقط للمروءة فترد به الشهادة من هذا الوجه وقد يقال بل ما فيه ضرر كبيرة وما لا ضرر فيه موضع النظر في أنه كبيرة أم صغيرة
وبالجملة الكلام في الكذب من حيث هو كذب ذكر الرافعي في كتاب الشهادات أن صاحب العدة عد من الصغائر الكذب الذي لا حد فيه ولا ضرر وسكت عليه الرافعي والنووي في باب الرهن وفي الباب الرابع في النزاع ولو زعم كل واحد منهما أنه ما رهن نصيبه وأن شريكه رهن وشهد عليه فوجهان ويقال قولان أحدهما وبه قال الشيخ أبو حامد أنه لا تقبل شهادة واحد منهما لأن المدعي يزعم أن كل واحد منهما كاذب ظالم بالجحود وطعن المشهود له في الشاهد يمنع قبول شهادته
"""
صفحة رقم 353 """
والثاني تقبل وبه قال الأكثرون لأنهما ربما نسيا وإن تعمدا فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق ولهذا لو تخاصم رجلان في شيء ثم شهدا في حادثة تقبل شهادتهما وإن كان أحدهما كاذبا في ذلك التخاصم
انتهى
وقال في كتاب الشهادات بعد كلامه المتقدم فيمن يمدح الناس ويطري إذا كان كذبا محضا
عامة الأصحاب وهو ظاهر كلام الشافعي أنه كسائر أنواع الكذب حتى إذا أكثر منه ردت شهادته كما إذا أكثر الكذب في غير الشعر
وعن القفال والصيدلاني لا يلتحق بالكذب لأن الكاذب يرى الكذب صدقا ويروجه وليس غرض الشاعر أن يصدق في شعره وإنما هو صناعة وعلى هذا فلا فرق بين القليل والكثير وهذا حسن بالغ
انتهى
ولست على ثقة بأن قوله حتى إذا أكثر منه ردت شهادته إلى آخره من منقوله عن عامة الأصحاب بل قد يكون زيادة من عنده فرعها على قول الأكثرين أنه كسائر أنواع الكذب فلما كان في ذهنه مع ذلك أن سائر أنواع الكذب يفرق بين قليله وكثيره ذكر هذه الزيادة
كذا أحسب
وقال الروياني في البحر فرع
لو كذب عن قصد ردت شهادته وإن لم يكن فيما يقوله من الكذب ضرر على غيره من نميمة أو بهتان لأن الكذب حرام بكل حال
قال القفال إلا أن يقول ذلك على مذهب الكتاب والشعراء وفي المبالغة في الكلام مثل أن يشبه الرجل في الشجاعة بالأسد ولعله من أجبن الناس وبالبدر حسنا
وإنما يعد تنزيلنا للكلام وهو بمنزلة لغو اليمين لا حكم له
وقد روى موسى بن شيبة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أبطل شهادة رجل من كذبة كذبها
وهذا مرسل
انتهى لفظ البحر
"""
صفحة رقم 354 """
وبه تبين أيضا أن قول الرافعي وعلى هذا لا فرق بين القليل والكثير بحث منه وليس هو من كلام القفال والصيدلاني لأن القفال أطلق القول ولم يبين تعميمه وقد يفرق مع ذلك بين القليل والكثير فلينظر
من هذا مسألة إدخال المجانين والصغار المسجد
ذكر الرافعي عن صاحب العدة ساكتا عليه أنه عد من صغار الذنوب إدخال الصغار والمجانين والنجاسات المسجد
فأما النجاسات فواضح كونه معصية وأما إدخال الصغار والمجانين فلعل المراد إدخالهم مع الغفلة عنهم بحيث لا يؤمن أذاهم في المسجد وإلا فمجرد إدخالهم لا يظهر تحريمه
عد في العدة أيضا التغوط في طريق المسلمين وكشف العورة في الحمام من صغائر الذنوب كما نقله عنه الرافعي ساكتا عليه
فرع من باب صول الفحل
قال صاحب العدة فيها في الباب الثاني من أبواب ثلاثة عقدها في الضمانات وهو باب صول الفحل ما نصه فإن قطع يد رجل عند القصد فلما تولى تبعه وقتله كان لوليه القصاص في النفس لأنه حين ولى عنه لم يكن له أن يقتله ولورثة المقصود أن يرجعوا في تركه القاصد بنصف الدية لأن القصاص سقط عنه بهلاكه
ا ه
"""
صفحة رقم 355 """
وهو صحيح والضمير في قوله قطع عائد على القاصد وفي تبعه عائد على المقصود
إلى أن قال الصائل قطع يد رجل صيالا ثم تولى فتبعه المقطوع المقصود فقتله فورثه المقتول وهو الصائل ترجع على ورثة المقطوع وهو المصول عليه ابتداء بالقصاص وترجع ورثة المقطوع إذا قتل قصاصا على ورثة المقتول بنصف الدية ليد مورثهم المقطوعة ظلما بالصيال
فهذا صحيح وقد نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم فقال قبل ما جاء في الرجل يقتل ابنه من جراح العمد ما نصه ولو شهدوا أنه أقبل إليه في صحراء بسلاح فضربه فقطع يدي الذي ارتد ثم ولى عنه فأدركه فذبحه أقدته منه وضمنت المقتول دية يدي القاتل ا ه
والمسألة من مشهورات المنصوصات وقد وقع فيها شيء عجيب وذلك أن صاحب البيان فهم أن المقطوع هو المقتول وهو الصائل فاعترض باعتراض صحيح لو كان الأمر على ما فهمه وتبعه الرافعي والنووي رحمهما الله
وهذه عبارة البيان وإن قصده فقطع يده فولى عنه ثم تبعه فقتله كان لوليه القصاص في النفس لأنه لما ولى عنه لم يكن له قتله
قال في العدة ولورثة المقصود أن يرجعوا في تركة القاصد بنصف الدية لأن القصاص سقط عنه بهلاكه والذي يقتضيه المذهب أنهم لا يرجعون بشيء كما لو اقتص منه فقطع يده ثم قتله فلأن النفس لا تنقص بنقصان اليد ولهذا لو قتل رجل له يدان رجلا ليس له إلا يد واحدة قتل به ولا شيء لورثة القاتل
ا ه لفظه
والاعتراض ناشىء عن فهمه أن المقطوع يده هو الصائل وتبعه الرافعي واقتصر
"""
صفحة رقم 356 """
على عزو المسألة إلى البيان وصرح بأن المقطوع يده هو الصائل فقال وفي البيان أنه لو قطع يد الصائل في الدفع إلى آخر كلام البيان وسكت عليه وتبعه النووي وهما معذوران ولو نظرا النص لقالا ولو قطع يد المصول عليه وتعلما أن اعتراض العمراني في البيان ناشىء عن تصوير المسألة على غير وجهها
394
الحسين بن محمد بن أحمد أبو علي القاضي المروروذي
الإمام الجليل أحد رفعاء الأصحاب ومن له الصيت في آفاق الأرضين
وهو صاحب التعليقة المشهورة وساحب ذيول الفخار المرفوعة المجرورة وجالب التحقيق إلى سوق المعاني حتى يخرج الوجه من صورة إلى صورة السامي على آفاق السماء والعالي على مقدار النجم في الليلة الظلماء والحال فوق فرق الفرقد وكذا تكون عزائم العلماء قاض مكمل الفضل فلو يتعرف به النحاة لما قالت في قاض إنه منقوص وبحر علم زخرت فوائده فعمت الناس وتعميم الفقهاء بها للخصوص وإمام تصطف الأئمة خلفه كأنهم بنيان مرصوص
كان القاضي جبل فقه منيعا صاعدا ورجل علم من يساجله يساجل ماجدا
"""
صفحة رقم 357 """
وبطل بحث يترك القرن مصفرا أنامله قائما وقاعدا
روى الحديث عن أبي نعيم عبد الملك الإسفرايني
روى عنه عبد الرزاق المنيعي وتلميذه محيي السنة البغوي وغيرهما
وتفقه على القفال المروزي وهو والشيخ أبو علي أنجب تلامذته وأوسعهم في الفقه دائرة وأشهرهم به اسما وأكثرهم له تحقيقا وللقاضي رحمه الله مع ذلك الغوص على المعاني الدقيقة وكثرة التحرير وسداد النظر
ذكره عبد الغافر في السياق وقال فيه فقيه خراسان
قال وكان عصره تاريخا به
قال الرافعي وكان يقال له حبر الأمة
قلت وفي كلام إمام الحرمين أنه حبر المذهب على الحقيقة
وتخرج عليه من الأئمة عدد كثير منهم إمام الحرمين وصاحب التتمة والتهذيب المتولي والبغوي وغيرهم
قال الرافعي سمعت سبطه الحسن بن محمد بن الحسين بن محمد بن القاضي الحسين يقول أتى القاضي رحمه الله رجل فقال حلفت بالطلاق أنه ليس أحد في الفقه والعلم مثلك فأطرق رأسه ساعة وبكى ثم قال هكذا يفعل موت الرجال لا يقع طلاقك
وقد تكلمنا على هذه الحكاية في أول ديباجة هذا الكتاب
"""
صفحة رقم 358 """
توفي القاضي رحمه الله في المحرم سنة اثنتين وستين وأربعمائة ومن شعره
إذا ما رماك الدهر يوما بنكبة
فأوسع لها صدرا وأحسن لها صبرا
فإن إله العالمين بفضله
سيعقب بعد العسر من فضله يسرا
ومن الرواية عنه وهي عزيزة
أخبرنا محمد بن إسماعيل الحموي قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن محمد البعلي أخبرنا أبو المجد محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين القزويني أخبرنا الإمام أبو منصور محمد بن أسعد بن محمد المعروف بحفدة العطاري
ح وأخبرنا جماعة من مشايخنا منهم الحافظان أبو الحجاج المزي وأبو عبد الله الذهبي عن أبي الحسن بن البخاري عن فضل الله بن محمد النوقاني قالا أخبرنا الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي قال حفدة سماعا وقال فضل الله إجازة أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن علي بن الشاة حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد حفيد العباس بن حمزة حدثنا جدي العباس بن حمزة حدثنا محمد بن مهاجر حدثنا أبو معاوية وعبد الله بن نمير وأبو أسامة قالوا حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة
"""
صفحة رقم 359 """
561
يعقوب بن سليمان بن داود أبو يوسف الإسفرايني
خازن كتب المدرسة النظامية ببغداد
562
يوسف بن أحمد بن كج القاضي الإمام أحد أركان المذهب أبو القاسم الدينوري
صاحب أبي الحسين بن القطان وحضر مجلس الداركي وكان يضرب به المثل في حفظ المذهب وارتحل الناس إليه من الآفاق وأطنبوا في وصفه بحيث يفضله بعضهم على الشيخ أبي حامد
وقال له فقيه يا أستاذ الاسم لأبي حامد والعلم لك قال ذاك رفعته بغداد وحطتني الدينور
"""
صفحة رقم 360 """
وجهين الجواز لأنه استقبل القبلة والمنع لأن قبلته وجه دابته
أقر في مرض موته بأن ما في هذا الدار لفلان ومات فتنازع المقر له والورثة في بعض أمتعة الدار فقال الورثة لم يكن هذا في الدار وقت الإقرار
أجاب القاضي الحسين بأن القول قول المقر له لأنه أقر له بما في الدار وقد وجدنا هذا الشيء موضوعا فيها بعد الإقرار
وقال البغوي لا تسمع الدعوى على أنه كان في الدار لأن كونه في الدار غير مقصود بل يدعي أن الأب أقر لي به والقول قول الوارث مع يمينه يحلف أنه لا يعلم إقرار الأب به
قلت نظير المسألة أن يقر بما في يده ثم يتنازع مع المقر له في شيء هل كان في يده وقت الإقرار
والمجزوم به في الرافعي والروضة أن القول قول المقر وهو يشهد لما قاله البغوي هنا
رجل ضل شمشكه في ضيافة وترك هناك شمشك آخر
قال القاضي الحسين ليس له لبسه وإن علم أنه شمشك من أخذ شمشكه وإن فعل عصى الله
وقع في شرح المنهاج للوالد رحمه الله أن القاضي الحسين منع استئجار الوالد ولده للخدمة والذي في تعليقة القاضي نقل ذلك عن أبي حنيفة فقط
ومن الغرائب أن مثل هذا وقع للنووي في الروضة فحكاه وجها والذي في الرافعي عزوه إلى أبي حنيفة فقط
في فتاوي القاضي أنه لو دخل سارق دار إنسان فلم يمكنه الخروج زمانا وبقي مختفيا لا يجب عليه أجرة المثل لأنه لم يستول عليها بإزالة يد المالك بخلاف الغاصب
"""
صفحة رقم 361 """
قلت وقد تنازع في هذا القول صاحب التتمة فيمن جلس مع غيره على بساطه بغير إذنه أنه يلزمه الأجرة وإن لم يزعج المالك ولكن الفرق أن الجالس على البساط قاصد الانتفاع بخلاف السارق فإن الضرورة أرهقته
ومن مسألة التتمة لا مسألة القاضي يؤخذ فرع كثير الوقوع
شخص يدخل دار غيره على سبيل التنزه دون الغصب فالظاهر وجوب الأجرة عليه وليس كمسألة السرقة وبل هو أولى بالوجوب من مسألة التتمة
قال القاضي في التعليقة عند نية الخروج من الصلاة إذا عين الخروج عن غير ما هو فيه عامدا بطلت سواء اشترطنا نية الخروج أم لم نشترطها لأنه أبطل ما هو فيه بنية الخروج عن غيره
وخرجه فيما إذا كان ساهيا على وجوب نية الخروج
والذي جزم به الرافعي تفريعا على وجوب نية الخروج إنما هو البطلان عند التعمد لا عند السهو وتفريعا على عدم الوجوب أنه لا يضر الخطأ في التعيين
فرع مهم في الدين فيه خلاف بين القفال والقاضي
قال القاضي في التعليقة في باب صفة الصلاة بعد كلامه على التشهد في المرء يتيقن أنه ترك في عمره صلوات لا يدري كم عددها ما نصه فرع رجل عليه فوائت لا يدري قدرها ولا عددها
كان القفال يقول يقال له قدم وهمك وخذ بما تتيقن فما تيقنت وجوبه في ذمتك فعليك قضاؤه وما شككت في وجوبه فلا
"""
صفحة رقم 362 """
بخلاف ما لو شك في أداء فرض الوقت يلزمه فعله لأن الأصل وجوبه في الذمة ووقع الشك في سقوطه عن ذمته وفيما نحن فيه شك في أصل الوجوب قبل اليقين والطريق فيه أن يقال له إذا كان عدد من الصبح أو الظهر هل تتيقن أنه صبح أو ظهر واحد فإن قال نعم قلنا عليك فعلها
ثم نقول هل تتيقن أنها صبحان أو ظهران فإن قال نعم
قلنا عليك فعلها
وهكذا إلى أن ينتهي إلى حال يشك فيه فنطرح عنه المشكوك ونكلفه أداء اليقين
قال القاضي الحسين وعندي يقال للمصلي كم تيقنت من فرائض هذه السنة قد أديتها فالذي تيقنت سقط عنك والباقي في ذمتك لأن الأصل اشتغال ذمتك بالفريضة
وما قاله القفال يخرج على القول القديم أنه لو شك أنه هل ترك ركنا من أركان الصلاة فعلى قوله القديم الأصل مضيه على السلامة وفي الجديد يلزمه الاستئناف لأن الأصل اشتغال ذمته به ولو أنه على الشك قضى فائتة فالذي يرجى فيه من فضل الله تعالى أن يجبر بها خللا في الفرائض ويحسبها له نفلا
سمعت بعض أصحاب القاضي أبي عاصم يقول إنه قضى صلوات عمره كلها مرة وقد استأنف قضاءها ثانيا
ومن مذهب أبي حنيفة لو مرت عليه فوائت فأراد أن يقضيها ينوي أولا أول صبح فاته أو أول ظهر ثم بعد ذلك ينوي ما يليه أو ينوي آخر ظهر أو آخر صبح ثم ينوي ما يليه فيستحب أن ينوي على هذا الوجه
ولو أطلق النية فنوى قضاء فائتة الصبح أو الظهر جاز
انتهى كلامه في التعليقة
"""
صفحة رقم 363 """
مسألة من باب الدعوى في الميراث
إذا مات مجهول الدين وله ولدان مسلم ونصراني قال كل منهما لم يزل على ديني حتى مات
جعلت التركة كمال في يد اثنين تنازعاه
وقال القاضي حسين إن كان في يد أحدهما فالقول قوله
قال الغزالي وهذه زلة لأنه معترف بأن يده من جهة الميراث فلا أثر ليده مع ذلك
واعلم أن الغزالي تلقى هذا الكلام من إمامه غير أن إمامه جعل الحمل فيه على الناقل عن القاضي مع تصريحه بأن القاضي قاله وهذا عجيب
وهذه عبارة النهاية وقد ذكر القاضي أنا ننظر إلى اليد فإن كانت التركة في يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه وهذا وهم وزلل من الناقل عنه
انتهى
فكأنه وإن أبصره في كتاب القاضي لم يتحقق أنه من قبله لعلو فهم القاضي عنده وضعف هذه المقالة
فأضاف الزلل إلى المعلق
وقد خلا كلام الغزالي عن هذه الزيادة لا سيما وفي بعض نسخ الوسيط وهذه زلة من كبير وهذا يكاد يصرح بثبوتها على القاضي وهو شيء فر منه الإمام لكن ما عزي للقاضي هو قول الشيخ أبي حامد شيخ العراقيين وجماعة كما قال الرافعي وليت شعري لم جعل زللا وما جعل جعلهم القول قول الثالث إذا كان المال في يده زللا وكان القياس إذا أقر به لأحدهما أن يكون الحكم كما لو كان في يدهما نظرا لما أبطل به الإمام كلام القاضي
وقد أطنب ابن الرفعة في المطلب في تأييد كلام القاضي وذكر هذا الذي ذكرناه وغيره
ولكني أقول الإمام في النهاية لم يذكر ما إذا كان المال في يد غيرهما والرافعي
"""
صفحة رقم 364 """
وإن كان جزم بأن القول قول الثالث لكنا لا ندري ما حال هذا الجزم عند الإمام
وقد ذكر ابن الرفعة أن القاضي عماد الدين بن السكري اعترض في حواشي الوسيط قائلا يمكن أن يقال يوقف فإن بيت المال يقول لعله مات على غير دينكما فيحتاج كل مدع إلى إثبات ما يدعيه وليس المال في يدهما بل قد علم أن المال كان في يد الميت الذي لم يعرف حاله
ونقل عن صاحب الشامل أنه ذكر وجها يوافق هذا البحث لكن ابن الرفعة قال إن هذه الأوجه له لأن ما أبداه يحتمل فيما إذا توافقا أنه مات على دينهما أو كان واحد ومع ذلك لا يوافق اتفاقا
فرع في باب صفة الصلاة
قال القاضي في التعليقة ولو قال سلام عليكم من غير ألف ولام لم يتحلل به من الصلاة
نص الشافعي على أنه إذا نقص حرفا منه تبطل به صلاته
ولو قال سلام عليكم وزاد التنوين ونقص الألف واللام فيه وجهان أحدهما يقوم التنوين مقامه فيقع به التحلل
والثاني لا
ولو قال سلام عليكم من غير التنوين ترتب على التنوين أن قلنا لا يخرج به عن صلاة فهنا أولى وإلا فوجهان أحدهما يخرج من الصلاة كذلك لأن إسقاط التنوين لا يغير معناه فهو كما لو قاله منونا
انتهى
"""
صفحة رقم 365 """
ومسألة سلام عليكم منكرا منونا مشهورة ورجح الرافعي فيها الإجزاء والنووي عدم الإجزاء وقال إنه المنصوص
أما مسألة سلام منكرا غير منون فغريبة ومن العجب أن الشيخ برهان الدين ابن الفركا نقل فيها في تعليقه على التنبيه أن القاضي قال لا يجزىء
وكأنه نظر أول ما حكيناه من كلامه
ولو تأمل آخره لوجده قد حكى فيها وجهين كما رأيت
وفي كتاب سر الصناعة لابن جني أن أبا الحسن حكى عنهم سلام عليكم غير منون ووجهه بأن اللفظة كثرت في كلامهم فحذف تنوينها تخفيفا
"""
صفحة رقم 366 """
395
الحسين بن محمد بن الحسين الفوراني الإمام أبو علي البيهقي
قال عبد الغافر فيه ركن من أركان أصحاب الشافعي بناحية بيهق مدرسهم ومفتيهم ومذكرهم والمرجوع إليه في مهمات الأمور دينا ودنيا فيهم
هذا ما ذكره عبد الغافر نقلته من منتخب كتابه
وذكره في طبقة القاضي الحسين وأقرانه
396
الحسين بن محمد بن الحسن أبو القاسم الفارسي
مات في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وأربعمائة
397
الحسين بن محمد بن الحسن بن إبراهيم
أبو علي الدلفي المقدسي البغدادي
تفقه على ابن الصباغ
قال أبو علي بن سكرة لم ألق ببغداد أصلح منه ولا أزهد
"""
صفحة رقم 367 """
كان في سنة أربع وثمانين وأربعمائة
398
الحسين بن محمد بن عبد الله
الشيخ الإمام الكبير أبو عبد الله الحناطي الطبري
والحناطي بحاء مهملة بعدها نون مشددة وهذه النسبة لجماعة من أهل طبرستان منهم هذا الإمام ولعل بعض آبائه كان يبيع الحنطة
كان الحناطي إماما جليلا له المصنفات والأوجه المنظورة
قدم بغداد وحدث بها عن عبد الله بن عدي وأبي بكر الإسماعيلي ونحوهما
قال الخطيب حدثنا عنه أبو منصور محمد بن أحمد بن شعيب الروياني والقاضي أبو الطيب الطبري
قلت وقال القاضي أبو الطيب في تعليقته في باب التحفظ في الشهادة عند الكلام على الحناطي كان الحناطي رجلا حافظا لكتب الشافعي ولكتب أبي العباس
انتهى
ذكره بعد ما قال الذي شاهدت عليه أصحابنا العراقيين أنهم يقولون إن المذهب أن شهادته لا تسمع وأن ابن سريج قال تسمع وأنه سمع الحناطي يعكس ويقول المذهب أنها تسمع وابن سريج يقول لا تسمع
"""
صفحة رقم 368 """
قلت والأول ما نقله الحسن بن أحمد البصري في كتاب أدب القضاء فإنه ذكر أن أكثر أصحابنا قالوا لا تقبل وإن ابن سريج قال تقبل
قال وهو القياس
قلت ووفاة الحناطي فيما يظهر بعد الأربعمائة بقليل أو قبلها بقليل والأول أظهر
ومن الغرائب والمسائل عن الحناطي
رأيت في فتاويه أنه لا يجوز جعل الذهب والفضة في كاغد كتب عليه ) بسم الله الرحمن الرحيم ( وأوقفت الشيخ الإمام الوالد على ذلك فأقره
وفيها أن من صلى في فضاء من الأرض بأذان وإقامة ثم حلف أنه صلى في جماعة أنه يبر لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الملائكة تصلي خلفه ) ووافقه الشيخ الإمام أبي رحمه الله
وأنه لو قال لغريمه أحللتك في الدنيا دون الآخرة برىء في الدارين لأن البراءة في الآخرة تابعة للبراءة في الدنيا
قلت وقد ينازع في ذلك ويقال لا يلزم من البراءة في الدنيا البراءة في الآخرة
"""
صفحة رقم 369 """
وإنما هو كتأجيل الدين ولا أعني صيرورته مؤجلا وأن الحال لا يؤجل وإنما أعني نحو الوصية أو نذر تأخير المطالبة وكأنه ترك حقه من المطالبة في الدنيا نعم يتجه أن يقال لا يبرأ مطلقا ويبقى الدين في ذمته كما كان غير أن الدائن لا يستحق المطالبة به في الدنيا وإن أحب المدين البراءة الكلية التي لا يتبعه معها في دنيا ولا أخرى وفي الدائن دينه ثم للدائن أخذه ولا يمنعه إبراؤه في الدنيا لأنا قد قلنا إن معنى الإبراء في الدنيا ترك حق المطالبة فغايته تأجيل الحال ثم من له دين مؤجل قد يعجل له
فإن قلت أيصح رد كلام الحناطي بأن يعكس قوله لما أبرأه في الدنيا بريء في الآخرة ويقال لما لم يبرأ في الآخرة لم يبرأ في الدنيا يعين ما قاله فإنه علله بأن الآخرة تابعة وكما لا ينفصل التابع عن المتبوع كذلك لا ينفصل المتبوع عن التابع وذلك شأن المتلازمين
قلت لا يصح ذلك لأن إعمال قوله أبرأتك في الدنيا أولى من إعمال لم أبرئك في الآخرة فإن قوله دون الأخرى لا يزيد على أنه بقي الأمر في الآخرة على ما كان عليه
وذلك مستفاد من قبل الإبراء وهو إنما أصدر الإبراء في الدنيا وجعل صدر كلامه مكانه أولى بأن ينظر إليه ويحذف ما بعده لوقوعه كالمعارض له فهو يشبه رفع الشيء بعد ثبوته فلا يسمع كألف من ثمن خمر
وأنه سئل عن مريض تحقق موته في مرضه هل تصح وصيته فقال لا تصح ولا قصاص على قاتله وإن أثم
انتهى
ومراده من انتهى إلى حركة المذبوحين ولم يبق فيه حياة مستقرة ولا يحمل التأخير لحظة
"""
صفحة رقم 370 """
وبذلك صرح العراقيون في كتاب الوصايا فقال الشيخ أبو حامد إذا كان في النزع وقد شخص بصره وانتصبت عيناه فلا قود ولا دية ولا كفارة
وتبعه جماعات منهم المتولي والرافعي والنووي لكنهم جميعا صرحوا في كتاب الجراح بوجوب القود فقالوا والعبارة للإمام رضي الله تعالى عنه لو انتهى المريض إلى سكرات الموت وبدت مخايله وتغيرت الأنفاس في الشراسيف فلا يحكم له بالموت وإن كان يظن أنه في حالة المقدود لأن بلوغه إلى تلك الحالة غير مقطوع وقد يظن به ذلك ثم يشفى بخلاف المقدود
قال الإمام وكم من مذفف شق عليه الجيوب وشد حنكه ثم تثور قوته وتعود فلا يتصور الحكم بالموت على ثقة ما لم يخمد ويفض نفسه فإذا ضرب ضارب رقبته وهو يتنفس فنجعله قاتلا على التحقيق
هذا كلام الإمام وتبعه الأصحاب وسبقه غيره وهو منصوص للشافعي رضي الله عنه
ولقائل أن يقول التعبير بأنه في سكرات الموت وأنه انتهى إلى حركة المذبوح مع تفرقتهم بأن بلوغه إلى تلك الحالة غير مقطوع ليس بصواب بل الصواب التعبير بعبارة صاحب المهذب فإنه قال في الأم من جنى على رجل يرى من حضره أنه في السياق وأنه يقبض مكانه فضربه بحديدة فمات فعليه فيه القود لأنه قد يعيش بعد ما يرى أنه يموت
انتهى
وأنه وصل إلى حركة المذبوح قد لا يكون في نفس الأمر كذلك فيجب القصاص على قاتله وهو ما جزم به الأصحاب في كتاب الجراح
ومن تيقنا أنه انتهى إلى حركة المذبوح وأن الحياة فيه غير مستقرة فلا قصاص
"""
صفحة رقم 371 """
فيه وهو ما ذكره في باب الوصايا فلا تناقض بين الموضعين
ومن شككنا أنه وصل إلى هذه الحالة فالصواب ألا يحكم بوصوله إليها وأن نوجب القصاص على قاتله جريا على الأصل
هذا ما يظهر وبه يجتمع كلام الأصحاب في الوصايا والجراح ولا يعد تناقضا وإنما أتي من أتي من سوء التعبير
فإذا قال قائل يجب القصاص على قاتل المريض وإن ظن انتهاؤه إل حركة المذبوح بخلاف من تيقن أنه انتهى إلى هذه الحالة كما صرحوا بالأول في الجراح وبالثاني في الوصايا كان مصيبا
وإذا زاد فقال لكن ما ذكروه في باب الوصايا لا يتحقق محله لأن تلك الحالة لا يتحقق الانتهاء إليها فإطلاق وجوب القصاص صحيح كان مصيبا أيضا
وهذا مختصر من جملة مطولة متشعبة في كلام الأصحاب قد لخصتها لك هنا خرج لك منا أن ما ذكره الحناطي في فتاويه وإن كان حقا في نفس الأمر إذا حمل على من تيقن أنه انتهى إلى حركة المذبوح وقع ألفاظا وفقا لما ذكره في باب الوصايا لكنه غير معمول به لعدم تيقن تلك الحالة وأما الظن بالحناطي أنه يقول لا قصاص وإن لم ينته إلى حركة المذبوح إذا تيقنا موته بذلك المرض فهذا ظن باطل إذ لا يقول بذلك عاقل بل لو تيقنا موته بذلك المرض وأنه لا يعيش إلا لحظة واحدة فقتله قاتل وجب عليه القود جزما لأن الموت محال على قتله فإن المرض قد كان يبقيه تلك اللحظة ففوتها القاتل عليه وإن كان القاتل عندنا معاشر أهل السنة لا يقطع أجلا لكن ذلك واد آخر من غير هذا الوادي الفقهي الذي نحن الآن نمشي فيه
"""
صفحة رقم 372 """
399
الحسين بن محمد الطبري الشيخ أبو عبد الله الإمام الكشفلي
وكشفل بفتح الكاف وضم الفاء بينهما شين معجمة ساكنة وآخرها اللام من قرى آمل طبرستان
تفقه على أبي القاسم الداركي وتفقه قبله على أبي عبد الله الحناطي
قال الشيخ أبو إسحاق كان فقيها مجودا موصوفا بجودة النظر
"""
صفحة رقم 373 """
وقال الخطيب كان من فقهاء الشافعيين
قال ودرس في مسجد عبد الله بن المبارك بعد موت أبي حامد الإسفرايني
قال وكان فهما فاضلا صالحا متقللا زاهدا
وحكي أن بعض طلبته اشتكى إليه فاقة وأنه تأخرت عنه نفقته التي ترد عليه من أبيه فأخذ الكشفلي بيده وذهب إلى بعض التجار بقطيعة الربيع فاستقرض له منه خمسين دينارا فقال حتى نأكل شيئا
فمد السماط فأكلوا
ثم قال يا جارية هاتي المال
فأحضرت جاريته شيئا من المال فوزن منه خمسين دينارا ودفعها إلى الشيخ
فلما قاما إذا بوجه الفقيه قد تغير فقال له الكشفلي ما لك فقال يا سيدي قد سكن قلبي حب هذه الجارية
فرجع به إلى التاجر فقال وقد وقعنا في فتنة أخرى
قال ما هي قال إن الفقيه قد هوي الجارية
فأمر التاجر بأن تخرج وسلمها إليه وقال ربما تكون قد وقع في قلبها منه مثل الذي وقع في قلبه منها
فلما كان بعد ليال قدمت على الفقيه نفقة من أبيه ستمائة دينار فوفى التاجر ما كان له عليه من ثمن الجارية والقرض
"""
صفحة رقم 374 """
مات الكشفلي في ربيع الآخر سنة أربع عشرة وأربعمائة
ودفن بمقبرة باب حرب
400
الحسين بن محمد الوني
بفتح الواو وتشديد النون الشيخ أبو عبد الله الفرضي
كان متقدما في علم الفرائض له فيه تصانيف جيدة
قال ابن السمعاني وكانت له يد في علوم أخر وكان حسن الذكاء
سمع الحديث من أصحاب أبي علي الصفار وأبي جعفر بن البختري وغيرهما
وسمع منه أبو حكيم الخبري وغيره
قال ابن ماكولا سمعت أبا بكر الخطيب يقول حضرنا مجلس بعض المحدثين وكان معنا أبو عبد الله الوني فأملى أحاديث ونهضنا وقد حفظ الوني منها بضعة عشر حديثا
قتل الوني ببغداد في فتنة البساسيري سنة خمسين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 375 """
401
الحسين بن محمد أبو عبد الله القطان
صاحب المطارحات
ذكره الرافعي في كتاب الغصب وحكى قوله في المطارحات فيما إذا وطىء الغاصب المغصوبة وأحبلها المشتري ثم ماتت في الولادة في يد المالك أنه إن كان عالما فلا شيء عليه لأنه ليس منه أي لا يلحقه حتى يقال ماتت لولادة ولده
ونقل في صورة الجهل قولين لأن الولد لاحق به فيصح أن يقال ماتت من الولادة التي كانت منه
والذي أطلقه المتولي وصححه النووي القول بوجوب الضمان
وقد وقفت على المطارحات ورأيت ذلك فيها وهذه عبارتها مسألة رجل غصب جارية وباعها وأحبلها المشتري ثم استحقها المغصوب منه وردت عليه ثم ماتت في الولادة
الجواب إن كان المشتري عالما بالغصب لم يضمن الجارية لأن الولد الذي تلده لا يلحقه ولا يصح أن يقال ماتت من ولادة الولد الذي منه وإن كان غير عالم ضمن قيمة الجارية في ماله لأنه إذا لم يكن عالما بالغصب فالولد لاحق به فيصح أن يقال ماتت من الولادة التي كانت منه
وفي ذلك قول آخر أن قيمة الجارية على عاقلته
انتهى
وفي المطارحات رجل في يده قميص قال خاطه لي فلان
فقال فلان بل هذا قميصي إن القول قول من في يده القميص إلا أن يقول أخذته من هذا الخياط فالقول قول الخياط حينئذ والفرق أنه في الأول يحتمل أن يكون خاطه في يده
"""
صفحة رقم 376 """
أو في داره فيكون الخياط مدعيا والقول لصاحب اليد بخلاف ما إذا قال أخذته من هذا الخياط فإنه مقر للخياط باليد
402
حمد بن محمد بن العباس بن محمد بن موسى
يتصل نسبه بالزبير بن العوام أبو عبد الله الزبيري
ليس أبا عبد الله المشهور ذاك اسمه الزبير
وهذا رجل سمع الحديث الكثير وسافر في طلبه إلى خراسان ولقي الأئمة
وتفقه على ناصر العمري
وولي قضاء طبرستان وإستراباذ
وناظر الأئمة
وحدث عن أبي بكر أحمد بن الحسين بن الحافظ وأبي عبد الرحمن محمد بن أحمد المزكي وناصر العمري والشيخ أبي محمد الجويني وأبي عثمان سعيد بن سعيد العيار وغيرهم
روى عنه أبو القاسم السمرقندي وغيره
قال شيرويه قدم علينا همذان وسمعت منه ببغداد
وقال ابن السمعاني ولد قبل العشرين وأربعمائة وتوفي بنيسابور ليلة الجمعة لخمس بقين من ربيع الأول سنة أربع وسبعين وأربعمائة وحمل تابوته إلى آمل ودفن بها
"""
صفحة رقم 377 """
403
حكيم بن محمد بن علي بن الحسين بن أحمد بن حكيم الذيموني
الشيخ أبو محمد
منتسب إلى ذيمون بالمعجمة وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وضم الميم وسكون الواو بعدها ثم النون على فرسخين ونصف من بخارى
تفقه أبو محمد هذا على أبي عبد الله الخضري
ودرس الكلام على الأستاذ أبي إسحاق
وكان بصيرا بمذهب الأشعري قيما بمذهب الشافعي
توفي ببخارى في شهر ربيع الأول سنة عشر وأربعمائة
404
رافع بن نصر أبو الحسن البغدادي
الفقيه الزاهد المعروف بالحمال
روى عن أبي عمر بن مهدي الفارسي وأبي الحسن بن رزقويه وغيرهما
حدث عن سهل بن بشر الإسفرايني وجعفر السراج وغيرهما
"""
صفحة رقم 378 """
وكان فقيها متكلما
تفقه على الشيخ أبي حامد الإسفرايني
وأخذ علم الأصول عن القاضي أبي بكر
قال هياج بن عبيد كان لرافع الحمال في الزهد قدم وإنما تفقه أبو الحسن رافع على أبي إسحاق الشيرازي
ومن شعره يقول
اقطع الآمال عن فضل
بني آدم طرا
أنت ما استغنيت عن مثلك
أعلا الناس قدرا
توفي بها سنة سبع وأربعين وأربعمائة
كتب إلي أحمد بن أبي طالب أنبأنا الحافظ محمد بن محمود أخبرنا محمد بن أبي المعالي المقرىء أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عبد القادر ابن محمد بن يوسف قال سمعت رافعا الحمال البغدادي الفقيه ونحن نطوف بالبيت يقول سمعت بكرا الواعظ يقول وقد سئل أيهما أفضل محمد أو موسى فقال محمد
فقيل له فما الدليل على ذلك فقال إنه تعالى أدخل بينه وبين موسى لام الملك فقال ) واصطنعتك لنفسي ( وقال لمحمد ) إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ( ففرق بين من أقام وصفه بوصفه ومن أقامه مقام نفسه
"""
صفحة رقم 379 """
405
روح بن محمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق
القاضي أبو زرعة الرازي حفيد الإمام أبي بكر بن السني الحافظ الدينوري كتب عنه الخطيب وقال كان صدوقا فهما أديبا يتفقه على مذهب الشافعي
قال ابن الصلاح يطلق هو وغيره لفظة يتفقه على من ليس بمبتدىء في الفقه
سمع أبو زرعة من أبي زرعة أحمد بن الحسين الرازي وجعفر الفناكي وابن فارس اللغوي وأقرانهم
روى عنه الخطيب وغيره
مات سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة
406
زهير بن الحسن بن علي أبو نصر السرخسي
ولد بعد السبعين وثلاثمائة
وسمع من زاهر السرخسي
وتفقه على الشيخ أبي حامد الإسفرايني
"""
صفحة رقم 380 """
وروى السنن عن أبي عمر الهاشمي
وكان رئيس المحدثين بسرخس
توفي في شوال سنة أربع وخمسين وأربعمائة
407
سالم بن عبد الله
أبو معمر بفتح الميم وإسكان العين الهروي
ويعرف بغولجه بضم الغين المعجمة وبالجيم لغة هروية وهو تصغير غول
كان أحد أئمة الدين وعلماء المسلمين
ذكره العبادي في طبقة الشيخ أبي محمد وناصر المروزي وشبههما
وذكره أبو النصر في تاريخ هراة فقال وكان إماما في أنواع العلوم وهو الذي قيل فيه ما عبر جسر بغداد مثل سالم
صنف كتاب اللمع في الرد على أهل البدع في مسائل أصول الإعتقاد وما يخالف فيه أهل السنة أهل الاعتزال والإلحاد
روى عنه الحاكم
توفي سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 381 """
408
السري بن إسماعيل بن الإمام أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي أبو العلاء الجرجاني
شيخ عصره في العلم والأدب
رحل وسمع بالري وهمذان والكوفة وبغداد
وروى عن جده والدارقطني وأبي أحمد الغطريفي وأبي حفص بن شاهين وغيرهم
وكان مفتي جرجان بعد والده الإمام أبي سعد
تفقه به جماعة
توفي في سنة ثلاثين وأربعمائة
409
سرخاب بن يوسف بن محمد أبو طاهر البريدي
من أهل الري
"""
صفحة رقم 382 """
تفقه ببغداد
وسمع من أبي عبد الله أحمد بن عبد الله بن الحسين المحاملي وأبي القاسم بن بشران وغيرهما
روى عنه الخطيب
410
سعد بن عبد الرحمن الفقيه أبو محمد الإستراباذي
المذكور في الباب الثاني في أركان الطلاق من شرح الرافعي وفي فروع الطلاق أيضا
تفقه بنيسابور على ناصر العمري
وبمروالروذ على القاضي الحسين
ثم لازم إمام الحرمين وصار من أخصائه
وكان إماما بارعا
سمع أبا الحسين الفارسي وأبا حفص بن مسرور والكنجروذي
قال عبد الغافر الفارسي هو الفقيه البارع أحد أركان الفقه المختصين بإمام الحرمين بعد أن درس الفقه قديما على ناصر وغيره من فقهاء نيسابور ثم خرج إلى القاضي الحسين بمروالروذ وأقام عنده وتخرج به
توفي ليلة الجمعة خامس عشر شوال سنة تسعين وأربعمائة
"""
صفحة رقم 383 """
411
سعد بن علي بن الحسن أبو منصور العجلي الأسداباذي
نزيل همذان
قال ابن السمعاني كان ثقة مفتنا حسن المناظرة كثير العلم والعمل وكان مفتي همذان
سمع القاضي أبا الطيب وأبا إسحاق البرمكي
وسمع بمكة كريمة المروزية
روى عنه إسماعيل التيمي والسلفي إجازة
قال شيرويه قرأت عليه شيئا من الفقه وكان حسن المناظرة هيوبا
مات في ذي القعدة سنة أربع وتسعين وأربعمائة
412
سعد بن علي بن محمد بن علي بن الحسين الشيخ الحافظ الزاهد الورع أبو القاسم الزنجاني سمع بمصر أبا عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف وغيره
وبزنجان محمد بن أبي عبيد
وبدمشق عبد الرحمن بن ياسر وغيره
"""
صفحة رقم 384 """
روى عنه الخطيب وهو أكبر منه وأبو المظفر السمعاني ومحمد بن طاهر المقدسي وعبد المنعم بن القشيري وآخرون
جاور بمكة مدة وصار شيخ حرمها
قال أبو الحسن محمد بن أبي طالب الكرجي سألت محمد بن طاهر عن أفضل من رأى فقال سعد الزنجاني وعبد الله بن محمد الأنصاري
فسألته أيهما أفضل فقال عبد الله كان متفننا وأما الزنجاني فكان أعرف بالحديث منه وذلك أني كنت أقرأ على عبد الله فأترك شيئا لأجربه ففي بعض يرد وفي بعض يسكت والزنجاني كنت إذا تركت اسم رجل يقول تركت بين فلان وفلان اسم فلان
قال ابن السمعاني صدق كان سعد أعرف بحديثه لقلته وكان عبد الله مكثرا
قال أبو سعد سمعت بعض مشايخي يقول كان جدك أبو المظفر قد عزم على أن يقيم بمكة ويجاور بها صحبة الإمام سعد بن علي فرأى ليلة من الليالي والدته كأنها قد كشفت رأسها وقالت له يا بني بحقي عليك إلا ما رجعت إلى مرو فإني لا أطيق فراقك
فانتبهت مغموما وقلت أشاور الشيخ سعدا وهو قاعد في الحرم ولم أقدر من الزحام أن أكلمه فلما تفرق الناس وقام تبعته إلى داره فالتفت إلي وقال يا أبا المظفر العجوز تنتظرك ودخل البيت فعرفت أنه تكلم على ضميري فرجعت مع الحاج تلك السنة
قال أبو سعد كان الزنجاني حافظا متقنا ثقة ورعا كثير العبادة صاحب
"""
صفحة رقم 385 """
كرامات وآيات وإذا خرج إلى الحرم يخلو المطاف ويقبلون يده أكثر مما يقبلون الحجر الأسود
وقال محمد بن طاهر ما رأيت مثله سمعت أبا إسحاق الحبال يقول لم يكن في الدنيا مثل أبي القاسم الزنجاني في الفضل وكان يحضر معنا المجالس ويقرأ الخطأ بين يديه فلا يرد على أحد إلا أن يسأل فيجيب
قال ابن طاهر وسمعت هياج بن عبيد إمام الحرمين ومفتيه يقول يوم لا أرى فيه سعد بن علي لا أعتد أني عملت خيرا
وكان هياج من أولياء الله تعالى وفضلاء عصره
وقال ابن طاهر وكان الشيخ سعد لما عزم على المجاورة عزم على نيف وعشرين عزيمة أنه يلزمها نفسه من المجاهدات والعبادات ومات بعد ذلك بأربعين سنة ولم يخل بواحدة منها
قال ودخلت عليه وأنا ضيق الصدر من رجل من أهل شيراز لا أذكره فأخذت يده فقبلتها فقال لي ابتداء من غير أن أعلمه بما أنا فيه يا أبا الفضل لا تضيق صدرك عندنا في بلاد العجم مثل يضرب يقال بخل أهوازي وحماقة شيرازي وكثرة كلام رازي
ودخلت عليه لما عزمت على الخروج إلى العراق حتى أودعه ولم يكن عنده خبر من خروجي فلما دخلت عليه قال أراحلون فنبكي أم مقيمونا
"""
صفحة رقم 386 """
فقلت ما أمر الشيخ لا نتعداه
فقال على أي شيء عزمت قلت على الخروج إلى العراق لألحق مشايخ خراسان
فقال تدخل خراسان وتبقى بها وتفوتك مصر وتبقى في قلبك فاخرج إلى مصر ثم منها إلى العراق وخراسان فإنه لا يفوتك شيء
ففعلت وكان في ذلك البركة
ولد سعد في حدود سنة ثمانين وثلاثمائة أو قبلها
وتوفي سنة إحدى وسبعين أو في آخر سنة سبعين بمكة
413
سعد بن أبي سعد محمد بن منصور أبو المحاسن الجولكي
بضم الجيم بعدها الواو الساكنة ثم اللام المفتوحة وفي آخرها الكاف نسبة إلى جولك رجل من الغزاة استشهد على باب رباط دهستان
كان والده أبو سعد رجلا رئيسا من أهل جرجان ولي الرياسة بها إلى أن توفي فوليها بعده ولده هذا وكان ولده هذا يكنى أبا المحاسن
وكان فقيها بارعا محققا مناظرا
خلف أباه في حياته وهو ابن ثمان عشرة سنة
وتخرجت به الفقهاء
"""
صفحة رقم 387 """
وروى عن جده لأمه أبي سعد وأبي نصر الإسماعيلي ووالده أبي سعد الجولكي وغيره
ولد في جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة
وكان الأمير فلك المعالي منوجهر بن قابوس وشمكير أمير جرجان وجهه إلى غزنة رسولا سنة إحدى عشرة وأربعمائة فخرج وعقد له مجلس النظر بنيسابور وهراة وغزنة ورجع سالما غانما موقرا
قتل ظلما بأستراباذ في رجب سنة أربع وخمسين وأربعمائة
414
سعيد بن عبد العزيز بن عبد الله بن محمد أبو سهل النيلي أخو الشيخ أبي عبد الرحمن فقيه شاعر إمام في الطب ثقة في الحديث
وروى عن أبي عمرو بن حمدان وغيره
مات فجأة سنة عشر وأربعمائة عن سبع وستين سنة
"""
صفحة رقم 388 """
415
سليم بن أيوب بن سليم الشيخ الإمام أبو الفتح الرازي
اشتغل قبل الفقه بالتفسير والحديث واللغة
ثم سافر إلى بغداد فتفقه بها على الشيخ أبي حامد حتى برع في المذهب وصار إماما لا يشق غباره وفارسا لا تلحق آثاره ومجدا لا يعرفه بغير الدأب في العلم والعبادة ليله ونهاره
وعلق عن الشيخ أبي حامد التعليقة ولما توفي الشيخ أبو حامد درس مكانه
ثم سافر إلى الشام وأقام بثغر صور مرابطا محتسبا ينشر العلم
سمع أبا الحسين أحمد بن فارس اللغوي وشيخه أبا حامد الإسفرايني وأحمد بن عبد الله الأصبهاني وأحمد بن محمد البصير الرازي ومحمد بن عبد الله الجعفي ومحمد ابن جعفر التميمي الكوفيين وأحمد بن محمد المجبر وجماعة
روى عنه الكتاني وأبو بكر الخطيب والفقيه نصر المقدسي وأبو نصر
"""
صفحة رقم 389 """
الطريثيثي وعبد الرحمن بن علي الكاملي وسهل بن بشر الإسفرايني وخلق
وقع لنا الكثير من حديثه
"""
صفحة رقم 390 """
قال سهل الإسفرايني حدثني سليم أنه كان في سفرة بالري وله نحو عشر سنين فحضر بعض الشيوخ وهو يلقن فقال لي تقدم فاقرأ فجهدت أن أقرأ الفاتحة فلم أقدر على ذلك لانغلاق لساني
فقال ألك والدة
قلت نعم
قال قل لها تدعو لك أن يرزقك الله القرآن والعلم
"""
صفحة رقم 391 """
فرجعت فسألتها الدعاء فدعت لي ثم إني كبرت ودخلت بغداد فقرأت بها العربية والفقه ثم عدت إلى الري فبينا أنا في الجامع أقابل مختصر المزني وإذا الشيخ قد حضر وسلم علينا وهو لا يعرفني فسمع مقالتنا وهو لا يعلم ما نقول ثم قال متى نتعلم مثل هذا فأردت أن أقول إن كانت لك والدة قل لها تدعو لك فاستحييت منه
أو كما قال
416
سهل بن أحمد بن علي الحاكم أبو الفتح الأرغياني
صاحب الفتاوي
وأرغيان بفتح الألف وسكون الراء وكسر الغين المعجمة وفتح الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها النون اسم لناحية من نواحي نيسابور بها عدة من القرى
وسهل هذا هو الحاكم أبو الفتح من قرية بان بفتح الباء الموحدة من تحت وفي آخرها النون وهي من جملة أرغيان ولك أن تقول فيه الباني والأرغياني
قال ابن السمعاني إمام فاضل حسن السيرة
تفقه على القاضي الحسين بمرو الروذ وأقام عنده حتى حصل طريقته
ذكر أنه ما علق شيئا من المذهب إلا على طهارة
ودخل طوس وقرأ التفسير والأصول على شهفور الإسفرايني
ثم دخل نيسابور وقرأ الكلام على إمام الحرمين
"""
صفحة رقم 392 """
وعاد إلى ناحيته وولي القضاء بها وحمدت سيرته في ولايته ثم ترك القضاء وانزوى بعد ما حج واشتغل بالعبادة
سمع ينيسابور أبا عثمان الصابوني وأبا حفص بن مسرور وأبا سعد الكنجروذي وطبقتهم
وببوشنج أبا الحسن الداوودي
وبهراة أبا عمر المليحي
روى لنا عنه أبو طاهر السنجي
وكانت ولادته سنة ست وعشرين وأربعمائة
وتوفي أول يوم من محرم سنة تسعين وأربعمائة ببان
وأوصى أن يدفن في الصحراء
هذا كلام ابن السمعاني
417
سهل بن أحمد بن محمد بن حامد بن أسد بن إبراهيم الطوسي ثم الأبيوردي أبو عبيد
قال عبد الغافر فاضل فقيه من أفاضل فقهاء الشافعية
سمع من المخلدي وطبقته
وهو من بيت العلم والحديث والدين
مات في حد الكهولة
"""
صفحة رقم 393 """
418
سهل بن محمد بن سليمان بن موسى بن عيسى بن إبراهيم العجلي
الحنفي نسبا الأستاذ الكبير والبحر الواسع أبو الطيب الصعلوكي ولد الأستاذ أبي سهل
هو الفقيه الأديب مفتي نيسابور النجيب ابن النجيب الصعلوكي إلا أنه الغني الذي لا يسأل إلا ويجيب
ما أمه الطالب إلا وجده سهلا ولا أمله الراغب إلا وتلقاه بالبشر وقال له أهلا
جمع بين رياستي الدين والدنيا واتفق علماء عصره على إمامته وسيادته وجمعه بين العلم والعمل والأصالة والرياسة
يضرب المثل باسمه وتضرب أكباد الإبل للرحلة إلى مجلسه وكان يلقب شمس الإسلام
سمع أباه الأستاذ أبا سهل وبه تفقه وعليه تخرج ولديه ربي ومحمد بن يعقوب الأصم وأبا عمرو بن نجيد وأبا علي الرفاء وغيرهم
"""
صفحة رقم 394 """
روى عنه الحاكم أبو عبد الله والحافظ أبو بكر البيهقي ومحمد بن سهل وأبو نصر الشاذياخي وآخرون
قال الشيخ أبو إسحاق كان فقيها أديبا جمع رياسة الدين والدنيا وأخذ عنه فقهاء نيسابور
وقال الحاكم الفقيه الأديب مفتي نيسابور وابن مفتيها وأكتب من رأيناه من علمائها وأنظرهم
قال وقد كان بعض مشايخنا يقول من أراد أن يعلم النجيب ابن النجيب يكون بمشيئة الله تعالى فلينظر إلى سهل بن أبي سهل
واجتمع إليه الخلق اليوم الخامس من وفاة الأستاذ أبي سهل سنة تسع وستين وثلاثمائة
وقد تخرج به جماعة من الفقهاء بنيسابور وسائر مدن خراسان وتصدى للفتوى والقضاء والتدريس
قال وخرجت له الفوائد من سماعاته وحدث وأملى
قال وبلغني أنه وضع في مجلسه أكثر من خمسمائة محبرة عشية الجمعة الثالث والعشرين من المحرم سنة سبع وثمانين وثلاثمائة
"""
صفحة رقم 395 """
وكان أبوه يقول سهل والد
ودخلت على الأستاذ في ابتداء مرضه وسهل غائب إلى بعض ضياعه وكان الأستاذ يشكو ما هو فيه فقال غيبة سهل أشد علي من هذا الذي أنا فيه
وسمعت الرئيس أبا محمد الميكالي يقول الناس يتعجبون من كتابة الأستاذ أبي سهل وسهل أكتب منه
وسمعت أبا الأصبغ عبد العزيز بن عبد الملك وانصرف إلينا من نيسابور ونحن ببخارى فسألناه ما الذي استفدت هذه الكرة بنيسابور
فقال رؤية سهل بن أبي سهل فإني منذ فارقت وطني بأقصى المغرب وجئت إلى أقصى المشرق ما رأيت مثله
وقال أبو عاصم العبادي هو الإمام في الأدب والفقه والكلام والنحو والبارع في النظر
وقال الحافظ الإمام أثير الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن غانم بن أبي زيد المقرىء في كتابه الذي سماه الكتاب الذي أعده شافعي في مناقب الإمام الشافعي سهل بن محمد الصعلوكي كان فيما قيل عالما في شخص وأمة في نفس وإمام الدنيا بالإطلاق وشافعي عصره بالإطباق ومن لو رآه الشافعي لقرت عينه وشهد أنه صدر المذهب وعينه وأنا إن شاء الله أذكر محاسن هذا الإمام في كتاب شفاء الصدور في طبقة الأصحاب ليقف على حاله الجاهل والعالم فإن فضائله أشهر وأكثر من أن يحملها هذا الموضع
انتهى
"""
صفحة رقم 396 """
ذكره بعد أن أنشد الأبيات التي أنشأها المطوعي وسنذكرها
قلت وقد كتبت هذا من خط شيخنا الحافظ أبي العباس بن المظفر ولم يثبت أن الحافظ أثير الدين المشار إليه نقله من المطوعي في كتاب المذهب وأن المطوعي صنف الكتاب المذكور للإمام سهل المذكور
وأسند الحافظ ابن عساكر في كتاب التبيين إلى الحاكم أبي عبد الله قال سمعت الشيخ أبا الوليد حسان بن محمد فذكر حكاية ابن سريج والأبيات التي أنشدها في أنه عالم المائة الثالثة ثم كلام الحاكم في سهل والأبيات التي أنشدت فيه وقد ذكرنا ذلك في الطبقات الوسطى في ترجمة سهل ولم نذكره في هذا الكتاب في ترجمته لأنا قدمناه في ديباجة الكتاب والأبيات التي ذيلناها عليه فلا حاجة إلى الإعادة نعم نذكرها نظما في هذا المعنى الذي لم يسبق له ذكر فنقول وذكر أبو حفص عمر بن علي المطوعي في كتاب المذهب في ذكر مشايخ المذهب عن بعض أهل عصره
إنا روينا عن نبي الهدى
في السنة الواضحة السامية
بأن لله امرأ قائما
بالدين في كل تناهي مائة
فعمر الحبر حليف العلى
قام به في المائة البادئة
والشافعي المرتضى بعده
قرره في المائة الثانية
وابن سريج فراج له
في المائة الثالثة التالية
والشيخ سهل عمدة للورى
في المائة الرابعة الحالية
مات الأستاذ أبو الطيب في شهر رجب سنة أربع وأربعمائة بنيسابور
وقال أبو سعيد الشحام رأيته في المنام فقلت أيها الشيخ
"""
صفحة رقم 397 """
فقال دع الشيخ
فقلت وتلك الأحوال التي شاهدتها
فقال لم تغن عنا
فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي بمسائل كانت تسأل عنها العجز
ومن الرواية عن الأستاذ سهل بن أبي سهل
أنبأنا المسند أبو التقى صالح بن مختار الإسنوي قراءة عليه وأنا أسمع بالقاهرة والخطيب عز الدين أبو عبد الله محمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر سماعا عليه بقاسيون قالا أنبأنا أبو العباس أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي قال الأول سماعا وقال الثاني حضورا أنبأنا يحيى بن محمود الثقفي أخبرنا جدي الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي أخبرنا أبو نصر محمد بن سهل السراج حدثنا أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي حدثنا أبو سهل بشر بن يحيى المهرجاني حدثنا عبد الله بن ناجية حدثنا أحمد بن يحيى الجلاب حدثنا محمد بن الحسن عن سفيان عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء
"""
صفحة رقم 398 """
رضي الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إنما الحلم بالتحلم وإنما العلم بالتعلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه )
ومن شعره وقد أنشده أبو عاصم في الطبقات
(
سلوت عن الدنيا عزيزا قبلتها وجدت بها لما تناهت بآمالي )
(
علمت مصير الدهر كيف سبيله
فزايلتها قبل الزوال بأحوالي
ومن كلامه ورشيق عباراته في حكمه وفي فتاويه
فمن حكيم كلامه من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه
وقد أورده العبادي في الطبقات في ترجمته عنه وفي ترجمة أبيه الأستاذ أبي سهل عنه
وقد قيل أخذه من منصور الفقيه حيث قال الكلب أغلى قيمة
البيتين اللذين قدمناهما في ترجمة منصور في الطبقة الثالثة
ومنه إذا كان رضا الخلق معسورة لا يدرك كان ميسوره لا يترك
قلت أرشق منه قول الفقهاء الميسور لا يسقط بالمعسور
وهو مأخوذ من قول أفصح من نطق بالضاد ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )
ومنه إنما يحتاج إلى إخوان العشرة لزمان العسرة
"""
صفحة رقم 399 """
ومن رشيق فتاويه أجاب وقد سئل عمن مات ولم توجد الوديعة في تركته هل يضمنها لا إن مات عرضا نعم إن مات مرضا
"""
صفحة رقم 400 """
وعن لعب الشطرنج إذا سلم المال من الخسران والصلاة عن النسيان فذلك أنس بين الخلان كتبه سهل بن محمد بن سليمان
وقال مستدلا على أن وطء الثيب لا يمنع المشتري من الرد بالعيب إلمام من غير إيلام فلا يمنع قياسا على الاستخدام
ومن المسائل والفوائد عنه
قال ابن الصلاح روينا عن الإمام سهل أنه قال في قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) أراد فضل ثريد عمرو العلى الذي عظم نفعه وقدره وعم خيره وبره وبقي له ولعقبه ذكره حتى قال القائل فيه
(
عمرو العلى هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف )
(
سنت إليه الرحلتان كلاهما
سفر الشتاء ورحلة الأضياف ) قال ابن الصلاح أبعد سهل في تأويل الحديث والذي أراه أن معناه تفضيل ثريد كل طعام على باقي ذلك الطعام وسائر بمعنى باق وهو كذلك فإن خير اللحم حصل فيه فهو أفضل منه
"""
صفحة رقم 401 """
قلت إذا كان يريد عمرو العلى في ذلك الزمان هو المشهور فما أبعد سهل بل ما قاله هو الصواب والألف واللام في الثريد تنصرف إلى المعهود والمعهود عندهم المشهور لديهم ثريد عمرو العلى
ثم أنت ترى البيت كيف أورده ابن الصلاح ورجال مكة مسنتون عجاف ومن خط شيخنا الحافظ الثبت أبى الحجاج المزي نقلته والقصيدة مكسورة الفاء فيحتاج حينئذ إلى التحمل والتأويل في كسر الفاء من عجاف وهي صفة لمسنتون الذي هو خبر رجال مكة والناس كذلك ينشدون البيت ويستشكلونه والذي رأيته في السيرة في أصول معتمدة صحيحة ما نصه
عمرو العلى هشم الثريد لقومه
قوم بمكة مسنتين عجاف
سنت إليه الرحلتان كلاهما
سفر الشتاء ورحلة الأضياف
وعزاهما ابن إسحاق لشاعر من قريش لم يعينه وعلى هذا لا إشكال فيه
فرع من باب الإقرار
عن الأستاذ أبي الطيب قال القاضي أبو سعد الهروي إن الشيخ أبا الطيب يعني سهلا الصعلوكي فيما أحسب وافق أبا حنيفة على أن من قال في جواب المدعي عليه بالغصب ما غصبت من أحد قبلك ولا بعدك يكون مقرا له بالغصب
والمجزوم به في الرافعي وشرح المنهاج للوالد أنه ليس بإقرار
وناقل هذه المقالة عن ابن الصعلوكي فيما أحسب هو القاضي أبو عاصم العبادي فتبعه تلميذه القاضي أبو سعد وقد وافق أبو الطيب أبا حنيفة في مسائل من هذا النوع ينكرها بعض أصحابنا أو كثير منهم
"""
صفحة رقم 402 """
منها لو قال أعطني الألف التي لي عليك فقال نعم
وافق أبو الطيب الصعلوكي أبا حنيفة أنه إقرار
ومنها لو قال في الجواب لقد عممتني بهذا أو ما أكثر ما يتقاضاني به أو والله لأقضينك
وافق أبو الطيب أبا حنيفة على أنه إقرار
وفي الرافعي بعد أن نقل عن أبي حنيفة في هذه الصورة وما شابهها قوله بأنها إقرار إن أصحابنا مختلفون والميل إلى موافقته في أكثر الصور أكثر
ولم يبين الأكثر الذي ميلهم إلى موافقته فيه
أما لو قال علي ألف إلا أن يبدو لي
فهل هو إقرار هذه المسألة ليست في الرافعي وحكى النووي فيها وجهين في زوائد الروضة عن العدة والبيان وقال لعل الأصح أنه إقرار
وجزم الشيخ الإمام الوالد في شرح المنهاج بتصحيحه فقال إقرار في الأصح والمشهور في المذهب المنصوص خلاف ما صححناه ولا نعرف ما صححناه عن أحد من أصحابنا إلا عن أبي الطيب الصعلوكي وهو معروف به وإنما أشار صاحبا العدة والبيان بالوجهين إلى قوله مع مقابله
قال القاضي أبو سعد في الإشراف إذا قال علي ألف إلا أن يبدو لي فهو استثناء صحيح نص عليه الشافعي وهو قول أبي حنيفة والشيخ أبو الطيب لم يصحح هذا الاستثناء فجعله بمنزلة علي عشرة إلا عشرة لأنه استثناء يدفع الجميع والشافعي قاسه على قوله إن شاء الله
وهو يمنع الوجوب
انتهى
فهذا المنقول في المسألة غير أن قياسها على إن شاء الله لا يتضح كل الوضوح
"""
صفحة رقم 403 """
فإن بينهما فارقا من جهة أن قوله إلا أن يبدو لي مع قوله على ألف مما يتهافت فإن ثبوت الشيء على المرء لا يتوقف على أن يبدو له بخلاف مشيئة الله
فلعل ما صححه النووي وشيخنا أوجه غير أن الظن أنهما لو اطلعا على أن المنصوص المشهور خلافه لوقفا عن التصحيح أو لأمعنا النظر في المسألة إمعانا زائدا فلا ينبغي أن يعتمد تصحيحهما في هذه المسألة إلا بعد إحكام النظر
ونظير المسألة لو قال متى تقضي حقي فقال غدا
جعلها الرافعي مثل الصور التي قال أبو حنيفة إنها إقرار وأن الأصحاب مختلفون وميلهم إلى وفاقه في الأكثر أكثر والمقتصر على النظر في كلامه هذا يحسب أن الراجح عندنا في هذه الصورة أنها إقرار ومنقول المذهب أنها غير إقرار
قال القاضي أبو سعد يحتمل أنه أراد غدا في نار الله تعالى أقضي حقك لأنك ظلمتني في هذه الدعوى ويحتمل أجيب غدا أو غدا يتبين خطؤك
وقال القاضي يشرح الروياني يحتمل أن يريد غدا يكون غائبا أو ميتا
قلت وهب أنها احتمالات بعيدة إلا أن الإقرار يبنى على اليقين
ومنها لو قال أسرج دابة فلان هذه
قال نعم
أو أخبرني زيد أن لي عليك ألفا فقال نعم
قضية كلام الرافعي أنه إقرار وصريح كلام القاضي أبي سعد أنه على الخلاف وظاهره أن جادة المذهب أنه غير إقرار وأنه لا يقول بكونه إقرارا من أصحابنا غير
"""
صفحة رقم 404 """
أبي الطيب الصعلوكي وأنه وافق فيه أبا حنيفة فلينظر الناظر هذه الألفاظ وليشبعها فكرا وكشفا فإني لم أستوعب النظر فيها ولم أمعن فيها كتب المذهب ولا ينبغي لأحد أن يقتصر فيها على الرافعي والروضة فإن كلام من ذكرناه يدل على أن جادة المذهب على خلاف ما يفهمانه ، ، ، انتهى بحمد الله الجزء الرابع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام لمحمد رشيد رضا

  حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح  المحمدي العام لمحمد رشيد رضا تعليق: محمد ناصر الدين الألباني  ( صحيح ) عن عائشة رضي الله ...